تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 19 من سورة البقرة - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ۚ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ﴾
[ سورة البقرة: 19]

معنى و تفسير الآية 19 من سورة البقرة : أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد


ثم قال تعالى: { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ } يعني: أو مثلهم كصيب،- أي: كصاحب صيب من السماء، وهو المطر الذي يصوب,- أي: ينزل بكثرة، { فِيهِ ظُلُمَاتٌ } ظلمة الليل, وظلمة السحاب, وظلمات المطر، { وَرَعْدٌ } وهو الصوت الذي يسمع من السحاب، { وَبَرْقٌ } وهو الضوء [اللامع] المشاهد مع السحاب.

تفسير البغوي : مضمون الآية 19 من سورة البقرة


أو كصيب أي كأصحاب صيب.
وهذا مثل آخر ضربه الله تعالى للمنافقين بمعنى آخر إن شئت مثلهم بالمستوقد وإن شئت بأهل الصيب، وقيل: "أو" بمعنى الواو؛ يريد وكصيب كقوله تعالى: أو يزيدون بمعنى ويزيدون.
والصيب المطر وكل ما نزل من الأعلى إلى الأسفل فهو صيب فعل من صاب يصوب أي نزل.
من السماء: أي من السحاب.
قيل: هي السماء بعينها، والسماء كل ما علاك فأظلك، وهي من أسماء الأجناس يكون واحداً وجمعاً.
فيه: أي في الصيب، وقيل: في السماء أي من السحاب ولذلك ذكره.
وقيل: السماء يُذَكَّر ويؤنث، قال الله تعالى: السماء منفطر به [18-المزملوقال: إذا السماء انفطرت [1-الانفطار].
ظلمات جمع ظلمة.
ورعد هو الصوت الذي يسمع من السحاب.
وبرق وهو النار التي تخرج منه.
قال علي وابن عباس وأكثر المفسرين رضي الله عنهم: "الرعد اسم ملك يسوق السحاب والبرق لمعان سوط من نور يزجر به الملك السحاب".
وقيل: الصوت زجر السحاب.
وقيل: تسبيح الملك.
وقيل: الرعد نطق الملك والبرق ضحكه.
وقال مجاهد: "الرعد اسم الملك" ويقال لصوته أيضاً رعد، والبرق مصع ملك يسوق السحاب.
وقال شهر بن حوشب: "الرعد ملك يزجي السحاب فإذا تبددت ضمها فإذا اشتد غضبه طارت من فيه النار فهي الصواعق"، وقيل: الرعد صوت انحراف الريح بين السحاب والأول أصح.
يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق جمع صاعقة وهي الصيحة التي يموت من يسمعها أو يغشى عليه.
ويقال لكل عذاب مهلك صاعقة، وقيل: الصاعقة قطعة عذاب ينزلها الله تعالى على من يشاء.
روي عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال: "اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك".
قوله: حذر الموت: أي مخافة الهلاك.
والله محيط بالكافرين: أي عالم بهم، وقيل: جامعهم.
وقال مجاهد: "يجمعهم فيعذبهم".
وقيل: مهلكهم، دليله قوله تعالى: إلا أن يحاط بكم [66-يوسف] أي تهلكوا جميعاً.
ويميل أبو عمرو و الكسائي الكافرين في محل النصب والخفض ولا يميلان: [أول كافر به] [41-البقرة].

التفسير الوسيط : أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد


ثم ساق - سبحانه - المثل الثاني فقال : { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السمآء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } .
" أو " للتسوية بين الشيئين وهي مفيدة أن التمثيل بأيهما أو بمجموعهما يؤدى إلى المقصود ، فهي مانعة خلو مجوزة للجمع بينهما .
و { الصيب } - كسيد - المطر ، من الصوب وهو النزول .
يقال : صاب صوباً ، إذا نزل أو انحدر ، سمى به المطر لنزوله ، وفي الجملة الكريمة إيجاز بحذف ما دل عليه المقام دلالة واضحة .
والتقدير : أو كمثل ذوي صيب .
والمعنى أن قصة هؤلاء المنافقين مشبهة بقصة الذي استوقد ناراً ، أو بقصة ذوي صيب .
والسماء : كل ما علاك من سقف ونحوه ، والمراد بها السحاب .
والرعد : الصوت الذي يسمع بسبب اصطدام سحابتين محملتين بشحنتين كهربيتين أحداهما موجبة والأخرى سالبة .
والبرق : هو الضوء الذي يحدث بسبب الاصطدام ذاته .
وإيراد هذه الألفاظ بصفة التنكير للتهويل ، ويكون المعنى : أو أن مثل هؤلاء المنافقين كمثل قوم نزل بهم المطر من السماء تصحبه ظلمات كأنها سواد الليل ، ورعد بصم الآذان ، وبرق يخطف الأبصار؛ وصواعق تحرق ما تصيبه .
ثم قال - تعالى - : { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِم مِّنَ الصواعق حَذَرَ الموت } .
ِالصواعق : جمع صاعقة من الصعق وهو شدة الصوت الذي يصحبه - غالباً - قطعة من نار لا تأتي على شيء إلا أهلكته .
{ ومن } في قوله - تعالى - : { مِّنَ الصواعق } للعليل .
وإنما كانت الصواعق داعية إلى سدهم آذانهم بأصابعهم ، من جهة أنها قد تفضي بصوتها لهائل إلى الموت ، وجاء هذا مصرحا به في قوله - تعالى - { حَذَرَ الموت } يدل على أنهم لم يموتوا من تلك المفزعات وهذه المروعات .
إمدادا في عذابهم .
ومطاولة في نكالهم .
وقوله - تعالى - : { والله مُحِيطٌ بالكافرين } جملة معترضة في أثناء ضرب المثل بذوي الصيب .
وإحاطته - سبحانه - بالكافرين على معنى أنهم لا مهرب لهم منه ، فهو محيط بهم إحاطة تامة وهو قادر على النكال بهم متى شاء وكيف شاء .
ولم يقل محيط بهم مع تقدم مرجع الضمير وهو أصحاب الصيب ، إيذاناً بأنهم إنما استحقوا ذلك العذاب بكفرهم .

تفسير ابن كثير : شرح الآية 19 من سورة البقرة


وهذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضرب آخر من المنافقين ، وهم قوم يظهر لهم الحق تارة ، ويشكون تارة أخرى ، فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وترددهم { كصيب } والصيب : المطر ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، وناس من الصحابة ، وأبو العالية ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والحسن البصري ، وقتادة ، وعطية العوفي ، وعطاء الخراساني ، والسدي ، والربيع بن أنس .
وقال الضحاك : هو السحاب .
والأشهر هو المطر نزل من السماء في حال ظلمات ، وهي الشكوك والكفر والنفاق . { ورعد } وهو ما يزعج القلوب من الخوف ، فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع ، كما قال تعالى : { يحسبون كل صيحة عليهم [ هم العدو ] } [ المنافقون : 4 ] وقال : { ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون } [ التوبة : 56 ، 57 ] .
والبرق : هو ما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان ، من نور الإيمان ؛ ولهذا قال : { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين } أي: ولا يجدي عنهم حذرهم شيئا ؛ لأن الله محيط [ بهم ] بقدرته ، وهم تحت مشيئته وإرادته ، كما قال : { هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط } [ البروج : 17 - 20 ] .
[ والصواعق : جمع صاعقة ، وهي نار تنزل من السماء وقت الرعد الشديد ، وحكى الخليل بن أحمد عن بعضهم صاعقة ، وحكى بعضهم صاعقة وصعقة وصاقعة ، ونقل عن الحسن البصري أنه : قرأ : " من الصواقع حذر الموت " بتقديم القاف وأنشدوا لأبي النجم :
يحكوك بالمثقولة القواطع شفق البرق عن الصواقع
قال النحاس : وهي لغة بني تميم وبعض بني ربيعة ، حكى ذلك القرطبي في تفسيره
] .

تفسير الطبري : معنى الآية 19 من سورة البقرة


القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( أو كصيب من السماء )قال أبو جعفر : والصيب الفيعل من قولك : صاب المطر يصوب صوبا ، إذا انحدر ونزل ، كما قال الشاعر :فلست لإنسي ولكن لملأك تنزل من جو السماء يصوبوكما قال علقمة بن عبدة :كأنهم صابت عليهم سحابة صواعقها لطيرهن دبيب[ ص: 334 ] فلا تعدلي بيني وبين مغمر ، سقيت روايا المزن حين تصوبيعني : حين تنحدر .
وهو في الأصل " صيوب " ولكن الواو لما سبقتها ياء ساكنة ، صيرتا جميعا ياء مشددة ، كما قيل : سيد ، من ساد يسود ، وجيد ، من جاد يجود .
وكذلك تفعل العرب بالواو إذا كانت متحركة وقبلها ياء ساكنة ، تصيرهما جميعا ياء مشددة .
وبما قلنا من القول في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :405 - حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال : حدثنا محمد بن عبيد ، قال : حدثنا هارون بن عنترة ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله " أو كصيب من السماء " قال : القطر .
406 - حدثني عباس بن محمد ، قال : حدثنا حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال لي عطاء : الصيب ، المطر .
407 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي ، عن ابن عباس قال : الصيب ، المطر .
408 - حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن [ ص: 335 ] السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : الصيب ، المطر .
409 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي سعد ، قال : حدثني عمي الحسين ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس ، مثله .
410 - وحدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة : " أو كصيب " يقول : المطر .
411 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أنبأنا معمر ، عن قتادة ، مثله .
412 - حدثني محمد بن عمرو الباهلي ، وعمرو بن علي ، قالا حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الصيب الربيع .
413 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الصيب ، المطر .
414 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس : الصيب ، المطر .
415 - حدثت عن المنجاب ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : الصيب المطر .
416 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال عبد الرحمن بن زيد : " أو كصيب من السماء " قال : أو كغيث من السماء .
417 - حدثنا سوار بن عبد الله العنبري ، قال : قال سفيان : الصيب ، الذي فيه المطر .
[ ص: 336 ]418 - حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا معاوية ، قال : حدثنا ابن جريج ، عن عطاء ، في قوله : " أو كصيب من السماء " قال : المطر .
قال أبو جعفر : وتأويل ذلك : مثل استضاءة المنافقين بضوء إقرارهم بالإسلام مع استسرارهم الكفر مثل إضاءة موقد نار بضوء ناره ، على ما وصف جل ثناؤه من صفته ، أو كمثل مطر مظلم ودقه تحدر من السماء ، تحمله مزنة ظلماء في ليلة مظلمة .
وذلك هو الظلمات التي أخبر الله جل ثناؤه أنها فيه .
فإن قال لنا قائل : أخبرنا عن هذين المثلين : أهما مثلان للمنافقين ، أو أحدهما ؟ فإن يكونا مثلين للمنافقين ، فكيف قيل : " أو كصيب " و " أو " تأتي بمعنى الشك في الكلام ، ولم يقل " وكصيب " بالواو التي تلحق المثل الثاني بالمثل الأول ؟ أو يكون مثل القوم أحدهما ، فما وجه ذكر الآخر ب " أو " ؟ وقد علمت أن " أو " إذا كانت في الكلام فإنما تدخل فيه على وجه الشك من المخبر فيما أخبر عنه ، كقول القائل : " لقيني أخوك أو أبوك " وإنما لقيه أحدهما ، ولكنه جهل عين الذي لقيه منهما ، مع علمه أن أحدهما قد لقيه .
وغير جائز فيه الله جل ثناؤه أن يضاف إليه الشك في شيء ، أو عزوب علم شيء عنه ، فيما أخبر أو ترك الخبر عنه .
قيل له : إن الأمر في ذلك بخلاف الذي ذهبت إليه .
و " أو " - وإن كانت في بعض الكلام تأتي بمعنى الشك - فإنها قد تأتي دالة على مثل ما تدل عليه الواو ، إما بسابق من الكلام قبلها ، وإما بما يأتي بعدها ، كقول توبة بن الحمير :وقد زعمت ليلى بأني فاجر لنفسي تقاها أو عليها فجورها[ ص: 337 ]ومعلوم أن ذلك من توبة على غير وجه الشك فيما قال ، ولكن لما كانت " أو " في هذا الموضع دالة على مثل الذي كانت تدل عليه " الواو " لو كانت مكانها ، وضعها موضعها ، وكذلك قول جرير :نال الخلافة أو كانت له قدرا ، كما أتى ربه موسى على قدروكما قال الآخر :فلو كان البكاء يرد شيئا بكيت على بجير أو عفاقعلى المرأين إذ مضيا جميعا لشأنهما ، بحزن واشتياقفقد دل بقوله " على المرأين إذ مضيا جميعا " أن بكاءه الذي أراد أن يبكيه لم يرد أن يقصد به أحدهما دون الآخر ، بل أراد أن يبكيهما جميعا .
فكذلك ذلك في قول الله جل ثناؤه " أو كصيب من السماء " لما كان معلوما أن " أو " دالة في ذلك على مثل الذي كانت تدل عليه " الواو " لو كانت مكانها - كان سواء نطق فيه ب " أو " أو ب " الواو " وكذلك وجه حذف " المثل " من قوله " أو كصيب " لما كان قوله : [ ص: 338 ] " كمثل الذي استوقد نارا " دالا على أن معناه : كمثل صيب ، حذف " المثل " واكتفى بدلالة ما مضى من الكلام في قوله : " كمثل الذي استوقد نارا " على أن معناه : أو كمثل صيب ، من إعادة ذكر المثل ؛ طلب الإيجاز والاختصار .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه : ( فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ( 19 ) )قال أبو جعفر : فأما الظلمات ، فجمع ، واحدها ظلمة .
أما الرعد ، فإن أهل العلم اختلفوا فيه :فقال بعضهم : هو ملك يزجر السحاب .
ذكر من قال ذلك :419 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، قال : الرعد ، ملك يزجر السحاب بصوته .
420 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، مثله .
421 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .
422 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم قال : أنبأنا إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح ، قال : الرعد ، ملك من الملائكة يسبح .
[ ص: 339 ]423 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأزدي ، قال : حدثنا محمد بن يعلى ، عن أبي الخطاب البصري ، عن شهر بن حوشب ، قال : الرعد ، ملك موكل بالسحاب يسوقه ، كما يسوق الحادي الإبل ، يسبح .
كلما خالفت سحابة سحابة صاح بها ، فإذا اشتد غضبه طارت النار من فيه ، فهي الصواعق التي رأيتم .
424 - حدثت عن المنجاب بن الحارث ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : الرعد ، ملك من الملائكة اسمه الرعد ، وهو الذي تسمعون صوته .
425 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عبد الملك بن حسين ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس ، قال : الرعد ، ملك يزجر السحاب بالتسبيح والتكبير .
426 - وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا علي بن عاصم ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : الرعد اسم ملك ، وصوته هذا تسبيحه ، فإذا اشتد زجره السحاب ، اضطرب السحاب واحتك .
فتخرج الصواعق من بينه .
427 - حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عفان .
قال : حدثنا أبو عوانة ، عن [ ص: 340 ] موسى البزار ، عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس ، قال : الرعد ملك يسوق السحاب بالتسبيح ، كما يسوق الحادي الإبل بحدائه .
428 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا يحيى بن عباد ، وشبابة ، قالا حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، قال : الرعد ملك يزجر السحاب .
429 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا عتاب بن زياد ، عن عكرمة ، قال : الرعد ملك في السحاب ، يجمع السحاب كما يجمع الراعي الإبل .
430 - وحدثنا بشر ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : الرعد خلق من خلق الله جل وعز ، سامع مطيع لله جل وعز .
431 - حدثنا القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا الحسين بن داود ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قال : إن الرعد ملك يؤمر بإزجاء السحاب فيؤلف بينه ، فذلك الصوت تسبيحه .
432 - وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : الرعد ملك .
433 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن المغيرة بن سالم ، عن أبيه ، أو غيره ، أن علي بن أبي طالب قال : الرعد ملك .
434 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، قال : أخبرنا موسى بن سالم أبو جهضم ، مولى ابن عباس ، قال : كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن الرعد ، فقال : الرعد ملك .
[ ص: 341 ]435 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثنا عمر بن الوليد الشني ، عن عكرمة ، قال : الرعد ملك يسوق السحاب كما يسوق الراعي الإبل .
436 - حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا حفص بن عمر ، قال : حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، قال : كان ابن عباس إذا سمع الرعد ، قال : سبحان الذي سبحت له ، قال : وكان يقول : إن الرعد ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي بغنمه .
وقال آخرون : إن الرعد ريح تختنق تحت السحاب فتصاعد ، فيكون منه ذلك الصوت .
ذكر من قال ذلك :437 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا بشر بن إسماعيل ، عن أبي كثير ، قال : كنت عند أبي الجلد ، إذ جاءه رسول ابن عباس بكتاب إليه ، فكتب إليه : " كتبت تسألني عن الرعد ، فالرعد الريح .
438 - حدثني إبراهيم بن عبد الله ، قال : حدثنا عمران بن ميسرة ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن الحسن بن الفرات ، عن أبيه قال : كتب ابن عباس [ ص: 342 ] إلى أبي الجلد يسأله عن الرعد ، فقال : الرعد ريح .
قال أبو جعفر : فإن كان الرعد ما ذكره ابن عباس ومجاهد ، فمعنى الآية : أو كصيب من السماء فيه ظلمات وصوت رعد .
لأن الرعد إن كان ملكا يسوق السحاب ، فغير كائن في الصيب ، لأن الصيب إنما هو ما تحدر من صوب السحاب ، والرعد إنما هو في جو السماء يسوق السحاب .
على أنه لو كان فيه ثم لم يكن له صوت مسموع ، فلم يكن هنالك رعب يرعب به أحد ، لأنه قد قيل : إن مع كل قطرة من قطر المطر ملكا ، فلا يعدو الملك الذي اسمه "
الرعد " لو كان مع الصيب ، إذا لم يكن مسموعا صوته ، أن يكون كبعض تلك الملائكة التي تنزل مع القطر إلى الأرض ، في أن لا رعب على أحد بكونه فيه .
فقد علم - إذ كان الأمر على ما وصفنا من قول ابن عباس - أن معنى الآية : أو كمثل غيث تحدر من السماء فيه ظلمات وصوت رعد ، إن كان الرعد هو ما قاله ابن عباس ، وأنه استغنى بدلالة ذكر الرعد باسمه على المراد في الكلام من ذكر صوته .
وإن كان الرعد ما قاله أبو الجلد فلا شيء في قوله : "
فيه ظلمات ورعد " متروك .
لأن معنى الكلام حينئذ : فيه ظلمات ورعد الذي هو ما وصفنا صفته .
وأما البرق ، فإن أهل العلم اختلفوا فيه : فقال بعضهم بما :439 - حدثنا مطر بن محمد الضبي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، - ح - وحدثني محمد بن بشار ، قال : حدثني عبد الرحمن بن مهدي ، - ح - وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قالوا جميعا : حدثنا سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن سعيد بن أشوع ، عن ربيعة [ ص: 343 ] بن الأبيض ، عن علي ، قال : البرق مخاريق الملائكة .
440 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا عبد الملك بن الحسين ، عن أبي مالك ، عن السدي ، عن ابن عباس : البرق مخاريق بأيدي الملائكة ، يزجرون بها السحاب .
441 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن المغيرة بن سالم ، عن أبيه ، أو غيره ، أن علي بن أبي طالب قال : الرعد الملك ، والبرق ضربه السحاب بمخراق من حديد .
وقال آخرون : هو سوط من نور يزجي به الملك السحاب .
ذكر من قال ذلك :442 - حدثت عن المنجاب بن الحارث ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، بذلك .
وقال آخرون : هو ماء .
ذكر من قال ذلك :443 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا بشر بن إسماعيل ، عن أبي كثير ، قال : كنت عند أبي الجلد ، إذ جاء رسول ابن عباس بكتاب إليه ، فكتب إليه : "
كتبت إلي تسألني عن البرق ، فالبرق الماء " 444 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، قال : حدثنا عمران بن ميسرة ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن الحسن بن الفرات ، عن أبيه ، قال : كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن البرق ، فقال : البرق ماء .
[ ص: 344 ]445 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن رجل ، من أهل البصرة من قرائهم ، قال : كتب ابن عباس إلى أبي الجلد - رجل من أهل هجر - يسأله عن البرق ، فكتب إليه : "
كتبت إلي تسألني عن البرق ، وإنه من الماء " وقال آخرون : هو مصع ملك .
446 - حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد ، قال : البرق ، مصع ملك .
447 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، عن محمد بن مسلم الطائفي ، قال : بلغني أن البرق ملك له أربعة أوجه ، وجه إنسان ، ووجه ثور ، ووجه نسر ، ووجه أسد ، فإذا مصع بأجنحته فذلك البرق .
448 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن وهب بن سليمان ، عن شعيب الجبائي قال : في كتاب الله : الملائكة حملة العرش ، لكل ملك منهم وجه إنسان وثور وأسد ، فإذا حركوا أجنحتهم فهو البرق [ ص: 345 ] .
وقال أمية بن أبي الصلت :رجل وثور تحت رجل يمينه والنسر للأخرى ، وليث مرصد449 - حدثنا الحسين بن محمد ، قال : حدثنا علي بن عاصم ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : البرق ملك .
450 - وقد حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : الصواعق ملك يضرب السحاب بالمخاريق ، يصيب منه من يشاء .
قال أبو جعفر : وقد يحتمل أن يكون ما قاله علي بن أبي طالب وابن عباس ومجاهد بمعنى واحد .
وذلك أن تكون المخاريق التي ذكر علي رضي الله عنه أنها هي البرق ، هي السياط التي هي من نور ، التي يزجي بها الملك السحاب ، كما قال ابن عباس .
ويكون إزجاء الملك بها السحاب مصعه إياه .
وذلك أن المصاع عند العرب أصله : المجالدة بالسيوف ، ثم تستعمله في كل شيء جولد به في حرب وغير حرب ، كما قال أعشى بني ثعلبة ، وهو يصف جواري يلعبن بحليهن ويجالدن به .
[ ص: 346 ]إذا هن نازلن أقرانهنوكان المصاع بما في الجونيقال منه : ماصعه مصاعا .
وكأن مجاهدا إنما قال : "
مصع ملك " إذ كان السحاب لا يماصع الملك ، وإنما الرعد هو المماصع له ، فجعله مصدرا من مصعه يمصعه مصعا .
وقد ذكرنا ما في معنى "
الصاعقة " ما قال شهر بن حوشب فيما مضى .
وأما تأويل الآية ، فإن أهل التأويل مختلفون فيه :فروي عن ابن عباس في ذلك أقوال : أحدها ما451 - حدثنا به محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "
أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت " : أي هم من ظلمات ما هم فيه من الكفر والحذر من القتل - على الذي هم عليه من الخلاف والتخويف منكم - على مثل ما وصف من الذي هو في ظلمة الصيب ، فجعل أصابعه في أذنيه من الصواعق حذر الموت ، يكاد البرق يخطف أبصارهم - أي لشدة ضوء الحق - كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ، أي يعرفون الحق ويتكلمون به ، فهم من قولهم به على استقامة ، فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا متحيرين .
والآخر ما [ ص: 347 ]452 - حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : "
أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق " إلى " إن الله على كل شيء قدير " أما الصيب فالمطر .
كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين ، فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله ، فيه رعد شديد وصواعق وبرق ، فجعلا كلما أضاء لهما الصواعق جعلا أصابعهما في آذانهما من الفرق أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما ، وإذا لمع البرق مشيا في ضوئه ، وإذا لم يلمع لم يبصرا وقاما مكانهما لا يمشيان ، فجعلا يقولان : ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمدا فنضع أيدينا في يده ، فأصبحا فأتياه فأسلما ووضعا أيديهما في يده ، وحسن إسلامهما ، فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين مثلا للمنافقين الذين بالمدينة ، وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، أن ينزل فيهم شيء أو يذكروا بشيء فيقتلوا ، كما كان ذانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما ، وإذا أضاء لهم مشوا فيه ، فإذا كثرت أموالهم ، وولد لهم الغلمان ، وأصابوا غنيمة أو فتحا ، مشوا فيه ، وقالوا : إن دين محمد صلى الله عليه وسلم دين صدق .
فاستقاموا عليه ، كما كان ذانك المنافقان يمشيان ، إذا أضاء لهم البرق مشوا فيه ، وإذا أظلم عليهم قاموا .
فكانوا [ ص: 348 ] إذا هلكت أموالهم ، وولد لهم الجواري ، وأصابهم البلاء ، قالوا : هذا من أجل دين محمد ، فارتدوا كفارا ، كما قام ذانك المنافقان حين أظلم البرق عليهما .
والثالث ما453 - حدثني به محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس : "
أو كصيب من السماء " كمطر ، " فيه ظلمات ورعد وبرق " إلى آخر الآية ، هو مثل المنافق في ضوء ما تكلم بما معه من كتاب الله وعمل مراءاة للناس ، فإذا خلا وحده عمل بغيره ، فهو في ظلمة ما أقام على ذلك .
وأما الظلمات فالضلالة ، وأما البرق فالإيمان ، وهم أهل الكتاب .
[ ص: 349 ]وإذا أظلم عليهم ، فهو رجل يأخذ بطرف الحق لا يستطيع أن يجاوزه .
والرابع ما454 - حدثني به المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : "
أو كصيب من السماء " وهو المطر ، ضرب مثله في القرآن يقول : " فيه ظلمات " يقول : ابتلاء ، " ورعد " يقول فيه تخويف " وبرق يكاد البرق يخطف أبصارهم " يقول : يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين ، " كلما أضاء لهم مشوا فيه " يقول : كلما أصاب المنافقون من الإسلام عزا اطمأنوا ، وإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر يقول : " وإذا أظلم عليهم قاموا " كقوله : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ) [ سورة الحج : 11 ] .
ثم اختلف سائر أهل التأويل بعد في ذلك ، نظير ما روي عن ابن عباس من الاختلاف :455 - فحدثني محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : إضاءة البرق وإظلامه ، على نحو ذلك المثل .
456 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
[ ص: 350 ]457 - حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
458 - وحدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة ، في قول الله : "
فيه ظلمات ورعد وبرق " إلى قوله " وإذا أظلم عليهم قاموا " فالمنافق إذا رأى في الإسلام رخاء أو طمأنينة أو سلوة من عيش ، قال : أنا معكم وأنا منكم ، وإذا أصابته شديدة حقحق والله عندها ، فانقطع به ، فلم يصبر على بلائها ، ولم يحتسب أجرها ، ولم يرج عاقبتها .
459 - وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : "
فيه ظلمات ورعد وبرق " يقول : أجبن قوم لا يسمعون شيئا إلا إذا ظنوا أنهم هالكون فيه حذرا من الموت والله محيط بالكافرين ثم ضرب لهم مثلا آخر فقال : " يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه " يقول : هذا المنافق ، إذا كثر ماله ، وكثرت ماشيته ، وأصابته عافية قال : لم يصبني منذ دخلت في ديني هذا إلا خير " وإذا أظلم عليهم قاموا " يقول : إذا ذهبت أموالهم وهلكت مواشيهم وأصابهم البلاء ، قاموا متحيرين .
460 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق بن الحجاج ، عن عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس : "
فيه ظلمات ورعد وبرق " قال : مثلهم [ ص: 351 ] كمثل قوم ساروا في ليلة مظلمة ، ولها مطر ورعد وبرق على جادة ، فلما أبرقت أبصروا الجادة فمضوا فيها ، وإذا ذهب البرق تحيروا .
وكذلك المنافق ، كلما تكلم بكلمة الإخلاص أضاء له ، فإذا شك تحير ووقع في الظلمة ، فكذلك قوله : "
كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا " ثم قال : في أسماعهم وأبصارهم التي عاشوا بها في الناس ، " ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم " قال أبو جعفر :461 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تميلة ، عن عبيد بن سليمان الباهلي ، عن الضحاك بن مزاحم ، " فيه ظلمات " قال : أما الظلمات فالضلالة ، والبرق الإيمان .
462 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثني عبد الرحمن بن زيد في قوله : "
فيه ظلمات ورعد وبرق " فقرأ حتى بلغ : " إن الله على كل شيء قدير " قال : هذا أيضا مثل ضربه الله للمنافقين ، كانوا قد استناروا بالإسلام كما استنار هذا بنور هذا البرق .
463 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : ليس في الأرض شيء سمعه المنافق إلا ظن أنه يراد به ، وأنه الموت ، كراهية له ، والمنافق أكره خلق الله للموت - كما إذا كانوا بالبراز في المطر ، فروا من الصواعق .
464 - حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا أبو معاوية ، قال : حدثنا ابن جريج ، عن عطاء في قوله : "
أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق " قال : مثل ضرب للكافر .
[ ص: 352 ]وهذه الأقوال التي ذكرنا عمن رويناها عنه ، فإنها - وإن اختلفت فيها ألفاظ قائليها - متقاربات المعاني ، لأنها جميعا تنبئ عن أن الله ضرب الصيب لظاهر إيمان المنافق مثلا ومثل ما فيه من ظلمات لضلالته ، وما فيه من ضياء برق لنور إيمانه ، واتقاءه من الصواعق بتصيير أصابعه في أذنيه ، لضعف جنانه ونخب فؤاده من حلول عقوبة الله بساحته ، ومشيه في ضوء البرق باستقامته على نور إيمانه ، وقيامه في الظلام ، لحيرته في ضلالته وارتكاسه في عمهه .
فتأويل الآية إذا - إذ كان الأمر على ما وصفنا - أو مثل ما استضاء به المنافقون من قيلهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بألسنتهم : آمنا بالله وباليوم الآخر وبمحمد وما جاء به ، حتى صار لهم بذلك في الدنيا أحكام المؤمنين ، وهم - مع إظهارهم بألسنتهم ما يظهرون - بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله وباليوم الآخر ، مكذبون ، ولخلاف ما يظهرون بالألسن في قلوبهم معتقدون ، على عمى منهم ، وجهالة بما هم عليه من الضلالة لا يدرون أي الأمرين اللذين قد شرعا لهم [ فيه ] الهداية ، أفي الكفر الذي كانوا عليه قبل إرسال الله محمدا صلى الله عليه وسلم بما أرسله به إليهم ، أم في الذي أتاهم به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربهم ؟ فهم من وعيد الله إياهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وجلون ، وهم مع وجلهم من ذلك في حقيقته شاكون ، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا .
كمثل غيث سرى ليلا في مزنة ظلماء [ ص: 353 ] وليلة مظلمة يحدوها رعد ، ويستطير في حافاتها برق شديد لمعانه ، كثير خطرانه ، يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ويختطفها من شدة ضيائه ونور شعاعه ، وينهبط منها تارات صواعق ، تكاد تدع النفوس من شدة أهوالها زواهق .
فالصيب مثل لظاهر ما أظهر المنافقون بألسنتهم من الإقرار والتصديق ، والظلمات التي هي فيه لظلمات ما هم مستبطنون من الشك والتكذيب ومرض القلوب .
وأما الرعد والصواعق ، فلما هم عليه من الوجل من وعيد الله إياهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في آي كتابه ، إما في العاجل وإما في الآجل ، أن يحل بهم ، مع شكهم في ذلك : هل هو كائن أم غير كائن ؟ وهل له حقيقة أم ذلك كذب وباطل ؟ مثل .
فهم من وجلهم ، أن يكون ذلك حقا ، يتقونه بالإقرار بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بألسنتهم ، مخافة على أنفسهم من الهلاك ونزول النقمات ، وذلك تأويل قوله جل ثناؤه "
يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت " يعني بذلك : يتقون وعيد الله الذي أنزله في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، بما يبدونه بألسنتهم من ظاهر الإقرار ، كما يتقي الخائف أصوات الصواعق بتغطية أذنيه وتصيير أصابعه فيها ، حذرا على نفسه منها .
وقد ذكرنا الخبر الذي روي عن ابن مسعود وابن عباس أنهما كانا يقولان : إن المنافقين كانوا إذا حضروا مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخلوا أصابعهم [ ص: 354 ] في آذانهم فرقا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيهم شيء ، أو يذكروا بشيء فيقتلوا .
فإن كان ذلك صحيحا - ولست أعلمه صحيحا إذ كنت بإسناده مرتابا - فإن القول الذي روي عنهما هو القول ، وإن يكن غير صحيح ، فأولى بتأويل الآية ما قلنا ، لأن الله إنما قص علينا من خبرهم في أول مبتدأ قصتهم ، أنهم يخادعون الله ورسوله والمؤمنين بقولهم : آمنا بالله وباليوم الآخر ، مع شك قلوبهم ومرض أفئدتهم في حقيقة ما زعموا أنهم به مؤمنون ، مما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند ربهم .
وبذلك وصفهم في جميع آي القرآن التي ذكر فيها صفتهم .
فكذلك ذلك في هذه الآية .
وإنما جعل الله إدخالهم أصابعهم في آذانهم مثلا لاتقائهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بما ذكرنا أنهم يتقونهم به ، كما يتقي سامع صوت الصاعقة بإدخال أصابعه في أذنيه ، وذلك من المثل نظير تمثيل الله جل ثناؤه ما أنزل فيهم من الوعيد في آي كتابه بأصوات الصواعق .
وكذلك قوله "
حذر الموت " جعله جل ثناؤه مثلا لخوفهم وإشفاقهم من حلول عاجل العقاب المهلكهم الذي توعدوه بساحتهم كما يجعل سامع أصوات الصواعق أصابعه في أذنيه ، حذر العطب والموت على نفسه ، أن تزهق من شدتها .
وإنما نصب قوله "
حذر الموت " على نحو ما تنصب به التكرمة في قولك : " زرتك تكرمة لك " تريد بذلك : من أجل تكرمتك ، وكما قال جل ثناؤه ، ( ويدعوننا رغبا ورهبا ) [ سورة الأنبياء : 90 ] على التفسير للفعل .
وقد روي عن قتادة أنه كان يتأول قوله : "
حذر الموت " حذرا من الموت .
[ ص: 355 ]465 - حدثنا بذلك الحسن بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أنبأنا معمر ، عنه .
وذلك مذهب من التأويل ضعيف ، لأن القوم لم يجعلوا أصابعهم في آذانهم حذرا من الموت ، فيكون معناه ما قال إنه يراد به ، حذرا من الموت ، وإنما جعلوها من حذار الموت في آذانهم .
وكان قتادة وابن جريج يتأولان قوله : "
يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت " أن ذلك من الله جل ثناؤه صفة للمنافقين بالهلع وضعف القلوب وكراهة الموت ، ويتأولان في ذلك قوله : ( يحسبون كل صيحة عليهم ) [ سورة المنافقون ] .
وليس الأمر في ذلك عندي كالذي قالا .
وذلك أنه قد كان فيهم من لا تنكر شجاعته ولا تدفع بسالته ، كقزمان ، الذي لم يقم مقامه أحد من المؤمنين بأحد ، أو دونه .
وإنما كانت كراهتهم شهود المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتركهم معاونته على أعدائه ، لأنهم لم يكونوا في أديانهم مستبصرين ، ولا برسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقين ، فكانوا للحضور معه مشاهده كارهين ، إلا بالتخذيل عنه .
ولكن ذلك وصف من الله جل ثناؤه لهم بالإشفاق من حلول عقوبة الله بهم على نفاقهم ، إما عاجلا وإما آجلا .
ثم أخبر جل ثناؤه أن [ ص: 356 ] المنافقين - الذين نعتهم الله النعت الذي ذكر - وضرب لهم الأمثال التي وصف ، وإن اتقوا عقابه ، وأشفقوا عذابه إشفاق الجاعل في أذنيه أصابعه حذار حلول الوعيد الذي توعدهم به في آي كتابه - غير منجيهم ذلك من نزوله بعقوتهم ، وحلوله بساحتهم ، إما عاجلا في الدنيا ، وإما آجلا في الآخرة ، للذي في قلوبهم من مرضها ، والشك في اعتقادها ، فقال : "
والله محيط بالكافرين " بمعنى جامعهم ، فمحل بهم عقوبته .
وكان مجاهد يتأول ذلك كما :466 - حدثني محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم .
عن عيسى بن ميمون ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : "
والله محيط بالكافرين " قال : جامعهم في جهنم .
وأما ابن عباس فروي عنه في ذلك ما :467 - حدثني به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "
والله محيط بالكافرين " يقول : الله منزل ذلك بهم من النقمة .
468 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله : "
والله محيط بالكافرين " قال : جامعهم .

أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين

سورة : البقرة - الأية : ( 19 )  - الجزء : ( 1 )  -  الصفحة: ( 4 ) - عدد الأيات : ( 286 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون
  2. تفسير: وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يابني اركب معنا
  3. تفسير: ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين
  4. تفسير: فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم
  5. تفسير: فكذب وعصى
  6. تفسير: ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون
  7. تفسير: إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم
  8. تفسير: قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون
  9. تفسير: خالدين فيها لا يبغون عنها حولا
  10. تفسير: ذكرى وما كنا ظالمين

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

رعد , برق ,  الله , محيط ,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب