تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : ياأيها الناس إن كنتم في ريب من ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 5 من سورةالحج - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾
[ سورة الحج: 5]

معنى و تفسير الآية 5 من سورة الحج : ياأيها الناس إن كنتم في ريب من .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : ياأيها الناس إن كنتم في ريب من


يقول تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ أي: شك واشتباه، وعدم علم بوقوعه، مع أن الواجب عليكم أن تصدقوا ربكم، وتصدقوا رسله في ذلك، ولكن إذا أبيتم إلا الريب، فهاكم دليلين عقليين تشاهدونهما، كل واحد منهما، يدل دلالة قطعية على ما شككتم فيه، ويزيل عن قلوبكم الريب.
أحدهما: الاستدلال بابتداء خلق الإنسان، وأن الذي ابتدأه سيعيده، فقال فيه: فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ وذلك بخلق أبي البشر آدم عليه السلام، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ أي: مني، وهذا ابتداء أول التخليق، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ أي: تنقلب تلك النطفة، بإذن الله دما أحمر، ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ أي: ينتقل الدم مضغة، أي: قطعة لحم، بقدر ما يمضغ، وتلك المضغة تارة تكون مُخَلَّقَةٍ أي: مصور منها خلق الآدمي، وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ تارة، بأن تقذفها الأرحام قبل تخليقها، لِنُبَيِّنَ لَكُمْ أصل نشأتكم، مع قدرته تعالى، على تكميل خلقه في لحظة واحدة، ولكن ليبين لنا كمال حكمته، وعظيم قدرته، وسعة رحمته.
وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أي : ونقر، أي: نبقي في الأرحام من الحمل، الذي لم تقذفه الأرحام، ما نشاء إبقاءه إلى أجل مسمى، وهو مدة الحمل.
ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ من بطون أمهاتكم طِفْلًا لا تعلمون شيئا، وليس لكم قدرة، وسخرنا لكم الأمهات، وأجرينا لكم في ثديها الرزق، ثم تنتقلون طورا بعد طور، حتى تبلغوا أشدكم، وهو كمال القوة والعقل.
وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى من قبل أن يبلغ سن الأشد، ومنكم من يتجاوزه فيرد إلى أرذل العمر، أي: أخسه وأرذله، وهو سن الهرم والتخريف، الذي به يزول العقل، ويضمحل، كما زالت باقي القوة، وضعفت.
لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا أي: لأجل أن لا يعلم هذا المعمر شيئا مما كان يعلمه قبل ذلك، وذلك لضعف عقله، فقوة الآدمي محفوفة بضعفين، ضعف الطفولية ونقصها، وضعف الهرم ونقصه، كما قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ والدليل الثاني، إحياء الأرض بعد موتها، فقال الله فيه: وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً أي: خاشعة مغبرة لا نبات فيها، ولا خضر، فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ أي: تحركت بالنبات وَرَبَتْ أي: ارتفعت بعد خشوعها وذلك لزيادة نباتها، وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ أي: صنف من أصناف النبات بَهِيجٍ أي: يبهج الناظرين، ويسر المتأملين، فهذان الدليلان القاطعان، يدلان على هذه المطالب الخمسة، وهي هذه.

تفسير البغوي : مضمون الآية 5 من سورة الحج


( يا أيها الناس إن كنتم في ريب ) في شك ( من البعث فإنا خلقناكم ) يعني أباكم آدم الذي هو أصل النسل ( من تراب ثم من نطفة ) يعني ذريته والنطفة هي المني وأصلها الماء القليل وجمعها نطاف ( ثم من علقة ) وهي الدم الغليظ المتجمد وجمعها علق وذلك أن النطفة تصير دما غليظا ثم تصير لحما ( ثم من مضغة ) وهي لحمة قليلة قدر ما يمضغ ( مخلقة وغير مخلقة )قال ابن عباس وقتادة : " مخلقة " أي تامة الخلق " وغير مخلقة " غير تامة أي ناقصة الخلق .
وقال مجاهد : مصورة وغير مصورة يعني السقطوقيل " المخلقة " الولد الذي تأتي به المرأة لوقته " وغير المخلقة " السقط .
روي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه وقال أي رب مخلقة أو غير مخلقة؟ فإن قال غير مخلقة قذفها الرحم دما ولم تكن نسمة وإن قال مخلقة قال الملك : أي رب أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد؟ ما الأجل ما العمل ما الرزق وبأي أرض يموت؟ فيقال له اذهب إلى أم الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك فيذهب فيجدها في أم الكتاب فينسخها فلا يزال معه حتى يأتي على آخر صفته .
( لنبين لكم ) كمال قدرتنا وحكمتنا في تصريف أطوار خلقكم ولتستدلوا بقدرته في ابتداء الخلق على قدرته على الإعادةوقيل لنبين لكم ما تأتون وما تذ‌رون وما تحتاجون إليه في العبادة( ونقر في الأرحام ما نشاء ) فلا تمجه ولا تسقطه ( إلى أجل مسمى ) وقت خروجها من الرحم تامة الخلق والمدة ( ثم نخرجكم ) من بطون أمهاتكم ( طفلا ) أي صغارا ولم يقل أطفالا لأن العرب تذكر الجمع باسم الواحد وقيل تشبيها بالمصدر مثل عدل وزور ( ثم لتبلغوا أشدكم ) يعني الكمال والقوة( ومنكم من يتوفى ) من قبل بلوغ الكبر ( ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ) أي الهرم والخرف ، ( لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ) أي يبلغ من السن ما يتغير عقله فلا يعقل شيئاثم ذكر دليلا آخر على البعث فقال ( وترى الأرض هامدة ) أي يابسة لا نبات فيها ( فإذا أنزلنا عليها الماء ) المطر ، ( اهتزت ) تحركت بالنبات وذلك أن الأرض ترتفع بالنبات فذلك تحركها ( وربت ) أي ارتفعت وزادت ، وقيل فيه تقديم وتأخير معناه ربت واهتزت وربا نباتها فحذف المضاف والاهتزاز في النبات أظهر ، يقال اهتز النبات أي : طال وإنما أنث لذكر الأرض وقرأ أبو جعفر : " وربأت " بالهمزة وكذلك في " حم السجدة " أي ارتفعت وعلت( وأنبتت من كل زوج بهيج ) أي صنف حسن يبهج به من رآه أي : يسر فهذا دليل آخر على البعث

التفسير الوسيط : ياأيها الناس إن كنتم في ريب من


قال أبو حيان في البحر: لما ذكر- سبحانه - من يجادل في قدرة الله بغير علم، وكان جدالهم في الحشر والمعاد، ذكر دليلين واضحين على ذلك.
أحدهما: في نفس الإنسان وابتداء خلقه.
وتطوره في أطوار سبعة، وهي: التراب، والنطفة، والعلقة، والمضغة، والإخراج طفلا، وبلوغ الأشد، والتوفي أو الرد إلى أرذل العمر.
والدليل الثاني: في الأرض التي يشاهد تنقلها من حال إلى حال فإذا اعتبر العاقل ذلك ثبت عنده جوازه عقلا، فإذا ورد الشرع بوقوعه، وجب التصديق به، وأنه واقع لا محالة .
والمراد بالناس هنا: المشركون وكل من كان على شاكلتهم في إنكار أمر البعث واستبعاده، لأن المؤمنين يعترفون بأن البعث حق، وأنه واقع بلا أدنى شك أو ريب.
والمعنى: يا أيها الناس إن كنتم في شك من أمر إعادتكم الى الحياة مرة أخرى للحساب يوم القيامة، فانظروا وتفكروا في مبدأ خلقكم، فإن هذا التفكر من شأنه أن يزيل هذا الشك، لأن الذي أوجدكم الإيجاد الأول.
وخلقكم من التراب، قادر على إعادتكم إلى الحياة مرة أخرى، إذ الإعادة- كما يعرف كل عاقل- أيسر من ابتداء الفعل.
وقد قرب- سبحانه - هذا المعنى في أذهانكم في آيات كثيرة، منها قوله-تبارك وتعالى-:وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ، وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .
وأتى- سبحانه - بأن المفيدة للشك فقال: إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ مع أن كونهم في ريب أمر محقق تنزيلا للمحقق منزلة المشكوك فيه، وتنزيها لموضوع البعث عن أن يتحقق الشك فيه من أى عاقل، وتوبيخا لهم لوضعهم الأمور في غير مواضعها.
ووجه الإتيان بفي الدالة على الظرفية، للإشارة إلى أنهم قد امتلكهم الريب وأحاط بهم إحاطة الظرف بالمظروف.
قال الآلوسى: «وقوله فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ دليل جواب الشرط، أو هو الجواب بتأويل، أى: إن كنتم في ريب من البعث، فانظروا إلى مبدأ خلقكم ليزول ريبكم، فإنا خلقناكم من تراب، وخلقهم من تراب في ضمن خلق أبيهم آدم منه ...
» .
وقال بعض العلماء ما ملخصه: والتحقيق في معنى قوله-تبارك وتعالى- فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ : أنه- سبحانه - خلق أباهم آدم منه، ثم خلق من آدم زوجه حواء، ثم خلق الناس منهما عن طريق التناسل.
فلما كان أصلهم الأول من تراب، أطلق عليهم أنه خلقهم من تراب لأن الفروع تتبع الأصل.
وعلى ذلك يكون خلقهم من تراب هو الطور الأول..» .
ثم بين- سبحانه - الطور الثاني من أطوار خلق الإنسان فقال: ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ وهذا اللفظ مأخوذ من النطف- بفتح النون مع التشديد وإسكان الطاء- بمعنى السيلان والتقاطر.
يقال: نطفت القربة، إذا تقاطر الماء منها بقلة.
والنطفة تطلق في اللغة: على الماء القليل، والمراد بها هنا: الماء المختلط من الرجل والمرأة عند الجماع، والمعبر عنه بالمنى.
وقوله ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ هو الطور الثالث.
والعلقة جمعها علق، وهي قطعة من الدم جامدة، تتحول إليها النطفة.
وقوله ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ هو الطور الرابع، والمضغة قطعة صغيرة من اللحم تتحول إليها العلقة.
وقوله- سبحانه - مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ صفة للمضغة.
والمراد بالمخلقة: التامة الخلقة، السالمة من العيوب، والمراد بغير المخلقة: ما ليست كذلك كأن تكون ناقصة الخلقة.
وقد اكتفى بهذا المعنى صاحب الكشاف فقال: «والمخلقة» المستواة الملساء من النقصان والعيب: يقال: خلق السواك والعود، إذا سواه وملسه، من قولهم: صخرة خلقاء، إذا كانت ملساء.
كأن الله-تبارك وتعالى- يخلق المضغ متفاوتة.
منها.
ما هو كامل الخلقة أملس من العيوب، ومنها ما هو على عكس ذلك، فيتبع ذلك التفاوت، تفاوت الناس في خلقهم وصورهم وطولهم وقصرهم وتمامهم ونقصانهم ...
» .
وقيل: «مخلقة» أى: مستبينة الخلق، ظاهرة التصوير.
«وغير مخلقة» أى: لم يستبن خلقها ولا ظهر تصويرها كالسقط الذي هو مضغة ولم تظهر صورته الإنسانية بعد.
وقيل: «مخلقة» أى: نفخ فيها الروح.
«وغير مخلقة» أى: لم ينفخ فيها الروح.
ويبدو لنا أن ما ذهب إليه صاحب الكشاف واكتفى به أولى بالقبول، لأنه هو المشهور من كلام العرب.
فهم يقولون: حجر أخلق أى: أملس مصمت لا يؤثر فيه شيء، وصخرة خلقاء، أى: ليس بها تشويه أو كسر.
وقوله-تبارك وتعالى-: لِنُبَيِّنَ لَكُمْ متعلق بقوله: خَلَقْناكُمْ أى: خلقناكم على هذا النحو العجيب، وفي تلك الأطوار البديعة.
لنبين لكم كمال قدرتنا، وبليغ حكمتنا.
وأننا لا يعجزنا إعادة كل حي إلى الحياة بعد موته.
وحذف مفعول «نبين» للإشعار بأن أفعاله-تبارك وتعالى- الدالة على كمال قدرته، لا يحيط بها وصف، ولا تمدها عبارة..أى: لنبين لكم عن طريق المشاهدة، ما يدل على كمال قدرتنا دلالة يعجز الوصف عن الإحاطة بها.
وقوله-تبارك وتعالى-: وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى كلام مستأنف مسوق لبيان أحوال الناس بعد تمام خلقهم، وتوارد تلك الأطوار عليهم.
أى: ونقر ونثبت في أرحام الأمهات ما نشاء إقراره وثبوته فيها من الأجنة والأحمال، إلى أجل معلوم عندنا.
وهو الوقت المحدد للولادة والوضع، وما لم نشأ إقراره من الحمل لفظته الأرحام وأسقطته، إذ كل شيء بمشيئتنا وإرادتنا.
وقوله-تبارك وتعالى-: ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا بيان للطور الخامس من أطوار خلق الإنسان.
أى: ثم نخرجكم من أرحام أمهاتكم بعد استقراركم فيها إلى الوقت الذي حددناه، طفلا صغيرا.
أى: أطفالا صغارا، وإنما جاء مفردا باعتبار إرادة الجنس الشامل للواحد والمتعدد، أو باعتبار كل واحد منهم، وهو حال من ضمير المخاطبين.
ومن الأساليب العربية المعهودة، أن الاسم المفرد إذا كان اسم جنس.
يكثر إطلاقه على الجمع، ومن ذلك قوله-تبارك وتعالى-: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً أى: أئمة.
وقوله- سبحانه - فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً.. أى: أنفسا، ومن هذا القبيل قول الشاعر:وكان بنو فزارة شرّ عمّ ...
فكنت لهم كشر بنى الأخيناأى: شر أعمام.
وقوله-تبارك وتعالى- ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ بيان للطور السادس، والأشد: قوة الإنسان وشدته واشتعال حرارته، من الشدة بمعنى الارتفاع والقوة، يقال: شد النهار إذا ارتفع، وهو مفرد جاء بصيغة الجمع، أو جمع لا واحد له، أو جمع شدة- كأنعم ونعمة-.
قال الآلوسى: «والجملة علة لنخرجكم، وهي معطوفة على علة أخرى مناسبة لها.
كأنه قيل: ثم نخرجكم لتكبروا شيئا فشيئا ثم لتبلغوا أشدكم، أى كمالكم في القوة والعقل والتمييز.. وقيل: علة لمحذوف.
والتقدير: ثم نمهلكم لتبلغوا أشدكم ...
وتقديم التبيين «لنبين لكم» على ما بعده، مع أن حصوله بالفعل بعد الكل، للإيذان بأنه غاية الغايات ومقصود بالذات.
وإعادة اللام في «لتبلغوا» مع تجريد «نقر، ونخرج» عنها، للإشعار بأصالة البلوغ بالنسبة إلى الإقرار والإخراج إذ عليه يدور التكليف المؤدى إلى السعادة والشقاوة» .
وقوله- سبحانه -: وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً بيان للطور السابع والأخير.
أى: منكم- أيها الناس- من يبلغ أشده في هذه الحياة، ومنكم من يموت قبل ذلك، ومنكم من يعيش إلى أرذل العمر أى: أخسه وأدونه، فيصير من بعد علمه بالأشياء وفهمه لها، لا علم له ولا فهم، شأنه في ذلك شأن الأطفال.
قال-تبارك وتعالى-: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ فالآية الكريمة تصور أطوار خلق الإنسان ومراحل حياته أكمل تصوير، للتنبيه على مظاهر قدرة الله-تبارك وتعالى- وعلى أن البعث حق وصدق.
وبعد إقامة هذا الدليل من نفس الإنسان وتطور خلقه على صحة البعث، ساق- سبحانه - الدليل الثاني عن طريق مشاهدة الأرض وتنقلها من حال إلى حال، فقال-تبارك وتعالى- وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ.
وقوله: هامِدَةً أى: يابسة، يقال: همدت الأرض تهمد- بضم الميم- همودا، إذا يبست.
ومعنى: «اهتزت» : تحركت، يقال: هز فلان الشيء فاهتز، إذا حركه فتحرك.
ومعنى: «ربت» زادت بسبب تداخل الماء والنبات فيها، يقال: ربا الشيء يربو ربوا، إذا زاد ونما، ومنه الربا والربوة.
أى: وترى- أيها العاقل- ببصرك الأرض يابسة لا نبات فيها، فإذا ما أنزلنا عليها بقدرتنا الماء، تحركت بسبب خروج النبات منها، وانتفخت بسبب ما يتخللها من الماء والنبات، وأنبتت بعد ذلك من كل صنف بهيج نضر حسن المنظر.
وشبيه بهذه الآية في أن إحياء الأرض بعد موتها دليل على إحياء الناس بعد موتهم، بقدرة الله-تبارك وتعالى- وإرادته، قوله- عز وجل -: وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ، إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

تفسير ابن كثير : شرح الآية 5 من سورة الحج


لما ذكر تعالى المخالف للبعث ، المنكر للمعاد ، ذكر تعالى الدليل على قدرته تعالى على المعاد ، بما يشاهد من بدئه للخلق ، فقال : ( يا أيها الناس إن كنتم في ريب ) أي : في شك ( من البعث ) وهو المعاد وقيام الأرواح والأجساد يوم القيامة ( فإنا خلقناكم من تراب ) أي : أصل برئه لكم من تراب ، وهو الذي خلق منه آدم ، عليه السلام ( ثم من نطفة ) أي : ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، ( ثم من علقة ثم من مضغة ) ذلك أنه إذا استقرت النطفة في رحم المرأة ، مكثت أربعين يوما كذلك ، يضاف إليه ما يجتمع إليها ، ثم تنقلب علقة حمراء بإذن الله ، فتمكث كذلك أربعين يوما ، ثم تستحيل فتصير مضغة - قطعة من لحم لا شكل فيها ولا تخطيط - ثم يشرع في التشكيل والتخطيط ، فيصور منها رأس ويدان ، وصدر وبطن ، وفخذان ورجلان ، وسائر الأعضاء . فتارة تسقطها المرأة قبل التشكيل والتخطيط ، وتارة تلقيها وقد صارت ذات شكل وتخطيط; ولهذا قال تعالى : ( ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة ) أي : كما تشاهدونها ، ( لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ) أي : وتارة تستقر في الرحم لا تلقيها المرأة ولا تسقطها ، كما قال مجاهد في قوله تعالى : ( مخلقة وغير مخلقة ) قال : هو السقط مخلوق وغير مخلوق . فإذا مضى عليها أربعون يوما ، وهي مضغة ، أرسل الله تعالى إليها ملكا فنفخ فيها الروح ، وسواها كما يشاء الله عز وجل ، من حسن وقبيح ، وذكر وأنثى ، وكتب رزقها وأجلها ، وشقي أو سعيد ، كما ثبت في الصحيحين ، من حديث الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن ابن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق - : " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ليلة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات : بكتب عمله وأجله ورزقه ، وشقي أو سعيد ، ثم ينفخ فيه الروح " .وروى ابن جرير ، وابن أبي حاتم من حديث داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : النطفة إذا استقرت في الرحم ، ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌أخذها ملك بكفه قال : يا رب ، مخلقة أو غير مخلقة؟ فإن قيل : " غير مخلقة " لم تكن نسمة ، وقذفتها الأرحام دما . وإن قيل : " مخلقة " ، قال : أي رب ، ذكر أو أنثى؟ شقي أو سعيد؟ ما الأجل؟ وما الأثر؟ وبأي أرض يموت ؟ قال : فيقال للنطفة : من ربك؟ فتقول : الله . فيقال : من رازقك؟ فتقول : الله . فيقال له : اذهب إلى أم الكتاب ، فإنك ستجد فيه قصة هذه النطفة . قال : فتخلق فتعيش في أجلها ، وتأكل رزقها ، وتطأ أثرها ، حتى إذا جاء أجلها ماتت ، فدفنت في ذلك المكان ، ثم تلا عامر الشعبي : ( يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة ) فإذا بلغت مضغة نكست في الخلق الرابع فكانت نسمة ، فإن كانت غير مخلقة قذفتها الأرحام دما ، وإن كانت مخلقة نكست في الخلق .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة بن أسيد - يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم - قال : " يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ، فيقول : أي رب ، أشقي أم سعيد؟ فيقول الله ، ويكتبان ، فيقول : أذكر أم أنثى؟ فيقول الله ويكتبان ، ويكتب عمله وأثره ورزقه وأجله ، ثم تطوى الصحف ، فلا يزاد على ما فيها ولا ينتقص .ورواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة ، ومن طرق أخر ، عن أبي الطفيل ، بنحو معناه .وقوله : ( ثم نخرجكم طفلا ) أي : ضعيفا في بدنه ، وسمعه وبصره وحواسه ، وبطشه وعقله . ثم يعطيه الله القوة شيئا فشيئا ، ويلطف به ، ويحنن عليه والدية في آناء الليل وأطراف النهار; ولهذا قال : ( ثم لتبلغوا أشدكم ) أي : يتكامل القوى ويتزايد ، ويصل إلى عنفوان الشباب وحسن المنظر .( ومنكم من يتوفى ) ، أي : في حال شبابه وقواه ، ( ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ) ، وهو الشيخوخة والهرم وضعف القوة والعقل والفهم ، وتناقص الأحوال من الخرف وضعف الفكر; ولهذا قال : ( لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ) ، كما قال تعالى : ( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير ) [ الروم : 54 ] .وقد قال الحافظ أبو يعلى [ أحمد ] بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده : حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، حدثنا خالد الزيات ، حدثني داود أبو سليمان ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم الأنصاري ، عن أنس بن مالك - رفع الحديث - قال : " المولود حتى يبلغ الحنث ، ما عمل من حسنة ، كتبت لوالده أو لوالدته وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ولا على والديه ، فإذا بلغ الحنث جرى الله عليه القلم أمر الملكان اللذان معه أن يحفظا وأن يشددا ، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام أمنه الله من البلايا الثلاث : الجنون ، والجذام ، والبرص . فإذا بلغ الخمسين ، خفف الله حسابه . فإذا بلغ ستين رزقه الله الإنابة إليه بما يحب ، فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء ، فإذا بلغ الثمانين كتب الله حسناته وتجاوز عن سيئاته ، فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وشفعه في أهل بيته ، وكان أسير الله في أرضه ، فإذا بلغ أرذل العمر ( لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ) كتب الله له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير ، فإذا عمل سيئة لم تكتب عليه " .هذا حديث غريب جدا ، وفيه نكارة شديدة . ومع هذا قد رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده مرفوعا وموقوفا فقال :حدثنا أبو النضر ، حدثنا الفرج ، حدثنا محمد بن عامر ، عن محمد بن عبد الله العامري ، عن عمرو بن جعفر ، عن أنس قال : إذا بلغ الرجل المسلم أربعين سنة ، أمنه الله من أنواع البلايا ، من الجنون والجذام والبرص ، فإذا بلغ الخمسين لين الله حسابه ، وإذا بلغ الستين رزقه الله إنابة يحبه عليها ، وإذا بلغ السبعين أحبه الله ، وأحبه أهل السماء ، وإذا بلغ الثمانين تقبل الله حسناته ، ومحا عنه سيئاته ، وإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وسمي أسير الله في الأرض ، وشفع في أهله .ثم قال : حدثنا هاشم ، حدثنا الفرج ، حدثني محمد بن عبد الله العامري ، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .ورواه الإمام أحمد أيضا : حدثنا أنس بن عياض ، حدثني يوسف بن أبي ذرة الأنصاري ، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري ، عن أنس بن مالك; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة ، إلا صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلاء : الجنون والجذام والبرص . . . . . وذكر تمام الحديث ، كما تقدم سواء .ورواه الحافظ أبو بكر البزار ، عن عبد الله بن شبيب ، عن أبي شيبة ، عن عبد الله بن عبد الملك ، عن أبي قتادة العذري ، عن ابن أخي الزهري ، عن عمه ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يعمر في الإسلام أربعين سنة ، إلا صرف الله عنه أنواعا من البلاء : الجنون والجذام والبرص ، فإذا بلغ خمسين سنة لين الله له الحساب ، فإذا بلغ ستين سنة رزقه الله الإنابة إليه بما يحب ، فإذا بلغ سبعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وسمي أسير الله ، وأحبه أهل السماء ، فإذا بلغ الثمانين تقبل الله منه حسناته وتجاوز عن سيئاته ، فإذا بلغ التسعين غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وسمي أسير الله في أرضه ، وشفع في أهل بيته " .وقوله : ( وترى الأرض هامدة ) : هذا دليل آخر على قدرته تعالى على إحياء الموتى ، كما يحيي الأرض الميتة الهامدة ، وهي القحلة التي لا نبت فيها ولا شيء .وقال قتادة : غبراء متهشمة . وقال السدي : ميتة .( فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ) أي : فإذا أنزل الله عليها المطر ) اهتزت ) أي : تحركت وحييت بعد موتها ، ( وربت ) أي : ارتفعت لما سكن فيها الثرى ، ثم أنبتت ما فيها من الألوان والفنون ، من ثمار وزروع ، وأشتات النباتات في اختلاف ألوانها وطعومها ، وروائحها وأشكالها ومنافعها; ولهذا قال تعالى : ( وأنبتت من كل زوج بهيج ) أي : حسن المنظر طيب الريح .

تفسير الطبري : معنى الآية 5 من سورة الحج


وهذا احتجاج من الله على الذي أخبر عنه من الناس أنه يجادل في الله بغير علم، اتباعا منه للشيطان المريد ، وتنبيه له على موضع خطأ قيله، وإنكاره ما أنكر من قدرة ربه.
قال: يا أيها الناس إن كنتم في شكّ من قدرتنا على بعثكم من قبوركم بعد مماتكم وبلاكم استعظاما منكم لذلك، فإن في ابتدائنا خلق أبيكم آدم صلى الله عليه وسلم من تراب ثم إنشائناكم من نطفة آدم ، ثم تصريفناكم أحوالا حالا بعد حال، من نطفة إلى علقة، ثم من علقة إلى مضغة، لكم معتبرا ومتعظا تعتبرون به، فتعلمون أن من قدر على ذلك فغير متعذّر عليه إعادتكم بعد فنائكم كما كنتم أحياء قبل الفناء.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله مخلقة وغير مخلّقة، فقال بعضهم: هي من صفة النطفة.
قال: ومعنى ذلك: فإنا خلقناكم من تراب، ثم من نطفة مخلَّقة وغير مخلقة قالوا: فأما المخلقة فما كان خلقا سَوِيّا وأما غير مخلقة، فما دفعته الأرحام ، من النطف ، وألقته قبل أن يكون خلقا.
ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو معاوية، عن داود بن أبي هند، عن عامر، عن علقمة، عن عبد الله، قال: إذا وقعت النطفة في الرحم، بعث الله ملَكا فقال: يا ربّ مخلقة ، أو غير مخلقة؟ فإن قال: غير مخلَّقة، مجّتها الأرحام دما، وإن قال: مخلقة، قال: يا ربّ فما صفة هذه النطفة ، أذكر أم أنثى؟ ما رزقها ما أجلها؟ أشقيّ أو سعيد؟ قال: فيقال له: انطلق إلى أمّ الكتاب فاستنسخ منه صفة هذه النطفة! قال: فينطلق الملك فينسخها فلا تزال معه حتى يأتي على آخر صفتها.
وقال آخرون: معنى ذلك: تامة وغير تامة.
ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة في قول الله ( مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) قال: تامة وغير تامة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن قتادة ( مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) فذكر مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك المضغة مصوّرة إنسانا وغير مصوّرة، فإذا صورت فهي مخلقة وإذا لم تصوّر فهي غير مخلقة.
ذكر من قال ذلك: ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله ( مُخَلَّقَةٍ ) قال: السِّقط، ( مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ).
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله ( مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) قال: السقط، مخلوق وغير مخلوق.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عامر أنه قال في النطفة والمضغة إذا نكست في الخلق الرابع، كانت نسمة مخلقة، وإذا قذفتها قبل ذلك فهي غير مخلقة.
قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن أبي سلمة، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية ( مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) قال: السقط.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: المخلقة المصورة خلقا تاما، وغير مخلقة: السِّقط قبل تمام خلقه، لأن المخلقة وغير المخلقة من نعت المضغة والنطفة بعد مصيرها مضغة، لم يبق لها حتى تصير خلقا سويا إلا التصوير، وذلك هو المراد بقوله ( مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) خلقا سويا، وغير مخلقة بأن تلقيه الأم مضغة ولا تصوّر ولا ينفخ فيها الروح.
وقوله ( لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ) يقول تعالى ذكره: جعلنا المضغة منها المخلقة التامة ومنها السقط غير التام، لنبين لكم قدرتنا على ما نشاء ونعرفكم ابتداءنا خلقكم.
وقوله ( وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) يقول تعالى ذكره: من كنا كتبنا له بقاء وحياة إلى أمد وغاية، فإنا نقرّه في رحم أمه إلى وقته الذي جعلنا له أن يمكث في رحمها، فلا تسقطه ، ولا يخرج منها حتى يبلغ أجله، فإذا بلغ وقت خروجه من رحمها أذنا له بالخروج منها، فيخرج.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) قال: التمام.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) قال: الأجل المسمى: إقامته في الرحم حتى يخرج.
وقوله ( ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ) يقول تعالى ذكره: ثم نخرجكم من أرحام أمهاتكم إذا بلغتم الأجل الذي قدرته لخروجكم منها طفلا صغارا ووحد الطفل ، وهو صفة للجميع، لأنه مصدر مثل عدل وزور.
وقوله ( ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ) يقول: ثم لتبلغوا كمال عقولكم ونهاية قواكم بعمركم.
وقد ذكرت اختلاف المختلفين في الأشد، والصواب من القول فيه عندنا بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
"5"القول في تأويل قوله تعالى : وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍيقول تعالى ذكره: ومنكم أيها الناس من يتوفى قبل أن يبلغ أشدّه فيموت، ومنكم من يُنْسَأ في أجله فيعمر حتى يهرم ، فيردّ من بعد انتهاء شبابه وبلوغه غاية أشده ، إلى أرذل عمره، وذلك الهرم، حتى يعود كهيئته في حال صباه لا يعقل من بعد عقله الأوّل شيئا.
ومعنى الكلام: ومنكم من يرد إلى أرذل العمر بعد بلوغه أشده ( لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ ) كان يعلمه (شَيْئًا ) .
وقوله ( وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً ) يقول تعالى ذكره: وترى الأرض يا محمد يابسة دارسة الآثار من النبات والزرع، وأصل الهمود: الدروس والدثور، ويقال منه: همدت الأرض تهمد هُمودا ؛ ومنه قول الأعشى ميمون بن قيس:قالَتْ قُتَيْلَةُ ما لِجِسِمَك شاحِباوأرَى ثِيابكَ بالِياتٍ هُمَّدَا (9)والهُمَّد: جمع هامد، كما الركع جمع راكع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، في قوله ( وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً ) قال: لا نبات فيها.
وقوله ( فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ ) يقول تعالى ذكره: فإذا نحن أنزلنا على هذه الأرض الهامدة التي لا نبات فيها ، المطر من السماء اهتزّت يقول: تحركت بالنبات، (وَرَبَتْ) يقول: وأضعفت النبات بمجيء الغيث.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قَتادة ( اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ) قال: عُرِف الغيث في ربوها.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة ( اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ) قال: حسنت، وعرف الغيث في ربوها.
وكان بعضهم يقول: معنى ذلك: فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت، ويوجه المعنى إلى الزرع، وإن كان الكلام مخرجه على الخبر عن الأرض، وقرأت قراء الأمصار ( وَرَبَتْ ) بمعنى: الربو، الذي هو النماء والزيادة.
وكان أبو جعفر القارئ يقرأ ذلك (وَرَبَأَتْ) بالهمز.
حُدثت عن الفراء، عن أبي عبد الله التميمي عنه، وذلك غلط، لأنه لا وجه للرب ههنا، وإنما يقال: ربأ بالهمز بمعنى حرس من الربيئة، ولا معنى للحراسة في هذا الموضع، والصحيح من القراءة ما عليه قراء الأمصار.
وقوله ( وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) يقول جلّ ثناؤه: وأنبتت هذه الأرض الهامدة بذلك الغيث من كل نوع بهيج، يعني بالبهيج ، البهج، وهو الحسن.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قَتادة ( وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) قال: حسن.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة، مثله.
--------------------------الهوامش :(9) البيت لأعشى بن قيس بن ثعلبة ( ديوانه طبع القاهرة بشرح الدكتور محمد حسين ، ص 227 ) .
وهو من قصيدة قالها لكسرى حين أراد منهم رهائن ، لما أغار الحارث بن وعلة على بعض السواد .
والرواية فيه " سايئا " في موضع " شاحبا " .
قال في تفسيره : سايئ : يسوء من رآه .
وهمد الثوب تقطع من طول الطي ينظر إليه الناظر فيحسبه صحيحا ، فإذا مسه تناثر من البلى ، ومثله في ( اللسان : همد ) : ( وترى الأرض هامدة ) : أي جافة ذات تراب .
وأرض هامدة : مقشعرة ، لا نبات فيها إلا اليابس المتحطم ، وقد أهمدها القحط .
أه .

ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنـزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج

سورة : الحج - الأية : ( 5 )  - الجزء : ( 17 )  -  الصفحة: ( 332 ) - عدد الأيات : ( 78 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون
  2. تفسير: والليل إذا يغشاها
  3. تفسير: والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات
  4. تفسير: إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين
  5. تفسير: مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا
  6. تفسير: قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون
  7. تفسير: والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا
  8. تفسير: حم
  9. تفسير: وخلقناكم أزواجا
  10. تفسير: فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا

تحميل سورة الحج mp3 :

سورة الحج mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الحج

سورة الحج بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة الحج بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة الحج بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة الحج بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة الحج بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة الحج بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة الحج بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة الحج بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة الحج بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة الحج بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب