سورة الأحزاب | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 424 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 424
425
423
الآية : 45 -48
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا النّبِيّ إِنّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مّنِيراً * وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنّ لَهُمْ مّنَ اللّهِ فَضْلاً كِبِيراً * وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكّـلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَىَ بِاللّهِ وَكِـيلاً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: يا مـحمد إنّا أرْسَلْنَاكَ شَاهِدا علـى أمتك بإبلاغك إياهم ما أرسلناك به من الرسالة, ومبشرهم بـالـجنة إن صدّقوك وعملوا بـما جئتهم به من عند ربك, وَنَذِيرا من النار أن يدخـلوها, فـيعذّبوا بها إن هم كذّبوك, وخالفوا ما جئتهم به من عند الله. وبـالذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21763ـ حدثتا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة يا أيّها النّبِـيّ إنّا أرْسَلْناكَ شاهِدا علـى أمتك بـالبلاغ, ومبشرا بـالـجنة, وَنَذِيرا بـالنار.
وقوله: وَدَاعِيا إلـى اللّهِ يقول: وداعيا إلـى توحيد الله, وإفراد الألوهة له, وإخلاص الطاعة لوجهه دون كلّ من سواه من الاَلهة والأوثان, كما:
21764ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَدَاعِيا إلـى اللّهِ إلـى شهادة أن لا إله إلا الله.
وقوله: بأذْنِهِ يقول: بأمره إياك بذلك وَسِرَاجا مُنِـيرا يقول: وضياء لـخـلقه يستضيء بـالنور الذي أتـيتهم به من عند الله عبـاده مُنِـيرا يقول: ضياء ينـير لـمن استضاء بضوئه, وعمل بـما أمره. وإنـما يعنـي بذلك, أنه يهدي به من اتبعه من أمته. وقوله: وَبَشّرِ الـمُؤْمِنِـينَ بأنّ لَهُمْ مِنَ اللّهِ فَضْلاً كَبِـيرا يقول تعالـى ذكره: وبشّر أهل الإيـمان بـالله يا مـحمد بأن لهم من الله فضلاً كبـيرا يقول: بأن لهم من ثواب الله علـى طاعتهم إياه تضعيفـا كثـيرا, وذلك هو الفضل الكبـير من الله لهم. وقوله: وَلا تُطِعِ الكافِرِينَ وَالـمُنافِقِـينَ يقول: ولا تطع لقول كافر ولا منافق, فتسمع منه دعاءه إياك إلـى التقصير فـي تبلـيغ رسالات الله إلـى من أرسلك بها إلـيه من خـلقه وَدَعْ أذَاهُمْ يقول: وأعرض عن أذاهم لك, واصبر علـيه, ولا يـمنعك ذلك عن القـيام بأمر الله فـي عبـاده, والنفوذ لـما كلّفك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21765ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَدَعْ أذَاهُمْ قال: أعرض عنهم.
21766ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَدَعْ أذَاهُمْ: أي اصبر علـى أذاهم.
وقوله: وَتَوَكّلْ علـى اللّهِ يقول: وفوّض إلـى الله أمورك, وثق به, فإنه كافـيك جميع من دونه, حتـى يأتـيك بأمره وقضاؤه وكَفَـى بِـاللّهِ وَكِيلاً يقول: وحسبك بـالله قـيـما بأمورك, وحافظا لك وكالئا.
الآية : 49
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسّوهُنّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّونَهَا فَمَتّعُوهُنّ وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحاً جَمِيلاً }.
يقول تعالـى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله إذَا نَكَحْتُـمُ الـمُؤْمِناتِ ثُمّ طَلّقْتُـمُوهُنّ مِنْ قَبْلِ أنْ تَـمَسّوهُنّ يعنـي من قبل أن تـجامعوهنّ فَمَا لَكُمْ عَلَـيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّوَنها يعنـي: من إحصاء أقراء, ولا أشهر تـحصونها علـيهنّ, فمتعوهنّ يقول: أعطوهنّ ما يستـمتعن به من عرض أو عين مال. وقوله: وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحا جَمِيلاً يقول: وخـلوا سبـيـلهنّ تـخـلـية بـالـمعروف, وهو التسريح الـجميـل. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21767ـ حدثنا علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُـمُ الـمُؤْمِناتِ ثُمّ طَلّقْتُـمُوهُنّ مِنْ قَبْل أنْ تَـمَسّوهُنّ فَمَا لَكُمْ عَلَـيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّوَنها فهذا فـي الرجل يتزوّج الـمرأة, ثم يطلقها من قبل أن يـمسها, فإذا طلقها واحدة بـانت منه, ولا عدّة علـيها تتزوّج من شاءت, ثم قرأ: فَمَتّعُوهُنّ وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحا جَمِيلاً يقول: إن كان سمى لها صداقا, فلـيس لها إلا النصف, فإن لـم يكن سمى لها صداقا, متّعها علـى قدر عسره ويُسره, وهو السراح الـجميـل.
وقال بعضهم: الـمتعة فـي هذا الـموضع منسوخة بقوله: فَنِصْفُ ما فَرَضْتُـمْ. ذكر من قال ذلك:
21768ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُـمُ الـمُؤْمِنات... إلـى قوله: سَرَاحا جَمِيلاً قال: قال سعيد بن الـمسيب: ثم نسخ هذا الـحرف الـمتعة وَإنْ طَلّقْتُـمُوهُنّ مِنْ قَبْل أنَ تَـمَسّوهُنّ وَقَدْ فَرَضْتُـمْ لَهُنّ فَريضَةً فنِصْفُ ما فَرَضْتُـمْ.
حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى, قالا: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, قال: سمعت قتادة يحدّث عن سعيد بن الـمسيب, قال: نسخت هذه الاَية يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُـمُ الـمُؤْمِناتِ ثُمّ طَلّقْتُـمُوهُنّ مِنْ قَبْل أنْ تَـمَسّوهُنّ فَمَا لَكُمْ عَلَـيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّوَنها فَمَتّعُوهُنّ قال: نسخت هذه الاَية التـي فـي البقرة.
الآية : 50
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا النّبِيّ إِنّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاّتِيَ آتَيْتَ أُجُورَهُنّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمّآ أَفَآءَ اللّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمّكَ وَبَنَاتِ عَمّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ اللاّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنّبِيّ إِنْ أَرَادَ النّبِيّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيَ أَزْوَاجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: يا أيّها النّبِـيّ إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ اللاّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنّ يعنـي: اللاتـي تزوّجتهنّ بصداق مسمى, كما:
21769ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: أزْوَاجَكَ اللاّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنّ قال: صدقاتهنّ.
21770ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: يا أيّهَا النّبِـيّ إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ اللاّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنّ قال: كان كل امرأة آتاها مهرا, فقد أحلها الله له.
21771ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: يا أيّها النّبِـيّ إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزَوَاجَكَ اللاّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنّ... إلـى قوله: خِالصَةً لَكَ مِنْ دُون الـمُؤْمِنِـينَ فما كان من هذه التسمية ما شاء كثـيرا أو قلـيلاً.
وقوله: وَما مَلَكَتْ يَـمِينُكَ مـمّا أفـاءَ اللّهُ عَلَـيْكَ يقول: وأحللنا لك إماءك اللواتـي سبـيتهنّ, فملكتهنّ بـالسبـاء, وصرن لك بفتـح الله علـيك من الفـيء وَبَناتِ عَمّكَ وَبَناتِ عَمّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وبَناتِ خالاتِكَ اللاّتـي هاجَرْنَ مَعَكَ فأحلّ الله له صلى الله عليه وسلم من بنات عمه وعماته وخاله وخالاته, الـمهاجرات معه منهنّ دون من لـم يهاجر منهنّ معه, كما:
21772ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عبد الله بن موسى, عن إسرائيـل, عن السدي, عن أبـي صالـح, عن أمّ هانىء, قالت: خطبنـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فـاعتذرت له بعذري, ثم أنزل الله علـيه: إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ اللاّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنّ... إلـى قوله اللاّتِـي هاجَرْنَ مَعَكَ قالت: فلـم أحلّ له, لـم أهاجر معه, كنت من الطلقاء.
وقد ذُكر أن ذلك فـي قراءة ابن مسعود: «وَبَناتِ خالاتِكَ وَاللاّتِـي هاجَرْنَ مَعَكَ» بواو وذلك وإن كان كذلك فـي قراءته مـحتـمل أن يكون بـمعنى قراءتنا بغير الواو, وذلك أن العرب تدخـل الواو فـي نعت من قد تقدم ذكره أحيانا, كما قال الشاعر:
فإِنّ رُشيدا وَابنَ مَرْوَانَ لَـمْ يَكُنْلِـيَفْعَلَ حتـى يَصْدُرَ الأَمْرُ مَصْدَرَا
ورشيد هو ابن مروان. وكان الضحاك بن مزاحم يتأوّل قراءة عبد الله هذه أنهنّ نوع غير بنات خالاته, وأنهنّ كل مهاجرة هاجرت مع النبـيّ صلى الله عليه وسلم. ذكر الـخبر عنه بذلك:
21773ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي حرف ابن مسعود: «وَاللاّتِـي هاجَرْنَ مَعَكَ» يعنـي بذلك: كلّ شيء هاجر معه لـيس من بنات العمّ والعمة, ولا من بنات الـخال والـخالة.
وقوله: وَامْرأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبِـيّ يقول: وأحللنا له امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبـي بغير صداق, كما:
21774ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَامْرأةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبِـيّ بغير صداق, فلـم يكن يفعل ذلك, وأحلّ له خاصة من دون الـمؤمنـين.
وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد الله: «وَامْرأةً مُؤْمِنَةً وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبِـيّ» بغير إن, ومعنى ذلك ومعنى قراءتنا وفـيها «إن» واحد, وذلك كقول القائل فـي الكلام: لا بأس أن يطأ جارية مـملوكة إن ملكها, وجارية مـملوكة ملكها.
وقوله إنْ أرَادَ النّبِـيّ أنْ يَسْتَنْكِحَها يقول: إن أراد أن ينكحها, فحلال له أن ينكحها إذا وهبت نفسها له بغير مهر خالِصَةً لَكَ يقول: لا يحلّ لأحد من أمّتك أن يقرب امرأة وهبت نفسها له, وإنـما ذلك لك يا مـحمد خالصة أخـلصت لك من دون سائر أمتك, كما:
21775ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الـمُؤْمِنِـينَ يقول: لـيس لامرأة أن تهب نفسها لرجل بغير أمر ولـيّ ولا مهر, إلا للنبـيّ, كانت له خالصة من دون الناس. ويزعمون أنها نزلت فـي ميـمونة بنت الـحارث أنها التـي وهبت نفسها للنبـيّ.
21776ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: يا أيّها النّبِـيّ إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ... إلـى قوله خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الـمُؤْمِنِـينَ قال: كان كل امرأة آتاها مهرا فقد أحلها الله له إلـى أن وهب هؤلاء أنفسهنّ له, فأحللن له دون الـمؤمنـين بغير مهر خالصة لك من دون الـمؤمنـين إلا امرأة لها زوج.
21777ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن صالـح بن مسلـم, قال: سألت الشعبـي عن امرأة وهبت نفسها لرجل, قال: لا يكون, لا تـحلّ له, إنـما كانت للنبـيّ صلى الله عليه وسلم.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار: إنْ وَهَبَتْ بكسر الألف علـى وجه الـجزاء, بـمعنى: إن تهب. وذُكر عن الـحسن البصري أنه قرأ: «أنْ وَهَبَتْ» بفتـح الألف, بـمعنى: وأحللنا له امرأة مؤمنة أن ينكحها, لهبتها له نفسها.
والقراءة التـي لا أستـجيز خلافها فـي كسر الألف لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه.
وأما قوله: خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الـمُؤْمِنِـينَ لـيس ذلك للـمؤمنـين. وذُكر أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تنزل علـيه هذه الاَية أن يتزوّج أيّ النساء شاء, فقصره الله علـى هؤلاء, فلـم يعدُهن, وقصر سائر أمته علـى مثنى وثلاث ورُبـاع. ذكر من قال ذلك:
21778ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, قال: سمعت داود بن أبـي هند, عن مـحمد بن أبـي موسى, عن زياد رجل من الأنصار, عن أبـيّ بن كعب, أن التـي أحلّ الله للنبـيّ من النساء هؤلاء اللاتـي ذكر الله يا أيّها النّبِـيّ إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ اللاّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنّ... إلـى قوله: فِـي أزْوَاجِهِمْ وإنـما أحلّ الله للـمؤمنـين مثنى وثُلاث ورُبـاع.
21779ـ وحدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: يا أيّها النّبِـيّ إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ... إلـى آخر الاَية, قال: حرّم الله علـيه ما سوى ذلك من النساء وكان قبل ذلك ينكح فـي أيّ النساء شاء, لـم يحرّم ذلك علـيه, فكان نساؤه يجدن من ذلك وجدا شديدا أن ينكح فـي أيّ الناس أحبّ فلـما أنزل الله: إنـي قد حرّمت علـيك من الناس سوى ما قصصت علـيك, أعجب ذلك نساءه.
واختلف أهل العلـم فـي التـي وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الـمؤمنات, وهل كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة كذلك؟ فقال بعضهم: لـم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يـمين, فأما بـالهبة فلـم يكن عنده منهنّ أحد. ذكر من قال ذلك:
21780ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, عن عنبسة بن الأزهر, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: لـم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها.
21781ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, عن مـجاهد, أنه قال فـي هذه الاَية: وَامْرأةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبِـيّ قال: أن تهب.
وأما الذين قالوا: قد كان عنده منهن, فإن بعضهم قال: كانت ميـمونة بنت الـحارث. وقال بعضهم: هي أمّ شريك. وقال بعضهم: زينب بنت خزيـمة. ذكر من قال ذلك:
21782ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن ابن عبـاس, قال: وَامْرأةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبِـيّ قال: هي ميـمونة بنت الـحارث.
وقال بعضهم: زينب بنت خزيـمة أمّ الـمساكين امرأة من الأنصار.
21783ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, قال: ثنـي الـحكم, قال: كتب عبد الـملك إلـى أهل الـمدينة يسألهم, قال: فكتب إلـيه علـيّ, قال شعبة: وهو ظنـي علـيّ بن حسين, قال: وقد أخبرنـي به أبـان بن تغلب, عن الـحكم, أنه علـيّ بن الـحسين, الذي كتب إلـيه, قال: هي امرأة من الأسد يقال لها أمّ شريك, وهبت نفسها للنبـيّ.
21784ـ قال: ثنا شعبة, قال: ثنـي عبد الله بن أبـي السفر, عن الشعبـي, أنها امرأة من الأنصار, وهبت نفسها للنبـيّ, وهي مـمن أرجأ.
21785ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي سعيد, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, عن خولة بنت حكيـم بن الأوقص من بنـي سلـيـم, كانت من اللاتـي وهبن أنفسهنّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
21786ـ قال: ثنـي سعيد بن أبـي الزناد, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, قال: كنا نتـحدّث أن أمّ شريك كانت وهبت نفسها للنبـيّ صلى الله عليه وسلم, وكانت امرأة صالـحة.
وقوله: قَدْ عَلِـمْنا ما فَرَضْنا عَلَـيْهِمْ فِـي أزْوَاجِهِمْ يقول تعالـى ذكره: قد علـمنا ما فرضنا علـى الـمؤمنـين فـي أزواجهم إذا أرادوا نكاحهنّ مـما لـم نفرضه علـيك, وما خصصناهم به من الـحكم فـي ذلك دونك, وهو أنا فرضنا علـيهم أنه لا يحلّ لهم عقد نكاح علـى حرّة مسلـمة إلا بولـيّ عَصَبة وشهود عدول, ولا يحلّ لهم منهنّ أكثر من أربع. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21787ـ حدثنـي عبد الله بن أحمد بن شبوّيَه, قال: حدثنا مطهر, قال: حدثنا علـيّ بن الـحسين, قال: ثنـي أبـي, عن مطر, عن قتادة, فـي قول الله: قَدْ عَلِـمْنا ما فَرَضْنا عَلَـيْهِمْ فِـي أزْوَاجِهِمْ قال: إن مـما فرض الله علـيهم أن لا نكاح إلا بولـيّ وشاهدين.
21788ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد قَدْ عَلِـمْنا ما فَرَضْنا عَلَـيْهِمْ فِـي أزْوَاجِهِمْ قال: فـي الأربع.
21789ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله قَدْ عَلِـمْنا ما فَرَضْنا عَلَـيْهِمْ فِـي أزْوَاجِهِمْ قال: كان مـما فرض الله علـيهم أن لا تزوّج امرأة إلا بولـيّ وصداق عند شاهدي عدل, ولا يحلّ لهم من النساء إلا أربع, وما ملكت أيـمانهم.
وقوله: وَما مَلَكَتْ أيـمانُهُمْ يقول تعالـى ذكره: قد علـمنا ما فرضنا علـى الـمؤمنـين فـي أزواجهم, لأنه لا يحلّ لهم منهنّ أكثر من أربع, وما ملكت أيـمانهم, فإن جميعهن إذا كنّ مؤمنات أو كتابـيات, لهم حلال بـالسبـاء والتسرّي وغير ذلك من أسبـاب الـملك. وقوله: لِكَيْلا يَكُونَ عَلَـيْكَ حَرَجٌ وكانَ اللّهُ غَفُورا رَحِيـما يقول تعالـى ذكره: إنا أحللنا لك يا مـحمد أزواجك اللواتـي ذكرنا فـي هذه الاَية, وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبـيّ, إن أراد النبـيّ أن يستنكحها, لكيلا يكون علـيك إثم وضيق فـي نكاح من نكحت من هؤلاء الأصناف التـي أبحت لك نكاحهنّ من الـمسميّات فـي هذه الاَية, وكان الله غفورا لك ولأهل الإيـمان بك, رحيـما بك وبهم أن يعاقبهم علـى سالف ذنب منهم سلف بعد توبتهم منه
425
423
الآية : 45 -48
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا النّبِيّ إِنّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مّنِيراً * وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنّ لَهُمْ مّنَ اللّهِ فَضْلاً كِبِيراً * وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكّـلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَىَ بِاللّهِ وَكِـيلاً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: يا مـحمد إنّا أرْسَلْنَاكَ شَاهِدا علـى أمتك بإبلاغك إياهم ما أرسلناك به من الرسالة, ومبشرهم بـالـجنة إن صدّقوك وعملوا بـما جئتهم به من عند ربك, وَنَذِيرا من النار أن يدخـلوها, فـيعذّبوا بها إن هم كذّبوك, وخالفوا ما جئتهم به من عند الله. وبـالذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21763ـ حدثتا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة يا أيّها النّبِـيّ إنّا أرْسَلْناكَ شاهِدا علـى أمتك بـالبلاغ, ومبشرا بـالـجنة, وَنَذِيرا بـالنار.
وقوله: وَدَاعِيا إلـى اللّهِ يقول: وداعيا إلـى توحيد الله, وإفراد الألوهة له, وإخلاص الطاعة لوجهه دون كلّ من سواه من الاَلهة والأوثان, كما:
21764ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَدَاعِيا إلـى اللّهِ إلـى شهادة أن لا إله إلا الله.
وقوله: بأذْنِهِ يقول: بأمره إياك بذلك وَسِرَاجا مُنِـيرا يقول: وضياء لـخـلقه يستضيء بـالنور الذي أتـيتهم به من عند الله عبـاده مُنِـيرا يقول: ضياء ينـير لـمن استضاء بضوئه, وعمل بـما أمره. وإنـما يعنـي بذلك, أنه يهدي به من اتبعه من أمته. وقوله: وَبَشّرِ الـمُؤْمِنِـينَ بأنّ لَهُمْ مِنَ اللّهِ فَضْلاً كَبِـيرا يقول تعالـى ذكره: وبشّر أهل الإيـمان بـالله يا مـحمد بأن لهم من الله فضلاً كبـيرا يقول: بأن لهم من ثواب الله علـى طاعتهم إياه تضعيفـا كثـيرا, وذلك هو الفضل الكبـير من الله لهم. وقوله: وَلا تُطِعِ الكافِرِينَ وَالـمُنافِقِـينَ يقول: ولا تطع لقول كافر ولا منافق, فتسمع منه دعاءه إياك إلـى التقصير فـي تبلـيغ رسالات الله إلـى من أرسلك بها إلـيه من خـلقه وَدَعْ أذَاهُمْ يقول: وأعرض عن أذاهم لك, واصبر علـيه, ولا يـمنعك ذلك عن القـيام بأمر الله فـي عبـاده, والنفوذ لـما كلّفك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21765ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَدَعْ أذَاهُمْ قال: أعرض عنهم.
21766ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَدَعْ أذَاهُمْ: أي اصبر علـى أذاهم.
وقوله: وَتَوَكّلْ علـى اللّهِ يقول: وفوّض إلـى الله أمورك, وثق به, فإنه كافـيك جميع من دونه, حتـى يأتـيك بأمره وقضاؤه وكَفَـى بِـاللّهِ وَكِيلاً يقول: وحسبك بـالله قـيـما بأمورك, وحافظا لك وكالئا.
الآية : 49
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسّوهُنّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّونَهَا فَمَتّعُوهُنّ وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحاً جَمِيلاً }.
يقول تعالـى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله إذَا نَكَحْتُـمُ الـمُؤْمِناتِ ثُمّ طَلّقْتُـمُوهُنّ مِنْ قَبْلِ أنْ تَـمَسّوهُنّ يعنـي من قبل أن تـجامعوهنّ فَمَا لَكُمْ عَلَـيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّوَنها يعنـي: من إحصاء أقراء, ولا أشهر تـحصونها علـيهنّ, فمتعوهنّ يقول: أعطوهنّ ما يستـمتعن به من عرض أو عين مال. وقوله: وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحا جَمِيلاً يقول: وخـلوا سبـيـلهنّ تـخـلـية بـالـمعروف, وهو التسريح الـجميـل. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21767ـ حدثنا علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُـمُ الـمُؤْمِناتِ ثُمّ طَلّقْتُـمُوهُنّ مِنْ قَبْل أنْ تَـمَسّوهُنّ فَمَا لَكُمْ عَلَـيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّوَنها فهذا فـي الرجل يتزوّج الـمرأة, ثم يطلقها من قبل أن يـمسها, فإذا طلقها واحدة بـانت منه, ولا عدّة علـيها تتزوّج من شاءت, ثم قرأ: فَمَتّعُوهُنّ وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحا جَمِيلاً يقول: إن كان سمى لها صداقا, فلـيس لها إلا النصف, فإن لـم يكن سمى لها صداقا, متّعها علـى قدر عسره ويُسره, وهو السراح الـجميـل.
وقال بعضهم: الـمتعة فـي هذا الـموضع منسوخة بقوله: فَنِصْفُ ما فَرَضْتُـمْ. ذكر من قال ذلك:
21768ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُـمُ الـمُؤْمِنات... إلـى قوله: سَرَاحا جَمِيلاً قال: قال سعيد بن الـمسيب: ثم نسخ هذا الـحرف الـمتعة وَإنْ طَلّقْتُـمُوهُنّ مِنْ قَبْل أنَ تَـمَسّوهُنّ وَقَدْ فَرَضْتُـمْ لَهُنّ فَريضَةً فنِصْفُ ما فَرَضْتُـمْ.
حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى, قالا: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, قال: سمعت قتادة يحدّث عن سعيد بن الـمسيب, قال: نسخت هذه الاَية يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُـمُ الـمُؤْمِناتِ ثُمّ طَلّقْتُـمُوهُنّ مِنْ قَبْل أنْ تَـمَسّوهُنّ فَمَا لَكُمْ عَلَـيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّوَنها فَمَتّعُوهُنّ قال: نسخت هذه الاَية التـي فـي البقرة.
الآية : 50
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا النّبِيّ إِنّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاّتِيَ آتَيْتَ أُجُورَهُنّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمّآ أَفَآءَ اللّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمّكَ وَبَنَاتِ عَمّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ اللاّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنّبِيّ إِنْ أَرَادَ النّبِيّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيَ أَزْوَاجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: يا أيّها النّبِـيّ إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ اللاّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنّ يعنـي: اللاتـي تزوّجتهنّ بصداق مسمى, كما:
21769ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: أزْوَاجَكَ اللاّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنّ قال: صدقاتهنّ.
21770ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: يا أيّهَا النّبِـيّ إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ اللاّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنّ قال: كان كل امرأة آتاها مهرا, فقد أحلها الله له.
21771ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: يا أيّها النّبِـيّ إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزَوَاجَكَ اللاّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنّ... إلـى قوله: خِالصَةً لَكَ مِنْ دُون الـمُؤْمِنِـينَ فما كان من هذه التسمية ما شاء كثـيرا أو قلـيلاً.
وقوله: وَما مَلَكَتْ يَـمِينُكَ مـمّا أفـاءَ اللّهُ عَلَـيْكَ يقول: وأحللنا لك إماءك اللواتـي سبـيتهنّ, فملكتهنّ بـالسبـاء, وصرن لك بفتـح الله علـيك من الفـيء وَبَناتِ عَمّكَ وَبَناتِ عَمّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وبَناتِ خالاتِكَ اللاّتـي هاجَرْنَ مَعَكَ فأحلّ الله له صلى الله عليه وسلم من بنات عمه وعماته وخاله وخالاته, الـمهاجرات معه منهنّ دون من لـم يهاجر منهنّ معه, كما:
21772ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عبد الله بن موسى, عن إسرائيـل, عن السدي, عن أبـي صالـح, عن أمّ هانىء, قالت: خطبنـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فـاعتذرت له بعذري, ثم أنزل الله علـيه: إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ اللاّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنّ... إلـى قوله اللاّتِـي هاجَرْنَ مَعَكَ قالت: فلـم أحلّ له, لـم أهاجر معه, كنت من الطلقاء.
وقد ذُكر أن ذلك فـي قراءة ابن مسعود: «وَبَناتِ خالاتِكَ وَاللاّتِـي هاجَرْنَ مَعَكَ» بواو وذلك وإن كان كذلك فـي قراءته مـحتـمل أن يكون بـمعنى قراءتنا بغير الواو, وذلك أن العرب تدخـل الواو فـي نعت من قد تقدم ذكره أحيانا, كما قال الشاعر:
فإِنّ رُشيدا وَابنَ مَرْوَانَ لَـمْ يَكُنْلِـيَفْعَلَ حتـى يَصْدُرَ الأَمْرُ مَصْدَرَا
ورشيد هو ابن مروان. وكان الضحاك بن مزاحم يتأوّل قراءة عبد الله هذه أنهنّ نوع غير بنات خالاته, وأنهنّ كل مهاجرة هاجرت مع النبـيّ صلى الله عليه وسلم. ذكر الـخبر عنه بذلك:
21773ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي حرف ابن مسعود: «وَاللاّتِـي هاجَرْنَ مَعَكَ» يعنـي بذلك: كلّ شيء هاجر معه لـيس من بنات العمّ والعمة, ولا من بنات الـخال والـخالة.
وقوله: وَامْرأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبِـيّ يقول: وأحللنا له امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبـي بغير صداق, كما:
21774ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَامْرأةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبِـيّ بغير صداق, فلـم يكن يفعل ذلك, وأحلّ له خاصة من دون الـمؤمنـين.
وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد الله: «وَامْرأةً مُؤْمِنَةً وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبِـيّ» بغير إن, ومعنى ذلك ومعنى قراءتنا وفـيها «إن» واحد, وذلك كقول القائل فـي الكلام: لا بأس أن يطأ جارية مـملوكة إن ملكها, وجارية مـملوكة ملكها.
وقوله إنْ أرَادَ النّبِـيّ أنْ يَسْتَنْكِحَها يقول: إن أراد أن ينكحها, فحلال له أن ينكحها إذا وهبت نفسها له بغير مهر خالِصَةً لَكَ يقول: لا يحلّ لأحد من أمّتك أن يقرب امرأة وهبت نفسها له, وإنـما ذلك لك يا مـحمد خالصة أخـلصت لك من دون سائر أمتك, كما:
21775ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الـمُؤْمِنِـينَ يقول: لـيس لامرأة أن تهب نفسها لرجل بغير أمر ولـيّ ولا مهر, إلا للنبـيّ, كانت له خالصة من دون الناس. ويزعمون أنها نزلت فـي ميـمونة بنت الـحارث أنها التـي وهبت نفسها للنبـيّ.
21776ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: يا أيّها النّبِـيّ إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ... إلـى قوله خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الـمُؤْمِنِـينَ قال: كان كل امرأة آتاها مهرا فقد أحلها الله له إلـى أن وهب هؤلاء أنفسهنّ له, فأحللن له دون الـمؤمنـين بغير مهر خالصة لك من دون الـمؤمنـين إلا امرأة لها زوج.
21777ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن صالـح بن مسلـم, قال: سألت الشعبـي عن امرأة وهبت نفسها لرجل, قال: لا يكون, لا تـحلّ له, إنـما كانت للنبـيّ صلى الله عليه وسلم.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار: إنْ وَهَبَتْ بكسر الألف علـى وجه الـجزاء, بـمعنى: إن تهب. وذُكر عن الـحسن البصري أنه قرأ: «أنْ وَهَبَتْ» بفتـح الألف, بـمعنى: وأحللنا له امرأة مؤمنة أن ينكحها, لهبتها له نفسها.
والقراءة التـي لا أستـجيز خلافها فـي كسر الألف لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه.
وأما قوله: خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الـمُؤْمِنِـينَ لـيس ذلك للـمؤمنـين. وذُكر أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تنزل علـيه هذه الاَية أن يتزوّج أيّ النساء شاء, فقصره الله علـى هؤلاء, فلـم يعدُهن, وقصر سائر أمته علـى مثنى وثلاث ورُبـاع. ذكر من قال ذلك:
21778ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, قال: سمعت داود بن أبـي هند, عن مـحمد بن أبـي موسى, عن زياد رجل من الأنصار, عن أبـيّ بن كعب, أن التـي أحلّ الله للنبـيّ من النساء هؤلاء اللاتـي ذكر الله يا أيّها النّبِـيّ إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ اللاّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنّ... إلـى قوله: فِـي أزْوَاجِهِمْ وإنـما أحلّ الله للـمؤمنـين مثنى وثُلاث ورُبـاع.
21779ـ وحدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: يا أيّها النّبِـيّ إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ... إلـى آخر الاَية, قال: حرّم الله علـيه ما سوى ذلك من النساء وكان قبل ذلك ينكح فـي أيّ النساء شاء, لـم يحرّم ذلك علـيه, فكان نساؤه يجدن من ذلك وجدا شديدا أن ينكح فـي أيّ الناس أحبّ فلـما أنزل الله: إنـي قد حرّمت علـيك من الناس سوى ما قصصت علـيك, أعجب ذلك نساءه.
واختلف أهل العلـم فـي التـي وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الـمؤمنات, وهل كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة كذلك؟ فقال بعضهم: لـم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يـمين, فأما بـالهبة فلـم يكن عنده منهنّ أحد. ذكر من قال ذلك:
21780ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, عن عنبسة بن الأزهر, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: لـم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها.
21781ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, عن مـجاهد, أنه قال فـي هذه الاَية: وَامْرأةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبِـيّ قال: أن تهب.
وأما الذين قالوا: قد كان عنده منهن, فإن بعضهم قال: كانت ميـمونة بنت الـحارث. وقال بعضهم: هي أمّ شريك. وقال بعضهم: زينب بنت خزيـمة. ذكر من قال ذلك:
21782ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن ابن عبـاس, قال: وَامْرأةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبِـيّ قال: هي ميـمونة بنت الـحارث.
وقال بعضهم: زينب بنت خزيـمة أمّ الـمساكين امرأة من الأنصار.
21783ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, قال: ثنـي الـحكم, قال: كتب عبد الـملك إلـى أهل الـمدينة يسألهم, قال: فكتب إلـيه علـيّ, قال شعبة: وهو ظنـي علـيّ بن حسين, قال: وقد أخبرنـي به أبـان بن تغلب, عن الـحكم, أنه علـيّ بن الـحسين, الذي كتب إلـيه, قال: هي امرأة من الأسد يقال لها أمّ شريك, وهبت نفسها للنبـيّ.
21784ـ قال: ثنا شعبة, قال: ثنـي عبد الله بن أبـي السفر, عن الشعبـي, أنها امرأة من الأنصار, وهبت نفسها للنبـيّ, وهي مـمن أرجأ.
21785ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي سعيد, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, عن خولة بنت حكيـم بن الأوقص من بنـي سلـيـم, كانت من اللاتـي وهبن أنفسهنّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
21786ـ قال: ثنـي سعيد بن أبـي الزناد, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, قال: كنا نتـحدّث أن أمّ شريك كانت وهبت نفسها للنبـيّ صلى الله عليه وسلم, وكانت امرأة صالـحة.
وقوله: قَدْ عَلِـمْنا ما فَرَضْنا عَلَـيْهِمْ فِـي أزْوَاجِهِمْ يقول تعالـى ذكره: قد علـمنا ما فرضنا علـى الـمؤمنـين فـي أزواجهم إذا أرادوا نكاحهنّ مـما لـم نفرضه علـيك, وما خصصناهم به من الـحكم فـي ذلك دونك, وهو أنا فرضنا علـيهم أنه لا يحلّ لهم عقد نكاح علـى حرّة مسلـمة إلا بولـيّ عَصَبة وشهود عدول, ولا يحلّ لهم منهنّ أكثر من أربع. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21787ـ حدثنـي عبد الله بن أحمد بن شبوّيَه, قال: حدثنا مطهر, قال: حدثنا علـيّ بن الـحسين, قال: ثنـي أبـي, عن مطر, عن قتادة, فـي قول الله: قَدْ عَلِـمْنا ما فَرَضْنا عَلَـيْهِمْ فِـي أزْوَاجِهِمْ قال: إن مـما فرض الله علـيهم أن لا نكاح إلا بولـيّ وشاهدين.
21788ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد قَدْ عَلِـمْنا ما فَرَضْنا عَلَـيْهِمْ فِـي أزْوَاجِهِمْ قال: فـي الأربع.
21789ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله قَدْ عَلِـمْنا ما فَرَضْنا عَلَـيْهِمْ فِـي أزْوَاجِهِمْ قال: كان مـما فرض الله علـيهم أن لا تزوّج امرأة إلا بولـيّ وصداق عند شاهدي عدل, ولا يحلّ لهم من النساء إلا أربع, وما ملكت أيـمانهم.
وقوله: وَما مَلَكَتْ أيـمانُهُمْ يقول تعالـى ذكره: قد علـمنا ما فرضنا علـى الـمؤمنـين فـي أزواجهم, لأنه لا يحلّ لهم منهنّ أكثر من أربع, وما ملكت أيـمانهم, فإن جميعهن إذا كنّ مؤمنات أو كتابـيات, لهم حلال بـالسبـاء والتسرّي وغير ذلك من أسبـاب الـملك. وقوله: لِكَيْلا يَكُونَ عَلَـيْكَ حَرَجٌ وكانَ اللّهُ غَفُورا رَحِيـما يقول تعالـى ذكره: إنا أحللنا لك يا مـحمد أزواجك اللواتـي ذكرنا فـي هذه الاَية, وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبـيّ, إن أراد النبـيّ أن يستنكحها, لكيلا يكون علـيك إثم وضيق فـي نكاح من نكحت من هؤلاء الأصناف التـي أبحت لك نكاحهنّ من الـمسميّات فـي هذه الاَية, وكان الله غفورا لك ولأهل الإيـمان بك, رحيـما بك وبهم أن يعاقبهم علـى سالف ذنب منهم سلف بعد توبتهم منه
الصفحة رقم 424 من المصحف تحميل و استماع mp3