الآية 69 من سورة النحل مكتوبة بالتشكيل

﴿ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
[ النحل: 69]

سورة : النحل - An-Nahl  - الجزء : ( 14 )  -  الصفحة: ( 274 )

"Then, eat of all fruits, and follow the ways of your Lord made easy (for you)." There comes forth from their bellies, a drink of varying colour wherein is healing for men. Verily, in this is indeed a sign for people who think.


ذللا : مذلّلة مُسهّلة لك

ثم كُلي مِن كل ثمرة تشتهينها، فاسلكي طرق ربك مذللة لك؛ لطلب الرزق في الجبال وخلال الشجر، وقد جعلها سهلة عليكِ، لا تضلي في العَوْد إليها وإن بَعُدَتْ. يخرج من بطون النحل عسل مختلف الألوان مِن بياض وصفرة وحمرة وغير ذلك، فيه شفاء للناس من الأمراض. إن فيما يصنعه النحل لَدلالة قوية على قدرة خالقها لقوم يتفكرون، فيعتبرون.

ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها - تفسير السعدي

تفسير الآيتين 68 و69 :ـفي خلق هذه النحلة الصغيرة، التي هداها الله هذه الهداية العجيبة، ويسر لها المراعي، ثم الرجوع إلى بيوتها التي أصلحتها بتعليم الله لها، وهدايته لها ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ مختلف الألوان بحسب اختلاف أرضها ومراعيها، فيه شفاء للناس من أمراض عديدة.
فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى، وتمام لطفه بعباده، وأنه الذي لا ينبغي أن يحب غيره ويدعي سواه.

تفسير الآية 69 - سورة النحل

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل : الآية رقم 69 من سورة النحل

 سورة النحل الآية رقم 69

ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها - مكتوبة

الآية 69 من سورة النحل بالرسم العثماني


﴿ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسۡلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗاۚ يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ  ﴾ [ النحل: 69]


﴿ ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ﴾ [ النحل: 69]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة النحل An-Nahl الآية رقم 69 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 69 من النحل صوت mp3


تدبر الآية: ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها

ما أبدعَ صُنعَ الله! يسَّر للنحل أنواعَ الثمرات، فجاء منها عسلٌ مختلفُ الألوان، ولم يقصِرها على ثمرة واحدة، أو كلَّف الناس بكل غذائها، فتَحصُل عليهم مشقة بذلك كله.
العسل من موارد الشفاء، ومعادنِ الدواء، فللهِ الحمدُ على نعمته، وله الشكرُ على مِنَّته.
إن مملكةَ النحل بحاجةٍ إلى من يتفكرُ في إبداع الله في خلقها، فكم في نظامها وأسلوب حياتها من آياتٍ لمن تدبَّر فيها!

وقوله: ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا.. بيان للون آخر من الإلهامات التي ألهمها الله-تبارك وتعالى- إياها.
والسبل: جمع سبيل.
والمراد بها الطرق التي تسلكها النحلة في خروجها من بيتها وفي رجوعها إليه وأضاف- سبحانه - السبل إليه، لأنه هو خالقها وموجدها.
وذللا: جمع ذلول وهو الشيء الممهد المنقاد، وهو حال من السبل، أى: فاسلكي سبل ربك حال كونها ممهدة لك، لا عسر في سلوكها عليك، وإن كانت صعبة بالنسبة لغيرك.
قالوا: ربما أجدب عليها ما حولها، فتنتجع الأماكن البعيدة للمرعى، ثم تعود إلى بيوتها دون أن تضل عنها.
وقيل إن «ذللا» حال من النحلة أى: ثم كلى من كل الثمرات، فاسلكي سبل ربك، حالة كونك منقادة لما يراد منك، مطيعة لما سخرك الله له من أمور تدل على قدرته وحكمته- سبحانه -.
وقوله-تبارك وتعالى-: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ كلام مستأنف، عدل به من خطاب النحلة الى خطاب الناس، تعديدا للنعم، وتعجيبا لكل سامع، وتنبيها على مواطن العظات والعبر الدالة على وحدانية الله-تبارك وتعالى- وقدرته وعجيب صنعه في خلقه.
أى: يخرج من بطون النحل- بعد أكلها من كل الثمرات وبعد اتخاذها بيوتها- شراب هو العسل، مختلف ألوانه ما بين أبيض وأصفر وغير ذلك من ألوان العسل، على حسب اختلاف مراعيها ومآكلها وسنها، وغير ذلك بما اقتضته حكمته- سبحانه -.
والضمير في قوله-تبارك وتعالى-: فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ يعود على الشراب المستخرج من بطونها وهو العسل.
أى: في العسل شفاء عظيم للناس من أمراض كثيرة تعرض لهم.
وقيل: الضمير يعود إلى القرآن الكريم، والتقدير: فيما قصصنا عليكم في هذا القرآن الشفاء للناس.
وهذا القيل وإن كان صحيحا في ذاته، إلا أن السياق لا يدل عليه، لأن الآية تتحدث عما يخرج من بطون النحل وهو العسل، ولا وجه للعدول عن الظاهر، ومخالفة المرجع الواضح.
قال الإمام ابن كثير: والدليل على أن المراد بقوله فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ هو العسل، الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبى سعيد الخدري- رضى الله عنه-، أن رجلا جاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أخى استطلق بطنه فقال: «اسقه عسلا» ، فذهب فسقاه عسلا ثم جاء فقال: يا رسول الله، سقيته عسلا فما زاده إلا استطلاقا.
قال:«اذهب فاسقه عسلا» .
فذهب فسقاه عسلا ثم جاء فقال يا رسول الله، سقيته عسلا فما زاده إلا استطلاقا.
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - «صدق الله وكذب بطن أخيك.
اذهب فاسقه عسلا» فذهب فسقاه عسلا فبرئ.
ثم ساق الإمام ابن كثير بعد ذلك جملة من الأحاديث في هذا المعنى منها ما رواه البخاري عن ابن عباس قال: الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم أو شربة عسل أوكية بنار، وأنهى أمتى عن الكي» .
وروى البخاري- أيضا- عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن كان في شيء من أدويتكم- أو يكون في شيء من أدويتكم- خير: ففي شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة بنار، توافق الداء، وما أحب أن أكتوى».
وقال صاحب فتح البيان: وقد اختلف أهل العلم هل هذا الشفاء الذي جعله الله في العسل عام لكل داء، أو خاص ببعض الأمراض.
فقال طائفة: هو على العموم في كل حال ولكل أحد.
وقالت طائفة: أخرى: إن ذلك خاص ببعض الأمراض، ولا يقتضى العموم في كل علة وفي كل إنسان، وليس هذا بأول لفظ خصص في القرآن فالقرآن مملوء منه، ولغة العربي يأتى فيها العام كثيرا بمعنى الخاص، والخاص بمعنى العام.
ومما يدل على هذا، أن العسل نكرة في سياق الإثبات فلا يكون عاما باتفاق أهل اللسان.
ومحققي أهل الأصول.
وتنكيره إن أريد به التعظيم لا يدل إلا على أن فيه شفاء عظيما لمرض، أو أمراض، لا لكل مرض، فإن تنكير التعظيم لا يفيد العموم.
ثم قال: قلت: وحديث البخاري: أن أخى استطلق بطنه.. أوضح دليل على ما ذهبت إليه طائفة من تعميم الشفاء، لأن قوله صلى الله عليه وسلم «صدق الله» أى: أنه شفاء فلو كان لبعض دون بعض لم يكرر الأمر بالسقيا».
والذي نراه، أن من الواجب علينا أن نؤمن إيمانا جازما بأن العسل المذكور فيه شفاء للناس، كما صرح بذلك القرآن الكريم، وكما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلينا بعد ذلك أن نفوض أمر هذا الشفاء وعموميته وخصوصيته لعلم الله-تبارك وتعالى- وقدرته وحكمته ويكفينا يقينا في هذا المجال، إصرار النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقول للرجل الذي استطلق بطن أخيه أكثر من مرة، «اذهب فاسقه عسلا» .
وقد تولى كثير من الأطباء شرح هذه الآية الكريمة شرحا علميا وافيا، وبينوا ما اشتمل عليه عسل النحل من فوائد.
ثم ختم- سبحانه -: الآية الكريمة بقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.
أى: إن في ذلك الذي ذكرناه لكم من أمر النحل من إلهامها اتخاذ البيوت العجيبة، ومن إدارتها لشئون حياتها بدقة متناهية، ومن سلوكها الطرق التي جعلها الله مذللة في ذهابها وإيابها للحصول على قوام حياتها، ومن خروج العسل من بطونها ...
إن في ذلك وغيره، لآية باهرة، وعبرة ظاهرة، ودلالة جلية، على وحدانية الله-تبارك وتعالى- وقدرته، وحكمته، لقوم يحسنون التفكير فيما أخبرهم الله-تبارك وتعالى- عنه، ويوقنون بأن لهذا الكون ربا واحدا لا إله الا هو تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.
وإلى هنا تكون الآيات الكريمة قد ساقت لنا ألوانا من عجائب صنع الله في خلقه، كاستخراج اللبن من بين فرث ودم، وكاتخاذ السكر والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب، وكاستخراج العسل الذي فيه شفاء للناس من بطون النحل.
فهذه الأشربة قد أخرجها الله-تبارك وتعالى- من أجساد مخالفة لها في شكلها، وقد ساقها- سبحانه - في آيات جمع بينها التناسق الباهر في عرض هذه النعم، مما يدل على أن هذا القرآن من عند الله،.. وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً.
وبعد هذا الحديث المتنوع عن عجائب خلق الله-تبارك وتعالى- في الأنعام والأشجار والنحل..ساقت السورة الكريمة ألوانا أخرى من مظاهر قدرته-تبارك وتعالى- في خلق الإنسان، وفي التفاضل في الأرزاق، ومن نعمه على عباده في إيجاد الأزواج والبنين والحفدة.. فقال-تبارك وتعالى-:
قوله تعالى : ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرونقوله تعالى : ثم كلي من كل الثمرات وذلك أنها إنما تأكل النوار من الأشجار .
فاسلكي سبل ربك ذللا أي طرق ربك .
والسبل : الطرق ، وأضافها إليه لأنه خالقها .
أي ادخلي طرق ربك لطلب الرزق في الجبال وخلال الشجر .
ذللا جمع ذلول وهو المنقاد ; أي مطيعة مسخرة .
ف ذللا حال من النحل .
أي تنقاد وتذهب حيث شاء صاحبها ; لأنها تتبع أصحابها حيث ذهبوا ; قاله ابن زيد .
وقيل : المراد بقوله ذللا السبل .
يقول : مذلل طرقها سهلة للسلوك عليها ; واختاره الطبري ، وذللا حال من السبل .
واليعسوب سيد النحل ، إذا وقف وقفت وإذا سار سارت .
قوله تعالى : يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناسفيه تسع مسائل :الأولى : قوله تعالى : يخرج من بطونها رجع الخطاب إلى الخبر على جهة تعديد النعمة والتنبيه على العبرة فقال : يخرج من بطونها شراب يعني العسل .
وجمهور الناس على أن العسل يخرج من أفواه النحل ; وورد عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال في تحقيره للدنيا : أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة ، وأشرف شرابه رجيع نحلة .
فظاهر هذا أنه من غير الفم .
وبالجملة فإنه يخرج ولا يدرى من فيها أو أسفلها ، ولكن لا يتم صلاحه إلا بحمي أنفاسها .
وقد صنع أرسطاطاليس بيتا من زجاج لينظر إلى كيفية ما تصنع ، فأبت أن تعمل حتى لطخت باطن الزجاج بالطين ; ذكره الغزنوي .
وقال : من بطونها لأن استحالة الأطعمة لا تكون إلا في البطن .
الثانية : قوله تعالى : مختلف ألوانه يريد أنواعه من الأحمر والأبيض والأصفر والجامد والسائل ، والأم واحدة والأولاد مختلفون دليل على أن القدرة نوعته بحسب تنويع الغذاء ، كما يختلف طعمه بحسب اختلاف المراعي ; ومن هذا المعنى قول زينب للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ( جرست نحله العرفط ) حين شبهت رائحته برائحة المغافير .
الثالثة : قوله تعالى : فيه شفاء للناس الضمير للعسل ; قال الجمهور .
أي في العسل شفاء للناس .
وروي عن ابن عباس والحسن ومجاهد والضحاك والفراء وابن كيسان : الضمير للقرآن ; أي في القرآن شفاء .
النحاس : وهذا قول حسن ; أو فيما قصصنا عليكم من الآيات والبراهين شفاء للناس .
وقيل : العسل فيه شفاء ، وهذا القول بين أيضا ; لأن أكثر الأشربة والمعجونات التي يتعالج بها أصلها من العسل .
قال القاضي أبو بكر بن العربي : من قال إنه القرآن بعيد ما أراه يصح عنهم ، ولو صح نقلا لم يصح عقلا ; فإن مساق الكلام كله للعسل ، ليس للقرآن فيه ذكر .
قال ابن عطية : وذهب قوم من أهل الجهالة إلى أن هذه الآية يراد بها أهل البيت وبنو هاشم ، وأنهم النحل ، وأن الشراب القرآن والحكمة ، وقد ذكر هذا بعضهم في مجلس المنصور أبي جعفر العباسي ، فقال له رجل ممن حضر : جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطون بني هاشم ، فأضحك الحاضرين وبهت الآخر وظهرت سخافة قوله .
الرابعة : اختلف العلماء في قوله - تعالى - : فيه شفاء للناس هل هو على عمومه أم لا ; فقالت طائفة : هو على العموم في كل حال ولكل أحد ، فروي عن ابن عمر أنه كان لا يشكو قرحة ولا شيئا إلا جعل عليه عسلا ، حتى الدمل إذا خرج عليه طلى عليه عسلا .
وحكى النقاش عن أبي وجرة أنه كان يكتحل بالعسل ويستمشي بالعسل ويتداوى بالعسل .
وروي أن عوف بن مالك الأشجعي مرض فقيل له : ألا نعالجك ؟ فقال : ائتوني بالماء ، فإن الله - تعالى - يقول : ونزلنا من السماء ماء مباركا ثم قال : ائتوني بعسل ، فإن الله - تعالى - يقول : فيه شفاء للناس وائتوني بزيت ، فإن الله - تعالى - يقول : من شجرة مباركة فجاءوه بذلك كله فخلطه جميعا ثم شربه فبرئ .
ومنهم من قال : إنه على العموم إذا خلط بالخل ويطبخ فيأتي شرابا ينتفع به في كل حالة من كل داء .
وقالت طائفة : إن ذلك على الخصوص ولا يقتضي العموم في كل علة وفي كل إنسان ، بل إنه خبر عن أنه يشفي كما يشفي غيره من الأدوية في بعض وعلى حال دون حال ; ففائدة الآية إخبار منه في أنه دواء لما كثر الشفاء به وصار خليطا ومعينا للأدوية في الأشربة والمعاجين ; وليس هذا بأول لفظ خصص فالقرآن مملوء منه ولغة العرب يأتي فيها العام كثيرا بمعنى الخاص والخاص بمعنى العام .
ومما يدل على أنه ليس على العموم أن " شفاء " نكرة في سياق الإثبات ، ولا عموم فيها باتفاق أهل اللسان ومحققي أهل العلم ومختلفي أهل الأصول .
لكن قد حملته طائفة من أهل الصدق والعزم على العموم .
فكانوا يستشفون بالعسل من كل الأوجاع والأمراض ، وكانوا يشفون من عللهم ببركة القرآن وبصحة التصديق والإيقان .
ابن العربي : ومن ضعفت نيته وغلبته على الدين عادته أخذه مفهوما على قول الأطباء ، والكل من حكم الفعال لما يشاء .
الخامسة : إن قال قائل : قد رأينا من ينفعه العسل ومن يضره ، فكيف يكون شفاء للناس ؟ قيل له : الماء حياة كل شيء وقد رأينا من يقتله الماء إذا أخذه على ما يضاده من علة في البدن ، وقد رأينا شفاء العسل في أكثر هذه الأشربة ; قال معناه الزجاج .
وقد اتفق الأطباء عن بكرة أبيهم على مدح عموم منفعة السكنجبين في كل مرض ، وأصله العسل وكذلك سائر المعجونات ، على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حسم داء الإشكال وأزاح وجه الاحتمال حين أمر الذي يشتكي بطنه بشرب العسل ، فلما أخبره أخوه بأنه لم يزده إلا استطلاقا أمره بعود الشراب له فبرئ ; وقال : صدق الله وكذب بطن أخيك .
السادسة : اعترض بعض زنادقة الأطباء على هذا الحديث فقال : قد أجمعت الأطباء على أن العسل يسهل فكيف يوصف لمن به الإسهال ; فالجواب أن ذلك القول حق في نفسه لمن حصل له التصديق بنبيه - عليه السلام - ، فيستعمله على الوجه الذي عينه وفي المحل الذي أمره بعقد نية وحسن طوية ، فإنه يرى منفعته ويدرك بركته ، كما قد اتفق لصاحب هذا العسل وغيره كما تقدم .
وأما ما حكي من الإجماع فدليل على جهله بالنقل حيث لم يقيد وأطلق .
قال الإمام أبو عبد الله المازري : ينبغي أن يعلم أن الإسهال يعرض من ضروب كثيرة ، منها الإسهال الحادث عن التخم والهيضات ; والأطباء مجمعون في مثل هذا على أن علاجه بأن يترك للطبيعة وفعلها ، وإن احتاجت إلى معين على الإسهال أعينت ما دامت القوة باقية ، فأما حبسها فضرر ، فإذا وضح هذا قلنا : فيمكن أن يكون ذلك الرجل أصابه الإسهال عن امتلاء وهيضة فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بشرب العسل فزاده إلى أن فنيت المادة فوقف الإسهال فوافقه شرب العسل .
فإذا خرج هذا عن صناعة الطب أذن ذلك بجهل المعترض بتلك الصناعة .
قال : ولسنا نستظهر على قول نبينا بأن يصدقه الأطباء بل لو كذبوه لكذبناهم ولكفرناهم وصدقناه - صلى الله عليه وسلم - ; فإن أوجدونا بالمشاهدة صحة ما قالوه فنفتقر حينئذ إلى تأويل كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتخريجه على ما يصح إذ قامت الدلالة على أنه لا يكذب .
السابعة : في قوله - تعالى - : فيه شفاء للناس دليل على جواز التعالج بشرب الدواء وغير ذلك خلافا لمن كره ذلك من جلة العلماء ، وهو يرد على الصوفية الذين يزعمون أن الولاية لا تتم إلا إذا رضي بجميع ما نزل به من البلاء ، ولا يجوز له مداواة .
ولا معنى لمن أنكر ذلك ، روى الصحيح عن جابر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله .
وروى أبو داود والترمذي عن أسامة بن شريك قال : قالت الأعراب : ألا نتداوى يا رسول الله ؟ قال : نعم .
يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحدا قالوا : يا رسول الله وما هو ؟ قال : الهرم لفظ الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح .
وروي عن أبي خزامة عن أبيه قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها ، هل ترد من قدر الله شيئا ؟ قال : هي من قدر الله قال : حديث حسن ، ولا يعرف لأبي خزامة غير هذا الحديث .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة من عسل أو لذعة بنار وما أحب أن أكتوي أخرجه الصحيح .
والأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تحصى .
وعلى إباحة التداوي والاسترقاء جمهور العلماء .
روي أن ابن عمر اكتوى من اللقوة ورقي من العقرب .
وعن ابن سيرين أن ابن عمر كان يسقي ولده الترياق .
وقال مالك : لا بأس بذلك .
وقد احتج من كره ذلك بما رواه أبو هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دخلت أمة بقضها وقضيضها الجنة كانوا لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون .
قالوا : فالواجب على المؤمن أن يترك ذلك اعتصاما بالله وتوكلا عليه وثقة به وانقطاعا إليه ; فإن الله - تعالى - قد علم أيام المرض وأيام الصحة فلو حرص الخلق على تقليل ذلك أو زيادته ما قدروا ; قال الله - تعالى - : ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها .
وممن ذهب إلى هذا جماعة من أهل الفضل والأثر ، وهو قول ابن مسعود وأبي الدرداء رضوان الله عليهم .
دخل عثمان بن عفان على ابن مسعود في مرضه الذي قبض فيه فقال له عثمان : ما تشتكي ؟ قال ذنوبي .
قال : فما تشتهي ؟ قال : رحمة ربي .
قال : ألا أدعو لك طبيبا ؟ قال : الطبيب أمرضني ... وذكر الحديث .
وسيأتي بكماله في فضل الواقعة إن شاء الله - تعالى - .
وذكر وكيع قال : حدثنا أبو هلال عن معاوية بن قرة قال : مرض أبو الدرداء فعادوه وقالوا : ألا ندعو لك طبيبا ؟ قال : الطبيب أضجعني .
وإلى هذا ذهب الربيع بن خثيم .
وكره سعيد بن جبير الرقى .
وكان الحسن يكره شرب الأدوية كلها إلا اللبن والعسل .
وأجاب الأولون عن الحديث بأنه لا حجة فيه ، لأنه يحتمل أن يكون قصد إلى نوع من الكي مكروه بدليل كي النبي - صلى الله عليه وسلم - أبيا يوم الأحزاب على أكحله لما رمي .
وقال : الشفاء في ثلاثة كما تقدم .
ويحتمل أن يكون قصد إلى الرقى بما ليس في كتاب الله ، وقد قال - سبحانه وتعالى - : وننزل من القرآن ما هو شفاء على ما يأتي بيانه .
ورقى أصحابه وأمرهم بالرقية ; على ما يأتي بيانه .
الثامنة : ذهب مالك وجماعة أصحابه إلى أن لا زكاة في العسل وإن كان مطعوما مقتاتا .
واختلف فيه قول الشافعي ، والذى قطع به في قوله الجديد : أنه لا زكاة فيه .
وقال أبو حنيفة بوجوب زكاة العسل في قليله وكثيره ; لأن النصاب عنده فيه ليس بشرط .
وقال محمد بن الحسن : لا شيء فيه حتى يبلغ ثمانية أفراق ، والفرق ستة وثلاثون رطلا من أرطال العراق .
وقال أبو يوسف : في كل عشرة أزقاق زق ; متمسكا بما رواه الترمذي عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : في العسل في كل عشرة أزقاق زق قال أبو عيسى : في إسناده مقال ، ولا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب كبير شيء ، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم ، وبه يقول أحمد وإسحاق ، وقال بعض أهل العلم : ليس في العسل شيء .
التاسعة : قوله تعالى : إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون أي يعتبرون ; ومن العبرة في النحل بإنصاف النظر وإلطاف الفكر في عجيب أمرها .
فيشهد اليقين بأن ملهمها الصنعة اللطيفة مع البنية الضعيفة ، وحذقها باحتيالها في تفاوت أحوالها هو الله - سبحانه وتعالى - ; كما قال : وأوحى ربك إلى النحل الآية .
ثم أنها تأكل الحامض والمر والحلو والمالح والحشائش الضارة ، فيجعله الله - تعالى - عسلا حلوا وشفاء ، وفي هذا دليل على قدرته .


شرح المفردات و معاني الكلمات : كلي , الثمرات , فاسلكي , سبل , ربك , ذللا , يخرج , بطونها , شراب , مختلف , ألوانه , شفاء , للناس , آية , قوم , يتفكرون ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم


تحميل سورة النحل mp3 :

سورة النحل mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة النحل

سورة النحل بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة النحل بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة النحل بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة النحل بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة النحل بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة النحل بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة النحل بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة النحل بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة النحل بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة النحل بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Tuesday, December 17, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب