1. التفسير الميسر
  2. تفسير الجلالين
  3. تفسير السعدي
  4. تفسير البغوي
  5. التفسير الوسيط
تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ آل عمران: 159] .

  
   

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾
[ سورة آل عمران: 159]

القول في تفسير قوله تعالى : فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا ..


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

التفسير الميسر : فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت


فبرحمة من الله لك ولأصحابك -أيها النبي- منَّ الله عليك فكنت رفيقًا بهم، ولو كنت سيِّئ الخُلق قاسي القلب، لانْصَرَفَ أصحابك من حولك، فلا تؤاخذهم بما كان منهم في غزوة "أُحد"، واسأل الله -أيها النبي- أن يغفر لهم، وشاورهم في الأمور التي تحتاج إلى مشورة، فإذا عزمت على أمر من الأمور -بعد الاستشارة- فأَمْضِه معتمدًا على الله وحده، إن الله يحب المتوكلين عليه.

المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار


فبسبب رحمة من الله عظيمة كان خُلُقك - أيها النبي - سهلًا مع أصحابك، ولو كنت شديدًا في قولك وفعلك، قاسي القلب لتفرقوا عنك، فتجاوز عنهم تقصيرهم في حقك، واطلب لهم المغفرة، واطلب رأيهم فيما يحتاج إلى مشورة، فإذا عقدت عزمك على أمر بعد المشاورة فامض فيه، وتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين عليه فيوفقهم ويؤيدهم.

تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 159


«فبما رحمة من الله لِنْتَ» يا محمد «لهم» أي سهلت أخلاقك إذ خالفوك «ولو كنت فظا» سيء الخُلُق «غليظ القلب» جافيا فأغلظت لهم «لا نفضُّوا» تفرقوا «من حولك فاعف» تجاوز «عنهم» ما أتوه «واستغفر لهم» ذنوبهم حتى أغفر لهم «وشاورهم» استخرج آراءهم «في الأمر» أي شأنك من الحرب وغيرة تطيبيا لقلوبهم ولستن بك وكان صلى الله عليه وسلم كثير المشاورة لهم. (فإذا عزمت) على إمضاء ما تريد بعد المشاورة «فَتوكَّلْ على الله» ثق به لا بالمشاورة «إن الله يحب المتوكلين» عليه.

تفسير السعدي : فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت


أي: برحمة الله لك ولأصحابك، منَّ الله عليك أن ألنت لهم جانبك، وخفضت لهم جناحك، وترققت عليهم، وحسنت لهم خلقك، فاجتمعوا عليك وأحبوك، وامتثلوا أمرك.
{ ولو كنت فظا }- أي: سيئ الخلق { غليظ القلب }- أي: قاسيه، { لانفضوا من حولك } لأن هذا ينفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيئ.
فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدين، تجذب الناس إلى دين الله، وترغبهم فيه، مع ما لصاحبه من المدح والثواب الخاص، والأخلاق السيئة من الرئيس في الدين تنفر الناس عن الدين، وتبغضهم إليه، مع ما لصاحبها من الذم والعقاب الخاص، فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول، فكيف بغيره؟! أليس من أوجب الواجبات، وأهم المهمات، الاقتداء بأخلاقه الكريمة، ومعاملة الناس بما يعاملهم به صلى الله عليه وسلم، من اللين وحسن الخلق والتأليف، امتثالا لأمر الله، وجذبا لعباد الله لدين الله.
ثم أمره الله تعالى بأن يعفو عنهم ما صدر منهم من التقصير في حقه صلى الله عليه وسلم، ويستغفر لهم في التقصير في حق الله، فيجمع بين العفو والإحسان.
{ وشاورهم في الأمر }- أي: الأمور التي تحتاج إلى استشارة ونظر وفكر، فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره: منها: أن المشاورة من العبادات المتقرب بها إلى الله.
ومنها: أن فيها تسميحا لخواطرهم، وإزالة لما يصير في القلوب عند الحوادث، فإن من له الأمر على الناس -إذا جمع أهل الرأي: والفضل وشاورهم في حادثة من الحوادث- اطمأنت نفوسهم وأحبوه، وعلموا أنه ليس بمستبد عليهم، وإنما ينظر إلى المصلحة الكلية العامة للجميع، فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته، لعلمهم بسعيه في مصالح العموم، بخلاف من ليس كذلك، فإنهم لا يكادون يحبونه محبة صادقة، ولا يطيعونه وإن أطاعوه فطاعة غير تامة.
ومنها: أن في الاستشارة تنور الأفكار، بسبب إعمالها فيما وضعت له، فصار في ذلك زيادة للعقول.
ومنها: ما تنتجه الاستشارة من الرأي: المصيب، فإن المشاور لا يكاد يخطئ في فعله، وإن أخطأ أو لم يتم له مطلوب، فليس بملوم، فإذا كان الله يقول لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو أكمل الناس عقلا، وأغزرهم علما، وأفضلهم رأيا-: { وشاورهم في الأمر } فكيف بغيره؟! ثم قال تعالى: { فإذا عزمت }- أي: على أمر من الأمور بعد الاستشارة فيه، إن كان يحتاج إلى استشارة { فتوكل على الله }- أي: اعتمد على حول الله وقوته، متبرئا من حولك وقوتك، { إن الله يحب المتوكلين } عليه، اللاجئين إليه.

تفسير البغوي : مضمون الآية 159 من سورة آل عمران


قوله تعالى : ( فبما رحمة من الله ) أي : فبرحمة من الله و " ما " ) صلة كقوله ( فبما نقضهم ) ( لنت لهم ) أي : سهلت لهم أخلاقك وكثرة احتمالك ولم تسرع إليهم فيما كان منهم يوم أحد ، ( ولو كنت فظا ) يعني : جافيا سيئ الخلق قليل الاحتمال ، ( غليظ القلب ) قال الكلبي : فظا في القول غليظ القلب في الفعل ، ( لانفضوا من حولك ) أي : لنفروا وتفرقوا عنك ، يقال : فضضتهم فانفضوا أي فرقتهم فتفرقوا ( فاعف عنهم ) تجاوز عنهم ما أتوا يوم أحد ، ( واستغفر لهم ) حتى أشفعك فيهم ، ( وشاورهم في الأمر ) أي : استخرج آراءهم واعلم ما عندهم من قول العرب : شرت الدابة وشورتها إذا استخرجت جريها ، وشرت العسل وأشرته إذا أخذته من موضعه واستخرجته .
واختلفوا في المعنى الذي لأجله أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالمشاورة مع كمال عقله وجزالة رأيه ونزول الوحي عليه ووجوب طاعته على الخلق فيما أحبوا وكرهوا .
فقال بعضهم : هو خاص في المعنى أي : وشاورهم فيما ليس عندك فيه من الله تعالى عهد ، قال الكلبي : يعني ناظرهم في لقاء العدو ومكايد الحرب عند الغزو .
وقال مقاتل وقتادة : أمر الله تعالى بمشاورتهم تطييبا لقلوبهم ، فإن ذلك أعطف لهم عليه وأذهب لأضغانهم ، فإن سادات العرب كانوا إذا لم يشاوروا في الأمر شق ذلك عليهم .
وقال الحسن : قد علم الله عز وجل أنه ما به إلى مشاورتهم حاجة ولكنه أراد أن يستن به من بعده .
أخبرنا أبو طاهر المطهر بن علي بن عبد الله الفارسي : أخبرنا أبو ذر محمد بن إبراهيم بن علي الصالحاني ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان ، أخبرنا علي بن العباس المقانعي أخبرنا أحمد بن ماهان ، أخبرني أبي ، أخبرنا طلحة بن زيد ، عن عقيل عن الزهري عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : " ما رأيت رجلا أكثر استشارة للرجال من رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
قوله تعالى : ( فإذا عزمت فتوكل على الله ) لا على مشاورتهم أي : قم بأمر الله وثق به واستعنه ، ( إن الله يحب المتوكلين ) .

التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية


فالخطاب في قوله-تبارك وتعالى- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.. ألخ للنبي صلّى الله عليه وسلّم.
والفاء لترتيب مضمون الكلام على ما ينبئ عنه السياق من استحقاق الفارين والمخالفين للملامة والتعنيف منه.
صلّى الله عليه وسلّم بمقتضى الجبلة البشرية.
والباء هنا للسببية، و «ما» مزيدة للتأكيد ولتقوية معنى الرحمة «لنت» من لان يلين لينا وليانا بمعنى الرفق وسعة الخلق و «الفظ» الغليظ الجافي في المعاشرة قولا وفعلا.
وأصل الفظ- كما يقول الراغب- ماء الكرش وهو مكروه شربه بمقتضى الطبع ولا يشرب إلا في أشد حالات الضرورة.
وغلظ القلب عبارة عن قسوته وقلة تأثره من الغلظة ضد الرقة، وتنشأ عن هذه الغلظة الفظاظة والجفاء.
والمعنى: فبسبب رحمة عظيمة فياضة منحك الله إياها يا محمد كنت لينا مع أتباعك في كل أحوالك، ولكن بدون إفراط أو تفريط، فقد وقفت من أخطائهم التي وقعوا فيها في غزوة أحد موقف القائد الحكيم الملهم فلم تعنفهم على ما وقع منهم وأنت تراهم قد استغرقهم الحزن والهم.. بل كنت لينا رفيقا معهم.
وهكذا القائد الحكيم لا يكثر من لوم جنده على أخطائهم الماضية، لأن كثرة اللوم والتعنيف قد تولد اليأس، وإنما يلتفت إلى الماضي ليأخذ منه العبرة والعظة لحاضره ومستقبله ويغرس في نفوس الذين معه ما يحفز همتهم ويشحذ عزيمتهم ويجعلهم ينظرون إلى حاضرهم ومستقبلهم بثقة وإطمئنان وبصيرة مستنيرة.
وإن الشدة في غير موضعها تفرق ولا تجمع وتضعف ولا تقوى، ولذا قال-تبارك وتعالى- وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.
أى ولو كنت- يا محمد- كريه الخلق، خشن الجانب، جافيا في أقوالك وأفعالك، قاسى القلب لا تتأثر لما يصيب أصحابك.. ولو كنت كذلك لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ أى لتفرقوا عنك ونفروا منك ولم يسكنوا إليك.
فالجملة الكريمة تنفى عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يكون فظا أو غليظا، لأن «لو» تدل على نفى الجواب لنفى الشرط.
أى أنك لست- يا محمد- فظا ولا غليظ القلب ولذلك التف أصحابك من حولك يفتدونك بأرواحهم وبكل مرتخص وغال، ويحبونك حبا يفوق حبهم لأنفسهم ولأولادهم ولآبائهم ولأحب الأشياء إليهم.
وقال- سبحانه - وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لينفى عنه صلّى الله عليه وسلّم القسوة والغلظة في الظاهر والباطن: إذ القسوة الظاهرية تبدو أكثر ما تبدو في الفظاظة التي هي خشونة الجانب، وجفاء الطبع، والقسوة الباطنية تكون بسبب يبوسة القلب، وغلظ النفس وعدم تأثرها بما يصيب غيرها.
والرسول صلّى الله عليه وسلّم كان مبرأ من كل ذلك، ويكفى أن الله-تبارك وتعالى- قد قال في وصفه:لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ .
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: إنى أرى صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الكتب المتقدمة.
إنه ليس بفظ، ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح،.
ولقد كان من أخلاقه صلّى الله عليه وسلّم مداراة الناس إلا أن يكون في المداراة حق مضيع فعن عائشة رضى الله عنها، قالت: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الله أمرنى بمداراة الناس كما أمرنى بإقامة الفرائض».
ثم أمر الله تعالى، نبيه صلّى الله عليه وسلّم، بما يترتب على الرفق والبشاشة فقال: فَاعْفُ عَنْهُمْ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ، وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ.
فالفاء هنا تفيد ترتيب ما بعدها على ما قبلها، أى أنه يترتب على لين جانبك مع أصحابك، ورحمتك بهم، أن تعفو عنهم فيما وقعوا فيه من أخطاء تتعلق بشخصك أو ما وقعوا فيه من مخالفات أدت إلى هزيمتهم في أحد، فقد كانت زلة منهم وقد أدبهم الله عليها.
وأن تلتمس من الله تعالى، أن يغفر لهم ما فرط منهم، إذ في إظهارك ذلك لهم تأكيد لعفوك عنهم.
وتشجيع لهم على الطاعة والاستجابة لأمرك.
وأن تشاورهم في الأمر أى في أمر الحرب ونحوه مما تجرى فيه المشاورة في العادة من الأمور التي تهم الأمة.
وقد جاءت هذه الأوامر للنبي صلّى الله عليه وسلّم، على أحسن نسق، وأحكم ترتيب، لأن الله تعالى أمره أولا بالعفو عنهم فيما يتعلق بخاصة نفسه، فإذا ما انتهوا إلى هذا المقام، أمره بأن يستغفر لهم ما بينهم وبين الله تعالى، لتنزاح عنهم التبعات، فإذا صاروا إلى هذه الدرجة، أمره بأن يشاورهم في الأمر لأنهم قد أصبحوا أهلا لهذه المشاورة.
ولقد تكلم العلماء كلاما طويلا عن حكم المشورة وعن معناها، وعن فوائدها، فقد قال القرطبي ما ملخصه: والاستشارة مأخوذة من قول العرب: شرت الدابة وشوّرتها، إذا علمت خبرها وحالها يجرى أو غيره.. وقد يكون من قولهم: شرت العسل واشترته، إذا أخذته من موضعه.
ثم قال: واختلف أهل التأويل في المعنى الذي أمر الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يشاور فيه أصحابه فقالت طائفة: ذلك في مكائد الحروب، وعند لقاء العدو، تطييبا لنفوسهم ورفعا لأقدارهم وإن كان الله-تبارك وتعالى- قد أغناه عن رأيهم بوحيه.
وقال آخرون: ذلك فيما لم يأته فيه وحى.
فقد قال الحسن: ما أمر الله-تبارك وتعالى- نبيه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم، وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشاورة من الفضل وليقتدى به أمته من بعده.
ثم قال: والشورى من قواعد الشريعة، وعزائم الأحكام، والذي لا يستشير أهل العلم والدين- والخبرة- فعزله واجب وهذا لا خلاف فيه.
وقد استشار النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه في كثير من الأمور، وقال «المستشار مؤتمن» وقال «ما ندم من استشار ولا خاب من استخار» وقال: «ما شقي قط عبد بمشورة وما سعد باستغناء رأى» .
وقال البخاري: «وكانت الأمة بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها» .
وقال الفخر الرازي ما ملخصه: «اتفقوا على أن كل ما نزل فيه وحى من عند الله لم يجز للرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يشاور فيه الأمة، لأنه إذا جاء النص بطل الرأى والقياس، فأما مالا نص فيه فهل تجوز المشاورة فيه في جميع الأشياء أولا؟قال بعضهم: هذا الأمر مخصوص بالمشاورة في الحروب، لأن الألف واللام في لفظ «الأمر» تعود على المعهود السابق وهو ما يتعلق بالحروب- إذ الكلام في غزوة أحد-.
وقال آخرون: اللفظ عام خص منه ما نزل فيه وحي فتبقى حجته في الباقي وظاهر الأمر في قوله وَشاوِرْهُمْ للوجوب وحمله الشافعى على الندب.. .
والحق أن الشورى أصل من أصول الحكم في الإسلام، وقد استشار النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه في غزوات بدر وأحد والأحزاب وفي غير ذلك من الأمور التي تتعلق بمصالح المسلمين، وسار على هذا المنهج السلف الصالح من هذه الأمة.
ولقد كان عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- يكتب لعماله يأمرهم بالتشاور ويتمثل لهم في كتبه بقول الشاعر:خليلي ليس الرأى في صدر واحد ...
أشيرا على بالذي تريانوقد تمدح الحكماء والشعراء بفضيلة الشورى وما يترتب عليها من خير ومنفعة ومن ذلك قول بشار بن برد:إذا بلغ الرأى المشورة فاستعن ...
برأى نصيح أو نصيحة حازمولا تحسب الشورى عليك غضاضة ...
فإن الخوافي قوة للقوادموالحكام العقلاء المنصفون المتحرون للحق والعدل هم الذين يقيمون حكمهم على مبدأ الشورى ولا يعادى الشورى من الحكام إلا أحد اثنين:إما رجل قد أصيب بداء الغرور والتعالي، فهو يتوهم أن قوله هو الحق الذي لا يخالطه باطل، وأنه ليس محتاجا إلى مشورة غيره وإما رجل ظالم مستبد مجانب للحق، فهو ينفذ ما يريده بدون مشورة أحد لأنه يخشى إذا استشار غيره أن يطلع الناس على ظلمه وجوره وفجوره.
هذا ومتى تمت المشورة على أحسن الوجوه وأصلحها واستقرت الأمور على وجه معين، فعلى العاقل أن يمضى على ما استقر عليه الرأى بدون تردد أو تخاذل، ولذا قال- سبحانه - فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ.
أى فإذا عقدت نيتك على إتمام الأمر وإمضائه بعد المشاورة السليمة وبعد أن تبين لك وجه السداد فيما يجب أن تسلكه فبادر بتنفيذ ما عقدت العزم على تنفيذه، وفَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أى اعتمد عليه في الوصول إلى غايتك، فإن الله-تبارك وتعالى- يحب المعتمدين عليه، المفوضين أمورهم إليه مع مباشرة الأسباب التي شرعها لهم لكي يصلوا إلى مطلوبهم.
فالجملة الكريمة تأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم وتأمر كل من يتأتى له الخطاب بأن يبذل أقصى جهده لمعرفة ما هو صواب بأن يستشير أهل الخبرة كل في مجال تخصصه فإذا ما استقر رأيه على وجهة نظر معينة- بعد أن درسها دراسة فاحصة واستشار العقلاء الأمناء فيها- فعليه أن يبادر إلى تنفيذها بدون تردد فإن التردد يضيع الأوقات والتأخر كثيرا ما يحول الحسنات إلى سيئات وعليه مع حسن الاستعداد أن يكون معتمدا على الله، مظهرا العجز أمام قدرته- سبحانه - لأنه هو الخالق للأسباب والمسببات وهو القادر على تغييرها.
وكم من أناس اعتمدوا على قوتهم وحدها، أو على مباشرتهم للأسباب وحدها دون أن يجعلوا للاعتماد على الله مكانا في نفوسهم، فكانت نتيجتهم الفشل والخذلان وكانت الهزيمة المنكرة المرة التي اكتسبوها بسبب غرورهم وفجورهم وفسوقهم عن أمر الله.
ورحم الله القائلإذا لم يكن عون من الله للفتى ...
فأول ما يجنى عليه اجتهاده

فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت: تفسير ابن كثير


يقول تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم ، ممتنا عليه وعلى المؤمنين فيما ألان به قلبه على أمته ، المتبعين لأمره ، التاركين لزجره ، وأطاب لهم لفظه : { فبما رحمة من الله لنت لهم } أي: أي شيء جعلك لهم لينا لولا رحمة الله بك وبهم .
قال قتادة : { فبما رحمة من الله لنت لهم } يقول : فبرحمة من الله لنت لهم . و " ما " صلة ، والعرب تصلها بالمعرفة كقوله : { فبما نقضهم ميثاقهم } [ النساء : 155 ، المائدة : 13 ] وبالنكرة كقوله : { عما قليل } [ المؤمنون : 40 ] وهكذا هاهنا قال : { فبما رحمة من الله لنت لهم } أي: برحمة من الله .
وقال الحسن البصري : هذا خلق محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله به .
وهذه الآية الكريمة شبيهة بقوله تعالى : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } [ التوبة : 128 ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حيوة ، حدثنا بقية ، حدثنا محمد بن زياد ، حدثني أبو راشد الحبراني قال : أخد بيدي أبو أمامة الباهلي وقال : أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا أبا أمامة ، إن من المؤمنين من يلين لي قلبه " . انفرد به أحمد .
ثم قال تعالى : { ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك } الفظ : الغليظ ، [ و ] المراد به هاهنا غليظ الكلام ، لقوله بعد ذلك : { غليظ القلب } أي: لو كنت سيئ الكلام قاسي القلب عليهم لانفضوا عنك وتركوك ، ولكن الله جمعهم عليك ، وألان جانبك لهم تأليفا لقلوبهم ، كما قال عبد الله بن عمرو : إنه رأى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة : أنه ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح .
وروى أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي ، أنبأنا بشر بن عبيد الدارمي ، حدثنا عمار بن عبد الرحمن ، عن المسعودي ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض " حديث غريب .
ولهذا قال تعالى : { فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر } ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر إذا حدث ، تطييبا لقلوبهم ، ليكونوا فيما يفعلونه أنشط لهم [ كما ] شاورهم يوم بدر في الذهاب إلى العير فقالوا : يا رسول الله ، لو استعرضت بنا عرض البحر لقطعناه معك ، ولو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك ، ولا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ، ولكن نقول : اذهب ، فنحن معك وبين يديك وعن يمينك وعن [ شمالك ] مقاتلون .
وشاورهم - أيضا - أين يكون المنزل ؟ حتى أشار المنذر بن عمرو المعنق ليموت ، بالتقدم إلى أمام القوم ، وشاورهم في أحد في أن يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدو ، فأشار جمهورهم بالخروج إليهم ، فخرج إليهم .
وشاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ ، فأبى عليه ذلك السعدان : سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ، فترك ذلك .
وشاورهم يوم الحديبية في أن يميل على ذراري المشركين ، فقال له الصديق : إنا لم نجئ لقتال أحد ، وإنما جئنا معتمرين ، فأجابه إلى ما قال .
وقال عليه السلام في قصة الإفك : " أشيروا علي معشر المسلمين في قوم أبنوا أهلي ورموهم ، وايم الله ما علمت على أهلي من سوء ، وأبنوهم بمن - والله - ما علمت عليه إلا خيرا " . واستشار عليا وأسامة في فراق عائشة ، رضي الله عنها .
فكان [ صلى الله عليه وسلم ] يشاورهم في الحروب ونحوها . وقد اختلف الفقهاء : هل كان ذلك واجبا عليه أو من باب الندب تطييبا لقلوبهم ؟ على قولين .
وقد قال الحاكم في مستدركه : حدثنا أبو جعفر محمد بن محمد البغدادي ، حدثنا يحيى بن أيوب العلاف بمصر ، حدثنا سعيد بن [ أبي ] مريم ، أنبأنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس في قوله : { وشاورهم في الأمر } قال : أبو بكر وعمر ، رضي الله عنهما . ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
وهكذا رواه الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : نزلت في أبي بكر وعمر ، وكانا حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه وأبوي المسلمين .
وقد روى الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا عبد الحميد ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر : " لو اجتمعنا في مشورة ما خالفتكما " .
وروى ابن مردويه ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزم ؟ قال " مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم " .
وقد قال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يحيى بن أبي بكير عن شيبان عن عبد الملك بن عمير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المستشار مؤتمن " .
ورواه أبو داود والترمذي ، وحسنه [ و ] النسائي ، من حديث عبد الملك بن عمير بأبسط منه .
ثم قال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أسود بن عامر ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن أبي عمرو الشيباني ، عن أبي مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المستشار مؤتمن " . تفرد به .
[ وقال أيضا ] وحدثنا أبو بكر ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة وعلي بن هاشم ، عن ابن أبي ليلى ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه . تفرد به أيضا .
وقوله : { فإذا عزمت فتوكل على الله } أي: إذا شاورتهم في الأمر وعزمت عليه فتوكل على الله فيه { إن الله يحب المتوكلين }

تفسير القرطبي : معنى الآية 159 من سورة آل عمران


قوله تعالى : فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين" ما " صلة فيها معنى التأكيد ، أي فبرحمة ; كقوله : عما قليل فبما نقضهم ميثاقهم جند ما هنالك مهزوم .
وليست بزائدة على الإطلاق ، وإنما أطلق عليها سيبويه معنى الزيادة من حيث زال عملها .
ابن كيسان : " ما " نكرة في موضع جر بالباء ورحمة بدل منها .
ومعنى الآية : أنه عليه السلام لما رفق بمن تولى يوم أحد ولم يعنفهم بين الرب تعالى أنه إنما فعل ذلك بتوفيق الله تعالى إياه .
وقيل : " ما " استفهام .
والمعنى : فبأي رحمة من الله لنت لهم ; فهو تعجيب .
وفيه بعد ; لأنه لو كان كذلك لكان " فبم " بغير ألف .
لنت من لان يلين لينا وليانا بالفتح .
والفظ الغليظ الجافي .
فظظت تفظ فظاظة وفظاظا فأنت فظ .
والأنثى فظة والجمع أفظاظ .
وفي صفة النبي عليه السلام ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ; وأنشد المفضل في المذكر :وليس بفظ في الأداني والأولى يؤمون جدواه ولكنه سهل وفظ على أعدائه يحذرونهفسطوته حتف ونائله جزلوقال آخر في المؤنث :أموت من الضر في منزلي وغيري يموت من الكظهودنيا تجود على الجاهلي ن وهي على ذي النهى فظهوغلظ القلب عبارة عن تجهم الوجه ، وقلة الانفعال في الرغائب ، وقلة الإشفاق والرحمة ، ومن ذلك قول الشاعر :يبكى علينا ولا نبكي على أحد لنحن أغلظ أكبادا من الإبلومعنى لانفضوا لتفرقوا ; فضضتهم فانفضوا ، أي فرقتهم فتفرقوا ; ومن ذلك قول أبي النجم يصف إبلا :مستعجلات القيض غير جرد ينفض عنهن الحصى بالصمدوأصل الفض الكسر ; ومنه قولهم : لا يفضض الله فاك .
والمعنى : يا محمد لولا رفقك لمنعهم الاحتشام والهيبة من القرب منك بعد ما كان من توليهم .
قوله تعالى : فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فيه ثمان مسائل : الأولى : قال العلماء : أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بهذه الأوامر التي هي بتدريج بليغ ; وذلك أنه أمره بأن يعفو عنهم ما له في خاصته عليهم من تبعة ; فلما صاروا في هذه الدرجة أمره أن يستغفر فيما لله عليهم من تبعة أيضا ، فإذا صاروا في هذه الدرجة صاروا أهلا للاستشارة في الأمور .
قال أهل اللغة : الاستشارة مأخوذة من قول العرب : شرت الدابة وشورتها إذا علمت خبرها بجري أو غيره .
ويقال للموضع الذي تركض فيه : مشوار .
وقد يكون من قولهم : شرت العسل واشترته فهو مشور ومشتار إذا أخذته من موضعه ، قال عدي بن زيد :في سماع يأذن الشيخ له وحديث مثل ماذي مشارالثانية : قال ابن عطية : والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ; من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب .
هذا ما لا خلاف فيه .
وقد مدح الله المؤمنين بقوله : وأمرهم شورى بينهم .
قال أعرابي : ما غبنت قط حتى يغبن قومي ; قيل : وكيف ذلك ؟ قال لا أفعل شيئا حتى أشاورهم .
وقال ابن خويز منداد : واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون ، وفيما أشكل عليهم من أمور الدين ، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب ، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح ، ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها .
وكان يقال : ما ندم من استشار .
وكان يقال : من أعجب برأيه ضل .
الثالثة : قوله تعالى : وشاورهم في الأمر يدل على جواز الاجتهاد في الأمور والأخذ بالظنون مع إمكان الوحي ; فإن الله أذن لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك .
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي أمر الله نبيه عليه السلام أن يشاور فيه أصحابه ; فقالت طائفة : ذلك في مكائد الحروب ، وعند لقاء العدو ، وتطييبا لنفوسهم ، ورفعا لأقدارهم ، وتألفا على دينهم ، وإن كان الله تعالى قد أغناه عن رأيهم بوحيه .
روي هذا عن قتادة والربيع وابن إسحاق والشافعي .
قال الشافعي : هو كقوله ( والبكر تستأمر ) تطيبا لقلبها ; لا أنه واجب .
وقال مقاتل وقتادة والربيع : كانت سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شق عليهم : فأمر الله تعالى ; نبيه عليه السلام أن يشاورهم في الأمر : فإن ذلك أعطف لهم عليه وأذهب لأضغانهم ، وأطيب لنفوسهم .
فإذا شاورهم عرفوا إكرامه لهم .
وقال آخرون : ذلك فيما لم يأته فيه وحي .
روي ذلك عن الحسن البصري والضحاك قالا : ما أمر الله تعالى نبيه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم ، وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشاورة من الفضل ، ولتقتدي به أمته من بعده .
وفي قراءة ابن عباس : " وشاورهم في بعض الأمر " ولقد أحسن القائل :شاور صديقك في الخفي المشكل واقبل نصيحة ناصح متفضلفالله قد أوصى بذاك نبيه في قوله : ( شاورهم ) و ( توكل )جاء في مصنف أبي داود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : المستشار مؤتمن .
قال العلماء : وصفة المستشار إن كان في الأحكام أن يكون عالما دينا ، وقلما يكون ذلك إلا في عاقل .
قال الحسن : ما كمل دين امرئ ما لم يكمل عقله .
فإذا استشير من هذه صفته واجتهد في الصلاح وبذل جهده فوقعت الإشارة خطأ فلا غرامة عليه ; قاله الخطابي وغيره .
الخامسة : وصفة المستشار في أمور الدنيا أن يكون عاقلا مجربا وادا في المستشير .
قال :شاور صديقك في الخفي المشكلوقد تقدم .
وقال آخر :وإن باب أمر عليك التوى فشاور لبيبا ولا تعصهفي أبيات .
والشورى بركة .
وقال عليه السلام : ما ندم من استشار ولا خاب من استخار .
وروى سهل بن سعد الساعدي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شقي قط عبد بمشورة وما سعد باستغناء رأي .
وقال بعضهم : شاور من جرب الأمور ; فإنه يعطيك من رأيه ما وقع عليه غاليا وأنت تأخذه مجانا .
وقد جعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الخلافة - وهي أعظم النوازل - شورى .
قال البخاري : وكانت الأئمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها .
وقال سفيان الثوري : ليكن أهل مشورتك أهل التقوى والأمانة ، ومن يخشى الله تعالى .
وقال الحسن : والله ما تشاور قوم بينهم إلا هداهم لأفضل ما يحضر بهم .
وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر معهم من اسمه أحمد أو محمد فأدخلوه في مشورتهم إلا خير لهم .
السادسة : والشورى مبنية على اختلاف الآراء ، والمستشير ينظر في ذلك الخلاف ، وينظر أقربها قولا إلى الكتاب والسنة إن أمكنه ، فإذا أرشده الله تعالى إلى ما شاء منه عزم عليه وأنفذه متوكلا عليه ، إذ هذه غاية الاجتهاد المطلوب ; وبهذا أمر الله تعالى نبيه في هذه الآية .
السابعة : قوله تعالى : فإذا عزمت فتوكل على الله قال قتادة : أمر الله تعالى نبيه عليه السلام إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويتوكل على الله ، لا على مشاورتهم .
والعزم هو الأمر المروى المنقح ، وليس ركوب الرأي دون روية عزما ، إلا على مقطع المشيحين من فتاك العرب ; كما قال :إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ونكب عن ذكر العواقب جانباولم يستشر في رأيه غير نفسه ولم يرض إلا قائم السيف صاحباوقال النقاش : العزم والحزم واحد ، والحاء مبدلة من العين .
قال ابن عطية : وهذا خطأ ; فالحزم جودة النظر في الأمر وتنقيحه والحذر من الخطأ فيه .
والعزم قصد الإمضاء ; والله تعالى يقول : وشاورهم في الأمر فإذا عزمت .
فالمشاورة وما كان في معناها هو الحزم .
والعرب تقول : قد أحزم لو أعزم .
وقرأ جعفر الصادق وجابر بن زيد : " فإذا عزمت " بضم التاء .
نسب العزم إلى نفسه سبحانه إذ هو بهدايته وتوفيقه ; كما قال : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى .
ومعنى الكلام أي عزمت لك ووفقتك وأرشدتك فتوكل على الله .
والباقون بفتح التاء .
قال المهلب : وامتثل هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - من أمر ربه فقال : لا ينبغي لنبي يلبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله .
أي ليس ينبغي له إذا عزم أن ينصرف ; لأنه نقض للتوكل الذي شرطه الله عز وجل مع العزيمة .
فلبسه لأمته - صلى الله عليه وسلم - حين أشار عليه بالخروج يوم أحد من أكرمه الله بالشهادة فيه ، وهم صلحاء المؤمنين ممن كان فاتته بدر : يا رسول الله اخرج بنا إلى عدونا ; دال على العزيمة .
وكان - صلى الله عليه وسلم - أشار بالقعود ، وكذلك عبد الله بن أبي أشار بذلك وقال : أقم يا رسول الله ولا تخرج إليهم بالناس ، فإن هم أقاموا أقاموا بشر مجلس ، وإن جاءونا إلى المدينة قاتلناهم في الأفنية وأفواه السكك ، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من الآطام ، فوالله ما حاربنا قط عدو في هذه المدينة إلا غلبناه ، ولا خرجنا منها إلى عدو إلا غلبنا .
وأبى هذا الرأي من ذكرنا ، وشجعوا الناس ودعوا إلى الحرب .
فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمعة ، ودخل إثر صلاته بيته ولبس سلاحه ، فندم أولئك القوم وقالوا : أكرهنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; فلما خرج عليهم في سلاحه قالوا : يا رسول الله ، أقم إن شئت فإنا لا نريد أن نكرهك ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا ينبغي لنبي إذا لبس سلاحه أن يضعها حتى يقاتل .
الثامنة : قوله تعالى : فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين التوكل : الاعتماد على الله مع إظهار العجز ، والاسم التكلان .
يقال منه : اتكلت عليه في أمري ، وأصله : " اوتكلت " قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، ثم أبدلت منها التاء وأدغمت في تاء الافتعال .
ويقال : وكلته بأمري توكيلا ، والاسم الوكالة بكسر الواو وفتحها .
واختلف العلماء في التوكل ; فقالت طائفة من المتصوفة : لا يستحقه إلا من لم يخالط قلبه خوف غير الله من سبع أو غيره ، وحتى يترك السعي في طلب الرزق لضمان الله تعالى .
وقال عامة الفقهاء : ما تقدم ذكره عند قوله تعالى : وعلى الله فليتوكل المؤمنون .
وهو الصحيح كما بيناه .
وقد خاف موسى وهارون بإخبار الله تعالى عنهما في قوله لا تخافا .
وقال : فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف وأخبر عن إبراهيم بقوله : فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف .
فإذا كان الخليل وموسى الكليم قد خافا - وحسبك بهما - فغيرهما أولى .
وسيأتي بيان هذا المعنى .

﴿ فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ﴾ [ آل عمران: 159]

سورة : آل عمران - الأية : ( 159 )  - الجزء : ( 4 )  -  الصفحة: ( 71 )

English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: قال ربكم ورب آبائكم الأولين
  2. تفسير: يقول الإنسان يومئذ أين المفر
  3. تفسير: هذه النار التي كنتم بها تكذبون
  4. تفسير: ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر
  5. تفسير: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال
  6. تفسير: له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى
  7. تفسير: والذي هو يطعمني ويسقين
  8. تفسير: إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون
  9. تفسير: قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون
  10. تفسير: وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا

تحميل سورة آل عمران mp3 :

سورة آل عمران mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة آل عمران

سورة آل عمران بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة آل عمران بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة آل عمران بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة آل عمران بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة آل عمران بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة آل عمران بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة آل عمران بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة آل عمران بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة آل عمران بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة آل عمران بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

رحمة , الله , غليظ , القلب , استغفر , شاورهم , الأمر , عزمت , توكل , الله , يحب , المتوكلين , اعف+عنهم , استغفر+لهم , وشاورهم+في+الأمر , توكل+على+الله , الله+يحب+المتوكلين ,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب