تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 163 من سورةالنساء - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ ۞ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾
[ سورة النساء: 163]

معنى و تفسير الآية 163 من سورة النساء : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح


تفسير الايات من 163 حتى 165 : يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله من الشرع العظيم والأخبار الصادقة ما أوحى إلى هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفي هذا عدة فوائد: منها: أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل، بل أرسل الله قبله من المرسلين العدد الكثير والجم الغفير فاستغراب رسالته لا وجه له إلا الجهل والعناد.
ومنها: أنه أوحى إليه كما أوحى إليهم من الأصول والعدل الذي اتفقوا عليه، وأن بعضهم يصدق بعضا ويوافق بعضهم بعضا.
ومنها: أنه من جنس هؤلاء الرسل، فليعتبره المعتبر بإخوانه المرسلين، فدعوته دعوتهم؛ وأخلاقهم متفقة؛ ومصدرهم واحد؛ وغايتهم واحدة، فلم يقرنه بالمجهولين؛ ولا بالكذابين ولا بالملوك الظالمين.
ومنها: أن في ذكر هؤلاء الرسل وتعدادهم من التنويه بهم، والثناء الصادق عليهم، وشرح أحوالهم مما يزداد به المؤمن إيمانا بهم ومحبة لهم، واقتداء بهديهم، واستنانا بسنتهم ومعرفة بحقوقهم، ويكون ذلك مصداقا لقوله: سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ فكل محسن له من الثناء الحسن بين الأنام بحسب إحسانه.
والرسل -خصوصا هؤلاء المسمون- في المرتبة العليا من الإحسان.
ولما ذكر اشتراكهم بوحيه ذكر تخصيص بعضهم، فذكر أنه آتى داود الزبور، وهو الكتاب المعروف المزبور الذي خص الله به داود عليه السلام لفضله وشرفه، وأنه كلم موسى تكليما، أي: مشافهة منه إليه لا بواسطة حتى اشتهر بهذا عند العالمين فيقال: "موسى كليم الرحمن".
وذكر أن الرسل منهم من قصه الله على رسوله، ومنهم من لم يقصصه عليه، وهذا يدل على كثرتهم وأن الله أرسلهم مبشرين لمن أطاع الله واتبعهم، بالسعادة الدنيوية والأخروية، ومنذرين من عصى الله وخالفهم بشقاوة الدارين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فيقولوا: مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ فلم يبق للخَلْق على الله حجة لإرساله الرسل تترى يبينون لهم أمر دينهم، ومراضي ربهم ومساخطه وطرق الجنة وطرق النار، فمن كفر منهم بعد ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
وهذا من كمال عزته تعالى وحكمته أن أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب، وذلك أيضا من فضله وإحسانه، حيث كان الناس مضطرين إلى الأنبياء أعظم ضرورة تقدر فأزال هذا الاضطرار، فله الحمد وله الشكر.
ونسأله كما ابتدأ علينا نعمته بإرسالهم، أن يتمها بالتوفيق لسلوك طريقهم، إنه جواد كريم.

تفسير البغوي : مضمون الآية 163 من سورة النساء


قوله تعالى : ( إنا أوحينا إليك ) هذا بناء على ما سبق من قوله يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ( النساء - 153 ) ، فلما ذكر الله عيوبهم وذنوبهم غضبوا وجحدوا كل ما أنزل الله عز وجل ، وقالوا : ما أنزل الله على بشر من شيء ، فنزل : " وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء " ( الأنعام - 91 ) وأنزل : ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ) فذكر عدة من الرسل الذين أوحى إليهم ، وبدأ بذكر نوح عليه السلام لأنه كان أبا البشر مثل آدم عليه السلام ، قال الله تعالى : " وجعلنا ذريته هم الباقين " ( الصافات - 77 ) ولأنه أول نبي من أنبياء الشريعة ، وأول نذير على الشرك ، وأول من عذبت أمته لردهم دعوته ، وأهلك أهل الأرض بدعائه وكان أطول الأنبياء عمرا وجعلت معجزته في نفسه ، لأنه عمر ألف سنة فلم تسقط له سن ولم تشب له شعرة ولم تنتقص له قوة ، ولم يصبر نبي على أذى قومه ما صبر هو على طول عمره .
قوله تعالى : ( وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ) وهم أولاد يعقوب ، ( وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ) قرأ الأعمش وحمزة : ( زبورا ) والزبور بضم الزاي حيث كان ، بمعنى : جمع زبور ، أي آتينا داود كتبا وصحفا مزبورة ، أي : مكتوبة ، وقرأ الآخرون بفتح الزاي وهو اسم الكتاب الذي أنزل الله تعالى على داود عليه السلام ، وكان فيه التحميد والتمجيد والثناء على الله عز وجل ، وكان داود يبرز إلى البرية فيقوم ويقرأ الزبور ويقوم معه علماء بني إسرائيل ، فيقومون خلفه ويقوم الناس خلف العلماء ، ويقوم الجن خلف الناس ، الأعظم فالأعظم ، والشياطين خلف الجن وتجيء الدواب التي في الجبال فيقمن بين يديه تعجبا لما يسمعن منه ، والطير ترفرف على رءوسهم ، فلما قارف الذنب لم ير ذلك ، فقيل له : ذاك أنس الطاعة ، وهذه وحشة المعصية .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنا أبو بكر الجوزقي ، أنا أبو العباس ، أنا يحيى بن زكريا ، أنا الحسن بن حماد ، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي ، عن طلحة بن يحيى ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو رأيتني البارحة وأنا أستمع لقراءتك لقد أعطيت مزمارا من مزامير آل داود " ، فقال : أما والله يا رسول الله لو علمت أنك تستمع لحبرته لحبرته " وكان عمر رضي الله عنه إذا رآه يقول : ذكرنا يا أبا موسى ، فيقرأ عنده .

التفسير الوسيط : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح


قال الإِمام الرازى: اعلم أنه - تعالى - لما حكى أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء، وذكر - سبحانه - بعد ذلك أنهم لا يسألون لأجل الاسترشاد، ولكن لأجل العناد واللجاج، وحكى أنواعا كثيرة من فضائحهم وقبائحهم...
شرع - سبحانه - بعد ذلك فى الجواب عن شبهاتهم فقال: إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ .
وقوله أَوْحَيْنَآ من الإِيحاء و الوحى.
والوحى فى الأصل: الإِعلام فى خفاء عن طريق الإِشارة، أو الإِيماء، أو الإِلهام، أو غير ذلك من المعانى التى تدل على أنه إعلام خاص، وليس أعلاما ظاهراً.
والمراد به هنا إعلام الله - تعالى - نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ما أراد إعلامه به من قرآن أو غيره.
والمعنى: إنا أوحينا إليك يا محمد بكلامنا وأوامرنا ونواهينا وهداياتنا.. كما اوحينا إلى نبينا نوح وإلى سائر الأنبياء الذين جاءوا من بعده.
فأنت يا محمد لست بدعا من الرسل، وإنما أنت رسول من عند الله - تعالى - تلقيت رسالتك منه - سبحانه - كما تلقاها غيرك من الرسل.
وأكد - سبحانه - خبر إيحائه صلى الله عليه وسلم، للاهتمام بهذا الخبر، ولإِبطال ما أنكره المنكرون لوحى الله - تعالى - على أنبيائه ورسله فقد حكى القرآن عن الجاحدين للحق أنهم قالوا: مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ وبدأ سبحانه؛ بنوح عليه السلام، لأنه الأب الثانى للبشرية بعد آدم عليه السلام، ولأن فى ذكره معنى التهديد لأولئك الجاحدين للرسالة السماوية، فقد أجاب الله تعالى، دعاءه فى الكافرين فأغرقهم أجمعين.
قال الجمل: وإنما بدأ الله - تعالى - بذكر نوح - عليه السلام - لأنه أول نبى بعث بشريعة، وأول نذير على الشرك.
وكان أول من عذبت أمته لردهم دعوته.
وكان أطول الأنبياء عمرا.
والتشبيه فى قوله: كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ تشبيه بجنس الوحى، وإن اختلفت أنواعه، واختلف الموحى به.
والكاف فى قوله كَمَآ نعت لمصدر محذوف، مَآ مصدرية.
أى: إنا أوحينا إليك إيحاءً مثل إيحائنا إلى نوح - عليه السلام -.
وقوله مِن بَعْدِهِ جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة للبنيين أى: والنبيين الكائنين من بعده أى: من بعد نوح.
وقوله: وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ معطوف على أوحينا إلى نوح، داخل معه فى حكم التشبيه.
أى: أوحينا إليك يا محمد كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده، وكما أوحينا إلى إبراهيم من آزر، وكما أوحينا إلى ابنه اسماعيل، وابنه إسحاق، وكما أوحينا إلى يعقوب بن إسحاق، وكما أوحينا إلى الأسباط وهم أولاد يعقوب.
قال الآلوسى: والأسباط هم أولاد يعقوب - عليه السلام - فى المشهور.
وقال غير واحد: إن الأسباط فى ولد إسحاق كالقبائل فى أولاد إسماعيل وقد بعث منهم عدة رسل.
فيجوز أن يكون - سبحانه - أراد بالوحى إليهم، الوحى إلى الأنبياء منهم.
كما تقول: أرسلت إلى بنى تميم، وتريد أرسلت إلى وجوههم ولم يصح أن الأسباط الذين هم إخوة يوسف كانوا أنبياء، بل الذى صح عندى - وألف فيه الجلال السيوطى رسالة - خلافه ".
وكرر - سبحانه - كلمة وَأَوْحَيْنَآ للإِشعار بوجود فترة زمنية طويلة بين نوح وبين إبراهيم - عليهما السلام -.
ثم ذكر - سبحانه - عدداً آخر من الأنبياء تشريفا وتكريما لهم فقال وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً .
أى: أوحينا إليك يا محمد كما أوحينا إلى هؤلاء الأنبياء السابقين، وكما أوحينا إلى عيسى ابن مريم الذى أنكر نبوته اليهود الذين يسألونك الأسئلة المتعنتة، وإلى أيوب الذى ضرب به المثل فى الصبر، وإلى يونس بن متى الذى لم ينس ذكر الله وهو فى بطن الحوت، وإلى هارون أخى موسى، وإلى سليمان بن داود الذى آتاه الله ملكا لم يؤته لأحد من بعده.
وقوله: وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً معطوف على قوله: أوحينا، وداخل فى حكمه لأن إيتاء الزبور من باب الإِيحاء.
وأوثر.
قوله هنا: وآتينا على أوحينا؛ لتحقق المماثلة فى أمر خاص وهو إيتاء الكتاب بعد تحققها فى مطلق الإِيحاء.
والزبور - بفتح الزاى - اسم الكتاب الذى أنزله الله على داود - عليه السلام - قالوا: ولم يكن فيه أحكام، بل كان كله مواعظ وحكم وتقديس وتحميد وثناء على الله - تعالى -.
ولفظ {زبور} هنا بمعنى مزبور أى متكوب.
فهو على وزن فعول ولكن بمعنى مفعول.
وزبر معناه كتب.
أى: وآتينا داود كتابا مكتوبا.

تفسير ابن كثير : شرح الآية 163 من سورة النساء


قال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال سكين وعدي بن زيد : يا محمد ، ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى . فأنزل الله في ذلك من قولهما : ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ) إلى آخر الآيات .وقال ابن جرير : حدثنا الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي قال : أنزل الله : ( يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ) إلى قوله ( وقولهم على مريم بهتانا عظيما ) فما تلاها عليهم - يعني على اليهود - وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة ، جحدوا كل ما أنزل الله وقالوا : ما أنزل الله على بشر من شيء ، ولا موسى ولا عيسى ، ولا على نبي من شيء . قال : فحل حبوته ، وقال : ولا على أحد . . فأنزل الله عز وجل : ( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ) [ الأنعام : 91 ] .وفي هذا الذي قاله محمد بن كعب القرظي نظر ; فإن هذه الآية مكية في سورة الأنعام ، وهذه الآية التي في سورة النساء مدنية ، وهي رد عليهم لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء ، قال الله تعالى ( فقد سألوا موسى أكبر من ذلك ) [ النساء : 153 ] ، ثم ذكر فضائحهم ومعايبهم وما كانوا عليه ، وما هم عليه الآن من الكذب والافتراء . ثم ذكر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما أوحى إلى غيره من الأنبياء المتقدمين ، فقال : ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا )والزبور : اسم الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود ، عليه السلام ، وسنذكر ترجمة كل واحد من هؤلاء الأنبياء ، عليهم من الله [ أفضل ] الصلاة والسلام ، عند قصصهم في السور الآتية ، إن شاء الله ، وبه الثقة ، وعليه التكلان .

تفسير الطبري : معنى الآية 163 من سورة النساء


القول في تأويل قوله : إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا (163)قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح "، إنا أرسلنا إليك، يا محمد، بالنبوة كما أرسلنا إلى نوح، وإلى سائر الأنبياء الذين سَمَّيتهم لك من بعده، والذين لم أسمِّهم لك، (1) كما:-10839- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن منذرٍ الثوري، عن الربيع بن خُثَيم في قوله: " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده "، قال: أوحى إليه كما أوحى إلى جميع النبيين من قبله.
(2)* * *وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن بعض اليهود لما فضحهم الله بالآيات التي أنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم= وذلك من قوله: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ = فتلا ذلك عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: " ما أنزل الله على بشر من شيء بعد موسى "! فأنزل الله هذه الآيات، تكذْيبًا لهم، وأخبر نبيَّه والمؤمنين به أنه قد أنزل عليه بعد موسى وعلى من سماهم في هذه الآية، وعلى آخرين لم يسمِّهم، كما:-10840- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير= وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة= عن محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير= أو عكرمة، عن ابن عباس قال، قال سُكَين وعدي بن زيد: يا محمد، ما نعلم الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى! فأنزل الله في ذلك من قولهما: " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " إلى آخر الآيات.
(3)* * *وقال آخرون: بل قالوا= لما أنزل الله الآيات التي قبل هذه في ذكرهم=: " ما أنزل الله على بشر من شيء، ولا على موسى، ولا على عيسى "! فأنزل الله جل ثناؤه: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ، [سورة الأنعام: 91]، ولا على موسى ولا على عيسى.
*ذكر من قال ذلك:10841- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي قال: أنزل الله: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ إلى قوله: وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ، فلما تلاها عليهم= يعني: على اليهود= وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة، جحدوا كل ما أنزل الله، وقالوا: " ما أنزل الله على بشر من شيء، ولا على موسى ولا على عيسى!! وما أنزل الله على نبي من شيء "! قال: فحلَّ حُبْوَته وقال: (4) ولا على أحد!! فأنزل الله جل ثناؤه: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [سورة الأنعام: 91]* * *وأما قوله: " وآتينا داود زبورًا "، فإن القرأة اختلفت في قراءته.
فقرأته عامة قرأة أمصار الإسلام، غير نفر من قرأة الكوفة: ( وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا ) ، بفتح " الزاي" على التوحيد، بمعنى: وآتينا داود الكتاب المسمى " زبورًا ".
* * *وقرأ ذلك بعض قرأة الكوفيين: ( وَآتَيْنَا دَاوُدَ زُبُورًا ) ، بضم " الزاي" جمع " زَبْرٍ".
كأنهم وجهوا تأويله: وآتينا داود كتبًا وصحفًا مَزْبورة.
* * *= من قولهم: " زَبَرت الكتاب أزْبُره زَبْرًا " و " ذَبُرته أذْبُره ذَبْرًا "، إذا كتبته.
(5)* * *قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندنا، قراءة من قرأ: ( وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا )، بفتح " الزاي"، على أنه اسم الكتاب الذي أوتيه داود، كما سمى الكتاب الذي أوتيه موسى " التوراة "، والذي أوتيه عيسى " الإنجيل "، والذي أوتيه محمد " الفرقان "، لأن ذلك هو الاسم المعروف به ما أوتي داود.
وإنما تقول العرب: " زَبُور داود "، بذلك تعرف كتابَه سائرُ الأمم.
------------------الهوامش :(1) انظر تفسير"أوحى" فيما سلف 6 : 405 ، 406.
(2) الأثر: 10839 -"منذر الثوري" هو"منذر بن يعلى الثوري" أبو يعلى.
روى عن محمد بن علي بن أبي طالب ، والربيع بن خثيم ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم.
روى عنه ابنه الربيع بن المنذر ، والأعمش ، وفطر بن خليفة وغيرهم.
ثقة قليل الحديث.
مترجم في التهذيب.
(3) الأثر: 10840 - سيرة ابن هشام 2 : 211 ، وهو تابع الآثار التي آخرها قديمًا: 9792 وكان في المطبوعة والمخطوطة: "عدي بن ثابت" ، وهو خطأ بلا شك ، ففي سيرة ابن هشام وغيرها"عدي بن زيد" ، ولم أجد في أسماء الأعداء من يهود"عدي بن ثابت".
و"سكين بن أبي سكين" ، و"عدي بن زيد" من بني قينقاع ، ذكرهم ابن هشام في السيرة في الأعداء من يهود 2 : 161.
(4) "الحبوة" (بضم الحاء وفتحها ، وسكون الباء): الثوب الذي يحتبى به.
و"الاحتباء": أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ، ويشده عليها.
وقد يكون"الاحتباء" باليدين عوض الثوب.
(5) انظر تفسير"الزبور" فيما سلف 7 : 450 ، 451 ، وبين هنا ما أجمله هناك ، وهذا من ضروب اختصاره التفسير.

إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا

سورة : النساء - الأية : ( 163 )  - الجزء : ( 6 )  -  الصفحة: ( 104 ) - عدد الأيات : ( 176 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين
  2. تفسير: إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا
  3. تفسير: فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون
  4. تفسير: إن هؤلاء ليقولون
  5. تفسير: وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين
  6. تفسير: قل هو الله أحد
  7. تفسير: لا تحرك به لسانك لتعجل به
  8. تفسير: إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء
  9. تفسير: تلك آيات الكتاب المبين
  10. تفسير: قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين

تحميل سورة النساء mp3 :

سورة النساء mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة النساء

سورة النساء بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة النساء بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة النساء بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة النساء بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة النساء بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة النساء بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة النساء بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة النساء بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة النساء بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة النساء بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب