تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : وما محمد إلا رسول قد خلت من ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 144 من سورةآل عمران - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾
[ سورة آل عمران: 144]

معنى و تفسير الآية 144 من سورة آل عمران : وما محمد إلا رسول قد خلت من .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : وما محمد إلا رسول قد خلت من


يقول تعالى: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أي: ليس ببدع من الرسل، بل هو من جنس الرسل الذين قبله، وظيفتهم تبليغ رسالات ربهم وتنفيذ أوامره، ليسوا بمخلدين، وليس بقاؤهم شرطا في امتثال أوامر الله، بل الواجب على الأمم عبادة ربهم في كل وقت وبكل حال، ولهذا قال: أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم بترك ما جاءكم من إيمان أو جهاد، أو غير ذلك.
قال [الله] تعالى: ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا إنما يضر نفسه، وإلا فالله تعالى غني عنه، وسيقيم دينه، ويعز عباده المؤمنين، فلما وبخ تعالى من انقلب على عقبيه، مدح من ثبت مع رسوله، وامتثل أمر ربه، فقال: وسيجزي الله الشاكرين والشكر لا يكون إلا بالقيام بعبودية الله تعالى في كل حال.
وفي هذه الآية الكريمة إرشاد من الله تعالى لعباده أن يكونوا بحالة لا يزعزعهم عن إيمانهم أو عن بعض لوازمه، فقدُ رئيس ولو عظم، وما ذاك إلا بالاستعداد في كل أمر من أمور الدين بعدة أناس من أهل الكفاءة فيه، إذا فقد أحدهم قام به غيره، وأن يكون عموم المؤمنين قصدهم إقامة دين الله، والجهاد عنه، بحسب الإمكان، لا يكون لهم قصد في رئيس دون رئيس، فبهذه الحال يستتب لهم أمرهم، وتستقيم أمورهم.
وفي هذه الآية أيضا أعظم دليل على فضيلة الصديق الأكبر أبي بكر، وأصحابه الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم هم سادات الشاكرين.

تفسير البغوي : مضمون الآية 144 من سورة آل عمران


قوله عز وجل : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) قال أصحاب المغازي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالشعب من أحد في سبعمائة رجل ، وجعل عبد الله بن جبير وهو أخو خوات بن جبير على الرجالة وكانوا خمسين رجلا وقال : أقيموا بأصل الجبل وانضحوا عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا ، فإن كانت لنا أو علينا فلا تبرحوا مكانكم حتى أرسل إليكم فإنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم فجاءت قريش وعلى ميمنتهم خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل ومعهم النساء يضربن بالدفوف ويقلن الأشعار فقاتلوا حتى حميت الحرب فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا فقال من يأخذ هذا السيف بحقه ويضرب به العدو حتى يثخن ، فأخذه أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري فلما أخذه اعتم بعمامة حمراء وجعل يتبختر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها لمشية يبغضها الله تعالى إلا في هذا الموضع " ففلق به هام المشركين وحمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على المشركين فهزموهم .
وروينا عن البراء بن عازب قال : فأنا والله رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن فقال أصحاب عبد الله بن جبير : الغنيمة والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة فلما أتوهم صرفت وجوههم .
وقال الزبير بن العوام : فرأيت هندا وصواحباتها هاربات مصعدات في الجبل ، باديات خدامهن ما دون أخذهن شيء فلما نظرت الرماة إلى القوم قد انكشفوا ورأوا أصحابهم ينتهبون الغنيمة أقبلوا يريدون النهب .
فلما رأى خالد بن الوليد قلة الرماة واشتغال المسلمين بالغنيمة ، ورأى ظهورهم خالية صاح في خيله من المشركين ، ثم حمل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من خلفهم فهزموهم وقتلوهم ، ورمى عبد الله بن قمئة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر أنفه ورباعيته وشجه في وجهه فأثقله وتفرق عنه أصحابه ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صخرة يعلوها ، وكان قد ظاهر بين درعين فلم يستطع فجلس تحته طلحة فنهض حتى استوى عليها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوجب طلحة " ووقعت هند والنسوة معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدعن الآذان والأنوف حتى اتخذت هند من ذلك قلائد ، وأعطتها وحشيا وبقرت عن كبدة حمزة ولاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها ، وأقبل عبد الله بن قمئة يريد قتل النبي صلى الله عليه وسلم فذب مصعب بن عمير - وهو صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله ابن قمئة ، وهو يرى أنه قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى المشركين وقال : إني قتلت محمدا وصاح صارخ ألا إن محمدا قد قتل ، ويقال : إن ذلك الصارخ كان إبليس ، فانكفأ الناس وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس : " إلي عباد الله ( إلي عباد الله ) فاجتمع إليه ثلاثون رجلا فحموه حتى كشفوا عنه المشركين ورمى سعد بن أبي وقاص حتى اندقت سية قوسه ونثل له رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته ، وقال له : ارم فداك أبي وأمي ، وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا ، وكان الرجل يمر بجعبة من النبل فيقول : انثرها لأبي طلحة ، وكان إذا رمى أشرف النبي صلى الله عليه وسلم فينظر إلى موضع نبله وأصيبت يد طلحة بن عبيد الله فيبست حين وقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصيبت عين قتادة بن النعمان يومئذ حين وقعت على وجنته ، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانها ، فعادت كأحسن ما كانت .
فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركه أبي بن خلف الجمحي ، وهو يقول : لا نجوت إن نجوت فقال القوم : يا رسول الله ألا يعطف عليه رجل منا؟ فقال صلى الله عليه وسلم : دعوه حتى إذا دنا منه وكان أبي قبل ذلك يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : عندي رمكة أعلفها كل يوم فرق ذرة أقتلك عليها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل أنا أقتلك إن شاء الله ، فلما دنا منه تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة ثم استقبله فطعنه في عنقه فخدشه خدشة فتدهدأ عن فرسه وهو يخور كما يخور الثور ، ويقول : قتلني محمد ، فأخذه أصحابه وقالوا : ليس عليك بأس قال : بلى لو كانت هذه الطعنة بربيعة ومضر لقتلتهم ، أليس قال لي : أقتلك؟ فلو بزق علي بعد تلك المقالة لقتلني ، فلم يلبث إلا يوما حتى مات بموضع يقال له سرف .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا عمرو بن علي ، أنا أبو عاصم ، عن ابن جريج عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : اشتد غضب الله على من قتله نبي واشتد غضب الله على من دمى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قالوا : وفشا في الناس أن محمدا قد قتل فقال بعض المسلمين : ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أمانا من أبي سفيان ، وبعض الصحابة جلسوا وألقوا بأيديهم ، وقال أناس من أهل النفاق : إن كان محمدا قد قتل فالحقوا بدينكم الأول ، فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك : يا قوم إن كان قتل محمد فإن رب محمد لم يقتل وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وموتوا على ما مات عليه ثم قال : اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء يعني المسلمين ، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعني المنافقين ، ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل .
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق إلى الصخرة وهو يدعو الناس فأول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك ، قال عرفت عينيه تحت المغفر تزهران فناديت بأعلى صوتي : يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إلي أن اسكت فانحازت إليه طائفة من أصحابه ، فلامهم النبي صلى الله عليه وسلم على الفرار فقالوا : يا نبي الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا ، أتانا الخبر بأنك قد قتلت فرعبت قلوبنا فولينا مدبرين فأنزل الله تعالى هذه الآية ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل )ومحمد هو المستغرق لجميع المحامد ، لأن الحمد لا يستوجبه إلا الكامل والتحميد فوق الحمد ، فلا يستحقه إلا المستولي على الأمر في الكمال ، وأكرم الله نبيه وصفيه باسمين مشتقين من اسمه جل جلاله ( محمد وأحمد ) وفيه يقول حسان بن ثابت :ألم تر أن الله أرسل عبده ببرهانه والله أعلى وأمجد وشق له من اسمه ليجلهفذو العرش محمود وهذا محمدقوله تعالى : ( أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) رجعتم إلى دينكم الأول ، ( ومن ينقلب على عقبيه ) فيرتد عن دينه ، ( فلن يضر الله شيئا ) بارتداده وإنما يضر نفسه ، ( وسيجزي الله الشاكرين ) .

التفسير الوسيط : وما محمد إلا رسول قد خلت من


قال ابن كثير: لما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد، وقتل من قتل منهم، نادى الشيطان: ألا إن محمدا قد قتل، ورجع ابن قميئة إلى المشركين فقال لهم: قتلت محمدا.
وإنما قد ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فشجه في رأسه.
فوقع ذلك في قلوب كثير من الناس، واعتقدوا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد قتل، فحصل ضعف ووهن وتأخر- بين المسلمين- عن القتال.
ففي ذلك أنزل الله تعالى- وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ الآية .
وقوله-تبارك وتعالى- وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ تقرير لحقيقة ثابتة، ولأمر مؤكد، وهو أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم واحد من البشر، وأنه سيموت كما يموت جميع البشر، وأنه ليس له صفة تميزه عن سائر البشر سوى الرسالة التي وهبها الله-تبارك وتعالى- له، ومنحه إياها، وأن هذه الرسالة لا تقتضي بقاءه أو خلوده، إذ الرسل الذين سبقوه قد أدوا رسالتهم في الحياة كما أمرهم خالقهم ثم ماتوا أو قتلوا.
ومادام الأمر كذلك فمحمد صلّى الله عليه وسلّم سيموت وينتقل إلى الرفيق الأعلى كما مات الذين سبقوه من الأنبياء، وكما سيموت جميع البشر.
والقصر في قوله-تبارك وتعالى-: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ من باب قصر الموصوف على الصفة، أى قصر محمد صلّى الله عليه وسلّم على وصف الرسالة قصرا إضافيا.
وفي هذا القصر رد على ما صدر من بعض المسلمين من اضطراب وضعف حين أرجف المنافقون في غزوة أحد بأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد قتل.
فكأنه-تبارك وتعالى- يقول لهم: إن محمدا صلّى الله عليه وسلّم رسول من الرسل الذين أرسلهم الله لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وسيكون مصيره إلى الموت إن عاجلا أو آجلا كما هو شأن سائر البشر الذين اصطفى الله-تبارك وتعالى- منهم رسله، إلا أن رسالته التي جاء بها من عند الله لن تموت من بعده، بل ستستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يصح أن يضعف أتباعه في عقيدتهم أو في تبليغ رسالته من بعده، بل عليهم أن يستمسكوا بما جاءهم به، وأن يدافعوا عنه بأنفسهم وأموالهم.
ولذا فقد وبخ الله-تبارك وتعالى- بعض المسلمين الذين صدر منهم اضطراب أو ضعف عند ما أشاع ضعاف النفوس بأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد قتل في غزوة أحد فقال-تبارك وتعالى-: أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ؟أى: إذا مات محمد صلّى الله عليه وسلّم- أيها المؤمنون- وقد علمتم أن موته حق لا ريب فيه، أو قتل وهو يدافع عن دينه وعقيدته، انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ أى: رجعتم إلى ما كنتم عليه من الكفر والضلال.
والانقلاب: الرجوع إلى المكان.
وهو هنا مجاز في الرجوع إلى الحال التي كانوا عليها قبل الإسلام.
يقال لكل من رجع إلى حاله السيئ الأول: نكص على عقبيه، وارتد على عقبيه.
والعقب مؤخر الرجل.
وجمعه أعقاب.
قال صاحب الكشاف: قوله أَفَإِنْ ماتَ الفاء معلقة للجملة الشرطية بالجملة قبلها على معنى التسبب.
والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلو الرسل قبله سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد هلاكه بموت أو قتل، مع علمهم أن خلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكا به يجب أن يجعل سببا للتمسك بدين محمد صلّى الله عليه وسلّم لا للانقلاب عنه.
فإن: قلت: لم ذكر القتل وقد علم أنه لا يقتل؟ قلت: لكونه مجوزا عند المخاطبين.
فإن قلت: أما علموه من ناحية قوله: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ؟ قلت: هذا مما يختص بالعلماء منهم وذوى البصيرة» .
وفي قوله انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تنفير شديد من الرجوع إلى الضلال بعد الهدى، وتصوير بليغ لمن ارتد عن الحق بعد أن هداه الله إليه.
فقد صور- سبحانه - حالة من ترك الهداية إلى الضلال، بحالة من رجع إلى الوراء وبصره إلى الأمام، وأعقابه هي التي تقوده إلى الخلف، وهو في حالة انتكاس، بأن جعل رأسه إلى أسفل وعقبه إلى أعلا.
ولا شك أن هذا أقبح منظر يكون عليه الإنسان.
وقوله وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً الغرض منه تأكيد الوعيد، لأن كل عاقل يعلم أن الله-تبارك وتعالى- لا يضره كفر الكافرين.
أى: ومن ينقلب على عقبيه بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن يرجع إلى ما كان عليه من الكفر والضلال، فلن يضر الله شيئا من الضرر وإن قل، إنما يضر نفسه بتعريضها للسخط والعذاب، وبحرمانها من الأجر والثواب.
ثم أتبع- سبحانه - هذا الوعيد بالوعد فقال: وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ أى: وسيثيب الله-تبارك وتعالى- الثابتين على الحق والصابرين على الشدائد الشاكرين له نعمه في السراء والضراء، سيثيبهم على ذلك بالنصر في الدنيا وبرضوانه في الآخرة.
وعبر هنا بالشاكرين ولم يعبر بالصابرين مع أن الصبر في هذا الموطن أظهر، وذلك لأن الشكر في هذا المقام هو أسمى درجات الصبر، لأن هؤلاء المؤمنين الصادقين الذين وقفوا إلى جانب النبي صلّى الله عليه وسلّم في ساعة العسرة، لم يكتفوا بتحمل البلاء معه فقط، بل تجاوزوا حدود الصبر إلى حدود الشكر على هذه الشدائد التي ميزت الخبيث من الطيب، فالشكر هنا صبر وزيادة، وقليل من الناس هو الذي يكون على هذه الشاكلة، ولذا قال تعالى وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ فالآية الكريمة قد تضمنت عتابا وتوبيخا لأولئك المسلمين الذين ضعف يقينهم، وفترت همتهم، عند ما أرجف المرجفون في غزوة أحد بأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد قتل.
كما تضمنت الثناء الجزيل على أولئك الثابتين الصابرين الذين لم تؤثر في قوة إيمانهم تلك الأراجيف الكاذبة، بل مضوا في جهادهم وثباتهم بدون تردد أو تزعزع ولقد كان الثابتون حول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة أحد كثيرين ومن بينهم أنس بن النضر- رضى الله عنه-، فقد روى البخاري عن أنس- رضى الله عنه- قال: غاب عمى أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال:يا رسول الله.
غبت عن أول قتال قاتلت فيه المشركين، لئن أشهدنى الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع.
فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون.
قال: اللهم إنى أعتذر إليك مما صنع هؤلاء- يعنى المسلمين-.
وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء- يعنى المشركين-.
ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ.
فقال: يا سعد بن معاذ!! الجنة ورب النضر إنى لأجد ريحها من دون أحد.
قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع.
قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل، وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته بينانه.
قال أنس كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ .
كما تضمنت الآية الكريمة التحذير عن الارتداد عن دين الله بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وبيان أنه بشر من البشر، وأنه يموت كما يموت سائر البشر، وأن رسالته هي الخالدة الباقية، فمن تمسك بها فقد سعد وفاز.
ومن أعرض عنها فلن يضر الله شيئا.

تفسير ابن كثير : شرح الآية 144 من سورة آل عمران


لما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد ، وقتل من قتل منهم ، نادى الشيطان : ألا إن محمدا قد قتل . ورجع ابن قميئة إلى المشركين فقال لهم : قتلت محمدا . وإنما كان قد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشجه في رأسه ، فوقع ذلك في قلوب كثير من الناس واعتقدوا أن رسول الله قد قتل ، وجوزوا عليه ذلك ، كما قد قص الله عن كثير من الأنبياء ، عليهم السلام ، فحصل وهن وضعف وتأخر عن القتال ففي ذلك أنزل الله [ عز وجل ] على رسوله صلى الله عليه وسلم : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) أي : له أسوة بهم في الرسالة وفي جواز القتل عليه .قال ابن أبي نجيح ، عن أبيه ، أن رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه ، فقال له : يا فلان أشعرت أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل ؟ فقال الأنصاري : إن كان محمد [ صلى الله عليه وسلم ] قد قتل فقد بلغ ، فقاتلوا عن دينكم ، فنزل : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) رواه [ الحافظ أبو بكر ] البيهقي في دلائل النبوة .ثم قال تعالى منكرا على من حصل له ضعف : ( أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) أي : رجعتم القهقرى ( ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) أي الذين قاموا بطاعته وقاتلوا عن دينه ، واتبعوا رسوله حيا وميتا .وكذلك ثبت في الصحاح والمساند والسنن وغيرها من كتب الإسلام من طرق متعددة تفيد القطع ، وقد ذكرت ذلك في مسندي الشيخين أبي بكر وعمر ، رضي الله عنهما ، أن الصديق - رضي الله عنه - تلا هذه الآية لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم .وقال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن عقيل عن ابن شهاب ، أخبرني أبو سلمة ، أن عائشة ، رضي الله عنها ، أخبرته أن أبا بكر ، رضي الله عنه ، أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد ، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغشى بثوب حبرة ، فكشف عن وجهه [ صلى الله عليه وسلم ] ثم أكب عليه وقبله وبكى ، ثم قال : بأبي أنت وأمي . والله لا يجمع الله عليك موتتين ، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها .وقال الزهري : وحدثني أبو سلمة عن ابن عباس ، أن أبا بكر خرج وعمر يحدث الناس فقال : اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس ، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر ، فقال أبو بكر : أما بعد ، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، قال الله تعالى : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) إلى قوله : ( وسيجزي الله الشاكرين ) قال : فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر ، فتلقاها الناس منه كلهم ، فما سمعها بشر من الناس إلا تلاها .وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال : والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي وحتى هويت إلى الأرض .وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة القناد ، حدثنا أسباط بن نصر ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن عليا كان يقول في حياة رسول الله : ( أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت ، والله إني لأخوه ، ووليه ، وابن عمه ، ووارثه فمن أحق به مني ؟ .

تفسير الطبري : معنى الآية 144 من سورة آل عمران


القول في تأويل قوله : وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وما محمد إلا رسول كبعض رسل الله الذين أرسلهم إلى خلقه، داعيًا إلى الله وإلى طاعته، الذين حين انقضت آجالهم ماتوا وقبضهم الله إليه.
(14) يقول جل ثناؤه: فمحمد صلى الله عليه وسلم إنما هو فيما الله به صانعٌ من قبضه إليه عند انقضاء مدة أجله، كسائر رسله إلى خلقه الذين مضوْا قبله، (15) وماتوا عند انقضاء مدة آجالهم.
ثم قال لأصحاب محمد، معاتبَهم على ما كان منهم من الهلع والجزع حين قيل لهم بأحُد: " إنّ محمدًا قتل "، ومُقبِّحًا إليهم انصرافَ من انصرفَ منهم عن عدوهم وانهزامه عنهم: أفائن مات محمد، أيها القوم، لانقضاء مدة أجله، أو قتله عدو = (16) " انقلبتم على أعقابكم "، = يعني: ارتددتم عن دينكم الذي بعث الله محمدًا بالدعاء إليه ورجعتم عنه كفارًا بالله بعد الإيمان به، وبعد ما قد وَضَحت لكم صحةُ ما دعاكم محمد إليه، وحقيقةُ ما جاءكم به من عند ربه =" ومن ينقلب على عقبيه "، يعني بذلك: ومن يرتدد منكم عن دينه ويرجع كافرًا بعد إيمانه، (17) =" فلن يضر الله شيئًا " يقول: فلن يوهن ذلك عزة الله ولا سلطانه، ولا يدخل بذلك نقصٌ في ملكه، (18) بل نفسه يضر بردَّته، وحظَّ نفسه ينقص بكفره =" وسيجزي الله الشاكرين "، يقول: وسيثيب الله من شكره على توفيقه وهدايته إياه لدينه، بثبوته على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إن هو مات أو قتل، واستقامته على منهاجه، وتمسكه بدينه وملته بعده.
كما:-7938- حدثنا المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن هاشم قال، أخبرنا سيف بن عمر، (19) عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي في قوله: " وسيجزي الله الشاكرين "، الثابتين على دينهم أبا بكر وأصحابه.
فكان عليّ رضي الله عنه يقول: كان أبو بكر أمين الشاكرين، وأمين أحِباء الله، وكان أشكرَهم وأحبَّهم إلى الله.
7939- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن العلاء بن بدر قال: إن أبا بكر أمينُ الشاكرين.
وتلا هذه الآية: " وسيجزي الله الشاكرين ".
(20)7940- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " وسيجزي الله الشاكرين "، أي: من أطاعه وعمل بأمره.
(21)* * *وذكر أن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن انهزم عنه بأحد من أصحابه.
*ذكر الأخبار الواردة بذلك:7941- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " إلى قوله: " وسيجزي الله الشاكرين "، ذاكم يوم أحُد، حين أصابهم القَرْح والقتل، ثم تناعوا نبي الله صلى الله عليه وسلم تَفِئة ذلك، (22) فقال أناسٌ: " لو كان نبيًّا ما قتل "! وقال أناس من عِليْة أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم: " قاتلوا على ما قاتل عليه محمدٌ نبيكم حتى يفتح الله لكم أو تلحقوا به "! فقال الله عز وجل: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن ماتَ أو قتل انقلبتم على أعقابكم "، يقول: إن مات نبيكم أو قُتل، ارتددتم كفارًا بعد إيمانكم.
7942- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بنحوه = وزاد فيه، قال الربيع: وذكر لنا والله أعلم، أنّ رجلا من المهاجرين مرّ على رجل من الأنصار وهو يتشحَّط في دمه، (23) فقال: يا فلان، أشعرت أنّ محمدًا قد قتل؟ (24) فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل، فقد بلَّغ، فقاتلوا عن دينكم.
فأنزل الله عز وجل: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم "، يقول: ارتددتم كفارًا بعد إيمانكم.
7943- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: لما برز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحُد إليهم - يعني: إلى المشركين - أمر الرماة فقاموا بأصل الجبل في وجوه خيل المشركين وقال: " لا تبرحوا مكانكم إن رأيتمونا قد هزمناهم، فإنا لن نزال غالبين ما ثبتُّم مكانكم ".
(25) وأمرَّ عليهم عبد الله بن جبير، أخا خوَّات بن جبير.
(26)= ثم شدّ الزبيرُ بن العوام والمقدادُ بن الأسود على المشركين فهزماهم، وحمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهزموا أبا سفيان.
فلما رأى ذلك خالد بن الوليد، وهو على خيل المشركين، كرّ.
(27) فرمته الرماة فانقمع.
(28) فلما نظرَ الرماة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه، بادرُوا الغنيمة، فقال بعضهم: " لا نترك أمرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم "! فانطلق عامتهم فلحقوا بالعسكر.
فلما رأى خالد قلة الرماة، صاح في خيله ثم حمل، فقتل الرماة وحَمل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما رأى المشركونَ أنّ خيلهم تقاتل، تنادوْا، (29) فشدُّوا على المسلمين فهزموهم وقتلوهم.
(30) .
=فأتى ابن قميئة الحارثي - أحد بني الحارث بن عبد مناف بن كنانة (31) - فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسرَ أنفه ورباعيته، وشجَّه في وجهه فأثقله، (32) وتفرق عنه أصحابه، ودخل بعضهم المدينة، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها.
وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس: " إليَّ عباد الله! إلى عباد الله!"، فاجتمع إليه ثلاثون رجلا فجعلوا يسيرون بين يديه، فلم يقف أحدٌ إلا طلحة وسهل بن حنيف.
فحماه طلحة، فَرُمِيَ بسهم في يده فيبست يده.
= وأقبل أبي بن خلف الجمحي - وقد حلف ليقتلن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنا أقتله (33) - فقال: يا كذاب، أين تفرّ؟ فحمل عليه، فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في جيب الدرع، (34) فجُرح جَرحًا خفيفًا، فوقع يخور خوار الثور.
(35) فاحتملوه وقالوا: ليس بك جراحة!، [فما يُجزعك]؟ (36) قال: أليس قال: " لأقتلنك "؟ لو كانت لجميع ربيعة ومضر لقتلتهم! ولم يلبث إلا يومًا وبعض يوم حتى مات من ذلك الجرح.
= وفشا في الناس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قُتل، فقال بعض أصحاب الصخرة: " ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي، فيأخذ لنا أمَنَةً من أبي سفيان!! يا قوم، إن محمدًا قد قتل، فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم ".
(37) قال أنس بن النضر: " يا قوم، إن كان محمد قد قُتل، فإن رب محمد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم إنى أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء "! ثم شدّ بسيفه فقاتل حتى قتل.
= وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس، حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة.
فلما رأوه، وضع رجُل سهمًا في قوسه فأراد أن يرميه، فقال: " أنا رسول الله "! ففرحوا حين وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيًّا، وفرحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أنّ في أصحابه من يمتنع به.
(38) فلما اجتمعوا وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذهب عنهم الحزن، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا.
(39)= فقال الله عز وجل للذين قالوا: إن محمدًا قد قتل، فارجعوا إلى قومكم " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن ماتَ أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئًا وسيجزي الله الشاكرين ".
(40)7944- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " ومن ينقلب على عقبيه "، قال: يرتدّ.
7945- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه = وحدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه =: أنّ رجلا من المهاجرين مرّ على رجل من الأنصار وهو يتشحَّط في دمه، فقال: يا فلان أشعرت أن محمدًا قد قتل! فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل، فقد بلَّغ! فقاتلوا عن دينكم.
7946- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق قال، حدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع، أخو بني عدي بن النجار قال: انتهى أنس بن النضر = عم أنس بن مالك = إلى عمر، وطلحة بن عبد الله، في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم، (41) فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل محمدٌ رسول الله! قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله! واستقبل القومَ فقاتل حتى قتل = وبه سمي أنس بن مالك.
(42)7947- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قال: نادى منادٍ يوم أحد حين هزم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: " ألا إنّ محمدًا قد قتل، فارجعوا إلى دينكم الأول "! فأنزل الله عز وجل: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل "، الآية.
7948- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: القى في أفواه المسلمين يومَ أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل، فنزلت هذه الآية: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية.
7949- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتزل هو وعصابة معه يومئذ على أكمة، والناس يفرُّون، ورجل قائم على الطريق يسألهم: " ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم "؟ وجعل كلما مروا عليه يسألهم، فيقولون: " والله ما ندري ما فعل "! فقال: " والذي نفسي بيده، لئن كان النبي صلى الله عليه وسلم قُتل، لنعطينَّهم بأيدينا، إنهم لعشائرنا وإخواننا "! وقالوا: " إن محمدًا إن كان حيًّا لم يهزم، ولكنه قُتل "! فترخَّصوا في الفرار حينئذ.
فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل "، الآية كلها.
7950- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية، ناس من أهل الارتياب والمرض والنفاق، قالوا يوم فرّ الناس عن نبي الله صلى الله عليه وسلم وشُجَّ فوق حاجبه وكُسرت رباعيته: " قُتل محمد، فالحقوا بدينكم الأول "! فذلك قوله: " أفإئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ".
7951- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " أفائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم "، قال: ما بينكم وبين أن تدعوا الإسلام وتنقلبوا على أعقابكم إلا أن يموت محمد أو يقتل! فسوف يكون أحد هذين: فسوف يموت، أو يقتل.
7952- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل "، إلى قوله: " وسيجزي الله الشاكرين "، أي: لقول الناس: " قتل محمد "، وانهزامهم عند ذلك وانصرافهم عن عدوهم = أي: أفائن مات نبيكم أو قتل، رجعتم عن دينكم كفارًا كما كنتم، وتركتم جهاد عدوكم وكتابَ الله، وما قد خلف نبيُّه من دينه معكم وعندكم، وقد بين لكم فيما جاءكم عني أنه ميتٌ ومفارقكم؟ =" ومن ينقلب على عقبيه "، أي: يرجع عن دينه =" فلن يضر الله شيئا "، أي: لن ينقص ذلك من عز الله ولا ملكه ولا سلطانه.
(43)7953- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: قال: أهل المرض والارتياب والنفاق، حين فرّ الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم: " قد قتل محمد، فألحقوا بدينكم الأول "! فنزلت هذه الآية.
* * *قال أبو جعفر: ومعنى الكلام: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفتنقلبون على أعقابكم، إن مات محمد أو قتل؟ ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئا = فجعل الاستفهام في حرْف الجزاء، ومعناه أن يكون في جوابه.
وكذلك كلّ استفهام دخل على جزاء، فمعناه أن يكون في جوابه.
لأن الجواب خبرٌ يقوم بنفسه، والجزاء شرط لذلك الخبر، ثم يجزم جوابه وهو كذلك ومعناه الرفع، لمجيئه بعد الجزاء، كما قال الشاعر: (44)حَلَفْتُ لَهُ إنْ تُدْلِجِ اللَّيلَ لا يَزَلْأَمَامَك بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِي سَائِر (45)فمعنى " لا يزل " رفع، ولكنه جزم لمجيئه بعد الجزاء، فصار كالجواب.
ومثله: أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [سورة الأنبياء: 34] و فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ [سورة المزمل: 17]، (46) ولو كان مكان فَهُمُ الْخَالِدُونَ ،" يخلدون "، وقيل: " أفائن مت يخلدوا "، جاز الرفع فيه والجزم.
وكذلك لو كان مكان " انقلبتم "،" تنقلبوا "، جاز الرفع والجزم، لما وصفت قبل.
(47) وتركت إعادة الاستفهام ثانية مع قوله: " انقلبتم "، اكتفاءً بالاستفهام في أول الكلام، وأنّ الاستفهام في أوَّله دالٌّ على موضعه ومكانه.
وقد كان بعض القرأة يختار في قوله: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [سورة المؤمنون : 82 سورة الصافات: 16سورة الواقعة: 47]، (48) ترك إعادة الاستفهام مع " أئنا "، اكتفاء بالاستفهام في قوله: أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا ، ويستشهد على صحة وجه ذلك بإجماع القرأة على تركهم إعادة الاستفهام مع قوله: (49) " انقلبتم "، اكتفاء بالاستفهام في قوله: " أفائن مات "، إذ كان دالا على معنى الكلام وموضع الاستفهام منه.
(50) وكان يفعل مثل ذلك في جميع القرآن.
وسنأتي على الصواب من القول في ذلك إن شاء الله إذا انتهينا إليه.
(51)------------------الهوامش :(14) قوله: "الذين حين انقضت آجالهم" ، من صفة"رسل الله" الذين ذكرهم قبل.
(15) في المخطوطة والمطبوعة: "كسائر مدة رسله إلى خلقه" بزيادة"مدة" ، وهي مفسدة للكلام وكأنها سبق قلم من الناسخ ، فلذلك أسقطتها.
(16) في المطبوعة: "أو قتله عدوكم" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(17) انظر تفسير"انقلب على عقبيه" فيما سلف 3: 163.
(18) في المطبوعة: "ولا يدخل بذلك" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(19) في المطبوعة: "سيف بن عمرو" ، وهو خطأ والصواب من المخطوطة.
وهو: "سيف بن عمر التميمي" صاحب كتاب الردة والفتوح.
وقد أكثر أبو جعفر سياق روايته في تاريخه.
(20) الأثر: 7939-"العلاء بن بدر" ، هو: "العلاء بن عبد الله بن بدر الغنوي" ، نسب إلى جده ، أرسل عن علي.
وهو ثقة.
مترجم في التهذيب.
(21) الأثر: 7940- سيرة ابن هشام 3: 118 ، وهو من تتمة الآثار التي آخرها: 7937.
(22) في المطبوعة: "ثم تنازعوا نبي الله صلى الله عليه وسلم بقية ذلك" ، وهو كلام أهدر معناه.
وأما السيوطي في الدر المنثور 2: 80 فقد خفى عليه صواب الكلام ، فجعله: "ثم تداعوا نبي الله قالوا قد قتل" ، ولعلها رواية الربيع ، كما نسبها إليه.
أما المخطوطة فإن فيها"ساعوا" ، و" ذلك" غير منقوطة.
وصواب قراءتها ما أثبت.
وقوله: "تناعوا نبي الله" أي نعاه بعضهم لبعض ، قالوا: قتل نبي الله.
وكانت العرب تتناعى في الحرب ، ينعون قتلاهم ليحرضوهم على القتل وطلب الثأر.
وقوله: "تفئة ذلك" ، أي: على إثر ذلك.
يقال: "أتيته على تفئة ذلك" أي: على حينه وزمانه.
وفي الحديث: "دخل عمر فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم دخل أبو بكر على تفئة ذلك" ، أي على إثره ، وفي ذلك الحين.
(23) تشحط القتيل في دمه: تخبط فيه واضطرب وتمرغ.
(24) قوله: "أشعرت" ، أي: أعلمت.
(25) نص ما في تاريخ الطبري: "إن رأيتم قد هزمناهم ، فإنا لا نزال غالبين" ، وهي أجود ، وأخشى أن يكون ما في التفسير من تصرف الناسخ.
ثم انظر ما سيأتي رقم: 8004.
(26) بين هذه الفقرة والتي تليها ، كلام قد اختصره أبو جعفر ، وأثبته في روايته في التاريخ.
(27) في المطبوعة مكان"كر""قدم" بمعنى أقدم.
وهو تصرف كالمقبول من الناشر الأول ، ولكنه في المخطوطة"لر" وعلى الراء شدة ، وصواب قراءتها ما أثبت.
"كر على العدو" رجع وعطف ثم حمل عليه.
وأما رواية التاريخ ، ففيها مكان"كر""حمل" ، وهما سواء في المعنى ، والأولى أجودهما.
وانظر ما سيأتي في التعليق على الأثر: 8004.
(28) انقمع: رجع وارتد وتداخل فرقًا وخوفًا.
(29) في المطبوعة: "تبادروا" ، وهو خطأ غث ، والصواب من المخطوطة والتاريخ ، ومن الأثر الآتي: 8004.
وقوله: "تنادوا" تداعوا ونادى بعضهم بعضًا لكي يؤوبوا إلى المعرك.
(30) إلى هذا الموضع من الأثر ، انتهى ما رواه أبو جعفر في تاريخه 3: 14 ، 15 ، وسيأتي تخريج بقية الأثر كله في آخره.
وانظر ما سيأتي رقم: 8004.
(31) في المطبوعة والمخطوطة: "بني الحارث بن عبد مناف" ، وهو خطأ محض.
والصواب من التاريخ ومن نسب القوم.
(32) الرباعية (مثل ثمانية): إحدى الأسنان الأربعة التي تلي الثنايا ، بين الثنية والناب.
(33) في المطبوعة: "بل أقتلك" ، غير الناشر ما في المخطوطة ، وهو موافق لما في التاريخ ، ظنًا منه أن أبي بن خلف ، قال ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، وليس ذلك كذلك ، بل قاله في مغيبه لا في مشهده.
فلما بلغ ذلك رسول الله قال: بل أنا أقتله.
(34) في المطبوعة والمخطوطة: "جنب الدرع" ، وهو خطأ ، صوابه من التاريخ.
وجيب القميص والدرع: الموضع الذي يقور منه ويقطع ، لكي يلبس من ناحيته.
(35) في المطبوعة والمخطوطة: "يخور خوران الثور" ، وهو خطأ صرف ، والصواب من التاريخ.
خار الثور يخور خوارًا: صاح وصوت أشد صوت.
وليس في مصادره"خوران".
(36) الزيادة بين القوسين من التاريخ.
(37) الأمنة (بفتح الألف والميم والنون): الأمان.
(38) في المخطوطة والمطبوعة"من يمتنع" بإسقاط"به" وليست بشيء ، والصواب من التاريخ.
وانظر التعليق على الأثر رقم: 8064 ، الآتي.
(39) في المخطوطة والمطبوعة: "ويذكرون أصحابه" ، والصواب من التاريخ.
(40) الأثر: 7943- صدره في التاريخ 3: 14 ، 15 / ثم سائره فيه 3: 20 / ثم انظر رقم: 8004.
(41) "ألقى بيده": استسلم ، فبقى لا يصنع شيئًا يأسًا أو مللا.
وهو مجاز ، كأنه طرح يده طرحًا بعيدًا عنه.
(42) الأثر: 7946- سيرة ابن هشام 3: 88 ، وتاريخ الطبري 3: 19.
(43) الأثر: 7952- سيرة ابن هشام 3: 117 ، 118 ، وهو تتمة الآثار السالفة التي آخرها: 7937 ، ثم تتمة هذا الأثر ، مرت برقم: 7940.
(44) هو الراعي.
(45) معاني القرآن للفراء 1: 69 ، 236 ، والمعاني الكبير: 805 ، والخزانة 4: 450 ، وسيأتي في التفسير 13: 69 (بولاق) ، ورواه ابن قتيبة في المعاني الكبير: "عائر" مكان"سائر" وقال: "أي بيت هجاء سائر".
وذلك من قولهم: "عار الفرس" ، إذا أفلت وذهب على وجهه ، وذهب وجاء مترددًا.
ويقال: "قصيدة عائرة" ، أي سائرة في كل وجه.
وكان في المطبوعة هنا"ساتر" وهو خطأ ، صوابه من المخطوطة ، ومن الموضع الآخر من التفسير ، ومن المراجع.
(46) في المطبوعة والمخطوطة"وكيف تتقون.
.
.
" ، وهو خطأ في التلاوة.
(47) انظر معاني القرآن للفراء 1: 236.
(48) في المطبوعة والمخطوطة: "أئذا كنا ترابًا وعظامًا "أسقط"متنا" والواو من"وكنا" ، وهو خطأ في التلاوة.
(49) في المطبوعة"باجتماع القراء" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(50) في المخطوطة والمطبوعة: "إذا كان دالا" ، والصواب"إذ" كما أثبتها.
(51) كأنه يعني ما سيأتي في تفسيره 13: 69 (بولاق) ، فإذا وجدت بعد ذلك مكانًا آخر غيره أشرت إليه.

وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين

سورة : آل عمران - الأية : ( 144 )  - الجزء : ( 4 )  -  الصفحة: ( 68 ) - عدد الأيات : ( 200 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون
  2. تفسير: قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون
  3. تفسير: وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون
  4. تفسير: أفرأيتم ما تمنون
  5. تفسير: وأما إن كان من أصحاب اليمين
  6. تفسير: تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا
  7. تفسير: وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون
  8. تفسير: تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين
  9. تفسير: فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى
  10. تفسير: وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا

تحميل سورة آل عمران mp3 :

سورة آل عمران mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة آل عمران

سورة آل عمران بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة آل عمران بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة آل عمران بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة آل عمران بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة آل عمران بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة آل عمران بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة آل عمران بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة آل عمران بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة آل عمران بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة آل عمران بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

الله ,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب