تفسير الطبري تفسير الصفحة 38 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 38
039
037
 الآية : 234
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيَ أَنْفُسِهِنّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: والذين يتوفون منكم من الرجال أيها الناس, فـيـموتون ويذرون أزواجا يتربص أزواجهن بأنفسهن.
فإن قال قائل: فأين الـخبر عن الذين يتوفون؟ قـيـل: متروك لأنه لـم يقصد قصد الـخبر عنهم, وإنـما قصد قصد الـخبر عن الواجب علـى الـمعتدات من العدة فـي وفـاة أزواجهنّ, فصرف الـخبر عن الذين ابتدأ بذكرهم من الأموات إلـى الـخبر عن أزواجهم والواجب علـيهن من العدة, إذ كان معروفـا مفهوما معنى ما أريد بـالكلام, وهو نظير قول القائل فـي الكلام: بعض جبّتك متـخرقة, فـي ترك الـخبر عما ابتدىء به الكلام إلـى الـخبر عن بعض أسبـابه. وكذلك الأزواج اللواتـي علـيهنّ التربص لـما كان إنـما ألزمهنّ التبرص بأسبـاب أزواجهن صرف الكلام عن خبر من ابتدىء بذكره إلـى الـخبر عمن قصد قصد الـخبر عنه, كما قال الشاعر:
لَعلّـيَ إنْ مالَتْ بِـيَ الرّيحُ مَيْـلَةًعلـى ابْنِ أبـي ذِبّـانَ أنْ يَتَنَدّمَا
فقال «لعلّـي», ثم قال «أن يتندما», لأن معنى الكلام: لعلّ ابن أبـي ذبّـان أن يتندم إن مالت بـي الريح ميـلة علـيه. فرجع بـالـخبر إلـى الذي أراد به, وإن كان قد ابتدأ بذكر غيره. ومنه قول الشاعر:
ألـمْ تَعْلَـمُوا أنّ ابْنَ قَـيْسٍ وقَتْلَهُبغيرِ دَمٍ دَارُ الـمَذَلّةِ حُلّتِ
فألغى «ابن قـيس» وقد ابتدأ بذكره, وأخبر عن قتله أنه ذُلّ.
وقد زعم بعض أهل العربـية أن خبر الذين يتوفون متروك, وأن معنى الكلام: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ينبغي لهنّ أن يتربصن بعد موتهم وزعم أنه لـم يذكر موتهم كما يحذف بعض الكلام, وأنّ «يتربصن» رفع إذ وقع موقع ينبغي, وينبغي رفع. وقد دللنا علـى فساد قول من قال فـي رفع يتربصن بوقوعه موقع ينبغي فـيـما مضى, فأغنى عن إعادته.
وقال آخرون منهم: إنـما لـم يذكر «الذين» بشيء, لأنه صار الذين فـي خبرهم مثل تأويـل الـجزاء: مَنْ يـلقك منا تُصِبْ خيرا, الذي يـلقاك منا تصيب خيرا. قال: ولا يجوز هذا إلا علـى معنى الـجزاء, وفـي البـيتـين اللذين ذكرناهما الدلالة الواضحة علـى القول فـي ذلك بخلاف ما قالا.
وأما قوله: يَتَرَبصْنَ بأنْفُسِهِنّ فإنه يعنـي به: يحتبسن بأنفسهن معتدّات عن الإزواج والطيب والزينة والنقلة عن الـمسكن الذي كن يسكنه فـي حياة أزواجهن أربعة أشهر وعشرا إلا أن يكن حوامل, فـيكون علـيهن من التربص كذلك إلـى حين وضع حملهن, فإذا وضعن حملهن انقضت عددهن حينئذٍ.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم مثل ما قلنا فـيه.
4404ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـي, عن ابن عبـاس: وَالّذينَ يُتَوَفّونَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجا يَترَبّصْنَ بأنْفُسَهِنّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرا فهذه عدة الـمتوفـى عنها زوجها إلا أن تكون حاملاً, فعدتها أن تضع ما فـي بطنها.
4405ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي اللـيث, قال: ثنـي عقـيـل, عن ابن شهاب, فـي قول الله: وَالّذِينَ يُتَوَفّونَ مِنْكُمْ وَيَذرُونَ أزْوَاجا يَتَرَبّصْنَ بأنْفُسِهِنّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا قال ابن شهاب: جعل الله هذه العدة للـمتوفـى عنها زوجها, فإن كانت حاملاً فـيحلها من عدتها أن تضع حملها, وإن استأخر فوق الأربعة الأشهر والعشر فما استأخر, لا يحلها إلا أن تضع حملها.
وإنـما قلنا: عنى بـالتربص ما وصفنا لتظاهر الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بـما:
4406ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع وأبو أسامة, عن شعبة, وحدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, عن شعبة, عن حميد بن نافع, قال: سمعت زينب ابنة أم سلـمة تـحدّث قال أبو كريب: قال أبو أسامة, عن أم سلـمة أن امرأة توفـي عنها زوجها, واشتكت عينها, فأتت النبـيّ صلى الله عليه وسلم تستفتـيه فـي الكحل, فقال: «لَقَدْ كانَتْ إحْدَاكُنّ تَكُونَ فِـي الـجاهِلِـيّةِ فِـي شَرّ أحْلاسِها, فَتَـمْكُثُ فِـي بَـيْتِها حَوْلاً إذَا تُوُفـي عَنْها زَوْجُها, فَـيَـمُرّ عَلَـيْها الكَلبُ فَترْمِيهِ بـالبَعْرَةِ أفَلا أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا».
4407ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: سمعت يحيى بن سعيد, قال: سمعت نافعا, عن صفـية ابنة أبـي عبـيد أنها سمعت حفصة ابنة عمر زوج النبـيّ صلى الله عليه وسلم تـحدّث عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ يَحِلّ لامْرأةٍ تُؤْمِنُ بـاللّهِ وَالـيَوْمِ الاَخِرِ أنْ تُـحِدّ فَوْقَ ثَلاثٍ إلاّ علـى زَوْجٍ فإنها تُـحِدّ عَلَـيْهِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا».
قال يحيى: والإحداد عندنا أن لا تطيب ولا تلبس ثوبـا مصبوغا بورس ولا زعفران, ولا تكتـحل ولا تزّيّن.
4408ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا يحيى, عن نافع, عن صفـية ابنة أبـي عبـيد, عن حفصة بنة عمر, أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَحِلّ لاِمْرأةٍ تُؤْمِنُ بـاللّهِ وَالـيَوْم الاَخِر أنْ تُـحِدّ علـى مَيتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إلا علـى زَوْج».
4409ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخبرنـي حميد بن نافع أن زينب ابنة أم سلـمة أخبرته عن أم سلـمة, أو أم حبـيبة زوج النبـيّ صلى الله عليه وسلم: أن امرأة أتت النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فذكرت أن ابنتها توفـي عنها زوجها, وأنها قد خافت علـى عينها. فزعم حميد عن زينب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قَدْ كانَتْ إحْدَاكُنّ تَرْمي بـالبَعْرَةِ علـى رأسِ الـحَوْلِ, وإنّـمَا هِيَ أرْبَعَةُ أشْهُرٍ وَعَشْرٌ».
4410ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا يحيى بن سعيد, عن حميد بن نافع: أنه سمع زينب ابنة أم سلـمة تـحدّث عن أم حبـيبة أو أمّ سلـمة أنها ذكرت أن امرأة أتت النبـيّ صلى الله عليه وسلم قد توفـي عنها زوجها وقد اشتكت عينها وهي تريد أن تكحل عينها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قَدْ كانَتْ إحْدَاكُنّ تَرْمي بـالبَعْرَةِ بَعْدَ الـحَوْلِ, وإنّـمَا هِيَ أرْبَعَةُ أشْهُرٍ وَعَشْرٌ» قال ابن بشار: قال يزيد, قال يحيى: فسألت حميدا عن رميها بـالبعرة, قال: كانت الـمرأة فـي الـجاهلـية إذا توفـي عنها زوجها عمدت إلـى شرّ بـيتها, فقعدت فـيه حولاً, فإذا مرّت بها سنة ألقت بعرة وراءها.
4411ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا شعبة, عن يحيى, عن حميد بن نافع بهذا الإسناد, مثله.
4412ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن أيوب بن موسى ويحيى بن سعيد, عن حميد بن نافع, عن زينب ابنة أم سلـمة, عن أم سلـمة: أن امرأة أتت النبـيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتـي مات زوجها فـاشتكت عينها, أفتكتـحل؟ فقال: «قَدْ كانَتْ إحْداكُنّ تَرْمي بـالبَعْرَةِ علـى رأسِ الـحَوْلِ, وإنـمَا هِيَ الاَنَ أرْبَعَةُ أشْهُرٍ وَعَشْرٌ». قال: قلت: وما ترمي بـالبعرة علـى رأس الـحول؟ قال: كان نساء الـجاهلـية إذا مات زوج إحداهنّ لبست أطمار ثـيابها, وجلست فـي أخسّ بـيوتها, فإذا حال علـيها الـحول أخذت بعرة فدحرجتها علـى ظهر حمار, وقالت: قد حللت.
4413ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أحمد بن يونس, قال: حدثنا زهير بن معاوية, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن حميد بن نافع عن زينب ابنة أم سلـمة, عن أمها أم سلـمة, وأم حبـيبة زوجي النبـيّ صلى الله عليه وسلم: أن امرأة من قريش جاءت إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتـي توفـي عنها زوجها, وقد خفت علـى عينها, وهي تريد الكحل. قال: «قَدْ كانَتْ إحْدَاكُنّ تَرْمي بـالبَعْرَةِ علـى رأسِ الـحَوْلِ وإنّـمَا هِيَ أرْبَعَةُ أشْهُرٍ وَعَشْرٌ», قال حميد: فقلت لزينب: وما رأس الـحول؟ قالت زينب: كانت الـمرأة فـي الـجاهلـية إذا هلك زوجها عمدت إلـى أشرّ بـيت لها فجلست فـيه, حتـى إذا مرّت بها سنة خرجت, ثم رمت ببعرة وراءها.
4414ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن معمر, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة: أنها كانت تفتـي الـمتوفـى عنها زوجها أن تـحد علـى زوجها حتـى تنقضي عدتها, ولا تلبس ثوبـا مصبوغا, ولا معصفرا, ولا تكتـحل بـالإثمد, ولا بكحل فـيه طيب وإن وجعت عينها, ولكن تكتـحل بـالصبر وما بدا لها من الأكحال سوى الإثمد مـما لـيس فـيه طيب, ولا تلبس حلـيا وتلبس البـياض ولا تلبس السواد.
4415ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن موسى بن عقبة, عن نافع, عن ابن عمر فـي الـمتوفـى عنها زوجها: لا تكتـحل, ولا تطّيّب, ولا تبـيت عن بـيتها, ولا تلبس ثوبـا مصبوغا إلا ثوب عصب تَـجلبَبُ به.
4416ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا ابن جريج, عن عطاء, قال: بلغنـي عن ابن عبـاس, قال: تنهى الـمتوفـى عنها زوجها أن تزيّن وتطيب.
4حدثنا نصر بن علـي, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا عبـيد الله, عن نافع, عن ابن عمر, قال: إن الـمتوفـى عنها زوجها لا تلبس ثوبـا مصبوغا, ولا تـمسّ طيبـا, ولا تكتـحل, ولا تـمتشط. وكان لا يرى بأسا أن تلبس البرد.
وقال آخرون: إنـما أمرت الـمتوفـى عنها زوجها أن تربص بنفسها عن الأزواج خاصة, فأما عن الطيب والزينة والـمبـيت عن الـمنزل فلـم تنه عن ذلك, ولـم تؤمر بـالتربص بنفسها عنه. ذكر من قال ذلك:
4417ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن يونس, عن الـحسن: أنه كان يرخص فـي التزين والتصنع, ولا يرى الإحداد شيئا.
4حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن جريج, عن عطاء, عن ابن عبـاس: وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجا يَتَرَبّصْنَ بأنْفُسِهِنّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا لـم يقل تعتدّ فـي بـيتها, تعتدّ حيث شاءت.
4418ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا إسماعيـل, قال: حدثنا ابن جريج, عن عطاء, قال: قال ابن عبـاس: إنـما قال الله: وَالّذِينَ يُتَوَفّونَ مِنْكُم وَيَذْرَوُنَ أزْوَاجا يَتَرَبّصْنَ بأنْفُسِهِنّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرا ولـم يقل تعتدّ فـي بـيتها, فلتعتد حيث شاءت.
واعتلّ قائلو هذه الـمقالة بأن الله تعالـى ذكره إنـما أمر الـمتوفـى عنها بـالتربص عن النكاح, وجعلوا حكم الآية علـى الـخصوص. وبـما:
4حدثنـي به مـحمد بن إبراهيـم السلـمي, قال: حدثنا أبو عاصم, وحدثنـي مـحمد بن معمر البحرانـي, قال: حدثنا أبو عامر, قالا جميعا: حدثنا مـحمد بن طلـحة, عن الـحكم بن عتـيبة, عن عبد الله بن شداد بن الهاد, عن أسماء بنت عميس, قالت: لـما أصيب جعفر قال لـي رسول الله صلى الله عليه وسلم «تَسَلّبِـي ثَلاثا ثُم اصْنَعِي ما شِئْتِ».
4419ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو نعيـم وابن الصلت, عن مـحمد بن طلـحة, عن الـحكم بن عتـيبة, عن عبد الله بن شداد, عن أسماء, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم بـمثله.
قالوا: فقد بـين هذا الـخبر عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أن لا إحداد علـى الـمتوفـى عنها زوجها, وأن القول فـي تأويـل قوله: يَتَرَبّصْنَ بأنْفُسِهِنّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا إنـما هو يتربصن بأنفسهن عن الأزواج دون غيره.
وأما الذين أوجبوا الإحداد علـى الـمتوفـى عنها زوجها, وترك النقلة عن منزلها الذي كانت تسكنه يوم توفـي عنها زوجها, فـانهم اعتلوا بظاهر التنزيـل وقالوا: أمر الله الـمتوفـى عنها أن تربص بنفسها أربعة أشهر وعشرا, فلـم يأمرها بـالتربص بشيء مسمى فـي التنزيـل بعينه, بل عمّ بذلك معانـي التربص. قالوا: فـالواجب علـيها أن تربص بنفسها عن كل شيء, إلا ما أطلقته لها حجة يجب التسلـيـم لها. قالوا: فـالتربص عن الطيب والزينة والنقلة مـما هو داخـل فـي عموم الآية كما التربص عن الأزواج داخـل فـيها. قالوا: وقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الـخبر بـالذي قلنا فـي الزينة والطيب. أما فـي النقلة, فإن:
4أبـا كريب حدثنا , قال: حدثنا يونس بن مـحمد, عن فلـيح بن سلـيـمان, عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته الفريعة ابنة مالك أخت أبـي سعيد الـخدري قالت: قتل زوجي وأنا فـي دار, فـاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي النقلة, فأذن لـي. ثم نادانـي بعد أن تولـيت, فرجعت إلـيه, فقال: «يا فُرَيْعَةُ حتـى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ».
قالوا: فبـين رسول الله صلى الله عليه وسلم صحة ما قلنا فـي معنى تربص الـمتوفـى عنها زوجها ما خالفه.
قالوا: وأما ما روى عن ابن عبـاس فإنه لا معنى له بخروجه عن ظاهر التنزيـل والثابت من الـخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
قالوا: وأما الـخبر الذي روى عن أسماء ابنة عميس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره إياها بـالتسلّب ثلاثا, ثم أن تصنع ما بدا لها, فإنه غير دالّ علـى أن لا إحداد علـى الـمرأة, بل إنـما دلّ علـى أمر النبـيّ صلى الله عليه وسلم إياها بـالتسلب ثلاثا, ثم العمل بـما بدا لها من لبس ما شاءت من الثـياب مـما يجوز للـمعتدة لبسه مـما لـم يكن زينة ولا تطيبـا لأنه قد يكون من الثـياب ما لـيس بزينة ولا ثـياب تسلب. وذلك كالذي أذن صلى الله عليه وسلم للـمتوفـى عنها أن تلبس من ثـياب العَصْب وبرود الـيـمن, فإن ذلك لا من ثـياب زينة ولا من ثـياب تسلّب, وكذلك كل ثوب لـم يدخـل علـيه صبغ بعد نسجه مـما يصبغه الناس لتزيـينه, فإن لها لبسه, لأنها تلبسه غير متزينة الزينة التـي يعرفها الناس.
فإن قال لنا قائل: وكيف قـيـل يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ولـم يقل وعشرة؟ وإذ كان التنزيـل كذلك, أفبـاللـيالـي تعتدّ الـمتوفـى عنها العشر أم بـالأيام؟ قـيـل: بل تعتدّ بـالأيام بلـيالـيها. فإن قال: فإذ كان ذلك كذلك فكيف قـيـل وعشرا ولـم يقل وعشرة, والعشر بغير الهاء من عدد اللـيالـي دون الأيام؟ فإن أجاز ذلك الـمعنى فـيه ما قلت, فهل تـجيز عندي عشر وأنت تريد عشرة من رجال ونساء؟ قلت: ذلك جائز فـي عدد اللـيالـي والأيام, وغير جائز مثله فـي عدد بنـي آدم من الرجال النساء وذلك أن العرب فـي الأيام واللـيالـي خاصة إذا أبهمت العدد غلبت فـيه اللـيالـي, حتـى إنهم فـيـما رُوي لنا عنهم لـيقولون: صمنا عشرا من شهر رمضان, لتغلـيبهم اللـيالـي علـى الأيام وذلك أن العدد عندهم قد جرى فـي ذلك بـاللـيالـي دون الأيام, فإذا أظهروا مع العدد مفسره أسقطوا من عدد الـمؤنث الهاء, وأثبتوها فـي عدد الـمذكر, كما قال تعالـى ذكره: سَخّرَها عَلَـيْهِمْ سَبْعَ لَـيالٍ وَثمانِـيَةَ أيَامٍ حُسُوما فأسقط الهاء من سبع, وأثبتها فـي الثمانـية. وأما بنو آدم, فإن من شأن العرب إذا اجتـمعت الرجال والنساء ثم أبهمت عددها أن تـخرجه علـى عدد الذكران دون الإناث, وذلك أن الذكران من بنـي آدم موسوم واحدهم وجمعه بغير سمة إناثهم, ولـيس كذلك سائر الأشياء غيرهم, وذلك أن الذكور من غيرهم ربـما وسم بسمة الأنثى, كما قـيـل للذكر والأثنى شاة, وقـيـل للذكور والإناث من البقر بقر, ولـيس كذلك فـي بنـي آدم.
فإن قال: فما معنى زيادة هذه العشرة الأيام علـى الأشهر؟ قـيـل: قد قـيـل فـي ذلك فـيـما:
4حدثنا به ابن وكيع قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية فـي قوله: وَالّذِينَ يُتَوَفّونَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجَا يَتَرَبّصْنَ بأنْفُسِهِنّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرا قال: قلت: لـم صارت هذه العشر مع الأشهر الأربعة؟ قال: لأنه ينفخ فـيه الروح فـي العشر.
4حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي أبو عاصم, عن سعيد, عن قتادة, قال: سألت سعيد بن الـمسيب: ما بـال العشر؟ قال: فـيه ينفخ الروح.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فإذَا بَلَغْنَ أجَلَهُنّ فَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما فَعَلْنَ فـي أنْفُسِهِنّ بـالـمَعْرُوفِ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: فإذا بلغن الأجل الذي أبـيح لهنّ فـيه ما كان حظر علـيهن فـي عددهن من وفـاة أزواجهنّ, وذلك بعد انقضاء عددهن, ومضيّ الأشهر الأربعة والأيام العشرة, فلا جناح علـيكم فـيـما فعلن فـي أنفسهنّ بـالـمعروف. يقول: فلا حرج علـيكم أيها الأولـياء أولـياء الـمرأة فـيـما فعل الـمتوفـي عنهنّ حينئذٍ فـي أنفسهن من تطيب وتزين ونقلة من الـمسكن الذي كنّ يعتددن فـيه ونكاح من يجوز لهن نكاحه بـالـمعروف يعنـي بذلك: علـى ما أذن الله لهنّ فـيه وأبـاحه لهن. وقد قـيـل: إنـما عنى بذلك النكاح خاصة. وقـيـل: إن معنى قوله بـالـمَعْرُوفِ إنـما هو النكاح الـحلال. ذكر من قال ذلك:
4حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـمَا فَعَلْنَ فِـي أنْفُسِهِنّ بـالـمَعْرُوفِقال: الـحلال الطيب.
4420ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بزة, عن مـجاهد: فَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما فَعَلْنَ فِـي أنْفُسِهِنّ بـالـمَعْرُوفِ قال: الـمعروف: النكاح الـحلال الطيب.
4421ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: قال ابن جريج, قال مـجاهد: قوله: فِـيـما فَعَلْنَ فِـي أنْفُسِهنّ بـالـمَعْرُوفِ قال: هو النكاح الـحلال الطيب.
4حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي, قال: هو النكاح.
4حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي اللـيث, قال: ثنـي عقـيـل, عن ابن شهاب: فِـيـما فَعَلْنَ فِـي أنْفُسِهِنّ بـالـمَعْرُوفِ قال: فـي نكاح من هوينه إذا كان معروفـا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاللّهُ بِـمَا تَعْمَلُونَ خَبِـيرٌ.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: والله بـما تعملون أيها الأولـياء فـي أمر من أنتـم ولـيه من نسائكم من عضلهن وإنكاحهنّ مـمن أردن نكاحه بـالـمعروف, ولغير ذلك من أموركم وأمورهم, خبـير يعنـي ذو خبرة وعلـم, لا يخفـى علـيه منه شيء.
الآية : 235
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيَ أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنّ وَلَـَكِن لاّ تُوَاعِدُوهُنّ سِرّاً إِلاّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُوَاْ عُقْدَةَ النّكَاحِ حَتّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِيَ أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: ولا جناح علـيكم أيها الرجال فـيـما عرّضتـم به من خطبة النساء للنساء الـمعتدات, من وفـاة أزواجهن فـي عددهن, ولـم تصرّحوا بعقد نكاح. والتعريض الذي أبـيح فـي ذلك, هو ما:
4حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مـجاهد عن ابن عبـاس قوله: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ قال: التعريض أن يقول: إنى أريد التزويج, وإنـي لأحبّ امرأة من أمرها أمرها, يعرّض لها بـالقول بـالـمعروف.
4422ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس: لا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ قال: إنـي أريد أن أتزوّج.
4423ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا شعبة, عن منصور, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس قال: التعريض ما لـم ينصِب للـخطبة. قال مـجاهد: قال رجل لامرأة فـي جنازة زوجها لا تسبقـينـي بنفسك, قالت: قد سبقت.
4424ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, قال فـي هذه الآية: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ قال: التعريض ما لـم ينصب للـخطبة.
4425ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس: فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ قال: التعريض أن يقول للـمرأة فـي عدتها: إنـي لا أريد أن أتزوّج غيرك إن شاء الله, ولوددت أنـي وجدت امرأة صالـحة, ولا ينصب لها ما دامت فـي عدتها.
4426ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس فـي قوله: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ يقول: يعرّض لها فـي عدتها, يقول لها: إن رأيت أن لا تسبقـينـي بنفسك, ولوددت أن الله قد هيأ بـينـي وبـينك ونـحو هذا من الكلام فلا حرج.
4427ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا آدم العسقلانـي, قال: حدثنا شعبة, عن منصور, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس فـي قوله: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ قال: هو أن يقول لها فـي عدتها: إنـي أريد التزويج, ووددت أن الله رزقنـي امرأة ونـحو هذا, ولا ينصب للـخطبة.
4حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن ابن عون, عن مـحمد, عن عبـيدة فـي هذه الآية, قال: يذكرها إلـى ولـيها يقول: لا تسبقنـي بها.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن لـيث, عن مـجاهد فـي قوله: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ قال: يقول: إنك لـجميـلة, وإنك لنافقة, وإنك إلـى خير.
4حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد أنه كره أن يقول: لا تسبقـينـي بنفسك.
4428ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله تعالـى ذكره: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ قل: هو قول الرجل للـمرأة: إنك لـجميـلة وإنك لنافقة وإنك لإلـى خير.
4429ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن معمر, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ قال: يعرّض للـمرأة فـي عدتها فـيقول: والله إنك لـجميـلة, وإن النساء لـمن حاجتـي, وإنك إلـى خير إن شاء الله.
4حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا شعبة, عن سلـمة بن كهيـل, عن مسلـم البطين, عن سعيد بن جبـير, قال: هو قول الرجل: إنـي أريد أن أتزوّج, وإنـي إن تزوّجت أحسنت إلـى امرأتـي, هذا التعريض.
4430ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم, قال: حدثنا شعبة, عن سلـمة بن كهيـل, عن مسلـم البطين, عن سعيد بن جبـير فـي قوله: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ قال: يقول: لأعطينك, لأحسنن إلـيك, لأفعلنّ بك كذا وكذا.
4حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: سمعت يحيى بن سعيد, قال: أخبرنـي عبد الرحمن بن القاسم, فـي قوله: فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ قال: قول الرجل للـمرأة فـي عدتها يعرّض بـالـخطبة: والله إنـي فـيك لراغب, وإنى علـيك لـحريص, ونـحو هذا.
4حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الوهاب الثقـفـي, قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخبرنـي عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع القاسم بن مـحمد يقول: فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ هو قول الرجل للـمرأة: إنك لـجميـلة, وإنك لنافقة, وإنك إلـى خير.
4حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن ابن جريج, قال: قلت لعطاء: كيف يقول الـخاطب؟ قال: يعرّض تعريضا ولا يبوح بشيء, يقول: إن لـي حاجة وأبشري, وأنت بحمد الله نافقة, ولا يبوح بشيء. قال عطاء: وتقول هي: قد أسمع ما تقول. ولا تعده شيئا, ولا تقول: لعل ذاك.
4431ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن يحيى بن سعيد, قال: ثنـي عبد الرحمن بن القاسم: أنه سمع القاسم يقول فـي الـمرأة يتوفـى عنها زوجها, والرجل يريد خطبتها, ويريد كلامها ما الذي يجمل به من القول؟ قال: يقول: إنـي فـيك لراغب, وإنـي علـيك لـحريص, وإنـي بك لـمعجب, وأشبـاه هذا من القول.
4حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن حماد, عن إبراهيـم فـي قوله: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ قال: لا بأس بـالهدية فـي تعريض النكاح.
4432ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا مغيرة, قال: كان إبراهيـم لا يرى بأسا أن يهدي لها فـي العدة إذا كانت من شأنه.
4433ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن جابر, عن عامر فـي قوله: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ قال: يقول: إنك لنافقة, وإنك لـمعجبة, وإنك لـجميـلة, وإن قضى الله شيئا كان.
4434ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه قوله: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ قال: كان إبراهيـم النـخعي يقول: إنك لـمعجبة, وإنـي فـيك لراغب.
4435ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: وأخبرنـي يعنـي شبـيبـا عن سعيد, عن شعبة, عن منصور, عن الشعبـي أنه قال فـي هذه الآية: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ. قال: لا يأخذ ميثاقها ألا تنكح غيره.
4حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ قال: كان أبـي يقول: كل شيء كان دون أن يعزم عقدة النكاح, فهو كما قال الله تعالـى ذكره: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ.
4حدثنا ابن حميد. قال: حدثنا مهران, وحدثنـي علـيّ, قال: حدثنا زيد جميعا, عن سفـيان قوله: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ. والتعريض فـيـما سمعنا: أن يقول الرجل وهي فـي عدتها: إنك لـجميـلة, إنك إلـى خير, إنك لنافقة, إنك لتعجبـينـي, ونـحو هذا, فهذا التعريض.
4حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن عبد الرحمن بن سلـيـمان, عن خالته سكينة ابنة حنظلة بن عبد الله بن حنظلة, قالت: دخـل علـيّ أبو جعفر مـحمد بن علـيّ وأنا فـي عدتـي, فقال: يا ابنة حنظلة أنا من علـمت قرابتـي من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وحقّ جدّي علـيّ وقَدَمي فـي الإسلام. فقلت: غفر الله لك يا أبـا جعفر أتـخطبنـي فـي عدتـي, وأنت يؤخذ عنك فقال: أو قد فعلت؟ إنـما أخبرك بقرابتـي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعي, قد دخـل رسول الله صلى الله عليه وسلم علـى أم سلـمة وكانت عند ابن عمها أبـي سلـمة, فتوفـي عنها, فلـم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر لها منزلته من الله وهو متـحامل علـى يده حتـى أثر الـحصير فـي يده من شدة تـحامله علـى يده, فما كانت تلك خطبة.
4حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي اللـيث, قال: ثنـي عقـيـل, عن ابن شهاب: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ قال: لا جناح علـى من عرّض لهنّ بـالـخطبة قبل أن يحللن إذا كنوا فـي أنفسهن من ذلك.
4436ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي مالك, عن عبد الرحمن بن القاسم, عن أبـيه أنه كان يقول فـي قول الله تعالـى ذكره: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ أن يقول الرجل للـمرأة وهي فـي عدة من وفـاة زوجها: إنك علـيّ لكريـمة, وإنـي فـيك لراغب, وإن الله سائق إلـيك خيرا ورزقا, ونـحو هذا من الكلام.
واختلف أهل العربـية فـي معنى الـخطبة. فقال بعضهم: الـخطبة: الذكر, والـخطبة: التشهد. وكأن قائل هذا القول تأول الكلام: ولا جناح علـيكم فـيـما عرضتـم به من ذكر النساء عندهم وقد زعم صاحب هذا القول أنه قال: «لا تواعدوهنّ سرّا», لأنه لـما قال: «لا جناح علـيكم», كأنه قال: اذكروهن, ولكن لا تواعدوهنّ سرّا.
وقال آخرون منهم: الـخِطْبَةُ أخطِب خِطْبَة وخَطْبـا, قال: وقول الله تعالـى ذكره: قالَ فَمَا خَطْبُكَ يا سامِرِيّ يقال إنه من هذا. قال: وأما الـخُطبة, فهو الـمخطوب من قولهم: خطب علـى الـمنبر واختطب.
قال أبو جعفر: والـخطبة عندي هي «الفِعْلة» من قول القائل: خطبت فلانة, كالـجلسة من قوله: جلس, أو القعدة من قوله: قعد.
ومعنى قولهم: خطب فلان فلانة سألها خَطْبَهُ إلـيها فـي نفسها, وذلك حاجته, من قولهم: ما خطبك؟ بـمعنى: ما حاجتك وما أمرك؟.
وأما التعريض فهو ما كان من لـحن الكلام الذي يفهم به السامع الفَهِمُ ما يفهم بصريحه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أوْ أكْنَنْتُـمْ فِـي أنْفُسِكُمْ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: أوْ أكْنَنْتُـمْ فِـي أنْفُسِكُمْ أو أخفـيتـم فـي أنفسكم, فأسررتـموه من خطبتهن وعزم نكاحهن وهن فـي عددهن, فلا جناح علـيكم أيضا فـي ذلك إذا لـم تعزموا عقدة النكاح حتـى يبلغ الكتاب أجله. يقال منه: أكنّ فلان هذا الأمر فـي نفسه, فهو يُكِنّه إكنانا وَكَنّه: إذا ستره, يَكُنّهُ كَنّا وكُنونا, وجلس فـي الكِنّ. ولـم يسمع: كننتُه فـي نفسي, وإنـما يقال: كننته فـي البـيت أو فـي الأرض: إذا خبأته فـيه, ومنه قوله تعالـى ذكره: كأنّهُنّ بَـيْضٌ مَكْنُونٌ أي مخبوء, ومنه قول الشاعر:
ثَلاثٌ مِنْ ثَلاَثٍ قُدامَيَاتٍمِنَ اللاّئي تَكُنّ مِنَ الصّقِـيع
وتكنّ بـالتاء هو أجود ويكنّ, ويقال: أكنته ثـيابه من البرد, وأكنّه البـيت من الريح.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
4حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: أوْ أكْنَنْتُـمْ فِـي أنْفُسِكُمْ قال: الإكنان: ذكر خطبتها فـي نفسه لا يبديه لها, هذا كله حِلٌ معروف.
4437ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
4حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي قوله: أوْ أكْنَنْتُـمْ فِـي أنْفُسِكُمْ قال: أن يدخـل فـيسلّـم ويهدي إن شاء ولا يتكلـم بشيء.
4438ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب الثقـفـي, قال: سمعت يحيى بن سعيد, يقول: أخبرنـي عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع القاسم بن مـحمد يقول, فذكر نـحوه.
4439ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: أوْ أكْنَنْتُـمْ فِـي أنْفُسِكُمْ قال: جعلت فـي نفسك نكاحها وأضمرت ذلك.
4440ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, وحدثنـي علـيّ, قال: حدثنا زيد جميعا, عن سفـيان: أوْ أكْنَنْتُـمْ فِـي أنْفُسِكُمْ أن يسرّ فـي نفسه أن يتزوّجها.
4441ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا هوذة, قال: حدثنا عوف, عن الـحسن فـي قوله: أوْ أكْنَنْتُـمْ فِـي أنْفِسِكُمْ قال: أسررتـم.
قال أبو جعفر: وفـي إبـاحة الله تعالـى ذكره ما أبـاح من التعريض بنكاح الـمعتدة لها فـي حال عدتها وحظره التصريح, ما أبـان عن افتراق حكم التعريض فـي كل معانـي الكلام وحكم التصريح منه.
وإذا كان ذلك كذلك تبـين أن التعريض بـالقذف غير التصريح به, وأن الـحدّ بـالتعريض بـالقذف لو كان واجبـا وجوبه بـالتصريح به لوجب من الـجناح بـالتعريض بـالـخطبة فـي العدة نظير الذي يجب بعزم عقدة النكاح فـيها, وفـي تفريق الله تعالـى ذكره بـين حكميها فـي ذلك الدلالة الواضحة علـى افتراق أحكام ذلك فـي القذف.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: عَلِـم اللّهُ أنّكُمْ سَتَذْكُرُوَنَهُنّ.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: علـم الله أنكم ستذكرون الـمعتدات فـي عددهن بـالـخطبة فـي أنفسكم وبألسنتكم. كما:
4حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن يزيد بن إبراهيـم, عن الـحسن: عَلِـمَ اللّهُ أنّكُمْ سَتَذْكُرُوَنهُنّ قال: الـخطبة.
4حدثنـي أبو السائب سلـم بن جنادة, قال: حدثنا ابن إدريس, عن لـيث, عن مـجاهد فـي قوله: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ قال: ذكرك إياها فـي نفسك. قال: فهو قول الله: عَلِـمَ اللّهُ أنّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنّ.
4442ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, عن يزيد بن إبراهيـم, عن الـحسن فـي قوله: عَلِـمَ اللّهُ أنّكُمْ سَتَذْكُرُوَنهُنّ قال: هي الـخطبة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا.
اختلف أهل التأويـل فـي معنى السرّ الذي نهى الله تعالـى عبـاده عن مواعدة الـمعتدات به, فقال بعضهم: هو الزنا. ذكر من قال ذلك:
4حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا همام, عن صالـح الدهان, عن جابر بن زيد: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا قال: الزنا.
4حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, عن أبـيه, عن أبـي مُـجلّز قوله: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا قال: الزنا.
4443ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا سلـيـمان التـيـمي, عن أبـي مـجلز, مثله.
4444ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن سلـيـمان التـيـمي, عن أبـي مـجلز, مثله.
4حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي مـجلز: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا قال: الزنا. قـيـل لسفـيان التـيـمي: ذكره؟ قال: نعم.
4حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر, عن أبـيه, عن رجل, عن الـحسن فـي الـمواعدة مثل قول أبـي مـجلز.
4445ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا يزيد بن إبراهيـم, عن الـحسن, قال: الزنا.
4446ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا أشعث وعمران, عن الـحسن, مثله.
4447ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن ويحيى, قالا: حدثنا سفـيان, عن السدي, قال: سمعت إبراهيـم يقول: لا تُوَاعِدُوهُنّ سرّا قال: الزنا.
4448ـ حدثنـي أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن السدي, عن إبراهيـم, مثله.
4449ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فـي قوله: لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا قال: الزنا.
4450ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, عن يزيد بن إبراهيـم, عن الـحسن: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدوهُنّ سرّا قال: الزنا.
4451ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن معمر, عن قتادة, عن الـحسن فـي قوله: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا قال: الفـاحشة.
4452ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك, وحدثنـي يحيى بن أبـي طالب, قال: أخبرنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك: لا تُوَاعِدُهُنّ سِرّا قال: السرّ: الزنا.
4453ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: لا تُواعِدُوهُنّ سِرّا قال: فذلك السرّ: الزّنـية, كان الرجل يدخـل من أجل الزنـية وهو يعرّض بـالنكاح, فنهى الله عن ذلك, إلا من قال معروفـا.
4454ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا منصور, عن الـحسن وجويبر, عن الضحاك وسلـيـمان التـيـمي, عن أبـي مـجلز أنهم قالوا: الزنا.
4حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع قوله: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا للفحش, والـخَضْع من القول.
4455ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, عن الـحسن: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا قال: هو الفـاحشة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تأخذوا ميثاقهنّ وعهودهنّ فـي عِددهن أن لا ينكحن غيركم. ذكر من قال ذلك:
4حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا يقول: لا تقل لها إنـي عاشق, وعاهدينـي أن لا تتزوّجي غيري, ونـحو هذا.
4حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن مسلـم البطين, عن سعيد بن جبـير فـي قوله: لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا قال: لا يقاضِها علـى كذا وكذا أن لا تتزوّج غيره.
4حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي عن إسرائيـل, عن جابر عن عامر ومـجاهد وعكرمة, قالوا: لا يأخذ ميثاقها فـي عدتها أن لا تتزوّج غيره.
4حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور, قال: ذكر لـي عن الشعبـي أنه قال فـي هذه الآية: لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا قال: لا تأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيرك.
4456ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن الشعبـي: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا قال: لا يأخذ ميثاقها فـي أن لا تتزوّج غيره.
4457ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا إسماعيـل بن سالـم عن الشعبـي, قال: سمعته يقول فـي قوله: لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا قال: لا تأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيرك, ولا يوجب العقدة حتـى تنقضي العدة.
4458ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن الشعبـي: لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا قال: لا يأخذ علـيها ميثاقا أن لا تتزوّج غيره.
4459ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُهُنّ سرّا يقول: أمسكي علـي نفسك, فأنا أتزوّج, ويأخذ علـيها عهدا أن لا تنكحي غيري.
4460ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا قال: هذا فـي الرجل يأخذ عهد الـمرأة وهي فـي عدتها أن لا تنكح غيره, فنهى الله عن ذلك, وقدم فـيه وأحلّ الـخطبة والقول بـالـمعروف, ونهى عن الفـاحشة, والـخَضْع من القول.
4461ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, وحدثنـي علـيّ, قال: حدثنا زيد جميعا, عن سفـيان: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا قال: أن تواعدها سرّا علـى كذا وكذا علـى أن لا تنكحي غيري.
4462ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن معمر, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا قال: موعدة السرّ: أن يأخذ علـيها عهدا وميثاقا أن تـحبس نفسها علـيه, ولا تنكح غيره.
4463ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, بنـحوه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن يقول لها الرجل: لا تسبقـينـي بنفسك. ذكر من قال ذلك:
4464ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا قال: قول الرجل للـمرأة: لا تفوتـينـي بنفسك, فإنـي ناكحك. هذا لا يحلّ.
4حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: هو قول الرجل للـمرأة: لا تفوتـينـي.
4465ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن لـيث, عن مـجاهد: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا قال: الـمواعدة أن يقول: لا تفوتـينـي بنفسك.
4466ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا أن يقول: لا تفوتـينـي بنفسك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا تنكحوهنّ فـي عدتهنّ سرّا. ذكر من قال ذلك:
4حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا يقول: لا تنكحوهنّ سرّا, ثم تـمسكها حتـى إذا حلت أظهرتَ ذلك وأدخـلتها.
4467ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا قال: كان أبـي يقول: لا تواعدوهنّ سرّا, ثم تـمسكها, وقد ملكت عقدة نكاحها, فإذا حلت أظهرت ذلك وأدخـلتها.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال بـالصواب فـي تأويـل ذلك, تأويـل من قال: السرّ فـي هذا الـموضع: الزنا وذلك أن العرب تسمي الـجماع وغشيان الرجل الـمرأة سرّا, لأن ذلك مـما يكون بـين الرجال والنساء فـي خفـاء غير ظاهر مطلع علـيه, فـيسمى لـخفـائه سرّا. من ذلك قول رؤبة بن العجاج:
فَعَفّ عَنْ أسْرَارِها بَعْدَ العَسَقْوَلْـم يُضِعْها بـينَ فِرْكٍ وَعشَقْ
يعنـي بذلك: عفّ عن غشيانها بعد طول ملازمته ذلك. ومنه قول الـحطيئة:
وَيحْرُمُ سِرّ جاَرتِهمْ عَلَـيْهِمْويأكُلُ جارُهُمْ أنفَ القِصَاع
وكذلك يقال لكل ما أخفـاه الـمرء فـي نفسه سرّ, ويقال: هو فـي سرّ قومه, يعنـي فـي خيارهم وشرفهم. فلـما كان السرّ إنـما يوجه فـي كلامها إلـى أحد هذه الأوجه الثلاثة, وكان معلوما أن أحدهن غير معنّـي به قوله: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا وهو السرّ الذي هو معنى الـخيار والشرف, فلـم يبق إلا الوجهان الاَخران وهو السرّ الذي بـمعنى ما أخفته نفس الـمواعدين الـمتواعدين, والسرّ الذي بـمعنى الغشيان والـجماع. فلـما لـم يبق غيرهما, وكانت الدلالة واضحة علـى أن أحدهما غير معنّـي به صحّ أن الاَخر هو الـمعنـيّ به.
فإن قال (قائل): فما الدلالة علـى أن مواعدة القول سرّا غير معنّـي به علـى ما قال من قال: إن معنى ذلك: أخذ الرجل ميثاق الـمرأة أن لا تنكح غيره, أو علـى ماقال من قال: قول الرجل لها: لا تسبقـينـي بنفسك؟ قـيـل: لأن السرّ إذا كان بـالـمعنى الذي تأوّله قائلو ذلك, فلن يخـلو ذلك السرّ من أن يكون هو مواعدة الرجل الـمرأة ومسألته إياها أن لا تنكح غيره, أو يكون هو النكاح الذي سألها أن تـجيبه إلـيه بعد انقضاء عدتها وبعد عقده له دون الناس غيره. فإن كان السرّ الذي نهى الله الرجل أن يواعد الـمعتدات هو أخذ العهد علـيهن أن لا ينكحن غيره, فقد بطل أن يكون السرّ معناه ما أخفـى من الأمور فـي النفوس, أو نطق به فلـم يطلع علـيه, وصارت العلانـية من الأمر سرّا, وذلك خلاف الـمعقول فـي لغة من نزل القرآن بلسانه, إلا أن يقول قائل هذه الـمقالة: إنـما نهى الله الرجال عن مواعدتهنّ ذلك سرّا بـينهم وبـينهن, لا أن نفس الكلام بذلك وإن كان قد أعلن سر. فـيقال له: إن قال ذلك فقد يجب أن تكون جائزة مواعدتهن النكاح والـخطبة صريحا علانـية, إذ كان الـمنهيّ عنه من الـمواعدة إنـما هو ما كان منها سرّا. فإن قال إن ذلك كذلك خرج من قول جميع الأمة علـى أن ذلك لـيس من قـيـل أحد مـمن تأوّل الآية أن السرّ ها هنا بـمعنى الـمعاهدة أن لا تنكح غير الـمعاهد. وإن قال: ذلك غير جائز. قـيـل له: فقد بطل أن يكون معنى ذلك: إسرار الرجل إلـى الـمرأة بـالـمواعدة, لأن معنى ذلك لو كان كذلك لـم يحرم علـيه مواعدتها مـجاهرة وعلانـية, وفـي كون ذلك علـيه مـحرّما سرّا وعلانـية ما أبـان أن معنى السرّ فـي هذا الـموضع غير معنى إسرار الرجل إلـى الـمرأة بـالـمعاهدة, أن لا تنكح غيره إذا انقضت عدتها أو يكون إذا بطل هذا الوجه معنى ذلك: الـخطبة والنكاح الذي وعدت الـمرأة الرجل أن لا تعدوه إلـى غيره, فذلك إذا كان, فإنـما يكون بولـيّ وشهود علانـية غير سرّ, وكيف يجوز أن يسمى سرّا وهو علانـية لا يجوز إسراره؟ وفـي بطول هذه الأوجه أن تكون تأويلاً لقوله: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا بـما علـيه دللنا من الأدلة وضوح صحة تأويـل ذلك أنه بـمعنى الغشيان والـجماع. وإذا كان ذلك صحيحا, فتأويـل الآية: ولا جناح علـيكم أيها الناس فـيـما عرضتـم به للـمعتدات من وفـاة أزواجهن من خطبة النساء وذلك حاجتكم إلـيهن, فلـم تسرحوا لهن بـالنكاح والـحاجة إلـيهن إذا أكننتـم فـي أنفسكم, فأسررتـم حاجتكم إلـيهن وخطبتكن إياهن فـي أنفسكم ما دمن فـي عددهن, علـم الله أنكم ستذكرون خطبتهن وهن فـي عددهن. فأبـاح لكم التعريض بذلك لهنّ, وأسقط الـحرج عما أضمرته نفوسكم حلـما منه, ولكن حرم علـيكم أن تواعدوهنّ جماعا فـي عددهن, بأن يقول أحدكم لإحداهنّ فـي عدتها: قد تزوّجتك فـي نفسي, وإنـما أنتظر انقضاء عدتك, فـيسألها بذلك القول إمكانه من نفسها الـجماع والـمبـاضعة, فحرّم الله تعالـى ذكره ذلك.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إلاّ أنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفـا.
قال أبو جعفر: ثم قال تعالـى ذكره: إلاّ أنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفـا فـاستثنى القول الـمعروف مـما نهى عنه, من مواعدة الرجل الـمرأة السرّ, وهو من غير جنسه ولكنه من الاستثناء الذي قد ذكرت قبل أنه يأتـي بـمعنى خلاف الذي قبله فـي الصفة خاصة, وتكون «إلا» فـيه بـمعنى «لكن», فقوله: إلاّ أنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفـا منه, ومعناه: ولكن قولوا قولاً معروفـا. فأبـاح الله تعالـى ذكره أن يقول لها الـمعروف من القول فـي عدّتها, وذلك هو ما أذن له بقوله: وَلاَ جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ. كما:
4حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن سلـمة بن كهيـل, عن مسلـم البطين, عن سعيد بن جبـير: إلاّ أنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفـا قال: يقول: إنـي فـيك لراغب, وإنـي لأرجو أن نـجتـمع.
4حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة عن ابن عبـاس: إلاّ أنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفـا قال: هو قوله: إن رأيت أن لا تسبقـينـي بنفسك.
4468ـ حدثنـي الـمثنى, قال حدثنا: سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد: إلاّ أنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفـا قال: يعنـي التعريض.
4469ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: إلاّ أنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفـا قال: يعنـي التعريض.
4470ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـمَا عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ إلـى حتّـى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ قال: هو الرجل يدخـل علـى الـمرأة وهي فـي عدتها, فـيقول: والله إنكم لأكفـاء كرام, وإنكم لرعة, وإنك لتعجبـينـي, وإن يقدّر شيء يكن. فهذا القول الـمعروف.
4471ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, وحدثنـي علـيّ, قال: حدثنا زيد, قالا جميعا: قال سفـيان: إلاّ أنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفـا قال: يقول: إنـي فـيك لراغب, وإنـي أرجو إن شاء الله أن نـجتـمع.
4472ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: إلاّ أنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفـا قال: يقول: إن لك عندي كذا, ولك عندي كذا, وأنا معطيك كذا وكذا. قال: هذا كله وما كان قبل أن يعقد عقدة النكاح, فهذا كله نسخه قوله: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النّكاحِ حتـى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ.
4473ـ حدثنـي يحيى بن أبـي طالب, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك: إلاّ أنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفـا قال: الـمرأة تطلق, أو يـموت عنها زوجها, فـيأتـيها الرجل فـيقول: احبس علـيّ نفسك, فإن لـي بك رغبة, فتقول: وأنا مثل ذلك. فتتوق نفسه لها, فذلك القول الـمعروف.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النّكاح حتـى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النّكاحِ ولا تصححوا عقدة النكاح فـي عدة الـمرأة الـمعتدة, فتوجبوها بـينكم وبـينهن, وتعقدوها قبل انقضاء العدة حَتّـى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ يعنـي: يبلغن أجل الكتاب الذي بـينه الله تعالـى ذكره بقوله: وَالّذِينَ يُتَوَفّونَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجا يَتَرَبّصْنَ بأنْفُسِهِنّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا فجعل بلوغ الأجل للكتاب. والـمعنى: للـمتناكحين أن لا ينكح الرجل الـمرأة الـمعتدة فـيعزم عقدة النكاح علـيها حتـى تنقضي عدتها, فـيبلغ الأجل الذي أجله الله فـي كتابه لانقضائها. كما:
4474ـ حدثنا مـحمد بن بشار وعمرو بن علـيّ, قالا: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: حدثنا عبد الرزاق, عن الثوري, عن لـيث, عن مـجاهد: حَتـى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ قال: حتـى تنقضي العدة.
4475ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي قوله: حتـى يَبْلُغَ الْكِتابُ أجَلَهُ قال: حتـى تنقضي أربعة أشهر وعشر.
4حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: حتّـى يَبْلُغَ الْكِتابُ أجَلَهُ قال: حتـى تنقضي العدة.
4حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, مثله.
4حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: حدثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: حتـى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ قال: تنقضي العدة.
4476ـ حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الـخراسانـي عن ابن عبـاس قوله: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النّكاحِ حتـى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ قال: حتـى تنقضي العدة.
4477ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك قوله: حتـى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ قال: لا يتزوّجها حتـى يخـلو أجلها.
4478ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا أبو قتـيبة, قال: حدثنا يونس بن أبـي إسحاق, عن الشعبـي فـي قوله: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النّكاحِ حتـى يَبْلُغَ الْكِتابُ أجَلَهُ قال: مخافة أن تتزوّج الـمرأة قبل انقضاء العدة.
4479ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النّكاحِ حتـى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ حتـى تنقضي العدة.
4480ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, وحدثنـي علـيّ, قال: حدثنا زيد جميعا, عن سفـيان قوله: حتـى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ قال: حتـى تنقضي العدة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاعْلَـمُوا أنّ اللّهَ يَعْلَـمُ ما فِـي أنْفُسِكُمْ فـاحْذَرُوهُ وَاعْلَـمُوا أنّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِـيـمٌ.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: واعلـموا أيها الناس أن الله يعلـم ما فـي أنفسكم من هواهن ونكاحهن وغير ذلك من أموركم. فـاحْذَرُوهُ يقول: فـاحذروا الله واتقوه فـي أنفسكم أن تأتوا شيئا مـما نهاكم عنه من عزم عقدة نكاحهنّ أو مواعدتهنّ السرّ فـي عددهن, وغير ذلك مـما نهاكم عنه فـي شأنهن فـي حال ما هنّ معتدات, وفـي غير ذلك. وَاعْلَـمُوا أنّ اللّهَ غَفُورٌ يعنـي أنه ذو ستر لذنوب عبـاده وتغطية علـيها فـيـما تكنّه نفوس الرجال من خطبة الـمعتدات وذكرهم إياهن فـي حال عددهن, وفـي غير ذلك من خطاياهم. وقوله: حَلِـيـمٌ يعنـي أنه ذو أناة لا يعجل علـى عبـاده بعقوبتهم علـى ذنوبهم.
الآية : 236
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{لاّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلّقْتُمُ النّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسّوهُنّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنّ فَرِيضَةً وَمَتّعُوهُنّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ }
يعنـي تعالـى ذكره بقوله لا جُناحَ عَلَـيْكُمْ لا حرج علـيكم إن طلقتـم النساء, يقول: لا حرج علـيكم فـي طلاقكم نساءكم وأزواجكم ما لـم تـماسوهن, يعنـي بذلك: ما لـم تـجامعوهن. والـمـماسة فـي هذا الـموضع كناية عن اسم الـجماع. كما:
4481ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا يزيد بن زريع, وحدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قالا جميعا: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير, قال: قال ابن عبـاس: الـمس: الـجماع, ولكن الله يكنـي ما يشاء بـما شاء.
4482ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال حدثنـي معاوية, عن علـي بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قال: الـمس: النكاح.
وقد اختلف القراء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قراء أهل الـحجاز والبصرة: ما لَـم تَـمَسّوهُنّ بفتـح التاء من تـمسوهن, وبغير ألف من قولك: مَسِسْتُه أمَسّه مَسّا وَمَسِيسا ومِسّيسَى مقصور مشدّد غير مـجرى. وكأنهم اختاروا قراءة ذلك إلـحاقا منهم له بـالقراءة الـمـجتـمع علـيها فـي قوله: ولَـمْ يَـمْسَسْنِـي بَشَرٌ. وقرأ ذلك آخرون: «ما لَـمْ تُـمَاسّوهُنّ» بضم التاء والألف بعد الـميـم إلـحاقا منهم ذلك بـالقراءة الـمـجمع علـيها فـي قوله: فَتَـحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أنْ يَتَـمَاسّا وجعلوا ذلك بـمعنى فعل كل واحد من الرجل والـمرأة بصاحبه من قولك: ماسست الشيء مـماسة ومِسَاسا.
والذي نرى فـي ذلك أنهما قراءتان صحيحتا الـمعنى متفقتا التأويـل, وإن كان فـي إحداهما زيادة معنى غير موجبة اختلافـا فـي الـحكم والـمفهوم. وذلك أنه لا يجهل ذو فهم إذا قـيـل له: مسِست زوجتـي أن الـمـمسوسة قد لاقـى من بدنها بدن الـماسّ ما لاقاه مثله من بدن الـماسّ, فكل واحد منهما وإن أفرد الـخبر عنه بأنه الذي مسّ صاحبه معقول, كذلك الـخبر نفسه أن صاحبه الـمسوس قد ماسه, فلا وجه للـحكم لإحدى القراءتـين مع اتفـاق معانـيهما, وكثرة القراءة بكل واحدة منهما بأنها أولـى بـالصواب من الأخرى, بل الواجب أن يكون القارىء بأيتهما قرأ مصيب الـحقّ فـي قراءته.
وإنـما عنى الله تعالـى ذكره بقوله: لا جُناحَ عَلَـيْكُمْ إنْ طَلّقْتُـمُ النّساءَ ما لَـمْ تَـمَسّوهُنّ الـمطلقات قبل الإفضاء إلـيهنّ فـي نكاح قد سمي لهن فـيه الصداق. وإنـما قلنا إن ذلك كذلك, لأن كل منكوحة فإنـما هي إحدى اثنتـين إما مسمى لها الصداق, أو غير مسمى لها ذلك, فعلـمنا بـالذي يتلو ذلك من قوله تعالـى ذكره أن الـمعنـية بقوله: لا جُناحَ عَلَـيْكُمْ إنْ طَلّقْتُـمْ النّساءَ مَا لَـمْ تَـمَسّوهُنّ إنـما هي الـمسمى له, لأن الـمعنـية بذلك لو كانت غير الـمفروض لها الصداق لـما كان لقوله: أوْ تَفْرِضُوا لَهُنّ فَرِيضَةً معنى معقول, إذ كان لا معنى لقول قائل: لا جناح علـيكم إذا طلقتـم النساء ما لـم تفرضوا لهنّ فرِيضة فـي نكاح لـم تـماسوهنّ فـيه أو ما لـم تفرضوا لهنّ فريضة. فإذ كان لا معنى لذلك, فمعلوم أن الصحيح من التأويـل فـي ذلك: لا جناح علـيكم إن طلقتـم الـمفروض لهن من نسائكم الصداقُ قبل أن تـماسوهن, وغير الـمفروض لهن قبل الفرض.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أوْ تَفْرِضُوا لَهُنّ فَرِيضَةً.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله أو تَفْرِضُوا لَهُنّ أو توجبوا لهنّ, وبقوله: فَرِيضةً صداقا واجبـا. كما:
4483ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: أوْ تَفْرِضُوا لَهُنّ فَرِيضةً قال: الفريضة: الصداق. وأصل الفرض: الواجب, كما قال الشاعر:
كانَتْ فَريضَةَ ما أتَـيْتَ كمَاكانَ الزّناءُ فَرِيضَةَ الرّجْمِ
يعنـي كما كان الرجم الواجب من حدّ الزنا, لذلك قـيـل: فرض السلطان لفلان ألفـين, يعنـي بذلك أوجب له ذلك ورزقه من الديوان.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَمَتّعُوهُنّ علـى الـمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلـى الـمُقْتِرِ قَدَرُهُ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَمَتّعُوهُنّ وأعطوهنّ ما يتـمتعن به من أموالكم علـى أقداركم ومنازلكم من الغنى والإقتار.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي مبلغ ما أمر الله به الرجال من ذلك, فقال بعضهم: أعلاه الـخادم, ودون ذلك الوَرِق, ودونه الكسوة. ذكر من قال ذلك:
4484ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن إسماعيـل, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: متعة الطلاق أعلاه الـخادم, ودون ذلك الوَرِق, ودون ذلك الكسوة.
4485ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا سفـيان, عن إسماعيـل بن أمية, عن عكرمة, ابن عبـاس بنـحوه.
4486ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن داود, عن الشعبـي قوله: وَمَتّعُوهُنّ علـى الـمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلـى الـمُقْتِرِ قَدَرُهُ قلت له: ما أوسط متعة الـمطلقة؟ قال: خمارها ودرعها وجلبـابها وملـحفتها.
4حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس قوله: وَمَتّعوهُنّ عَلـى الـمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلـى الـمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعا بـالـمَعْرُوفِ حَقّا علـى الـمُـحْسِنـينَ فهذا الرجل يتزوّج الـمرأة ولـم يسمّ لها صداقا ثم يطلقها من قبل أن ينكحها, فأمر الله سبحانه أن يـمتعها علـى قدر عسره ويسره, فإن كان موسرا متعها بخادم أو شبه ذلك, وإن كان معسرا متعها بثلاثة أثواب أو نـحو ذلك.
4حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن داود, عن الشعبـي فـي قوله: وَمَتّعُوهُنّ عَلـى الـمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلـى الـمُقْتِرِ قَدَرُهُ قال: قلت للشعبـي: ما وسط ذلك؟ قال: كسوتها فـي بـيتها ودرعها وخمارها وملـحفتها وجلبـابها. قال الشعبـي: فكان شريح يـمتع بخمسمائة.
4487ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن عامر: أن شريحا كان يـمتع بخمسائة. قلت لعامر: ما وسط ذلك؟ قال: ثـيابها فـي بـيتها درع وخمار وملـحفة وجلبـاب.
4488ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن داود, عن عمار الشعبـي أنه قال: وسط من الـمتعة ثـياب الـمرأة فـي بـيتها درع وخمار وملـحفة وجلبـاب.
4489ـ حدثنا عمران بن موسى, قال: حدثنا عبد الوارث, قال: حدثنا داود, عن الشعبـي: أن شريحا متع بخمسمائة. وقال الشعبـي: وسط من الـمتعة درع وخمار وجلبـاب وملـحفة.
4490ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس فـي قوله: لاَ جُناحَ عَلَـيْكُمْ إنْ طَلّقْتُـمُ النّساءَ ما لَـمْ تَـمَسّوهُنّ أوْ تَفْرِضُوا لَهُنّ فَرِيضَةً وَمَتّعُوهّنّ عَلـى الـمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلـى الـمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعا بـالـمَعْروفِ حَقّا علـى الـمُـحْسِنـينَ قال: هو الرجل يتزوّج الـمرأة ولا يسمي لها صداقا, ثم يطلقها قبل أن يدخـل بها, فلها متاع بـالـمعروف ولا صداق لها. قال: أدنى ذلك ثلاثة أثواب درع وخمار وجلبـاب وإزار.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: قانِتِـينَ يقول: مطيعين.
4491ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ قال: مطيعين.
4492ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحمانـي, قال: ثنـي شريك, عن سالـم, عن سعيد: وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ يقول: مطيعين.
4493ـ حدثنـي عمران بن بكار الكُلاعيّ, قال: حدثنا خطاب بن عثمان, قال: حدثنا أبو روح عبد الرحمن بن سنان السكونـي حمصي لقـيته بأرمينـية, قال: سمعت الـحسن بن أبـي الـحسن يقول فـي قوله: وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ قال: طائعين.
4494ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ قال: مطيعين.
4495ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
4496ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ يقول: مطيعين.
4497ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا فضيـل بن مرزوق, عن عطية, قال: كانوا يأمرون فـي الصلاة بحوائجهم, حتـى أنزلت: وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ فتركوا الكلام. قال: قانتـين: مطيعين.
4498ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة الأسدي, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, قال: أخبرنا فضيـل, عن عطية فـي قوله: وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ قال: كانوا يتكلـمون فـي الصلاة بحائجهم, حتـى نزلت: وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ فتركوا الكلام فـي الصلاة.
4499ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس فـي قوله: وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ قال: كان أهل دين يقومون فـيها عاصين, فقوموا أنتـم لله مطيعين.
4500ـ حدثنا الربـيع بن سلـيـمان, قال: حدثنا أسد بن موسى, قال: حدثنا ابن لهيعة, قال: حدثنا دراج, عن أبـي الهيثم, عن أبـي سعيد, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كُلّ حَرْفٍ فِـي القُرآنِ فِـيهِ القُنُوتُ, فإنّـمَا هُوَ الطّاعَةُ».
4501ـ حدثنا العبـاس بن الولـيد, قال: أخبرنـي أبـي, قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز, قال: القنوت: طاعة الله, يقول الله تعالـى ذكره: وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ مطيعين.
4502ـ حدثنا سعيد بن الربـيع, قال: حدثنا سفـيان, قال: قال ابن طاوس, كان أبـي يقول: القنوت: طاعة الله.
وقال آخرون: القنوت فـي هذه الآية: السكوت. وقالوا: تأويـل الآية: وقوموا لله ساكتـين عما نهاكم الله أن تتكلـموا به فـي صلاتكم. ذكر من قال ذلك:
4503ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ القنوت فـي هذه الآية: السكوت.
4504ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره, عن مرة, عن ابن مسعود, قال: كنا نقوم فـي الصلاة, فنتكلـم, ويسأل الرجل صاحبه عن حاجته, ويخبره, ويردون علـيه إذا سلـم. حتـى أتـيت أنا فسلـمت, فلـم يردوا علـيّ السلام, فـاشتدّ ذلك علـيّ. فلـما قضى النبـيّ صلى الله عليه وسلم صلاته, قال: «إنّهُ لَـمْ يَـمْنعْنِـي أنْ أرُدّ عَلَـيْكَ السّلامَ إلاّ أنّا أُمِرْنا أنْ نَقُومَ قانِتِـينَ لا نَتَكَلّـمُ فِـي الصلاةِ» وَالقُنُوتُ: السّكُوتُ.
4505ـ حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي, قال: حدثنا الـحكم بن ظهير, عن عاصم, عن زر, عن عبد الله, قال: كنا نتكلـم فـي الصلاة, فسلـمت علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فلـم يردّ علـيّ, فلـما انصرف قال: «قَدْ أحْدَثَ اللّهُ أنْ لا تَكَلّـموا فِـي الصّلاةِ» ونزلت هذه الآية: وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ.
4506ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان السكري, قال: أخبرنا مـحمد بن يزيد, وحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة وابن نـمير ووكيع ويعلـى بن عبـيد جميعا, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن الـحارث بن شبل, عن أبـي عمرو الشيبـانـي, عن زيد بن أرقم, قال: كنا نتكلـم فـي الصلاة علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلـم أحدنا صاحبه فـي الـحاجة, حتـى نزلت هذه الآية: حافِظُوا علـى الصّلَوَاتِ وَالصّلاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ فأمرنا بـالسكوت.
4507ـ حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرمة فـي قوله: وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ قال: كانوا يتكلـمون فـي الصلاة يجيء خادم الرجل إلـيه وهو فـي الصلاة فـيكلـمه بحاجته, فنهوا عن الكلام.
4508ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون بن الـمغيرة عن عنبسة, عن الزبـير بن عديّ, عن كلثوم بن الـمصطلق, عن عبد الله بن مسعود, قال: إن النبـيّ صلى الله عليه وسلم كان عوّدنـي أن يردّ علـيّ السلام فـي الصلاة, فأتـيته ذات يوم فسلـمت, فلـم يردّ علـيّ وقال: «إنّ اللّهَ يُحْدِثُ فِـي أمْرِهِ ما يَشاءُ, وَإنّهُ قَدْ أحْدَثَ لَكُمَ فِـي الصّلاةِ أنْ لا يَتَكَلّـمُ أحَدٌ إلاّ بِذِكْرِ اللّهِ, وَما يَنْبَغِي مِنْ تَسْبِـيحٍ وَتْـمـجِيدٍ, وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ».
4509ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ قال: إذا قمتـم فـي الصلاة فـاسكتوا, لا تكلـموا أحدا حتـى تفرغوا منها. قال: والقانت: الـمصلـي الذي لا يتكلـم.
وقال آخرون: القنوت فـي هذه الآية: الركوع فـي الصلاة والـخشوع فـيها. وقالوا فـي تأويـل الآية: وقوموا لله فـي صلاتكم خاشعين, خافضي الأجنـحة, غير عابثـين ولا لاعبـين. ذكر من قال ذلك:
4510ـ حدثنـي سلـم بن جنادة, قال: حدثنا ابن إدريس, عن لـيث, عن مـجاهد: وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ قال: فمن القنوت طول الركوع, وغضّ البصر, وخفض الـجناح, والـخشوع من رهبة الله, كان العلـماء إذا قام أحدهم يصلـي, يهاب الرحمن أن يـلتفت, أو أن يقلب الـحصى, أو يعبث بشيء, أو يحدّث نفسه بشيء من أمر الدنـيا إلا ناسيا.
4511ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن لـيث, عن مـجاهد نـحوه, إلا أنه قال: فمن القنوت: الركود والـخشوع.
4512ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن لـيث, عن مـجاهد: وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ قال: من القنوت الـخشوع, وخفض الـجناح من رهبة الله. وكان الفقهاء من أصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم إذا قام أحدهم إلـى الصلاة لـم يـلتفت ولـم يقلب الـحصا, ولـم يحدّث نفسه بشيء من أمر الدنـيا إلا ناسيا حتـى ينصرف.
4513ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن لـيث, عن مـجاهد فـي قوله وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ قال: إن من القنوت الركود, ثم ذكر نـحوه.
4514ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ قال: القنوت: الركود, يعنـي: القـيام فـي الصلاة والانتصاب له.
وقال آخرون: بل القنوت فـي هذا الـموضع: الدعاء. قالوا: تأويـل الآية: وقوموا لله راغبـين فـي صلاتكم. ذكر من قال ذلك:
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, وثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عدي وعبد الوهاب ومـحمد بن جعفر جميعا, عن عوف, عن أبـي رجاء, قال: صلـيت مع ابن عبـاس الغداة فـي مسجد البصرة, فقنت بنا قبل الركوع وقال: هذه الصلاة الوسطى التـي قال الله: وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ.
وقال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال بـالصواب فـي تأويـل قوله: وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ قول من قال: تأويـله مطيعين, وذلك أن أصل القنوت: الطاعة, وقد تكون الطاعة لله فـي الصلاة بـالسكوت عما نهى الله من الكلام فـيها, ولذلك وجه من وجه تأويـل القنوت فـي هذا الـموضع إلـى السكوت فـي الصلاة أحد الـمعانـي التـي فرضها الله علـى عبـاده فـيها. إلا عن قراءة قرآن, أو ذكر له بـما هو أهله. ومـما يدلّ علـى أنهم قالوا ذلك كما وصفنا, قول النـخعي ومـجاهد, الذي:
4515ـ حدثنا به أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, عن سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم ومـجاهد قالا: كانوا يتكلـمون فـي الصلاة, يأمر أحدهم أخاه بـالـحاجة فنزلت وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ قال: فقطعوا الكلام, والقنوت: السكوت, والقنوت: الطاعة.
فجعل إبراهيـم ومـجاهد القنوت سكوتا فـي طاعة الله علـى ما قلنا فـي ذلك من التأويـل, وقد تكون الطاعة لله فـيها بـالـخشوع وخفض الـجناح, وإطالة القـيام, وبـالدعاء, لأن كلاً غير خارج من أحد معنـيـين, من أن يكون مـما أمر به الـمصلـي, أو مـما ندب إلـيه, والعبد بكل ذلك لله مطيع, وهو لربه فـيه قانت, والقنوت: أصله الطاعة لله, ثم يستعمل فـي كل ما أطاع الله به العبد.
فتأويـل الآية إذا: حافظوا علـى الصلوات والصلاة الوسطى, وقوموا لله فـيها مطيعين بترك بعضكم فـيها كلام بعض, وغير ذلك من معانـي الكلام, سوى قراءة القرآن فـيها, أو ذكر الله بـالذي هو أهله أو دعائه فـيها, غير عاصين لله فـيها بتضيـيع حدودها, والتفريط فـي الواجب لله علـيكم فـيها, وفـي غيرها من فرائض الله