تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 273 من سورةالبقرة - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾
[ سورة البقرة: 273]

معنى و تفسير الآية 273 من سورة البقرة : للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا


ثم ذكر مصرف النفقات الذين هم أولى الناس بها فوصفهم بست صفات أحدها الفقر، والثاني قوله: أحصروا في سبيل الله - أي: قصروها على طاعة الله من جهاد وغيره، فهم مستعدون لذلك محبوسون له، الثالث عجزهم عن الأسفار لطلب الرزق فقال: لا يستطيعون ضربا في الأرض - أي: سفرا للتكسب، الرابع قوله: يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف وهذا بيان لصدق صبرهم وحسن تعففهم.
الخامس: أنه قال: تعرفهم بسيماهم - أي: بالعلامة التي ذكرها الله في وصفهم، وهذا لا ينافي قوله: يحسبهم الجاهل أغنياء فإن الجاهل بحالهم ليس له فطنة يتفرس بها ما هم عليه، وأما الفطن المتفرس فمجرد ما يراهم يعرفهم بعلامتهم، السادس قوله: لا يسألون الناس إلحافا - أي: لا يسألونهم سؤال إلحاف،- أي: إلحاح، بل إن صدر منهم سؤال إذا احتاجوا لذلك لم يلحوا على من سألوا، فهؤلاء أولى الناس وأحقهم بالصدقات لما وصفهم به من جميل الصفات، وأما النفقة من حيث هي على أي شخص كان، فهي خير وإحسان وبر يثاب عليها صاحبها ويؤجر، فلهذا قال: وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم

تفسير البغوي : مضمون الآية 273 من سورة البقرة


قوله تعالى : ( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ) اختلفوا في موضع هذه اللام قيل هي مردودة على موضع اللام من قوله " فلأنفسكم " كأنه قال : وما تنفقوا من خير فللفقراء وإنما تنفقون لأنفسكم وقيل: معناها الصدقات التي سبق ذكرها وقيل: خبره محذوف تقديره : للفقراء الذين صفتهم كذا حق واجب وهم فقراء المهاجرين كانوا نحوا من أربعمائة رجل لم يكن لهم مساكن بالمدينة ولا عشائر وكانوا في المسجد يتعلمون القرآن ويرضخون النوى بالنهار وكانوا يخرجون في كل سرية يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أصحاب الصفة ، فحث الله تعالى عليهم الناس فكان من عنده فضل أتاهم به إذا أمسى .
( الذين أحصروا في سبيل الله ) فيه أقاويل; قال قتادة - وهو أولاها - حبسوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله ( لا يستطيعون ضربا في الأرض ) لا يتفرغون للتجارة وطلب المعاش وهم أهل الصفة الذين ذكرناهم وقيل: حبسوا أنفسهم على طاعة الله وقيل: معناه حبسهم الفقر والعدم عن الجهاد في سبيل الله وقال سعيد بن جبير : قوم أصابتهم جراحات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد في سبيل الله فصاروا زمنى أحصرهم المرض والزمانة عن الضرب في سبيل الله للجهاد وقال ابن زيد : معناه : من كثرة ما جاهدوا صارت الأرض كلها حربا عليهم فلا يستطيعون ضربا في الأرض من كثرة أعدائهم ( يحسبهم ) يحسبهم وبابه بفتح السين وقرأ الآخرون بالكسر ( الجاهل ) بحالهم أغنياء من التعفف ) أي من تعففهم عن السؤال وقناعتهم يظن من لا يعرف حالهم أنهم أغنياء والتعفف التفعل من العفة وهي الترك يقال : عف عن الشيء إذا كف عنه وتعفف إذا تكلف في الإمساك .
( تعرفهم بسيماهم ) السيماء والسيمياء والسمة : العلامة التي يعرف بها الشيء واختلفوا في معناها هاهنا فقال مجاهد : هي التخشع والتواضع وقال السدي : أثر الجهد من الحاجة والفقر وقال الضحاك : صفرة ألوانهم من الجوع والضر وقيل رثاثة ثيابهم ( لا يسألون الناس إلحافا ) قال عطاء : إذا كان عندهم غداء لا يسألون عشاء وإذا كان عندهم عشاء لا يسألون غداء وقيل: معناه لا يسألون الناس إلحافا أصلا لأنه قال : من التعفف والتعفف ترك السؤال ولأنه قال : تعرفهم بسيماهم ولو كانت المسألة من شأنهم لما كانت إلى معرفتهم بالعلامة من حاجة فمعنى الآية ليس لهم سؤال فيقع فيه إلحاف والإلحاف : الإلحاح واللجاج .
أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري ، أخبرنا أبو سعيد محمد بن إبراهيم بن الإسماعيلي ، أخبرنا محمد بن يعقوب ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن الحكم أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لأن يأخذ أحدكم حبله فيذهب فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أشياءهم أعطوه أو منعوه " .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الزناد ، عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان " قالوا : فمن المسكين يا رسول الله؟ قال : " الذي لا يجد غنى فيغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ، ولا يقوم فيسأل الناس " .
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا " .
أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ، أخبرنا جدي أبو سهل عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار ، أخبرنا محمد بن زكريا بن عذافر ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد الدبري أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن هارون بن رياب عن كنانة العدوي عن قبيصة بن مخارق قال : إني تحملت بحمالة في قومي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إني تحملت بحمالة في قومي وأتيتك لتعينني فيها قال : " بل نتحملها عنك يا قبيصة ونؤديها إليهم من الصدقة " ثم قال " يا قبيصة إن المسألة حرمت إلا في إحدى ثلاث : رجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فيسأل حتى يصيب قواما من عيشه ثم يمسك وفي رجل أصابته حاجة حتى يشهد له ثلاثة نفر من ذوي الحجا من قومه وأن المسألة قد حلت له فيسأل حتى يصيب القوام من العيش ثم يمسك وفي رجل تحمل بحمالة فيسأل حتى إذا بلغ أمسك وما كان غير ذلك فإنه سحت يأكله صاحبه سحتا " .
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، أخبرنا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي ، أخبرنا قتيبة أخبرنا شريك عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح " قيل يا رسول الله وما يغنيه؟ قال " خمسون درهما أو قيمتها من الذهب " .
قوله تعالى : ( وما تنفقوا من خير ) مال ( فإن الله به عليم ) وعليه مجاز

التفسير الوسيط : للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا


ثم بعد هذا التحريض الحكيم على بذل الأموال في وجوه الخير، خص- سبحانه - بالذكر طائفة من المؤمنين هي أولى الناس بالعون والمساعدة، ووصف هذه الطائفة بست صفات من شأنها أن تحمل العقلاء على المسارعة في إكرام أفرادها وسد حاجتهم استمع إلى القرآن الكريم وهو يصور حالة هذه الطائفة من المؤمنين تصويرا كريما نبيلا يستجيش المشاعر، ويحرك القلوب لمساعدة هذه الطائفة المتعففة فيقول: لِلْفُقَراءِ، الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ، يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ، تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ، لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً.
لقد وصفهم الله-تبارك وتعالى- أولا بالفقراء، أى الذين هم في حاجة إلى العون والمساعدة لفقرهم واحتياجهم إلى ضرورات الحياة.
وقوله: لِلْفُقَراءِ متعلق بمحذوف يفهم من الكلام السابق والتقدير: اجعلوا نفقتكم وصدقتكم للفقراء لأن الكلام السابق موضوعه للإنفاق في سبيل الله، وما يتعلق بذلك من آداب وفوائد.
والجملة استئناف بيانى، فكأنهم لما أمروا بالصدقات سألوا لمن هي؟ فأجيبوا بأنها لهؤلاء الذين ذكرت الآية صفاتهم.
ومن فوائد الحذف هنا للمتعلق: تعليم المؤمنين الأدب في عطائهم للفقراء بأن لا يصرحوا لهم بأن ما يعطونه إياهم هو صدقة حتى لا يشعروهم بالمذلة والضعف، وأيضا ففي هذا الحذف لون من الإيجاز البليغ الذي قل فيه اللفظ مع الوفاء بحق المعنى.
قال القرطبي: والمراد بهؤلاء الفقراء، فقراء المهاجرين من قريش وغيرهم ثم تتناول الآية كل من دخل تحت صفتهم غابر الدهر.
وإنما خص فقراء المهاجرين بالذكر، لأنه لم يكن هناك سواهم، وهم أهل الصفة» وكانوا نحوا من أربعمائة رجل، وذلك أنهم كانوا يأتون فقراء وما لهم أهل ولا مال فبنيت لهم صفة في المسجد النبوي بالمدينة فقيل لهم: «أهل الصفة» .
أما الصفة الثانية من صفات هؤلاء الذين هم أولى الناس بالعون والمساعدة فهي قوله-تبارك وتعالى-: الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
والإحصار في اللغة هو أن يعرض للرجل ما يحول بينه وبين ما يريده بسبب مرض أو شيخوخة أو عدو أو ذهاب نفقة أو ما يجرى مجرى هذه الأشياء.
والمعنى: اجعلوا الكثير مما تنفقونه- أيها المؤمنون- لهؤلاء الفقراء الذين حصروا أنفسهم ووقفوها على الطاعات المتنوعة التي من أعظمها الجهاد في سبيل الله، أو الذين منعوا من الكسب بسبب مرضهم أو شيخوختهم، أو غير ذلك من الأسباب التي جعلتهم في حالة شديدة من الفاقة والاحتياج.
وعبر في الجملة الكريمة «بأحصروا» بالبناء للمجهول، للإشعار بأن فقرهم لم يكن بسبب تكاسلهم وإهمالهم في مباشرة الأسباب، وإنما كان لأسباب خارجة عن إرادتهم.
وقوله: فِي سَبِيلِ اللَّهِ تكريم وتشريف لهم، أى أن ما نزل بهم من فقر واحتياج كان بسبب إيثارهم إعلاء كلمة الله على أى شيء آخر، ففي سبيل الله هاجروا، وفي سبيل الله تركوا أموالهم فصاروا فقراء، وفي سبيل الله وقفوا أنفسهم على الجهاد، وفي سبيل الله أصابهم ما أصابهم وهم يطلبون أداء ما كلفهم- سبحانه - بأدائه.
أما الصفة الثالثة من صفاتهم فقال فيها لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ والضرب في الأرض هو السير فيها للتكسب والتجارة وغيرهما.
أى أنهم عاجزون عن السير في الأرض لتحصيل رزقهم بسبب اشتغالهم بالجهاد، أو بسبب ضعفهم وقلة ذات يدهم.
والصفة الرابعة من صفاتهم هي قوله-تبارك وتعالى-: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ.
والتعفف: ترك الشيء والتنزه عن طلبه، بقهر النفس والتغلب عليها.
يقال عف عن الشيء يعف إذا كف عنه.
والحسبان بمعنى الظن.
أى يظنهم الجاهل بحالهم، أو الذي لا فراسة عنده، يظنهم أغنياء من أجل تجملهم وتعففهم عن السؤال، أما صاحب الفراسة الصادقة، والبصيرة النافذة فإنه يرحمهم ويعطف عليهم لأنه يعرف ما لا يعرفه غيره.
ومِنَ في قوله: مِنَ التَّعَفُّفِ للتعليل، أو لابتداء الغاية لأن التعفف مبدأ هذا الحسبان.
أما الصفة الخامسة من صفاتهم فهي قوله-تبارك وتعالى-: تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ والسيما والسيماء: العلامة التي يعرف بها الشيء، وأصلها من الوسم بمعنى العلامة.
والمعنى: تعرف فقرهم وحاجتهم- أيها الرسول الكريم أو أيها المؤمن العاقل- بما ترى في هيئتهم من آثار تشهد بقلة ذات يدهم.
قال الإمام الرازي ما ملخصه: قال مجاهد: «سيماهم» التخشع والتواضع.
أى- تعرفهم بتخشعهم وتواضعهم- وقال السدى: - تعرفهم بسيماهم- أى بأثر الجهد من الفقر والحاجة.
وقال الضحاك: أى بصفرة ألوانهم ورثاثة ثيابهم ...
ثم قال- رحمه الله-: وعندي أن كل ذلك فيه نظر والمراد شيء آخر هو أن لعباد الله المخلصين هيبة ووقعا في قلوب الخلق، وكل من رآهم تأثر منهم وتواضع لهم، وذلك له إدراكات روحانية، لا علامات جسمانية.
ألا ترى أن الأسد إذا مر هابته سائر السباع بطباعها لا بالتجربة، لأن الظاهر أن تلك التجربةما وقعت، والبازي إذا طار تهرب منه الطيور الضعيفة وكل ذلك إدراكات روحانية لا جسمانية فكذا هنا ...
» .
وقد ذكر- سبحانه - في الجملة السابقة أن الجاهل بحالهم يظنهم أغنياء من أجل تعففهم عن السؤال، وذكر هنا أنهم يعرفون بسيماهم، وذلك للإشعار بأن أنظار الناس تختلف باختلاف فراستهم ونفاذ بصيرتهم.
فأصحاب الأنظار التي تأخذ الأمور بمظاهرها يظنونهم أغنياء، أما أصحاب البصيرة المستنيرة، والحس المرهف، والفراسة الصائبة، فإنهم يدركون ما عليه أولئك القوم من احتياج، بسبب ما منحهم الله من فكر صائب ونظر نافذ، وفي الحديث الشريف: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله».
أما الصفة السادسة من صفاتهم فهي قوله-تبارك وتعالى-: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً والإلحاف- كما يقول صاحب الكشاف: هو الإلحاح بأن لا يفارق- السائل المسئول- إلا بشيء يعطاه.
من قولهم: لحفني من فضل لحافه أى أعطانى من فضل ما عنده.
ومعناه:أنهم إن سألوا سألوا بتلطف ولم يلحفوا.
وقيل هو نفى للسؤال والإلحاف».
والذي عليه المحققون من العلماء أن النفي منصب على السؤال وعلى الإلحاف أى أنهم لا يسألون أصلا تعففا منهم، لأنهم لو كانوا يسألون ما ظنهم الجاهل أغنياء من التعفف، ولو كانوا يسألون ما كانوا متعففين، ولو كانوا يسألون ما احتاج صاحب البصيرة النافذة إلى معرفة حالهم عن طريق التفرس في سماتهم لأن سؤالهم كان يغنيه عن ذلك.
وإنما جاء النفي بهذه الطريقة التي يوهم ظاهرها أن النفي متجه إلى الإلحاف وحده، للموازنة بينهم وبين غيرهم، فإن غيرهم إذا كان يسأل الناس إلحافا فهم لا يسألون مطلقا لا بإلحاف ولا بدونه، والنفي بهذه الطريقة فيه تعريض للملحفين وثناء على المتعففين.
ولذا قال بعضهم: وإذا علم أنهم لا يسألون البتة فقد علم أنهم لا يسألون الناس إلحافا والمراد التنبيه على سوء طريقة من يسأل الناس إلحافا، ومثاله إذا حضر عندك رجلان أحدهما عاقل وقور قليل الكلام، والآخر طياش مهذار سفيه، فإذا أردت أن تمدح أحدهما وتعرض بذم الآخر قلت:فلان رجل عاقل وقور لا بخوض في الترهات ولا يشرع في السفاهات، ولم يكن غرضك من قولك لا يخوض في الترهات وصفه بذلك لأن ما تقدم من الأوصاف الحسنة يغنى عن ذلك، بل غرضك التنبيه على مذمة الثاني.
فالأمر هنا كذلك لأن قوله: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً بعد قوله: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ الغرض منه بيان مباينة أحد الجنسين عن الآخر في استيجاب المدح والتعظيم» .
هذا وقد وردت أحاديث متعددة تمدح المتعففين عن السؤال، وتذم الملحفين فيه ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان ولا التمرة والتمرتان إنما المسكين الذي يتعفف.
اقرؤا إن شئتم: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً.
وروى مسلّم في صحيحه عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم» .
وروى مسلّم- أيضا- في صحيحه عن عوف بن مالك قال: كنا تسعة أو ثمانية أو سبعة عند رسول الله فقال: «ألا تبايعون رسول الله؟ فقلنا علام نبايعك؟ قال: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا.
والصلوات الخمس، وتطيعوا ولا تسألوا الناس.
فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فلا يسأل أحدا يناوله إياه» .
والخلاصة أن السؤال إنما يجوز عند الضرورة، وأنه لا يصح لمؤمن أن يسأل الناس وعنده ما يكفيه، لأن السؤال ذل يربأ بنفسه عنه كل من يحافظ على مروءته وكرامته وشرفه.
وقوله: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ تحريض للمؤمن على البذل والسخاء، وترقية لنفسه على الشعور بمراقبة الله-تبارك وتعالى- وعلى محبة فعل الخير.
أى: وما تنفقوا من خير سواء أكان المنفق قليلا أم كثيرا سرا أم علنا فإن الله يعلمه وسيجازيكم عليه بأجزل الثواب، وأعظم العطاء.

تفسير ابن كثير : شرح الآية 273 من سورة البقرة


وقوله : ( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ) يعني : المهاجرين الذين قد انقطعوا إلى الله وإلى رسوله ، وسكنوا المدينة وليس لهم سبب يردون به على أنفسهم ما يغنيهم و ( لا يستطيعون ضربا في الأرض ) يعني : سفرا للتسبب في طلب المعاش . والضرب في الأرض : هو السفر ; قال الله تعالى : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) [ النساء : 101 ] ، وقال تعالى : ( علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله ) الآية [ المزمل : 20 ] .وقوله : ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ) أي : الجاهل بأمرهم وحالهم يحسبهم أغنياء ، من تعففهم في لباسهم وحالهم ومقالهم . وفي هذا المعنى الحديث المتفق على صحته ، عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان ، واللقمة واللقمتان ، والأكلة والأكلتان ، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ، ولا يفطن له فيتصدق عليه ، ولا يسأل الناس شيئا " . وقد رواه أحمد ، من حديث ابن مسعود أيضا .وقوله : ( تعرفهم بسيماهم ) أي : بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم ، كما قال [ الله ] تعالى : ( سيماهم في وجوههم ) [ الفتح : 29 ] ، وقال : ( ولتعرفنهم في لحن القول ) [ محمد : 30 ] . وفي الحديث الذي في السنن : " اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله " ، ثم قرأ : ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين ) [ الحجر : 75 ] . .وقوله : ( لا يسألون الناس إلحافا ) أي : لا يلحون في المسألة ويكلفون الناس ما لا يحتاجون إليه ، فإن من سأل وله ما يغنيه عن السؤال ، فقد ألحف في المسألة ; قال البخاري :حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شريك بن أبي نمر : أن عطاء بن يسار وعبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري قالا : سمعنا أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ، ولا اللقمة واللقمتان ، إنما المسكين الذي يتعفف ; اقرؤوا إن شئتم يعني قوله : ( لا يسألون الناس إلحافا ) .وقد رواه مسلم ، من حديث إسماعيل بن جعفر المديني ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن عطاء بن يسار وحده عن أبي هريرة ، به .وقال أبو عبد الرحمن النسائي : أخبرنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل ، أخبرنا شريك وهو ابن أبي نمر عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ، واللقمة واللقمتان ، إنما المسكين المتعفف ; اقرؤوا إن شئتم : ( لا يسألون الناس إلحافا ) " .وروى البخاري من حديث شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه .وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني ابن أبي ذئب ، عن أبي الوليد ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس المسكين بالطواف عليكم ، فتطعمونه لقمة لقمة ، إنما المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس إلحافا " .وقال ابن جرير : حدثني معتمر ، عن الحسن بن ماتك عن صالح بن سويد ، عن أبي هريرة قال : ليس المسكين الطواف الذي ترده الأكلة والأكلتان ، ولكن المسكين المتعفف في بيته ، لا يسأل الناس شيئا تصيبه الحاجة ; اقرؤوا إن شئتم : ( لا يسألون الناس إلحافا )وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن أبيه ، عن رجل من مزينة ، أنه قالت له أمه : ألا تنطلق فتسأل رسول الله صلى الله عليه سلم كما يسأله الناس ؟ فانطلقت أسأله ، فوجدته قائما يخطب ، وهو يقول : " ومن استعف أعفه الله ، ومن استغنى أغناه الله ، ومن يسأل الناس وله عدل خمس أواق فقد سأل الناس إلحافا " . فقلت بيني وبين نفسي : لناقة لي خير من خمس أواق ، ولغلامه ناقة أخرى فهي خير من خمس أواق فرجعت ولم أسأل .وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال ، عن عمارة بن غزية ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد ، عن أبيه قال : سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أسأله ، فأتيته فقعدت ، قال : فاستقبلني فقال : " من استغنى أغناه الله ، ومن استعف أعفه الله ، ومن استكف كفاه الله ، ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف " . قال : فقلت : ناقتي الياقوتة خير من أوقية . فرجعت ولم أسأله .وهكذا رواه أبو داود والنسائي ، كلاهما عن قتيبة . زاد أبو داود : وهشام بن عمار كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي الرجال بإسناده ، نحوه .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو الجماهير ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال ، عن عمارة بن غزية ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد قال : قال أبو سعيد الخدري : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سأل وله قيمة وقية فهو ملحف " والوقية : أربعون درهما .وقال أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن رجل من بني أسد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا " .وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن حكيم بن جبير ، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سأل وله ما يغنيه ، جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا أو كدوحا في وجهه " . قالوا : يا رسول الله ، وما غناه ؟ قال : " خمسون درهما ، أو حسابها من الذهب " .وقد رواه أهل السنن الأربعة ، من حديث حكيم بن جبير الأسدي الكوفي . وقد تركه شعبة بن الحجاج ، وضعفه غير واحد من الأئمة من جراء هذا الحديث .وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس ، حدثني أبي ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين قال : بلغ الحارث رجلا كان بالشام من قريش أن أبا ذر كان به عوز ، فبعث إليه ثلاثمائة دينار ، فقال : ما وجد عبد الله رجلا هو أهون عليه مني ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سأل وله أربعون فقد ألحف " ولآل أبي ذر أربعون درهما وأربعون شاة وماهنان . قال أبو بكر بن عياش : يعني خادمين .وقال ابن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، أخبرنا إبراهيم بن محمد ، أنبأنا عبد الجبار ، أخبرنا سفيان ، عن داود بن سابور ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من سأل وله أربعون درهما فهو ملحف ، وهو مثل سف الملة " يعني : الرمل .ورواه النسائي ، عن أحمد بن سليمان ، عن يحيى بن آدم ، عن سفيان وهو ابن عيينة بإسناده نحوه .قوله : ( وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم ) أي : لا يخفى عليه شيء منه ، وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأتمه يوم القيامة ، أحوج ما يكونون إليه .

تفسير الطبري : معنى الآية 273 من سورة البقرة


القول في تأويل قوله : لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)قال أبو جعفر: أما قوله: " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله "، فبيان من الله عز وجل عن سبيل النفقة ووجهها.
ومعنى الكلام: وما تنفقوا من خير فلأنفسكم تنفقون للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله.
" واللام " التي في" الفقراء " مردودة على موضع " اللام " في" فلأنفسكم " كأنه قال: " وما تنفقوا من خير " - يعني به: وما تتصدقوا به من مال فللفقراء الذين أحصروا في سبيل الله.
فلما اعترض في الكلام بقوله: " فلأنفسكم "، فأدخل " الفاء " التي هي جواب الجزاء فيه، تركت إعادتها في قوله: " للفقراء "، إذ كان الكلام مفهوما معناه، كما:-6211 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي قوله: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ ، أما: " ليس عليك هداهم "، فيعني المشركين.
وأما " النفقة " فبين أهلها، فقال: " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ".
(22) .
* * *وقيل: إن هؤلاء الفقراء الذين ذكرهم الله في هذه الآية، هم فقراء المهاجرين عامة دون غيرهم من الفقراء.
* ذكر من قال ذلك:6212 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله "، مهاجري قريش بالمدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بالصدقة عليهم.
6213 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه قوله: " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " الآية، قال: هم فقراء المهاجرين بالمدينة.
6214 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدى: " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله "، قال: فقراء المهاجرين.
* * *القول في تأويل قوله عز وجل : الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: الذين جَعلهم جهادُهم عدوَّهم يُحْصِرون أنفسَهم فيحبسونها عن التصرُّف فلا يستطيعون تصرّفًا.
(23) .
* * *وقد دللنا فيما مضى قبلُ على أن معنى " الإحصار "، تصيير الرجل المحصَر بمرضه أو فاقته أو جهاده عدوَّه، وغير ذلك من علله، إلى حالة يحبس نفسَه فيها عن التصرُّف في أسبابه، بما فيه الكفاية فيما مضى قبل.
(24) .
* * *وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، (25) .
فقال بعضهم: في ذلك بنحو الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:6215 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " الذين أحصروا في سبيل الله "، قال: حَصَروا أنفسهم في سبيل الله للغزو.
6216 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله "، قال: كانت الأرض كلُّها كفرًا، لا يستطيع أحدٌ أن يخرج يبتغي من فضل الله، إذا خرج خرج في كُفر= وقيل: كانت الأرضُ كلها حربًا على أهل هذا البلد، وكانوا لا يتوجَّهون جهة إلا لهم فيها عدوّ، فقال الله عز وجل: " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " الآية، كانوا ههنا في سبيل الله.
* * *وقال آخرون: بل معنى ذلك: الذين أحصرهم المشركون فمنعوهم التصرُّف.
* ذكر من قال ذلك:6217 - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله "، حصرهم المشركون في المدينة.
* * *قال أبو جعفر: ولو كان تأويل الآية على ما تأوله السدّيّ، لكان الكلام: للفقراء الذين حُصروا في سبيل الله، ولكنه " أحصِروا "، فدلّ ذلك على أن خوفهم من العدوّ الذي صيَّر هؤلاء الفقراء إلى الحال التي حَبَسوا -وهم في سبيل الله- أنفسَهم، لا أنّ العدوَّ هم كانوا الحابِسِيهم.
وإنما يقال لمن حبسه العدوّ: " حصره العدوّ"، وإذا كان الرّجل المحبَّس من خوف العدوّ، قيل: " أحصره خوفُ العدّو ".
(26) .
* * *القول في تأويل قوله : لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: لا يستطيعون تقلُّبًا في الأرض، وسفرًا في البلاد، ابتغاءَ المعاش وطَلبَ المكاسب، (27) فيستغنوا عن الصدقات، رهبةَ العدوّ وخوفًا على أنفسهم منهم.
كما:-6218 - حدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: " لا يستطيعون ضربًا في الأرض " حبسوا أنفسهم في سبيل الله للعدوّ، فلا يستطيعون تجارةً.
6219 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " لا يستطيعون ضربًا في الأرض "، يعني التجارة.
6220 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد قوله: " لا يستطيعون ضربًا في الأرض "، كان أحدهم لا يستطيع أن يخرج يبتغي من فَضْل الله.
* * *القول في تأويل قوله : يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِقال أبو جعفر: يعني بذلك: " يحسبهم الجاهل " بأمرهم وحالهم=" أغنياء " من تعففهم عن المسألة، وتركهم التعرض لما في أيدي الناس، صبرًا منهم على البأساء والضراء.
كما:-6221 - حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " يحسبهم الجاهل أغنياء "، يقول: يحسبهم الجاهل بأمرهم أغنياء من التعفف.
(28) .
* * *ويعني بقوله: " منَ التعفف "، من تَرْك مسألة الناس.
* * *وهو " التفعُّل " من " العفة " عن الشيء، والعفة عن الشيء، تركه، كما قال رؤبة:* فَعَفَّ عَنْ أسْرَارِهَا بَعْدَ العَسَقْ* (29)يعني بَرئ وتجنَّبَ.
* * *القول في تأويل قوله : تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " تعرفهم " يا محمد=" بسيماهم "، يعني بعلامتهم وآثارهم، من قول الله عز وجل: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [سورة الفتح: 29]، هذه لغة قريش.
ومن العرب من يقول: " بسيمائهم " فيمدها.
وأما ثقيف وبعض أسَدٍ، فإنهم يقولون: " بسيميائهم "; ومن ذلك قول الشاعر: (30) .
غُلامٌ رَمَاهُ اللهُ بالحُسْنِ يَافِعًالَهُ سِيمِيَاءٌ لا تَشُقُّ عَلَى البَصَرْ (31)* * *وقد اختلف أهل التأويل في" السيما " التي أخبر الله جل ثناؤه أنها لهؤلاء الفقراء الذين وصفَ صفتهم، وأنهم يعرفون بها.
(32)فقال بعضهم: هو التخشُّع والتواضع.
ذكر من قال ذلك:6222 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " تعرفهم بسيماهم " قال: التخشُّع.
6223 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
6224 - حدثني المثنى، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن ليث، قال: كان مجاهد يقول: هو التخشُّع.
* * *وقال آخرون يعني بذلك: تعرفهم بسيما الفقر وجَهد الحاجة في وجُوههم.
* ذكر من قال ذلك:6225 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " تعرفهم بسيماهم "، بسيما الفقر عليهم.
6226 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " تعرفهم بسيماهم "، يقول: تعرف في وجوههم الجَهد من الحاجة.
* * *وقال آخرون: معنى ذلك: تعرفهم برثاثة ثيابهم.
وقالوا: الجوعُ خفيّ.
* ذكر من قال ذلك:6227 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: " تعرفهم بسيماهم " قال: السيما: رثاثة ثيابهم، والجوع خفي على الناس، ولم تستطع الثياب التي يخرجون فيها [أن] تخفى على الناس.
(33) .
* * *قال أبو جعفر: وأول الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن الله عز وجل أخبر نبيَّه صلى الله عليه وسلم أنه يعرفهم بعلاماتهم وآثار الحاجة فيهم.
وإنما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدرك تلك العلامات والآثار منهم عند المشاهدة بالعِيان، فيعرفُهم وأصحابه بها، كما يُدرك المريضُ فيعلم أنه مريض بالمعاينة.
وقد يجوز أن تكون تلك السيما كانت تخشُّعًا منهم، وأن تكون كانت أثر الحاجة والضرّ، وأن تكون كانت رثاثة الثياب، وأن تكون كانت جميعَ ذلك، وإنما تُدرك علامات الحاجة وآثار الضر في الإنسان، ويعلم أنها من الحاجة والضر، بالمعاينة دون الوصف.
وذلك أن المريض قد يصير به في بعض أحوال مرضه من المرض، نظيرُ آثار المجهود من الفاقة والحاجة، وقد يلبس الغني ذو المال الكثير الثيابَ الرثة، فيتزيّى بزيّ أهل الحاجة، فلا يكون في شيء من ذلك دلالة بالصّفة على أنّ الموصوف به مختلٌّ ذو فاقة.
وإنما يدري ذلك عند المعاينة بسيماه، كما وصف الله (34) نظير ما يُعرف أنه مريض عند المعاينة، دون وَصْفه بصفته.
* * *القول في تأويل قوله : لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًاقال أبو جعفر: يقال: " قد ألحف السائل في مسألته "، إذا ألحّ=" فهو يُلحف فيها إلحافًا ".
* * *فإن قال قائل: أفكان هؤلاء القوم يسألون الناس غيرَ إلحاف؟قيل: غير جائز أن يكون كانوا يسألون الناس شيئًا على وجه الصدقة إلحافًا أو غير إلحاف، (35) وذلك أن الله عز وجل وصفهم بأنهم كانوا أهل تعفف، وأنهم إنما كانوا يُعرفون بسيماهم.
فلو كانت المسألة من شأنهم، لم تكن صفتُهم التعفف، ولم يكن بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى علم معرفتهم بالأدلة والعلامة حاجة، وكانت المسألة الظاهرة تُنبئ عن حالهم وأمرهم.
وفي الخبر الذي:-6228 - حدثنا به‌ بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن هلال بن حصن، عن أبي سعيد الخدري، قال: أعوزنا مرة فقيل لي: لو أتيتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فسألته! فانطلقت إليه مُعْنِقًا، فكان أوّل ما واجهني به: " من استعفّ أعفَّه الله، ومَن استغنى أغناهُ الله، ومن سألنا لم ندّخر عنه شيئًا نجده ".
قال: فرجعت إلى نفسي، فقلت: ألا أستعفّ فيُعِفَّني الله! فرجعت، فما سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا بعد ذلك من أمر حاجة، حتى مالت علينا الدنيا فغرَّقَتنا، إلا من عَصَم الله.
(36) .
* * *(37) .
=الدلالةُ الواضحةُ على أنّ التعفف معنى ينفي معنى المسألة من الشخص الواحد، وأنَّ من كان موصوفًا بالتعفف فغير موصوف بالمسألة إلحافًا أو غير إلحاف.
(38) .
* * *فإن قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت، فما وجه قوله: " لا يسألون الناس إلحافا "، وهم لا يسألون الناس إلحافًا أو غير إلحاف (39) .
قيل له: وجه ذلك أن الله تعالى ذكره لما وصفهم بالتعفف، وعرّف عبادَه أنهم ليسوا أهل مسألة بحالٍ بقوله: يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ، وأنهم إنما يُعرفون بالسيما- زاد عبادَه إبانة لأمرهم، وحُسنَ ثناءٍ عليهم، بنفي الشَّره والضراعة التي تكون في الملحِّين من السُّؤَّال، عنهم.
(40) .
وقد كان بعضُ القائلين يقول: (41) ذلك نظيرُ قول القائل: " قلَّما رأيتُ مثلَ فلان "! ولعله لم يَرَ مثله أحدًا ولا نظيرًا.
* * *وبنحو الذي قلنا في معنى الإلحاف قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:6229 - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " لا يسألون الناس إلحافًا "، قال: لا يلحفون في المسألة.
6230 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " لا يسألون الناس إلحافًا "، قال: هو الذي يلح في المسألة.
6231 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " لا يسألون الناس إلحافًا "، ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " إن الله يحب الحليمَ الغنيّ المتعفف، ويبغض الغنيّ الفاحشَ البذِىء السائلَ الملحفَ= قال: وذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إن الله عز وجل كره لكم ثلاثًا: قيلا وقالا (42) وإضاعةَ المال، وكثرةَ السؤال.
فإذا شئت رأيته في قيل وقال يومه أجمع وصدرَ ليلته، حتى يُلقى جيفةً على فراشه، لا يجعلُ الله له من نهاره ولا ليلته نصيبًا.
وإذا شئت رأيته ذَا مال[ ينفقه] في شهوته ولذاته وملاعبه، (43) .
وَيعدِ له عن حقّ الله، فذلك إضاعة المال، وإذا شئت رأيته باسطًا ذراعيه، يسأل الناس في كفيه، فإذا أعطي أفرط في مدحهم، وإنْ مُنع أفرط في ذَمهم.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
(44) .
-------------------الهوامش :(22) الأثر : 6211- انظر الأثر السالف رقم : 6208 والتعليق عليه .
(23) التصرف : الكسب .
يقال "فلان يصرف لعياله ، ويتصرف لهم ، ويصطرف" ، أي يكتسب لهم.
وهو من الصرف والتصرف : وهو التقلب والحيلة .
(24) انظر ما سلف 4 : 21 -26 .
(25) في المخطوطة : "وقال : اختلف أهل التأويل.
.
.
" .
وهما سواء .
(26) انظر تفضيل ذلك فيما سلف 4 : 21 -26 .
(27) في المخطوطة : "المكاسر" ، وهو دليل مبين عن غفلة الناسخ وعجلته ، كما أسلفت مرارًا كثيرة .
(28) الأثر : 6221 -كان الإسناد في المطبوعة والمخطوطة : "كما حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد.
.
.
" أسقط الناسخ من الإسناد"حدثنا بشر قال" ، كما زدته ، وهو إسناد دائر دورانًا في التفسير أقربه رقم : 6206 .
(29) مضى تخريج هذا البيت وتفسيره في 5 : 110 ، ولم يذكر هناك مجيء ذكره في هذا الموضع من التفسير ، فقيده هناك .
(30) هو ابن عنقاء الفزاري ، وعنقاء أمه ، وقد اختلف في اسمه ، فقال القالي في أماليه 1 : 237 : "أسيد" ، وقال الآمدي في المؤلف والمختلف : 159 ، وقال المرزباني في معجم الشعراء : "فيس بن بجرة" (بالجيم) ، أو"عبد قيس بن بجرة" ، وفي النقائض : 106"عبد قيس ابن بحرة" بالحاء الساكنة وفتح الباء ، وهكذا كان في أصل اللآليء شرح أماني القالي : 543 ، وغيره العلامة الراجكوتي"بجرة" بضم الباء وبالجيم الساكنة عن الإصابة في ترجمة"قيس بن بجرة" وفي هذه الترجمة أخطاء كثيرة .
وذكر شيخنا سيد بن علي المرصفي في شرح الكامل 1 : 108 أنه أسيد بن ثعلبة ابن عمرو .
وهذا كاف في تعيين الاختلاف .
وابن عنقاء ، عاش في الجاهلية دهرًا ، وأدرك الإسلام كبيرًا ، وأسلم .
(31) يأتي في التفسير 4 : 55 /8 : 141 (بولاق) والأغاني 17 : 117 ، الكامل 1 : 14 ، المؤلف والمختلف ، ومعجم الشعراء : 159 ، 323 ، أمالى القالي 1 : 237 ، الحماسة 4 : 68 ، وسمط اللآليء : 543 ، وغيرها كثير .
من أبيات جياد في قصة ، ذكرها القالي في أماليه .
وذلك أن ابن عنقاء كان من أكثر أهل زمانه وأشدهم عارضة ولسانًا ، فطال عمره ، ونكبه دهره ، فاختلت حاله ، فمر عميلة بن كلدة الفزاري ، وهو غلام جميل من سادات فزارة ، فسلم عليه وقال : ياعم ، ما أصارك إلى ما أدري؟ فقال : بخل مثلك بماله ، وصوني وجهى عن مسألة الناس! فقال والله لئن بقيت إلى غد لأغيرن ما أردي من حالك .
فرجع ابن عنقاء فأخبر أهله ، فقالت : لقد غرك كلام جنح ليل!! فبات متململا بين اليأس والرجاء .
فلما كان السحر ، سمع رغاء الإبل ، وثغاء الشاء وصهيل الخيل ، ولجب الأموال ، فقال : ما هذا؟ فقال : هذا عميلة ساق إليك ماله! ثم قسم عميلة ماله شطرين وساهمه عليه ، فقال ابن عنقاء فيه يمجده: رَآنِي عَلَى مَا بِي عُمَيْلَةُ فَاشْتَكَىإِلَى مَالِهِ حَالي أسرَّ كَمَا جَهَرْدَعَانِي فآسَانِي وَلَوْ ضَنَّ لَمْ أَلُمْعَلَى حِينَ لاَ بَدْوٌ يُرجَّى ولا حَضَرْفَقُلْتُ لَهُ خيرًا وأَثْنَيْتُ فِعْلَهُوَأَوْفَاكَ مَا أَبْلَيْتَ مَنْ ذَمَّ أَوْ شَكَرْغُلاَمٌ رَمَاهُ الله بِالخَيْرِ يافِعًالَهُ سِيمِيَاءُ لا تَشُقُّ عَلَى البَصَرْكَأَنَّ الثُريَّا عُلِّقَتْ في جَبِينِهِوَفِي خَدِّهِ الشِّعْرَي وَفِي وَجْهِهِ القَمَرْإذا قِيلَتِ العَوْرَاءُ أَغْضَى كَأَنّهُذَلِيلٌ بِلاَ ذُلّ وَلَوْ شَاءَ لاَنْتَصَرْكَرِيمٌ نَمَتْهُ لِلمكَارِمِ حُرَّةٌفَجَاءَ وَلاَ بُخْلٌ لَدَيْهِ ولا حَصَرْوَلَمَّا رَأَى المَجْدَ استُعيرت ثِيَابُهتَرَدَّى رِدَاءً وَاسِعَ الذّيْلِ وَأتْزَرْوهذا شعر حر ، ينبع من نفس حرة .
هذا وقد روي الطبري في 8 : 141"رماه الله بالحسن إذ رمي" .
وقال أبو رياش فيما انتقده على أبي العباس المبرد : "لا يروي بيت ابن عنقاء : "رماه الله بالحسن.
.
.
" إلا أعمى البصيرة ، لأن الحسن مولود ، وإنما هو : رماه الله بالخير يافعًا" .
وقوله : "لا تشق على البصر" ، أي لا تؤذيه بقبح أو ردة أو غيرهما ، بل تجلي بها العين ، وتسر النفس وترتاح إليها .
(32) في المخطوطة والمطبوعة : "وصفت صفتهم" ، وهو مخالف للسياق ، والصواب ما أثبت ، وصف الله صفتهم .
(33) ما بين القوسين زيادة لا بد منها ، لتستقيم العبارة .
(34) في المخطوطة والمطبوعة : "كما وصفهم الله" ، والسياق يقتضي ما أثبت .
والمخطوطة التي نقلت عنها ، فيما نظن ، كل النسخ المخطوطة التي طبع عنها، مضطربة الخط ، كما سلف الدليل على ذلك مرارًا ، وفي هذا الموضع من كتابة الناسخ بخاصة .
(35) في المطبوعة : "إلحافا وغير إلحاف" ، بالواو ، وهو لا يستقيم ، والصواب ما أثبت .
وانظر معاني القرآن للفراء 1 : 181 ، وقد قال : "ومثله قولك في الكلام : قلما رأيت مثل هذا الرجل! ، ولعلك لم تر قليلًا ولا كثيرًا من أشباهه" وسيأتي بعد ، في ص : 599 ، وفي اللسان (لحف) ، وذكر الآية : "أي ليس منهم سؤال فيكون إلحاف، كما قال امرؤ القيس [يصف طريقًا غير مسلوكة: عَلَى لاَحِبٍ لاَ يُهْتَدَي بِمَنَارِهِ[ إِذَا سَافَهُ العَوْدُ النُّبَاطِيُّ جَرْجَرا ]المعنى : "ليس به منار فيهتدى به" .
(36) الحديث : 6228 -إسناده صحيح .
هلال بن حصن ، أخو بني مرة بن عباد ، من بني قيس بن ثعلبة : تابعى ثقة .
ذكره ابن حبّان في الثقات ، ص : 364 ، وترجمه البخاري في الكبير 4 / 2/ 204 ، وابن أبي حاتم 4 /2/ 73 -فلم يذكرا فيه جرحا .
وهو مترجم في التعجيل ، ص : 434 .
والحديث رواه أحمد في المسند : 14221 ، 14222 (ج 3 ص 44 حلبي) ، عن محمد بن جعفر وحجاج ، ثم عن حسين بن محمد -ثلاثتهم عن شعبة ، عن أبي حمزة ، عن هلال بن حصن ، عن أبي سعيد .
فذكر نحوه بأطول منه .
وهذا أيضًا إسناد صحيح .
أبو حمزة : هو البصري"جار شعبة" ، عرف بهذا .
واسمه : عبد الرحمن بن عبد الله المازني" ، ثقة ، مترجم في التهذيب 6 : 219 .
وقد ثبت في ترجمة"هلال بن حصن" -في الكبير ، وابن أبي حاتم ، والثقات ، والتعجيل ، أنه روى عنه أيضًا"أبو حمزة" .
وشك في صحة ذلك العلامة الشيخ عبد الرحمن اليماني مصحح التاريخ الكبير ، واستظهر أن يكون صوابه "أبو جمرة" ، يعنى نصر بن عمران الضبعي .
ولكن يرفع هذا الشك أنه في المسند أيضًا "أبو حمزة" .
لاتفاقه مع ما ثبت في التراجم .
" أعوز الرجل فهو معوز" : ساءت حاله وحل عليه الفقر .
"أعنق الرجل إلى الشيء يعنق" : أسرع إليه إسراعًا .
(37) سياق الكلام : "وفي الخبر.
.
.
الدلالة الواضحة.
.
.
"(38) في المخطوطة والمطبوعة في الموضعين : "إلحافا وغير إلحاف""بالواو ، وانظر التعليق السالف رقم : 1 ص598 .
(39) في المخطوطة والمطبوعة في الموضعين : "إلحافا وغير إلحاف""بالواو ، وانظر التعليق السالف رقم : 1 ص598 .
(40) "السؤال" جمع سائل ، على زنة""جاهل وجهال" .
والسياق : "بنفي الشره.
.
.
عنهم" .
(41) في المطبوعة : و "قال : كان بعض القائلين يقول في ذلك نظير قول القائل" هو كلام شديد الخلل .
وفي المخطوطة : "وقال كاد بعض القائلين يقول .
.
.
"وسائره كالذي كان في المطبوعة" وهو أشدّ اختلالا وفسادًا .
وصواب العبارة ما استظهرته فأثبته .
وهذا الذي حكاه أبو جعفر هو قول الفراء في معاني القرآن 1 : 181 ، كما سلف في ص : 598 التعليق : 1 .
(42) في المطبوعة : "قيل وقال" وهو صواب ، وهما فعلان من قولهم"قيل كذا" و"قال كذا" ، وهو نهى عن القول بما لا يصح و لا يعلم .
وأثبت ما في المخطوطة ، وهما مصدران بمعنى الإشارة إلى هذين الفعلين الماضين ، يجعلان حكاية متضمنة للضمير والإعراب ، على إجرائهما مجرى الأسماء خلوين من الضمير ، فيدخل عليهما حرف التعريف لذلك فيقال : "القيل والقال" .
(43) في المخطوطة : "ذا مال في شهوته" وبين الكلامين بياض ، أما في المطبوعة والدر المنثور 1 : 363 ، فساقه سياقًا مطردًا : "ذا مال في شهوته" ، ولكنه لا يستقم مع قوله بعد : "ويعدله عن حق الله" ، فلذلك وضعت ما بين القوسين استظهارًا حتى يعتدل جانبا هذه العبارة .
(44) هذه النقط دلالة على أنه قد سقط من الناسخ كلام لا ندري ما هو ، ففي المخطوطة في إثر الأثر السالف 6231 ، الأثر الآتي : 6232 "حدثنا يعقوب بن إبراهيم .
.
.
" .
وقد تنبه طابع المطبوعة ، فرأي أن الأثر الآتي ، هو من تفسير الآية التي أثبتها وأثبتناها اتباعًا له ، والذي لا شك فيه أنه قد سقط من الكلام في هذا الموضع تفسير بقية الآتية : "وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم" وشيء قبله ، وشيء بعده ، لم أستطع أن أجد ما يدلني عليه في كتاب آخر ، ولكن سياق الأقوال التي ساقها الطبري دال على هذا الخرم .
وهذا دليل آخر على شدة سهو الناسخ في هذا الموضع من الكتاب .

للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم

سورة : البقرة - الأية : ( 273 )  - الجزء : ( 3 )  -  الصفحة: ( 46 ) - عدد الأيات : ( 286 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب
  2. تفسير: وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون
  3. تفسير: قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن
  4. تفسير: ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين
  5. تفسير: قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون
  6. تفسير: ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل
  7. تفسير: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم
  8. تفسير: ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر
  9. تفسير: وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين
  10. تفسير: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب