تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ آل عمران: 13] .
﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ۖ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ۚ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ﴾
﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ۖ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ۚ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ﴾
[ سورة آل عمران: 13]
القول في تفسير قوله تعالى : قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله ..
تفسير الجلالين | التفسير الميسر | تفسير السعدي |
تفسير البغوي | التفسير الوسيط | تفسير ابن كثير |
تفسير الطبري | تفسير القرطبي | إعراب الآية |
التفسير الميسر : قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة
قد كان لكم -أيها اليهود المتكبرون المعاندون- دلالة عظيمة في جماعتين تقابلتا في معركة "بَدْر": جماعة تقاتل من أجل دين الله، وهم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وجماعة أخرى كافرة بالله، تقاتل من أجل الباطل، ترى المؤمنين في العدد مثليهم رأي العين، وقد جعل الله ذلك سببًا لنصر المسلمين عليهم. والله يؤيِّد بنصره من يشاء من عباده. إن في هذا الذي حدث لَعِظة عظيمة لأصحاب البصائر الذين يهتدون إلى حكم الله وأفعاله.
المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار
قد كان لكم دلالة وعبرة في فرقتين التقتا للقتال يوم بدر، إحداهما فرقة مؤمنة وهي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، تقاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، والأخرى فرقة كافرة وهم كفار مكة الذين خرجوا فخرًا ورياءً وعصبية، يراهم المؤمنون ضِعْفيهم حقيقةً رأي عين، فنصر الله أولياءه، والله يؤيد بنصره من يشاء، إن في ذلك لعبرة وعظة لأصحاب البصائر، ليعلموا أن النصر لأهل الإيمان وإن قَلَّ عددهم، وأن الهزيمة لأهل الباطل وإن كثر عددهم.
تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 13
«قد كان لكم آية» عبرة وذكر الفعل للفصل «في فئتين» فرقتين «التقتا» يوم بدر للقتال «فئة تقاتل في سبيل الله» أي طاعته، وهم النبي وأصحابه وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا معهم فرسَان وست أذرع وثمانية سيوف وأكثرهم رجالة «وأخرى كافرة يرونهم» أي الكفار «مثليهم» أي المسلمين أي أكثر منهم وكانوا نحو ألف «رأي العين» أي رؤية ظاهرة معاينة وقد نصرهم الله مع قلتهم «والله يؤيد» يقِّوي «بنصره من يشاء» نصره «إن في ذلك» المذكور «لعبرة لأولي الأبصار» لذوى البصائر أفلا تعتبرون بذلك فتؤمنون.
تفسير السعدي : قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة
{ قد كان لكم آية }- أي: عبرة عظيمة { في فئتين التقتا } وهذا يوم بدر { فئة تقاتل في سبيل الله } وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه { وأخرى كافرة }- أي: كفار قريش الذين خرجوا من ديارهم بطرا وفخرا ورئاء الناس، ويصدون عن سبيل الله، فجمع الله بين الطائفتين في بدر، وكان المشركون أضعاف المؤمنين، فلهذا قال { يرونهم مثليهم رأي العين }- أي: يرى المؤمنون الكافرين يزيدون عليها زيادة كثيرة، تبلغ المضاعفة وتزيد عليها، وأكد هذا بقوله { رأي العين } فنصر الله المؤمنين وأيدهم بنصره فهزموهم، وقتلوا صناديدهم، وأسروا كثيرا منهم، وما ذاك إلا لأن الله ناصر من نصره، وخاذل من كفر به، ففي هذا عبرة لأولي الأبصار،- أي: أصحاب البصائر النافذة والعقول الكاملة، على أن الطائفة المنصورة معها الحق، والأخرى مبطلة، وإلا فلو نظر الناظر إلى مجرد الأسباب الظاهرة والعدد والعدد لجزم بأن غلبة هذه الفئة القليلة لتلك الفئة الكثيرة من أنواع المحالات، ولكن وراء هذا السبب المشاهد بالأبصار سبب أعظم منه لا يدركه إلا أهل البصائر والإيمان بالله والتوكل على الله والثقة بكفايته، وهو نصره وإعزازه لعباده المؤمنين على أعدائه الكافرين.
تفسير البغوي : مضمون الآية 13 من سورة آل عمران
قوله تعالى : ( قد كان لكم آية ) ولم يقل قد كانت لكم ، والآية مؤنثة لأنه ردها إلى البيان أي قد كان لكم بيان ، فذهب إلى المعنى .وقال الفراء : إنما ذكر لأنه حالت الصفة بين الفعل والاسم المؤنث ، فذكر الفعل ، وكل ما جاء من هذا النحو فهذا وجهه ، فمعنى الآية : قد كان لكم آية أي عبرة ودلالة على صدق ما أقول إنكم ستغلبون ( في فئتين ) فرقتين وأصلها فيء الحرب لأن بعضهم يفيء إلى بعض ( التقتا ) يوم بدر ( فئة تقاتل في سبيل الله ) طاعة الله وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ، ومائتان وستة وثلاثون من الأنصار ، وصاحب راية المهاجرين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة ، وكان فيهم سبعون بعيرا وفرسان فرس للمقداد بن عمرو وفرس لمرثد بن أبي مرثد وأكثرهم رجالة وكان معهم من السلاح ستة أدرع وثمانية سيوفقوله تعالى : ( وأخرى كافرة ) أي فرقة أخرى كافرة وهم مشركو مكة وكانوا تسعمائة وخمسين رجلا من المقاتلة رأسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وفيهم مائة فرس وكانت حرب بدر أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يرونهم مثليهم ) قرأ أهل المدينة ويعقوب بالتاء يعني ترون يا معشر اليهود أهل مكة مثلي المسلمين وذلك أن جماعة من اليهود كانوا حضروا قتال بدر لينظروا على من تكون الدائرة فرأوا المشركين مثلي عدد المسلمين ورأوا النصرة مع ذلك للمسلمين فكان ذلك معجزة وآية ، وقرأ الآخرون بالياء ، واختلفوا في وجهه : فجعل بعضهم الرؤية للمسلمين ثم له تأويلان ، أحدهما يرى المسلمون المشركين مثليهم كما هم ، فإن قيل: كيف قال مثليهم وهم كانوا ثلاثة أمثالهم؟ قيل: هذا مثل قول الرجل وعنده درهم أنا أحتاج إلى مثلي هذا الدرهم يعني إلى مثليه سواه فيكون ثلاثة دراهم والتأويل الثاني - وهو الأصح - كان المسلمون يرون المشركين مثلي عدد أنفسهم ، قللهم الله تعالى في أعينهم حتى رأوهم ستمائة وستة وعشرين ثم قللهم الله في أعينهم في حالة أخرى حتى رأوهم مثل عدد أنفسهم قال ابن مسعود رضي الله عنه : نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدا . ثم قللهم الله تعالى أيضا في أعينهم حتى رأوهم عددا يسيرا أقل من أنفسهم [ قال ابن مسعود رضي الله عنه ] حتى قلت لرجل إلى جنبي : تراهم سبعين ؟ قال : أراهم مائة قال بعضهم : الرؤية راجعة إلى المشركين يعني يرى المشركون المسلمين مثليهم قللهم الله قبل القتال في أعين المشركين ليجترئ المشركون عليهم ولا ينصرفوا فلما أخذوا في القتال كثرهم الله في أعين المشركين ليجبنوا وقللهم في أعين المؤمنين ليجترئوا فذلك قوله تعالى " وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم " ( 44 - الأنفال ) .قوله تعالى : ( رأي العين ) أي في رأي العين نصب بنزع حرف الصنعة ( والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك ) الذي ذكرت ( لعبرة لأولي الأبصار ) لذوي العقول ، وقيل لمن أبصر الجمعين
التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية
ثم ساق القرآن مثلا مشاهدا يدل على نصر الله-تبارك وتعالى- لأوليائه وخذلانه لأعدائه، فقال:قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ، يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ.والمراد بالآية هنا العلامة والبرهان والشاهد على صدق الشيء المخبر عنه.والفئة- كما يقول القرطبي- الجماعة من الناس، وسميت الجماعة من الناس فئة لأنها يفاء إليها، أى يرجع إليها في وقت الشدة، ولا خلاف في أن الإشارة بهاتين الفئتين هي إلى يوم بدر. ثم قال: ويحتمل أن يكون المخاطب بهذه الآية جميع المؤمنين، ويحتمل أن يخاطب بها جميع الكفار، ويحتمل أن يخاطب بها يهود المدينة، وبكل احتمال منها قد قال قوم. وفائدة الخطاب للمؤمنين تثبيت النفوس وتشجيعها، حتى يقدموا على مثليهم وأمثالهم كما قد وقع .والمعنى: قد كان لكم أيها الناس علامة عظيمة، ودلالة واضحة على أن الكافرين سيغلبون والمؤمنين سينصرون بما جرى في غزوة بدر، فقد رأيتم كيف أن الله-تبارك وتعالى- قد نصر لمؤمنين مع قلة عددهم، وهزم الكافرين مع كثرة عددهم وعددهم. ولقد كان المؤمنون يرون أعداءهم أكثر منهم عددا وعدة ومع ذلك لم يهابوهم ولم يجبنوا عن لقائهم، بل أقدموا على قتالهم بإيمان وشجاعة فرزقهم الله النصر على أعدائهم.ووصف- سبحانه - الفئة المؤمنة بأنها تقاتل في سبيل الله، على سبيل المدح لها، والإعلاء من شأنها، وبيان الغاية السامية التي من أجلها قاتلت، ومن أجلها تم لها النصر فهي لم تقاتل لأجل عرض من أعراض الدنيا، وإنما قاتلت لإعلاء كلمة الله ونصرة الحق.ووصف الفتنة الأخرى بأنها كافرة لأنها لم تؤمن بالحق، ولم تتبع الطريق المستقيم، بل كفرت بكل ما يصلحها في دينها ودنياها.ولم يصفها بالقتال كما وصف الفئة المؤمنة. إسقاطا لقتال تلك الفئة الكافرة عن درجة الاعتبار، وإيذانا بأن الرعب الذي ألقاه الله في قلوبهم عند لقائهم للمؤمنين، جعلهم بأنهم ليسوا أهلا لأن يوصفوا بالقتال.هذا وللعلماء أقوال في المراد من قوله-تبارك وتعالى- يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذه الأقوال فقال: يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ أى: يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين أى قريبا من ألفين، أو مثلي عدد المسلمين أى ستمائة ونيفا وعشرين. أراهم الله إياهم مع قلتهم أضعافهم ليهابوهم ويجبنوا عن قتالهم. وكان ذلك مددا لهم من الله كما أمدهم بالملائكة. والدليل عليه قراءة نافع تَرَوْنَهُمْ بالتاء، أى ترون يا مشركي قريش المسلمين مثلي فئتكم الكافرة، أو مثلي أنفسهم. فإن قلت فهذا مناقض لقوله في سورة الأنفال وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ قلت: قللوا أولا في أعينهم حتى اجترءوا عليهم: فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا، فكان التقليل والتكثير في حالين مختلفين.. وتقليلهم تارة وتكثيرهم تارة أخرى في أعينهم أبلغ في القدرة وإظهار الآية. وقيل: يرى المسلمون المشركين مثلي المسلمين على ما قرر عليه أمرهم من مقاومة الواحد الاثنين في قوله فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ.بعد ما كلفوا أن يقاوم الواحد العشرة في قوله-تبارك وتعالى- إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ .والذي نراه أن الرأى الذي عبر عنه صاحب الكشاف بقوله: وقيل: يرى المسلمون المشركين مثلي المسلمين.. إلخ هذا الرأى هو أقرب الأقوال إلى الصواب لأن المسلمين في غزوة بدر كانوا أقل عددا وعدة من المشركين، ولأن التعبير بقوله-تبارك وتعالى- رَأْيَ الْعَيْنِ يفيد أن رؤية هذه الكثرة من المشركين كانت رؤية بصرية بالمشاهدة، وليست بالتقدير أو التخيل، وهذا يتحقق في رؤية المؤمنين للمشركين:فإن قيل: إن المشركين في بدر كانوا ثلاثة أمثال المؤمنين تقريبا- كما حكى لنا التاريخ- ولم يكونوا مثليهم أى ضعفهم؟فالجواب على ذلك أن هذا التقدير للمشركين من جانب المؤمنين كان تقديرا تقريبيا وليس تقديرا عدديا، فثلاثة الأمثال قد ترى رأى العين مثلين أو نقول: إن المراد بكلمة مثلين مجرد التكرار وليس المراد بها التثنية على الحقيقة، كما في قوله-تبارك وتعالى- فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ، فالمراد تكرار النظر مرة ومرات وليس المراد التحديد بكرتين.وقد رجح ابن جرير الطبري هذا الرأى، فقد قال بعد سرده لجملة من أقوال العلماء: وأولى هذه القراءات بالصواب: قراءة من قرأ يَرَوْنَهُمْ بمعنى: وأخرى كافرة يراهم المسلمون مثليهم، يعنى: مثلي عدد المسلمين، لتقليل الله إياهم في أعينهم في حال. فكان حزرهم إياهم كذلك. ثم قال: وأما قوله: رَأْيَ الْعَيْنِ فإنه مصدر رأيته. يقال رأيته رأيا ورؤية، ويقال هو منى رأى العين، ورأى العين- بالنصب والرفع- يراد حيث يقع عليه بصرى.. فمعنى ذلك: يرونهم حيث تلحقهم أبصارهم وتراهم عيونهم مثليهم» .وقوله-تبارك وتعالى- قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ.. إلخ من تمام القول المأمور به جيء به لتقرير وتحقيق ما قبله. وكانَ هنا ناقصة، وآيَةٌ اسمها، وترك التأنيث في- كان- لوجود الفاصل بينها وبين اسمها. ولأن المرفوع بها وهو اسمها مجازى التأنيث أو باعتبار أن الآية برهان ودليل.وقوله لَكُمْ خبر كان. وقوله فِئَةٌ خبر لمبتدأ محذوف أى. إحداهما فئة تقاتل في سبيل الله. وقوله وَأُخْرى نعت لمقدر أى وفئة أخرى كافرة. والجملة مستأنفة لتقرير «ما في الفئتين من الآية» ثم ختم- سبحانه - الآية الكريمة بقوله وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ.أى: والله-تبارك وتعالى- يؤيد بنصره من يشاء نصره وفوزه، فهو القادر على أن يجعل الفئة القليلة تغلب الفئة الكثيرة، لا راد لمشيئته ولا معقب لحكمه وإن الذين يغترون بقوتهم وحدها، ويغترون بما بين أيديهم من أموال وعتاد ورجال، ولا يعملون حسابا للقدر، الذي يجريه الله على حسب مشيئته وإرادته هؤلاء الذين غرهم بالله الغرور، تداهمهم الهزيمة من حيث لا يحتسبون، وقد يفجؤهم الخسران والخذلان من الطريق الذي توهموا فيه الكسب والانتصار.لذا أمر الله-تبارك وتعالى- عباده بالاعتبار والاتعاظ فقال: إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ واسم الإشارة ذلك يعود إلى المذكور الذي رأوه وشاهدوه وهو أن الفئة القليلة المؤمنة غلبت الفئة الكثيرة الكافرة.والعبرة- الاعتبار والاتعاظ وأصله من العبور وهو النفور من أحد الجانبين إلى الآخر، وسمى الاتعاظ عبرة، لأن المعتبر المتعظ يعبر من الجهل إلى العلم، ومن الهلاك إلى النجاة، أى: إن في ذلك الذي شاهده الناس وعاينوه من انتصار الفئة القليلة التي تقاتل في سبيل الله، على الفئة الكثيرة التي تقاتل في سبيل الطاغوت، لعبرة عظيمة، ودلالة واضحة، لأصحاب المدارك السليمة والعقول الواعية التي تفهم الأمور على حقيقتها، وتؤمن بأن الله-تبارك وتعالى- قادر على كل شيء، أما أصحاب القلوب المطموسة والنفوس المغرورة بقوتها. فهي عن الاعتبار والاتعاظ بمعزل.قال الفخر الرازي ما ملخصه: «واعلم أن العلماء ذكروا في تفسير كون تلك الواقعة آية بينة وعبرة واضحة- وجوها: منها أن المسلمين كان قد اجتمع فيهم من أسباب الضعف عن المقاومة أمور منها قلة العدد، وأنهم خرجوا غير قاصدين للحرب فلم يتأهبوا، ومنه قلة السلاح، ومنها أنها كانت ابتداء غارة في الحرب لأنها أول غزوات الرسول صلّى الله عليه وسلّم وكان قد حصل للمشركين أضداد هذه المعاني من الكثرة والتأهب وغير ذلك ومع هذا فقد انتصر المؤمنون، ولما كان ذلك خارجا عن العادة كان معجزا».وبذلك تكون الآيات الكريمة قد أنذرت الكافرين بسوء العاقبة إذا ما استمروا على كفرهم، وساقت لهم ما يؤيد ذلك من واقع ما شاهدوه، وبشرت المؤمنين بنصر الله لهم، وحثتهم على الاتعاظ والاعتبار، لأن من شأن المعتبرين أن يكونوا مراقبين الله-تبارك وتعالى- ومنفذين لأوامره، ومبتعدين عن نواهيه، ومن كان كذلك كان الله معه بنصره وتأييده.ثم بين- سبحانه - أهم الشهوات التي يؤدى الانهماك في طلبها إلى الانحراف في التفكير، وإلى عدم التبصر والاعتبار، ودعا الناس إلى التزود من العمل الصالح الذي يفضى بهم إلى رضاه- سبحانه - فقال:
قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة: تفسير ابن كثير
ولهذا قال تعالى : { قد كان لكم آية } أي: قد كان لكم - أيها اليهود القائلون ما قلتم - { آية } أي: دلالة على أن الله معز دينه ، وناصر رسوله ، ومظهر كلمته ، ومعل أمره { في فئتين } أي: طائفتين { التقتا } أي: للقتال { فئة تقاتل في سبيل الله } وهم المسلمون ، { وأخرى كافرة } وهم مشركو قريش يوم بدر .
وقوله : { يرونهم مثليهم رأي العين } قال بعض العلماء - فيما حكاه ابن جرير : يرى المشركون يوم بدر المسلمين مثليهم في العدد رأي أعينهم ، أي: جعل الله ذلك فيما رأوه سببا لنصرة الإسلام عليهم . وهذا لا إشكال عليه إلا من جهة واحدة ، وهي أن المشركين بعثوا عمر بن سعد يومئذ قبل القتال يحزر لهم المسلمين ، فأخبرهم بأنهم ثلاثمائة ، يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا . وهكذا كان الأمر ، كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ثم لما وقع القتال أمدهم الله بألف من خواص الملائكة وساداتهم .
والقول الثاني : " أن المعنى في قوله : { يرونهم مثليهم رأي العين } أي: ترى الفئة المسلمة الفئة الكافرة مثليهم ، أي: ضعفيهم في العدد ، ومع هذا نصرهم الله عليهم . وهذا لا إشكال فيه على ما رواه العوفي ، عن ابن عباس أن المؤمنين كانوا يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا والمشركين كانوا ستمائة وستة وعشرين رجلا . وكأن هذا القول مأخوذ من ظاهر هذه الآية ، ولكنه خلاف المشهور عند أهل التواريخ والسير وأيام الناس ، وخلاف المعروف عند الجمهور من أن المشركين كانوا ما بين التسعمائة إلى الألف كما رواه محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأل ذلك العبد الأسود لبني الحجاج عن عدة قريش ، فقال : كثير ، قال : " كم ينحرون كل يوم ؟ " قال : يوما تسعا ويوما عشرا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " القوم ما بين التسعمائة إلى الألف " .
وروى أبو إسحاق السبيعي ، عن حارثة ، عن علي ، قال : كانوا ألفا ، وكذا قال ابن مسعود . والمشهور أنهم كانوا ما بين التسعمائة إلى الألف ، وعلى كل تقدير فقد كانوا ثلاثة أمثال المسلمين ، وعلى هذا فيشكل هذا القول والله أعلم . لكن وجه ابن جرير هذا ، وجعله صحيحا كما تقول : عندي ألف وأنا محتاج إلى مثليها ، وتكون محتاجا إلى ثلاثة آلاف ، كذا قال . وعلى هذا فلا إشكال .
لكن بقي سؤال آخر وهو وارد على القولين ، وهو أن يقال : ما الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى في قصة بدر : { وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا } ؟ [ الأنفال : 44 ] والجواب : أن هذا كان في حال ، والآخر كان في حال أخرى ، كما قال السدي ، عن الطيب عن ابن مسعود في قوله : { قد كان لكم آية في فئتين التقتا [ فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين ] } الآية ، قال : هذا يوم بدر . قال عبد الله بن مسعود : وقد نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا ، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدا ، وذلك قوله تعالى : { وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم } .
وقال أبو إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جانبي تراهم سبعين ؟ قال : أراهم مائة . قال : فأسرنا رجلا منهم فقلنا : كم كنتم ؟ قال : ألفا . فعندما عاين كل الفريقين الآخر رأى المسلمون المشركين مثليهم ، أي: أكثر منهم بالضعف ، ليتوكلوا ويتوجهوا ويطلبوا الإعانة من ربهم ، عز وجل . ورأى المشركون المؤمنين كذلك ليحصل لهم الرعب والخوف والجزع والهلع ، ثم لما حصل التصاف والتقى الفريقان قلل الله هؤلاء في أعين هؤلاء ، وهؤلاء في أعين هؤلاء ، ليقدم كل منهما على الآخر .
{ ليقضي الله أمرا كان مفعولا } أي: ليفرق بين الحق والباطل ، فيظهر كلمة الإيمان على الكفر ، ويعز المؤمنين ويذل الكافرين ، كما قال تعالى : { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة } [ آل عمران : 123 ] وقال هاهنا : { والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار } أي: إن في ذلك لمعتبرا لمن له بصيرة وفهم يهتدي به إلى حكم الله وأفعاله ، وقدره الجاري بنصر عباده المؤمنين في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد .
تفسير القرطبي : معنى الآية 13 من سورة آل عمران
قوله تعالى : قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصارقوله تعالى : قد كان لكم آية أي علامة . وقال كان ولم يقل " كانت " لأن آية تأنيثها غير حقيقي . وقيل : ردها إلى البيان ، أي قد كان لكم بيان ; فذهب إلى المعنى وترك اللفظ ; كقول امرئ القيس :برهرهة رؤده رخصة كخرعوبة البانة المنفطرولم يقل المنفطرة ; لأنه ذهب إلى القضيب . وقال الفراء : ذكره لأنه فرق بينهما بالصفة ، فلما حالت الصفة بين الاسم والفعل ذكر الفعل . وقد مضى هذا المعنى في البقرة في قوله تعالى : كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصيةفي فئتين التقتا يعني المسلمين والمشركين يوم بدر فئة قرأ الجمهور فئة بالرفع ، بمعنى إحداهما فئة . وقرأ الحسن ومجاهد " فئة " بالخفض وأخرى كافرة على البدل . وقرأ ابن أبي عبلة بالنصب فيهما . قال أحمد بن يحيى : ويجوز النصب على الحال ، أي التقتا مختلفتين مؤمنة وكافرة . قال الزجاج : النصب بمعنى أعني . وسميت الجماعة من الناس فئة لأنها يفاء إليها ، أي يرجع إليها في وقت الشدة . وقال الزجاج : الفئة الفرقة ، مأخوذة من فأوت رأسه بالسيف - ويقال : فأيته - إذا فلقته . ولا خلاف أن الإشارة بهاتين الفئتين هي إلى يوم بدر . واختلف من المخاطب بها ; فقيل : يحتمل أن يخاطب بها المؤمنون ، ويحتمل أن يخاطب بها جميع الكفار ، ويحتمل أن يخاطب بها يهود المدينة ; وبكل احتمال منها قد قال قوم . وفائدة الخطاب للمؤمنين تثبيت النفوس وتشجيعها حتى يقدموا على مثليهم وأمثالهم كما قد وقع .قوله تعالى : يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار قال أبو علي الرؤية في هذه الآية رؤية عين ; ولذلك تعدت إلى مفعول واحد . قال مكي والمهدوي : يدل عليه رأي العين . وقرأ نافع " ترونهم " بالتاء والباقون بالياء . مثليهم نصب على الحال من الهاء والميم في " ترونهم " . والجمهور من الناس على أن الفاعل بترون هم المؤمنون ، والضمير المتصل هو للكفار . وأنكر أبو عمرو أن يقرأ " ترونهم " بالتاء ; قال : ولو كان كذلك لكان مثليكم . قال النحاس " وذا لا يلزم ، ولكن يجوز أن يكون مثلي أصحابكم . قال مكي : " ترونهم " بالتاء جرى على الخطاب في " لكم " فيحسن أن يكون الخطاب للمسلمين ، والهاء والميم للمشركين . وقد كان يلزم من قرأ بالتاء أن يقرأ مثليكم بالكاف ، وذلك لا يجوز لمخالفة الخط ; ولكن جرى الكلام على الخروج من الخطاب إلى الغيبة ، كقوله تعالى : حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ، وقوله تعالى : وما آتيتم من زكاة فخاطب ثم قال : فأولئك هم المضعفون فرجع إلى الغيبة . فالهاء والميم في مثليهم يحتمل أن يكون للمشركين ، أي ترون أيها المسلمون المشركين مثلي ما هم عليه من العدد ; وهو بعيد في المعنى ; لأن الله تعالى لم يكثر المشركين في أعين المسلمين بل أعلمنا أنه قللهم في أعين المؤمنين ، فيكون المعنى ترون أيها المؤمنون المشركين مثليكم في العدد وقد كانوا ثلاثة أمثالهم ، فقلل الله المشركين في أعين المسلمين فأراهم إياهم مثلي عدتهم لتقوى أنفسهم ويقع التجاسر ، وقد كانوا أعلموا أن المائة منهم تغلب المائتين من الكفار ، وقلل المسلمين في أعين المشركين ليجترئوا عليهم فينفذ حكم الله فيهم . ويحتمل أن يكون الضمير في مثليهم للمسلمين ، أي ترون أيها المسلمون المسلمين مثلي ما أنتم عليه من العدد ، أي ترون أنفسكم مثلي عددكم ; فعل الله ذلك بهم لتقوى أنفسهم على لقاء المشركين . والتأويل الأول أولى ; يدل عليه قوله تعالى : إذ يريكهم الله في منامك قليلا ، وقوله : وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا وروي عن ابن مسعود أنه قال : قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين ؟ قال : أظنهم مائة فلما أخذنا الأسارى أخبرونا أنهم كانوا ألفا . وحكى الطبري عن قوم أنهم قالوا : بل كثر الله عدد المؤمنين في عيون الكافرين حتى كانوا عندهم ضعفين . وضعف الطبري هذا القول . قال ابن عطية : وكذلك هو مردود من جهات . بل قلل الله المشركين في أعين المؤمنين كما تقدم . وعلى هذا التأويل كان يكون " ترون " للكافرين ، أي ترون أيها الكافرون المؤمنين مثليهم ، ويحتمل مثليكم ، على ما تقدم . وزعم الفراء أن المعنى ترونهم مثليهم ثلاثة أمثالهم . وهو بعيد غير معروف في اللغة . قال الزجاج : وهذا باب الغلط ، فيه غلط في جميع المقاييس ; لأنا إنما نعقل مثل الشيء مساويا له ، ونعقل مثله ما يساويه مرتين . قال ابن كيسان : وقد بين الفراء قوله بأن قال : كما تقول وعندك عبد : أحتاج إلى مثله ، فأنت محتاج إليه وإلى مثله . وتقول : أحتاج إلى مثليه ، فأنت محتاج إلى ثلاثة . والمعنى على خلاف ما قاله ، واللغة . والذي أوقع الفراء في هذا أن المشركين كانوا ثلاثة أمثال المؤمنين يوم بدر ; فتوهم أنه لا يجوز أن يكونوا يرونهم إلا على عدتهم ، وهذا بعيد وليس المعنى عليه . وإنما أراهم الله على غير عدتهم لجهتين : إحداهما أنه رأى الصلاح في ذلك ، لأن المؤمنين تقوى قلوبهم بذلك . والأخرى أنه آية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وسيأتي ذكر وقعة بدر إن شاء الله تعالى . وأما قراءة الياء فقال ابن كيسان : الهاء والميم في يرونهم عائدة على وأخرى كافرة والهاء والميم في مثليهم عائدة على فئة تقاتل في سبيل الله وهذا من الإضمار الذي يدل عليه سياق الكلام ، وهو قوله : يؤيد بنصره من يشاء . فدل ذلك على أن الكافرين كانوا مثلي المسلمين في رأي العين وثلاثة أمثالهم في العدد . قال : والرؤية هنا لليهود . وقال مكي : الرؤية للفئة المقاتلة في سبيل الله ، والمرئية الفئة الكافرة ; أي ترى الفئة المقاتلة في سبيل الله الفئة الكافرة مثلي الفئة المؤمنة ، وقد كانت الفئة الكافرة ثلاثة أمثال المؤمنة فقللهم الله في أعينهم على ما تقدم . والخطاب في لكم لليهود . وقرأ ابن عباس وطلحة " ترونهم " بضم التاء ، والسلمي بالتاء المضمومة على ما لم يسم فاعله .والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار تقدم معناه والحمد لله .
English | Türkçe | Indonesia |
Русский | Français | فارسی |
تفسير | انجليزي | اعراب |
تفسير آيات من القرآن الكريم
- تفسير: كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا
- تفسير: ألا تتبعن أفعصيت أمري
- تفسير: ولو ألقى معاذيره
- تفسير: الذين هم على صلاتهم دائمون
- تفسير: ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين
- تفسير: ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون
- تفسير: قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين
- تفسير: هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون
- تفسير: أم عندهم الغيب فهم يكتبون
- تفسير: وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم
تحميل سورة آل عمران mp3 :
سورة آل عمران mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة آل عمران
ماهر المعيقلي
سعد الغامدي
عبد الباسط
أحمد العجمي
المنشاوي
الحصري
مشاري العفاسي
ناصر القطامي
فارس عباد
ياسر الدوسري
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب