تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 69 من سورةالنحل - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
[ سورة النحل: 69]

معنى و تفسير الآية 69 من سورة النحل : ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل


تفسير الآيتين 68 و69 :في خلق هذه النحلة الصغيرة، التي هداها الله هذه الهداية العجيبة، ويسر لها المراعي، ثم الرجوع إلى بيوتها التي أصلحتها بتعليم الله لها، وهدايته لها ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ مختلف الألوان بحسب اختلاف أرضها ومراعيها، فيه شفاء للناس من أمراض عديدة.
فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى، وتمام لطفه بعباده، وأنه الذي لا ينبغي أن يحب غيره ويدعي سواه.

تفسير البغوي : مضمون الآية 69 من سورة النحل


( ثم كلي من كل الثمرات ) ليس معنى الكل العموم ، وهو كقوله تعالى : " وأوتيت من كل شيء " ( النمل - 23 ) .
( فاسلكي سبل ربك ذللا ) قيل: هي نعت الطرق ، يقول : هي مذللة للنحل سهلة المسالك .
قال مجاهد : لا يتوعر عليها مكان سلكته .
وقال آخرون : الذلل نعت النحل ، أي : مطيعة منقادة بالتسخير .
يقال : إن أربابها ينقلونها من مكان إلى مكان ولها يعسوب إذا وقف وقفت وإذا سار سارت .
( يخرج من بطونها شراب ) يعني العسل ( مختلف ألوانه ) أبيض وأحمر وأصفر .
( فيه شفاء للناس ) أي : في العسل .
وقال مجاهد : أي في القرآن ، والأول أولى .
أنبأنا إسماعيل بن عبد القاهر ، حدثنا عبد الغافر بن محمد ، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن المثنى ، أخبرنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أبي المتوكل ، عن أبي سعيد الخدري قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخي استطلق بطنه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اسقه عسلا فسقاه ثم جاء فقال : إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له ثلاث مرات ، ثم جاء الرابعة فقال : اسقه عسلا قال : قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق الله وكذب بطن أخيك " فسقاه فبرأ .
قال عبد الله بن مسعود : العسل شفاء من كل داء ، والقرآن شفاء لما في الصدور .
وروي عنه أنه قال عليكم بالشفاءين القرآن والعسل .
( إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ) فيعتبرون .

التفسير الوسيط : ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل


وقوله: ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا.. بيان للون آخر من الإلهامات التي ألهمها الله-تبارك وتعالى- إياها.
والسبل: جمع سبيل.
والمراد بها الطرق التي تسلكها النحلة في خروجها من بيتها وفي رجوعها إليه وأضاف- سبحانه - السبل إليه، لأنه هو خالقها وموجدها.
وذللا: جمع ذلول وهو الشيء الممهد المنقاد، وهو حال من السبل، أى: فاسلكي سبل ربك حال كونها ممهدة لك، لا عسر في سلوكها عليك، وإن كانت صعبة بالنسبة لغيرك.
قالوا: ربما أجدب عليها ما حولها، فتنتجع الأماكن البعيدة للمرعى، ثم تعود إلى بيوتها دون أن تضل عنها.
وقيل إن «ذللا» حال من النحلة أى: ثم كلى من كل الثمرات، فاسلكي سبل ربك، حالة كونك منقادة لما يراد منك، مطيعة لما سخرك الله له من أمور تدل على قدرته وحكمته- سبحانه -.
وقوله-تبارك وتعالى-: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ كلام مستأنف، عدل به من خطاب النحلة الى خطاب الناس، تعديدا للنعم، وتعجيبا لكل سامع، وتنبيها على مواطن العظات والعبر الدالة على وحدانية الله-تبارك وتعالى- وقدرته وعجيب صنعه في خلقه.
أى: يخرج من بطون النحل- بعد أكلها من كل الثمرات وبعد اتخاذها بيوتها- شراب هو العسل، مختلف ألوانه ما بين أبيض وأصفر وغير ذلك من ألوان العسل، على حسب اختلاف مراعيها ومآكلها وسنها، وغير ذلك بما اقتضته حكمته- سبحانه -.
والضمير في قوله-تبارك وتعالى-: فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ يعود على الشراب المستخرج من بطونها وهو العسل.
أى: في العسل شفاء عظيم للناس من أمراض كثيرة تعرض لهم.
وقيل: الضمير يعود إلى القرآن الكريم، والتقدير: فيما قصصنا عليكم في هذا القرآن الشفاء للناس.
وهذا القيل وإن كان صحيحا في ذاته، إلا أن السياق لا يدل عليه، لأن الآية تتحدث عما يخرج من بطون النحل وهو العسل، ولا وجه للعدول عن الظاهر، ومخالفة المرجع الواضح.
قال الإمام ابن كثير: والدليل على أن المراد بقوله فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ هو العسل، الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبى سعيد الخدري- رضى الله عنه-، أن رجلا جاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أخى استطلق بطنه فقال: «اسقه عسلا» ، فذهب فسقاه عسلا ثم جاء فقال: يا رسول الله، سقيته عسلا فما زاده إلا استطلاقا.
قال:«اذهب فاسقه عسلا» .
فذهب فسقاه عسلا ثم جاء فقال يا رسول الله، سقيته عسلا فما زاده إلا استطلاقا.
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - «صدق الله وكذب بطن أخيك.
اذهب فاسقه عسلا» فذهب فسقاه عسلا فبرئ.
ثم ساق الإمام ابن كثير بعد ذلك جملة من الأحاديث في هذا المعنى منها ما رواه البخاري عن ابن عباس قال: الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم أو شربة عسل أوكية بنار، وأنهى أمتى عن الكي» .
وروى البخاري- أيضا- عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن كان في شيء من أدويتكم- أو يكون في شيء من أدويتكم- خير: ففي شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة بنار، توافق الداء، وما أحب أن أكتوى».
وقال صاحب فتح البيان: وقد اختلف أهل العلم هل هذا الشفاء الذي جعله الله في العسل عام لكل داء، أو خاص ببعض الأمراض.
فقال طائفة: هو على العموم في كل حال ولكل أحد.
وقالت طائفة: أخرى: إن ذلك خاص ببعض الأمراض، ولا يقتضى العموم في كل علة وفي كل إنسان، وليس هذا بأول لفظ خصص في القرآن فالقرآن مملوء منه، ولغة العربي يأتى فيها العام كثيرا بمعنى الخاص، والخاص بمعنى العام.
ومما يدل على هذا، أن العسل نكرة في سياق الإثبات فلا يكون عاما باتفاق أهل اللسان.
ومحققي أهل الأصول.
وتنكيره إن أريد به التعظيم لا يدل إلا على أن فيه شفاء عظيما لمرض، أو أمراض، لا لكل مرض، فإن تنكير التعظيم لا يفيد العموم.
ثم قال: قلت: وحديث البخاري: أن أخى استطلق بطنه.. أوضح دليل على ما ذهبت إليه طائفة من تعميم الشفاء، لأن قوله صلى الله عليه وسلم «صدق الله» أى: أنه شفاء فلو كان لبعض دون بعض لم يكرر الأمر بالسقيا».
والذي نراه، أن من الواجب علينا أن نؤمن إيمانا جازما بأن العسل المذكور فيه شفاء للناس، كما صرح بذلك القرآن الكريم، وكما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلينا بعد ذلك أن نفوض أمر هذا الشفاء وعموميته وخصوصيته لعلم الله-تبارك وتعالى- وقدرته وحكمته ويكفينا يقينا في هذا المجال، إصرار النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقول للرجل الذي استطلق بطن أخيه أكثر من مرة، «اذهب فاسقه عسلا» .
وقد تولى كثير من الأطباء شرح هذه الآية الكريمة شرحا علميا وافيا، وبينوا ما اشتمل عليه عسل النحل من فوائد.
ثم ختم- سبحانه -: الآية الكريمة بقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.
أى: إن في ذلك الذي ذكرناه لكم من أمر النحل من إلهامها اتخاذ البيوت العجيبة، ومن إدارتها لشئون حياتها بدقة متناهية، ومن سلوكها الطرق التي جعلها الله مذللة في ذهابها وإيابها للحصول على قوام حياتها، ومن خروج العسل من بطونها ...
إن في ذلك وغيره، لآية باهرة، وعبرة ظاهرة، ودلالة جلية، على وحدانية الله-تبارك وتعالى- وقدرته، وحكمته، لقوم يحسنون التفكير فيما أخبرهم الله-تبارك وتعالى- عنه، ويوقنون بأن لهذا الكون ربا واحدا لا إله الا هو تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.
وإلى هنا تكون الآيات الكريمة قد ساقت لنا ألوانا من عجائب صنع الله في خلقه، كاستخراج اللبن من بين فرث ودم، وكاتخاذ السكر والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب، وكاستخراج العسل الذي فيه شفاء للناس من بطون النحل.
فهذه الأشربة قد أخرجها الله-تبارك وتعالى- من أجساد مخالفة لها في شكلها، وقد ساقها- سبحانه - في آيات جمع بينها التناسق الباهر في عرض هذه النعم، مما يدل على أن هذا القرآن من عند الله،.. وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً.
وبعد هذا الحديث المتنوع عن عجائب خلق الله-تبارك وتعالى- في الأنعام والأشجار والنحل..ساقت السورة الكريمة ألوانا أخرى من مظاهر قدرته-تبارك وتعالى- في خلق الإنسان، وفي التفاضل في الأرزاق، ومن نعمه على عباده في إيجاد الأزواج والبنين والحفدة.. فقال-تبارك وتعالى-:

تفسير ابن كثير : شرح الآية 69 من سورة النحل


ثم أذن لها تعالى إذنا قدريا تسخيريا أن تأكل من كل الثمرات ، وأن تسلك الطرق التي جعلها الله تعالى لها مذللة ، أي : سهلة عليها حيث شاءت في هذا الجو العظيم والبراري الشاسعة ، والأودية والجبال الشاهقة ، ثم تعود كل واحدة منها إلى موضعها وبيتها ، لا تحيد عنه يمنة ولا يسرة ، بل إلى بيتها وما لها فيه من فراخ وعسل ، فتبني الشمع من أجنحتها ، وتقيء العسل من فيها وتبيض الفراخ من دبرها ، ثم تصبح إلى مراعيها .وقال قتادة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ( فاسلكي سبل ربك ذللا ) أي : مطيعة . فجعلاه حالا من السالكة . قال ابن زيد : وهو كقول الله تعالى : ( وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ) [ يس : 72 ] قال : ألا ترى أنهم ينقلون النحل من بيوته من بلد إلى بلد وهو يصحبهم .والقول الأول أظهر ، وهو أنه حال من الطريق ، أي : فاسلكيها مذللة لك ، نص عليه مجاهد . وقال ابن جرير : كلا القولين صحيح .وقد قال أبو يعلى الموصلي : حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا سكين بن عبد العزيز ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " عمر الذباب أربعون يوما ، والذباب كله في النار إلا النحل " .وقوله تعالى ( يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه ) أي : ما بين أبيض وأصفر وأحمر وغير ذلك من الألوان الحسنة ، على اختلاف مراعيها ومأكلها منها .وقوله : ( فيه شفاء للناس ) أي : في العسل شفاء للناس من أدواء تعرض لهم . قال بعض من تكلم على الطب النبوي : لو قال فيه : " الشفاء للناس " لكان دواء لكل داء ، ولكن قال ( فيه شفاء للناس ) أي : يصلح لكل أحد من أدواء باردة ، فإنه حار ، والشيء يداوى بضده .وقال مجاهد بن جبر في قوله : ( فيه شفاء للناس ) يعني : القرآن .وهذا قول صحيح في نفسه ، ولكن ليس هو الظاهر هاهنا من سياق الآية ; فإن الآية إنما ذكر فيها العسل ، ولم يتابع مجاهد على قوله هاهنا ، وإنما الذي قاله ذكروه في قوله تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) الآية [ الإسراء : 82 ] . وقوله تعالى : ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) [ يونس : 57 ] .والدليل على أن المراد بقوله تعالى : ( فيه شفاء للناس ) هو العسل - الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من رواية قتادة ، عن أبي المتوكل علي بن داود الناجي ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن أخي استطلق بطنه . فقال : " اسقه عسلا " . فسقاه عسلا ثم جاء فقال : يا رسول الله ، سقيته عسلا فما زاده إلا استطلاقا ، قال : " اذهب فاسقه عسلا " . فذهب فسقاه ، ثم جاء فقال : يا رسول الله ، ما زاده إلا استطلاقا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " صدق الله ، وكذب بطن أخيك ، اذهب فاسقه عسلا " . فذهب فسقاه فبرئ .قال بعض العلماء بالطب : كان هذا الرجل عنده فضلات ، فلما سقاه عسلا وهو حار تحللت ، فأسرعت في الاندفاع ، فزاد إسهاله ، فاعتقد الأعرابي أن هذا يضره وهو مصلحة لأخيه ، ثم سقاه فازداد التحليل والدفع ، ثم سقاه فكذلك ، فلما اندفعت الفضلات الفاسدة المضرة بالبدن استمسك بطنه ، وصلح مزاجه ، واندفعت الأسقام والآلام ببركة إشارته - عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام - .وفي الصحيحين من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعجبه الحلواء والعسل . هذا لفظ البخاري .وفي صحيح البخاري : من حديث سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الشفاء في ثلاثة : في شرطة محجم ، أو شربة عسل ، أو كية بنار ، وأنهى أمتي عن الكي " .وقال البخاري : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عبد الرحمن بن الغسيل ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، سمعت جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن كان في شيء من أدويتكم ، أو يكون في شيء من أدويتكم خير : ففي شرطة محجم ، أو شربة عسل ، أو لذعة بنار توافق الداء ، وما أحب أن أكتوي " .ورواه مسلم من حديث عاصم بن عمر بن قتادة ، عن جابر به .وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق ، أنبأنا عبد الله ، أنبأنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثنا عبد الله بن الوليد ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر الجهني قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ثلاث إن كان في شيء شفاء : فشرطة محجم ، أو شربة عسل ، أو كية تصيب ألما ، وأنا أكره الكي ولا أحبه " .ورواه الطبراني عن هارون بن ملول المصري ، عن أبي عبد الرحمن المقرئ ، [ عن حيوة بن شريح ] عن عبد الله بن الوليد به . ولفظه : " إن كان في شيء شفاء : فشرطة محجم " . . . وذكره وهذا إسناد صحيح ولم يخرجوه .وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني في سننه : حدثنا علي بن سلمة - هو اللبقي - حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا سفيان عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " عليكم بالشفاءين : العسل والقرآن " .وهذا إسناد جيد ، تفرد بإخراجه ابن ماجه مرفوعا . وقد رواه ابن جرير ، عن سفيان بن وكيع ، عن أبيه ، عن سفيان - هو الثوري - به موقوفا : ولهو أشبه .وروينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال : إذا أراد أحدكم الشفاء فليكتب آية من كتاب الله في صحفة ، وليغسلها بماء السماء ، وليأخذ من امرأته درهما عن طيب نفس منها ، فليشتر به عسلا فليشربه بذلك ، فإنه شفاء . أي : من وجوه ، قال الله : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ) [ الإسراء : 82 ] وقال : ( ونزلنا من السماء ماء مباركا ) [ ق : 9 ] وقال : ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ) [ النساء : 4 ] وقال في العسل : ( فيه شفاء للناس )وقال ابن ماجه أيضا : حدثنا محمود بن خداش ، حدثنا سعيد بن زكريا القرشي ، حدثنا الزبير بن سعيد الهاشمي ، عن عبد الحميد بن سالم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من لعق العسل ثلاث غدوات في كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء " .الزبير بن سعيد متروك .وقال ابن ماجه أيضا : حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف بن سرح الفريابي ، حدثنا عمرو بن بكر السكسكي ، حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة . سمعت أبا أبي بن أم حرام - وكان قد صلى القبلتين - يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " عليكم بالسنى والسنوت ، فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام " . قيل : يا رسول الله ، وما السام ؟ قال : " الموت " .قال عمرو : قال ابن أبي عبلة : " السنوت " : الشبت . وقال آخرون : بل هو العسل الذي [ يكون ] في زقاق السمن ، وهو قول الشاعر :هم السمن بالسنوت لا ألس فيهم وهم يمنعون الجار أن يقرداكذا رواه ابن ماجه . وقوله : " لا ألس فيهم " أي : لا خلط . وقوله : " يمنعون الجار أن يقردا " [ أي يضطهد ويظلم ] .وقوله : ( إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ) أي : إن في إلهام الله لهذه الدواب الضعيفة الخلقة إلى السلوك في هذه المهامة والاجتناء من سائر الثمار ، ثم جمعها للشمع والعسل ، وهو من أطيب الأشياء ، ( لآية لقوم يتفكرون ) في عظمة خالقها ومقدرها ومسخرها وميسرها ، فيستدلون بذلك على أنه [ الفاعل ] القادر ، الحكيم العليم ، الكريم الرحيم .

تفسير الطبري : معنى الآية 69 من سورة النحل


يقول تعالى ذكره: ثم كلي أيتها النحل من الثمرات، ( فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ) يقول: فاسلكي طرق ربك ( ذُلُلا ) يقول: مُذَلَّلة لك، والذُّلُل: جمع ذَلُول.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى ( فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا ) قال: لا يتوعَّر عليها مكان سلكته.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ( فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا ) قال: طُرُقا ذُلُلا قال: لا يتوعَّر عليها مكان سلكته.
وعلى هذا التأويل الذي تأوّله مجاهد، الذلل من نعت السبل.
والتأويل على قوله ( فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا ) الذُّلُل لكِ: لا يتوعر عليكِ سبيل سلكتيه، ثم أسقطت الألف واللام فنصب على الحال.
وقال آخرون في ذلك بما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا ) : أي مطيعة.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور ، عن معمر، عن قتادة ( ذُلُلا ) قال: مطيعة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا ) قال: الذلول: الذي يُقاد ويُذهب به حيث أراد صاحبه، قال: فهم يخرجون بالنحل ينتجعون بها ويذهبون ، وهي تتبعهم.
وقرأ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ .
.
.
الآية ، فعلى هذا القول، الذّلُل من نعت النحل، وكلا القولين غير بعيد من الصواب في الصحة وجهان مخرجان، غير أنا اخترنا أن يكون نعتا للسُّبل لأنها إليها أقرب.
وقوله ( يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ) يقول تعالى ذكره: يخرج من بطون النحل شراب، وهو العسل، مختلف ألوانه، لأن فيها أبيض وأحمر وأسحر ، وغير ذلك من الألوان.
قال أبو جعفر: أسحر: ألوان مختلفة مثل أبيض يضرب إلى الحمرة.
وقوله ( فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ) اختلف أهل التأويل فيما عادت عليه الهاء التي في قوله ( فِيهِ) ، فقال بعضهم: عادت على القرآن، وهو المراد بها.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا نصر بن عبد الرحمن، قال: ثنا المحاربيّ، عن ليث، عن مجاهد ( فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ) قال: في القرآن شفاء.
وقال آخرون: بل أريد بها العسل.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ) ففيه شفاء كما قال الله تعالى من الأدواء، وقد كان ينهى عن تفريق النحل ، وعن قتلها.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور ، عن معمر، عن قتادة، قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فذكر أن أخاه اشتكى بطنه، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: اذْهَبْ فاسْقِ أخاكَ عَسَلا ثم جاءه فقال: ما زاده إلا شدة، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " اذْهَبْ فاسْقِ أخاكَ عَسَلا فَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ وكَذَبَ بَطْنُ أخِيكَ ، فسقاه، فكأنما نُشِط من عِقال ".
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ( يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ) قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: شفاءان: العسل شفاء من كلّ داء، والقرآن شفاء لما في الصدور.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ) العسل.
وهذا القول، أعني قول قتادة، أولى بتأويل الآية ، لأن قوله (فِيهِ) في سياق الخبر عن العسل فأن تكون الهاء من ذكر العسل، إذ كانت في سياق الخبر عنه أولى من غيره.
وقوله ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) يقول تعالى ذكره: إن في إخراج الله من بطون هذه النحل: الشراب المختلف، الذي هو شفاء للناس، لدلالة وحجة واضحة على من سخَّر النحل وهداها لأكل الثمرات التي تأكل، واتخاذها البيوت التي تنحت من الجبال والشجر والعروش، وأخرج من بطونها ما أخرج من الشفاء للناس، أنه الواحد الذي ليس كمثله شيء، وأنه لا ينبغي أن يكون له شريك ولا تصحّ الألوهة إلا له.

ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون

سورة : النحل - الأية : ( 69 )  - الجزء : ( 14 )  -  الصفحة: ( 274 ) - عدد الأيات : ( 128 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: إني لكم رسول أمين
  2. تفسير: من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا
  3. تفسير: إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنـزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير
  4. تفسير: وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت
  5. تفسير: فيهما فاكهة ونخل ورمان
  6. تفسير: ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان
  7. تفسير: قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا
  8. تفسير: متاع قليل ولهم عذاب أليم
  9. تفسير: ألكم الذكر وله الأنثى
  10. تفسير: ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنـزل الله بها من سلطان

تحميل سورة النحل mp3 :

سورة النحل mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة النحل

سورة النحل بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة النحل بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة النحل بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة النحل بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة النحل بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة النحل بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة النحل بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة النحل بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة النحل بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة النحل بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب