تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنـزل ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 66 من سورةالمائدة - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾
[ سورة المائدة: 66]

معنى و تفسير الآية 66 من سورة المائدة : ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنـزل .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنـزل


وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِن رََّبِّهِمْ ْ أي: قاموا بأوامرهما ونواهيهما، كما ندبهم الله وحثهم.
ومن إقامتهما الإيمان بما دعيا إليه، من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن، فلو قاموا بهذه النعمة العظيمة التي أنزلها ربهم إليهم، أي: لأجلهم وللاعتناء بهم لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ْ أي: لأدر الله عليهم الرزق، ولأمطر عليهم السماء، وأنبت لهم الأرض كما قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ْ مِنْهُمْ ْ أي: من أهل الكتاب أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ْ أي: عاملة بالتوراة والإنجيل، عملا غير قوي ولا نشيط، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ْ أي: والمسيء منهم الكثير.
وأما السابقون منهم فقليل ما هم.

تفسير البغوي : مضمون الآية 66 من سورة المائدة


ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ) يعني : أقاموا أحكامهما وحدودهما وعملوا بما فيهما ، ( وما أنزل إليهم من ربهم ) يعني : القرآن ، وقيل: كتب أنبياء بني إسرائيل ، ( لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) قيل: من فوقهم هو المطر ، ومن تحت أرجلهم نبات الأرض .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : لأنزلت عليهم القطر وأخرجت لهم من نبات الأرض .
وقال الفراء أراد به التوسعة في الرزق كما يقال فلان في الخير من قرنه إلى قدمه ، ونظيره قوله تعالى : " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض " ( الأعراف ، 96 ) .
( منهم أمة مقتصدة ) يعني : مؤمني أهل الكتاب ، عبد الله بن سلام وأصحابه ، مقتصدة أي عادلة غير غالية ، ولا مقصرة جافية ، ومعنى الاقتصاد في اللغة : الاعتدال في العمل من غير غلو ولا تقصير .
( وكثير منهم ) كعب بن الأشرف وأصحابه ( ساء ما يعملون ) بئس شيئا عملهم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : عملوا القبيح مع التكذيب بالنبي صلى الله عليه وسلم .

التفسير الوسيط : ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنـزل


وكرر- سبحانه - اللام في قوله: لَكَفَّرْنا.
وَلَأَدْخَلْناهُمْ لتأكيد الوعد.
وفيه تنبيه إلى كثرة ذنوبهم ومعاصيهم وإلى أن الإسلام يجب ما قبله من ذنوب مهما كثرت.
وفي إضافة الجنات إلى النعيم إشارة إلى ما يستحقونه من العذاب لو لم يؤمنوا ويتقوا.
وجمع- سبحانه - بين الإيمان والتقوى، للإيذان بأن الإيمان الذي ينجى صاحبه، ويرفع درجاته، هو ما كان نابعا عن يقين وإخلاص وخشية من الله، لا إيمان المنافقين الذين يدعون الإيمان وهو منهم برىء والضمير في قوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ يعود إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين فتح الله لهم باب الإيمان ليدخلوا فيه كي ينالوا رضاه.
والمراد بإقامة التوراة والإنجيل: العمل بما فيهما من بشارات بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وحضهم على الإيمان به عند ظهوره وتنفيذ ما اشتملا عليه من أحكام أيدتها تعاليم الإسلام، وأصل الإقامة الثبات في المكان.
ثم استعير في إقامة الشيء لتوفية حقه.
والمراد بما أنزل إليهم من ربهم القرآن الكريم، لأنهم مخاطبون به، وليسوا خارجين عن دائرة التكاليف التي دعا إليها.
قال-تبارك وتعالى- وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أى: لأنذركم به يا أهل مكة، ولأنذر به أيضا جميع من بلغه هذا الكتاب من اليهود والنصارى وغيرهم.
وقيل: المراد بما أنزل إليهم من ربهم.
كتب أنبيائهم السابقين مثل كتاب شعياء، وكتاب حزقيل، وكتاب دانيال.
فإنها مشتملة أيضا على البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم.
والمراد بقوله: لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ المبالغة في شرح ما ينعم الله به عليهم من خيرات وأرزاق تعمهم من كل جهة من الجهات لا أن هناك فوقا وتحتا.
أى: لأكلوا أكلا متصلا وفيرا، ولعمهم الخير والرزق من كل جهة بأن تعطيهم السماء مطرها وبركتها، وتعطيهم الأرض نباتها وخيرها، فيعيشوا في رغد من العيش وفي بسطة من الرزق.
وفي ذلك دلالة على أن الاستقامة على شرع الله، تأتى بالرزق الرغيد، ولقد أشار القرآن إلى هذا المعنى في آيات كثيرة ومن ذلك قوله-تبارك وتعالى-:وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً .
وقال-تبارك وتعالى- حكاية عن هود أنه قال لقومه: وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ .
والمعنى: وَلَوْ أَنَّهُمْ أى اليهود والنصارى أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ بأن عملوا بما فيهما من أقوال تدعوهم إلى الإيمان بالدين الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وتركوا تحريف الكلم عن مواضعه.
ولو أنهم- أيضا آمنوا بما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ من قرآن مجيد فيه هدايتهم وسعادتهم لو أنهم فعلوا ذلك لأتاهم الرزق الواسع من كل ناحية ولعمهم الخير من كل جهة، ولعاشوا آمنين مطمئنين.
والمراد بالأكل الانتفاع مطلقا، وعبر عن ذلك به لكونه أعظم الانتفاعات ويستتبع سائرها.
ومفعول «أكلوا» محذوف لقصد التعميم.
أو القصد إلى نفس الفعل كما في قولهم: فلان يعطى ويمنع.
وقوله: مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ مدح للقلة التي تستحق المدح من أهل الكتاب» وذم للكثيرين منهم الذين قبح عملهم وفسدت نفوسهم.
والأمة: الجماعة من الناس الذين يجمعهم دين واحد.
أو جنس واحد.
أو مكان واحد.
ومقتصدة من الاقتصاد وهو الاعتدال في كل شيء والمراد به هنا: السير على الطريق المستقيم الذي يوصل إلى الحق والخير، وهو طريق الإسلام.
والمعنى: من أهل الكتاب جماعة مستقيمة على طريق الحق، وهم قلة آمنت بالنبي- صلى الله عليه وسلم وإلى جوار هذه الجماعة القليلة المستقيمة عدد كبير من أهل الكتاب ساء عملهم، واعوج سلوكهم، وكان من حالهم ما يثير العجب والدهشة.
والمراد بهذه الأمة المقتصدة من أهل الكتاب من دخل منهم في الإسلام واتبع ما جاء به النبي- صلى الله عليه وسلم.
وبذلك نرى هاتين الآيتين قد بشرت أهل الكتاب بالسعادة الدنيوية والأخروية متى آمنوا بالله تعالى- واتبعوا ما جاء به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
وبعد أن حكى الله-تبارك وتعالى- في الآيات السابقة ما كان عليه أعداء الإسلام- وخصوصا اليهود- من محاولات لفتنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن دسائس حاكوها لعرقلة سير الدعوة الإسلامية، ومن استهزاء بتعاليم الإسلام ومن حقد على المؤمنين لإيمانهم برسل الله وكتبه ومن سوء أدب مع خالقهم ورازقهم.
بعد أن حكى- سبحانه - كل ذلك، أتبعه بتوجيه نداء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أمره فيه بأن يمضى في تبليغ رسالته إلى الناس دون أن يلتفت إلى مكر الماكرين، أو حقد الحاقدين.
فإنه- سبحانه - قد حماه وعصمه منهم فقال:

تفسير ابن كثير : شرح الآية 66 من سورة المائدة


( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم ) قال ابن عباس وغيره : يعني القرآن . ( لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) أي : لو أنهم عملوا بما في الكتب التي بأيديهم عن الأنبياء ، على ما هي عليه ، من غير تحريف ولا تغيير ولا تبديل ، لقادهم ذلك إلى اتباع الحق والعمل بمقتضى ما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم ; فإن كتبهم ناطقة بتصديقه والأمر باتباعه حتما لا محالة .وقوله : ( لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) يعني بذلك كثرة الرزق النازل عليهم من السماء والنابت لهم من الأرض .وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( لأكلوا من فوقهم ) يعني : لأرسل [ السماء ] عليهم مدرارا ( ومن تحت أرجلهم ) يعني : يخرج من الأرض بركاتها .وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والسدي كما قال [ تعالى ] ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض [ ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ] ) [ الأعراف : 96 ] ، وقال : ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس [ ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ] ) [ الروم : 41 ] .وقال بعضهم : معناه ( لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) يعني : من غير كد ولا تعب ولا شقاء ولا عناء .وقال ابن جرير : قال بعضهم : معناه : لكانوا في الخير ، كما يقول القائل : " هو في الخير من قرنه إلى قدمه " . ثم رد هذا القول لمخالفة أقوال السلفوقد ذكر ابن أبي حاتم عند قوله : ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ) حديث علقمة ، عن صفوان بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يوشك أن يرفع العلم " . فقال زياد بن لبيد : يا رسول الله ، وكيف يرفع العلم وقد قرأنا القرآن وعلمناه أبناءنا؟! قال ثكلتك أمك يا ابن لبيد ! إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة أوليست التوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى فما أغنى عنهم حين تركوا أمر الله " ثم قرأ ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل )هكذا أورده ابن أبي حاتم حديثا معلقا من أول إسناده ، مرسلا في آخره . وقد رواه الإمام أحمد بن حنبل متصلا موصولا فقال :حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد عن زياد بن لبيد قال : ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فقال : " وذاك عند ذهاب العلم " . قال : قلنا : يا رسول الله ، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال : " ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون مما فيهما بشيء "وكذا رواه ابن ماجه ، عن أبى بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع بإسناده نحوه وهذا إسناد صحيح .وقوله : ( منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ) كقوله تعالى : ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) [ الأعراف : 159 ] ، وكقوله عن أتباع عيسى : ( فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم [ وكثير منهم فاسقون ] ) [ الحديد : 27 ] . فجعل أعلى مقاماتهم الاقتصاد ، وهو أوسط مقامات هذه الأمة ، وفوق ذلك رتبة السابقين كما في قوله تعالى : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها ) الآية [ فاطر : 32 ، 33 ] . والصحيح أن الأقسام الثلاثة من هذه الأمة يدخلون الجنة .وقد قال أبو بكر بن مردويه : حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا أحمد بن يونس الضبي ، حدثنا عاصم بن علي ، حدثنا أبو معشر ، عن يعقوب بن يزيد بن طلحة ، عن زيد بن أسلم ، عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " تفرقت أمة موسى على إحدى وسبعين ملة ، سبعون منها في النار وواحدة في الجنة ، وتفرقت أمة عيسى على ثنتين وسبعين ملة ، واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار ، وتعلو أمتي على الفرقتين جميعا . واحدة في الجنة ، وثنتان وسبعون في النار " . قالوا : من هم يا رسول الله؟ قال : " الجماعات الجماعات " .قال يعقوب بن يزيد كان علي بن أبي طالب إذا حدث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تلا فيه قرآنا : ( ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ) إلى قوله تعالى : ( منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ) وتلا أيضا : ( وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) [ الأعراف : 181 ] يعني : أمة محمد صلى الله عليه وسلم .وهذا حديث غريب جدا من هذا الوجه وبهذا السياق . وحديث افتراق الأمم إلى بضع وسبعين مروي من طرق عديدة ، وقد ذكرناه في موضع آخر . ولله الحمد والمنة .

تفسير الطبري : معنى الآية 66 من سورة المائدة


القول في تأويل قوله : وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " ولو أنهم أقامُوا التوراة والإنجيلَ"، ولو أنهم عملوا بما في التوراة والإنجيل (3) =" وما أنزل إليهم من ربهم "، يقول: وعملوا بما أنزل إليهم من ربهم من الفرقانِ الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم.
* * *فإن قال قائل: وكيف يقيمون التوراة والإنجيل وما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم، مع اختلاف هذه الكتب، ونسخِ بعضها بعضًا؟قيل: إنها وإن كانت كذلك في بعض أحكامها وشرائعها، فهي متَّفِقة في الأمر بالإيمان برُسُل الله، والتصديق بما جاءت به من عند الله.
فمعنى إقامتهم التوراةَ والإنجيل وما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم: تصديقُهُم بما فيها، والعملُ بما هي متفقة فيه، وكل واحد منها في الحين الذي فرض العمل به.
(4)* * *وأما معنى قوله: " لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم "، فإنه يعني: لأنزل الله عليهم من السماء قَطْرَها، فأنبتت لهم به الأرض حبها ونباتها، فأخرج ثمارَها.
* * *وأما قوله: " ومن تحت أرجلهم "، فإنه يعني تعالى ذكره: لأكلوا من برَكة ما تحت أقدامِهم من الأرض، وذلك ما تخرجه الأرض من حَبِّها ونباتها وثمارِها، وسائرِ ما يؤكل مما تخرجه الأرض.
* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:12257 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم "، يعني: لأرسل السماءَ عليهم مدرارًا=" ومن تحت أرجلهم "، تخرج الأرض برَكتها.
12258 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم "، يقول: إذًا لأعطتهم السماء برَكتها والأَرْضُ نَباتها.
12259 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم "، يقول: لو عملوا بما أنزل إليهم مما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم، لأنزلنا عليهم المطرَ، فلأنبت الثَّمر.
(5)12260 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم "، أمّا " إقامتهم التوراة "، فالعمل بها= وأما " ما أنزل إليهم من ربهم "، فمحمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه.
يقول: " لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم "، أما " من فوقهم "، فأرسلت عليهم مطرًا، وأما " من تحت أرجلهم "، يقول: لأنبتُّ لهم من الأرض من رزقي ما يُغْنيهم.
12261 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: " لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم "، قال: بركات السماء والأرض= قال ابن جريج: " لأكلوا من فوقهم "، المطر=" ومن تحت أرجلهم "، من نبات الأرض.
12262 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " من فوقهم ومن تحت أرجلهم "، يقول: لأكلوا من الرزق الذي ينزل من السماء=" ومن تحت أرجلهم "، يقول: من الأرض.
* * *وكان بعضهم يقول (6) إنما أريد بقوله: " لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم "، التَّوْسِعَة، كما يقول القائل: " هو في خير من قَرْنه إلى قدمه ".
(7)وتأويل أهل التأويل بخلاف ما ذكرنا من هذا القول، وكفى بذلك شهيدًا على فساده.
* * *القول في تأويل قوله : مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " منهم أمة "، منهم جماعة (8) =" مقتصدة "، يقول: مقتصدة في القول في عيسى ابن مريم، قائلةٌ فيه الحقَّ أنه رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، لا غاليةٌ قائلةٌ: إنه ابن الله، تعالى الله عما قالوا من ذلك، ولا مقصرة قائلةٌ: هو لغير رِشْدَة=" وكثير منهم "، يعني: من بني إسرائيل من أهل الكتابِ اليهودِ والنصارى =" ساء ما يعملون "، يقول: كثير منهم سيئ عملهم، (9) وذلك أنهم يكفرون بالله، فتكذب النصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم، وتزعُم أن المسيحَ ابن الله= وتكذِّب اليهود بعيسى وبمحمد صلى الله عليهما.
فقال الله تعالى فيهم ذامًّا لهم: " ساء ما يعملون "، في ذلك من فعلهم.
* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:12264 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " منهم أمة مقتصدة "، وهم مسلمة أهل الكتاب=" وكثير منهم ساءَ ما يعملون ".
(10)12265 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل قال، حدثنا عبد الله بن كثير، أنه سمع مجاهدًا يقول: تفرَّقت بنو إسرائيل فِرَقًا، فقالت فرقة: " عيسى هو ابن الله "، وقالت فرقة: " هو الله "، وقالت فرقة: " هو عبد الله وروحه "، وهي المقتصدة، وهي مسلمةُ أهل الكتاب.
12266 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قال الله: " منهم أمة مقتصدة "، يقول: على كتابه وأمره.
ثم ذمّ أكثر القوم فقال: " وكثير منهم ساء ما يعملون ".
12267 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " منهم أمة مقتصدة "، يقول: مؤمنة.
12268 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون " قال: المقتصدة، أهلُ طاعة الله.
قال: وهؤلاء أهل الكتاب.
12269 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله: " منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون "، قال: فهذه الأمة المقتصدة، الذين لا هم جَفَوا في الدين ولا هم غلوا.
(11) قال: و " الغلو "، الرغبة [عنه]، و " الفسق "، التقصير عنه.
(12)----------------الهوامش:(3) انظر تفسير"الإقامة" فيما سلف من فهارس اللغة (قوم) مثل"إقامة الصلاة".
(4) في المطبوعة: "وكل واحد منهما في الخبر الذي فرض العمل به" ، وهي جملة لا معنى لها ، صوابها من المخطوطة.
(5) في المطبوعة: "فأنبتت الثمر" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب محض.
(6) هذه مقالة الفراء في معاني القرآن 1: 315.
(7) في المطبوعة: "من فرقه إلى قدمه" ، وأثبت ما في المخطوطة ، ومعاني القرآن للفراء و"القرن": حد الرأس وجانبها ، ورأس كل عال قرنه.
(8) انظر تفسير"أمة" فيما سلف 7: 106 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.
(9) انظر تفسير"ساء" فيما سلف 9: 205 ، تعليق: 4 ، والمراجع هناك.
(10) سقط من الترقيم ، رقم: 12263 سهوًا.
(11) في المطبوعة: "الذين لا هم فسقوا في الدين" ، وهي كذلك في الدر المنثور 2: 297 ، والذي في المخطوطة هو ما أثبته ، وهو الصواب إن شاء الله ، وفي الحديث: "وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي" ، وفيه أيضا: "اقرأوا القرآن ولا تجفوا عنه" ، أي تعاهدوه ولا تبعدوا عن تلاوته.
(12) هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها ، استظهرتها من الأثر السالف رقم: 10853 ، من تفسير الربيع بن أنس أيضا لآية سورة النساء: 171.

ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنـزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون

سورة : المائدة - الأية : ( 66 )  - الجزء : ( 6 )  -  الصفحة: ( 119 ) - عدد الأيات : ( 120 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون
  2. تفسير: ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون
  3. تفسير: إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين
  4. تفسير: قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون
  5. تفسير: وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات
  6. تفسير: وقيله يارب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون
  7. تفسير: ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين
  8. تفسير: وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين
  9. تفسير: إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم
  10. تفسير: سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما

تحميل سورة المائدة mp3 :

سورة المائدة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة المائدة

سورة المائدة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة المائدة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة المائدة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة المائدة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة المائدة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة المائدة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة المائدة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة المائدة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة المائدة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة المائدة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب