﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾
[ آل عمران: 112]

سورة : آل عمران - Al Imran  - الجزء : ( 4 )  -  الصفحة: ( 64 )

Indignity is put over them wherever they may be, except when under a covenant (of protection) from Allah, and from men; they have drawn on themselves the Wrath of Allah, and destruction is put over them. This is because they disbelieved in the Ayat (proofs, evidences, verses, lessons, signs, revelations, etc.) of Allah and killed the Prophets without right. This is because they disobeyed (Allah) and used to transgress beyond bounds (in Allah's disobedience, crimes and sins).


ضُرِبت عليهم : أحاطت بهم أو ألصقت بهم
الذِلة : الذلّ و الصَّغار و الهوان
ثُقِفوا : وُجٍدوا أو أُدْرِكوا
بحبلٍ من الله : بعهدٍ منه تعالى و هو الإسلام
حبل من الناّس : عهدٍ من المسلمين
باءُوا بغضب : رجعوا به مستحِقّين له
المَسْكنة : فقر النفس و شُحُّها

جعل الله الهوان والصغار أمرًا لازمًا لا يفارق اليهود، فهم أذلاء محتقرون أينما وُجِدوا، إلا بعهد من الله وعهد من الناس يأمنون به على أنفسهم وأموالهم، وذلك هو عقد الذمة لهم وإلزامهم أحكام الإسلام، ورجعوا بغضب من الله مستحقين له، وضُربت عليهم الذلَّة والمسكنة، فلا ترى اليهوديَّ إلا وعليه الخوف والرعب من أهل الإيمان؛ ذلك الذي جعله الله عليهم بسبب كفرهم بالله، وتجاوزهم حدوده، وقَتْلهم الأنبياء ظلمًا واعتداء، وما جرَّأهم على هذا إلا ارتكابهم للمعاصي، وتجاوزهم حدود الله.

ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من - تفسير السعدي

أخبر تعالى أنه عاقبهم بالذلة في بواطنهم والمسكنة على ظواهرهم، فلا يستقرون ولا يطمئنون { إلا بحبل }- أي: عهد { من الله وحبل من الناس } فلا يكون اليهود إلا تحت أحكام المسلمين وعهدهم، تؤخذ منهم الجزية ويستذلون، أو تحت أحكام النصارى وقد { باءوا } مع ذلك { بغضب من الله } وهذا أعظم العقوبات، والسبب الذي أوصلهم إلى هذه الحال ذكره الله بقوله: { ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله } التي أنزلها الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الموجبة لليقين والإيمان، فكفروا بها بغيا وعنادا { ويقتلون الأنبياء بغير حق }- أي: يقابلون أنبياء الله الذين يحسنون إليهم أعظم إحسان بأشر مقابلة، وهو القتل، فهل بعد هذه الجراءة والجناية شيء أعظم منها، وذلك كله بسبب عصيانهم واعتدائهم، فهو الذي جرأهم على الكفر بالله وقتل أنبياء الله، ثم قال تعالى:

تفسير الآية 112 - سورة آل عمران

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا : الآية رقم 112 من سورة آل عمران

 سورة آل عمران الآية رقم 112

ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من - مكتوبة

الآية 112 من سورة آل عمران بالرسم العثماني


﴿ ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ  ﴾ [ آل عمران: 112]


﴿ ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ﴾ [ آل عمران: 112]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة آل عمران Al Imran الآية رقم 112 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 112 من آل عمران صوت mp3


تدبر الآية: ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من

لتحذر الأمَّة من الكفر بآيات الله، وترك الاحتكام إليها، والعصيان والعدوان؛ فإنها أسبابٌ لغضب الله، وطريقٌ إلى الهزيمة والهَوان.
الإقدام على المعاصي، والاستهانة بمجاوزة الحدود قد تكون بريدًا إلى الكفر، فلا تزال السيِّئة تستدعي أخواتِها حتى تُوردَ صاحبَها المهالك.
كم من معصيةٍ أحاطت بأمَّةٍ أو مجتمع أو فردٍ حتى ألقَت بهم في مهاوي الرَّدى!

ثم بين- سبحانه - بعد ذلك بعض العقوبات التي عاقب بها اليهود بسبب كفرهم وظلمهم فقال: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ.
وأصل الضرب في كلام العرب يرجع إلى معنى التقاء ظاهر جسم بظاهر جسم آخر بشدة يقال ضرب فلان بيده الأرض إذا ألصقها بها، وتفرعت عن هذا المعنى معان مجازية أخرى ترجع إلى شدة اللصوق.
والذلة على وزن فعلة من قول القائل: ذل فلان يذل ذلة وذلا.
والمراد بها الصغار والهوان والحقارة.
فضرب الذلة عليهم كناية عن لزومها لهؤلاء اليهود، وإحاطتها بهم، كما يحيط السرادق بمن يكون في داخله.
قال صاحب الكشاف: جعلت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم، فهم كمن يكون في القبة من ضربت عليه، أو ألصقت بهم حتى لزمتهم ضربة لازب كما يضرب الطين على الحائط فيلزمه.
فاليهود صاغرون أذلاء أهل مسكنة ومدقعة» .
وثُقِفُوا أى وجدوا، أو ظفر بهم.
يقال: ثقفه أى صادفه أو ظفر به أو أدركه.
وهذه المادة تدل على التمكن من أخذ الشيء ومن التصرف فيه بشدة ومنها سمى الأسير ثقافا.
والثقاف آلة تكسر بها أغماد الرماح.
والحبل: هو ما يربط بين شيئين ويطلق على العهد لأن الناس يرتبطون بالعهود: كما يقع الارتباط الحسى بالحبال، وهذا الإطلاق هو المراد هنا.
ولذا قال ابن جرير: وأما الحبل الذي ذكره الله-تبارك وتعالى- في هذا الموضوع، فإنه السبب الذي يأمنون به على أنفسهم من المؤمنين وعلى أموالهم وذراريهم من عهد وأمان تقدم لهم عقده قبل أن يثقفوا في بلاد الإسلام.
والمعنى: أن هؤلاء اليهود أحاطت بهم الذلة في جميع أحوالهم أينما وجدوا وحيثما حلوا إلا في حال اعتصامهم بعهد من الله أو بعهد من الناس.
وقد فسر العلماء عهد الله بعقد الجزية الذي يربط بينهم وبين المسلمين.
وإنما كان عقد الجزية عهدا من الله لهم، لأنه- سبحانه - هو الذي شرعه، وما شرعه الله فالوفاء به واجب.
وكان عهدا من المسلمين لهم، لأنهم أحد طرفيه، فهم الذين باشروه مع اليهود وبمقتضاه يحفظون حقوقهم ودماءهم وأموالهم ويكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وعلى المسلمين حمايتهم، وصون أموالهم لقاء مقدار من المال يدفع لهم كل عام وهو المسمى بالجزية.
وأما عهد الناس، فهو العهود التي يعيشون بمقتضاها في أى أمة من أمم الأرض مسلمة كانت هذه الأمة أو كافرة.
فإن كانت العهود صادرة من المسلمين، جاز أن يطلق عليها عهد الله- أيضا- باعتبار أن الله هو الذي شرعها.
وإن كانت من غير المسلمين فهي عهود من الناس سواء أوافقت شريعة الله تعالى- أم لا.
والمعنى الإجمالى للآية: أن اليهود قد ضرب الله-تبارك وتعالى- عليهم الذلة والمسكنة في كل زمان ومكان بسبب كفرهم وطغيانهم، وسلب عنهم السلطان والملك، فهم يعيشون في بقاع الأرض في حماية غيرهم من الأمم الأخرى، بمقتضى عهود يعقدونها معهم وقد تكون هذه العهود موافقة لشرع الله-تبارك وتعالى- وقد لا تكون موافقة.
فإن قال قائل: إنهم الآن أصحاب جاه وسلطان، بعد أن أنشأوا دولتهم بفلسطين!! والجواب: أنهم مع قيام هذه الدولة يعيشون تحت حماية غيرهم من دول الكفر الكبرى.
فهي التي تحميهم وتمدهم بأسباب الحياة والقوة، فينطبق على هذه الحالة- أيضا- أنها بحبل من الناس.
فاليهود لا سلطان لهم، ولا عزة تكمن في نفوسهم، ولكنهم مأمورون مسخرون أن يعيشوا في تلك البقعة من الأرض لتكون مركزا لتلك الأمم التي تعهدت بحمايتهم ليقفزوا منها إلى محاربة المسلمين، إذا أتيحت لهم فرصة.
ولو أن المسلمين غيروا ما بأنفسهم، وتمسكوا بشريعتهم، واجتمعت قلوبهم، وتوحدت أهدافهم، وأحسنوا الشعور بالمسئولية نحو دينهم وأنفسهم وأوطانهم، وأعدوا ما استطاعوا من قوة لقتال أعداء الله وأعدائهم..لو أنهم فعلوا ذلك لما كان حالهم كما ترى الآن من ضعف وتخاذل وتفرق والأمل كبير في أن يتنبه المسلمون إلى ما يحيط بهم من أخطار فيعملوا على دفعها ويعتصموا بحبل الله لتعود لهم قوتهم وهيبتهم.
هذا، وقوله: أَيْنَ ما اسم شرط، وهو ظرف مكان و «ما» مزيدة فيها للتأكيد.
وقوله ثُقِفُوا في محل جزم بها.
وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أى: أينما ثقفوا غلبوا أو ذلوا.
ويجوز أن يكون جواب الشرط قوله ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ عند من يجوز تقديم جواب الشرط على الشرط.
والاستثناء في قوله إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ مفرغ من عموم الأحوال أى ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا في حال اعتصامهم بحبل من الله وحبل من الناس.
ثم ذكر- سبحانه - عقوبتين أخريين أنزلهما بهم جزاء كفرهم وتعديهم لحدوده فقال تعالى:وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ.
قال ابن جرير: قوله-تبارك وتعالى- وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ أى انصرفوا ورجعوا.
ولا يقال باؤوا، إلا موصولا إما بخير وإما بشر.
يقال منه: باء فلان بذنبه يبوء به بوءا وبواء.
ومنه قوله-تبارك وتعالى- إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ يعنى تنصرف متحملهما، وترجع بهما قد صارا عليك دوني.
فمعنى الكلام إذا: ورجعوا منصرفين متحملين غضب الله، قد صار عليهم من الله غضب، ووجب عليهم منه سخط» .
والمسكنة: مفعلة من السكون، ومنها أخذ لفظ المسكين.
لأن الهم قد أثقله فجعله قليل الحركة والنهوض لما به من الفاقة والفقر.
والمراد بها في الآية الكريمة الضعف النفسي، والفقر القلبي الذي يستولى على الشخص فيجعله يحس بالهوان مهما تكن لديه من أسباب القوة.
والفرق بينها وبين الذلة: أن الذلة تجيء أسبابها من الخارج.
كأن يغلب المرء على أمره نتيجة انتصار عدوه عليه فيذل لهذا العدو.
أما المسكنة فهي تنشأ من داخل النفس نتيجة بعدها عن الحق، واستيلاء المطامع والشهوات وحب الدنيا عليها.
والمعنى: أن هؤلاء اليهود يجانب ضرب الذلة عليهم حيثما حلوا، قد صاروا في غضب من الله، وأصبحوا أحقاء به، وضربت عليهم كذلك المسكنة التي تجعلهم يحسون بالصغار مهما ملكوا من قوة ومال.
ثم ذكر- سبحانه - الأسباب التي جعلتهم أحقاء بهذه العقوبات فقال-تبارك وتعالى-:ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ، وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ.
فاسم الإشارة ذلك يعود إلى تلك العقوبات العادلة التي عاقبهم الله بها بسبب كفرهم وفسقهم.
والآيات: تطلق ويراد بها الأدلة الشاهدة على وحدانية الله-تبارك وتعالى- وربوبيته وتطلق ويراد بها النصوص التي تشتمل عليها الكتب السماوية، وتطلق ويراد بها الأدلة الشاهدة على صدق الرسل- عليهم الصلاة والسلام- فيما يبلغون عن الله-تبارك وتعالى-، وهي التي يسميها علماء التوحيد بالمعجزات.
وقد كفر اليهود بكل هذه الضروب من الآيات ومردوا على ذلك كما يفيده التعبير بالفعل المضارع يَكْفُرُونَ.
أى: ذلك الذي أصابهم من عقوبات رادعة، سببه أنهم كانوا يكفرون بآيات الله وأدلته الدالة على وحدانيته وعلى صدق رسله- عليهم الصلاة والسلام- وتلك هي جريمة بنى إسرائيل الأولى.
أما جريمتهم الثانية فقد عبر عنها- سبحانه - بقوله وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ أى أنهم لم يكتفوا بالكفر، بل امتدت أيديهم الأثيمة إلى دعاة الحق وهم أنبياء الله-تبارك وتعالى- الذين أرسلهم لهدايتهم فقتلوهم بدون أدنى شبهة تحمل على الإساءة إليهم فضلا عن قتلهم.
وقال- سبحانه - بِغَيْرِ حَقٍّ مع أن قتل الأنبياء لا يكون بحق أبدا.
لإفادة أن قتلهم لهم كان بغير وجه معتبر في شريعتهم لأنها تحرمه.
قال-تبارك وتعالى- مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً .
فهذا القيد المقصود به الاحتجاج عليهم بأصول دينهم، وتخليد مذمتهم، وتقبيح إجرامهم حيث إنهم قتلوا أنبياءهم بدون خطأ في الفهم، أو تأويل في الحكم أو شبهة في الأمر، وإنما فعلوا ما فعلوا وهم عالمون بقبح ما ارتكبوا، ومخالفون لشرع الله عن تعمد وإصرار.
ولذا قال صاحب الكشاف: فإن قلت: قتل الأنبياء لا يكون إلا بغير الحق، فما فائدة ذكره؟ قلت: معناه أنهم قتلوهم بغير الحق عندهم، لأنهم لم يقتلوا ولا أفسدوا في الأرض فيقتلوا، وإنما نصحوهم ودعوهم إلى ما ينفعهم فقتلوهم.
فلو سئلوا وأنصفوا من أنفسهم لم يذكروا وجها يستحقون به القتل عندهم وقال الفخر الرازي ما ملخصه: فإن: قيل: قال هنا: وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وقال في سورة البقرة وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ فما الفرق؟ قلت: إن الحق المعلوم بين المسلمين الذي يوجب القتل يتجلى في حديث: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير حق» .
فالحق المذكور في سورة البقرة إشارة إلى هذا.
وأما الحق المنكر هنا فالمراد به تأكيد العموم أى لم يكن هناك أى حق يستندون إليه، لا هذا الذي يعرفه المسلمون ولا غيره ألبتة .
ونسب- سبحانه - القتل إلى أولئك اليهود المعاصرين للعهد النبوي مع أن القتل قد صدر عن أسلافهم، لأن أولئك المعاصرين كانوا راضين بفعل آبائهم وأجدادهم، فصحت نسبة القتل إليهم، ولأن بعض أولئك المعاصرين قد همّ بقتل النبي صلّى الله عليه وسلّم فكف الله-تبارك وتعالى- أيديهم الأثيمة عنه.
ثم سجل الله-تبارك وتعالى- جريمتهم الثالثة بقوله ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ.
العصيان: الخروج عن طاعة الله، والاعتداء: تجاوز الحد الذي حده الله-تبارك وتعالى- لعباده إلى غيره وكل متجاوز حد شيء إلى غيره فقد تعداه إلى ما جاوز إليه.
وللمفسرين في مرجع اسم الإشارة ذلِكَ في قوله ذلِكَ بِما عَصَوْا رأيان:أولهما: أنه يعود إلى كفرهم بآيات الله وقتلهم لأنبيائه، وعليه يكون المعنى:إن هؤلاء اليهود قد ألفوا العصيان لخالقهم والتعدي لحدوده بجرأة وعدم مبالاة، فنشأ عن هذا التمرد والطغيان أن كفروا بآيات الله وقتلوا أنبياءه، وباشروا تلك الكبائر بقلوب كالحجارة أو أشد قسوة.
والجملة الكريمة على هذا الرأى تفيد أن التردي في المعاصي، وارتكاب ما نهى الله عنه، وتجاوز الحدود المشروعة، يؤدى إلى الانتقال من صغير الذنوب إلى كبيرها ومن حقيرها إلى عظيمها لأن هؤلاء اليهود حين استمرءوا المعاصي، هانت على نفوسهم الفضائل، وانكسرت أمام شهواتهم كل المثل العليا فكذبوا بآيات الله تكذيبا، وقتلوا من جاءهم بالهدى ودين الحق.
وثانيهما: أن اسم الإشارة ذلِكَ في قوله ذلِكَ بِما عَصَوْا يعود إلى نفس المشار إليه باسم الإشارة الأول وهو قوله ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ.
وتكون الحكمة في تكرار الإشارة هو تمييز المشار إليه، حرصا على معرفته، ويكون العصيان والاعتداء سببين آخرين لضرب الذلة والمسكنة عليهم واستحقاقهم لغضب الله كما أشرنا من قبل.
والإشارة حينئذ من قبيل التكرير المغني عن العطف كما في قوله-تبارك وتعالى- أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ.
والمعنى: أن هؤلاء اليهود قد لزمتهم الذلة والمسكنة، وصاروا أحقاء بسخط الله بسبب كفرهم بآياتنا وقتلهم أنبياءنا وخروجهم عن طاعتنا، وتعديهم حدودنا.
وعلى هذا الرأى يكون ذكر أسباب العقوبة التي حلت بهم في الدرجة العليا من حسن الترتيب فقد بدأ- سبحانه - بما فعلوه في حقه وهو كفرهم بآياته.
ثم ثنى بما يتلوه في العظم وهو قتلهم لأنبيائه، ثم وصمهم بعد ذلك بالعصيان والخروج عن طاعته، ثم ختم أسباب العقوبة بدمغهم بالاعتداء وتخطى الحدود، وعدم المبالاة بالعهود.
وهذا الترتيب من لطائف أسلوب القرآن الكريم في سوق الأحكام مشفوعة بعللها وأسبابها.
وبذلك نرى أن الآيات الكريمة قد بدأت حديثها بمدح الأمة الإسلامية بأنها خير أمة أخرجت للناس، ثم ثنت بدعوة أهل الكتاب إلى الإسلام وبإخبار المؤمنين بأن أعداءهم لن يضروهم ضررا يؤثر في كيانهم ماداموا معتصمين بتعاليم دينهم، ثم ختمت حديثها ببيان العقوبات التي حلت باليهود بسبب كفرهم وبغيهم.
وبعد هذا الحديث الحكيم عن أهل الكتاب، وعن العقوبات التي أنزلها- سبحانه - باليهود بسبب فسقهم وظلمتهم، بعد كل ذلك ساق- سبحانه - آيات كريمة تمدح من يستحق المدح من أهل الكتاب إنصافا لهم وتكريما لذواتهم فقال- تعالى:
قوله تعالى : ضربت عليهم الذلة يعني اليهود .
أين ما ثقفوا أي وجدوا ولقوا ، وتم الكلام .
وقد مضى في البقرة معنى ضرب الذلة عليهم .
إلا بحبل من الله استثناء منقطع ليس من الأول .
أي لكنهم يعتصمون بحبل من الله .
وحبل من الناس يعني الذمة التي لهم .
والناس : محمد والمؤمنون يؤدون إليهم الخراج فيؤمنونهم .
وفي الكلام اختصار ، والمعنى : إلا أن يعتصموا بحبل من الله ، فحذف ; قاله الفراء .
وباءوا بغضب من الله أي رجعوا .
وقيل احتملوا .
وأصله في اللغة أنه لزمهم ، وقد مضى في البقرة .
ثم أخبر لم فعل ذلك بهم .
فقال ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون وقد مضى في البقرة مستوفى .


شرح المفردات و معاني الكلمات : ضربت , الذلة , ثقفوا , بحبل , الله , وحبل , الناس , باءوا , غضب , الله , ضربت , المسكنة , يكفرون , آيات , الله , يقتلون , الأنبياء , حق , عصوا , يعتدون , وضربت+عليهم+المسكنة , ذلك+بأنهم+كانوا+يكفرون+بآيات+الله+ويقتلون+الأنبياء+بغير+حق , ذلك+بما+عصوا+وكانوا+يعتدون ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم

  1. قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون
  2. ألقيا في جهنم كل كفار عنيد
  3. وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين
  4. ذلك بأنهم كرهوا ما أنـزل الله فأحبط أعمالهم
  5. ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون
  6. وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا
  7. ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل
  8. فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق
  9. وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين
  10. ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم

تحميل سورة آل عمران mp3 :

سورة آل عمران mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة آل عمران

سورة آل عمران بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة آل عمران بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة آل عمران بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة آل عمران بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة آل عمران بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة آل عمران بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة آل عمران بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة آل عمران بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة آل عمران بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة آل عمران بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Sunday, December 22, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب