تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنـزير ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 173 من سورةالبقرة - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾
[ سورة البقرة: 173]

معنى و تفسير الآية 173 من سورة البقرة : إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنـزير .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنـزير


ولما ذكر تعالى إباحة الطيبات ذكر تحريم الخبائث فقال إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وهي: ما مات بغير تذكية شرعية, لأن الميتة خبيثة مضرة, لرداءتها في نفسها, ولأن الأغلب, أن تكون عن مرض, فيكون زيادة ضرر واستثنى الشارع من هذا العموم, ميتة الجراد, وسمك البحر, فإنه حلال طيب.
وَالدَّمَ - أي: المسفوح كما قيد في الآية الأخرى.
وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ - أي: ذبح لغير الله, كالذي يذبح للأصنام والأوثان من الأحجار, والقبور ونحوها, وهذا المذكور غير حاصر للمحرمات، جيء به لبيان أجناس الخبائث المدلول عليها بمفهوم قوله: طَيِّبَاتِ فعموم المحرمات, تستفاد من الآية السابقة, من قوله: حَلَالًا طَيِّبًا كما تقدم.
وإنما حرم علينا هذه الخبائث ونحوها, لطفا بنا, وتنزيها عن المضر، ومع هذا فَمَنِ اضْطُرَّ - أي: ألجئ إلى المحرم, بجوع وعدم, أو إكراه، غَيْرَ بَاغٍ - أي: غير طالب للمحرم, مع قدرته على الحلال, أو مع عدم جوعه، وَلَا عَادٍ - أي: متجاوز الحد في تناول ما أبيح له, اضطرارا، فمن اضطر وهو غير قادر على الحلال، وأكل بقدر الضرورة فلا يزيد عليها، فَلَا إِثْمَ [أي: جناح] عليه، وإذا ارتفع الجناح الإثم رجع الأمر إلى ما كان عليه، والإنسان بهذه الحالة, مأمور بالأكل, بل منهي أن يلقي بيده إلى التهلكة, وأن يقتل نفسه.
فيجب, إذًا عليه الأكل, ويأثم إن ترك الأكل حتى مات, فيكون قاتلا لنفسه.
وهذه الإباحة والتوسعة, من رحمته تعالى بعباده, فلهذا ختمها بهذين الاسمين الكريمين المناسبين غاية المناسبة فقال: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ولما كان الحل مشروطا بهذين الشرطين, وكان الإنسان في هذه الحالة, ربما لا يستقصي تمام الاستقصاء في تحقيقها - أخبر تعالى أنه غفور, فيغفر ما أخطأ فيه في هذه الحال, خصوصا وقد غلبته الضرورة, وأذهبت حواسه المشقة.
وفي هذه الآية دليل على القاعدة المشهورة: " الضرورات تبيح المحظورات " فكل محظور, اضطر إليه الإنسان, فقد أباحه له, الملك الرحمن.
[فله الحمد والشكر, أولا وآخرا, وظاهرا وباطنا].

تفسير البغوي : مضمون الآية 173 من سورة البقرة


( إنما حرم عليكم الميتة ) قرأ أبو جعفر الميتة في كل القرآن بالتشديد والباقون يشددون البعض والميتة كل ما لم تدرك ذكاته مما يذبح ( والدم ) أراد به الدم الجاري يدل عليه قوله تعالى أو دما مسفوحا " ( 145 - الأنعام ) واستثنى الشرع من الميتة السمك والجراد ومن الدم الكبد والطحال فأحلهاأخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحلت لنا ميتتان ودمان الميتتان الحوت والجراد والدمان أحسبه قال الكبد والطحال ... "( ولحم الخنزير ) أراد به جميع أجزائه فعبر عن ذلك باللحم لأنه معظمه ( وما أهل به لغير الله ) أي ما ذبح للأصنام والطواغيت وأصل الإهلال رفع الصوت وكانوا إذا ذبحوا لآلهتهم يرفعون أصواتهم بذكرها فجرى ذلك من أمرهم حتى قيل لكل ذابح وإن لم يجهر بالتسمية مهل وقال الربيع بن أنس وغيره ( وما أهل به لغير الله ) قال ما ذكر عليه اسم غير الله ( فمن اضطر ) بكسر النون وأخواته قرأ عاصم وحمزة ، ووافق أبو عمرو إلا في اللام والواو مثل " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن " ( 110 - الإسراء ) ويعقوب إلا في الواو ووافق ابن عامر في التنوين ، والباقون كلهم بالضم فمن كسر قال لأن الجزم يحرك إلى الكسر ، ومن ضم فلضمة أول الفعل نقل حركتها إلى ما قبلها وأبو جعفر بكسر الطاء ، ومعناه فمن اضطر إلى أكل ميتة أي أحوج وألجئ إليه ( غير ) نصب على الحال ، وقيل على الاستثناء وإذا رأيت ( غير ) يصلح في موضعها ( لا ) فهي حال وإذا صلح في موضعها ( إلا ) فهي استثناء ( باغ ولا عاد ) أصل البغي قصد الفساد ، يقال بغى الجرح يبغي بغيا إذا ترامى إلى الفساد وأصل العدوان الظلم ومجاوزة الحد ، يقال عدا عليه عدوا وعدوانا إذا ظلم واختلفوا في معنى قوله ( غير باغ ولا عاد ) فقال بعضهم ( غير باغ ) أي خارج على السلطان ولا عاد معتد عاص بسفره ، بأن خرج لقطع الطريق أو لفساد في الأرض وهو قول ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير .
وقالوا لا يجوز للعاصي بسفره أن يأكل الميتة إذا اضطر إليها ولا أن يترخص برخص المسافر حتى يتوب وبه قال الشافعي رحمه الله لأن إباحته له إعانة له على فساده وذهب جماعة إلى أن البغي والعدوان راجعان إلى الأكل واختلفوا في تفصيله فقال الحسن وقتادة ( غير باغ ) لا تأكله من غير اضطرار ( ولا عاد ) أي لا يعدو لشبعه وقيل ( غير باغ ) أي غير طالبها وهو يجد غيرها ( ولا عاد ) أي غير متعد ما حد له فما يأكل حتى يشبع ولكن يأكل منها قوتا مقدار ما يمسك رمقه وقال مقاتل بن حيان ( غير باغ ) أي مستحل لها ( ولا عاد ) أي متزود منها وقيل ( غير باغ ) أي غير مجاوز للقدر الذي أحل له ( ولا عاد ) أي لا يقصر فيما أبيح له فيدعه قال مسروق : من اضطر إلى الميتة ، والدم ولحم الخنزير فلم يأكل ولم يشرب حتى مات دخل النارواختلف العلماء في مقدار ما يحل للمضطر أكله من الميتة فقال بعضهم مقدار ما يسد رمقه وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه وأحد قولي الشافعي رضي الله عنه .
والقول الآخر يجوز أن يأكل حتى يشبع وبه قال مالك رحمه الله تعالى وقال سهل بن عبد الله ( غير باغ ) مفارق للجماعة ( ولا عاد ) مبتدع مخالف للسنة ولم يرخص للمبتدع في تناول المحرم عند الضرورة ( فلا إثم عليه ) أي فلا حرج عليه في أكلها ( إن الله غفور ) لمن أكل في حال الاضطرار ( رحيم ) حيث رخص للعباد في ذلك

التفسير الوسيط : إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنـزير


وقوله-تبارك وتعالى-: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ بيان لما حرمه الله-تبارك وتعالى- علينا من المطاعم رعاية لمنفعتنا.
والْمَيْتَةَ في عرف الشرع: ما مات حتف أنفه، أو قتل على هيئة غير مشروعه، فيدخل فيها: المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما عدا عليها السبع، ويدخل في حكم الميتة ما قطع من جسم الحيوان الحي للحديث الذي أخرجه أبو داود والترمذي عن أبى واقد الليثي، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة» .
وكان الأكل من الميتة محرما، لفساد جسمها بذبول أجزائه وتعفنها، ولأنها أصبحت بحالة تعافها الطباع السليمة لقذارتها وضررها.
قال الآلوسى: وأضاف- سبحانه - الحرمة إلى العين- مع أن الحرمة من الأحكام الشرعية التي هي من صفات فعل المكلف وليست مما تتعلق بالأعيان- إشارة إلى حرمة التصرف في الميتة من جميع الوجوه بأخصر طريق وأوكده، حيث جعل العين غير قابلة لتعلق فعل المكلف بها إلا ما خصه الدليل كالتصرف بالمدبوغ، وخرج عن حكم الميتة السمك والجراد، للحديث الذي أخرجه ابن ماجة والحاكم من حديث ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد والكبد والطحال وللعرف أيضا، فإنه إذا ما قال القائل: أكل فلان الميتة لم يسبق الوهم إليهما نعم حرم بعضهم ميتة السمك الطافي وما مات من الجراد بغير سبب، واستدل بعموم الآية على تحريم الأجنة وتحريم ما لا نفس له سائلة خلافا لمن أباحه» .
والدم المحرم: ما يسيل من الحيوان الحي كثيرا كان أم قليلا وكذلك يحرم من دم الحيوان ما جرى منه بعد تذكيته، وهو الذي عبر عنه القرآن بالمسفوح في قوله-تبارك وتعالى-: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ...
والدم المسفوح: هو الدم الجاري المهراق من البهيمة بعد ذبحها.
أما الدم المتبقى في أجزاء لحم البهيمة بعد تذكيتها فلا شيء فيه.
قال القرطبي: وأما الدم فمحرم ما لم تعم به البلوى، ومعفو عما تعم به البلوى.
والذي تعم به البلوى هو الدم في اللحم وعروقه ...
وقد روت عائشة- رضي الله عنها- قالت: كنا نطبخ البرمة على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تعلوها الصفرة من الدم فنأكل ولا ننكره» لأن التحفظ من هذا إصر وفيه مشقة، والإصر والمشقة في الدين موضوع.
وهذا أصل في الشرع» .
وقد عرف عن بعض العرب في الجاهلية أنهم كانوا يأخذون الدم من البهائم عند ذبحها، فيضعونه في أمعائها ثم يشوونها بالنار ويأكلونها ويسمون ذلك بالفصيد.
قال بعضهم: والحكمة في تحريم الدم أنه تستقذره النفوس الكريمة، ويفضى شربه أو أكله إلى الإضرار بالنفس، وفضلا عن ذلك فإن تعاطيه يورث ضراوة في الإنسان، وغلظة في الطباع فيصير كالحيوان المفترس، وهذا مناف لمقصد الشريعة التي جاءت لإتمام مكارم الأخلاق.
وحرمة الخنزير شاملة للحمه وشحمه وجلده.
وإنما خص لحمه بالذكر، لأنه الذي يقصد بالأكل، ولأن سائر أجزاء الخنزير كالتابعة للحمه.
وبعض الفقهاء يرى أنه لا بأس من الانتفاع بشعر الخنزير في الخرازة- أى: خياطة الجلود وغيرها-، وبعضهم كره ذلك.
ومن الحكم في تحريم لحم الخنزير قذارته، واشتماله على دودة تضر ببدن آكله وقد أثبت ذلك العلم الحديث.
وما يقوله قوم من أن وسائل العلم الحديث قد تقدمت، وصار في الإمكان التغلب على ما في لحم الخنزير من أضرار هذا القول مردود بأن العلم الحديث قد احتاج إلى ثلاثة عشر قرنا ليكتشف آفة واحدة في لحم الخنزير، فمن ذا الذي يجزم بأنه ليس هناك آفات أخرى في هذا اللحم لم يعرفها العلم حتى الآن؟إن الشريعة التي سبقت العلم الحديث بأكثر من ثلاثة عشر قرنا أولى بالاتباع، وأجدر بالطاعة فيما أحلته وحرمته مما يقوله الناس، لأنها من عند الله العليم بشئون عباده، الخبير بما ينفعهم وبما يضرهم.
وقوله: وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ معطوف على ما قبله من المحرمات.
وأُهِلَّ من الإهلال، وهو رفع الصوت عند رؤية الهلال، ثم استعمل لرفع الصوت مطلقا، ومنه إهلال الصبى، والإهلال بالحج.
وكانوا في الجاهلية إذا أرادوا ذبح ما قربوه إلى آلهتهم سموا عليها أسماءها- كاللات والعزى- ورفعوا بها أصواتهم، وسمى ذلك إهلالا.
فالمراد بما أهل به لغير الله: ما ذبح للأصنام وغيرها، ومنه ما يذبحه المجوسي للنار.
ومنه عند جمهور العلماء: ذبائح أهل الكتاب إذا ذكر عليها اسم عزير أو عيسى، لأنها مما أهل به لغير الله.
وذهب جماعة من التابعين إلى تخصيص الغير بالأصنام، وإلى حل ذبائح أهل الكتاب مطلقا، لعموم قوله-تبارك وتعالى- في سورة المائدة وهي من آخر السور نزولا: وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ أى ذبائحهم، وهو- سبحانه - يعلم ما يقولون.
وروى الحسن عن على- رضي الله عنه- أنه قال: إذا ذكر الكتابي اسم غير الله على ذبيحته وأنت تسمع فلا تأكل، فإذا غاب عنك فكل، فإن الله قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون.
وقد روى البخاري عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إن قوما قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سموا عليه أنتم وكلوه.
قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر.
فكأن المحرم ليس ما لم يعلم أن اسم الله ذكر عليه، بل المحرم ما علم أن غير اسم الله من الأوثان والأنداد ونحو ذلك قد ذكر عليه.
فأنت ترى أن تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير كان لاستقذار الأكل من هذه الثلاثة، أى:لعلة ذاتية فيها، أما تحريم ما أهل به لغير الله فليس لعلة فيه، ولكن للتوجه به إلى غير الله.
وهي علة روحية تنافى سلامة القلب، وطهارة الروح، ووحدة المتجه فما ذكر عليه سوى اسم الله من الذبائح ملحق بالنجاسة المادية والقذارة الحقيقة، وفي ذلك حض للناس على إخلاص العبادة لله-تبارك وتعالى-، وزجر لهم عن التقرب إلى أحد سواه.
وقوله-تبارك وتعالى-: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ بيان لحالات الضرورة التي يباح للإنسان فيها أن يأكل من تلك المحرمات.
واضْطُرَّ من الاضطرار وهو الاحتياج إلى الشيء.
يقال: اضطره إلى هذا الشيء.
أى:أحوجه وألجأه إليه مأخوذ من الإضرار، وهو حمل الإنسان على أمر بكرهه، وقهره عليه بقوة يناله بدفعها الهلاك.
وباغٍ من البغاء وهو الطلب.
تقول: بغيته بغاء وبغيا وبغية أى: طلبته.
وعادٍ اسم فاعل بمعنى متعد، تقول.
عدا طوره إذا تجاوز حده وتعداه إلى غيره فهو عاد، ومنه قوله-تبارك وتعالى- في شأن قوم لوط: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ.
ولِغَيْرِ منصوب على الحال من الضمير المستتر في اضْطُرَّ وهي هنا بمعنى النفي ولذا عطف عليها لا.
والمعنى: فمن ألجأته ضرورة إلى أكل شيء من هذه المحرمات: حالة كونه غير باغ: أى غير طالب للمحرم وهو يجد غيره، أو غير طالب له لإشباع لذته، أو غير طالب له على جهة الاستئثار به على مضطر آخر، أو غير ساع في فساد وَلا عادٍ أى: وغير متجاوز ما يسد الجوع، ويحفظ الحياة فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ أى: فلا إثم عليه في أكله من هذه المحرمات.
وبهذا نرى لونا من ألوان سماحة الإسلام ويسره في تشريعاته، التي أقامها الله-تبارك وتعالى- على رفع الحرج، ودفع الضرر، قال-تبارك وتعالى-: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وقال-تبارك وتعالى-: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ تذييل قصد به الامتنان.
أى: إن الله-تبارك وتعالى- موصوف بهذين الوصفين الجليلين، ومن كان كذلك كان من شأنه أن يعفو عن الخطايا، ويغفر الذنوب،ويشرع لعباده ما فيه يسر لا ما فيه عسر.
هذا، وظاهر هذه الآية الكريمة يقتضى أنه ليس هناك محرم من المطعومات سوى هذه الأربعة، لكنا نعلم في الشرع أن هناك مطعومات أخرى قد حرم على المسلّم تناولها كلحوم الحمر الأهلية، فعل هذا تكون لفظة «إنما» متروكة الظاهر في العمل- كما قال الإمام الرازي- أى: أن الحصر فيها غير مقصود وشبيه بهذه الآية قوله-تبارك وتعالى- في سورة الأنعام: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ، أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
ثم تحدث القرآن عن سوء عاقبة الذين يكتمون ما أمر الله بإظهاره وتوعدهم بأقسى ألوان العذاب فقال-تبارك وتعالى-:

تفسير ابن كثير : شرح الآية 173 من سورة البقرة


ولما امتن تعالى عليهم برزقه ، وأرشدهم إلى الأكل من طيبه ، ذكر أنه لم يحرم عليهم من ذلك إلا الميتة ، وهي التي تموت حتف أنفها من غير تذكية ، وسواء كانت منخنقة أو موقوذة أو متردية أو نطيحة أو قد عدا عليها السبع .وقد خصص الجمهور من ذلك ميتة البحر لقوله تعالى : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة ) [ المائدة : 96 ] على ما سيأتي ، وحديث العنبر في الصحيح ، وفي المسند والموطأ والسنن قوله ، عليه السلام ، في البحر : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " وروى الشافعي وأحمد وابن ماجه والدارقطني من حديث ابن عمر مرفوعا : " أحل لنا ميتتان ودمان : السمك والجراد ، والكبد والطحال " وسيأتي تقرير ذلك في سورة المائدة .ولبن الميتة وبيضها المتصل بها نجس عند الشافعي وغيره ; لأنه جزء منها . وقال مالك في رواية : هو طاهر إلا أنه ينجس بالمجاورة ، وكذلك أنفحة الميتة فيها الخلاف والمشهور عندهم أنها نجسة ، وقد أوردوا على أنفسهم أكل الصحابة من جبن المجوس ، فقال القرطبي في تفسيره هاهنا : يخالط اللبن منها يسير ، ويعفى عن قليل النجاسة إذا خالط الكثير من المائع . وقد روى ابن ماجه من حديث سيف بن هارون ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء ، فقال : " الحلال ما أحل الله في كتابه ، والحرام ما حرم الله في كتابه ، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه " .وكذلك حرم عليهم لحم الخنزير ، سواء ذكي أو مات حتف أنفه ، ويدخل شحمه في حكم لحمه إما تغليبا أو أن اللحم يشمل ذلك ، أو بطريق القياس على رأي . و [ كذلك ] حرم عليهم ما أهل به لغير الله ، وهو ما ذبح على غير اسمه تعالى من الأنصاب والأنداد والأزلام ، ونحو ذلك مما كانت الجاهلية ينحرون له . [ وذكر القرطبي عن ابن عطية أنه نقل عن الحسن البصري : أنه سئل عن امرأة عملت عرسا للعبها فنحرت فيه جزورا فقال : لا تؤكل لأنها ذبحت لصنم ; وأورد القرطبي عن عائشة أنها سئلت عما يذبحه العجم في أعيادهم فيهدون منه للمسلمين ، فقالت : ما ذبح لذلك اليوم فلا تأكلوه ، وكلوا من أشجارهم ] . ثم أباح تعالى تناول ذلك عند الضرورة والاحتياج إليها ، عند فقد غيرها من الأطعمة ، فقال : ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد ) أي : في غير بغي ولا عدوان ، وهو مجاوزة الحد ( فلا إثم عليه ) أي : في أكل ذلك ) إن الله غفور رحيم )وقال مجاهد : فمن اضطر غير باغ ولا عاد ، قاطعا للسبيل ، أو مفارقا للأئمة ، أو خارجا في معصية الله ، فله الرخصة ، ومن خرج باغيا أو عاديا أو في معصية الله فلا رخصة له ، وإن اضطر إليه ، وكذا روي عن سعيد بن جبير .وقال سعيد في رواية عنه ومقاتل بن حيان : غير باغ : يعني غير مستحله . وقال السدي : غير باغ يبتغي فيه شهوته ، وقال عطاء الخراساني في قوله : ( غير باغ ) [ قال ] لا يشوي من الميتة ليشتهيه ولا يطبخه ، ولا يأكل إلا العلقة ، ويحمل معه ما يبلغه الحلال ، فإذا بلغه ألقاه [ وهو قوله : ( ولا عاد ) يقول : لا يعدو به الحلال ] .وعن ابن عباس : لا يشبع منها . وفسره السدي بالعدوان . وعن ابن عباس ( غير باغ ولا عاد ) قال : ( غير باغ ) في الميتة ( ولا عاد ) في أكله . وقال قتادة : فمن اضطر غير باغ ولا عاد في أكله : أن يتعدى حلالا إلى حرام ، وهو يجد عنه مندوحة .وحكى القرطبي عن مجاهد في قوله : ( فمن اضطر ) أي : أكره على ذلك بغير اختياره .مسألة : ذكر القرطبي إذا وجد المضطر ميتة وطعام الغير بحيث لا قطع فيه ولا أذى ، فإنه لا يحل له أكل الميتة بل يأكل طعام الغير بلا خلاف . كذا قال ، ثم قال : وإذا أكله ، والحالة هذه ، هل يضمنه أم لا ؟ فيه قولان هما روايتان عن مالك ، ثم أورد من سنن ابن ماجه من حديث شعبة عن أبي إياس جعفر بن أبي وحشية : سمعت عباد بن العنزي قال : أصابتنا عاما مخمصة ، فأتيت المدينة . فأتيت حائطا ، فأخذت سنبلا ففركته وأكلته ، وجعلت منه في كسائي ، فجاء صاحب الحائط فضربني وأخذ ثوبي ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال للرجل : " ما أطعمته إذ كان جائعا أو ساعيا ، ولا علمته إذ كان جاهلا " . فأمره فرد إليه ثوبه ، وأمر له بوسق من طعام أو نصف وسق ، إسناد صحيح قوي جيد وله شواهد كثيرة : من ذلك حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثمر المعلق ، فقال : " من أصاب منه من ذي حاجة بفيه غير متخذ خبنة فلا شيء عليه " الحديث .وقال مقاتل بن حيان في قوله : ( فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ) فيما أكل من اضطرار ، وبلغنا والله أعلم أنه لا يزاد على ثلاث لقم .وقال سعيد بن جبير : غفور لما أكل من الحرام . رحيم إذ أحل له الحرام في الاضطرار .وقال وكيع : حدثنا الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال : من اضطر فلم يأكل ولم يشرب ، ثم مات دخل النار .[ وهذا يقتضي أن أكل الميتة للمضطر عزيمة لا رخصة . قال أبو الحسن الطبري المعروف بالكيا الهراسي رفيق الغزالي في الاشتغال : وهذا هو الصحيح عندنا ; كالإفطار للمريض في رمضان ونحو ذلك ] .

تفسير الطبري : معنى الآية 173 من سورة البقرة


القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: لا تُحرموا على أنفسكم ما لم أحرمه عليكم أيها المؤمنون بالله وبرسوله منَ البحائر والسوائب ونحو ذلك, بَل كلوا ذلك، فإني لم أحرم عليكم غير الميتة والدم ولحم الخنزير، ومَا أهلّ به لغيري.
* * *ومعنى قوله: " إنما حَرَّم عليكم الميتة "، ما حرَّم عليكم إلا الميتة.
" وإنما ": حرف واحدٌ, ولذلك نصبت " الميتة والدم ", وغير جائز في" الميتة " إذا جعلت " إنما " حرفًا واحدًا - إلا النصب.
ولو كانت " إنما " حرفين، وكانت منفصلة من " إنّ"، لكانت " الميتة " مرفوعة وما بعدها.
وكان تأويل الكلام حينئذ: إنّ الذي حرم الله عليكم من المطاعم الميتةُ والدمُ ولحمُ الخنزير، لا غير ذلك.
(22)وقد ذُكر عن بعض القراء أنه قرأ ذلك كذلك، على هذا التأويل.
ولست للقراءة به مستجيزًا =وإن كان له في التأويل والعربية وَجه مفهومٌ- لاتفاق الحجة من القراء على خلافه.
فغيرُ جائز لأحد الاعتراض عليهم فيما نقلوه مجمعين عليه.
* * *ولو قرئ في" حرّم " بضم الحاء من " حرّم "، لكان في" الميتة " وجهان من الرفع.
أحدهما: من أن الفاعل غير مسمى," وإنما " حرفٌ واحد.
والآخر: " إن " و " ما " في معنى حرفين, و " حرِّم " من صلة " ما "," والميتة " خبر " الذي" مرفوع على الخبر.
ولست، وإن كان لذلك أيضًا وجه، مستجيزًا للقراءة به، لما ذكرت.
* * *وأما " الميتة "، فإن القرأةَ مختلفة في قراءتها.
فقرأها بعضهم بالتخفيف، ومعناه فيها التشديد, ولكنه يُخففها كما يخفف القائلون في: " هو هيّن ليّن "" الهيْن الليْن "، (23) كما قال الشاعر: (24)لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيْتٍإِنَّمَا المَيْتُ مَيِّتُ الأحْيَاءِ (25)فجمع بين اللغتين في بيت واحد، في معنى واحد.
وقرأها بعضهم بالتشديد، وحملوها على الأصل, وقالوا: إنما هو " مَيْوِت "," فيعل "، من الموت.
ولكن " الياء " الساكنة و " الواو " المتحركة لما اجتمعتا،" والياء " مع سكونها متقدمة، قلبت " الواو "" ياء " وشددت، فصارتا " ياء " مشددة, كما فعلوا ذلك في" سيد وجيد ".
قالوا: ومن خففها، فإنما طلب الخفة.
والقراءةُ بها على أصلها الذي هو أصلها أولى.
* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن التخفيف والتشديد في" ياء "" الميتة " لغتان معروفتان في القراءة وفي كلام العرب, فبأيهما قرأ ذلك القارئ فمصيب.
لأنه لا اختلاف في معنييهما.
* * *وأما قوله: " وَمَا أهِلَّ به لغير الله "، فإنه يعني به: وما ذُبح للآلهة والأوثان يُسمى عليه بغير اسمه، أو قُصد به غيرُه من الأصنام.
وإنما قيل: " وما أهِلَّ به "، لأنهم كانوا إذا أرادوا ذبح ما قرَّبوه لآلهتهم، سموا اسم آلهتهم التي قربوا ذلك لها، وجَهروا بذلك أصْواتَهم, فجرى ذلك من أمرهم على ذلك، حتى قيل لكل ذابح، سمَّى أو لم يُسمِّ، (26) جهر بالتسمية أو لم يجهر-: " مُهِلٌّ".
فرفعهم أصواتهم بذلك هو " الإهلال " الذي ذكره الله تعالى فقال: " وما أهِلَّ به لغير الله ".
ومن ذلك قيل للملبِّي في حَجة أو عمرة " مُهِلّ", لرفعه صوته بالتلبية.
ومنه " استهلال " الصبي، إذا صاح عند سقوطه من بَطن أمه," واستهلال " المطر، وهو صوت وُقوعه على الأرض, كما قال عمرو بن قميئة:ظَلَمَ البِطَاحَ لَهُ انْهِلالُ حَرِيصَةٍفَصَفَا النِّطَافُ لَهُ بُعَيْدَ المُقْلَعِ (27)واختلف أهل التأويل في ذلك.
فقال بعضهم: يعني بقوله: " وما أهِلَّ به لغير الله "، ما ذبح لغير الله.
* ذكر من قال ذلك:2468- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " وما أهِلّ به لغير الله " قال، ما ذبح لغير الله.
2469- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " وما أهلّ به لغير الله " قال، ما ذبح لغير الله مما لم يُسم عليه.
2470- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " وما أهلّ به لغير الله "، ما ذبح لغير الله.
2471- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج, قال ابن عباس في قوله: " وما أهِلّ به لغير الله " قال، ما أهِلّ به للطواغيت.
2472- حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك قال: " وما أُهلّ به لغير الله " قال، ما أهل به للطواغيت.
2473- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: " وما أهِلّ به لغير الله "، يعني: ما أهِل للطواغيت كلّها.
يعني: ما ذبح لغير الله من أهل الكفر، غير اليهود والنصارى.
2474- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن عطاء في قول الله: " وما أهِلّ به لغير الله " قال، هو ما ذبح لغير الله.
* * *وقال آخرون: معنى ذلك: ما ذكر عليه غير اسم الله.
* ذكر من قال ذلك:2475- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قوله: " وما أهلّ به لغير الله "، يقول: ما ذكر عليه غير اسم الله.
2476- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد -وسألته عن قوله الله: " وما أهلّ به لغير الله "- قال: ما يذبح لآلهتهم، الأنصابُ التي يعبدونها أو يسمُّون أسماءَها عليها.
قال: يقولون: " باسم فلان ", كما تقول أنت: " باسم الله " قال، فذلك قوله: " وما أهلّ به لغير الله ".
2477- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثنا حيوة، عن عقبة بن مسلم التُّجيبي وقيس بن رافع الأشجعي أنهما قالا أحِل لنا ما ذُبح لعيد الكنائس, وما أهدي لها من خبز أو لحم, فإنما هو طعام أهل الكتاب.
قال حيوة، قلت: أرأيت قَول الله: " وما أهِلّ به لغير الله "؟ قال: إنما ذلك المجوسُ وأهلُ الأوثان والمشركون.
* * *القول في تأويل قوله تعالى : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " فمن اضطر "، فمن حَلَّت به ضَرورة مجاعة إلى ما حرَّمت عليكم من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله -وهو بالصفة التي وصفنا- فلا إثم عليه في أكله إن أكله.
* * *وقوله: فمن " اضطر "" افتعل " من " الضّرورة ".
* * *و " غيرَ بَاغ " نُصِب على الحال مِنْ" مَنْ", فكأنه.
قيل: فمن اضطرّ لا باغيًا ولا عاديًا فأكله, فهو له حلال.
* * *وقد قيل : إن معنى قوله: " فمن اضطر "، فمن أكره على أكله فأكله, فلا إثم عليه.
* ذكر من قال ذلك:2478- حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا إسرائيل, عن سالم الأفطس, عن مجاهد قوله: " فمن اضطر غيرَ باغ ولا عاد " قال: الرجل يأخذُه العدو فيدعونه إلى معصية الله.
* * *وأما قوله: " غيرَ بَاغ ولا عَاد "، فإن أهل التأويل في تأويله مختلفون.
فقال بعضهم: يعني بقوله: " غير باغ "، غيرَ خارج على الأئمة بسيفه باغيًا عليهم بغير جَور, ولا عاديًا عليهم بحرب وعدوان، فمفسدٌ عليهم السبيلَ.
* ذكر من قال ذلك:2479- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت ليثًا، عن مجاهد: " فمن اضطر غيرَ بَاغٍ ولا عاد " قال، غيرَ قاطع سبيل, ولا مفارق جماعة, ولا خارج في معصية الله, فله الرخصة.
2480- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " فمن اضطر غيرَ باغ ولا عاد "، يقول: لا قاطعًا للسبيل, ولا مفارقًا للأئمة, ولا خارجًا في معصية الله, فله الرخصة.
ومن خرج بَاغيًا أو عاديًا في معصية الله, فلا رخصة له وإن اضطُرَّ إليه.
2481- حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا شريك, عن سالم, عن سعيد: " غير باغ ولا عاد " قال، هو الذي يقطع الطريق, فليس له رخصة إذا جاع أن يأكل الميتة، وإذا عطش أن يشربَ الخمر.
2482- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال: أخبرنا ابن المبارك, عن شريك، عن سالم -يعني الأفطس- عن سعيد في قوله: " فمن اضطُر غير باغ ولا عاد " قال، الباغي العادي الذي يقطع الطريق، فلا رخصة له ولا كرامة.
2483- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك, عن سالم, عن سعيد في قوله: " فمن اضطُر غير باغ ولا عاد " قال، إذا خرج في سبيل من سُبُل الله فاضطر إلى شرب الخمر شرب, وإن اضطر إلى الميتة أكل.
وإذا خرج يقطع الطريق، فلا رخصة له.
2484- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حفص بن غياث, عن الحجاج, عن القاسم بن أبي بزة, عن مجاهد قال: " غيرَ باغ " على الأئمة،" ولا عاد " قال، قاطع السبيل.
2485- حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال، غير قاطع السبيل, ولا مفارق الأئمة, ولا خارج في معصية الله فله الرخصة.
2486- حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية, عن حجاج, عن الحكم, عن مجاهد : " فمن اضطُر غير بَاغ ولا عاد " قال، غير باغ على الأئمة, ولا عاد على ابن السبيل.
* * *وقال آخرون في تأويل قوله: " غيرَ باغ ولا عاد ": غيرَ باغ الحرامَ في أكله, ولا معتدٍ الذي أبيحَ له منه.
* ذكر من قال ذلك.
2487- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيدعن قتادة قوله: " فمن اضطُرَّ غير باغ ولا عاد " قال، غير باغ في أكله, ولا عادٍ: أن يتعدى حلالا إلى حرام، وهو يجد عنه مَندوحة.
2488- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن الحسن في قوله: " فمن اضطر غيرَ باغ ولا عاد " قال، غير باغ فيها ولا معتدٍ فيها بأكلها، وهو غنيٌّ عنها.
2489- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, عمن سمع الحسن يقول ذلك.
2490- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال حدثنا أبو تميلة، (28) عن أبي حمزة, عن جابر, عن مجاهد وعكرمة قوله: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد "،" غير باغ " يَبتغيه," ولا عادٍ": يتعدى على ما يُمسك نفسه.
2491- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد "، يقول: من غير أن يبتغي حرامًا ويتعداه, ألا ترى أنه يقول: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [سورة المؤمنون: 7 سورة المعارج: 31]2492- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " فمن اضطُرّ غير باغٍ ولا عادٍ" قال، أن يأكل ذلك بَغيًا وتعديًا عن الحلال إلى الحرام, ويترك الحلال وهو عنده, ويتعدى بأكل هذا الحرام.
هذا التعدي.
ينكر أن يكونا مختلفين, ويقول: هذا وهذا واحد!* * *وقال آخرون تأويل ذلك: فمن اضطر غير باغ في أكله شهوة، ولا عاد فوق ما لا بُدَّ له منه.
* ذكر من قال ذلك:2493- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد ".
أمَّا " باغ "، فيبغي فيه شهوته.
وأما " العادي"، فيتعدى في أكله, يأكل حتى يشبع, ولكن يأكل منه قدر ما يُمسك به نفسه حتى يبلغ به حاجته.
* * *قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: فمن اضطر غير باغ بأكله ما حُرم عليه من أكله، ولا عاد في أكله, وله عن ترك أكله -بوجود غيره مما أحله الله له- مندوحة وغنى.
وذلك أن الله تعالى ذكره لم يرخّصْ لأحد في قتل نفسه بحال.
وإذ كان ذلك كذلك، فلا شك أن الخارجَ على الإمام والقاطعَ الطريقَ، وإن كانا قد أتيا ما حرَّم الله عليهما =: من خروج هذا على من خرج عليه، وسَعي هذا بالإفساد في الأرض, = فغيرُ مبيح لهما فعلهما ما فعلا مما حرّم الله عليهما -ما كان حرّم الله عليهما قبل إتيانهما ما أتيا من ذلك- من قتل أنفسهما.
[ورَدُّهما إلى محارم الله عليهما بعد فعلهما، ما فعلا وإن كان قد حرم عليهما ما كان مرخصا لهما قبل ذلك من فعلهما، وإن لم نرَ رَدَّهما إلى محارم الله عليهما تحريما، (29) فغير مرخِّص لهما ما كان عليهما قبل ذلك حرامًا].
فإذ كان ذلك كذلك, فالواجبُ على قُطاع الطريق والبغاة على الأئمة العادلة, الأوبةُ إلى طاعة الله, والرجوعُ إلى ما ألزمهما الله الرجوع إليه, والتوبةُ من معاصي الله - لا قتلُ أنفسهما بالمجاعة, فيزدادان إلى إثمهما إثمًا, وإلى خلافهما أمرَ الله خلافًا.
(30)وأما الذي وجَّه تأويل ذلك إلى أنه غيرُ باغ في أكله شهوة, فأكل ذلك شهوة، لا لدفع الضرورة المخوف منها الهلاك -مما قد دخل فيما حرمه الله عليه- فهو بمعنى ما قلنا في تأويله, وإن كان للفظه مخالفًا.
فأما توجيه تأويل قوله: " ولا عاد "، و لا آكل منه شبعه، ولكن ما يمسك به نفسه، فإن ذلك، بعض معاني الاعتداء في أكله.
ولم يخصص الله من معاني الاعتداء في أكله معنى، فيقال عنى به بعض معانيه.
فإذ كان ذلك كذلك, فالصواب من القول ما قلنا: من أنه الاعتداء في كل معانيه المحرّمة.
* * *وأما تأويل قوله: " فلا إثم عليه "، يقول: من أكل ذلك على الصفة التي وصفنا، فلا تبعة عليه في أكله ذلك كذلك ولا حَرج.
* * *القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره: " إنّ الله غَفور رحيم "،" إنّ الله غَفورٌ" =إن أطعتم الله في إسلامكم، فاجتنبتم أكل ما حرم عليكم، وتركتم اتباعَ الشيطان فيما كنتم تحرمونه في جاهليتكم- طاعةً منكم للشيطان واقتفاءً منكم خُطواته - مما لم أحرمه عليكم = لما سلف منكم، في كفركم وقبل إسلامكم، في ذلك من خطأ وذنب ومعصية, فصافحٌ عنكم, وتارك عقوبتكم عليه," رحيم " بكم إن أطعتموه.
-------------------الهوامش :(22) انظر تفصيل هذا في معاني القرآن للفراء 1 : 102-103 .
(23) في المطبوعة : "القائلون وهو هين لين .
.
.
" ، وكأن الصواب ما أثبت .
(24) هو عدي بن الرعلاء الغساني ، والرعلاء أمه .
(25) الأصمعيات : 5 ، ومعجم الشعراء : 252 ، وتهذيب الألفاظ : 448 ، واللسان (موت) وحماسة ابن الشجرى : 51 ، والخزانة 4 : 187 ، وشرح شواهد المغني : 138 .
من أبيات جيدة صادقة ، يقول بعده :إِنَّمَا المَيْتُ مَنْ يَعِيشُ ذَلِيلاًكَاسِفًا بَالُهُ قَلِيلَ الرّجَاءِفَأُنَاسٌ يُمَصَّصُونَ ثِمَادًاوَأُنَاسٌ حُلُوقُهُمْ فِي المَاءالثماد الماء القليل يبقى في الحفر .
وما أصدق ما قال هذا الأبي الحر .
(26) في المطبوعة : "يسمي بذلك أو لم يسم" ، والصواب ما أثبت ، فعل ماض كالذي يليه .
(27) سلف تخريج هذا البيت في 1 : 523-524 ، وأن صواب نسبته إلى الحادرة الذبياني .
(28) في المطبوعة : "أبو نميلة" ، والصواب بالتاء .
مضت ترجمته برقم : 392 ، 461 .
(29) في المطبوعة : "وإن لم يؤدهما إلى محارم الله عليهما تحريمًا" .
وهو تصحيف مفسد قد آذى من أراد أن يفهم عن الطبري ما يقول .
و"المحارم" : كل ما حرم الله سبحانه علينا فهو من محارم الله .
وانظر التعليق التالي .
(30) هذه الفقرة رد على القول الأول ، قول من ذهب إلى أن"الباغي" هو الخارج على الأئمة ، وأن"العادي" هو قاطع الطريق ، وأنهما لفعلهما ذلك مستثنيان من حكم الآية في الترخيص للمضطر أن يأكل مما حرم الله عليه .
ولكن العبارة في الأصل فاسدة ، لا يكاد يكون لها معنى .
ولم أستجز أن أدعها في الأصل على ما هي عليه .
وهكذا كانت في الأصل :[بل ذلك من فعلهما ، وإن لم يؤدهما إلى محارم الله عليهما تحريمًا ، فغير مرخص لهما ما كان عليهما قبل ذلك حراما] .
وهو كلام لا يستقيم ، وقد اجتهدت فرأيت أنه سقط من ناسخ كلامه سطر كامل فيما أرجح ، بين قوله : "من قتل أنفسهما" وقوله : "قبل ذلك من فعلهما" فبقيت"قبل" وحدها ، فجاء ناسخ آخر فلم يستبن معنى ما يكتب ، فجعل"قبل""بل" ، ظنًا منه أن ذلك يقيم المعنى على وجه من الوجوه .
فاضطرب الكلام كما ترى اضطرابًا لا يخلص إلى شيء مفهوم .
وزاده فسادًا واضطرابًا تصحيف قوله : "وإن لم نر ردهما" بما كتب : "وإن لم يؤدهما" ، فخلص إلى كلام ضرب عليه التخليط ضربًا!وقد ساق الطبري في هذه الفقرة حجتين لرد قول من قال إن الباغي هو الخارج على الإمام ، وإن العادي هو قاطع السبيل .
فالحجة الأولى : أن الباغي والعادي ، وإن كان كلاهما قد أتى فعلا محرمًا ، فإن إتيان هذا الفعل المحرم ، لا يجعل قتل أنفسهما مباحًا لهما ، إذ هو محرم عليهما قبل إتيانهما ما أتيا من محارم الله عليهما .
والحجة الأخرى : أن الله قد رخص لكل مضطر أن يأكل مما حرم عليه ، فاستثناء الباغي والعادي من رخصة الله للمضطر .
لا يعد عنده تحريمًا ، بل هو رد إلى ما كان محرمًا عليهما قبل البغي أو العدوان .
ومع ذلك فإن هذا الرد إلى ما كان محرمًا عليهما ، وإن كان قد حرم عليهما ما كان مرخصًا لهما ولكل مضطر قبل البغي والعدوان ، فإنه لا يرخص لهما قتل أنفسهما ، وهو حرام عليهما قبل البغي والعدوان .
وإذن ، فالواجب عليهما أن يتوبا ، لا أن يقتلا أنفسهما بالمجاعة ، فيزدادان إثمًا إلى إثمهما ، وخلافًا إلى خلافهما بالبغي والعدوان أمر الله .

إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنـزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم

سورة : البقرة - الأية : ( 173 )  - الجزء : ( 2 )  -  الصفحة: ( 26 ) - عدد الأيات : ( 286 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم
  2. تفسير: ياأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه
  3. تفسير: إرم ذات العماد
  4. تفسير: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على
  5. تفسير: وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم
  6. تفسير: أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم
  7. تفسير: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون
  8. تفسير: قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله
  9. تفسير: قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء
  10. تفسير: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

الله , غفور , رحيم ,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب