1. التفسير الميسر
  2. تفسير الجلالين
  3. تفسير السعدي
  4. تفسير البغوي
  5. التفسير الوسيط
تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ آل عمران: 180] .

  
   

﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾
[ سورة آل عمران: 180]

القول في تفسير قوله تعالى : ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم ..


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

التفسير الميسر : ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من


ولا يظنن الذين يبخلون بما أنعم الله به عليهم تفضلا منه أن هذا البخل خير لهم، بل هو شرٌّ لهم؛ لأن هذا المال الذي جمعوه سيكون طوقًا من نار يوضع في أعناقهم يوم القيامة. والله سبحانه وتعالى هو مالك الملك، وهو الباقي بعد فناء جميع خلقه، وهو خبير بأعمالكم جميعها، وسيجازي كلا على قدر استحقاقه.

المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار


ولا يظنن الذين يبخلون بما آتاهم الله من النعم تفضُّلًا منه، فيمنعون حق الله فيها، لا يظنُّوا أن ذلك خير لهم، بل هو شر لهم؛ لأن ما بخلوا به سيكون طَوْقًا يُطَوَّقون به يوم القيامة في أعناقهم يعذبون به، ولله وحده يؤول ما في السماوات والأرض، وهو الحي بعد فناء خلقه كلهم، والله عليم بدقائق ما تعملون، وسيجازيكم عليه.

تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 180


«ولايحسبن» بالياء والتاء «الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله» أي بزكاته «هو» أي بخلهم «خيرا لهم» مفعول ثان والضمير للفصل والأول بخلهم مقدرا قبل الوصول وقبل الضمير على التحتانية «بل هو شر لهم سيطوَّقون ما بخلوا به» أي بزكاته من المال «يوم القيامة» بأن يجعل حية في عنقه تنهشه كما ورد في الحديث «ولله ميراث السماوات والأرض» يرثهما بعد فناء أهلهما «والله بما تعلمون» بالتاء والياء «خبير» فيجازيكم به.

تفسير السعدي : ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من


أي: ولا يظن الذين يبخلون،- أي: يمنعون ما عندهم مما آتاهم الله من فضله، من المال والجاه والعلم، وغير ذلك مما منحهم الله، وأحسن إليهم به، وأمرهم ببذل ما لا يضرهم منه لعباده، فبخلوا بذلك، وأمسكوه، وضنوا به على عباد الله، وظنوا أنه خير لهم، بل هو شر لهم، في دينهم ودنياهم، وعاجلهم وآجلهم { سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة }- أي: يجعل ما بخلوا به طوقا في أعناقهم، يعذبون به كما ورد في الحديث الصحيح، "إن البخيل يمثل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع، له زبيبتان، يأخذ بلهزمتيه يقول: أنا مالك، أنا كنزك" وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداق ذلك، هذه الآية.
فهؤلاء حسبوا أن بخلهم نافعهم، ومجد عليهم، فانقلب عليهم الأمر، وصار من أعظم مضارهم، وسبب عقابهم.
{ ولله ميراث السماوات والأرض }- أي: هو تعالى مالك الملك، وترد جميع الأملاك إلى مالكها، وينقلب العباد من الدنيا ما معهم درهم ولا دينار، ولا غير ذلك من المال.
قال تعالى: { إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون } وتأمل كيف ذكر السبب الابتدائي والسبب الغائي، الموجب كل واحد منهما أن لا يبخل العبد بما أعطاه الله.
أخبر أولا: أن الذي عنده وفي يده فضل من الله ونعمة، ليس ملكا للعبد، بل لولا فضل الله عليه وإحسانه، لم يصل إليه منه شيء، فمنعه لذلك منع لفضل الله وإحسانه؛ ولأن إحسانه موجب للإحسان إلى عبيده كما قال تعالى: { وأحسن كما أحسن الله إليك } فمن تحقق أن ما بيده، فضل من الله، لم يمنع الفضل الذي لا يضره، بل ينفعه في قلبه وماله، وزيادة إيمانه، وحفظه من الآفات.
ثم ذكر ثانيا: أن هذا الذي بيد العباد كلها ترجع إلى الله، ويرثها تعالى، وهو خير الوارثين، فلا معنى للبخل بشيء هو زائل عنك منتقل إلى غيرك.
ثم ذكر ثالثا: السبب الجزائي، فقال: { والله بما تعملون خبير } فإذا كان خبيرا بأعمالكم جميعها -ويستلزم ذلك الجزاء الحسن على الخيرات، والعقوبات على الشر- لم يتخلف من في قلبه مثقال ذرة من إيمان عن الإنفاق الذي يجزى به الثواب، ولا يرضى بالإمساك الذي به العقاب.

تفسير البغوي : مضمون الآية 180 من سورة آل عمران


( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم ) أي : ولا يحسبن الباخلون البخل خيرا لهم ، ( بل هو ) يعني : البخل ، ( شر لهم سيطوقون ) أي : سوف يطوقون ( ما بخلوا به يوم القيامة ) يعني : يجعل ما منعه من الزكاة حية تطوق في عنقه يوم القيامة تنهشه من فوقه إلى قدمه وهذا قول ابن مسعود وابن عباس وأبي وائل والشعبي والسدي .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا علي بن عبد الله المديني ، أنا هاشم بن القاسم ، أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، عن أبيه ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه يعني شدقيه ، ثم يقول : أنا مالك ، أنا كنزك ، ثم تلا ( ولا يحسبن الذين يبخلون ) الآية " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا عمرو بن حفص بن غياث ، أنا أبي ، أنا الأعمش ، عن المعرور بن سويد ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : انتهيت إليه يعني : النبي صلى الله عليه وسلم قال .
" والذي نفسي بيده ، أو والذي لا إله غيره ، أو كما حلف ما من رجل يكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها إلا أتي بها يوم القيامة أعظم ما يكون وأسمنه تطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها كلما جازت أخراها ردت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس " .
قال إبراهيم النخعي : معنى الآية يجعل يوم القيامة في أعناقهم طوقا من النار قال مجاهد : يكلفون يوم القيامة أن يأتوا بما بخلوا به في الدنيا من أموالهم .
وروى عطية عن ابن عباس : أن هذه الآية نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته وأراد بالبخل كتمان العلم كما قال في سورة النساء " الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله " ( النساء - 37 ) .
ومعنى قوله " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " أي : يحملون وزره وإثمه كقوله تعالى : " وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم " ( الأنعام - 31 ) .
( ولله ميراث السماوات والأرض ) يعني : أنه الباقي الدائم بعد فناء خلقه وزوال أملاكهم فيموتون ويرثهم نظيره ، قوله تعالى : " إنا نحن نرث الأرض ومن عليها " ( مريم - 40) ( والله بما تعملون خبير ) قرأ أهل البصرة ومكة يعملون بالياء وقرأ الآخرون بالتاء .

التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية


ثم بين سبحانه بعد ذلك سوء مصير الذين يبخلون بنعم الله، فلا يؤدون حقها.
ولا يقومون بشكرها فقال تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ، بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ.
وقوله يَبْخَلُونَ من البخل وهو ضد الجود والسخاء، ومعناه: أن يقبض الإنسان يده عن إعطاء الشيء لغيره، وأن يحرص حرصا شديدا على ما يملكه من مال أو علم أو غير ذلك.
ويرى جمهور المفسرين أن المراد بالبخل هنا البخل بالمال، لأنه هو الذي يتفق مع السياق.
ويرى بعضهم أن المراد بالبخل هنا البخل بالعلم وكتمانه، وذلك لأن اليهود كتموا صفات النبي صلّى الله عليه وسلّم التي جاءت بها التوراة.
والذي نراه أن ما عليه الجمهور هو الأرجح، لأنه هو المتبادر من معنى الآية، وهو المتفق من سياق الكلام ولذا قال الآلوسى: قوله-تبارك وتعالى- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بيان لحال البخل وسوء عاقبته، وتخطئة لأهله في دعواهم خيريته عقب بيان حال الإملاء ...
وقيل: وجه الارتباط أنه-تبارك وتعالى- لما بالغ في التحريص على بذل الأرواح في الجهاد وغيره، شرع هنا في التحريض على بذل المال، وبين الوعيد الشديد لمن يبخل به» .
والمعنى: ولا يظنن أولئك الذين يبخلون بما أعطاهم الله من نعم وأموال أن بخلهم فيه خير لهم، كلا، بل إن بخلهم هذا فيه شر عظيم لهم.
والنهى عن الحسبان بأن البخل فيه خير في قوله وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ يدل على النفي المؤكد.
أى لا يصح لهم أن يظنوا بأية حال من الأحوال أن ذلك البخل فيه خير لهم.
بل الحقيقة أن فيه شرا كبيرا لهم.
وفي قوله بِما آتاهُمُ اللَّهُ إشعار بسوء صنيعهم، وخبث نفوسهم، حيث بخلوا بشيء ليس وليد علمهم واجتهادهم، وإنما هذا الشيء منحه الله-تبارك وتعالى- لهم بفضله وجوده، فكان الأولى لهم أن يشكروه على ما أعطى، وأن يبذلوا مما أعطاهم في سبيله.
والضمير «هو» يعود على البخل المستفاد من قوله يَبْخَلُونَ.
ويرى الزمخشري أنه ضمير فصل لتأكيد نفى الظن في الخيرية.
وفي إعادة الضمير، وذكر الجملة الاسمية في قوله بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ تأكيد لمعنى الشر في البخل، وأنه لا خير من ورائه قط، ففي الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم» .
ثم بين- سبحانه - المصير المؤلم لأولئك البخلاء فقال-تبارك وتعالى- سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ.
وقوله سَيُطَوَّقُونَ مشتق من الطوق، وهو ما يلبس من أسفل الرقبة.
أى تجعل أموالهم أطواقا حول رقابهم، وأغلالا حول أجسادهم، فيعذبون عذابا أليما بحملها.
وجمهور المفسرين على أن الكلام على ظاهره، وأن عذاب هؤلاء البخلاء بنعم الله، سيكون نوعا من العذاب الأخروى المحسوس.
وقد أيد القرطبي هذا الاتجاه فقال:«وهذه الآية نزلت في البخل بالمال والإنفاق في سبيل الله وأداء الزكاة المفروضة، ذهب إلى هذا جماعة من المتأولين، منهم: ابن مسعود وابن عباس وأبو وائل.
قالوا: ومعنى سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ هو الذي ورد في الحديث عن أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه- أى شدقيه- ثم يقول له.
أنا مالك أنا كنزك.
ثم تلا هذه الآية: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ .
ويرى بعض العلماء أن هذا الوعيد على سبيل التمثيل، وأن الظاهر غير مراد ومعنى قوله سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ عند هذا البعض: سيكلفون أن يأتوا بمثل ما بخلوا به من أموالهم يوم القيامة عقوبة لهم، فلا يأتون لأنهم ليس في قدرتهم ذلك.
أو المعنى: سيلزمون وبال ما بخلوا به لزوم الطوق، ويتحملون وزر ذلك يوم القيامة.
فالآية الكريمة تدعو المؤمنين إلى الجود والسخاء من أجل إعلاء كلمة الله، وتتوعد البخلاء بأقسى ألوان الوعيد وأفظعها.
وتبين أن كل ما في هذا الكون إنما هو ملك لله-تبارك وتعالى- وحده، فهو المعطى وهو المانع، ولذا قال- تعالى: وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
والميراث: مصدر كالميعاد.
وأصله موراث فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.
والمراد به ما يتوارث.
والمعنى: أن لله-تبارك وتعالى- وحده لا لأحد غيره ما في السموات والأرض مما يتوارثه أهلهما من مال وغيره، فما بال هؤلاء القوم يبخلون عليه بما يملكه، ولا ينفقونه في سبيله.
وعلى هذا يكون الكلام جاريا على حقيقته ولا مجاز فيه.
ويصح أن يكون المعنى: أن الله-تبارك وتعالى- يرث من هؤلاء ما في أيديهم مما بخلوا به من مال وغيره وينتقل منهم إليه حين يميتهم ويفنيهم، وتبقى الحسرة والندامة عليهم.
وعلى هذا يكون الكلام على سبيل المجاز.
قال الزجاج: أى أن الله-تبارك وتعالى- يفنى أهلهما.
فيفنيان بما فيهما، فليس لأحد فيهما ملك.
فخوطبوا بما يعلمون، لأنهم يجعلون ما يرجع إلى الإنسان ميراثا، ملكا له» .
وقوله وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ تذييل قصد به حضهم على الإنفاق، ونهيهم عن البخل، أى أن الله-تبارك وتعالى- خبير ومطلع على ما يصدر عنكم من سخاء أو بخل أو غيرهما، وسيجازى الذين أساءوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد ساقت ألوانا من التسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم ولأتباعه، وبشرتهم بأن العاقبة ستكون لهم، وفضحت المنافقين وهتكت ما تستروا به من رياء وخداع، وبينت أن من سنن الله في خلقه أن يبتلى عباده بشتى ألوان البلاء ليتميز الخبيث من الطيب، وأنه- سبحانه - يملى للكافرين ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وأن البخلاء بما آتاهم الله من فضله ستكون عاقبتهم شرا، ومصيرهم إلى العذاب الأليم.
ثم أخذت السورة الكريمة- بعد أن فضحت المنافقين- في الحديث عن بعض رذائل أهل الكتاب، وفي التحذير من شرورهم، وفي بيان طبيعة هذه الحياة وما تحمله من بلاء واختبار فقال-تبارك وتعالى-:

ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من: تفسير ابن كثير


وقوله : { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم } أي: لا يحسبن البخيل أن جمعه المال ينفعه ، بل هو مضرة عليه في دينه - وربما كان - في دنياه .
ثم أخبر بمآل أمر ماله يوم القيامة فقال : " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " قال البخاري :
حدثنا عبد الله بن منير ، سمع أبا النضر ، حدثنا عبد الرحمن - هو ابن عبد الله بن دينار - عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاعا أقرع له زبيبتان ، يطوقه يوم القيامة ، يأخذ بلهزمتيه - يعني بشدقيه - يقول : أنا مالك ، أنا كنزك " ثم تلا هذه الآية : { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم } إلى آخر الآية .
تفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه ، وقد رواه ابن حبان في صحيحه من طريق الليث بن سعد ، عن محمد بن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، به .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا حجين بن المثنى ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يمثل الله له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان ، ثم يلزمه يطوقه ، يقول : أنا كنزك ، أنا كنزك " .
وهكذا رواه النسائي عن الفضل بن سهل ، عن أبي النضر هاشم بن القاسم ، عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، به ثم قال النسائي : ورواية عبد العزيز ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، أثبت من رواية عبد الرحمن ، عن أبيه عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة .
قلت : ولا منافاة بينهما فقد يكون عند عبد الله بن دينار من الوجهين ، والله أعلم . وقد ساقه الحافظ أبو بكر بن مردويه من غير وجه ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة . ومن حديث محمد بن أبي حميد ، عن زياد الخطمي ، عن أبي هريرة ، به .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن جامع ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " ما من عبد لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل له شجاع أقرع يتبعه ، يفر منه وهو يتبعه فيقول : أنا كنزك " . ثم قرأ عبد الله مصداقه من كتاب الله : { سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } .
وهكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه ، من حديث سفيان بن عيينة ، عن جامع بن أبي راشد ، زاد الترمذي : وعبد الملك بن أعين ، كلاهما عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، عن عبد الله بن مسعود ، به . ثم قال الترمذي : حسن صحيح . وقد رواه الحاكم في مستدركه ، من حديث أبي بكر بن عياش وسفيان الثوري ، كلاهما عن أبي إسحاق السبيعي ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود ، به ورواه ابن جرير من غير وجه ، عن ابن مسعود ، موقوفا .
حديث آخر : قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أمية بن بسطام ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن ثوبان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " من ترك بعده كنزا مثل له شجاعا أقرع يوم القيامة له زبيبتان ، يتبعه ويقول : من أنت ؟ ويلك . فيقول : أنا كنزك الذي خلفت بعدك فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها ، ثم يتبعه سائر جسده " . إسناده جيد قوي ولم يخرجوه .
وقد رواه الطبراني عن جرير بن عبد الله البجلي ورواه ابن جرير وابن مردويه من حديث بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يأتي الرجل مولاه فيسأله من فضل ماله عنده ، فيمنعه إياه ، إلا دعي له يوم القيامة شجاع يتلمظ فضله الذي منع " . لفظ ابن جرير .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا داود ، عن أبي قزعة ، عن رجل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه ، فيسأله من فضل جعله الله عنده ، فيبخل به عليه ، إلا أخرج له من جهنم شجاع يتلمظ ، حتى يطوقه " .
ثم رواه من طريق أخرى عن أبي قزعة - واسمه حجير بن بيان - عن أبي مالك العبدي موقوفا . ورواه من وجه آخر عن أبي قزعة مرسلا .
وقال العوفي عن ابن عباس : نزلت في أهل الكتاب الذين بخلوا بما في أيديهم من الكتب المنزلة أن يبينوها .
رواه ابن جرير . والصحيح الأول ، وإن دخل هذا في معناه . وقد يقال : [ إن ] هذا أولى بالدخول ، والله أعلم .
وقوله : { ولله ميراث السماوات والأرض } أي: فأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ، فإن الأمور كلها مرجعها إلى الله عز وجل . فقدموا لكم من أموالكم ما ينفعكم يوم معادكم { والله بما تعملون خبير } أي: بنياتكم وضمائركم .

تفسير القرطبي : معنى الآية 180 من سورة آل عمران


ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبيرفيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : ولا يحسبن الذين الذين في موضع رفع ، والمفعول الأول محذوف .
قال الخليل وسيبويه والفراء المعنى البخل خيرا لهم ، أي لا يحسبن الباخلون البخل خيرا لهم .
وإنما حذف لدلالة يبخلون على البخل ; وهو كقوله : من صدق كان خيرا له .
أي كان له الصدق خيرا له .
ومن هذا قول الشاعر :إذا نهي السفيه جرى إليه وخالف والسفيه إلى خلاففالمعنى : جرى : إلى السفه ; فالسفيه دل على السفه .
وأما قراءة حمزة بالتاء فبعيدة جدا ; قاله النحاس .
وجوازها أن يكون التقدير : لا تحسبن بخل الذين يبخلون هو خيرا لهم .
قال الزجاج : وهي مثل واسأل القرية .
و " هو " في قوله هو خيرا لهم فاصلة عند البصريين .
وهي العماد عند الكوفيين .
قال النحاس : ويجوز في العربية " هو خير لهم " ابتداء وخبر .
الثانية : قوله تعالى : بل هو شر لهم ابتداء وخبر ، أي البخل شر لهم .
والسين في سيطوقون سين الوعيد ، أي سوف يطوقون ; قاله المبرد .
وهذه الآية نزلت في البخل بالمال والإنفاق في سبيل الله ، وأداء الزكاة المفروضة .
وهذه كقوله : ولا ينفقونها في سبيل الله الآية .
ذهب إلى هذا جماعة من المتأولين ، منهم ابن مسعود وابن عباس وأبو وائل وأبو مالك والسدي والشعبي قالوا : ومعنى سيطوقون ما بخلوا به هو الذي ورد في الحديث عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه ثم يقول أنا مالك أنا كنزك - ثم تلا هذه الآية - ولا يحسبن الذين يبخلون الآية ) .
أخرجه النسائي .
وخرجه ابن ماجه عن ابن مسعود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاع أقرع حتى يطوق به في عنقه ثم قرأ علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - مصداقه من كتاب الله تعالى : ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله الآية .
وجاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل ما عنده فيبخل به عليه إلا أخرج له يوم القيامة شجاع من النار يتلمظ حتى يطوقه .
وقال ابن عباس أيضا : إنما نزلت في أهل الكتاب وبخلهم ببيان ما علموه من أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وقال ذلك مجاهد وجماعة من أهل العلم .
ومعنى سيطوقون على هذا التأويل سيحملون عقاب ما بخلوا به ; فهو من الطاقة كما قال تعالى : وعلى الذين يطيقونه وليس من التطويق .
وقال إبراهيم النخعي : معنى سيطوقون سيجعل لهم يوم القيامة طوق من النار .
وهذا يجري مع التأويل الأول أي قول السدي .
وقيل : يلزمون أعمالهم كما يلزم الطوق العنق ; يقال : طوق فلان عمله طوق الحمامة ، أي ألزم عمله .
وقد قال تعالى وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه .
ومن هذا المعنى قول عبد الله بن جحش لأبي سفيان :أبلغ أبا سفيان عن أمر عواقبه ندامهدار ابن عمك بعتها تقضي بها عنك الغرامهوحليفكم بالله رب الناس مجتهد القسامهاذهب بها اذهب بها طوقتها طوق الحمامهوهذا يجري مع التأويل الثاني .
والبخل والبخل في اللغة أن يمنع الإنسان الحق الواجب عليه .
فأما من منع ما لا يجب عليه فليس ببخيل ; لأنه لا يذم بذلك .
وأهل الحجاز يقولون : يبخلون وقد بخلوا .
وسائر العرب يقولون : بخلوا يبخلون ; حكاه النحاس .
وبخل يبخل بخلا وبخلا ; عن ابن فارس .
الثالثة : في ثمرة البخل وفائدته .
وهو ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للأنصار : ( من سيدكم ؟ ) قالوا الجد بن قيس على بخل فيه .
فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( وأي داء أدوى من البخل ) قالوا : وكيف ذاك يا رسول الله ؟ قال : ( إن قوما نزلوا بساحل البحر فكرهوا لبخلهم نزول الأضياف بهم فقالوا : ليبعد الرجال منا عن النساء حتى يعتذر الرجال إلى الأضياف ببعد النساء ; وتعتذر النساء ببعد الرجال ; ففعلوا وطال ذلك بهم فاشتغل الرجال بالرجال والنساء بالنساء ) ذكره الماوردي في كتاب " أدب الدنيا والدين " ، والله أعلم .
الرابعة : واختلف في البخل والشح ; هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين .
فقيل : البخل الامتناع من إخراج ما حصل عندك .
والشح : الحرص على تحصيل ما ليس عندك .
وقيل : إن الشح هو البخل مع حرص .
وهو الصحيح لما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم .
وهذا يرد قول من قال : إن البخل منع الواجب ، والشح منع المستحب .
إذ لو كان الشح منع المستحب لما دخل تحت هذا الوعيد العظيم ، والذم الشديد الذي فيه هلاك الدنيا والآخرة .
ويؤيد هذا المعنى ما رواه النسائي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري رجل مسلم أبدا ولا يجتمع شح وإيمان في قلب رجل مسلم أبدا .
وهذا يدل على أن الشح أشد في الذم من البخل ; إلا أنه قد جاء ما يدل على مساواتهما وهو قوله - وقد سئل ; أيكون المؤمن بخيلا ؟ قال : ( لا ) وذكر الماوردي في كتاب " أدب الدنيا والدين " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للأنصار : ( من سيدكم ) قالوا : الجد بن قيس على بخل فيه ; الحديث .
وقد تقدم .
قوله تعالى : ولله ميراث السماوات والأرض أخبر تعالى ببقائه ودوام ملكه .
وأنه في الأبد كهو في الأزل غني عن العالمين ، فيرث الأرض بعد فناء خلقه وزوال أملاكهم ; فتبقى الأملاك والأموال لا مدعى فيها .
فجرى هذا مجرى الوراثة في عادة الخلق ، وليس هذا بميراث في الحقيقة ; لأن الوارث في الحقيقة هو الذي يرث شيئا لم يكن ملكه من قبل ، والله سبحانه وتعالى مالك السماوات والأرض وما بينهما ، وكانت السماوات وما فيها ، والأرض وما فيها له ، وإن الأموال كانت عارية عند أربابها ; فإذا ماتوا ردت العارية إلى صاحبها الذي كانت له في الأصل .
ونظير هذه الآية قوله تعالى : إنا نحن نرث الأرض ومن عليها الآية .
والمعنى في الآيتين أن الله تعالى أمر عباده بأن ينفقوا ولا يبخلوا قبل أن يموتوا ويتركوا ذلك ميراثا لله تعالى ، ولا ينفعهم إلا ما أنفقوا .

﴿ ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير ﴾ [ آل عمران: 180]

سورة : آل عمران - الأية : ( 180 )  - الجزء : ( 4 )  -  الصفحة: ( 73 )

English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر
  2. تفسير: وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا
  3. تفسير: فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج
  4. تفسير: وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين
  5. تفسير: ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل
  6. تفسير: فيم أنت من ذكراها
  7. تفسير: بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر
  8. تفسير: وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي
  9. تفسير: مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا
  10. تفسير: طسم

تحميل سورة آل عمران mp3 :

سورة آل عمران mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة آل عمران

سورة آل عمران بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة آل عمران بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة آل عمران بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة آل عمران بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة آل عمران بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة آل عمران بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة آل عمران بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة آل عمران بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة آل عمران بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة آل عمران بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

يحسبن , يبخلون , آتاهم+الله , فضل , خيرا , سيطوقون , بخلوا , يوم , القيامة , ميراث , السماوات , الأرض , الله , تعملون , خبير , سيطوقون+ما+بخلوا+به , يوم+القيامة , الله+بما+تعملون+خبير ,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب