تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله ..
﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ۚ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ﴾
[ سورة المائدة: 53]
معنى و تفسير الآية 53 من سورة المائدة : ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله .
تفسير الجلالين | التفسير الميسر | تفسير السعدي |
تفسير البغوي | التفسير الوسيط | تفسير ابن كثير |
تفسير الطبري | تفسير القرطبي | إعراب الآية |
تفسير السعدي : ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله
{ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا ْ} متعجبين من حال هؤلاء الذين في قلوبهم مرض: { أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ْ}- أي: حلفوا وأكدوا حلفهم، وغلظوه بأنواع التأكيدات: إنهم لمعكم في الإيمان، وما يلزمه من النصرة والمحبة والموالاة، ظهر ما أضمروه، وتبين ما أسروه، وصار كيدهم الذي كادوه، وظنهم الذي ظنوه بالإسلام وأهله -باطلا، فبطل كيدهم وبطلت { أَعْمَالُهُمْ ْ} في الدنيا { فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ ْ} حيث فاتهم مقصودهم، وحضرهم الشقاء والعذاب.
تفسير البغوي : مضمون الآية 53 من سورة المائدة
( و ) حينئذ ، ( ويقول الذين آمنوا ) [ قرأ أهل الكوفة : " ويقول " بالواو والرفع ] وقرأ أهل البصرة بالواو ونصب اللام عطفا على ) ( أن يأتي ) أي : وعسى أن يقول الذين آمنوا ، وقرأ الآخرون بحذف الواو ورفع اللام ، وكذلك هو في مصاحف أهل [ العالية ] استغناء عن حرف العطف بملابسة هذه الآية بما قبلها ، يعني يقول الذين آمنوا في وقت إظهار الله تعالى نفاق المنافقين ( أهؤلاء الذين أقسموا بالله ) حلفوا بالله ، ) ( جهد أيمانهم ) أي : حلفوا بأغلظ الأيمان ، ) ( إنهم لمعكم ) أي : إنهم مؤمنون ، يريد : أن المؤمنين حينئذ يتعجبون من كذبهم وحلفهم بالباطل . قال الله تعالى : ) ( حبطت أعمالهم ) بطل كل خير عملوه ، ) ( فأصبحوا خاسرين ) خسروا الدنيا بافتضاحهم ، والآخرة بالعذاب وفوات الثواب .
التفسير الوسيط : ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله
ثم حكى- سبحانه - ما قاله المؤمنون الصادقون على سبيل الإنكار لمسالك المنافقين الخبيثة وتوبيخهم على ضعف إيمانهم، وهوان نفوسهم فقال-تبارك وتعالى-: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ.قال الآلوسى: قوله: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا كلام مستأنف لبيان كمال سوء حال الطائفة المذكورة: - وهي قراءة عاصم وحمزه والكسائي بإثبات الواو مع الرفع.وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر بغير واو على أنه استئناف بيانى، كأنه قيل: فماذا يقول المؤمنون حينئذ؟.وقرأ أبو عمرو ويعقوب: ويقول بالنصب عطفا على فَيُصْبِحُوا .وقوله: جَهْدَ أَيْمانِهِمْ أى: أقوى أيمانهم وأغلظها. والجهد: الوسع والطاقة والمشقة.يقال جهد نفسه يجهدها في الأمر إذا بلغ بها أقصى وسعها وطاقتها فيه. والمراد: أنهم أكدوا الإيمان ووثقوها بكل ألفاظ التأكيد والتوثيق.والمعنى: ويقول الذين آمنوا بعضهم لبعض مستنكرين ما صدر عن المنافقين من خداع وكذب، ومتعجبين من ذبذبتهم والتوائهم: يقولون مشيرين إلى المنافقين: أهؤلاء الذين أقسموا بالله مؤكدين إيمانهم بأقوى المؤكدات وأوثقها، بأن يكونوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومعنا في ولايتهم ونصرتهم ومعونتهم ... ؟.فالاستفهام للإنكار والتعجيب من أحوال هؤلاء المنافقين الذين مردوا على الخداع والكذب.وقد ذكر صاحب الكشاف وجها آخر في معنى ويقول الذين آمنوا فقال: فإن قلت: لمن يقولون هذا القول؟ قلت: إما أن يقوله بعضهم لبعض تعجبا من حالهم، واغتباطا بما من الله عليهم من التوفيق في الإخلاص أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا لكم بأغلظ الإيمان أنهم أولياؤكم ومعاضدوكم على الكفار.وإما أن يقولوه لليهود، لأنهم- أى المنافقون- حلفوا لهم بالمعاضدة والنصرة كما حكى الله عنهم وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ- ثم خذلوهم-، :وعلى كلا الوجهين فالجملة الكريمة تنعى على المنافقين كذبهم وجبنهم، وتعجب الناس من طباعهم الذميمة، وأخلاقهم المرذولة.وقوله: حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ أى: فسدت أعمالهم وبطلت فصاروا خاسرين في الدنيا والآخرة.ويحتمل أن تكون هذه الجملة مما حكاه الله-تبارك وتعالى- من قول المؤمنين ويحتمل أنها من كلام الله-تبارك وتعالى- وقد ساقها على سبيل الحكم عليهم بفساد أعمالهم، وسوء مصيرهم.هذا، وقد اشتملت هذه الآيات الكريمة على ضروب من توكيد النهى عن موالاة أعداء الله-تبارك وتعالى- بأساليب متعددة.منها: النهى الصريح كما في قوله-تبارك وتعالى-: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ.ومنها: بيان علة النهى كما في قوله: بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ.ومنها: التصريح بأن من يواليهم فهو منهم وذلك في قوله: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ.ومنها: تسجيل الظلم على من يواليهم كما في قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.ومنها: الإخبار بأن موالاتهم من طبيعة الذين في قلوبهم مرض قال-تبارك وتعالى-: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ.ومنها: قطع أطماع الموالين لهم وتبشير المؤمنين بالفوز قال-تبارك وتعالى-: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ.ومنها: الإخبار عن حال الموالين لهم بقوله: حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ.وهنا قد يرد سؤال وهو: إن الآيات الكريمة وما يشبهها من الآيات القرآنية تؤكد النهى عن موالاة غير المسلمين ومودتهم فهل هذا النهى على إطلاقه؟والجواب عن ذلك أن غير المسلمين أقسام ثلاثة: القسم الأول: وهم الذين يعيشون مع المسلمين ويسالمونهم، ولا يعملون لحساب غيرهم ولم يبدر منهم ما يفضى إلى سوء الظن بهم.وهؤلاء لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، ولا مانع من مودتهم والإحسان إليهم كما في قوله-تبارك وتعالى- لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ، أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ .والقسم الثاني: وهم الذين يقاتلون المسلمين، ويسيئون إليهم بشتى الطرق وهؤلاء لا تصح مصافاتهم، ولا تجوز موالاتهم، وهم الذين عناهم الله في الآيات التي معنا وفيما يشبهها من آيات كما في قوله-تبارك وتعالى- إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ .والقسم الثالث: قوم لا يعلنون العداوة لنا ولكن القرائن تدل على أنهم لا يحبوننا بل يحبون أعداءنا، وهؤلاء يأمرنا ديننا بأن نأخذ حذرنا منهم دون أن نعتدى.ومهما تكن أحوال غير المسلمين فإنه لا يجوز لولى الأمر المسلم أن يوكل إليهم ما يتعلق بأسرار الدولة الإسلامية. أو أن يتخذهم بطانة له بحيث يطلعون على الأمور التي يؤدى إفشاؤها إلى خسارة الأمة في السلم أو الحرب.وبعد أن حذر- سبحانه - المؤمنين من ولاية اليهود والنصارى، عقب ذلك بنداء آخر وجهه إليهم، وبين لهم فيه أن موالاة أعداء الله قد تجر إلى الارتداد عن الدين، وأنهم إن ارتدوا فسوف يأتى الله بقوم آخرين لن يكونوا مثلهم، وأن من الواجب عليهم أن يجعلوا ولا يتهم لله ولرسوله وللمؤمنين فقال-تبارك وتعالى-:
تفسير ابن كثير : شرح الآية 53 من سورة المائدة
وقد اختلف القراء في هذا الحرف ، فقرأه الجمهور بإثبات الواو في قوله : { ويقول الذين } ثم منهم من رفع { ويقول } على الابتداء ، ومنهم من نصب عطفا على قوله : { فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده } تقديره " أن يأتي " " وأن يقول " ، وقرأ أهل المدينة : { يقول الذين آمنوا } بغير واو ، وكذلك هو في مصاحفهم على ما ذكره ابن جرير قال ابن جريج عن مجاهد : { فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده } حينئذ { ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين }
واختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآيات الكريمات ، فذكر السدي أنها نزلت في رجلين ، قال أحدهما لصاحبه بعد وقعة أحد : أما أنا فإني ذاهب إلى ذلك اليهودي ، فآوي إليه وأتهود معه ، لعله ينفعني إذا وقع أمر أو حدث حادث! وقال الآخر : وأما أنا فأذهب إلى فلان النصراني بالشام ، فآوي إليه وأتنصر معه ، فأنزل الله [ عز وجل ] { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } الآيات .
وقال عكرمة : نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة فسألوه : ماذا هو صانع بنا؟ فأشار بيده إلى حلقه ، أي: إنه الذبح . رواه ابن جرير .
وقيل : نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول كما قال ابن جرير :
حدثنا أبو كريب حدثنا ابن إدريس قال : سمعت أبي عن عطية بن سعد قال : جاء عبادة بن الصامت من بني الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن لي موالي من يهود كثير عددهم ، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود ، وأتولى الله ورسوله . فقال عبد الله بن أبي : إني رجل أخاف الدوائر ، لا أبرأ من ولاية موالي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي : " يا أبا الحباب ، ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه " . قال : قد قبلت! فأنزل الله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء [ بعضهم أولياء بعض ] } إلى قوله : { فترى الذين في قلوبهم مرض } .
ثم قال ابن جرير : حدثنا هناد حدثنا يونس بن بكير حدثنا عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري قال : لما انهزم أهل بدر قال المسلمون لأوليائهم من يهود : آمنوا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر ! فقال مالك بن الصيف : أغركم أن أصبتم رهطا من قريش لا علم لهم بالقتال!! أما لو أمررنا العزيمة أن نستجمع عليكم ، لم يكن لكم يد بقتالنا فقال عبادة : يا رسول الله ، إن أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم ، كثيرا سلاحهم ، شديدة شوكتهم ، وإني أبرأ إلى الله [ تعالى ] وإلى رسوله من ولاية يهود ولا مولى لي إلا الله ورسوله . فقال عبد الله بن أبي : لكني لا أبرأ من ولاء يهود أنا رجل لا بد لي منهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا الحباب أرأيت الذي نفست به من ولاء يهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه؟ " فقال : إذا أقبل! قال : فأنزل الله : { ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } إلى قوله : { والله يعصمك من الناس } [ المائدة : 67 ] .
وقال محمد بن إسحاق : فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو قينقاع . فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال : فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه ، فقام إليه عبد الله بن أبي ابن سلول حين أمكنه الله منهم ، فقال : يا محمد أحسن في موالي . وكانوا حلفاء الخزرج قال : فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد أحسن في موالي . قال : فأعرض عنه . فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم . " أرسلني " . وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رئي لوجهه ظللا ثم قال : " ويحك أرسلني " . قال : لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي ، أربعمائة حاسر ، وثلاثمائة دارع ، قد منعوني من الأحمر والأسود ، تحصدهم في غداة واحدة؟! إني امرؤ أخشى الدوائر ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هم لك "
قال محمد بن إسحاق : فحدثني أبو إسحاق بن يسار عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبد الله بن أبي وقام دونهم ، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أحد بني عوف بن الخزرج له من حلفهم مثل الذي لعبد الله بن أبي فجعلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من حلفهم ، وقال : يا رسول الله ، أتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم ، وأتولى الله ورسوله والمؤمنين ، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم . ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآيات في المائدة : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } إلى قوله : { ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } [ المائدة : 56 ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد قال : دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي نعوده ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " قد كنت أنهاك عن حب يهود " . فقال عبد الله : فقد أبغضهم أسعد بن زرارة فمات .
وكذا رواه أبو داود من حديث محمد بن إسحاق .
تفسير الطبري : معنى الآية 53 من سورة المائدة
القول في تأويل قوله : وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ ( 53 )قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة قوله: " ويقول الذين آمنوا ". فقرأتها قرأة أهل المدينة: فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله ) بغير " واو ".* * *وتأويل الكلام على هذه القراءة: فيصبح المنافقون، إذا أتى الله بالفتح أو أمرٍ من عنده، على ما أسروا في أنفسهم نادمين، يقول المؤمنون تعجُّبًا منهم ومن نفاقهم وكذبهم واجترائهم على الله في أيمانهم الكاذبة بالله: أهؤلاء الذين أقسمُوا لنا بالله إنهم لمعنا، وهم كاذبون في أيمانهم لنا؟ وهذا المعنى قصَد مجاهد في تأويله ذلك، الذي:-12176 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ، حينئذ،" يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد إيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين ".* * *وكذلك ذلك في مصاحف أهل المدينة بغير " واو ". ( 28 )وقرأ ذلك بعض البصريين: ( وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا ) بالواو، ونصب " يقول " عطفًا به على فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ . وذكر قارئ ذلك أنه كان يقول: إنما أريد بذلك: فعسى الله أن يأتي بالفتح، وعسى أن يقولَ الذين آمنوا= ومحالٌ غير ذلك، لأنه لا يجوز أن يقال: " وعسى الله أن يقول الذين آمنوا "، وكان يقول: ذلك نحو قولهم: " أكلت خبزًا ولبنًا "، كقول الشاعر:وَرَأَيْتِ زَوْجَكِ فِي الوَغَىمُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا ( 29 )* * *فتأويل الكلام على هذه القراءة: فعسى الله أن يأتي بالفتح المؤمنين، أو أمر من عنده يُديلهم به على أهل الكفر من أعدائهم، فيصبح المنافقون على ما أسرُّوا في أنفسهم نادمين= وعسى أن يقول الذين آمنوا حينئذ: أهؤلاء الذين أقسموا بالله كذبًا جهدَ أيمانهم إنهم لمعكم؟* * *وهي في مصاحف أهل العراق بالواو: ( وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا )* * *وقرأ ذلك قرأة الكوفيين ( وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا ) بالواو، ورفع " يقول "، بالاستقبال والسلامة من الجوازم و النواصب.* * *وتأويل من قرأ ذلك كذلك: فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم يندمون، ويقول الذين آمنوا= فيبتدئ" يقول " فيرفعها.* * *قال أبو جعفر: وقراءتنا التي نحن عليها " وَيَقُولُ " بإثبات " الواو " في " ويقول "، لأنها كذلك هي في مصاحِفِنا مصاحف أهل المشرق، بالواو، وبرفع " يقول " على الابتداء.* * *فتأويل الكلام= إذْ كانت القراءة عندنا على ما وصفنا ( 30 ) =: فيصبحوا على ما أسرُّوا في أنفسهم نادمين، ويقولُ المؤمنون: أهؤلاء الذين حَلَفوا لنا بالله جهد أيمانهم كَذِبًا إنهم لمعنا؟* * *يقول لله تعالى ذكره، مخبرًا عن حالهم عنده بنفاقهم وخبث أعمالهم=" حبطت أعمالهم "، يقول: ذهبت أعمالهم التي عملوها في الدنيا باطلا لا ثواب لها ولا أجر، لأنهم عملوها على غير يقين منهم بأنها عليهم لله فرضٌ واجب، ولا على صِحّة إيمان بالله ورسوله، وإنما كانوا يعملونها ليدفعوا المؤمنين بها عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم، فأحبط الله أجرَها، إذ لم تكن له ( 31 ) =" فأصبحوا خاسرين "، يقول: فأصبح هؤلاء المنافقون، عند مجيء أمر الله بإدالة المؤمنين على أهل الكفر، قد وُكِسوا في شرائهم الدنيا بالآخرة، وخابت صفقتهم، وهَلَكوا. ( 32 )--
الهوامش :( 28 ) انظر معاني القرآن للفراء 1: 313.( 29 ) مضى تخريجه في 1: 140 ، 265/6: 423.( 30 ) في المطبوعة والمخطوطة: " إذ كان القراءة " ، والجيد ما أثبت.( 31 ) انظر تفسير" حبط " فيما سلف 9: 592 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.( 32 ) انظر تفسير" خسر " فيما سلف ص: 224 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
تفسير آيات من القرآن الكريم
- تفسير: قالت ياأيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون
- تفسير: أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب
- تفسير: أو يلقى إليه كنـز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا
- تفسير: وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين
- تفسير: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم
- تفسير: ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم
- تفسير: كل من عليها فان
- تفسير: وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له
- تفسير: فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن
- تفسير: أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين
تحميل سورة المائدة mp3 :
سورة المائدة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة المائدة
ماهر المعيقلي
سعد الغامدي
عبد الباسط
أحمد العجمي
المنشاوي
الحصري
مشاري العفاسي
ناصر القطامي
فارس عباد
ياسر الدوسري
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب