تفسير الطبري تفسير الصفحة 274 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 274
275
273
 الآية : 65
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّهُ أَنْزَلَ مِنَ الْسّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }.
يقول تعالـى ذكره منبه خَـلقِه علـى حججه علـيهم فـي توحيده، وأنه لا تنبغي الألوهة إلا له، ولا تصلـح العبـادة لشيء سواه: أيها الناس معبودكم الذي له العبـادة دون كلّ شيء، أنْزَلَ مِنَ السّماء ماءً يعنـي: مطرا، يقول: فأنبت بـما أنزل من ذلك الـماء من السماء الأرض الـميتة التـي لا زرع بها ولا عُشْبَ ولا نبت بَعْدَ مَوْتِها بعد ما هي ميتة لا شيء فـيها إن فـي ذلكَ لاَيةً يقول تعالـى ذكره: إن فـي إحيائنا الأرض بعد موتها بـما أنزلنا من السماء من ماء لدلـيلاً واضحا وحجة قاطعة عذر من فكر فـيه لَقَوْمٍ يَسْمَعُونَ يقول: لقوم يسمعون هذا القول فـيتدبرونه ويعقلونه ويطيعون الله بـما دلهم علـيه.
الآية : 66
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّ لَكُمْ فِي الأنْعَامِ لَعِبْرَةً نّسْقِيكُمْ مّمّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشّارِبِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وإن لكم أيها الناس لعظة فـي الأنعام التـي نُسْقـيكم مـما فـي بطونه.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: نُسْقِـيكُمْ فقرأته عامة أهل مكة والعراق والكوفة والبصرة، سوى عاصم، ومن أهل الـمدينة أبو جعفر: نُسْقِـيكُمْ بضم النون. بـمعنى: أنه أسقاهم شرابـا دائما. وكان الكسائي يقول: العرب تقول: أسقـيناهم نَهْرا وأسقـيناهم لبنا: إذا جعلته شِرْبـا دائما، فإذا أرادوا أنهم أعطوه شربة قالوا: سقـيناهم فنـحن نَسْقِـيهم بغير ألف. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة سوى أبـي جعفر، ومن أهل العراق عاصم: «نَسْقِـيكم» بفتـح النون من سقَاه الله فهو يَسْقـيه. والعرب قد تدخـل الألف فـيـما كان من السقـي غير دائم وتنزعها فـيـما كان دائما، وإن كان أشهر الكلامين عندها ما قال الكسائي، يدلّ علـى ما قلنا من ذلك، قول لَبـيد فـي صفة سحاب:
سَقَـى قَوْمي بَنِـي مَـجْدٍ وأسْقَـىنُـمَيْرا والقَبـائِلَ مِنْ هِلالِ
فجمع اللغتـين كلتـيهما فـي معنى واحد. فإذا كان ذلك كذلك، فبأية القراءتـين قرأ القارىء فمصيب، غير أن أعجب القراءتـين إلـيّ قراءة ضمّ النون لـما ذكرت من أن الكلامين عند العرب فـيـما كان دائما من السقـي أسقـى بـالألف فهو يُسْقِـي، وما أسقـى الله عبـاده من بطون الأنعام فدائم له غير منقطع عنهم. وأما قوله: مـمّا فِـي بُطُونِهِ وقد ذكر الأنعام قبل ذلك، وهي جمع والهاء فـي البطون موحدة، فإن لأهل العربـية فـي ذلك أقوالاً، فكان بعض نـحويـي الكوفة يقول: النّعم والأنعام شيء واحد، لأنهما جميعا جمعان، فردّ الكلام فـي قوله: مِـمّا فِـي بُطُونِهِ إلـى التذكير مرادا به معنى النّعم، إذ كان يؤدي عن الأنعام ويستشهد لقوله ذلك برجز بعض الأعراب:
إذا رأيْتَ أنْـجُما منَ الأسَدْجَبْهَتهُ أوِ الـخَرَاةِ والكَتَدْ
بـال سُهَيْـلٌ فـي الفَضِيخِ فَفَسَدْوطابَ ألْبـانُ اللّقاحِ فَبَردْ
ويقول: رجع بقوله: «فبرد» إلـى معنى اللبن، لأن اللبن والألبـان تكون فـي معنى واحد. وفـي تذكير النعم قول الاَخر:
أكُلّ عامٍ نَعَمٌ تَـحُوونَهْيُـلْقحُهُ قَوْمٌ وتَنْتِـجُونَهْ
فذكرّ النعم. وكان غيره منهم يقول: إنـما قال: مِـمّا فِـي بُطُونِهِ لأنه أراد: مـما فـي بطون ما ذكرنا وينشد فـي ذلك رَجزا لبعضهم:
(مِثْلُ الفِراخِ نُتّفَتْ حَوَاصِلُهْ )
وقول الأسود بن يَعْفُر:
إنّ الـمَنِـيّةَ والـحُتُوفَ كلاهُمايُوفـي الـمخَارِمَ يَرْقُبـانِ سَوَادِي
فقال: «كلاهما»، ولـم يقل: «كلتاهما» وقول الصّلتان العَبْديّ:
إنّ السّماحَةَ والـمُرُوءَة ضُمّناقَبْرا بـمَرْوَ علـى الطّرِيقِ الوَاضِحِ
وقول الاَخر:
وعَفْرَاءُ أدْنَى النّاس مِنّـي مَوَدّةًوعَفْرَاءُ عَنّـي الـمُعْرِضُ الـمُتَوَانِـي
ولـم يقل: الـمعرضة الـمتوانـية وقول الاَخرة:
إذا النّاسُ ناسٌ والبِلادُ بِغبْطَةٍوَإذْ أُمّ عَمّارٍ صَديقٌ مُساعِفُ
ويقول: كل ذلك علـى معنى هذا الشيء وهذا الشخص والسواد، وما أشبه ذلك. ويقول: من ذلك قول الله تعالـى ذكره: فَلَـمّا رأى الشّمْسَ بـازِغَةً قالَ هذَا رَبّـي بـمعنى: هذا الشيء الطالع، وقوله: إنّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ولـم يقل ذكرها، لأن معناه: فمن شاء ذكر هذا الشيء، وقوله: وَإنّـي مُرْسِلَةٌ إلَـيْهِمْ بِهَدِيّةٍ فَناظِرَةٌ بِـمَ يَرْجِعُ الـمُرْسَلُونَ فَلَـمّا جاءَ سُلْـيـمانَ، ولـم يقل «جاءت».
وكان بعض البصريـين يقول: قـيـل: مِـمّا فِـي بُطُونِهِ لأن الـمعنى: نسقـيكم من أيّ الأنعام كان فـي بطونه. ويقول: فـيه اللبن مضمر، يعنـي أنه يسقـي من أيها كان ذا لبن، وذلك أنه لـيس لكلها لبن، وإنـما يُسقـى من ذوات اللبن. والقولان الأوّلان أصحّ مخرجا علـى كلام العرب من هذا القول الثالث.
وقوله: مِنْ بـينِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنا خالِصا يقول: نسقـيكم لبنا، نـخرجه لكم من بـين فرث ودم خالصا يقول: خـلص من مخالطة الدم والفرث فلـم يختلطا به. سائِغا للشّارِبِـينَ يقول: يسوغ لـمن شربه فلا يَغَصّ به كما يَغَصّ الغاصّ ببعض ما يأكله من الأطعمة. وقـيـل: إنه لـم يَغَصّ أحد بـاللبن قَطّ.

الآية : 67
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِن ثَمَرَاتِ النّخِيلِ وَالأعْنَابِ تَتّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولكم أيضا أيها الناسُ عِبرةٌ فـيـما نسقـيكم من ثمرات النـخيـل والأعناب ما تَتّـخِذُونَ منه سَكَرا ورِزْقا حَسَنا مع ما نسقـيكم من بطون الأنعام من اللبن الـخارج من بـين الفرث والدم. وحذف من قوله: وَمِنْ ثَمَراتِ النّـخِيـلِ والأعنابِ الاسم، والـمعنى ما وصفت، وهو: ومن ثمرات النـخيـل والأعناب ما تتـخذون منه لدلالة «من» علـيه، لأن «من» تدخـل فـي الكلام مُبَعّضة، فـاستغنـي بدلالتها ومعرفة السامعين بـما يقتضي من ذكر الاسم معها. وكان بعض نـحويـي البصرة يقول فـي معنى الكلام: ومن ثمرات النـخيـل والأعناب شيء تتـخذون منه سَكَرا، ويقول: إنـما ذكرت الهاء فـي قوله: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ لأنه أريد بها الشيء، وهو عندنا عائد علـى الـمتروك، وهو «ما»، وقوله: تَتّـخِذُونَ من صفة «ما» الـمتروكة.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا فقال بعضهم: عنـي بـالسّكَر: الـخمرُ، وبـالرزق الـحسن: التـمرُ والزبـيبُ، وقال: أنـما نزلت هذه الاَية قبل تـحريـم الـخمر ثم حُرّمت بعد. ذكر من قال ذلك:
16390ـ حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي، قال: حدثنا أيوب بن جابر السّحَيْـمي، عن الأسود، عن عمرو بن سفـيان، عن ابن عبـاس، قوله: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: السّكَر: ما حُرّم من شرابه، والرزق الـحسن: ما أحلّ من ثمرته.
حدثنا ابن وكيع وسعيد بن الربـيع الرازي، قالا: حدثنا ابن عيـينة، عن الأسود بن قـيس، عن عمرو بن سفـيان، عن ابن عبـاس: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: الرزق الـحسن: ما أحلّ من ثمرتها، والسكَر: ما حرّم من ثمرتها.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن الأسود، عن عمرو بن سفـيان، عن ابن عبـاس مثله.
حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن الأسود بن قـيس، عن عمرو بن سفـيان، عن ابن عبـاس، بنـحوه.
حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم الفضل بن دكين، قال: حدثنا سفـيان، عن الأسود بن قـيس، عن عمرو بن سفـيان، عن ابن عبـاس بنـحوه.
حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الأسود بن قـيس، قال: سمعت رجلاً يحدّث عن ابن عبـاس فـي هذه الاَية: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: السكر: ما حرّم من ثمرتـيهما، والرزق الـحسن: ما أحلّ من ثمرتـيهما.
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا الـحسن بن صالـح، عن الأسود بن قـيس، عن عمرو بن سفـيان، عن ابن عبـاس، بنـحوه.
حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو غسان، قال: حدثنا زهير بن معاوية، قال: حدثنا الأسود بن قـيس، قال: ثنـي عمرو بن سفـيان، قال: سمعت ابن عبـاس يقول، وذكرت عنده هذه الاَية: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النّـخِيـلِ والأعْنابِ تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: السكر: ما حرّم منهما، والرزق الـحسن: ما أحلّ منهما.
حدثنـي يونس، قال: أخبرنا سفـيان، عن الأسود بن قـيس، عن عمرو بن سفـيان البصري، قال: قال ابن عبـاس، فـي قوله: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: فأما الرزق الـحسن: فما أحلّ من ثمرتهما، وأما السكر: فما حرّم من ثمرتهما.
حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا الـحِمّانـي، قال: حدثنا شريك، عن الأسود، عن عمرو بن سفـيان البصريّ، عن ابن عبـاس: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: السكر: حرامه، والرزق الـحسن: حلاله.
حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا العبـاس بن أبـي طالب، قال: حدثنا أبو عوانة، عن الأسود، عن عمرو بن سفـيان، عن ابن عبـاس قال: السّكَر: ما حرّم من ثمرتهما، والرزق الـحسن: ما حلّ من ثمرتهما.
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: الرزق الـحسن: الـحلال، والسّكَر: الـحرام.
16391ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: ما حرم من ثمرتهما، وما أحلّ من ثمرتهما.
حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، قال: السكر خمر، والرزق الـحسن الـحلال.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن مسعر وسفـيان، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، قال: الرزق الـحسن: الـحلال، والسّكَر: الـحرام.
حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، بنـحوه.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي هذه الاَية: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: السكَر: الـحرام، والرزق الـحسن: الـحلال.
16392ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبـي رزين: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: نزل هذا وهم يشربون الـخمر، فكان هذا قبل أن ينزل تـحريـم الـخمر.
16393ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَهديّ، قال: حدثنا شعبة، عن الـمغيرة، عن إبراهيـم والشعبـي وأبـي رزين، قالوا: هي منسوخة فـي هذه الاَية: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا.
حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: حدثنا أبو قطن، عن سعيد، عن الـمُغيرة، عن إبراهيـم والشعبـيّ، وأبـي رزين بـمثله.
16394ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن مغيرة، عن إبراهيـم، فـي قوله: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: هي منسوخة نسخها تـحريـم الـخمر.
16395ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا هوذة، قال: حدثنا عوف، عن الـحسن، فـي قوله: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: ذكر الله نعمته فـي السكر قبل تـحريـم الـخمر،
16396ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن منصور وعوف، عن الـحسن، قال السكر: ما حرّم الله منه، والرزق: ما أحلّ الله منه.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـي جعفر، عن الربـيع، عن الـحسن، قال: الرزق الـحسن: الـحلال، والسكَر: الـحرام.
16397ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سلـمة، عن الضحاك، قال: الرزق الـحسن: الـحلال، والسكَر: الـحرام.
16398ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن أبـي كدينة يحيى بن الـمهلب، عن لـيث، عن مـجاهد قال: السكر: الـخمر، والرزق الـحسن، الرّطَب والأعناب.
16399ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن لـيث، عن مـجاهد: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا قال: هي الـخمر قبل أن تـحرّم.
16400ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا قال: الـخمر قبل تـحريـمها، وَرِزْقا حَسَنا قال: طعاما.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد بنـحوه.
16401ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَمِنْ ثَمَراتِ النّـخِيـلِ والأعنابِ تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا أما السّكَر: فخمور هذه الأعاجم، وأما الرزق الـحسن: فما تنتبذون، وما تُـخَـلّلون، وما تأكلون. ونزلت هذه الاَية ولـم تـحرّم الـخمر يومئذ، وإنـما جاء تـحريـمها بعد ذلك فـي سورة الـمائدة.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة بن سلـيـمان، قال: قرأت علـى ابن أبـي عُذرة، قال: هكذا سمعت قتادة: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا ثم ذكر نـحو حديث بشر.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: سَكَرا قال: هي خمور الأعاجم، ونُسخت فـي سورة الـمائدة. والرزق الـحسن قال: ما تنتبذون وتـخـلّلون وتأكلون،
16402ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النّـخِيـلِ والأعْنابِ تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا وذلك أن الناس كانوا يسمّون الـخمر سكرا، وكانوا يشربونها، قال ابن عبـاس: مرّ رجال بوادي السكران الذي كانت قريش تـجتـمع فـيه، إذا تَلَقّوا مسافريهم إذا جاءوا من الشام، وانطلقوا معهم يشيعونهم حتـى يبلغوا وادي السكران ثم يرجعوا منه، ثم سماها الله بعد ذلك الـخمر حين حرمت. وقد كان ابن عبـاس يزعم أنها الـخمر، وكان يزعم أن الـحبشة يسمون الـخـلّ السكر. قوله: وَرِزْقا حَسَنا يعنـي بذلك: الـحلال التـمر والزبـيب، وما كان حلالاً لا يسكر.
وقال آخرون: السّكَر بـمنزلة الـخمر فـي التـحريـم ولـيس بخمر، وقالوا: هي نقـيع التـمر والزبـيب إذا اشتدّ وصار يسكر شاربه. ذكر من قال ذلك:
16403ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو، فـي قوله: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النّـخِيـلِ والأعْنابِ تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال ابن عبـاس: كان هذا قبل أن ينزل تـحريـم الـخمر والسكر حرام مثل الـخمر وأما الـحلال منه فـالزبـيب والتـمر والـخـل ونـحوه.
16404ـ حدثنـي الـمثنى، وعلـي بن داود، قالا: حدثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا فحرّم الله بعد ذلك، يعنـي بعد ما أنزل فـي سورة البقرة من ذكر الـخمر والـميسر والأنصاب والأزلام، السّكَر مع تـحريـم الـخمر لأنه منه، قال: وَرِزْقا حَسَنا فهو الـحلال من الـخـلّ والنبـيذ وأشبـاه ذلك، فأقرّه الله وجعله حلالاً للـمسلـمين.
16405ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن موسى، قال: سألت مرّة عن السّكَر، فقال: قال عبد الله: هو خمر.
16406ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي فروة، عن أبـي عبد الرحمن بن أبـي لـيـلـى، قال: السكر: خمر.
16407ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي الهيثم، عن إبراهيـم، قال: السكر: خمر.
16408ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا حسن بن صالـح، عن مغيرة، عن إبراهيـم وأبـي رزين، قالا: السكر: خمر.
16409ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا يعنـي: ما أسكر من العنب والتـمر وَرِزْقا حَسَنا يعنـي: ثمرتها.
16410ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: الـحلال ما كان علـى وجه الـحلال حتـى غيروها فجعلوا منها سَكَرا.
وقال آخرون: السّكَرَ: هو كلّ ما كان حلالاً شربه، كالنبـيذ الـحلال والـخـلّ والرطَب. والرزق الـحسن: التـمر والزبـيب. ذكر من قال ذلك:
16411ـ حدثنـي داود الواسطيّ، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: أبو رَوْق: ثنـي قال: قلت للشعبـيّ: أرأيت قوله تعالـى: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا أهو هذا السّكَر الذي تصنعه النّبَط؟ قال: لا، هذا خمر، إنـما السكر الذي قال الله تعالـى ذكره: النبـيذ والـخـلّ والرزق الـحسن: التـمر والزبـيب.
حدثنـي يحيى بن داود، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: وذكر مـجالد، عن عامر، نـحوه.
16412ـ حدثنـي أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا مندل، عن لـيث، عن مـجاهد: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: ما كانوا يتـخذون من النـخـل النّبـيذ، والرزق الـحسن: ما كانوا يصنعون من الزبـيب والتـمر.
حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا مندل، عن أبـي رَوْق، عن الشعبـيّ، قال: قلت له: ما تتـخذون منه سَكَرا؟ قال: كانوا يصنعون من النبـيذ والـخـلّ قلت: والرزق الـحسن؟ قال: كانوا يصنعون من التـمر والزبـيب.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة وأحمد بن بشير، عن مـجالد، عن الشعبـيّ، قال: السّكَر: النبـيذ والرزق الـحسن: التـمر الذي كان يؤكل.
وعلـى هذا التأويـل، الاَية غير منسوخة، بل حكمها ثابت.
وهذا التأويـل عندي هو أولـى الأقوال بتأويـل هذه الاَية، وذلك أن السكر فـي كلام العرب علـى أحد أوجه أربعة: أحدها: ما أسكر من الشراب. والثانـي: ما طُعِم من الطعام، كما قال الشاعر:
عَلْتُ عَيْبَ الأكْرَمِينَ سَكَرَا
أي طعما. والثالث: السّكُون، من قول الشاعر:
عَلَتْ عينْ الـحَرُورِ تَسْكُرُ
وقد بـيّنا ذلك فـيـما مضى. والرابع: الـمصدر من قولهم: سَكِرَ فلان يَسْكَرُ سُكْرا وسَكْرا وسَكَرا. فإذا كان ذلك كذلك، وكان ما يُسْكِر من الشراب حراما بـما قد دللنا علـيه فـي كتابنا الـمسمى: «لطيف القول فـي أحكام شرائع الإسلام» وكان غير جائز لنا أن نقول: هو منسوخ، إذ كان الـمنسوخ هو ما نَفَـى حكمه الناسخ وما لا يجوز اجتـماع الـحكم به وناسخه، ولـم يكن فـي حكم الله تعالـى ذكره بتـحريـم الـخمر دلـيـل علـى أن السّكَر الذي هو غير الـخمر، وغير ما يسكر من الشراب، حرام إذ كان السكر أحد معانـيه عند العرب، ومن نزل بلسانه القرآن هو كلّ ما طعم، ولـم يكن مع ذلك، إذ لـم يكن فـي نفس التنزيـل دلـيـل علـى أنه منسوخ، أو ورد بأنه منسوخ خبر من الرسول، ولا أجمعت علـيه الأمة، فوجب القول بـما قلنا من أن معنى السّكَرَ فـي هذا الـموضع: هو كلّ ما حلّ شربه مـما يتـخذ من ثمر النـخـل والكرم، وفسد أن يكون معناه الـخمر أو ما يسكر من الشراب، وخرج من أن يكون معناه السّكَر نفسه، إذ كان السّكَر لـيس مـما يتـخذ من النّـخْـل والكَرْم، ومن أن يكون بـمعنى السكون.
وقوله: إنّ فِـي ذلكَ لاَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يقول: فـيـما إن وصفنا لكم من نعمنا التـي آتـيناكم أيها الناس من الأنعام والنـخـل والكرم، لدلالة واضحة وآية بـينة لقوم يعقلون عن الله حججه ويفهمون عنه مواعظه فـيتعظون بها.
الآية : 68
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَوْحَىَ رَبّكَ إِلَىَ النّحْلِ أَنِ اتّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشّجَرِ وَمِمّا يَعْرِشُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وألهم ربك يا مـحمد النـحل إيحاء إلـيها أنِ أتّـخِذِي مِنَ الـجبِـالِ بُـيُوتا وَمِنَ الشّجَرِ ومـمّا يَعْرِشُونَ يعنـي: مـما يبنون من السقوف، فرفعوها بـالبناء.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16413ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا مروان، عن إسحاق التـميـمي، وهو ابن أبـي الصبـاح، عن رجل، عن مـجاهد: وأوْحَى رَبّكَ إلـى النّـحْلِ قال: ألهمها إلهاما.
16414ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: بلغنـي، فـي قوله: وأوْحَى رَبّكَ إلـى النّـحْلِ قال: قذف فـي أنفسها.
16415ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي أبو سفـيان، عن معمر، عن أصحابه، قوله: وأوْحَى رَبّكَ إلـى النّـحْلِ قال: قذف فـي أنفسها أن اتـخذي من الـجبـال بـيوتا.
16416ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه عن ابن عبـاس، قوله: وأوْحَى رَبّكَ إلـى النّـحْلِ.... الاَية، قال: أمرها أن تأكل من الثمرات، وأمرها أن تتبع سبل ربها ذُلُلاً.
وقد بـيّنا معنى الإيحاء واختلاف الـمختلفـين فـيه فـيـما مضى بشواهده، بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع، وكذلك معنى قوله: يَعْرِشُونَ.
وكان ابن زيد يقول فـي معنى يعرشون، ما:
16417ـ حدثنـي به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: يَعْرِشُونَ قال: الكَرْم.
الآية : 69
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ثُمّ كُلِي مِن كُلّ الثّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنّاسِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ثم كلـي أيتها النـحل من الثمرات، فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ يقول: فـاسلكي طرق ربك ذُلُلاً يقول: مُذَلّلَةً لك، والذّلُل: جمع ذَلُول.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16418ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله تعالـى: فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً قال: لا يتوعّر علـيها مكان سلكته.
16419ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً قال: طُرُقا ذُلُلا، قال: لا يتوعّر علـيها مكان سلكته.
وعلـى هذا التأويـل الذي تأوّله مـجاهد، الذلل من نعت السبل.
والتأويـل علـى قوله: فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً الذّلُل لك: لا يتوعر علـيكِ سبـيـل سلكتـيه، ثم أسقطت الألف واللام فنصب علـى الـحال.
وقال آخرون فـي ذلك بـما:
16420ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً: أي مطيعة.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ذُلُلاً قال: مطيعة.
16421ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً قال: الذلول: الذي يُقاد ويُذهب به حيث أراد صاحبه، قال: فهم يخرجون بـالنـحل ينتـجعون بها ويذهبون وهي تتبعهم. وقرأ: أوَلـمْ يَرَوْا أنّا خَـلَقْنا لَهُمْ مِـمّا عَمِلَتْ أيْدِينا أنْعاما فَهُمْ لَهَا مالِكُونَ وَذلّلْناها لَهُمْ.... الاَية.
فعلـى هذا القول، الذّلُل من نعت النـحل، وكلا القولـين غير بعيد من الصواب فـي الصحة وجهان مخرجان، غير أنا اخترنا أن يكون نعتا للسّبل لأنها إلـيها أقرب.
وقوله: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ ألْوَانُهُ يقول تعالـى ذكره: يخرج من بطون النـحل شراب، وهو العسل، مختلف ألوانه، لأن فـيها أبـيض وأحمر وأسحر وغير ذلك من الألوان.
قال أبو جعفر: «أسحر»: ألوان مختلفة مثل أبـيض يضرب إلـى الـحمرة.
وقوله: فِـيهِ شِفـاءٌ للنّاسِ اختلف أهل التأويـل فـيـما عادت علـيه الهاء التـي فـي قوله: فِـيهِ، فقال بعضهم: عادت علـى القرآن، وهو الـمراد بها. ذكر من قال ذلك:
16422ـ حدثنا نصر بن عبد الرحمن، قال: حدثنا الـمـحاربـيّ، عن لـيث، عن مـجاهد: فِـيهِ شِفـاءٌ للنّاسِ قال: فـي القرآن شفـاء.
وقال آخرون: بل أريد بها العسل. ذكر من قال ذلك:
16423ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ ألْوَانُهُ فِـيهِ شِفـاءٌ للنّاسِ ففـيه شفـاء كما قال الله تعالـى من الأدواء، وقد كان ينهي عن تفريق النـحل وعن قتلها.
16424ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: جاء رجل إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم، فذكر أن أخاه اشتكى بطنه، فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «اذْهَبْ فـاسْقِ أخاكَ عَسَلاً» ثم جاءه فقال: ما زاده إلا شدة، فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «اذْهَبْ فـاسْقِ أخاكَ عَسَلاً، فَقَدْ صَدَقَ اللّهُ وكَذَبَ بَطْنُ أخِيكَ» فسقاه، فكأنـما نُشِط من عِقال.
حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ ألْوَانُهُ فِـيهِ شِفـاءٌ للنّاسِ قال: جاء رجل إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم، فذكر نـحوه.
16425ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص، عن عبد الله، قال: شفـاءان: العسل شفـاء من كلّ داء، والقرآن شفـاء لـما فـي الصدور.
16426ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: فِـيهِ شِفـاءٌ للنّاسِ العسل.
وهذا القول، أعنـي قول قتادة، أولـى بتأويـل الاَية لأن قوله: فِـيهِ فـي سياق الـخبر عن العسل، فأن تكون الهاء من ذكر العسل، إذ كانت فـي سياق الـخبر عنه أولـى من غيره.
وقوله: إنّ فِـي ذلكَ لاَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ يقول تعالـى ذكره: إن فـي إخراج الله من بطون هذه النـحل: الشراب الـمختلف، الذي هو شفـاء للناس، لدلالة وحجة واضحة علـى من سخّر النـحل وهداها لأكل الثمرات التـي تأكل، واتـخاذها البـيوت التـي تنـحت من الـجبـال والشجر والعروش، وأخرج من بطونها ما أخرج من الشفـاء للناس، أنه الواحد الذي لـيس كمثله شيء، وأنه لا ينبغي أن يكون له شريك ولا تصحّ الألوهة إلا له.
الآية : 70
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمّ يَتَوَفّاكُمْ وَمِنكُم مّن يُرَدّ إِلَىَ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }.
يقول تعالـى ذكره: والله خـلقكم أيها الناس وأوجدكم ولـم تكونوا شيئا، لا الاَلهةُ التـي تعبدون من دونه، فـاعبدوا الذي خـلقكم دون غيره. ثُمّ يَتَوَفّـاكُمْ يقول: ثم يقبضكم. وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدّ إلـى أرْذَلِ العُمُرِ يقول: ومنكم من يَهْرَم فـيصير إلـى أرذل العمر، وهو أردؤه، يقال منه: رذل الرجل وفسل، يرذل رذالة ورذولة ورذلته أنا. وقـيـل: إنه يصير كذلك فـي خمس وسبعين سنة.
16427ـ حدثنـي مـحمد بن إسماعيـل الفزاريّ، قال: أخبرنا مـحمد بن سَوار، قال: حدثنا أسد بن عمران، عن سعد بن طريق، عن الأصبغ بن نَبـاتة، عن علـيّ، فـي قوله: وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدّ إلـى أرْذَلِ العُمُرِ قال: خمسٌ وسبعون سنة.
وقوله: لِكَيْ لا يَعْلَـمَ بَعْدَ عِلْـمٍ شَيْئا يقول: إنـما نردّه إلـى أرذل العمر لـيعود جاهلاً كما كان فـي حال طفولته وصبـاه. بَعْدَ عِلْـمٍ شَيْئا يقول: لئلا يعلـم شيئا بعد علـم كان يعلـمه فـي شبـابه، فذهب ذلك بـالكبر ونسي، فلا يعلـم منه شيئا، وانسلـخ من عقله، فصار من بعد عقل كان له لا يعقل شيئا. إنّ اللّهَ عَلِـيـمٌ قَدِيرٌ يقول: إن الله لا ينسى ولا يتغير علـمه، علـيـم بكلّ ما كان ويكون، قدير علـى ما شاء، لا يجهل شيئا ولا يُعجزه شيءٌ أراده.
الآية : 71
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّهُ فَضّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىَ بَعْضٍ فِي الْرّزْقِ فَمَا الّذِينَ فُضّلُواْ بِرَآدّي رِزْقِهِمْ عَلَىَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: والله أيها الناس فضّل بعضكم علـى بعض فـي الرزق الذي رزقكم فـي الدنـيا، فما الذين فضّلهم الله علـى غيرهم بـما رزقهم بِرَادّي رِزْقهِمْ علـى ما مَلَكَتْ أيـمَانُهُمْ يقول: بـمشركي مـمالـيكِهم فـيـما رزقهم من الأموال والأزواج. فَهُمْ فِـيهِ سَوَاءٌ يقول: حتـى يستووا هم فـي ذلك وعبـيدهم، يقول تعالـى ذكره: فهم لا يرضَون بأن يكونوا هم ومـمالـيكهم فـيـما رزقتهم سواء، وقد جعلوا عبـيدي شركائي فـي ملكي وسلطانـي. وهذا مَثَل ضربه الله تعالـى ذكره للـمشركين بـالله. وقـيـل: إنـما عَنَى بذلك الذين قالوا: إن الـمسيح ابن الله من النصارى. وقوله: أفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ يقول تعالـى ذكره: أفبنعمة الله التـي أنعمها علـى هؤلاء الـمشركين من الرزق الذي رزقهم فـي الدنـيا يجحدون بإشراكهم غير الله من خـلقه فـي سلطانه ومُلكه؟
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16428ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: وَاللّهُ فَضّلَ بَعْضَكُمْ علـى بَعْضٍ فِـي الرّزْقِ فَمَا الّذِينَ فُضّلُوا بِرَادّي رِزْقِهِمْ عَلـى ما مَلَكَتْ أيـمَانُهُمْ يقول: لـم يكونوا يشركون عبـيدهم فـي أموالهم ونسائهم، فكيف يشركون عبـيدي معي فـي سلطانـي؟ فذلك قوله: أفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ.
16429ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس: هذه الاَية فـي شأن عيسى ابن مريـم، يعنـي بذلك نفسه، إنـما عيسى عبد، فـيقول الله: والله ما تشركون عبـيدكم فـي الذي لكم فتكونوا أنتـم وهم سواء، فكيف ترضَون لـي بـما لا ترضون لأنفسكم؟
16430ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: بِرَادّي رِزْقِهِمْ عَلـى ما مَلَكَتْ أيـمَانُهُمْ قال: مثل آلهة البـاطل مع الله تعالـى ذكره.
16431ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَاللّهُ فَضّلَ بَعْضَكُمْ علـى بَعْضٍ فِـي الرّزْقِ فَمَا الّذِينَ فُضّلُوا بِرَادّي رِزْقِهِمْ عَلـى ما مَلَكَتْ أيـمَانُهُمْ فَهُمْ فِـيهِ سَوَاءٌ أفَبِنَعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ وهذا مثل ضربه الله، فهل منكم من أحد شارك مـملوكه فـي زوجته وفـي فراشه فتعدلون بـالله خـلقه وعبـاده؟ فإن لـم ترض لنفسك هذا، فـالله أحقّ أن ينزّه منه من نفسك، ولا تعدل بـالله أحدا من عبـاده وخـلقه.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: فَمَا الّذِينَ فُضّلُوا بِرَادّي رِزْقِهِمْ علـى ما مَلَكَتْ أيـمَانُهُمْ قال: هذا الذي فضل فـي الـمال والولد، لا يشرك عبده فـي ماله وزوجته. يقول: قد رضيت بذلك لله ولـم ترض به لنفسك، فجعلت لله شريكا فـي ملكه وخـلقه.
الآية : 72
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مّنَ الطّيّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَاللّهُ الذي جَعَلَ لَكُمْ أيها الناس مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجا يعنـي أنه خـلق آدم زوجته حوّاء، وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أزواجكم بنـين وحَفَدةً، كما:
16432ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَالله جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجا: أي والله خـلق آدم، ثم خـلق زوجته منه ثم جعل لكم بنـين وحفدة.
واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيـين بـالـحفدة، فقال بعضهم: هم الأختان، أختان الرجل علـى بناته. ذكر من قال ذلك:
16433ـ حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا أبـان بن تغلب، عن الـمنهال بن عمرو، عن ابن حبـيش، عن عبد الله: بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: الأَخْتان.
16434ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر، عن عاصم، عن ورقاء سألت عبد الله: ما تقول فـي الـحَفَدَة؟ هم حَشَم الرجل يا أبـا عبد الرحمن؟ قال: لا، ولكنهم الأختان.
حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قالا جميعا: حدثنا سفـيان، عن عاصم بن بَهْدَلة، عن زِرّ بن حُبَـيش، عن عبد الله، قال: الـحَفَدة: الأختان.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان بإسناده عن عبد الله، مثله.
16435ـ حدثنا ابن بشار وأحمد بن الولـيد القرشي وابن وكيع وسوار بن عبد الله العنبريّ ومـحمد بن خـلف بن خِراش والـحسن بن خـلف الواسطيّ، قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن الأعمش، عن أبـي الضحى، قال: الـحَفَدة: الأختان. 16436ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا هشيـم، عن الـمغيرة، عن إبراهيـم، قال: الـحَفَدة: الأختان. 16437ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير: بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: الـحَفَدة: الأختان. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: الـحَفَدَة: الـخَتْن. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن عاصم، عن زرّ، عن عبد الله، قال: الأختان. 16438ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حفص، عن أشعث، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: الأختان. 16439ـ وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ عن ابن عبـاس، قوله: وحَفَدَةً قال: الأصهار. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا حماد، عن عاصم، عن زرّ، عن ابن مسعود، قال: الـحَفَدة: الأختان. 16440ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عاصم بن أبـي النـجود، عن زرّ بن حبـيش، قال: قال لـي عبد الله بن مسعود: ما الـحفَدة يا زِرّ؟ قال: قلت: هم أحفـاد الرجل من ولده وولد ولده. قال: لا، هم الأصهار. وقال آخرون: هم أعوان الرجل وخدمه. ذكر من قال ذلك: 16441ـ حدثنـي مـحمد بن خالد بن خداش، قال: ثنـي سلـيـم بن قتـيبة، عن وهب بن حبـيب الأَسَدي، عن أبـي حمزة، عن ابن عبـاس سئل عن قوله: بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: من أعانك فقد حَفَدك، أما سمعت قوله الشاعر: حَفَدَ الوَلائِدُ حَوْلُهنّ وأُسْلِـمَتْبأكُفّهِنّ أزِمّةُ الأجْمالِ 16442ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، فـي قوله: بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: الـحفدة: الـخُدّام. حدثنـي مـحمد بن خالد بن خداش، قال: ثنـي سَلْـم بن قتـيبة، عن حازم بن إبراهيـم البَجَلـي، عن سماك، عن عكرمة، قال: قال: الـحَفَدة: الـخُدّام. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمران بن عيـينة، عن حصين، عن عكرمة، قال: هم الذين يُعينون الرجل من ولده وخدمه. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الـحكَم بن أبـان، عن عكرمة: وَحَفَدَةً قال: الـحَفدة: من خدمك مِنْ ولدك. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن سلام بن سلـيـم، وقـيس عن سمِاك، عن عكرمة، قال: هم الـخدم. حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سلام أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، مثله. 16443ـ حدثنـي مـحمد بن خالد، قال: ثنـي سلـمة، عن أبـي هلال، عن الـحسن، فـي قوله: بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: البنـين وبنـي البنـين، مَن أعانك من أهل وخادم فقد حفدك. 16444ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن منصور، عن الـحسن، قال: هم الـخَدَم. 16445ـ حدثنـي مـحمد بن خالد وابن وكيع، ويعقوب بن إبراهيـم، قالوا: حدثنا إسماعيـل بن عُلَـية، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: الـحَفَدة: الـخَدَم. 16446ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي وحدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، جميعا عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: ابنه وخادمه. 16447ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله تعالـى: بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: أنصارا وأعوانا وخدّاما. 16448ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا زمعة، عن ابن طاوس، عن أبـيه، قال: الـحفدة: الـخدم. 16449ـ حدثنا ابن بشار مرّة أخرى، قال: ابنه وخادمه. 16450ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ بَنِـينَ وَحَفَدَةً مَهَنة يَـمْهنونك ويخدمونك من ولدك، كرامة أكرمكم الله بها. 16451ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الله، عن إسرائيـل، عن السّديّ، عن أبـي مالك: الـحَفَدة، قال: الأعوان. 16452ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن حصين، عن عكرمة، قال: الذين يعينونه. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا مَعْمر، عن الـحكَم بن أبـان، عن عكرمة، فـي قوله: بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: الـحفدة: من خدمك من ولدك وولد ولدك. حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن التـيـميّ، عن أبـيه، عن الـحسن، قال: الـحَفَدة: الـخَدَم. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن حصين، عن عكرمة: بَنِـينَ وَحَفَدَةًقال: ولده الذين يعينونه. وقال آخرون: هم ولد الرجل وولد ولده. ذكر من قال ذلك: 16453ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس: وَحَفَدَةً قال: هم الولد وولد الولد. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن مـجاهد وسعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس فـي هذه الاَية: بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: الـحَفَدة: البنون. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا غُنْدَر، عن شعبة، عن أبـي بشر، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس، مثله.
16454ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: بنوك حين يحفدونك ويرفدونك ويعينونك ويخدمونك، قال حميد:
حَفَدَ الوَلائِدُ حَوْلَهُنّ وأُسْلِـمَتْبِأَكُفّهِنّ أزِمّةَ الأجمْالِ
16455ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: الـحفَدة: الـخدم من ولد الرجل هم ولده، وهم يخدمونه. قال: ولـيس تكون العبـيد من الأزواج، كيف يكون من زوجي عبد؟ إنـما الـحفدة: ولد الرجل وخدمه.
16456ـ حُدثت عن الـحسين بن الفَرَج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: بَنِـينَ وَحَفَدَةً يعنـي: ولد الرجل يحفِدونه ويخدُمونه، وكانت العرب إنـما تـخدمهم أولادهم الذكور.
وقال آخرون: هم بنو امرأة الرجل من غيره. ذكر من قال ذلك:
16457ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ بَنِـينَ وَحَفَدَةً يقول: بنو امرأة الرجل لـيسوا منه.
ويقال: الـحَفَدة: الرجل يعمل بـين يدي الرجل، يقول: فلان يحفد لنا، ويزعم رجال أن الـحفَدة أخْتان الرجل.
والصواب من
القول فـي ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالـى أخبر عبـاده معرفَهم نعمه علـيهم، فـيـما جعل لهم من الأزواج والبنـين، فقال تعالـى: وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ بَنِـينَ وَحَفَدَةً فأعلـمهم أنه جعل لهم من أزواجهم بنـين وحَفدة، والـحفَدة فـي كلام العرب: جمع حافد، كما الكذبة: جمع كاذب، والفسَقة: جمع فـاسق. والـحافد فـي كلامهم: هو الـمتـخفّف فـي الـخدمة والعمل، والـحَفْد: خفة العمل يقال: مرّ البعير يحَفِدُ حفَدَانا: إذا مرّ يُسرع فـي سيره. ومنه قولهم: «إلـيك نسعى ونَـحْفِدُ»: أي نسرع إلـى العمل بطاعتك. يقال منه: حَفَدَ له يَحْفِدُ حَفْدا وحُفُودا وحَفَدَانا ومنه قول الراعي:
كَلّفْتُ مَـجْهُوَلَها نُوقا يَـمَانـيَةًإذا الـحُدَاةُ علـى أكْسائها حَفَدُوا
وإذ كان معنى الـحفدة ما ذكرنا من أنهم الـمسرعون فـي خدمة الرجل الـمتـخففون فـيها، وكان الله تعالـى ذكره أخبرنا أن مـما أنعم به علـينا أن جعل لنا حفدة تـحفد لنا، وكان أولادنا وأزواجنا الذين يصلـحون للـخدمة منا ومن غيرنا وأختاننا الذين هم أزواج بناتنا من أزواجنا وخدمنا من مـمالـيكنا إذا كانوا يحفدوننا فـيستـحقون اسم حفدة، ولـم يكن الله تعالـى دلّ بظاهر تنزيـله ولا علـى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولا بحجة عقل، علـى أنه عنى بذلك نوعا من الـحفدة دون نوع منهم، وكان قد أنعم بكلّ ذلك علـينا، لـم يكن لنا أن نوجه ذلك إلـى خاصّ من الـحفدة دون عام، إلا ما اجتـمعت الأمة علـيه أنه غير داخـل فـيهم. وإذا كان ذلك كذلك فلكلّ الأقوال التـي ذكرنا عمن ذكرنا وجه فـي الصحة ومَخْرج فـي التأويـل وإن كان أولـى بـالصواب من القول ما اخترنا لـما بـيّنا من الدلـيـل.
وقوله: وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطّيّبـاتِ يقول: ورزقكم من حلال الـمعاش والأرزاق والأقوات. أفَبـالبـاطِلِ يُؤْمِنُونَ يقول تعالـى ذكره: يحرّم علـيهم أولـياء الشيطان من البحائر والسوائب والوصائل، فـيصدّق هؤلاء الـمشركون بـالله. وَبِنِعْمَةِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ يقول: وبـما أحلّ الله لهم من ذلك وأنعم علـيهم بإحلاله، يَكْفُرُونَ يقول: ينكرون تـحلـيـله، ويجحدون أن يكون الله أحلّه