﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾
[ البقرة: 235]

سورة : البقرة - Al-Baqarah  - الجزء : ( 2 )  -  الصفحة: ( 38 )

And there is no sin on you if you make a hint of betrothal or conceal it in yourself, Allah knows that you will remember them, but do not make a promise of contract with them in secret except that you speak an honourable saying according to the Islamic law (e.g. you can say to her, "If one finds a wife like you, he will be happy"). And do not consummate the marriage until the term prescribed is fulfilled. And know that Allah knows what is in your minds, so fear Him. And know that Allah is Oft-Forgiving, Most Forbearing.


عرّضتم به : لوّحتم و أشرتم به
أكننتم : أسررتم و أخفيتم
لا تواعدوهنّ سرّا : لا تذكروا لهنّ صريح النّكاح
يبلغ الكتاب أجله : ينتهي المفروض من العدّة

ولا إثم عليكم -أيها الرجال- فيما تُلَمِّحون به مِن طلب الزواج بالنساء المتوفَّى عنهنَّ أزواجهن، أو المطلقات طلاقًا بائنًا في أثناء عدتهن، ولا ذنب عليكم أيضًا فيما أضمرتموه في أنفسكم من نية الزواج بهن بعد انتهاء عدتهن. علم الله أنكم ستذكرون النساء المعتدَّات، ولن تصبروا على السكوت عنهن، لضعفكم؛ لذلك أباح لكم أن تذكروهن تلميحًا أو إضمارًا في النفس، واحذروا أن تواعدوهن على النكاح سرًا بالزنى أو الاتفاق على الزواج في أثناء العدة، إلا أن تقولوا قولا يُفْهَم منه أن مثلها يُرْغَبُ فيها الأزواج، ولا تعزموا على عقد النكاح في زمان العدة حتى تنقضي مدتها. واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فخافوه، واعلموا أن الله غفور لمن تاب من ذنوبه، حليم على عباده لا يعجل عليهم بالعقوبة.

ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في - تفسير السعدي

هذا حكم المعتدة من وفاة, أو المبانة في الحياة، فيحرم على غير مبينها أن يصرح لها في الخطبة, وهو المراد بقوله: { وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا } وأما التعريض, فقد أسقط تعالى فيه الجناح.
والفرق بينهما: أن التصريح, لا يحتمل غير النكاح, فلهذا حرم, خوفا من استعجالها, وكذبها في انقضاء عدتها, رغبة في النكاح، ففيه دلالة على منع وسائل المحرم, وقضاء لحق زوجها الأول, بعدم مواعدتها لغيره مدة عدتها.
وأما التعريض, وهو الذي يحتمل النكاح وغيره, فهو جائز للبائن كأن يقول لها: إني أريد التزوج, وإني أحب أن تشاوريني عند انقضاء عدتك, ونحو ذلك, فهذا جائز لأنه ليس بمنزلة الصريح, وفي النفوس داع قوي إليه.
وكذلك إضمار الإنسان في نفسه أن يتزوج من هي في عدتها, إذا انقضت، ولهذا قال: { أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ } هذا التفصيل كله في مقدمات العقد.
وأما عقد النكاح فلا يحل { حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ }- أي: تنقضي العدة.
{ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ }- أي: فانووا الخير, ولا تنووا الشر, خوفا من عقابه ورجاء لثوابه.
{ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ } لمن صدرت منه الذنوب, فتاب منها, ورجع إلى ربه { حَلِيمٌ } حيث لم يعاجل العاصين على معاصيهم, مع قدرته عليهم.

تفسير الآية 235 - سورة البقرة

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من : الآية رقم 235 من سورة البقرة

 سورة البقرة الآية رقم 235

ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في - مكتوبة

الآية 235 من سورة البقرة بالرسم العثماني


﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ  ﴾ [ البقرة: 235]


﴿ ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم ﴾ [ البقرة: 235]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة البقرة Al-Baqarah الآية رقم 235 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 235 من البقرة صوت mp3


تدبر الآية: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في

أعظِم بها من تربيةٍ على استعمال الألفاظ في موضعها الصحيح؛ ففي حالٍ يُباح لك التلميح، ولا يُباح لك التصريح! فأحسِن اختيارَ كلماتك.
يا له من تشريع ربَّانيٍّ للرجال الراغبين في المتوفَّى عنها زوجُها في العِدَّة؛ يقوم على أدب النفس، وأدب الاجتماع، ورعاية المشاعر، مع مراعاة الحاجات والمصالح! إن الإسلام لا يَحطِمُ الميولَ الفِطريَّة وإنما يضبِطها، ولا يكبِتُ النوازعَ البشريَّة وإنما يهذِّبها؛ صَونًا للأعراض، وحمايةً للمجتمع، ودَرءًا لكلِّ ما يخالف نظافة الشعور، وطهارة الضمير.
يقين المؤمن باطِّلاع الله على ما يَجول في نفسِه، وما يَحوك في صدره، من أعظم العون له على امتثال أمره، ومن هنا كان الاقترانُ بين التشريع وخشية الله العليم بالسرائر.
لولا مغفرةُ الله وحِلمُه لأصابنا من العَنَت ما أصابنا؛ فإنه سبحانه عليمٌ بأعمالنا وما تكنُّه صدورُنا، فإن زلَلنا أو عثَرنا فلنبادر إلى استغفاره، فإنه الغفورُ الحليم.

وقوله-تبارك وتعالى-: فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ أى: لو حتم وأشرتم به.
من التعريض الذي هو ضد التصريح ومعناه أن يضمن كلامه ما يصلح للدلالة على مقصوده، ويصلح للدلالة على غير مقصوده، إلا أن إشعاره بجانب المقصود أتم وأرجح وأصله من عرض الشيء- بضم العين- أى جانبه ومن أمثلته أن يقول الفقير المحتاج للمحتاج إليه: جئتك لأسلّم عليك.. وهو يقصد عطاءه.
وخِطْبَةِ النِّساءِ مخاطبة المرأة أو أوليائها في أمر زواجها.
والخطبة- بكسر الخاء كالجلسة- مأخوذة من الخطب أى الشأن لأنها شأن من الشئون وقيل من الخطاب لأنها نوع- مخاطبة تجرى بين جانب الرجل وجانب المرأة.
والمراد خطبة النساء اللائي فارقهن أزواجهن.
وأَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ أخفيتم وأسررتم من الإكنان وهو الإضمار من غير إعلان.
والمعنى: ولا حرج ولا إثم عليكم أيها الرجال المبتغون للزواج في التعريض بخطبة المرأة أثناء عدتها لتتزوجوهن بعد انقضائها، كما أنه لا إثم عليكم كذلك في الرغبة في الزواج بهن، مع إخفاء ذلك وستره من غير كشف وإعلان لأن التصريح بالخطبة أثناء العدة عمل يتنافى مع آداب الإسلام، ومع تعاليم شريعته، ومع الأخلاق الكريمة، والعقول السليمة، والنفوس الشريفة.
قال القرطبي: قال ابن عطية: أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو نص في تزوجها وتنبيه عليه لا يجوز، وكذلك أجمعت على أن الكلام معها بما هو رفث وذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز وكذلك ما أشبهه وجوز ما عدا ذلك.
ولا يجوز التعريض لخطبة المطلقةطلاقا رجعيا إجماعا لأنها كالزوجة.
وأما من كانت في عدة البينونة فالصحيح جواز التعريض لخطبتها» .
والتعريض في خطبة النساء أساليبه مختلفة، ومما ذكره العلماء في هذا الشأن أن يقول الرجل للمرأة: إنى راغب في الزواج أو أن يقول لوليها: لا تسبقني بها إلى غيرى.
ومن أساليب التعريض ما فعله النبي صلّى الله عليه وسلّم مع السيدة أم سلمة، فقد دخل عليها وهي متأيمة من زوجها أبى سلمة فقال لها: «لقد علمت أنى رسول الله وخيرته وموضعي في قومي» فكان كلامه خطبة لها بأسلوب التعريض.
ومنها ما ذكره صاحب الكشاف عن عبد الله بن سليمان عن خالته- سكينة بنت حنظلة- قالت: دخل على أبو جعفر محمد بن على وأنا في عدتي فقال: قد علمت قرابتي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقرابتي من جدي على بن أبى طالب، وموضعي في العرب، وقدمي في الإسلام.
قالت: فقلت: غفر الله لك يا أبا جعفر! أتخطبني في عدتي وأنت يؤخذ عنك؟ فقال: أو قد فعلت إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وموضعي».
وقوله-تبارك وتعالى-: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ.
إلخ معطوف على ما قبله في الآية السابقة لأن الكلام في الآيتين في الأحكام المتعلقة بعدة النساء.
وما في قوله: فِيما عَرَّضْتُمْ موصولة.
ومِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ بيان لما، وأل في النساء للعهد والمعهودات هن الزوجات اللائي سبق الحديث عنهن في الآيات التي قبل هذه.
وأَوْ في قوله: أَوْ أَكْنَنْتُمْ للإباحة أو التخيير، ومفعول أكن محذوف يعود إلى ما الموصولة في قوله: فِيما عَرَّضْتُمْ والتقدير: أو أكننتموه.
وفِي أَنْفُسِكُمْ متعلق بأكننتم.
وقوله-تبارك وتعالى-: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً كالتعليل لما قبله وهو قوله: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ إلخ.
ونهى عما يردى ويفسد، وإباحة لما لا ضرر فيه.
أى: علم الله أنكم يا معشر الرجال ستذكرون هؤلاء النسوة المعتدات بما لهن من جمال ومن حسن عشرة ومن غير ذلك من شئونهن وأن تفكروا فيهن وتهفوا إليهن نفوسكم، والله-تبارك وتعالى- فضلا منه وكرما قد أباح لكم أن تذكروهن ولكنه ينهاكم عن أن تواعدوهن وعدا سريا بأن تقولوا لهم في السر ما تستحيون من قوله في العلن لقبحه ومنافاته للشرع.
وقوله: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً استثناء مما يدل عليه النهى لا تواعدوهن مواعدة ما إلا مواعدة معروفة غير منكرة شرعا، وهي ما تكون بطريق التلويح والتعريض.
وفي قوله سبحانه: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ بيان لما جبلت عليه النفس البشرية من ميل فطري بين الرجال والنساء، والإسلام لا ينكر هذا الميل وإنما يهذبه ويقومه ويصقله بآدابه الحميدة، وتعاليمه السامية.
وقوله: وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا استدراك على محذوف دل عليه سَتَذْكُرُونَهُنَّ أى:فاذكروهن وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا.
قال القرطبي ما ملخصه: واختلف العلماء في المراد بالسر في قوله-تبارك وتعالى-: وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا فقيل معناه نكاحا، أى لا يقل الرجل لهذه المعتدة تزوجيني بل يعرض إن أراد، ولا يأخذ ميثاقها وعهدها ألا تنكح غيره في استسرار وخفية.
هذا قول جمهور أهل العلم.
و «سرّا» على هذا التأويل نصب على الحال أى مسرين- وسمى النكاح سرّا لأن مسببه الذي هو الوطء مما يسر- وقيل السر الزنا، أى لا يكونن منكم مواعدة على الزنا في العدة ثم التزوج بعدها.
أى لا تواعدوهن زنا.
واختاره الطبري.
ومنه قول الأعشى:فلا تقربن جارة إن سرها ...
عليك حرام فانكحن أو تأبداأى: «فتزوجها أو ابتعد عنها.
وقيل السر الجماع».
والذي تطمئن إليه النفس أن كلمة {سرا} صفة لموصوف محذوف أى لا تواعدهن وعدا سريا، وأن النهى هنا منصب على كل مواعدة سرية، يقال فيها كل ما ينهى عنه أو يستحيا منه في العلن، لقبحه أو لأن أوانه لم يحن بعد، إذ السرية أو الخلوة بين الرجل والمرأة لا تؤمن مزالقها.
وفي الحديث الشريف أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما» «2» وأن المراد بقوله: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً هو التعريض بالخطبة، وإظهار المودة بطريقة لا تفضى إلى محرم.
قال صاحب الكشاف في قوله: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وهو أن تعرّضوا ولا تصرحوا.
فإن قلت بم يتعلق حرف الاستثناء؟ قلت: بلا تواعدوهن.
أى لا تواعدوهن مواعدة قط إلا مواعدة معروفة غير منكرة: أى لا تواعدوهن إلا بالتعريض .
ثم قال-تبارك وتعالى-: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ.
العزم: القطع والتصميم، يقال عزم على الشيء إذا صمم وعقد القلب على فعله، وهو يتعدى بعلى وبنفسه فيقال: عزم الشيء وعزم عليه.
وعقدة النكاح: الارتباط الموثق به.
وأصل العقد الشد، والعهود والأنكحة تسمى عقودا لأنها تعقد وتوثق كما يوثق بالحبل.
والمراد بالكتاب هنا الأمر المكتوب المفروض وهو العدة التي حدد الله لها وقتا معينا.
والأجل: هو نهاية المدة التي قررها الشرع للعدة.
والمعنى: لا يسوغ لكم يا معشر الرجال الراغبين في الزواج من النساء اللائي فارقهن أزواجهن أن تعقدوا العزم نهائيا في أثناء العدة على أن تتموا الزواج بعدها، بأن تحول الخطبة من التعريض إلى التصريح، أو تبتوا في أمر الزواج بتا قاطعا بمواعدة أو نحوها، إذ العاقل لا يستعجل أمرا قبل حلول وقته، وإنما الذي يسوغ لكم أن تتموا عقد الزواج بعد انتهاء العدة وبعد أن يكون جو الأحزان قد فتر وجفت حدته.
والنهى عن العزم على عقد النكاح نهى بالأولى عن إبرامه وتنفيذه، لأن العزم على الفعل يتقدمه، فإذا نهى عنه كان الفعل أنهى، فهو كالنهى عن الاقتراب من حدود الله في قوله:تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها.
وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد أباحت شيئين، ونهت عن شيئين: أباحت التعريض بالخطبة للمرأة أثناء عدتها، كما أباحت إخفاء هذه الرغبة في الأنفس وحديثها بها.
ويشهد لذلك قوله-تبارك وتعالى-: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ونهت عن المواعدة سرا إلا أن يقولوا قولا معروفا عن طريق التعريض، أو أن يسار الرجل المرأة بالقول المعروف الذي أباحه الشرع وارتضته العقول السليمة، والأخلاق الفاضلة، بأن يعدها في السر بالإحسان إليها والاهتمام بشأنها والتكفل بمصالحها حتى يصير ذكر هذه الأشياء الجميلة مؤكدا لذلك التعريض.
أما الشيء الثاني الذي نهت عنه فهو العزم على عقدة النكاح قبل انقضاء العدة.
ويشهد لهذا قوله-تبارك وتعالى-: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً، وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ.
وبعد هذه الأوامر والنواهي ختم الله-تبارك وتعالى- الآية بقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ.
أى: اعلموا أيها الناس أن الله-تبارك وتعالى- يعلم ما يجول في نفوسكم من خير أو شر، وما تهجس به خطرات قلوبكم من مقاصد واتجاهات، فاحذروا أن تقصدوا ما هو شر، أو تفعلوا ما هو منكر، واعلموا أنه-تبارك وتعالى- غفور لمن تاب وعمل صالحا، حليم لا يعاجل الناس بالعقوبة، ولا يؤاخذهم إلا بما كسبوا.
فالجملة الكريمة تحذير وتبشير، وترغيب وترهيب، لكي لا يتجاسر الناس على ارتكاب ما نهى الله عنه، ولا ييأسوا من رحمته متى تابوا وأنابوا.
هذا، وقد أجمع العلماء على تحريم نكاح المرأة في عدتها، وإذا حدث مثل هذا النكاح ودخل بها فرق بينهما وفسخ النكاح.
ويرى جمهور العلماء أنها تصير محرمة عليه تحريما مؤبدا، ولا يحل له نكاحها ركلك لأنه استحل ما لا يحل فعوقب بحرمانه، كالقاتل يعاقب بحرمانه من ميراث المقتول.
وقيل: يفسخ النكاح ويفرق بينهما فإذا انتهت العدة حلت له ولم يتأبد التحريم.
ولكل فريق أدلته المبسوطة في كتب الفقه.
وبذلك تكون الآية الكريمة قد أرشدت الناس إلى ما يقره الشرع، ويرتضيه الخلق الكريم، ونهتهم عما يتنافى مع تعاليم الإسلام بأسلوب حكيم جمع بين الشدة واللين، والخوف والرجاء، حتى يثوب المخطئون إلى رشدهم ويقلعوا عن خطئهم.
ثم بين- سبحانه - في آيتين كريمتين بعض الأحكام التي تتعلق بالمطلقة قبل الدخول بها، سواء أذكر لها المهر أم لم يذكر، فقال-تبارك وتعالى-:
قوله تعالى : ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليمقوله تعالى : ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء إلى قوله : ( معروفا ) فيه تسع مسائل :الأولى : قوله تعالى : ( ولا جناح ) أي لا إثم ، والجناح الإثم ، وهو أصح في الشرع وقيل : بل هو الأمر الشاق ، وهو أصح في اللغة ، قال الشماخ :إذا تعلو براكبها خليجا تذكر ما لديه من الجناحوقوله : عليكم فيما عرضتم المخاطبة لجميع الناس ، والمراد بحكمها هو الرجل الذي في نفسه تزوج معتدة ، أي لا وزر عليكم في التعريض بالخطبة في عدة الوفاة .
والتعريض : ضد التصريح ، وهو إفهام المعنى بالشيء المحتمل له ولغيره وهو من عرض الشيء وهو جانبه ، كأنه يحوم به على الشيء ولا يظهره .
وقيل ، هو من قولك عرضت الرجل ، أي أهديت إليه تحفة ، وفي الحديث : أن ركبا من المسلمين عرضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بيضاء ، أي أهدوا لهما .
فالمعرض بالكلام يوصل إلى صاحبه كلاما يفهم معناه .
الثانية : قال ابن عطية : أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو نص في تزوجها وتنبيه عليه لا يجوز ، وكذلك أجمعت الأمة على أن الكلام معها بما هو رفث وذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز ، وكذلك ما أشبهه ، وجوز ما عدا ذلك .
ومن أعظمه قربا إلى التصريح قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس : كوني عند أم شريك ولا تسبقيني بنفسك .
ولا يجوز التعريض لخطبة الرجعية إجماعا لأنها كالزوجة .
وأما من كانت في عدة البينونة فالصحيح جواز التعريض لخطبتها والله أعلم .
وروي في تفسير التعريض ألفاظ كثيرة جماعها يرجع إلى قسمين : الأول : أن يذكرها لوليها يقول له لا تسبقني بها .
والثاني : أن يشير بذلك إليها دون واسطة ، فيقول لها : إني أريد التزويج ، أو إنك لجميلة ، إنك لصالحة ، إن الله لسائق إليك خيرا ، إني فيك لراغب ، ومن يرغب عنك ، إنك لنافقة ، وإن حاجتي في النساء ، وإن يقدر الله أمرا يكن .
هذا هو تمثيل مالك وابن شهاب .
وقال ابن عباس : لا بأس أن يقول : لا تسبقيني بنفسك ، ولا بأس أن يهدي إليها ، وأن يقوم بشغلها في العدة إذا كانت من شأنه ، قاله إبراهيم .
وجائز أن يمدح نفسه ويذكر مآثره على وجه التعريض بالزواج ، وقد فعله أبو جعفر محمد بن علي بن حسين ، قالت سكينة بنت حنظلة استأذن علي محمد بن علي ولم تنقض عدتي من مهلك زوجي فقال : قد عرفت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابتي من علي وموضعي في العرب .
قلت غفر الله لك يا أبا جعفر ، إنك رجل يؤخذ عنك ، تخطبني في عدتي ، قال : إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن علي .
وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة فقال : لقد علمت أني رسول الله وخيرته وموضعي في قومي كانت تلك خطبة ، أخرجه الدارقطني .
والهدية إلى المعتدة جائزة ، وهى من التعريض ، قاله سحنون وكثير من العلماء وقاله إبراهيم .
وكره مجاهد أن يقول لها : لا تسبقيني بنفسك ورآه من المواعدة سرا .
قال القاضي أبو محمد بن عطية : وهذا عندي على أن يتأول قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة أنه على جهة الرأي لها فيمن يتزوجها لا أنه أرادها لنفسه وإلا فهو خلاف لقول النبي صلى الله عليه وسلم .
الثالثة : قوله تعالى : من خطبة النساء الخطبة ( بكسر الخاء ) : فعل الخاطب من كلام وقصد واستلطاف بفعل أو قول .
يقال : خطبها يخطبها خطبا وخطبة .
ورجل خطاب كثير التصرف في الخطبة ، ومنه قول الشاعر :برح بالعينين خطاب الكثب يقول إني خاطب وقد كذبوإنما يخطب عسا من حلبوالخطيب : الخاطب .
والخطيبى : الخطبة ، قال : عدي بن زيد يذكر قصة جذيمة الأبرش لخطبة الزباء :لخطيبى التي غدرت وخانت وهن ذوات غائلة لحيناوالخطب ، الرجل الذي يخطب المرأة ، ويقال أيضا : هي خطبه وخطبته التي يخطبها .
والخطبة فعلة كجلسة وقعدة : والخطبة ( بضم الخاء ) هي الكلام الذي يقال في النكاح وغيره .
قال النحاس : والخطبة ما كان لها أول وآخر ، وكذا ما كان على فعلة نحو الأكلة والضغطة .
الرابعة : قوله تعالى : أو أكننتم في أنفسكم معناه سترتم وأضمرتم من التزوج بها بعد انقضاء عدتها .
والإكنان : الستر والإخفاء ، يقال : كننته وأكننته بمعنى واحد .
وقيل : كننته أي صنته حتى لا تصيبه آفة وإن لم يكن مستورا ، ومنه بيض مكنون ودر مكنون .
وأكننته أسررته وسترته .
وقيل : كننت الشيء من الأجرام إذا سترته بثوب أو بيت أو أرض ونحوه .
وأكننت الأمر في نفسي .
ولم يسمع من العرب كننته في نفسي .
ويقال : أكن البيت الإنسان ، ونحو هذا .
فرفع الله الجناح عمن أراد تزوج المعتدة مع التعريض ومع الإكنان ، ونهى عن المواعدة التي هي تصريح بالتزويج وبناء عليه واتفاق على وعد .
ورخص لعلمه تعالى بغلبة النفوس وطمحها وضعف البشر عن ملكها .
الخامسة : استدلت الشافعية بهذه الآية على أن التعريض لا يجب فيه حد ، وقالوا : لما رفع الله تعالى الحرج في التعريض في النكاح دل على أن التعريض بالقذف لا يوجب الحد ؛ لأن الله سبحانه لم يجعل التعريض في النكاح مقام التصريح .
قلنا : هذا ساقط لأن الله سبحانه وتعالى لم يأذن في التصريح بالنكاح في الخطبة ، وأذن في التعريض الذي يفهم منه النكاح ، فهذا دليل على أن التعريض يفهم منه القذف ، والأعراض يجب صيانتها ، وذلك يوجب حد المعرض ، لئلا يتطرق الفسقة إلى أخذ الأعراض بالتعريض الذي يفهم منه ما يفهم بالتصريح .
السادسة : قوله تعالى : علم الله أنكم ستذكرونهن أي إما سرا وإما إعلانا في نفوسكم وبألسنتكم ، فرخص في التعريض دون التصريح .
الحسن : معناه ستخطبونهن .
السابعة : قوله تعالى : ولكن لا تواعدوهن سرا أي على سر فحذف الحرف ؛ لأنه مما يتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف جر .
واختلف العلماء في معنى قوله تعالى : سرا فقيل ، معناه نكاحا ، أي لا يقل الرجل لهذه المعتدة تزوجيني ، بل يعرض إن أراد ، ولا يأخذ ميثاقها وعهدها ألا تنكح غيره في استسرار وخفية ، هذا قول ابن عباس وابن جبير ومالك وأصحابه والشعبي ومجاهد وعكرمة والسدي وجمهور أهل العلم .
" وسرا " على هذا التأويل نصب على الحال ، أي مستسرين .
وقيل : السر الزنا ، أي لا يكونن منكم مواعدة على الزنا في العدة ثم التزوج بعدها .
قال معناه جابر بن زيد وأبو مجلز لاحق بن حميد ، والحسن بن أبي الحسن وقتادة والنخعي والضحاك ، وأن السر في هذه الآية الزنا ، أي لا تواعدوهن زنا ، واختاره الطبري ، ومنه قول الأعشى :فلا تقربن جارة إن سرها عليك حرام فانكحن أو تأبداوقال الحطيئة :ويحرم سر جارتهم عليهم ويأكل جارهم أنف القصاعوقيل : السر الجماع ، أي لا تصفوا أنفسكم لهن بكثرة الجماع ترغيبا لهن في النكاح فإن ذكر الجماع مع غير الزوج فحش ، هذا قول الشافعي .
وقال امرؤ القيس :ألا زعمت بسباسة اليوم أنني كبرت وألا يحسن السر أمثاليوقال رؤبة :فكف عن إسرارها بعد الغسقأي كف عن جماعها بعد ملازمته لذلك .
وقد يكون السر عقدة النكاح ، سرا كان أو جهرا ، قال الأعشى :فلن يطلبوا سرها للغنى ولن يسلموها لإزهادهاوأراد أن يطلبوا نكاحها لكثرة مالها ، ولن يسلموها لقلة مالها .
وقال ابن زيد : معنى قوله ولكن لا تواعدوهن سرا أن لا تنكحوهن وتكتمون ذلك ، فإذا حلت أظهرتموه ودخلتم بهن ، وهذا هو معنى القول الأول ، فابن زيد على هذا قائل بالقول الأول ، وإنما شذ في أن سمى العقد مواعدة ، وذلك قلق .
وحكى مكي والثعلبي عنه أنه قال : الآية منسوخة بقوله تعالى : ولا تعزموا عقدة النكاح .
الثامنة : قال القاضي أبو محمد بن عطية : أجمعت الأمة على كراهة المواعدة في العدة للمرأة في نفسها ، وللأب في ابنته البكر ، وللسيد في أمته .
قال ابن المواز : وأما الولي الذي لا يملك الجبر فأكرهه وإن نزل لم أفسخه .
وقال مالك رحمه الله فيمن يواعد في العدة ثم يتزوج بعدها : فراقها أحب إلي ، دخل بها أو لم يدخل ، وتكون تطليقة واحدة ، فإذا حلت خطبها مع الخطاب ، هذه رواية ابن وهب .
وروى أشهب عن مالك أنه يفرق بينهما إيجابا ، وقاله ابن القاسم .
وحكى ابن الحارث مثله عن ابن الماجشون ، وزاد ما يقتضي أن التحريم يتأبد .
وقال الشافعي : إن صرح بالخطبة وصرحت له بالإجابة ولم يعقد النكاح حتى تنقضي العدة فالنكاح ثابت والتصريح لهما مكروه لأن النكاح حادث بعد الخطبة ، قاله ابن المنذر .
التاسعة : قوله تعالى : إلا أن تقولوا قولا معروفا استثناء منقطع بمعنى لكن ، كقوله إلا خطأ ؛ أي لكن خطأ .
والقول المعروف هو ما أبيح من التعريض .
وقد ذكر الضحاك أن من القول المعروف أن يقول للمعتدة : احبسي علي نفسك فإن لي بك رغبة ، فتقول هي : وأنا مثل ذلك ، وهذا شبه المواعدة .
قوله تعالى : ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله فيه تسع مسائل :الأولى : قوله تعالى : ولا تعزموا قد تقدم القول في معنى العزم ، يقال : عزم الشيء وعزم عليه .
والمعنى هنا : ولا تعزموا على عقدة النكاح .
ومن الأمر البين أن القرآن أفصح كلام ، فما ورد فيه فلا معترض عليه ، ولا يشك في صحته وفصاحته ، وقد قال الله تعالى : وإن عزموا الطلاق ، وقال هنا : ولا تعزموا عقدة النكاح والمعنى : لا تعزموا على عقدة النكاح في زمان العدة ثم حذف على ما تقدم .
وحكى سيبويه : ضرب فلان الظهر والبطن ، أي على .
قال سيبويه : والحذف في هذه الأشياء لا يقاس عليه .
قال النحاس : ويجوز أن يكون ( لا تعقدوا عقدة النكاح ) ؛ لأن معنى " تعزموا " وتعقدوا واحد .
ويقال : " تعزموا " بضم الزاي .
الثانية : قوله تعالى : حتى يبلغ الكتاب أجله يريد تمام العدة .
والكتاب هنا هو الحد الذي جعل والقدر الذي رسم من المدة ، سماها كتابا إذ قد حده وفرضه كتاب الله كما قال كتاب الله عليكم وكما قال : إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا .
فالكتاب : الفرض ، أي حتى يبلغ الفرض أجله ، كتب عليكم الصيام ؛ أي فرض .
وقيل : في الكلام حذف ، أي حتى يبلغ فرض الكتاب أجله ، فالكتاب على هذا التأويل بمعنى القرآن .
وعلى الأول لا حذف فهو أولى ، والله أعلم .
الثالثة : حرم الله تعالى عقد النكاح في العدة بقوله تعالى : ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله وهذا من المحكم المجمع على تأويله ، أن بلوغ أجله انقضاء العدة .
وأباح التعريض في العدة بقوله : ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء الآية .
ولم يختلف العلماء في إباحة ذلك ، واختلفوا في ألفاظ التعريض على ما تقدم .
واختلفوا في الرجل يخطب امرأة في عدتها جاهلا ، أو يواعدها ويعقد بعد العدة ، وقد تقدم هذا في الآية التي قبلها .
واختلفوا إن عزم العقدة في العدة وعثر عليه ففسخ الحاكم نكاحه ، وذلك قبل الدخول وهي :الرابعة : فقول عمر بن الخطاب وجماعة من العلماء أن ذلك لا يؤبد تحريما ، وأنه يكون خاطبا من الخطاب ، وقاله مالك وابن القاسم في المدونة في آخر الباب الذي يليه ( ضرب أجل المفقود ) .
وحكى ابن الجلاب عن مالك رواية أن التحريم يتأبد في العقد وإن فسخ قبل الدخول ، ووجهه أنه نكاح في العدة فوجب أن يتأبد به التحريم ، أصله إذا بنى بها .
وأما إن عقد في العدة ودخل بعد انقضائها وهي :الخامسة : فقال قوم من أهل العلم : ذلك كالدخول في العدة ، يتأبد التحريم بينهما .
وقال قوم من أهل العلم : لا يتأبد بذلك تحريم .
وقال مالك : يتأبد التحريم .
وقال مرة : وما التحريم بذلك بالبين ، والقولان له في المدونة في طلاق السنة .
وأما إن دخل في العدة وهي :السادسة : فقال مالك والليث والأوزاعي : يفرق بينهما ولا تحل له أبدا .
قال مالك والليث : ولا بملك اليمين ، مع أنهم جوزوا التزويج بالمزني بها .
واحتجوا بأن عمر بن الخطاب قال : لا يجتمعان أبدا .
قال سعيد : ولها مهرها بما استحل من فرجها ، أخرجه مالك في موطئه وسيأتي .
وقال الثوري والكوفيون والشافعي : يفرق بينهما ولا يتأبد التحريم بل يفسخ بينهما ثم تعتد منه ، ثم يكون خاطبا من الخطاب .
واحتجوا بإجماع العلماء على أنه لو زنى بها لم يحرم عليه تزويجها ، فكذلك وطؤه إياها في العدة .
قالوا : وهو قول علي .
ذكره عبد الرزاق .
وذكر عن ابن مسعود مثله ، وعن الحسن أيضا .
وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن أشعث عن الشعبي عن مسروق أن عمر رجع عن ذلك وجعلهما يجتمعان .
وذكر القاضي أبو الوليد الباجي في المنتقى فقال : لا يخلو الناكح في العدة إذا بنى بها أن يبني بها في العدة أو بعدها ، فإن كان بنى بها في العدة فإن المشهور من المذهب أن التحريم يتأبد ، وبه قال أحمد بن حنبل .
وروى الشيخ أبو القاسم في تفريعه أن في التي يتزوجها الرجل في عدة من طلاق أو وفاة عالما بالتحريم روايتين ، إحداهما : أن تحريمه يتأبد على ما قدمناه .
والثانية : أنه زان وعليه الحد ، ولا يلحق به الولد ، وله أن يتزوجها إذا انقضت عدتها ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة .
ووجه الرواية الأولى - وهي المشهورة - ما ثبت من قضاء عمر بذلك ، وقيامه بذلك في الناس ، وكانت قضاياه تسير وتنتشر وتنقل في الأمصار ، ولم يعلم له مخالف ، فثبت أنه إجماع .
قال القاضي أبو محمد : وقد روي مثل ذلك عن علي بن أبي طالب ولا مخالف لهما مع شهرة ذلك وانتشاره ، وهذا حكم الإجماع .
ووجه الرواية الثانية أن هذا وطء ممنوع فلم يتأبد تحريمه ، كما لو زوجت نفسها أو تزوجت متعة أو زنت .
وقد قال القاضي أبو الحسن : إن مذهب مالك المشهور في ذلك ضعيف من جهة النظر .
والله أعلم .
وأسند أبو عمر : حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ عن محمد بن إسماعيل عن نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن أشعث عن الشعبي عن مسروق قال : بلغ عمر بن الخطاب أن امرأة من قريش تزوجها رجل من ثقيف في عدتها فأرسل إليهما ففرق بينهما وعاقبهما وقال : لا تنكحها أبدا وجعل صداقها في بيت المال ، وفشا ذلك في الناس فبلغ عليا فقال : يرحم الله أمير المؤمنين ، ما بال الصداق وبيت المال ، إنما جهلا فينبغي للإمام أن يردهما إلى السنة .
قيل : فما تقول أنت فيهما ؟ فقال : لها الصداق بما استحل من فرجها ، ويفرق بينهما ولا جلد عليهما ، وتكمل عدتها من الأول ، ثم تعتد من الثاني عدة كاملة ثلاثة أقراء ثم يخطبها إن شاء .
فبلغ عمر فخطب الناس فقال : أيها الناس ، ردوا الجهالات إلى السنة .
قال الكيا الطبري : ولا خلاف بين الفقهاء أن من عقد على امرأة نكاحها وهي في عدة من غيره أن النكاح فاسد .
وفي اتفاق عمر وعلي على نفي الحد عنهما ما يدل على أن النكاح الفاسد لا يوجب الحد ، إلا أنه مع الجهل بالتحريم متفق عليه ، ومع العلم به مختلف فيه .
واختلفوا هل تعتد منهما جميعا وهذه مسألة العدتين وهي :السابعة : فروى المدنيون عن مالك أنها تتم بقية عدتها من الأول ، وتستأنف عدة أخرى من الآخر ، وهو قول الليث والحسن بن حي والشافعي وأحمد وإسحاق .
وروي عن علي كما ذكرنا ، وعن عمر على ما يأتي .
وروى محمد بن القاسم وابن وهب عن مالك : أن عدتها من الثاني تكفيها من يوم فرق بينه وبينها ، سواء كانت بالحمل أو بالأقراء أو بالشهور ، وهو قول الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة .
وحجتهم الإجماع على أن الأول لا ينكحها في بقية العدة منه ، فدل على أنها في عدة من الثاني ، ولولا ذلك لنكحها في عدتها منه .
أجاب الأولون فقالوا : هذا غير لازم لأن منع الأول من أن ينكحها في بقية عدتها إنما وجب لما يتلوها من عدة الثاني ، وهما حقان قد وجبا عليها لزوجين كسائر حقوق الآدميين ، لا يدخل أحدهما في صاحبه .
وخرج مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن سليمان بن يسار أن طليحة الأسدية كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها فنكحت في عدتها فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرق بينهما ، ثم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوج بها لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الزوج الأول ، ثم كان الآخر خاطبا من الخطاب ، وإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ، ثم اعتدت من الآخر ثم لا يجتمعان أبدا .
قال مالك : وقال سعيد بن المسيب : ولها مهرها بما استحل من فرجها .
قال أبو عمر : وأما طليحة هذه فهي طليحة بنت عبيد الله أخت طلحة بن عبيد الله التيمي ، وفي بعض نسخ الموطأ من رواية يحيى : طليحة الأسدية وذلك خطأ وجهل ، ولا أعلم أحدا قاله .
الثامنة : قوله ( فضربها عمر بالمخفقة وضرب زوجها ضربات ) يريد على وجه العقوبة لما ارتكباه من المحظور وهو النكاح في العدة .
وقال الزهري : فلا أدري كم بلغ ذلك الجلد .
قال : وجلد عبد الملك في ذلك كل واحد منهما أربعين جلدة .
قال : فسئل عن ذلك قبيصة بن ذؤيب فقال : لو كنتم خففتم فجلدتم عشرين ، وقال ابن حبيب في التي تتزوج في العدة فيمسها الرجل أو يقبل أو يباشر أو يغمز أو ينظر على وجه اللذة أن على الزوجين العقوبة وعلى الولي وعلى الشهود ومن علم منهم أنها في عدة ، ومن جهل منهم ذلك فلا عقوبة عليه .
وقال ابن المواز : يجلد الزوجان الحد إن كانا تعمدا ذلك ، فيحمل قول ابن حبيب على من علم بالعدة ، ولعله جهل التحريم ولم يتعمد ارتكاب المحظور فذلك الذي يعاقب ، وعلى ذلك كان ضرب عمر المرأة وزوجها بالمخفقة ضربات .
وتكون العقوبة والأدب في ذلك بحسب حال المعاقب .
ويحمل قول ابن المواز على أنهما علما التحريم واقتحما ارتكاب المحظور جرأة وإقداما .
وقد قال الشيخ أبو القاسم : إنهما روايتان في التعمد ، إحداهما يحد ، والثانية يعاقب ولا يحد .
التاسعة : قوله تعالى : واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه هذا نهاية التحذير من الوقوع فيما نهى عنه .


شرح المفردات و معاني الكلمات : جناح , عرضتم , خطبة , النساء , أكننتم , أنفسكم , علم , الله , ستذكرونهن , تواعدوهن , سرا , قولا , معروفا , تعزموا , عقدة , النكاح , يبلغ , الكتاب , أجله , واعلموا , الله , يعلم , أنفسكم , فاحذروه , واعلموا , الله , غفور , حليم , خطبة+النساء , علم+الله+أنكم+ستذكرونهن+ولكن+لا+تواعدوهن+سرا+إلا+أن+تقولوا+قولا+معروفا , قولا+معروفا , ولا+تعزموا+عقدة+النكاح+حتى+يبلغ+الكتاب+أجله , واعلموا+أن+الله+يعلم+ما+في+أنفسكم+فاحذروه , واعلموا+أن+الله+غفور+حليم ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم

  1. قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما
  2. إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن
  3. قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم
  4. إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين
  5. وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا
  6. لمن شاء منكم أن يستقيم
  7. الحمد لله الذي أنـزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا
  8. وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم
  9. فاتقوا الله وأطيعون
  10. لكم دينكم ولي دين

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Friday, March 29, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب