تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 50 من سورةالأحزاب - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۗ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾
[ سورة الأحزاب: 50]

معنى و تفسير الآية 50 من سورة الأحزاب : ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي


يقول تعالى، ممتنًا على رسوله بإحلاله له ما أحل مما يشترك فيه، هو والمؤمنون، وما ينفرد به، ويختص: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ أي: أعطيتهن مهورهن، من الزوجات، وهذا من الأمور المشتركة بينه وبين المؤمنين، [فإن المؤمنين] كذلك يباح لهم ما آتوهن أجورهن، من الأزواج.
و كذلك أحللنا لك مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ أي: الإماء التي ملكت مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ من غنيمة الكفار من عبيدهم، والأحرار من لهن زوج منهم، ومن لا زوج لهن، وهذا أيضا مشترك.
وكذلك من المشترك، قوله وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ شمل العم والعمة، والخال والخالة، القريبين والبعيدين، وهذا حصر المحللات.
يؤخذ من مفهومه، أن ما عداهن من الأقارب، غير محلل، كما تقدم في سورة النساء، فإنه لا يباح من الأقارب من النساء، غير هؤلاء الأربع، وما عداهن من الفروع مطلقًا، والأصول مطلقًا، وفروع الأب والأم، وإن نزلوا، وفروع من فوقهم لصلبه، فإنه لا يباح.
وقوله اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ قيد لحل هؤلاء للرسول، كما هو الصواب من القولين، في تفسير هذه الآية، وأما غيره عليه الصلاة والسلام، فقد علم أن هذا قيد لغير الصحة.
و أحللنا لك وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ بمجرد هبتها نفسها.
إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا أي: هذا تحت الإرادة والرغبة، خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ يعني: إباحة الموهبة وأما المؤمنون، فلا يحل لهم أن يتزوجوا امرأة، بمجرد هبتها نفسها لهم.
قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ أي: قد علمنا ما على المؤمنين، وما يحل لهم، وما لا يحل، من الزوجات وملك اليمين.
وقد علمناهم بذلك، وبينا فرائضه.
فما في هذه الآية، مما يخالف ذلك، فإنه خاص لك، لكون اللّه جعله خطابًا للرسول وحده بقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ إلى آخر الآية.
وقوله: خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وأبحنا لك يا أيها النبي ما لم نبح لهم، ووسعنا لك ما لم نوسع على غيرك، لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وهذا من زيادة اعتناء اللّه تعالى برسوله صلى اللّه عليه وسلم.
وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا أي: لم يزل متصفًا بالمغفرة والرحمة، وينزل على عباده من مغفرته ورحمته، وجوده وإحسانه، ما اقتضته حكمته، ووجدت منهم أسبابه.

تفسير البغوي : مضمون الآية 50 من سورة الأحزاب


قوله - عز وجل - : ( يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن ) أي : مهورهن ، ( وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك ) رد عليك من الكفار بأن تسبي فتملك مثل صفية وجويرية ، وقد كانت مارية مما ملكت يمينه فولدت له إبراهيم ( وبنات عمك وبنات عماتك ) يعني : نساء قريش ( وبنات خالك وبنات خالاتك ) يعني : نساء بني زهرة ( اللاتي هاجرن معك ) إلى المدينة فمن لم تهاجر منهن معه لم يجز له نكاحها .
وروى أبو صالح عن أم هانئ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة خطبني فأنزل الله هذه الآية فلم أحل له ، لأني لم أكن من المهاجرات وكنت من الطلقاء ، ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل .
( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ) أي .
أحللنا لك امرأة مؤمنة وهبت نفسها لك بغير صداق ، فأما غير المؤمنة فلا تحل له إذا وهبت نفسها منه .
واختلفوا في أنه هل كان يحل للنبي - صلى الله عليه وسلم - نكاح اليهودية والنصرانية بالمهر ؟فذهب جماعة إلى أنه كان لا يحل له ذلك ، لقوله : " وامرأة مؤمنة " ، وأول بعضهم الهجرة في قوله : " اللاتي هاجرن معك " على الإسلام ، أي : أسلمن معك .
فيدل ذلك على أنه لا يحل له نكاح غير المسلمة ، وكان النكاح ينعقد في حقه بمعنى الهبة من غير ولي ولا شهود ولا مهر ، وكان ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - في النكاح لقوله تعالى : ( خالصة لك من دون المؤمنين ) كالزيادة على الأربع ، ووجوب تخيير النساء كان من خصائصه ولا مشاركة لأحد معه فيه .
واختلف أهل العلم في انعقاد النكاح بلفظ الهبة في حق الأمة ؟ فذهب أكثرهم إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح والتزويج ، وهو قول سعيد بن المسيب ، والزهري ، ومجاهد ، وعطاء ، وبه قال ربيعة ومالك والشافعي .
وذهب قوم إلى أنه ينعقد بلفظ الهبة والتمليك ، وهو قول إبراهيم النخعي ، وأهل الكوفة .
ومن قال لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج اختلفوا في نكاح النبي - صلى الله عليه وسلم - : فذهب قوم إلى أنه كان ينعقد بلفظ الهبة ، لقوله تعالى : " خالصة لك من دون المؤمنين " .
وذهب آخرون إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج كما في حق الأمة لقوله - عز وجل - : ( إن أراد النبي أن يستنكحها ) وكان اختصاصه - صلى الله عليه وسلم - في ترك المهر لا في لفظ النكاح .
واختلفوا في التي وهبت نفسها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهل كانت عنده امرأة منهن ؟ .
فقال عبد الله بن عباس ، ومجاهد : لم يكن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة وهبت نفسها منه ، ولم يكن عنده امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين ، وقوله : " إن وهبت نفسها " على طريق الشرط والجزاء .
وقال آخرون : بل كانت عنده موهوبة ، واختلفوا فيها فقال الشعبي : هي زينب بنت خزيمة الهلالية ، يقال لها : أم المساكين .
وقال قتادة : هي ميمونة بنت الحارث .
وقال علي بن الحسين ، والضحاك ومقاتل : هي أم شريك بنت جابر من بني أسد .
وقال عروة بن الزبير : هي خولة بنت حكيم من بني سليم .
قوله - عز وجل - : ( قد علمنا ما فرضنا عليهم ) أي : أوجبنا على المؤمنين ( في أزواجهم ) من الأحكام أن لا يتزوجوا أكثر من أربع ولا يتزوجوا إلا بولي وشهود ومهر ( وما ملكت أيمانهم ) أي : ما أوجبنا من الأحكام في ملك اليمين ( لكيلا يكون عليك حرج ) وهذا يرجع إلى أول الآية أي : أحللنا لك أزواجك وما ملكت يمينك والموهوبة لك لكي لا يكون عليك حرج وضيق .
( وكان الله غفورا رحيما )

التفسير الوسيط : ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي


والمراد بالأجور في قوله- سبحانه -: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ...
المهور التي دفعها صلّى الله عليه وسلّم لأزواجه.
قال ابن كثير: يقول-تبارك وتعالى- مخاطبا نبيه- صلوات الله وسلامه عليه- بأن قد أحل له من النساء أزواجه اللائي أعطاهن مهورهن، وهي الأجور هاهنا، كما قاله مجاهد وغير واحد.
وقد كان مهره صلّى الله عليه وسلّم لنسائه: اثنتي عشرة أوقية ونصف أوقية.
فالجميع خمسمائة درهم إلا أم حبيبة بنت أبى سفيان فإنه أمهرها عنه النجاشيّ- رحمه الله- بأربعمائة دينار، وإلا صفية بنت حيي فإنه اصطفاها من سبى خيبر، ثم أعتقها وجعل عتقها صداقها.
وكذلك جويرية بنت الحارث المصطلقية، أدى عنها كتابتها إلى ثابت بن قيس وتزوجها.
وفي قوله: آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ إشارة إلى أن إعطاء المهر كاملا للمرأة دون إبقاء شيء منه، هو الأكمل والأفضل، وأن تأخير شيء منه إنما هو أمر مستحدث، لم يكن معروفا عند السلف الصالح.
وأطلق على المهر أجر لمقابلته الاستمتاع الدائم بما يحل الاستمتاع به من الزوجة، كما يقابل الأجر بالمنفعة.
وقوله: وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ بيان لنوع آخر مما أحله الله-تبارك وتعالى- لنبيه صلّى الله عليه وسلم.
والمعنى: يا أيها النبي إنا أحللنا لك- بفضلنا- على سبيل التكريم والتشريف لك، الاستمتاع بأزواجك الكائنات عندك، واللاتي أعطيتهن مهورهن- كعائشة وحفصة وغيرهما-، لأنهن قد اخترنك على الحياة الدنيا وزينتها.
كما أحللنا لك التمتع بما ملكت يمينك من النساء اللائي دخلن في ملكك عن طريق الغنيمة في الحرب، كصفية بنت حيي بن أخطب، وجويرية بنت الحارث.
ثم بين- سبحانه - نوعا ثالثا أحله- سبحانه - له فقال: وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ.
أى: وأحللنا لك- أيضا- الزواج بالنساء اللائي تربطك بهن قرابة من جهة الأب، أو قرابة من جهة الأم.
وقوله اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ إشارة إلى ما هو أفضل، وللإيذان بشرف الهجرة وشرف من هاجر.
والمراد بالمعية هنا.
الاشتراك في الهجرة.
لا المصاحبة فيها، لما في قوله-تبارك وتعالى- حكاية عن ملكة سبأ: الَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
قال بعض العلماء: وقد جاء في الآية الكريمة عدة قيود، ما أريد بواحد منها إلا التنبيه على الحالة الكريمة الفاضلة.
منها: وصف النبي صلّى الله عليه وسلّم باللاتى آتى أجورهن، فإنه تنبيه على الحالة الكاملة، فإن الأكمل إيتاء المهر كاملا دون أن يتأخر منه شيء.
ومنها: أن تخصيص المملوكات بأن يكن من الفيء، فإن المملوكة إذا كانت غنيمة من أهل الحرب كانت أحل وأطيب مما يشترى من الجلب، لأن المملوكة عن طريق الغنيمة تكون معروفة الحال والنشأة.
ومنها: قيد الهجرة في قوله: اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ، ولا شك أن من هاجرت مع النبي صلى الله عليه وسلّم أولى بشرف زوجية النبي صلّى الله عليه وسلّم ممن عداها ثم بين- سبحانه - نوعا رابعا من النساء، أحله لنبيه صلّى الله عليه وسلّم فقال: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ، إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ.
والجملة الكريمة معطوفة على مفعول أَحْلَلْنا.
وقد اشتملت هذه الجملة على شرطين، الثاني منهما قيد للأول، لأن هبتها نفسها له صلى الله عليه وسلّم لا توجب حلها له إلا بقبوله الزواج منها.
وقوله يَسْتَنْكِحَها بمعنى ينكحها.
يقال: نكح واستنكح، بمعنى عجل واستعجل:ويجوز أن يكون بمعنى طلب النكاح.
وقوله: خالِصَةً منصوب على الحال من فاعل وَهَبَتْ أى: حال كونها خالصة لك دون غيرك.
أو نعت لمصدر مقدر.
أى: هبة خالصة..والمعنى وأحللنا لك كذلك امرأة مؤمنة، إن ملكتك نفسها بدون مهر وإن أنت قبلت ذلك عن طيب خاطر منك، وهذا الإحلال إنما هو خاص بك دون غيرك من المؤمنين، لأن غيرك من المؤمنين لا تحل لهم من وهبت نفسها لواحد منهم إلا بولي ومهر.
وقد ذكروا ممن وهبن أنفسهن له صلّى الله عليه وسلّم خولة بنت حكيم، وأم شريك بنت جابر، وليلى بنت الحطيم..وقد اختلف العلماء في كونه صلّى الله عليه وسلّم قد تزوج بواحدة من هؤلاء الواهبات أنفسهن له أم لا.
والأرجح أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يتزوج بواحدة منهن، وإنما زوجهن لغيره.
ويشهد لذلك ما رواه الشيخان عن سهل بن سعد الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله، إنى قد وهبت نفسي لك.
فقامت قياما طويلا، فقام رجل فقال:يا رسول الله، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: هل عندك من شيء تصدقها إياه؟ فقال: ما عندي إلا إزارى هذا.
فقال صلّى الله عليه وسلّم: إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك، فالتمس شيئا.
فقال: لا أجد شيئا.
فقال: التمس ولو خاتما من حديد، فقام الرجل فلم يجد شيئا.
فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: هل معك من القرآن شيء؟قال نعم.
سورة كذا وسورة كذا- لسور يسميها- فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: زوجتكها بما معك من القرآن .
وإلى هنا يتضح لنا أن المقصود بالإحلال في الآية الكريمة: الإذن العام والتوسعة عليه صلى الله عليه وسلم في الزواج من هذه الأصناف، والإباحة له في أن يختار منهن من تقتضي الحكمة الزواج منها، واختصاصه صلّى الله عليه وسلّم بأمور تتعلق بالنكاح، لا تحل لأحد سواه.
ولهذا قال- سبحانه - بعد ذلك: قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ.. فإن هذه الجملة الكريمة معترضة ومقررة لمضمون ما قبلها، من اختصاصه صلى الله عليه وسلّم بأمور في النكاح لا تحل لغيره، كحل زواجه ممن تهبه نفسها بدون مهر، إن قبل ذلك العرض منها.
أى: هذا الذي أحللناه لك- أيها الرسول الكريم- هو خاص بك، أما بالنسبة لغيرك من المؤمنين فقد علمنا ما فرضناه عليهم في حق أزواجهم من شرائط العقد وحقوقه، فلا يجوز لهم الإخلال بها، كما لا يجوز لهم الاقتداء بك فيما خصك الله-تبارك وتعالى- به، على سبيل التوسعة عليك، والتكريم لك، فهم لا يجوز لهم التزوج إلا بعقد وشهود ومهر، كما لا يجوز لهم أن يجمعوا بين أكثر من أربع نسوة.
وعلمنا- أيضا- ما فرضناه عليهم بالنسبة لما ملكت أيمانهم، من كونهن ممن يجوز سبيه وحربه، لا ممن لا يجوز سبيه، أو كان له عهد مع المسلمين.
وقوله: لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ متعلق بقوله: أَحْلَلْنا وهو راجع إلى جميع ما ذكر، فيكون المعنى:أحللنا من آتيت أجورهن من النساء، والمملوكات، والأقارب، والواهبة نفسها لك، لندفع عنك الضيق والحرج، ولتتفرغ لتبليغ ما أمرناك بتبليغه.
وقيل: إنه متعلق بخالصة، أو بعاملها، فيكون المعنى: خصصناك بنكاح من وهبت نفسها لك بدون مهر، لكي لا يكون عليك حرج في البحث عنه.
ويرى بعضهم أنه متعلق بمحذوف، أى: بينا لك ما بينا من أحكام خاصة بك، حتى تخرج من الحرج، وحتى يكون منا تفعله هو بوحي منا وليس من عند نفسك.
ثم ختم- سبحانه - الآية بقوله: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً أى: وكان الله-تبارك وتعالى- وما زال واسع المغفرة والرحمة لعباده المؤمنين.

تفسير ابن كثير : شرح الآية 50 من سورة الأحزاب


يقول تعالى مخاطبا نبيه ، صلوات الله وسلامه عليه ، بأنه قد أحل له من النساء أزواجه اللاتي أعطاهن مهورهن ، وهي الأجور هاهنا . كما قاله مجاهد وغير واحد ، وقد كان مهره لنسائه اثنتي عشرة أوقية ونشا وهو نصف أوقية ، فالجميع خمسمائة درهم ، إلا أم حبيبة بنت أبي سفيان فإنه أمهرها عنه النجاشي ، - رحمه الله - أربعمائة دينار ، وإلا صفية بنت حيي فإنه اصطفاها من سبي خيبر ، ثم أعتقها وجعل عتقها صداقها . وكذلك جويرية بنت الحارث المصطلقية ، أدى عنها كتابتها إلى ثابت بن قيس بن شماس وتزوجها ، رضي الله عن جميعهن .وقوله : ( وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك ) أي : وأباح لك التسري مما أخذت من المغانم ، وقد ملك صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما . وملك ريحانة بنت شمعون النضرية ، ومارية القبطية أم ابنه إبراهيم ، عليه السلام ، وكانتا من السراري ، رضي الله عنهما .وقوله : ( وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك ) : هذا عدل وسط بين الإفراط والتفريط; فإن النصارى لا يتزوجون المرأة إلا إذا كان الرجل بينه وبينها سبعة أجداد فصاعدا ، واليهود يتزوج أحدهم بنت أخيه وبنت أخته ، فجاءت هذه الشريعة الكاملة الطاهرة بهدم إفراط النصارى ، فأباح بنت العم والعمة ، وبنت الخال والخالة ، وتحريم ما فرطت فيه اليهود من إباحة بنت الأخ والأخت ، وهذا بشع فظيع .وإنما قال : ( وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك ) فوحد لفظ الذكر لشرفه ، وجمع الإناث لنقصهن كقوله : ( عن اليمين والشمائل ) [ النحل : 48 ] ، ( يخرجهم من الظلمات إلى النور ) [ البقرة : 257 ] ، ( وجعل الظلمات والنور ) [ الأنعام : 1 ] ، وله نظائر كثيرة .وقوله : ( اللاتي هاجرن معك ) قال ابن أبي حاتم ، رحمه الله :حدثنا محمد بن عمار بن الحارث الرازي ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي صالح ، عن أم هانئ قالت : خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه بعذري ، ثم أنزل الله : ( إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك ) إلى قوله : ( اللاتي هاجرن معك ) قالت : فلم أكن أحل له ، ولم أكن ممن هاجر معه ، كنت من الطلقاء . ورواه ابن جرير عن أبي كريب ، عن عبيد الله بن موسى ، به .ثم رواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، عنها بنحوه .ورواه الترمذي في جامعه . وهكذا قال أبو رزين وقتادة : إن المراد : من هاجر معه إلى المدينة . وفي رواية عن قتادة : ( اللاتي هاجرن معك ) أي : أسلمن . وقال الضحاك : قرأ ابن مسعود : " واللاتي هاجرن معك " .وقوله : ( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها ) أي : ويحل لك - يأيها النبي - المرأة المؤمنة إذا وهبت نفسها لك أن تتزوجها بغير مهر إن شئت ذلك . وهذه الآية توالى فيها شرطان ، كقوله تعالى إخبارا عن نوح ، عليه السلام ، أنه قال لقومه : ( ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ) [ هود : 34 ] ، وكقول موسى : ( يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ) [ يونس : 84 ] . وقال هاهنا : ( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها ) وقد قال الإمام أحمد :حدثنا إسحاق ، أخبرنا مالك ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله ، إني قد وهبت نفسي لك . فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال : يا رسول الله ، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل عندك من شيء تصدقها إياه " ؟ فقال : ما عندي إلا إزاري هذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك ، فالتمس شيئا " . فقال : لا أجد شيئا . فقال : " التمس ولو خاتما من حديد " فالتمس فلم يجد شيئا ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " هل معك من القرآن شيء ؟ " قال : نعم; سورة كذا ، وسورة كذا - لسور يسميها - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " زوجتكها بما معك من القرآن " .أخرجاه من حديث مالك .وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا مرحوم ، سمعت ثابتا يقول : كنت مع أنس جالسا وعنده ابنة له ، فقال أنس : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا نبي الله ، هل لك في حاجة ؟ فقالت ابنته : ما كان أقل حياءها . فقال : " هي خير منك ، رغبت في النبي ، فعرضت عليه نفسها " .انفرد بإخراجه البخاري ، من حديث مرحوم بن عبد العزيز [ العطار ] ، عن ثابت البناني ، عن أنس ، به .وقال أحمد أيضا : حدثنا عبد الله بن بكر ، حدثنا سنان بن ربيعة ، عن الحضرمي ، عن أنس بن مالك : أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، ابنة لي كذا وكذا . فذكرت من حسنها وجمالها ، فآثرتك بها . فقال : " قد قبلتها " . فلم تزل تمدحها حتى ذكرت أنها لم تصدع ولم تشتك شيئا قط ، فقال : " لا حاجة لي في ابنتك " . لم يخرجوه .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، حدثنا ابن أبي الوضاح - يعني : محمد بن مسلم - عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم .وقال ابن وهب ، عن سعيد بن عبد الرحمن وابن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أن خولة بنت حكيم بن الأوقص ، من بني سليم ، كانت من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم .وفي رواية له عن سعيد بن عبد الرحمن ، عن هشام ، عن أبيه : كنا نتحدث أن خولة بنت حكيم كانت وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت امرأة صالحة .فيحتمل أن أم سليم هي خولة بنت حكيم ، أو هي امرأة أخرى .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، حدثنا وكيع ، حدثنا موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب ، وعمر بن الحكم ، وعبد الله بن عبيدة قالوا : تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة امرأة : ست من قريش ، خديجة ، وعائشة ، وحفصة ، وأم حبيبة ، وسودة ، وأم سلمة . وثلاث من بني عامر بن صعصعة ، وامرأتان من بني هلال بن عامر : ميمونة بنت الحارث ، وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، وزينب أم المساكين - امرأة من بني أبي بكر بن كلاب من القرطاء - وهي التي اختارت الدنيا ، وامرأة من بني الجون ، وهي التي استعاذت منه ، وزينب بنت جحش الأسدية ، والسبيتان صفية بنت حيي بن أخطب ، وجويرية بنت الحارث بن عمرو بن المصطلق الخزاعية .وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن ابن عباس : ( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ) قال : هي ميمونة بنت الحارث .فيه انقطاع : هذا مرسل ، والمشهور أن زينب التي كانت تدعى أم المساكين هي زينب بنت خزيمة الأنصارية ، وقد ماتت عند النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ، فالله أعلم .والغرض من هذا أن اللاتي وهبن أنفسهن من النبي صلى الله عليه وسلم كثير ، كما قال البخاري ، حدثنا زكريا بن يحيى ، حدثنا أبو أسامة قال : هشام بن عروة حدثنا عن أبيه ، عن عائشة قالت : كنت أغار من اللاتي وهبن أنفسهن من النبي صلى الله عليه وسلم وأقول : أتهب امرأة نفسها ؟ فلما أنزل الله : ( ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ) قلت : ما أرى ربك إلا يسارع في هواك .وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن منصور الجعفي ، حدثنا يونس بن بكير ، عن عنبسة بن الأزهر ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له .ورواه ابن جرير عن أبي كريب ، عن يونس بن بكير . أي : إنه لم يقبل واحدة ممن وهبت نفسها له ، وإن كان ذلك مباحا له ومخصوصا به; لأنه مردود إلى مشيئته ، كما قال الله تعالى : ( إن أراد النبي أن يستنكحها ) أي : إن اختار ذلك .وقوله : ( خالصة لك من دون المؤمنين ) قال عكرمة : أي : لا تحل الموهوبة لغيرك ، ولو أن امرأة وهبت نفسها لرجل لم تحل له حتى يعطيها شيئا . وكذا قال مجاهد والشعبي وغيرهما .أي : إنها إذا فوضت المرأة نفسها إلى رجل ، فإنه متى دخل بها وجب لها عليه بها مهر مثلها ، كما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق لما فوضت ، فحكم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بصداق مثلها لما توفي عنها زوجها ، والموت والدخول سواء في تقرير المهر وثبوت مهر المثل في المفوضة لغير النبي صلى الله عليه وسلم فأما هو ، عليه السلام ، فإنه لا يجب عليه للمفوضة شيء ولو دخل بها; لأن له أن يتزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود ، كما في قصة زينب بنت جحش ، رضي الله عنها . ولهذا قال قتادة في قوله : ( خالصة لك من دون المؤمنين ) ، يقول : ليس لامرأة تهب نفسها لرجل بغير ولي ولا مهر إلا للنبي صلى الله عليه وسلم .[ وقوله تعالى : ( قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم ) ] قال أبي بن كعب ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة وابن جرير في قوله : ( قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم ) أي : من حصرهم في أربع نسوة حرائر وما شاءوا من الإماء ، واشتراط الولي والمهر والشهود عليهم ، وهم الأمة ، وقد رخصنا لك في ذلك ، فلم نوجب عليك شيئا منه; ( لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما ) .

تفسير الطبري : معنى الآية 50 من سورة الأحزاب


القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) يعني: اللاتي تزوجتهن بصداق مسمى.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله ( أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) قال: صدقاتهن .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) قال: كان كل امرأة آتاها مهرا فقد أحلها الله له.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ .
.
.
) إلى قوله (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) فما كان من هذه التسمية ما شاء كثيرا أو قليلا.
وقوله ( أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ ) يقول: وأحللنا لك إماءك اللواتي سبيتهن، فملكتهن بالسباء، وصرن لك بفتح الله عليك من الفيء ( وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ ) فأحل الله له صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من بنات عمه وعماته وخاله وخالاته، المهاجرات معه منهن دون من لم يهاجر منهن معه.
كما حدثنا أَبو كريب، قال: ثنا عبد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السدي، عن أَبي صالح، عن أم هانئ، قالت: خطبني النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فاعتذرت له بعذري، ثم أنزل الله عليه ( إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ .
.
.
) إلى قوله ( اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ ) قالت: فلم أُحل له؛ لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء.
وقد ذكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود (وَبَنَاتِ خَالاتِكَ وَالَّلاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) بواو، وذلك وإن كان كذلك في قراءته محتمل أن يكون بمعنى قراءتنا بغير الواو، وذلك أن العرب تدخل الواو في نعت من تقدم ذكره أحيانا، كما قال الشاعر:فإنَّ رُشَيدًا وَابْنَ مَرَوَانَ لَم يَكُنْلِيَفْعَلَ حَتَّى يَصْدُرَ الأمْرُ مَصْدَرًا (1)ورشيد هو ابن مروان، وكان الضحاك بن مزاحم يتأول قراءة عبد الله هذه أنهن نوع غير بنات خالاته وأنهن كل مهاجرة هاجرت مع النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم .
ذكر الخبر عنه بذلك:حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في حرف ابن مسعود (وَالَّلاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) يعني بذلك: كل شيء هاجر معه ليس من بنات العم والعمة، ولا من بنات الخال والخالة.
وقوله ( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ) يقول: وأحللنا له امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي بغير صداق.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله ( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ) بغير صداق، فلم يكن يفعل ذلك وأحل له خاصة من دون المؤمنين.
وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ) بغير إن، ومعنى ذلك ومعنى قراءتنا وفيها إن واحد، وذلك كقول القائل في الكلام: لا بأس أن يطأ جارية مملوكة إن ملكها، وجارية مملوكة ملكها.
وقوله ( إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا ) يقول: إن أراد أن ينكحها فحلال له أن ينحكها وإذا وهبت نفسها له بغير مهر (خَالِصَةً لَكَ) يقول: لا يحل لأحد من أمتك أن يقرب امرأة وهبت نفسها له، وإنما ذلك لك يا محمد خالصة أخلصت لك من دون سائر أمتك.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) يقول: ليس لامرأة أن تهب نفسها لرجل بغير أمر ولي ولا مهر، إلا للنبي، كانت له خالصة من دون الناس ويزعمون أنها نزلت في ميمونة بنت الحارث أنها التي وهبت نفسها للنبي.
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ .
.
.
) إلى قوله ( خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) قال: كان كل امرأة آتاها مهرا فقد أحلها الله له إلى أن وهب هؤلاء أنفسهن له، فأحللن له دون المؤمنين بغير مهر خالصة لك من دون المؤمنين إلا امرأة لها زوج.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن صالح بن مسلم، قال: سألت الشعبي عن امرأة وهبت نفسها لرجل، قال: لا يكون لا تحل له، إنما كانت للنبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم .
واختلفت القراء في قراءة قوله: ( إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا ) فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار (إِنْ وَهَبَتْ) بكسر الألف على وجه الجزاء، بمعنى: إن تهب .
وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ: (أَنْ وَهَبَتْ) بفتح الألف، بمعنى: وأحللنا له امرأة مؤمنة أن ينكحها؛ لهبتها له نفسها.
والقراءة التي لا أستجيز خلافها في كسر الألف لإجماع الحجة من القراء عليه.
وأما قوله ( خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) ليس ذلك للمؤمنين، وذكر أن لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قبل أن تنزل عليه هذه الآية أن يتزوج أي النساء شاء، فقصره الله على هؤلاء، فلم يعدهن، وقصر سائر أمته على مثنى وثلاث ورباع.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت داود بن أبي هند، عن محمد بن أَبي موسى، عن زياد رجل من الأنصار، عن أُبَي بن كعب، أن التي أحل الله للنبي من النساء هؤلاء اللاتي ذكر الله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ .
.
.
) إلى قوله (فِي أَزْوَاجِهِمْ) وإنما أحل الله للمؤمنين مثنى وثلاث ورباع.
وحدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أَبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ .
.
.
) إلى آخر الآية، قال: حرم الله عليه ما سوى ذلك من النساء، وكان قبل ذلك ينكح في أي النساء شاء، لم يحرم ذلك عليه، فكان نساؤه يجدن من ذلك وجدا شديدا أن ينكح في أي الناس أحب؛ فلما أنزل الله: إني قد حرمت عليك من الناس سوى ما قصصت عليك أعجب ذلك نساءه.
واختلف أهل العلم في التي وهبت نفسها لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من المؤمنات، وهل كانت عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم امرأة كذلك؟ فقال بعضهم: لم يكن عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين، فأما بالهبة فلم يكن عنده منهن أحد .
* ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، عن عنبسة بن الأزهر، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال لم يكن عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم امرأة وهبت نفسها.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد أنه قال في هذه الآية ( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ) قال: أن تهب.
وأما الذين قالوا: قد كان عنده منهن فإن بعضهم قال: كانت ميمونة بنت الحارث.
وقال بعضهم: هي أم شريك .
وقال بعضهم: زينب بنت خزيمة.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن ابن عباس، قال: ( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ) قال: هي ميمونة بنت الحارث.
وقال بعضهم: زينب بنت خزيمة أم المساكين امرأة من الأنصار.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: ثني الحكم، قال: كتب عبد الملك إلى أهل المدينة يسألهم، قال: فكتب إليه علي، قال شعبة: وهو ظني علي بن حسين، قال: وقد أخبرني به أبان بن تغلب، عن الحكم، أنه علي بن الحسين الذي كتب إليه، قال: هي امرأة من الأسد يقال لها أم شريك، وهبت نفسها للنبي.
قال: ثنا شعبة، قال: ثني عبد الله بن أبي السفر، عن الشعبي، أنها امرأة من الأنصار، وهبت نفسها للنبي، وهي ممن أرجأ.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني سعيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن خولة بنت حكيم بن الأوقص من بني سليم، كانت من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم .
قال: ثني سعيد بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كنا نتحدث أن أم شريك كانت وهبت نفسها للنبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وكانت امرأة صالحة.
وقوله: ( قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ ) يقول تعالى ذكره: قد علمنا ما فرضنا على المؤمنين في أزواجهم إذا أرادوا نكاحهن مما لم نفرضه عليك، وما خصصناهم به من الحكم في ذلك دونك وهو أنا فرضنا عليهم أنه لا يحل لهم عقد نكاح على حرة مسلمة إلا بولي عصبة وشهود عدول، ولا يحل لهم منهن أكثر من أربع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه، قال: ثنا مطهر، قال: ثنا علي بن الحسين، قال: ثني أبي، عن مطر، عن قتادة في قول الله ( قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ ) قال: إن مما فرض الله عليهم أن لا نكاح إلا بولي وشاهدين.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أَبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد ( قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ ) قال: في الأربع.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ ) قال: كان مما فرض الله عليهم أن لا تزوج امرأة إلا بولي وصداق عند شاهدي عدل، ولا يحل لهم من النساء إلا أربع وما ملكت أيمانهم.
وقوله: ( وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) يقول تعالى ذكره: قد علمنا ما فرضنا على المؤمنين في أزواجهم، لأنه لا يحل لهم منهن أكثر من أربع، وما ملكت أيمانهم، فإن جميعهن إذا كن مؤمنات أو كتابيات، لهم حلال بالسباء والتسري وغير ذلك من أسباب الملك.
وقوله ( لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) يقول تعالى ذكره: إنا أحللنا لك يا محمد أزواجك اللواتي ذكرنا في هذه الآية، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي، إن أراد النبي أن يستنكحها؛ لكيلا يكون عليك إثم وضيق في نكاح من نكحت من هؤلاء الأصناف التي أبحت لك نكاحهن من المسميات في هذه الآية، وكان الله غفورا لك ولأهل الإيمان بك، رحيمًا بك وبهم أن يعاقبهم على سالف ذنب منهم سلف بعد توبتهم منه.
------------------------الهوامش:(1) البيت من شواهد الفراء: (معاني القرآن، مصورة الجامعة ص 257) قال عند قوله تعالى: (وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك)، وفي قراءة عبد الله، يعني ابن مسعود: (وبنات خالك وبنات خالاتك واللاتي هاجرن معك) فقد تكون المهاجرات هن بنات الخال والخالة وإن كانت فيه الواو، فقال: واللاتي، والعرب تنعت بالواو وبغير الواو، كما قال الشاعر: (فإن رشيدا وابن مروان .
.
.
إلخ ).
وأنت تقول في الكلام: إن زرت أخًا لك وابن عمك القريب لك؛ وإن قلت: والقريب لك.
كان صوابا.
وقد نقله المؤلف عن الفراء.
وأوضحه بقوله في البيت: ورشيد هو ابن مروان.

ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما

سورة : الأحزاب - الأية : ( 50 )  - الجزء : ( 22 )  -  الصفحة: ( 424 ) - عدد الأيات : ( 73 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: إلا عبادك منهم المخلصين
  2. تفسير: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال
  3. تفسير: فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي
  4. تفسير: قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى
  5. تفسير: أولى لك فأولى
  6. تفسير: وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم
  7. تفسير: فالمدبرات أمرا
  8. تفسير: فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا
  9. تفسير: إنا كذلك نجزي المحسنين
  10. تفسير: ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم

تحميل سورة الأحزاب mp3 :

سورة الأحزاب mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الأحزاب

سورة الأحزاب بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة الأحزاب بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة الأحزاب بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة الأحزاب بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة الأحزاب بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة الأحزاب بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة الأحزاب بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة الأحزاب بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة الأحزاب بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة الأحزاب بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب