﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
[ البقرة: 260]

سورة : البقرة - Al-Baqarah  - الجزء : ( 3 )  -  الصفحة: ( 44 )

And (remember) when Ibrahim (Abraham) said, "My Lord! Show me how You give life to the dead." He (Allah) said: "Do you not believe?" He [Ibrahim (Abraham)] said: "Yes (I believe), but to be stronger in Faith." He said: "Take four birds, then cause them to incline towards you (then slaughter them, cut them into pieces), and then put a portion of them on every hill, and call them, they will come to you in haste. And know that Allah is All-Mighty, All-Wise."


فصرهنّ إليك : أمِلهنّ : أو قطّعهنّ مَمَالةً إليك

واذكر -أيها الرسول- طلب إبراهيم من ربه أن يريه كيفية البعث، فقال الله له: أَوَلم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن أطلب ذلك لأزداد يقينًا على يقيني، قال: فخذ أربعة من الطير فاضممهن إليك واذبحهن وقطعهن، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءًا، ثم نادِهن يأتينك مسرعات. فنادى إبراهيم عليه السلام، فإذا كل جزء يعود إلى موضعه، وإذا بها تأتي مسرعة. واعلم أن الله عزيز لا يغلبه شيء، حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.

وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال - تفسير السعدي

وهذا فيه أيضا أعظم دلالة حسية على قدرة الله وإحيائه الموتى للبعث والجزاء، فأخبر تعالى عن خليله إبراهيم أنه سأله أن يريه ببصره كيف يحيي الموتى، لأنه قد تيقن ذلك بخبر الله تعالى، ولكنه أحب أن يشاهده عيانا ليحصل له مرتبة عين اليقين، فلهذا قال الله له: { أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } وذلك أنه بتوارد الأدلة اليقينية مما يزداد به الإيمان ويكمل به الإيقان ويسعى في نيله أولو العرفان، فقال له ربه { فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك }- أي: ضمهن ليكون ذلك بمرأى منك ومشاهدة وعلى يديك.
{ ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا }- أي: مزقهن، اخلط أجزاءهن بعضها ببعض، واجعل على كل جبل،- أي: من الجبال التي في القرب منه، جزء من تلك الأجزاء { ثم ادعهن يأتينك سعيا }- أي: تحصل لهن حياة كاملة، ويأتينك في هذه القوة وسرعة الطيران، ففعل إبراهيم عليه السلام ذلك وحصل له ما أراد وهذا من ملكوت السماوات والأرض الذي أراه الله إياه في قوله { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين } ثم قال: { واعلم أن الله عزيز حكيم }- أي: ذو قوة عظيمة سخر بها المخلوقات، فلم يستعص عليه شيء منها، بل هي منقادة لعزته خاضعة لجلاله، ومع ذلك فأفعاله تعالى تابعة لحكمته، لا يفعل شيئا عبثا:

تفسير الآية 260 - سورة البقرة

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي : الآية رقم 260 من سورة البقرة

 سورة البقرة الآية رقم 260

وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال - مكتوبة

الآية 260 من سورة البقرة بالرسم العثماني


﴿ وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّ أَرِنِي كَيۡفَ تُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ قَالَ أَوَلَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطۡمَئِنَّ قَلۡبِيۖ قَالَ فَخُذۡ أَرۡبَعَةٗ مِّنَ ٱلطَّيۡرِ فَصُرۡهُنَّ إِلَيۡكَ ثُمَّ ٱجۡعَلۡ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٖ مِّنۡهُنَّ جُزۡءٗا ثُمَّ ٱدۡعُهُنَّ يَأۡتِينَكَ سَعۡيٗاۚ وَٱعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ  ﴾ [ البقرة: 260]


﴿ وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم ﴾ [ البقرة: 260]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة البقرة Al-Baqarah الآية رقم 260 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 260 من البقرة صوت mp3


تدبر الآية: وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال

تدبُّر آيات الله ومظاهر قدرته من أبلغ ما يُرسِخ الإيمانَ في القلوب، ولكن ما أقلَّ المتدبِّرين! تظاهرُ الأدلَّةِ أسكنُ للقلب وأزيدُ للبصيرة واليقين، ومن هنا طلب الخليلُ أن يرقى من علم اليقين إلى عين اليقين، وإلا فهو الذي صدَع عند النُّمرُوذ بـقوله: ﴿ربِّيَ الذي يُحيي ويُميت﴾ .
مباشرةُ الإنسان للعمل وتطبيقُه له يورثه معرفةَ حقيقته وأسراره، ويثبِّت المعلومةَ في ذهنه فوق ما تثبِّته المعرفة النظريَّة.
طلب دلائل الحقِّ ينبغي أن يُستعانَ به على معرفة عزَّة الله وحكمته، لا أن يكونَ طريقًا للتشكيك والتلبيس.

وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى أى: واذكر أيها العاقل لتعتبر وتتعظ وقت أن قال إبراهيم- عليه السلام- مخاطبا خالقه- سبحانه -: رب أرنى بعيني كيف تعيد الحياة إلى الموتى.
وفي قوله: {رب} تصريح بكمال أدبه مع خالقه- عز وجل - فهو قبل أن يدعوه يستعطفه ويعترف له بالربوبية الحقة، والألوهية التامة، ويلتمس منه معرفة كيفية إحياء الموتى، فهو لا يشك في قدرة الله ولا في صحة البعث- وحاشاه أن يفعل ذلك- فهو رسول من أولى العزم من الرسل، وإنما هو يريد أن ينتقل من مرتبة علم اليقين إلى عين اليقين، ومن مرتبة البرهان إلى مرتبة العيان، فإن العيان يغرس في القلب أسمى وأقوى ألوان المعرفة والاطمئنان.
وقد ذكر المفسرون لسؤال إبراهيم- عليه السلام- أسبابا منها: أنه لما قال للنمرود رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ أحب أن يترقى بأن يرى ذلك مشاهدة.
وقد أجاب الخالق- عز وجل - على طلب إبراهيم بقوله: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ أى: أتقول ذلك وتطلبه ولم تؤمن بأنى قادر على الإحياء وعلى كل شيء؟فالجملة الكريمة استئناف مبنى على السؤال، وهي معطوفة على مقدر، والاستفهام للتقرير.
وهنا يحكى القرآن جواب إبراهيم على خالقه- عز وجل - فيقول: قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.
أى قال إبراهيم في الرد على سؤال ربه له أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ بلى يا رب آمنت بك وبقدرتك وبوحدانيتك إيمانا صادقا كاملا، ولكني سألت هذا السؤال ليزداد قلبي سكونا واطمئنانا وإيمانا لأن من شأن المشاهدة أن تغرس في القلب سكونا واطمئنانا أشد، وإيمانا أقوى، وأنا في جميع أحوالى مؤمن كل الإيمان بقدرتك ووحدانيتك يا رب العالمين.
قال القرطبي ما ملخصه: لم يكن إبراهيم شاكا في إحياء الله الموتى قط وإنما طلب المعاينة، وذلك أن النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أخبرت به، ولهذا جاء في الحديث {ليس الخبر كالمعاينة} ، قال الأخفش: لم يرد إبراهيم رؤية القلب وإنما أراد رؤية العين.
وقال الحسين:سأل ليزداد يقينا إلى يقينه.
وأما قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: نحن أحق بالشك من إبراهيم فمعناه أنه لو كان شاكا لكنا نحن أحق بالشك منه، ونحن لا نشك فإبراهيم- عليه السلام- أحرى ألا يشك، فالحديث مبنى على نفى الشك عن إبراهيم.. وإذا تأملت سؤاله- عليه السلام- وسائر ألفاظه الآتية لم تعط شكا، وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسئول، وكيف هنا إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء والإحياء متقرر، - فسؤال إبراهيم إنما هو عن الكيفية لا عن أصل القضية..» .
وقال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف قال له أَوَلَمْ تُؤْمِنْ وقد علم أنه أثبت الناس إيمانا؟ قلت: ليجيب بما أجاب به لما فيه من الفائدة الجليلة للسامعين.
وبَلى إيجاب لما بعد النفي معناه: بلى آمنت.
وقوله: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أى ليزداد سكونا وطمأنينة بمضامة علم الضرورة- أى علم المشاهدة- إلى علم الاستدلال الذي يجوز معه التشكيك بخلاف العلم الضروري، فأراد بطمأنينة القلب العلم الذي لا مجال فيه للتشكيك.
فإن قلت: بم تعلقت اللام في قوله: لِيَطْمَئِنَّ قلت بمحذوف تقديره: ولكن سألت ذلك إرادة طمأنينة القلب».
ثم حكى القرآن بعد ذلك ما كان من جواب الخالق- عز وجل - على نبيه إبراهيم فقال:قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ، ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً.
قوله: فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ أى فاضممهن إليك- قرئ بضم الصاد وكسرها وتخفيف الراء- يقال: صاره يصوره ويصيره، أى أماله وضمه إليه.
ويقال- أيضا صار الشيء بمعنى قطعه وفصله والمعنى: قال الله-تبارك وتعالى- لإبراهيم: إذا أردت معرفة ما سألت عنه فخذ أربعة من الطير فاضممهن إليك لتتأملهن وتعرف أشكالهن وهيئاتهن كيلا تلتبس عليك بعد الإحياء، ثم اذبحهن وجزئهن أجزاء ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً أى ثم اجعل على كل مكان مرتفع من الأرض جزءا من كل طائر من تلك الطيور ثم نادهن يأتينك مسرعات إليك.
والفاء في قوله فَخُذْ هي التي تسمى بالفاء الفصيحة لأنها تفصح عن شرط مقدر أى: إذا أردت ذلك فخذ..وقوله: مِنَ الطَّيْرِ متعلق بمحذوف صفة لأربعة أى فخذ أربعة كائنة من الطير، أو متعلق بقوله فَخُذْ أى خذ من الطير.
والطير اسم جمع- كركب وسفر- وقيل هو جمع طائر مثل تاجر وتجر.
قالوا: وهذه الطيور الأربعة هي الطاوس والنسر والغراب والديك.
ومما قالوه في اختيار الطير لهذه الحالة: أن الطير من صفاته الطيران، وأنه لا يستأنس بالإنسان بل يطير بمجرد رؤيته، ولسهولة تأتى ما يفعل به من التجزئة والتفرقة.
وقوله: ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً معطوف على محذوف دل عليه قوله:جُزْءاً لأن تجزئتهن إنما تقع بعد الذبح والتقدير: فاذبحهن ثم اجعل.. إلخ.
وقوله: ثُمَّ ادْعُهُنَّ أى قل لهن تعالين بإذن الله.
وقوله يَأْتِينَكَ جواب الأمر فهو في محل جزم، سَعْياً منصوب على المصدر النوعي، لأن السعى نوع من الإتيان فكأنه قيل: يأتينك إتيانا سريعا:قال الفخر الرازي: أجمع أهل التفسير على أن المراد بالآية: قطعهن، وأن إبراهيم قطع أعضاءها ولحومها وريشها ودماءها وخلط بعضها ببعض- وفعل كما أمره الله، ثم قال لهن تعالين بإذن الله فأقبلن مسرعات إليه بعد أن انضم كل جزء إلى أصله- ثم قال: ولكن أبا مسلّم أنكر ذلك وقال: إن إبراهيم لما طلب إحياء الميت من الله-تبارك وتعالى- أراه الله مثالا قرب به الأمر عليه، والمراد بصرهن إليك: الإمالة والتمرين على الإجابة.
أى: فعود الطيور الأربعة أن تصير بحيث إذا دعوتها أجابتك وأتتك، فإذا صارت كذلك فاجعل على كل جبل واحدا حال حياته، ثم ادعهن يأتينك سعيا، والغرض منه ذكر مثال محسوس في عود الأرواح إلى الأجساد على سبيل السهولة..» .
والذي يطمئن إليه القلب هو رأى الجمهور لأن الآية مسوقة لتحقيق معجزة تجرى على يد إبراهيم وهي إحياء الموتى بالمشاهدة كما جرى إحياء الرجل الذي أماته الله مائة عام والذي جاء ذكره في الآية السابقة، ولأن ظاهر الآية صريح في أنه حصل تقطيع لأجزاء الطير ثم وضع كل جزء منها على مرتفع من الأرض، وما دام الأمر كذلك فلا يجوز حمل المعنى على غير هذا الظاهر، كما لا يجوز تحميل الألفاظ ما لا تحتمله.
وما ذهب إليه أبو مسلّم هو قول بلا دليل فضلا عن مخالفته لما عليه إجماع المفسرين.
ثم ختم- سبحانه - الآية بقوله: وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أى واعلم أن الله-تبارك وتعالى- غالب على أمره، قاهر فوق عباده، حكيم في كل شئونه وأفعاله وبذلك نرى أن الآيتين الكريمتين قد ساقتا أبلغ الأدلة والشواهد على قدرة الله-تبارك وتعالى- وعلى أنه هو المستحق للعبادة والخضوع، وعلى أن ما أخبر به من صحة البعث والنشور حق لا ريب فيه.
ثم حض الله-تبارك وتعالى- عباده على الإنفاق في سبيله، ووعدهم على ذلك بجزيل الثواب، فقال-تبارك وتعالى-:
قوله تعالى : وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيماختلف الناس في هذا السؤال هل صدر من إبراهيم عن شك أم لا ؟ فقال الجمهور : لم يكن إبراهيم عليه السلام شاكا في إحياء الله الموتى قط وإنما طلب المعاينة ، وذلك أن النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أخبرت به ، ولهذا قال عليه السلام : ليس الخبر كالمعاينة رواه ابن عباس ولم يروه غيره ، قاله أبو عمر .
قال الأخفش : لم يرد رؤية القلب وإنما أراد رؤية العين .
وقال الحسن وقتادة وسعيد بن جبير والربيع : سأل ليزداد يقينا إلى يقينه .
قال ابن عطية : وترجم الطبري في تفسيره فقال : وقال آخرون سأل ذلك ربه ؛ لأنه شك في قدرة الله تعالى .
وأدخل تحت الترجمة عن ابن عباس قال : ما في القرآن آية أرجى عندي منها .
وذكر عن عطاء بن أبي رباح أنه قال : دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس فقال : رب أرني كيف تحيي الموتى .
وذكر حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نحن أحق بالشك من إبراهيم الحديث ، ثم رجح الطبري هذا القول .
قلت : حديث أبي هريرة خرجه البخاري ومسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن ؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي .
قال ابن عطية : وما ترجم به الطبري عندي مردود ، وما أدخل تحت الترجمة متأول ، فأما قول ابن عباس : ( هي أرجى آية ) فمن حيث فيها الإدلال على الله تعالى وسؤال الإحياء في الدنيا وليست مظنة ذلك .
ويجوز أن يقول : هي أرجى آية لقوله أولم تؤمن أي إن الإيمان كاف لا يحتاج معه إلى تنقير وبحث .
وأما قول عطاء : ( دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس ) فمعناه من حيث المعاينة على ما تقدم .
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( نحن أحق بالشك من إبراهيم ) فمعناه أنه لو كان شاكا لكنا نحن أحق به ونحن لا نشك فإبراهيم عليه السلام أحرى ألا يشك ، فالحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم ، والذي روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ذلك محض الإيمان إنما هو في الخواطر التي لا تثبت ، وأما الشك فهو توقف بين أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر ، وذلك هو المنفي عن الخليل عليه السلام .
وإحياء الموتى إنما يثبت بالسمع وقد كان إبراهيم عليه السلام أعلم به ، يدلك على ذلك قوله : ربي الذي يحيي ويميت فالشك يبعد على من تثبت قدمه في الإيمان فقط فكيف بمرتبة النبوة والخلة ، والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعا .
وإذا تأملت سؤاله عليه السلام وسائر ألفاظ الآية لم تعط شكا ، وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسئول ، نحو قولك : كيف علم زيد ؟ وكيف نسج الثوب ؟ ونحو هذا .
ومتى قلت : كيف ثوبك ؟ وكيف زيد ؟ فإنما السؤال عن حال من أحواله .
وقد تكون " كيف " خبرا عن شيء شأنه أن يستفهم عنه بكيف ، نحو قولك : كيف شئت فكن ، ونحو قول البخاري : كيف كان بدء الوحي .
و " كيف " في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء ، والإحياء متقرر ، ولكن لما وجدنا بعض المنكرين لوجود شيء قد يعبرون عن إنكاره بالاستفهام عن حالة لذلك الشيء يعلم أنها لا تصح ، فيلزم من ذلك أن الشيء في نفسه لا يصح ، مثال ذلك أن يقول مدع : أنا أرفع هذا الجبل ، فيقول المكذب له : أرني كيف ترفعه فهذه طريقة مجاز في العبارة ، ومعناها تسليم جدلي ، كأنه يقول : افرض أنك ترفعه ، فأرني كيف ترفعه فلما كانت عبارة الخليل عليه السلام بهذا الاشتراك المجازي ، خلص الله له ذلك وحمله على أن بين له الحقيقة فقال له : أولم تؤمن قال بلى فكمل الأمر وتخلص من كل شك ، ثم علل عليه السلام سؤاله بالطمأنينة .
قلت : هذا ما ذكره ابن عطية وهو بالغ ، ولا يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم مثل هذا الشك فإنه كفر ، والأنبياء متفقون على الإيمان بالبعث .
وقد أخبر الله تعالى أن أنبياءه وأولياءه ليس للشيطان عليهم سبيل فقال : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وقال اللعين : إلا عبادك منهم المخلصين ، وإذا لم يكن له عليهم سلطنة فكيف يشككهم ، وإنما سأل أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها وإيصال الأعصاب والجلود بعد تمزيقها ، فأراد أن يترقى من علم اليقين إلى علم اليقين ، فقوله : أرني كيف طلب مشاهدة الكيفية .
وقال بعض أهل المعاني : إنما أراد إبراهيم من ربه أن يريه كيف يحيي القلوب ، وهذا فاسد مردود بما تعقبه من البيان ، ذكره الماوردي ، وليست الألف في قوله أولم تؤمن ألف استفهام وإنما هي ألف إيجاب وتقرير كما قال جرير :ألستم خير من ركب المطاياوالواو واو الحال .
و " تؤمن " معناه إيمانا مطلقا ، دخل فيه فضل إحياء الموتى .
قال بلى ولكن ليطمئن قلبي أي سألتك ليطمئن قلبي بحصول الفرق بين المعلوم برهانا والمعلوم عيانا .
والطمأنينة : اعتدال وسكون ، فطمأنينة الأعضاء معروفة ، كما قال عليه السلام : ثم اركع حتى تطمئن راكعا الحديث .
وطمأنينة القلب هي أن يسكن فكره في الشيء المعتقد .
والفكر في صورة الإحياء غير محظور ، كما لنا نحن اليوم أن نفكر فيها إذ هي فكر فيها عبر فأراد الخليل أن يعاين فيذهب فكره في صورة الإحياء .
وقال الطبري : معنى ليطمئن قلبي ليوقن ، وحكي نحو ذلك عن سعيد بن جبير ، وحكي عنه ليزداد يقينا ، وقاله إبراهيم وقتادة .
وقال بعضهم : لأزداد إيمانا مع إيماني .
قال ابن عطية : ولا زيادة في هذا المعنى تمكن إلا السكون عن الفكر وإلا فاليقين لا يتبعض .
وقال السدي وابن جبير أيضا : أولم تؤمن بأنك خليلي ؟ قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي بالخلة .
وقيل : دعا أن يريه كيف يحيي الموتى ليعلم هل تستجاب دعوته ، فقال الله له : أولم تؤمن أني أجيب دعاءك ، قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي أنك تجيب دعائي .
واختلف في المحرك له على ذلك ، فقيل : إن الله وعده أن يتخذه خليلا فأراد آية على ذلك ، قاله السائب بن يزيد .
وقيل : قول النمروذ : أنا أحيي وأميت .
وقال الحسن : رأى جيفة نصفها في البر توزعها السباع ونصفها في البحر توزعها دواب البحر ، فلما رأى تفرقها أحب أن يرى انضمامها فسأل ليطمئن قلبه برؤية كيفية الجمع كما رأى كيفية التفريق ، فقيل له : فخذ أربعة من الطير قيل : هي الديك والطاوس والحمام والغراب ، ذكر ذلك ابن إسحاق عن بعض أهل العلم ، وقاله مجاهد وابن جريج وعطاء بن يسار وابن زيد .
وقال ابن عباس مكان الغراب الكركي ، وعنه أيضا مكان الحمام النسر .
فأخذ هذه الطير حسب ما أمر وذكاها ، ثم قطعها قطعا صغارا ، وخلط لحوم البعض إلى لحوم البعض مع الدم والريش حتى يكون أعجب ، ثم جعل من ذلك المجموع المختلط جزءا على كل جبل ، ووقف هو من حيث يرى تلك الأجزاء وأمسك رءوس الطير في يده ، ثم قال : تعالين بإذن الله ، فتطايرت تلك الأجزاء وطار الدم إلى الدم والريش إلى الريش حتى التأمت مثل ما كانت أولا وبقيت بلا رءوس ، ثم كرر النداء فجاءته سعيا ، أي عدوا على أرجلهن .
ولا يقال للطائر : " سعى " إذا طار إلا على التمثيل ، قاله النحاس .
وكان إبراهيم إذا أشار إلى واحد منها بغير رأسه تباعد الطائر ، وإذا أشار إليه برأسه قرب حتى لقي كل طائر رأسه ، وطارت بإذن الله .
وقال الزجاج : المعنى ثم اجعل على كل جبل من كل واحد جزءا .
وقرأ أبو بكر عن عاصم وأبو جعفر " جزؤا " على فعل .
وعن أبي جعفر أيضا " جزا " مشددة الزاي .
الباقون مهموز مخفف ، وهي لغات ، ومعناه النصيب .
يأتينك سعيا نصب على الحال .
و " صرهن " معناه قطعهن ، قاله ابن عباس ومجاهد وأبو عبيدة وابن الأنباري ، يقال : صار الشيء يصوره أي قطعه ، وقاله ابن إسحاق .
وعن أبي الأسود الدؤلي : هو بالسريانية التقطيع ، قاله توبة بن الحمير يصفه :فلما جذبت الحبل أطت نسوعه بأطراف عيدان شديد سيورهافأدنت لي الأسباب حتى بلغتها بنهضي وقد كاد ارتقائي يصورهاأي يقطعها .
والصور : القطع .
وقال الضحاك وعكرمة وابن عباس في بعض ما روي عنه : إنها لفظة بالنبطية معناه قطعهن .
وقيل : المعنى أملهن إليك ، أي اضممهن واجمعهن إليك ، يقال : رجل أصور إذا كان مائل العنق .
وتقول : إني إليكم لأصور ، يعني مشتاقا مائلا .
وامرأة صوراء ، والجمع صور مثل أسود وسود ، قال الشاعر :الله يعلم أنا في تلفتنا يوم الفراق إلى جيراننا صورفقوله إليك على تأويل التقطيع متعلق ب خذ ولا حاجة إلى مضمر ، وعلى تأويل الإمالة والضم متعلق ب " صرهن " وفي الكلام متروك : فأملهن إليك ثم قطعهن .
وفيها خمس قراءات : اثنتان في السبع وهما ضم الصاد وكسرها وتخفيف الراء .
وقرأ قوم " فصرهن " بضم الصاد وشد الراء المفتوحة ، كأنه يقول فشدهن ، ومنه صرة الدنانير .
وقرأ قوم " فصرهن " بكسر الصاد وشد الراء المفتوحة ، ومعناه صيحهن ، من قولك : صر الباب والقلم إذا صوت ، حكاه النقاش .
قال ابن جني : هي قراءة غريبة ، وذلك أن يفعل بكسر العين في المضاعف المتعدي قليل ، وإنما بابه يفعل بضم العين ، كشد يشد ونحوه ، ولكن قد جاء منه نم الحديث ينمه وينمه ، وهر الحرب يهرها ويهرها ، ومنه بيت الأعشى :ليعتورنك القول حتى تهره وتعلم أني عنك لست بمجرمإلى غير ذلك في حروف قليلة .
قال ابن جني : وأما قراءة عكرمة بضم الصاد فيحتمل في الراء الضم والفتح والكسر كمد وشد والوجه ضم الراء من أجل ضمة الهاء من بعد .
القراءة الخامسة " صرهن " بفتح الصاد وشد الراء مكسورة ، حكاها المهدوي وغيره عن عكرمة ، بمعنى فاحبسهن ، من قولهم : صرى يصري إذا حبس ، ومنه الشاة المصراة .
وهنا اعتراض ذكره الماوردي وهو يقال : فكيف أجيب إبراهيم إلى آيات الآخرة دون موسى في قوله رب أرني أنظر إليك ؟ فعنه جوابان : أحدهما أن ما سأله موسى لا يصح مع بقاء التكليف ، وما سأله إبراهيم خاص يصح معه بقاء التكليف .
الثاني أن الأحوال تختلف فيكون الأصلح في بعض الأوقات الإجابة ، وفي وقت آخر المنع فيما لم يتقدم فيه إذن .
وقال ابن عباس : أمر الله تعالى إبراهيم بهذا قبل أن يولد له وقبل أن ينزل عليه الصحف ، والله أعلم .


شرح المفردات و معاني الكلمات : قال , إبراهيم , رب , أرني , كيف , تحيي , الموتى , قال , تؤمن , قال , بلى , ليطمئن , قلبي , قال , فخذ , أربعة , الطير , فصرهن , إليك , اجعل , جبل , منهن , جزءا , ادعهن , يأتينك , سعيا , واعلم , الله , عزيز , حكيم , قال+أولم+تؤمن+قال+بلى+ولكن+ليطمئن+قلبي , ليطمئن+قلبي , ولكن+ليطمئن+قلبي , قال+فخذ+أربعة+من+الطير+فصرهن+إليك , ثم+اجعل+على+كل+جبل+منهن+جزءا , ثم+ادعهن+يأتينك+سعيا , اعلم+أن+الله+عزيز+حكيم ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم

  1. وإلى ثمود أخاهم صالحا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم
  2. ويل لكل أفاك أثيم
  3. لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد
  4. وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن
  5. إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين
  6. وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم
  7. إنا كذلك نجزي المحسنين
  8. فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون
  9. وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون
  10. وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننـزله إلا بقدر معلوم

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Tuesday, December 17, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب