1. التفسير الميسر
  2. تفسير الجلالين
  3. تفسير السعدي
  4. تفسير البغوي
  5. التفسير الوسيط
تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ النساء: 128] .

  
   

﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾
[ سورة النساء: 128]

القول في تفسير قوله تعالى : وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن ..


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

التفسير الميسر : وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا


وإن علمت امرأة من زوجها ترفعًا عنها، وتعاليًا عليها أو انصرافًا عنها فلا إثم عليهما أن يتصالحا على ما تطيب به نفوسهما من القسمة أو النفقة، والصلح أولى وأفضل. وجبلت النفوس على الشح والبخل. وإن تحسنوا معاملة زوجاتكم وتخافوا الله فيهن، فإن الله كان بما تعملون من ذلك وغيره عالمًا لا يخفى عليه شيء، وسيجازيكم على ذلك.

المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار


وإن خافت امرأة من زوجها ترفُّعًا عنها وعدم رغبة فيها فلا إثم عليهما أن يتصالحا بأن تتنازل عن بعض الحقوق الواجبة لها كحق النفقة والمبيت، والصلح هنا خير لهما من الطلاق، وقد جُبِلت النفوس على الحرص والبخل، فلا ترغب في التنازل عما لها من حق، فينبغي للزوجين علاج هذا الخلق بتربية النفس على التسامح والإحسان.
وإن تحسنوا في كل شؤونكم، وتتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فإن الله كان بما تعملون خبيرًا، لا يخفى عليه شيء، وسيجازيكم به.

تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 128


«وإن امرأة» مرفوع بفعل يفسره «خافت» توقعت «من بعلها» زوجها «نشوزا» ترفعا عليها بترك مضاجتعها والتقصير في نفقتها لبغضها وطموح عينه إلى أجمل منها «أو إعراضا» عنها بوجهه «فلا جُناح عليهما أن يَصَّالَحَا» فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد وفي قراءة يصلحا من أصلح «بينهما صلحا» في القسم والنفقة بأن تترك له شيئا طلبا لبقاء الصحبة فإن رضيت بذلك والإ فعلى الزوج أن يوفيها حقها أو يفارقها «والصلح خير» من الفرقة والنشوز والإعراض قال تعالى في بيان ما جبل عليه الإنسان «وأحضرت الأنفس الشح» شدة البخل أي جبلت عليه فكأنها حاضرته لا تغيب عنه، المعنى أن المرأة لا تكاد تسمح بنصيبها من زوجها والرجل لا يكاد يسمح عليها بنفسه إذا أحب غيرها «وإن تحسنوا» عشرة النساء «وتتقوا» الجور عليهن «فإن الله كان بما تعملون خبيرا» فيجازيكم به.

تفسير السعدي : وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا


أي: إذا خافت المرأة نشوز زوجها- أي: ترفعه عنها وعدم رغبته فيها وإعراضه عنها، فالأحسن في هذه الحالة أن يصلحا بينهما صلحا بأن تسمح المرأة عن بعض حقوقها اللازمة لزوجها على وجه تبقى مع زوجها، إما أن ترضى بأقل من الواجب لها من النفقة أو الكسوة أو المسكن، أو القسم بأن تسقط حقها منه، أو تهب يومها وليلتها لزوجها أو لضرتها.
فإذا اتفقا على هذه الحالة فلا جناح ولا بأس عليهما فيها، لا عليها ولا على الزوج، فيجوز حينئذ لزوجها البقاء معها على هذه الحال، وهي خير من الفرقة، ولهذا قال: { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ْ} ويؤخذ من عموم هذا اللفظ والمعنى أن الصلح بين مَن بينهما حق أو منازعة في جميع الأشياء أنه خير من استقصاء كل منهما على كل حقه، لما فيها من الإصلاح وبقاء الألفة والاتصاف بصفة السماح.
وهو جائز في جميع الأشياء إلا إذا أحلّ حراما أو حرّم حلالا، فإنه لا يكون صلحا وإنما يكون جورا.
واعلم أن كل حكم من الأحكام لا يتم ولا يكمل إلا بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه، فمن ذلك هذا الحكم الكبير الذي هو الصلح، فذكر تعالى المقتضي لذلك ونبه على أنه خير، والخير كل عاقل يطلبه ويرغب فيه، فإن كان -مع ذلك- قد أمر الله به وحثّ عليه ازداد المؤمن طلبا له ورغبة فيه.
وذكر المانع بقوله: { وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحّ ْ}- أي: جبلت النفوس على الشح، وهو: عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحق الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعا،- أي: فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخُلُق الدنيء من نفوسكم، وتستبدلوا به ضده وهو السماحة، وهو بذل الحق الذي عليك؛ والاقتناع ببعض الحق الذي لك.
فمتى وفق الإنسان لهذا الخُلُق الحسن سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومعامله، وتسهلت الطريق للوصول إلى المطلوب.
بخلاف من لم يجتهد في إزالة الشح من نفسه، فإنه يعسر عليه الصلح والموافقة، لأنه لا يرضيه إلا جميع ماله، ولا يرضى أن يؤدي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتد الأمر.
ثم قال: { وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا ْ}- أي: تحسنوا في عبادة الخالق بأن يعبد العبد ربه كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه، وتحسنوا إلى المخلوقين بجميع طرق الإحسان، من نفع بمال، أو علم، أو جاه، أو غير ذلك.
{ وَتَتَّقُوا ْ} الله بفعل جميع المأمورات، وترك جميع المحظورات.
أو تحسنوا بفعل المأمور، وتتقوا بترك المحظور { فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ْ} قد أحاط به علما وخبرا، بظاهره وباطنه، فيحفظه لكم، ويجازيكم عليه أتم الجزاء.

تفسير البغوي : مضمون الآية 128 من سورة النساء


قوله تعالى : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ) الآية ، نزلت في عمرة ويقال في خولة بنت محمد بن مسلمة ، وفي زوجها سعد بن الربيع - ويقال رافع بن خديج - تزوجها وهي شابة فلما علاها الكبر تزوج عليها امرأة شابة ، وآثرها عليها ، وجفا ابنة محمد بن سلمة ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه فنزلت فيها هذه الآية .
وقال سعيد بن جبير : كان رجل له امرأة قد كبرت وله منها أولاد فأراد أن يطلقها ويتزوج عليها غيرها ، فقالت : لا تطلقني ودعني أقوم على أولادي واقسم لي من كل شهرين إن شئت ، وإن شئت فلا تقسم لي .
فقال : إن كان يصلح ذلك فهو أحب إلي ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك ، فأنزل الله تعالى : ( وإن امرأة خافت ) أي علمت ( من بعلها ) أي : من زوجها ( نشوزا ) أي : بغضا ، قال الكلبي : يعني ترك مضاجعتها ، ( أو إعراضا ) بوجهه عنها وقلة مجالستها ، ( فلا جناح عليهما ) أي : على الزوج والمرأة ، أن يصالحا أي : يتصالحا ، وقرأ أهل الكوفة ( أن يصلحا ) من أصلح ، ( بينهما صلحا ) يعني : في القسمة والنفقة ، وهو أن يقول الزوج لها : إنك قد دخلت في السن وإني أريد أن أتزوج امرأة شابة جميلة أوثرها عليك في القسمة ليلا ونهارا فإن رضيت بهذا فأقيمي وإن كرهت خليت سبيلك ، فإن رضيت كانت هي المحسنة ولا تجبر على ذلك ، وإن لم ترض بدون حقها من القسم كان على الزوج أن يوفيها حقها من القسم والنفقة أو يسرحها بإحسان ، فإن أمسكها ووفاها حقها مع كراهية فهو محسن .
وقال سليمان بن يسار في هذه الآية عن ابن عباس رضي الله عنهما : فإن صالحته عن بعض حقها من القسم والنفقة فذلك جائز ما رضيت ، فإن أنكرته بعد الصلح فذلك لها ولها حقها .
وقال مقاتل بن حيان في هذه الآية : هو أن الرجل يكون تحته المرأة الكبيرة فيتزوج عليها الشابة ، فيقول للكبيرة : [ أعطيتك من ] مالي نصيبا على أن أقسم لهذه الشابة أكثر مما أقسم لك فترضى بما اصطلحا عليه ، فإن أبت أن ترضى فعليه أن يعدل بينهما في القسم .
وعن علي رضي الله عنه في هذه الآية قال : تكون المرأة عند الرجل فتنبو عينه عنها من دمامة أو كبر فتكره فرقته ، فإن أعطته من مالها فهو له حل ، وإن أعطته من أيامها فهو له حل ( والصلح خير ) يعني : إقامتها بعد تخييره إياها ، والمصالحة على ترك بعض حقها من القسم والنفقة خير من الفرقة ، كمايروى أن سودة رضي الله عنها كانت امرأة كبيرة وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يفارقها ، فقالت : لا تطلقني وإنما بي أن أبعث في نسائك وقد جعلت نوبتي لعائشة رضي الله عنها فأمسكها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يقسم لعائشة يومها ويوم سودة رضي الله عنها .
قوله تبارك وتعالى : ( وأحضرت الأنفس الشح ) يريد : شح كل واحد من الزوجين بنصيبه من الآخر ، والشح : أقبح البخل ، وحقيقته .
الحرص على منع الخير ، ( وإن تحسنوا ) أي : تصلحوا ( وتتقوا ) الجور ، وقيل: هذا خطاب مع الأزواج ، أي : وإن تحسنوا بالإقامة معها على الكراهة وتتقوا ظلمها ( فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) فيجزيكم بأعمالكم .

التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية


ثم بين- سبحانه - بعض الأحكام التي تتعلق بالزوجين، وعالج ما يقع بينهما من خلاف ونفرة علاجا حكيما فقال-تبارك وتعالى- وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ.
والخوف معناه: توقع الإنسان مكروها ينزل به.
وهو هنا مستعمل في حقيقته إلا أنه لا يكون إلا بعد ظهور علامات تدل عليه من الرجل.
كأن يقول لها: إنك قد كبرت وأريد أن أتزوج بشابة.
إلى غير ذلك من الأحوال التي تلمسها الزوجة من زوجها بمقتضى مخالطتها له.
والنشوز مأخوذ من النشز بمعنى الارتفاع ويوصف به الرجل والمرأة.
والمراد به هنا ما يكون من الرجل من استعلاء على زوجته.
ومجافاة لها بترك مضاجعتها والتقصير في نفقتها وفي حقوقها.
والإعراض عنها من مظاهره: التقليل من محادثتها ومؤانستها وإدخال السرور عليها.
وهو أخف من النشوز.
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها ما أخرجه الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال: خشيت سودة بنت زمعة إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله.
لا تطلقني واجعل يومى لعائشة ففعل ونزلت هذه الآية.
وأخرج الشافعى عن سعيد بن المسيب أن ابنة محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمرا فأراد طلاقها فقالت: لا تطلقني واقسم لي ما بدا لك.
فاصطلحا على صلح فجرت السنة بذلك ونزل القرآن.
وروى عن عائشة أنها قالت: نزلت في المرأة تكون عند الرجل ويريد الرجل أن يستبدل بها غيرها فتقول له: أمسكنى وتزوج بغيري وأنت في حل من النفقة والقسم.
وقوله: وَإِنِ امْرَأَةٌ فاعل لفعل واجب الإضمار.
أى: وإن خافت امرأة خافت.
وقوله: مِنْ بَعْلِها متعلق بخافت، وقوله: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما جواب الشرط.
والمعنى: وإن خافت امرأة من زوجها {نشوزا} أى تجافيا عنها، وترفعا عن صحبتها أَوْ إِعْراضاً أى: انصرافا عن محادثتها ومؤانستها على خلاف ما عهدته منه قبل ذلك، ففي هذه الأحوال فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أى: لا حرج ولا إثم على الزوجة وزوجها في أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً يتفقان عليه فيما بينهما رعاية لرابطة الزوجية وإبقاء على دوامها، وذلك بأن تترك المرأة بعض حقوقها حتى تسترضى زوجها وتعمل على إزالة ما في نفسه من استعلاء وانصراف عنها.
وقوله صُلْحاً مفعول مطلق مؤكد لعامله.
أو مفعول به على تأويل يصلحا بيوقعا صلحا.
وبَيْنَهُما حال من صُلْحاً لأنه كان نعتا له ونعت النكرة إذا تقدم عليها أعرب حالا، وفيه إشارة إلى أن الأولى لهما أن لا يطلعا الناس على ذلك.
بل يكون ما يتفقان عليه سرا بينهما.
وقد عبر- سبحانه - عن طلب الصلح بقوله فَلا جُناحَ عَلَيْهِما ترفقا في الإيجاب، ونفيا لما يتوهم من أن تنازل أحدهما للآخر عن بعض حقه يؤدى إلى الإثم، لأن الصلح بينهما يقتضى أن يتسامح أحد الزوجين في جزء من حقه ليظفر بخير أكثر مما تسامح فيه.
فإذا تركت المرأة بعض حقها لتدوم عشرتها مع زوجها بالمعروف فذلك لا إثم فيه بل إن فيه الخير.
وأكد- سبحانه - هذا الصلح بقوله صُلْحاً للإشارة إلى وجوب أن يكون الصلح بينهما حقيقيا لا شكليا، وأن يكون بحيث تتلاقى القلوب، وتصفو النفوس.
وتشيع بينهما المودة والرحمة، ويرضى كل واحد منهما بما قسم الله له.
وقوله وَالصُّلْحُ خَيْرٌ جملة معترضة من مبتدأ وخبر لتأكيد الصلح الذي حض الله عليه قبل ذلك.
أى: والصلح بين الزوجين خير من الفرقة وسوء العشرة، اللهم إلا إذا استحال الصلح والوفاق بينهما فإنه في هذه الحالة تكون الفرقة بينهما خيرا.
وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ.
قال ابن كثير ما ملخصه: وقوله وَالصُّلْحُ خَيْرٌ.
الظاهر من الآية أن صلحهما على ترك بعض حقها للزوج وقبول الزوج ذلك خير من المفارقة بالكلية كما أمسك النبي صلى الله عليه وسلم سودة على أن تركت يومها لعائشة ولم يفارقها بل تركها من جملة نسائه، وفعله هذا للتأسى به أمته في مشروعية ذلك وجوازه فهو أفضل في حقه صلى الله عليه وسلم ولما كان الوفاق أحب إلى الله من الفراق قال:وَالصُّلْحُ خَيْرٌ، بل الطلاق بغيض إليه- سبحانه - ولهذا جاء الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجة عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» .
وقوله-تبارك وتعالى- وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ جملة أخرى معترضة جيء بها لبيان ما جبل عليه الإنسان من طباع، وللحض على الصلح حتى ولو خالف ما طبعت عليه النفس من سجايا.
والفعل حضر يتعدى لواحد فدخلت عليه الهمزة فجعلته يتعدى لاثنين كما هنا.
إذ المفعول الأول نائب الفاعل وهو الأنفس والمفعول الثاني كلمة الشح.
والشح: البخل مع الحرص، والمراد: وأحضر الله الأنفس الشح.
أى جبل الله النفوس على الشح بما تملكه، فالمرأة لا تكاد تتسامح أو تتنازل عن شيء من حقها، والرجل كذلك لا يكاد يتنازل عن شيء من حقوقه، لأن حرص الإنسان على حقه طبيعة فيه.
فعلى الزوجين أن يلاحظا ذلك وأن يخالفا ميولهما وطبعهما من أجل الإبقاء على الحياة الزوجية بصفاء ومودة.
فالجملة الكريمة ترشد الإنسان إلى داء من أدوائه وتأمره بمعالجته حتى ولو أدى ذلك إلى مخالفة ما جبلت عليه نفسه.
ويرى ابن جرير أن المراد بالأنفس هنا أنفس النساء خاصة فقد قال ما ملخصه: وأولى القولين في ذلك بالصواب: قول من قال: عنى بذلك.
أحضرت أنفس النساء الشح بانصبائهن من أزواجهن في الأيام والنفقة.
والشح: الإفراط في الحرص على الشيء.
وهو في هذا الموضع: إفراط حرص المرأة على نصيبها من أيامها من زوجها ونفقتها.
فتأويل الكلام: وأحضرت أنفس النساء أهواءهن من فرط الحرص على حقوقهن من أزواجهن، والشح بذلك على ضرائرهن.
ثم قال.
ويشهد لهذا ما روى في سبب نزول الآية من أنها نزلت في أمر رافع بن خديج وزوجته، إذ تزوج عليها شابة، فآثر الشابة عليها، فأبت الكبيرة أن تقر على الأثرة، فطلقها تطليقة وتركها.
فلما قارب انقضاء عدتها، خيرها بين الفراق والرجعة والصبر على الأثرة.
فاختارت الرجعة والصبر على الأثرة فراجعها وآثر عليها.
فلم تصبر.
ففي ذلك دليل واضح على أن قوله-تبارك وتعالى- وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ إنما عنى به: وأحضرت أنفس النساء الشح بحقوقهن من أزواجهن على ما وصفنا .
ثم ختم- سبحانه - الآية الكريمة بالأمر بخشيته ومراقبته، والسير في طريق الصلح والوفاق فقال: وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً.
أى: وإن تحسنوا- أيها الرجال- في أقوالكم وأفعالكم إلى نسائكم وتتقوا الله فيهن: بأن تتركوا التعالي عليهن والإعراض عنهن وتصبروا على مالا ترضونه منهن، من دمامة أو تقصير في واجباتهن.
إن تفعلوا ذلك يرفع الله درجاتكم.
ويجزل ثوابكم، لأنه- سبحانه - خبير بكل أحوالكم وأعمالكم، ولن يضيع- سبحانه - أجر من أحسن عملا.
فالجملة الكريمة خطاب للأزواج بطريق الالتفات.
لقصد استمالتهم وترغيبهم في حسن معاملة نسائهم، وسلوك طريق الصلح معهن.
هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة: أن على الزوجين أن يحسنا العشرة الزوجية كل واحد منهما من جانبه، وأن يصبر كل واحد منهما على ما يكون من صاحبه من هفوات ومخالفات لا تخلو منها طبيعة الحياة الزوجية ...
وأن أحد الزوجين إذا تنازل عن بعض حقوقه للآخر بقصد الإبقاء على الحياة الزوجية جاز ذلك، فإذا رغب رجل- مثلا- في طلاق زوجته لسبب من الأسباب وكانت الزوجة تريد البقاء معه، وتنازلت المرأة عن بعض حقوقها في سبيل أن تبقى معه وتراضيا على ذلك عن طيب خاطر، بأن أعطته بعض المال- مثلا- فإن ما أخذه منها لا يعد مالا حراما في مثل هذه الحالة.
أما إذا تظاهر الرجل بالنشوز أو الإعراض لكي ينال شيئا من حقوقها أو تتنازل له عن بعضها، فإن ما يأخذه الرجل منها في مثل هذه الحالة يكون أكلا لحقوق غيره بالباطل، لأنه لم يكن راغبا حقيقة في الطلاق وإنما تصنع النشوز أو الإعراض اجتلابا لمالها، واستدرارا لخيرها.
وقد نهى الله عن كل ذلك بل أمر بترك النشوز، ووعد من يحسن المعاشرة الزوجية ويتقى الله بالأجر الجزيل.
قال القرطبي ما ملخصه: يجوز أن يعطى الزوج على أن تصبر.
أو تعطى هي على أن يبقيها في عصمته، أو يقع الصلح بينهما على الصبر والأثرة- أى يؤثر غيرها عليها من غير عطاء فهذا كله مباح.
وقد يجوز أن تصالح إحداهن صاحبتها عن يومها بشيء تعطيه إياها فقد غضب الرسول صلى الله عليه وسلم مرة على صفية فقالت لعائشة، أصلحى بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذهب لك يومى.
قالت عائشة: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست إلى جانبه.
فقال: «إليك عنى فإنه ليس بيومك» فقلت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وأخبرته الخبر، فرضي عنها.
وفيه أن ترك التسوية بين النساء وتفضيل بعضهن على بعض لا يجوز إلا بإذن المفضولة ورضاها .
وقال بعض العلماء ما ملخصه: فإن قيل: إن الله-تبارك وتعالى- قال في نشوز المرأة: وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ.
الآية وقال في نشوز الرجل:وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً.
الآية فجعل لنشوز المرأة عقوبة من زوجها يعظها ويهجرها في المضجع ويضربها ولم يجعل لنشوز الرجل عقوبة من زوجته، بل جعل له ترضية وتلطفا فما معنى ذلك؟والجواب عن ذلك: أن الله-تبارك وتعالى- جعل الرجال قوامين على النساء، فالرجل راعى المرأة ورئيسها المهيمن عليها.
ومن قضية ذلك ألا يكون للمرءوس معاقبة رئيسه، وإلا انقلب الأمر وضاعت هيمنة الرئيس.
وأن الله فضل الرجال على النساء في العقل والدين.
ومن قضية ذلك ألا يكون نشوز من الرجل إلا لسبب قاهر.
ولكن المرأة لنقصان عقلها ودينها يكثر منها النشوز لأقل شيء تتوهمه سببا.
وأن نشوز الرجل أمارة من أمارات الكراهة وإرادة الفرقة.
وإذا كان الله قد جعل له حق الفرقة ولم يجعل للمرأة عليه سبيلا إذا هو أراد فرقتها فأولى ألا يجعل لها عليه سبيلا إذا بدت منه أمارات هذه الفرقة .

وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا: تفسير ابن كثير


يقول تعالى مخبرا ومشرعا عن حال الزوجين : تارة في حال نفور الرجل عن المرأة ، وتارة في حال اتفاقه معها ، وتارة في حال فراقه لها .
فالحالة الأولى : ما إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها ، أو يعرض عنها ، فلها أن تسقط حقها أو بعضه ، من نفقة أو كسوة ، أو مبيت ، أو غير ذلك من الحقوق عليه ، وله أن يقبل ذلك منها فلا جناح عليها في بذلها ذلك له ، ولا عليه في قبوله منها ; ولهذا قال تعالى : { فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا } ثم قال { والصلح خير } أي: من الفراق . وقوله : { وأحضرت الأنفس الشح } أي الصلح عند المشاحة خير من الفراق ; ولهذا لما كبرت سودة بنت زمعة عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فراقها ، فصالحته على أن يمسكها ، وتترك يومها لعائشة ، فقبل ذلك منها وأبقاها على ذلك .
ذكر الرواية بذلك :
قال أبو داود الطيالسي : حدثنا سليمان بن معاذ ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، لا تطلقني واجعل يومي لعائشة . ففعل ، ونزلت هذه الآية : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } الآية ، قال ابن عباس : فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز .
ورواه الترمذي ، عن محمد بن المثنى ، عن أبي داود الطيالسي ، به . وقال : حسن غريب
وقال الشافعي أخبرنا مسلم ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع نسوة ، وكان يقسم لثمان .
وفي الصحيحين ، من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : لما كبرت سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لها بيوم سودة .
وفي صحيح البخاري ، من حديث الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، نحوه .
وقال سعيد بن منصور : أنبأنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن ، عن أبيه عروة قال : أنزل الله تعالى في سودة وأشباهها : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } وذلك أن سودة كانت امرأة قد أسنت ، ففزعت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وضنت بمكانها منه ، وعرفت من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة ومنزلتها منه ، فوهبت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة ، فقبل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
قال البيهقي : وقد رواه أحمد بن يونس : عن ابن أبي الزناد موصولا . وهذه الطريق رواها الحاكم في مستدركه فقال :
حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه ، أخبرنا الحسن بن علي بن زياد ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : أنها قالت له : يا ابن أختي ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في مكثه عندنا ، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا ، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس ، حتى يبلغ إلى من هو يومها فيبيت عندها ، ولقد قالت سودة بنت زمعة - حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله ، يومي هذا لعائشة . فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت عائشة : ففي ذلك أنزل الله : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا }
وكذا رواه أبو داود ، عن أحمد بن يونس ، به . ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وقد رواه [ الحافظ أبو بكر ] بن مردويه من طريق أبي بلال الأشعري ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، به نحوه . ومن رواية عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن هشام بن عروة ، بنحوه مختصرا ، والله أعلم .
وقال أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي في أول معجمه : حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا هشام الدستوائي ، حدثنا القاسم بن أبي بزة قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى سودة بنت زمعة بطلاقها ، فلما أن أتاها جلست له على طريق عائشة ، فلما رأته قالت له : أنشدك بالذي أنزل عليك كلامه واصطفاك على خلقه لما راجعتني ، فإني قد كبرت ولا حاجة لي في الرجال ، لكن أريد أن أبعث مع نسائك يوم القيامة . فراجعها فقالت : إني جعلت يومي وليلتي لحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا غريب مرسل .
وقد قال البخاري : حدثنا محمد بن مقاتل ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } قالت : الرجل تكون عنده المرأة ، ليس بمستكثر منها ، يريد أن يفارقها ، فتقول : أجعلك من شأني في حل . فنزلت هذه الآية .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير } قالت : هذا في المرأة تكون عند الرجل ، فلعله ألا يكون يستكثر منها ، ولا يكون لها ولد ، ولها صحبة فتقول : لا تطلقني وأنت في حل من شأني .
حدثني المثنى ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ، عن عروة ، عن عائشة في قوله : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } قالت : هو الرجل يكون له المرأتان : إحداهما قد كبرت ، أو هي دميمة وهو لا يستكثر منها فتقول : لا تطلقني ، وأنت في حل من شأني .
وهذا الحديث ثابت في الصحيحين ، من غير وجه ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة بنحو ما تقدم ، ولله الحمد والمنة .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير ، عن أشعث ، عن ابن سيرين قال : جاء رجل إلى عمر ، رضي الله عنه ، فسأله عن آية ، فكره ذلك وضربه بالدرة ، فسأله آخر عن هذه الآية : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } فقال : عن مثل هذا فسلوا . ثم قال : هذه المرأة تكون عند الرجل ، قد خلا من سنها ، فيتزوج المرأة الشابة يلتمس ولدها ، فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني ، حدثنا مسدد ، حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك بن حرب ، عن خالد بن عرعرة قال : جاء رجل إلى علي بن أبي طالب [ رضي الله عنه ] فسأله عن قول الله عز وجل : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما } قال علي : يكون الرجل عنده المرأة ، فتنبو عيناه عنها من دمامتها ، أو كبرها ، أو سوء خلقها ، أو قذذها ، فتكره فراقه ، فإن وضعت له من مهرها شيئا حل له ، وإن جعلت له من أيامها فلا حرج .
وكذا رواه أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن حماد بن سلمة وأبي الأحوص . ورواه ابن جرير من طريق إسرائيل أربعتهم عن سماك ، به وكذا فسرها ابن عباس ، وعبيدة السلماني ، ومجاهد بن جبر ، والشعبي ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وعطية العوفي ومكحول ، والحكم بن عتبة ، والحسن ، وقتادة ، وغير واحد من السلف والأئمة ، ولا أعلم [ في ذلك ] خلافا في أن المراد بهذه الآية هذا والله أعلم .
وقال الشافعي : أنبأنا ابن عيينة ، عن الزهري ، عن ابن المسيب : أن ابنة محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمرا إما كبرا أو غيره فأراد طلاقها فقالت : لا تطلقني واقسم لي ما بدا لك . فأنزل الله عز وجل : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } الآية .
وقد رواه الحاكم في مستدركه ، من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار بأطول من هذا السياق .
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ، حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني ، أنبأنا علي بن محمد بن عيسى ، حدثنا أبو اليمان ، أخبرني شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري ، أخبرني سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار : أن السنة في هاتين الآيتين اللتين ذكر الله فيهما نشوز المرء وإعراضه عن امرأته في قوله : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } إلى تمام الآيتين ، أن المرء إذا نشز عن امرأته وآثر عليها ، فإن من الحق أن يعرض عليها أن يطلقها أو تستقر عنده على ما كانت من أثرة في القسم من ماله ونفسه ، فإن استقرت عنده على ذلك ، وكرهت أن يطلقها ، فلا حرج عليه فيما آثر عليها من ذلك ، فإن لم يعرض عليها الطلاق ، وصالحها على أن يعطيها من ماله ما ترضاه وتقر عنده على الأثرة في القسم من ماله ونفسه ، صلح له ذلك ، وجاز صلحها عليه ، كذلك ذكر سعيد بن المسيب وسليمان الصلح الذي قال الله عز وجل { فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير } .
وقد ذكر لي أن رافع بن خديج الأنصاري - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - كانت عنده امرأة حتى إذا كبرت تزوج عليها فتاة شابة ، وآثر عليها الشابة ، فناشدته الطلاق فطلقها تطليقة ، ثم أمهلها ، حتى إذا كادت تحل راجعها ، ثم عاد فآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق فطلقها تطليقة أخرى ، ثم أمهلها ، حتى إذا كادت تحل راجعها ، ثم عاد فآثر الشابة عليها ، فناشدته الطلاق فقال لها : ما شئت ، إنما بقيت لك تطليقة واحدة ، فإن شئت استقررت على ما ترين من الأثرة ، وإن شئت فارقتك ، فقالت : لا بل أستقر على الأثرة . فأمسكها على ذلك ، فكان ذلك صلحهما ، ولم ير رافع عليه إثما حين رضيت أن تستقر عنده على الأثرة فيما آثر به عليها .
وهذا رواه بتمامه عبد الرحمن بن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، فذكره بطوله ، والله أعلم
وقوله : { والصلح خير } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني التخيير ، أن يخير الزوج لها بين الإقامة والفراق ، خير من تمادي الزوج على أثرة غيرها عليها .
والظاهر من الآية أن صلحهما على ترك بعض حقها للزوج ، وقبول الزوج ذلك ، خير من المفارقة بالكلية ، كما أمسك النبي صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة على أن تركت يومها لعائشة ، رضي الله عنها ، ولم يفارقها بل تركها من جملة نسائه ، وفعله ذلك لتتأسى به أمته في مشروعية ذلك وجوازه ، فهو أفضل في حقه عليه الصلاة والسلام . ولما كان الوفاق أحب إلى الله [ عز وجل ] من الفراق قال : { والصلح خير } بل الطلاق بغيض إليه ، سبحانه وتعالى ; ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجه جميعا ، عن كثير بن عبيد ، عن محمد بن خالد ، عن معرف بن واصل ، عن محارب بن دثار ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " .
ثم رواه أبو داود عن أحمد بن يونس ، عن معرف عن محارب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . فذكر معناه مرسلا .
وقوله : { وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا } [ أي ] وإن تتجشموا مشقة الصبر على من تكرهون منهن ، وتقسموا لهن أسوة أمثالهن ، فإن الله عالم بذلك وسيجزيكم على ذلك أوفر الجزاء .

تفسير القرطبي : معنى الآية 128 من سورة النساء


قوله تعالى : وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرافيه سبع مسائل :الأولى : وإن امرأة رفع بإضمار فعل يفسره ما بعده .
وخافت بمعنى توقعت .
وقول من قال : خافت تيقنت خطأ .
قال الزجاج : المعنى وإن امرأة .
خافت من بعلها دوام النشوز .
قال النحاس : الفرق بين النشوز والإعراض أن النشوز التباعد ، والإعراض ألا يكلمها ولا يأنس بها .
ونزلت الآية بسبب سودة بنت زمعة .
روى الترمذي عن ابن عباس قال : خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : لا تطلقني وأمسكني ، واجعل يومي منك لعائشة ؛ ففعل فنزلت : " فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير " فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز ، قال : هذا حديث حسن غريب .
وروى ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن رافع بن خديج كانت تحته خولة بنت محمد بن مسلمة ، فكره من أمرها إما كبرا وإما غيره ، فأراد أن يطلقها فقالت : لا تطلقني واقسم لي ما شئت ؛ فجرت السنة بذلك فنزلت وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا .
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا قالت : الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فتقول : أجعلك من شأني في حل ؛ فنزلت هذه الآية .
وقراءة العامة " أن يصالحا " .
وقرأ أكثر الكوفيين " أن يصلحا " .
وقرأ الجحدري وعثمان البتي " أن يصلحا " والمعنى يصطلحا ثم أدغم .
الثانية : في هذه الآية من الفقه الرد على الرعن الجهال الذين يرون أن الرجل إذا أخذ شباب المرأة وأسنت لا ينبغي أن يتبدل بها .
قال ابن أبي مليكة : إن سودة بنت زمعة لما أسنت أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلقها ، فآثرت الكون معه ، فقالت له : أمسكني واجعل يومي لعائشة ؛ ففعل صلى الله عليه وسلم ، وماتت وهي من أزواجه .
قلت : وكذلك فعلت بنت محمد بن مسلمة ؛ روى مالك عن ابن شهاب عن رافع بن خديج أنه تزوج بنت محمد بن مسلمة الأنصارية ، فكانت عنده حتى كبرت ، فتزوج عليها فتاة شابة ، فآثر الشابة عليها ، فناشدته الطلاق ، فطلقها واحدة ، ثم أهملها حتى إذا كانت تحل راجعها ، ثم عاد فآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق فطلقها واحدة ، ثم راجعها فآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق فقال : ما شئت إنما بقيت واحدة ، فإن شئت استقررت على ما ترين من الأثرة ، وإن شئت فارقتك .
قالت : بل أستقر على الأثرة .
فأمسكها على ذلك ؛ ولم ير رافع عليه إثما حين قرت عنده على الأثرة .
رواه معمر عن الزهري بلفظه ومعناه وزاد : فذلك الصلح الذي بلغنا أنه نزل فيه وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير .
قال أبو عمر بن عبد البر : قوله والله أعلم : " فآثر الشابة عليها " يريد في الميل بنفسه إليها والنشاط لها ؛ لا أنه آثرها عليها في مطعم وملبس ومبيت ؛ لأن هذا لا ينبغي أن يظن بمثل رافع ، والله أعلم .
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رجلا سأله عن هذه الآية فقال : هي المرأة تكون عند الرجل فتنبو عيناه عنها من دمامتها أو فقرها أو كبرها أو سوء خلقها وتكره فراقه ؛ فإن وضعت له من مهرها شيئا حل له أن يأخذ وإن جعلت له من أيامها فلا حرج .
وقال الضحاك : لا بأس أن ينقصها من حقها إذا تزوج من هي أشب منها وأعجب إليه .
وقال مقاتل بن حيان : هو الرجل تكون تحته المرأة الكبيرة فيتزوج عليها الشابة ؛ فيقول لهذه الكبيرة : أعطيك من مالي على أن أقسم لهذه الشابة أكثر مما أقسم لك من الليل والنهار ؛ فترضى الأخرى بما اصطلحا عليه ؛ وإن أبت ألا ترضى فعليه أن يعدل بينهما في القسم .
الثالثة : قال علماؤنا : وفي هذا أن أنواع الصلح كلها مباحة في هذه النازلة ؛ بأن يعطي الزوج على أن تصبر هي ، أو تعطي هي على أن يؤثر الزوج ، أو على أن يؤثر ويتمسك بالعصمة ، أو يقع الصلح على الصبر والأثرة من غير عطاء ؛ فهذا كله مباح .
وقد يجوز أن تصالح إحداهن صاحبتها عن يومها بشيء تعطيها ، كما فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان غضب على صفية ، فقالت لعائشة : أصلحي بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد وهبت يومي لك .
ذكره ابن خويز منداد في أحكامه عن عائشة قالت : وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية في شيء ؛ فقالت لي صفية : هل لك أن ترضين رسول الله صلى الله عليه وسلم عني ولك يومي ؟ قالت : فلبست خمارا كان عندي مصبوغا بزعفران ونضحته ، ثم جئت فجلست إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إليك عني فإنه ليس بيومك .
فقلت : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ؛ وأخبرته الخبر ، فرضي عنها .
وفيه أن ترك التسوية بين النساء وتفضيل بعضهن على بعض لا يجوز إلا بإذن المفضولة ورضاها .
الرابعة : قرأ الكوفيون " يصلحا " .
والباقون " أن يصالحا " .
الجحدري " يصلحا " فمن قرأ " يصالحا " فوجهه أن المعروف في كلام العرب إذا كان بين قوم تشاجر أن يقال : تصالح القوم ، ولا يقال : أصلح القوم ؟ ولو كان أصلح لكان مصدره إصلاحا .
ومن قرأ " يصلحا " فقد استعمل مثله في التشاجر والتنازع ؛ كما قال فأصلح بينهم .
ونصب قول : " صلحا " على هذه القراءة على أنه مفعول ، وهو اسم مثل العطاء من أعطيت .
فأصلحت صلحا مثل أصلحت أمرا ؛ وكذلك هو مفعول أيضا على قراءة من قرأ " يصالحا " لأن تفاعل قد جاء متعديا ؛ ويحتمل أن يكون مصدرا حذفت زوائده .
ومن قرأ " يصلحا " فالأصل " يصتلحا " ثم صار إلى يصطلحا ، ثم أبدلت الطاء صادا وأدغمت فيها الصاد ؛ ولم تبدل الصاد طاء لما فيها من امتداد الزفير .
الخامسة : قوله تعالى : والصلح خير لفظ عام مطلق يقتضي أن الصلح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف خير على الإطلاق .
ويدخل في هذا المعنى جميع ما يقع عليه الصلح بين الرجل وامرأته في مال أو وطء أو غير ذلك .
خير أي خير من الفرقة ؛ فإن التمادي على الخلاف والشحناء والمباغضة هي قواعد الشر ، وقال عليه السلام في البغضة : إنها الحالقة يعني حالقة الدين لا حالقة الشعر .
السادسة : قوله تعالى : وأحضرت الأنفس الشح إخبار بأن الشح في كل أحد .
وأن الإنسان لا بد أن يشح بحكم خلقته وجبلته حتى يحمل صاحبه على بعض ما يكره ؛ يقال : شح يشح ( بكسر الشين ) قال ابن جبير : هو شح المرأة بالنفقة من زوجها وبقسمه لها أيامها .
وقال ابن زيد : الشح هنا منه ومنها .
وقال ابن عطية : وهذا أحسن ؛ فإن الغالب على المرأة الشح بنصيبها من زوجها ، والغالب على الزوج الشح بنصيبه من الشابة .
والشح الضبط على المعتقدات والإرادة وفي الهمم والأموال ونحو ذلك ، فما أفرط منه على الدين فهو محمود ، وما أفرط منه في غيره ففيه بعض المذمة ، وهو الذي قال الله فيه : ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون .
وما صار إلى حيز منع الحقوق الشرعية أو التي تقتضيها المروءة فهو البخل وهي رذيلة .
وإذا آل البخل إلى هذه الأخلاق المذمومة والشيم اللئيمة لم يبق معه خير مرجو ولا صلاح مأمول .
قلت : وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار : من سيدكم ؟ قالوا : الجد بن قيس على بخل فيه .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وأي داء أدوى من البخل ! قالوا : وكيف ذاك يا رسول الله ؟ قال : إن قوما نزلوا بساحل البحر فكرهوا لبخلهم نزول الأضياف بهم فقالوا ليبعد الرجال منا عن النساء حتى يعتذر الرجال إلى الأضياف ببعد النساء وتعتذر النساء ببعد الرجال ، ففعلوا وطال ذلك بهم ، فاشتغل الرجال بالرجال والنساء بالنساء .
وقد تقدم ، ذكره الماوردي .
السابعة : قوله تعالى : : وإن تحسنوا وتتقوا شرط فإن الله كان بما تعملون خبيرا جوابه وهذا خطاب للأزواج من حيث إن للزوج أن يشح ولا يحسن ؛ أي إن تحسنوا وتتقوا في عشرة النساء بإقامتكم عليهن مع كراهيتكم لصحبتهن واتقاء ظلمهن فهو أفضل لكم .

﴿ وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ﴾ [ النساء: 128]

سورة : النساء - الأية : ( 128 )  - الجزء : ( 5 )  -  الصفحة: ( 99 )

English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا
  2. تفسير: حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون
  3. تفسير: ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون
  4. تفسير: أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم
  5. تفسير: يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله
  6. تفسير: والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون
  7. تفسير: إن هو إلا ذكر للعالمين
  8. تفسير: يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله
  9. تفسير: فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين
  10. تفسير: ولد الله وإنهم لكاذبون

تحميل سورة النساء mp3 :

سورة النساء mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة النساء

سورة النساء بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة النساء بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة النساء بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة النساء بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة النساء بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة النساء بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة النساء بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة النساء بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة النساء بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة النساء بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب