تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ الأنفال: 17] .
﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
[ سورة الأنفال: 17]
القول في تفسير قوله تعالى : فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ..
تفسير الجلالين | التفسير الميسر | تفسير السعدي |
تفسير البغوي | التفسير الوسيط | تفسير ابن كثير |
تفسير الطبري | تفسير القرطبي | إعراب الآية |
التفسير الميسر : فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ
فلم تقتلوا -أيها المؤمنون- المشركين يوم "بدر"، ولكن الله قتلهم، حيث أعانكم على ذلك، وما رميت حين رميت -أيها النبي- ولكن الله رمى، حيث أوصل الرمية التي رميتها إلى وجوه المشركين؛ وليختبر المؤمنين بالله ورسوله ويوصلهم بالجهاد إلى أعلى الدرجات، ويعرِّفهم نعمته عليهم، فيشكروا له سبحانه على ذلك. إن الله سميع لدعائكم وأقوالكم ما أسررتم به وما أعلنتم، عليم بما فيه صلاح عباده.
المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار
فلم تقتلوا - أيها المؤمنون - يوم بدر المشركين بحولكم وقوتكم، ولكن الله أعانكم على ذلك، وما رميت - أيها النبي - المشركين حين رميتهم، ولكن الله هو الذي رماهم حين أوصل رميتك إليهم، وليختبر المؤمنين بما أنعم عليهم من إظهارهم على عدوهم مع ما هم فيه من قلة العَدَدِ والعُدَدِ ليشكروه، إن الله سميع لدعائكم وأقوالكم، عليم بأعمالكم، وبما فيه صلاحكم.
تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 17
«فلم تقتلوهم» ببدر بقوتكم «ولكنَّ الله قتلهم» بنصره إيّاكم «وما رميت» يا محمد لأعين القوم «إذ رميت» بالحصى لأن كفا من الحصى لا يملأ عيون الجيش الكثير برمية بشر «ولكنَّ الله رمى» بإيصال ذلك إليهم فعل ذلك ليقهر الكافرين «وليبلي المؤمنين منه بلاءً» عطاء «حسنا» هو الغنيمة «إن الله سميع» لأقوالهم «عليم» بأحوالهم.
تفسير السعدي : فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ
يقول تعالى ـ لما انهزم المشركون يوم بدر، وقتلهم المسلمون - {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ} بحولكم وقوتكم {وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} حيث أعانكم على ذلك بما تقدم ذكره. {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} وذلك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقت القتال دخل العريش وجعل يدعو اللّه، ويناشده في نصرته،ثم خرج منه، فأخذ حفنة من تراب، فرماها في وجوه المشركين، فأوصلها اللّه إلى وجوههم،فما بقي منهم واحد إلا وقد أصاب وجهه وفمه وعينيه منها، فحينئذ انكسر حدهم، وفتر زندهم، وبان فيهم الفشل والضعف، فانهزموا. يقول تعالى لنبيه: لست بقوتك ـ حين رميت التراب ـ أوصلته إلى أعينهم، وإنما أوصلناه إليهم بقوتنا واقتدارنا. {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا} أي: إن اللّه تعالى قادر على انتصار المؤمنين من الكافرين، من دون مباشرة قتال، ولكن اللّه أراد أن يمتحن المؤمنين، ويوصلهم بالجهاد إلى أعلى الدرجات، وأرفع المقامات، ويعطيهم أجرا حسنا وثوابًا جزيلًا. {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يسمع تعالى ما أسر به العبد وما أعلن، ويعلم ما في قلبه من النيات الصالحة وضدها، فيقدر على العباد أقدارا موافقة لعلمه وحكمته ومصلحة عباده، ويجزي كلا بحسب نيته وعمله.
تفسير البغوي : مضمون الآية 17 من سورة الأنفال
قوله تعالى : ( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ) قال مجاهد سبب هذه الآية أنهم لما انصرفوا عن القتال كان الرجل يقول : أنا قتلت فلانا ويقول الآخر مثله ، فنزلت الآية . ومعناه : فلم تقتلوهم أنتم بقوتكم ولكن الله قتلهم بنصره إياكم وتقويته لكم .وقيل: لكن الله قتلهم بإمداد الملائكة .( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) قال أهل التفسير والمغازي : ندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس ، فانطلقوا حتى نزلوا بدرا ، ووردت عليهم روايا قريش ، وفيهم أسلم ، غلام أسود لبني الحجاج ، وأبو يسار ، غلام لبني العاص بن سعيد ، فأتوا بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال لهما : أين قريش؟ قالا هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى - والكثيب : العقنقل - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهما : كم القوم؟ قالا كثير ، قال : ما عدتهم؟ قالا لا ندري ، قال : كم ينحرون كل يوم؟ قالا يوما عشرة ويوما تسعة ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " القوم ما بين التسعمائة إلى الألف " ثم قال لهما : فمن فيهم من أشراف قريش؟ قالا عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو البختري ابن هشام ، وحكيم بن حزام ، والحارث بن عامر ، وطعيمة بن عدي ، والنضر بن الحارث ، وأبو جهل بن هشام ، وأمية بن خلف ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وسهيل بن عمرو . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها " فلما أقبلت قريش ورآها رسول الله تصوب من العقنقل ، وهو الكثيب الذي جاءوا منه إلى الوادي ، قال لهم : هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني ، فأتاه جبريل عليه السلام وقال له : خذ قبضة من تراب فارمهم بها ، فلما التقى الجمعان تناول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفا من حصى عليه تراب ، فرمى به في وجوه القوم ، وقال : شاهت الوجوه ، فلم يبق منهم مشرك إلا دخل في عينيه وفمه ومنخريه منها شيء ، فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم .وقال قتادة ، وابن زيد : ذكر لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمى بحصاة في ميمنة القوم وبحصاة في ميسرة القوم وبحصاة بين أظهرهم ، وقال : شاهت الوجوه ، فانهزموا ، فذلك قوله تعالى : " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " ، إذ ليس في وسع أحد من البشر أن يرمي كفا من الحصا إلى وجوه جيش فلا يبقى فيهم عين إلا ويصيبها منه شيء .وقيل: معنى الآية وما بلغت إذ رميت ولكن الله بلغ .وقيل: وما رميت بالرعب في قلوبهم إذ رميت بالحصباء ولكن الله رمى بالرعب في قلوبهم حتى انهزموا ، ( وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا ) أي : ولينعم على المؤمنين نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة ، ( إن الله سميع ) لدعائكم ، ( عليم ) بنياتكم .
التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية
ثم بين لهم- سبحانه - بعض مظاهر فضله عليهم ليزدادوا شكرا له، وطاعة لأمره فقال-تبارك وتعالى-: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ، وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى، وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.قال القرطبي: قوله-تبارك وتعالى-: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ، أى يوم بدر.روى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صدروا عن بدر.ذكر كل واحد منهم ما فعل فقال: قتلت كذا، وأسرت كذا، فجاء من ذلك تفاخر ونحو ذلك. فنزلت الآية إعلاما بأن الله هو المميت والمقدر لجميع الأشياء، وأن العبد إنما يشارك بكسبه وقصده ... ».وقال ابن كثير: قال على بن طلحة عن ابن عباس: رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه- يعنى يوم بدر- فقال: «يا رب إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا، فقال جبريل: «خذ قبضة من التراب فارم بها في وجوههم» فأخذ قبضة من التراب فرمى بها في وجوههم، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين.وقال السدى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى يوم بدر «أعطنى حصا من الأرض» فناوله حصا عليه تراب، فرمى به في وجوه القوم، فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه من ذلك التراب شيء، ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم، وأنزل الله: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى ...وقال أبو معشر المدني عن محمد بن قيس ومحمد بن كعب القرظي قالا: لما دنا القوم بعضهم من بعض أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم وقال:«شاهت الوجوه» ، فدخلت في أعينهم كلهم. وأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله. وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى .وهناك روايات أخرى ذكرت أن قوله-تبارك وتعالى- وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى المقصود به رميه صلى الله عليه وسلم لأبى بن خلف يوم أحد، أو رميه لكنانة بن أبى الحقيق في غزوة خيبر، أو رميه المشركين في غزوة حنين.قال ابن كثير: وقد روى في هذه القصة عن عروة ومجاهد وعكرمة وقتادة وغير واحد من الأئمة أنها نزلت في رمية النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ... وسياق الآية في سورة الأنفال في قصة بدر لا محالة، وهذا مما لا يخفى على أئمة العلم.والمعنى: إنكم- أيها المؤمنون- لم تقتلوا المشركين في بدر بقوتكم وشجاعتكم، ولكن الله-تبارك وتعالى- هو الذي أظفركم بحوله وقوته، بأن خذلهم، وقذف في قلوبهم الرعب، وقوى قلوبكم، وأمدكم بالملائكة، ومنحكم من معونته ورعايته ما بلغكم هذا النصر.والفاء في قوله: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ.. يرى صاحب الكشاف أنها جواب شرط محذوف تقديره: إن افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ لأنه هو الذي أنزل الملائكة، وألقى الرعب في قلوبهم، وشاء النصر والظفر وأذهب عن قلوبكم الفزع والجزع.وقوله: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بطريق التلوين.أى: وَما رَمَيْتَ بالرعب في قلوب الأعداء إِذْ رَمَيْتَ في وجوههم بالحصباء يوم بدر وَلكِنَّ اللَّهَ-تبارك وتعالى- هو الذي رَمى بالرعب في قلوبهم فهزمهم ونصركم عليهم.أو المعنى: ما أوصلت الحصباء إلى أعينهم إذ رميتهم بها، ولكن الله هو الذي أوصلها إليها.ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الجملة الكريمة: يعنى أن الرمية التي رميتها- يا محمد- لم ترمها أنت على الحقيقة، لأنك لو رميتها ما بلغ أثرها إلا ما يبلغه أثر رمى البشر، ولكنها كانت رمية الله، حيث أثرت ذلك الأثر العظيم.. فأثبت الرمية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن صورتها وجدت منه، ونفاها عنه، لأن أثرها الذي لا تطيقه البشر فعل الله- عز وجل -، فكان الله-تبارك وتعالى- هو فاعل الرمية على الحقيقة، وكأنها لم توجد من الرسول صلى الله عليه وسلم أصلا.وقال الآلوسى: واستدل بالآية على أن أفعال العباد بخلقه-تبارك وتعالى- وإنما لهم كسبها ومباشرتها وقال الإمام: أثبت- سبحانه - كونه صلى الله عليه وسلم راميا، ونفى كونه راميا، فوجب حمله على أنه صلى الله عليه وسلم رمى كسبا، والله-تبارك وتعالى- رمى خلقا.فإن قيل: لماذا ذكر مفعول القتل منفيا ومثبتا ولم يذكر للرمي مفعول قط؟فالجواب- كما يقول أبو السعود-: «أن المقصود الأصلى بيان حال الرمي نفيا وإثباتا، إذ هو الذي ظهر منه ما ظهر، وهو المنشأ لتغير المرمى به في نفسه وتكثره إلى حيث أصاب عيني كل واحد من أولئك الأمة الجمة شيء من ذلك».وقوله- سبحانه -: وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً بيان لبعض وجوه حكمته- سبحانه - في خذلان الكافرين، ونصر المؤمنين.وقوله لِيُبْلِيَ من البلاء بمعنى الاختبار. وهو يكون بالنعمة لإظهار الشكر، كما يكون بالمحنة لإظهار الصبر. والمراد به هنا: الإحسان والنعمة والعطاء، ليزداد المؤمنون شكرا لربهم الذي وهبهم ما وهب من نعم.واللام للتعليل متعلقة بمحذوف مؤخر.والمعنى، ولكي يحسن- سبحانه - إلى عباده المؤمنين، وينعم عليهم بالنصر والغنائم، ليزدادوا شكرا له، فعل ما فعل من خذلان الكافرين وإذلالهم.وقوله إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ تذييل قصد به الحض على طاعة الله، والتحذير من معصيته، أى: إن الله سميع لأقوالكم ودعائكم، عليم بضمائركم وقلوبكم، فاستبقوا الخيرات لتنالوا المزيد من رعايته ونصره.
فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ: تفسير ابن كثير
يبين تعالى أنه خالق أفعال العباد ، وأنه المحمود على جميع ما صدر عنهم من خير ؛ لأنه هو الذي وفقهم لذلك وأعانهم ؛ ولهذا قال : { فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم } أي: ليس بحولكم وقوتكم قتلتم أعداءكم مع كثرة عددهم وقلة عددكم ، أي: بل هو الذي أظفركم [ بهم ونصركم ] عليهم كما قال تعالى : { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة [ فاتقوا الله لعلكم تشكرون ] } [ آل عمران : 123 ] . وقال تعالى : { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين } [ التوبة : 25 ] يعلم - تبارك وتعالى - أن النصر ليس عن كثرة العدد ، ولا بلبس اللأمة والعدد ، وإنما النصر من عند الله تعالى كما قال : { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين } [ البقرة : 249 ] .
ثم قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - أيضا في شأن القبضة من التراب ، التي حصب بها وجوه المشركين يومبدر ، حين خرج من العريش بعد دعائه وتضرعه واستكانته ، فرماهم بها وقال : شاهت الوجوه . ثم أمر الصحابة أن يصدقوا الحملة إثرها ، ففعلوا ، فأوصل الله تلك الحصباء إلى أعين المشركين ، فلم يبق أحد منهم إلا ناله منها ما شغله عن حاله ؛ ولهذا قال [ تعالى ] { وما رميت إذ رميت } أي: هو الذي بلغ ذلك إليهم ، وكبتهم بها لا أنت .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه - يعني يوم بدر - فقال : يا رب إن تهلك هذه العصابة ، فلن تعبد في الأرض أبدا . فقال له جبريل : خذ قبضة من التراب ، فارم بها في وجوههم ، فأخذ قبضة من التراب ، فرمى بها في وجوههم ، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة ، فولوا مدبرين .
وقال السدي : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه - يوم بدر : أعطني حصبا من الأرض . فناوله حصبا عليه تراب ، فرمى به في وجوه القوم ، فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه من ذلك التراب شيء ، ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم ، وأنزل الله : { فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى }
وقال أبو معشر المدني ، عن محمد بن قيس ومحمد بن كعب القرظي قالا لما دنا القوم بعضهم من بعض ، أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبضة من تراب ، فرمى بها في وجوه القوم ، وقال : شاهت الوجوه . فدخلت في أعينهم كلهم ، وأقبل أصحاب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقتلونهم ويأسرونهم ، وكانت هزيمتهم في رمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله : { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى }
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : في قوله [ تعالى ] { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } قال : هذا يوم بدر ، أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث حصيات فرمى بحصاة [ في ] ميمنة القوم ، وحصاة في ميسرة القوم ، وحصاة بين أظهرهم ، وقال : شاهت الوجوه ، فانهزموا .
وقد روي في هذه القصة عن عروة بن الزبير ، ومجاهد وعكرمة ، وقتادة وغير واحد من الأئمة : أنها نزلت في رمية النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر ، وإن كان قد فعل ذلك يوم حنين أيضا .
وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا أحمد بن منصور ، حدثنا يعقوب بن محمد ، حدثنا عبد العزيز بن عمران ، حدثنا موسى بن يعقوب بن عبد الله بن زمعة ، عن يزيد بن عبد الله ، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة ، عن حكيم بن حزام قال : لما كان يوم بدر ، سمعنا صوتا وقع من السماء ، كأنه صوت حصاة وقعت في طست ، ورمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الرمية ، فانهزمنا .
غريب من هذا الوجه . وهاهنا قولان آخران غريبان جدا .
أحدهما : قال ابن جرير : حدثني محمد بن عوف الطائي ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان بن عمرو ، حدثنا عبد الرحمن بن جبير ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم ابن أبي الحقيق بخيبر ، دعا بقوس ، فأتى بقوس طويلة ، وقال : جيئوني غيرها . فجاءوا بقوس كبداء ، فرمى النبي - صلى الله عليه وسلم - الحصن ، فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق ، وهو في فراشه ، فأنزل الله - عز وجل - : { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى }
وهذا غريب ، وإسناده جيد إلى عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، ولعله اشتبه عليه ، أو أنه أراد أن الآية تعم هذا كله ، وإلا فسياق الآية في سورة الأنفال في قصة بدر لا محالة ، وهذا مما لا يخفى على أئمة العلم ، والله أعلم .
والثاني : روى ابن جرير أيضا ، والحاكم في مستدركه ، بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب والزهري أنهما قالا أنزلت في رمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد أبي بن خلف بالحربة وهو في لأمته ، فخدشه في ترقوته ، فجعل يتدأدأ عن فرسه مرارا ، حتى كانت وفاته [ بها ] بعد أيام ، قاسى فيها العذاب الأليم موصولا بعذاب البرزخ المتصل بعذاب الآخرة .
وهذا القول عن هذين الإمامين غريب أيضا جدا ، ولعلهما أرادا أن الآية تتناوله بعمومها ، لا أنها نزلت فيه خاصة كما تقدم ، والله أعلم .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير في قوله : { وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا } أي: ليعرف المؤمنين من نعمته عليهم ، من إظهارهم على عدوهم مع كثرة عدوهم ، وقلة عددهم ، ليعرفوا بذلك حقه ، ويشكروا بذلك نعمته .
وهكذا فسر ذلك ابن جرير أيضا . وفي الحديث : وكل بلاء حسن أبلانا .
وقوله : { إن الله سميع عليم } أي: سميع الدعاء ، عليم بمن يستحق النصر والغلب .
تفسير القرطبي : معنى الآية 17 من سورة الأنفال
قوله تعالى فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليمقوله تعالى فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم أي يوم بدر . روي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صدروا عن بدر ذكر كل واحد منهم ما فعل : قتلت كذا ، فعلت كذا ; فجاء من ذلك تفاخر ونحو ذلك . فنزلت الآية إعلاما بأن الله تعالى هو المميت والمقدر لجميع الأشياء ، وأن العبد إنما يشارك بتكسبه وقصده . وهذه الآية ترد على من يقول بأن أفعال العباد خلق لهم . فقيل : المعنى فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم بسوقهم إليكم حتى أمكنكم منهم . وقيل : ولكن الله قتلهم بالملائكة الذين أمدكم بهم .وما رميت إذ رميت مثله ولكن الله رمى . واختلف العلماء في هذا الرمي على أربعة أقوال :الأول : إن هذا الرمي إنما كان في حصب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين رواه ابن وهب عن مالك . قال مالك : ولم يبق في ذلك اليوم أحد إلا وقد أصابه ذلك . وكذلك روى عنه ابن القاسم أيضا .الثاني : أن هذا كان يوم أحد حين رمى أبي بن خلف بالحربة في عنقه ; فكر أبي منهزما . فقال له المشركون : والله ما بك من بأس . فقال : والله لو بصق علي لقتلني . أليس قد قال : بل أنا أقتله . وكان أوعد أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتل بمكة ; فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل أنا أقتلك فمات عدو الله من ضربة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرجعه إلى مكة ، بموضع يقال له " سرف " . قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب : لما كان يوم أحد أقبل أبي مقنعا في الحديد على فرسه يقول : لا نجوت إن نجا محمد ; فحمل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد قتله . قال موسى بن عقبة قال سعيد بن المسيب : فاعترض له رجال من المؤمنين ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلوا طريقه ; فاستقبله مصعب بن عمير يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ; فقتل مصعب بن عمير ، وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أبي بن خلف من فرجة بين سابغة البيضة والدرع ; فطعنه بحربته فوقع أبي عن فرسه ، ولم يخرج من طعنته دم . قال سعيد : فكسر ضلعا من أضلاعه ; فقال : ففي ذلك نزل وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى . وهذا ضعيف ; لأن الآية نزلت عقيب بدر .الثالث : أن المراد السهم الذي رمى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصن خيبر ، فسار في الهواء حتى أصاب ابن أبي الحقيق وهو على فراشه . وهذا أيضا فاسد ، وخيبر وفتحها أبعد من أحد بكثير . والصحيح في صورة قتل ابن أبي الحقيق غير هذا .الرابع : أنها كانت يوم بدر ; قال ابن إسحاق . وهو أصح ; لأن السورة بدرية ، وذلك أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم : خذ قبضة من التراب . فأخذ قبضة من التراب فرمى بها وجوههم فما من المشركين من أحد إلا وأصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة وقاله ابن عباس وسيأتي . قال ثعلب : المعنى وما رميت الفزع والرعب في قلوبهم إذ رميت بالحصباء فانهزموا ولكن الله رمى أي أعانك وأظفرك . والعرب تقول : رمى الله لك ، أي أعانك وأظفرك وصنع لك . حكى هذا أبو عبيدة في كتاب المجاز . وقال محمد بن يزيد : وما رميت بقوتك ، إذ رميت ، ولكنك بقوة الله رميت .وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا البلاء هاهنا النعمة . واللام تتعلق بمحذوف ; أي وليبليي المؤمنين فعل ذلك .
English | Türkçe | Indonesia |
Русский | Français | فارسی |
تفسير | انجليزي | اعراب |
تفسير آيات من القرآن الكريم
- تفسير: كلا والقمر
- تفسير: فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم
- تفسير: ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان
- تفسير: أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون
- تفسير: ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين
- تفسير: كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص
- تفسير: وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون
- تفسير: أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين
- تفسير: كذبت عاد المرسلين
- تفسير: ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين
تحميل سورة الأنفال mp3 :
سورة الأنفال mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الأنفال
ماهر المعيقلي
سعد الغامدي
عبد الباسط
أحمد العجمي
المنشاوي
الحصري
مشاري العفاسي
ناصر القطامي
فارس عباد
ياسر الدوسري
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب