1. التفسير الميسر
  2. تفسير الجلالين
  3. تفسير السعدي
  4. تفسير البغوي
  5. التفسير الوسيط
تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ آل عمران: 49] .

  
   

﴿ وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾
[ سورة آل عمران: 49]

القول في تفسير قوله تعالى : ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق ..


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

التفسير الميسر : ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية


ويجعله رسولا إلى بني إسرائيل، ويقول لهم: إني قد جئتكم بعلامة من ربكم تدلُّ على أني مرسل من الله، وهي أني أصنع لكم من الطين مثل شكل الطير، فأنفخ فيه فيكون طيرًا حقيقيا بإذن الله، وأَشفي مَن وُلِد أعمى، ومَن به برص، وأُحيي من كان ميتًا بإذن الله، وأخبركم بما تأكلون وتدَّخرون في بيوتكم من طعامكم. إن في هذه الأمور العظيمة التي ليست في قدرة البشر لدليلا على أني نبي الله ورسوله، إن كنتم مصدِّقين حجج الله وآياته، مقرِّين بتوحيده.

المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار


ويجعله - كذلك - رسولًا إلى بني إسرائيل، حيث يقول لهم: إني رسول الله إليكم قد جئتكم بعلامة دالة على صدق نبوتي هي: أني أُصوِّر لكم من مادة الطين مثل شكل الطير، فأنفخ فيه فيصير طيرًا حيًّا بإذن الله، وأشفي من وُلِد أعمى فيبصر، ومن أصيب بِبَرَصٍ فيعود جلده سليمًا، وأُحْيي من كان ميتًا، كل ذلك بإذن الله، وأخبركم بما تأكلون وبما تخبئون في بيوتكم من طعام وتخفونه، إن فيما ذكرته لكم من هذه الأمور العظيمة التي لا يقدر عليها البشر؛ لعلامةً ظاهرة على أني رسول من الله إليكم، إن كنتم تريدون الإيمان، وتصدقون بالبراهين.

تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 49


«و» يجعله «رسولا إلى بنى إسرائيل» في الصبا أو بعد البلوغ فنفخ جبريل في جيب درعها فحملت، وكان من أمرها ما ذكر في سورة مريم فلما بعثه الله إلى بني إسرائيل قال لهم إني رسول الله إليكم «إني» أي بأني «قد جئتكم بآية» علامة على صدقي «من ربكم» هي «أنِّي» وفي قراءة بالكسر استئنافا «أخلق» أصوِّر «لكم من الطين كهيئة الطير» مثل صورته فالكاف اسم مفعول «فأنفخ فيه» الضمير للكاف «فيكون طيرا» وفي قراءة طائرا «بإذن الله» بإرادته فخلق لهم الخفاش لأنه أكمل الطير خلقا فكان يطير وهم ينظرونه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا «وأبرئ» أشفي «الأكمه» الذي وُلد أعمى «والأبرص» وخصا بالذكر لأنهما ذا إعياء وكان بعثه في زمن الطب فأبرأ في يوم خمسين ألفا بالدعاء بشرط الإيمان «وأحيي الموتى بإذن الله» كرره لنفي توهم الألوهية فيه فأحيا عازر صديقا له وابن العجوز وابنة العاشر فعاشوا وولد لهم، وسام بن نوح ومات في الحال «وأنبئكم بما تأكلون وما تدَّخرون» تخبئون «في بيوتكم» مما لم أعانيه فكان يخبر الشخص بما أكل وبما يأكل وبما يأكل بعد «إن في ذلك» المذكور «لآية لكم إن كنتم مؤمنين».

تفسير السعدي : ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية


ثم ذكر له كمالا آخر وفضلا زائدا على ما أعطاه الله من الفضائل، فقال { ورسولا إلى بني إسرائيل } فأرسله الله إلى هذا الشعب الفاضل الذين هم أفضل العالمين في زمانهم يدعوهم إلى الله، وأقام له من الآيات ما دلهم أنه رسول الله حقا ونبيه صدقا ولهذا قال { أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين } طيرا،- أي: أصوره على شكل الطير { فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله }- أي: طيرا له روح تطير بإذن الله { وأبرى الأكمه } وهو الذي يولد أعمى { والأبرص } بإذن الله { وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين } وأي: آية أعظم من جعل الجماد حيوانا، وإبراء ذوي العاهات التي لا قدرة للأطباء في معالجتها، وإحياء الموتى، والإخبار بالأمور الغيبية، فكل واحدة من هذه الأمور آية عظيمة بمفردها، فكيف بها إذا اجتمعت وصدق بعضها بعضها؟ فإنها موجبة للإيقان وداعية للإيمان.

تفسير البغوي : مضمون الآية 49 من سورة آل عمران


( ورسولا ) أي ونجعله رسولا ( إلى بني إسرائيل ) قيل: كان رسولا في حال الصبا ، وقيل: إنما كان رسولا بعد البلوغ ، وكان أول أنبياء بني إسرائيل يوسف وآخرهم عيسى عليهما السلام فلما بعث قال : ( أني ) قال الكسائي : إنما فتح لأنه أوقع الرسالة عليه ، وقيل: معناه بأني ( قد جئتكم بآية ) علامة ( من ربكم ) تصدق قولي وإنما قال : بآية وقد أتى بآيات لأن الكل دل على شيء واحد وهو صدقه في الرسالة ، فلما قال ذلك عيسى عليه السلام لبني إسرائيل قالوا : وما هي قال : ( أني ) قرأ نافع بكسر الألف على الاستئناف ، وقرأ الباقون بالفتح على معنى بإني ( أخلق ) أي أصور وأقدر ( لكم من الطين كهيئة الطير ) قرأ أبو جعفر كهيئة الطائر هاهنا وفي المائدة ، والهيئة : الصورة المهيأة من قولهم : هيأت الشيء إذا قدرته وأصلحته ( فأنفخ فيه ) أي في الطير ( فيكون طيرا بإذن الله ) قراءة الأكثرين بالجمع لأنه خلق طيرا كثيرا ، وقرأ أهل المدينة ويعقوب فيكون طائرا على الواحد هاهنا وفي سورة المائدة ذهبوا إلى نوع واحد من الطير لأنه لم يخلق غير الخفاش وإنما خص الخفاش ، لأنه أكمل الطير خلقا لأن لها ثديا وأسنانا وهي تحيض قال وهب : كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا ، ليتميز فعل الخلق من فعل الخالق ، وليعلم أن الكمال لله عز وجل ( وأبرئ الأكمه والأبرص ) أي أشفيهما وأصححهما ، واختلفوا في الأكمه ، قال ابن عباس وقتادة : هو الذي ولد أعمى ، وقال الحسن والسدي : هو الأعمى وقال عكرمة : هو الأعمش وقال مجاهد : هو الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل ، ( والأبرص ) الذي به وضح ، وإنما خص هذين لأنهما داءان عياءان ، وكان الغالب في زمن عيسى عليه السلام الطب ، فأراهم المعجزة من جنس ذلك قال وهب : ربما اجتمع عند عيسى عليه السلام من المرضى في اليوم الواحد خمسون ألفا من أطاق منهم أن يبلغه بلغه ومن لم يطق مشى إليه عيسى عليه السلام وكان يداويهم بالدعاء على شرط الإيمانقوله تعالى : ( وأحيي الموتى بإذن الله ) قال ابن عباس رضي الله عنهما قد أحيا أربعة أنفس ، عازر وابن العجوز ، وابنة العاشر ، وسام بن نوح ، فأما عازر فكان صديقا له فأرسلت أخته إلى عيسى عليه السلام : أن أخاك عازر يموت وكان بينه وبينه مسيرة ثلاثة أيام فأتاه هو وأصحابه فوجدوه قد مات منذ ثلاثة أيام ، فقال لأخته : انطلقي بنا إلى قبره ، فانطلقت معهم إلى قبره ، فدعا الله تعالى فقام عازر وودكه يقطر فخرج من قبره وبقي وولد له .
وأما ابن العجوز مر به ميتا على عيسى عليه السلام على سرير يحمل فدعا الله عيسى فجلس على سريره ، ونزل عن أعناق الرجال ، ولبس ثيابه ، وحمل السرير على عنقه ورجع إلى أهله فبقي وولد له .
وأما ابنة العاشر كان [ أبوها ] رجلا يأخذ العشور ماتت له بنت بالأمس ، فدعا الله عز وجل [ باسمه الأعظم ] فأحياها [ الله تعالى ] وبقيت [ بعد ذلك زمنا ] وولد لها .
وأما سام بن نوح عليه السلام فإن عيسى عليه السلام جاء إلى قبره فدعا باسم الله الأعظم فخرج من قبره وقد شاب نصف رأسه خوفا من قيام الساعة ، ولم يكونوا يشيبون في ذلك الزمان فقال : قد قامت القيامة؟ قال : لا ولكن دعوتك باسم الله الأعظم ، ثم قال له : مت قال : بشرط أن يعيذني الله من سكرات الموت فدعا الله ففعل .
قوله تعالى : ( وأنبئكم ) وأخبركم ( بما تأكلون ) مما لم أعاينه ( وما تدخرون ) ترفعونه ( في بيوتكم ) حتى تأكلوه وقيل: كان يخبر الرجل بما أكل البارحة وبما يأكل اليوم وبما ادخره للعشاءوقال السدي : كان عيسى عليه السلام في الكتاب يحدث الغلمان بما يصنع آباؤهم ويقول للغلام : انطلق فقد أكل أهلك كذا وكذا ، ورفعوا لك كذا وكذا ، فينطلق الصبي إلى أهله ويبكي عليهم حتى يعطوه ذلك الشيء فيقولون : من أخبرك بهذا؟ .
فيقول : عيسى فحبسوا صبيانهم عنه وقالوا : لا تلعبوا مع هذا الساحر فجمعوهم في بيت فجاء عيسى عليه السلام يطلبهم فقالوا : ليسوا هاهنا ، فقال : فما في هذا البيت؟ قالوا خنازير ، قال عيسى كذلك يكونون ففتحوا عليهم فإذا هم خنازير ففشى ذلك في بني إسرائيل فهمت به بنو إسرائيل ، فلما خافت عليه أمه حملته على [ حمير ] لها وخرجت ( هاربة منهم ) إلى أهل مصر ، وقال قتادة : إنما هذا في المائدة وكان خوانا ينزل عليهم أينما كانوا كالمن والسلوى ، وأمروا أن لا يخونوا ولا يخبئوا لغد فخانوا وخبئوا فجعل عيسى يخبرهم بما أكلوا من المائدة وبما ادخروا منها فمسخهم الله خنازيرقوله تعالى ( إن في ذلك ) الذي ذكرت ( لآية لكم إن كنتم مؤمنين ) .

التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية


وبعد أن أشار- سبحانه - إلى علم الرسالة التي هيأ لها عيسى- عليه السّلام- عقب ذلك ببيان القوم الذين أرسل إليهم فقال-تبارك وتعالى- وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أى أن الله-تبارك وتعالى- سيجعل عيسى- عليه السّلام- رسولا إلى بنى إسرائيل لكي يهديهم إلى الصراط المستقيم، ولكي يبشرهم برسول يأتى من بعده هو خاتم الأنبياء والمرسلين، ألا وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وخص بنى إسرائيل بالذكر مع أن رسالة عيسى كانت إليهم وإلى من علمها من الرومان:لأن بنى إسرائيل خرج عيسى من بينهم فهو منهم، ولأنهم هم الذين كانوا يدعون أنهم أولى الناس بعلم الرسائل الإلهية، وكانت دعوته بينهم وانبعثت منهم إلى غيرهم، فكان تخصيصهم بالذكر فيه إشارة إلى حقيقة واقعة وفيه توبيخ لهم، لأنهم أوتوا العلم برسالات الأنبياء ومع ذلك فقد كفر كثير منهم بعيسى وبغيره من رسل الله، بل لم يكتفوا بالكفر وإنما آذوا أولئك الرسل الكرام وقتلوا فريقا منهم.
وقوله وَرَسُولًا منصوب بمضمر يقود إليه المعنى، معطوف على وَيُعَلِّمُهُ أى يعلمه ويجعله رسولا إلى بنى إسرائيل.
وقوله أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ معمول لقوله رَسُولًا لما فيه من معنى النطق.
كأنه قيل: ورسولا ناطقا بأنى قد جئتكم يا بنى إسرائيل بآية من ربكم.
والباء للملابسة وهي مع مدخولها في محل الحال وقوله مِنْ رَبِّكُمْ متعلق بمحذوف صفة لآية.
والمراد بالآية هنا المعجزات التي أكرمه الله بها.
أى: أن الله-تبارك وتعالى- قد علم عيسى- عليه السّلام- الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وجعله رسولا إلى بنى إسرائيل مخبرا إياهم بأنى رسول الله إليكم حال كوني ملتبسا مجيئي بالمعجزات الدالة على صدقى، وهذه المعجزات ليست من عندي وإنما هي من عند ربكم.
ثم ذكر- سبحانه - خمسة أنواع من معجزات عيسى- عليه السّلام- أما المعجزة الأولى فعبر عنها بقوله: أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ.
قال الآلوسى: «وقوله أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ.. ألخ.. بدل من قوله أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ أو من بِآيَةٍ أو منصوب على المفعولية لمحذوف أى أعنى أنى أخلق لكم.. أو مرفوع على أنه خبر لمقدر أى أنى قد جئتكم بآية من ربكم هي أنى أخلق لكم.
وقرأ نافع بكسر الهمزة على الاستئناف، والمراد بالخلق التصوير والإبراز على مقدار معين لا الإيجاد من العدم» .
والمعنى أن عيسى- عليه السّلام- قد حكى الله- عنه أنه قال لبنى إسرائيل: لقد أرسلنى الله إليكم لأبلغكم دعوته، ولآمركم بإخلاص العبادة له، وقد أعطانى- سبحانه - من المعجزات ما يقنعكم بصدقى فيما أبلغه عن ربي، ومن بين هذه المعجزات أنى أقدر على أن أصور لكم من الطين شيئا صورته مثل صورة الطير، فأنفخ في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير فيكون طيرا حقيقيا ذا حياة بإذن الله أى بأمره وإرادته.
فأنت ترى أن الجملة الكريمة قد اشتملت على ثلاثة أعمال: ثنتان منهما لعيسى وهما تصوير الطين كهيئة الطير ثم النفخ فيه.
أما الثالث فهو من صنع الله-تبارك وتعالى- وحده ألا وهو خلق الحياة في هذه الصورة التي صورها عيسى ونفخ فيها.
وهذا يدل دلالة واضحة على أنه ليس في عيسى ألوهية ولا أى معنى من معانيها.
ولذا حكى الله-تبارك وتعالى- عنه أنه قال: بِإِذْنِ اللَّهِ.
أى أنى ما فعلت الذي فعلته إلا بإذن الله وأمره وإرادته وتيسيره، واللام في قوله لَكُمْ للتعليل أى أصور لأجل هدايتكم وتصديقكم بي.
والكاف في قوله كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بمعنى مثل وهي نعت لمفعول محذوف أى أخلق شيئا مثل هيئة الطير، والهيئة هي الصورة والكيفية.
والضمير في قوله فَأَنْفُخُ فِيهِ يعود إلى هذا المفعول المحذوف.
وقوله بِإِذْنِ اللَّهِ متعلق بيكون، وجيء به لإظهار العبودية، ونفى توهم أن يكون عيسى أو غيره شريكا الله في خلق الكائنات.
وأما النوع الثاني والثالث والرابع من المعجزات فقد حكاه القرآن في قوله-تبارك وتعالى- وَأُبْرِئُ أى أشفي يقال: برأ المريض يبرأ أو يبرؤ برءا وبروءا إذا شفى من مرضه.
والأكمه: هو الذي يولد أعمى.
يقال كمه كمها إذا ولد أعمى، فهو أكمه وامرأة كمهاء.
والأبرص: هو الذي يكون في جلده بياض مشوب بحمرة وهو مرض من الأمراض المنفرة التي عجز الأطباء عن شفائها.
والمعنى: أن عيسى- عليه السّلام- قال لقومه: والمعجزات التي تدل على صدقى أن أشفى وأعيد الإبصار إلى من ولد أعمى، وأعيد الشفاء إلى من أصيب بمرض البرص، وأعيد الحياة إلى من مات.
ولا أفعل كل ذلك بقدرتي وعلمي وإنما أفعله بإذن الله وبإرادته وأمره.
وخص إبراء الأكمه والأبرص بالذكر لأنهما مرضان عضالان لم يصل الطب إلى الآن إلى طريق للشفاء منهما فإذا أجرى الله-تبارك وتعالى- على يد عيسى الشفاء منهما كان ذلك دليلا على أن من وراء الأسباب والمسببات خالقا مختارا لا يعجزه شيء وعلى أن الأسباب ليست مؤثرة بذاتها في الإيجاد أو الإعدام وإنما المؤثر هو الله-تبارك وتعالى- وقوله وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ فيه تدرج من الصعب إلى الأصعب، لأن مما لا شك فيه أن إحياء الموتى خارق عظيم، يدل دلال قاطعة على أن الأسباب العادية ليست هي المؤثرة وإنما الخالق المكون هو المؤثر وأن الأشياء لم تخلق بالعلية- كما يقول الماديون- وإنما خلقت بالإرادة المختارة والقدرة المبدعة المنشئة المكونة، وهي إرادة خالق الكون وقدرته سبحانه.
وقيد ما يقوم به من إبراء وإحياء بأنه بإذن الله: للتنبيه على أن ما يفعله من خوارق إنما هو بأمر الله وتيسيره وإرادته.
وقد ذكر المفسرون أن إبراء عيسى للأكمة والأبرص وإحياءه للموتى كان عن طريق الدعاء، وكان دعاؤه يا حي يا قيوم، وذكروا من بين من أحياهم سام بن نوح .
قال ابن كثير: بعث الله كل نبي بمعجزة تناسب أهل زمانه، فكان الغالب على زمان موسى السحر وتعظيم السحرة، فبعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار وحيرت كل سحّار، فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإسلام.
وأما عيسى فبعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه إلا أن يكون مؤيدا من الذي شرع الشريعة فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد، أو على مداواة الأكمه والأبرص؟ وكذلك محمد صلّى الله عليه وسلّم بعث في زمان الفصحاء والبلغاء وتجاويد الشعراء فأتاهم بكتاب من الله لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بسورة من مثله ما استطاعوا أبدا، وما ذاك إلا أن كلام الرب لا يشبه كلام الخلق» .
وأما المعجزة الخامسة فقد حكاها القرآن في قوله-تبارك وتعالى- وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ.
وقوله-تبارك وتعالى- وَأُنَبِّئُكُمْ من الإنباء وهو الإخبار بالخبر العظيم الشأن.
وقوله تَدَّخِرُونَ من الادخار وهو إعداد الشيء لوقت الحاجة إليه.
يقال: دخرته وادخرته، إذ أعدته للعقبى.
وأصله «تذتخرون» بالذال المعجمة- من اذتخر الشيء- بوزن افتعل- فأبدلت التاء دالا ثم أبدلت الذال دالا وأدغمت.
والمعنى: أن عيسى- عليه السّلام- قد قال لقومه بنى إسرائيل: وإن من معجزاتي التي تدل على صدقى فيما أبلغه عن ربي أنى أخبركم بالشيء الذي تأكلونه وبالشيء الذي تخبئونه في بيوتكم لوقت حاجتكم إليه.
قال القرطبي: وذلك أنه لما أحيا لهم الموتى طلبوا منه آية أخرى وقالوا: أخبرنا بما نأكل في بيوتنا وما ندخر للغد، فأخبرهم فقال: يا فلان أنت أكلت كذا وكذا، وأنت أكلت كذا وكذا وادخرت كذا وكذا فذلك قوله وَأُنَبِّئُكُمْ .
و «ما» في الموضعين موصولة، أو نكرة موصوفة والعائد محذوف أى بما تأكلونه وتدخرونه.
ولا شك أن إخبار عيسى- عليه السّلام- لقومه بالشيء الذي يأكلونه وبالشيء الذي يدخرونه يدل على صدقه، لأن هذا الإخبار الغيبى بما لم يعاينه دليل على أن الله-تبارك وتعالى- قد أعطاه علم ما أخبر به.
ثم ختم الله-تبارك وتعالى- هذه الآية بقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
أى إن في ذلك المذكور من المعجزات التي أجراها الله-تبارك وتعالى- على يد عيسى- عليه السلام- لدلالة واضحة وعلامة بينة تشهد بصدقه فيما يبلغه عن ربه، إن كنتم يا بنى إسرائيل ممن يصدق بآيات الله ويذعن لها.
فاسم الإشارة «ذلك» يعود إلى ما سبق ذكره من معجزات عيسى- عليه السّلام- وجواب الشرط محذوف والتقدير: إن كنتم مؤمنين انتفعتم بهذه الآيات وأذعنتم للحق الذي جئتكم به من عند الله.

ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية: تفسير ابن كثير


وقوله : { ورسولا إلى بني إسرائيل } أي: [ و ] يجعله رسولا إلى بني إسرائيل ، قائلا لهم : { أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله } وكذلك كان يفعل : يصور من الطين شكل طير ، ثم ينفخ فيه ، فيطير عيانا بإذن الله ، عز وجل ، الذي جعل هذا معجزة يدل على أن الله أرسله .
{ وأبرئ الأكمه } قيل : هو الذي يبصر نهارا ولا يبصر ليلا . وقيل بالعكس . وقيل : هو الأعشى . وقيل : الأعمش . وقيل : هو الذي يولد أعمى . وهو أشبه ، لأنه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي } والأبرص } معروف .
{ وأحيي الموتى بإذن الله } قال كثير من العلماء : بعث الله كل نبي من الأنبياء بمعجزة تناسب أهل زمانه ، فكان الغالب على زمان موسى ، عليه السلام ، السحر وتعظيم السحرة . فبعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار وحيرت كل سحار ، فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإسلام ، وصاروا من الأبرار . وأما عيسى ، عليه السلام ، فبعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة ، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه ، إلا أن يكون مؤيدا من الذي شرع الشريعة . فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد ، أو على مداواة الأكمه والأبرص ، وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد ؟ وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم بعثه [ الله ] في زمن الفصحاء والبلغاء ونحارير الشعراء ، فأتاهم بكتاب من الله ، عز وجل ، لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ، أو بعشر سور من مثله ، أو بسورة من مثله لم يستطيعوا أبدا ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، وما ذاك إلا لأن كلام الرب لا يشبهه كلام الخلق أبدا .
وقوله : { وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم } أي: أخبركم بما أكل أحدكم الآن ، وما هو مدخر [ له ] في بيته لغده { إن في ذلك } أي: في ذلك كله { لآية لكم } أي: على صدقي فيما جئتكم به . { إن كنتم مؤمنين }

تفسير القرطبي : معنى الآية 49 من سورة آل عمران


ورسولا أي ونجعله رسولا .
أو يكلمهم رسولا .
وقيل : هو معطوف على قوله ( وجيها ) .
وقال الأخفش : وإن شئت جعلت الواو في قوله ورسولا مقحمة والرسول حالا للهاء ، تقديره ويعلمه الكتاب رسولا .
وفي حديثأبي ذر الطويل ( وأول أنبياء بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى عليه السلام ) .
أني أخلق لكم أي أصور وأقدر لكم .
من الطين كهيئة الطير قرأ الأعرج وأبو جعفر ( كهية ) بالتشديد .
الباقون بالهمز .
والطير يذكر ويؤنث .
فأنفخ فيه أي في الواحد منه أو منها أو في الطين فيكون طائرا .
وطائر وطير مثل تاجر وتجر .
قال وهب : كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا ليتميز فعل الخلق من فعل الله تعالى .
وقيل : لم يخلق غير الخفاش لأنه أكمل الطير خلقا ليكون أبلغ في القدرة لأن لها ثديا وأسنانا وأذنا ، وهي تحيض وتطهر وتلد .
ويقال : إنما طلبوا خلق خفاش لأنه أعجب من سائر الخلق ; ومن عجائبه أنه لحم ودم يطير بغير ريش ويلد كما يلد الحيوان ولا يبيض كما يبيض سائر الطيور ، فيكون له الضرع يخرج منه اللبن ، ولا يبصر في ضوء النهار ولا في ظلمة الليل ، وإنما يرى في ساعتين : بعد غروب الشمس ساعة وبعد طلوع الفجر ساعة قبل أن يسفر جدا ، ويضحك كما يضحك الإنسان ، ويحيض كما تحيض المرأة .
ويقال : إن سؤالهم كان له على وجه التعنت فقالوا : اخلق لنا خفاشا واجعل فيه روحا إن كنت صادقا في مقالتك ; فأخذ طينا وجعل منه خفاشا ثم نفخ فيه فإذا هو يطير بين السماء والأرض ; وكان تسوية الطين والنفخ من عيسى والخلق من الله ، كما أن النفخ من جبريل والخلق من الله .
قوله تعالى : وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله الأكمه : الذي يولد أعمى ; عن ابن عباس .
وكذا قال أبو عبيدة قال : هو الذي يولد أعمى ; وأنشد لرؤبة :فارتد ارتداد الأكمهوقال ابن فارس : الكمه العمى يولد به الإنسان وقد يعرض .
قال سويد :كمهت عيناه حتى ابيضتامجاهد : هو الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل .
عكرمة : هو الأعمش ، ولكنه في اللغة العمى ; يقال كمه يكمه كمها وكمهتها أنا إذا أعميتها .
والبرص معروف وهو بياض يعتري الجلد ، والأبرص القمر ، وسام أبرص معروف ، ويجمع على الأبارص .
وخص هذان بالذكر لأنهما عياءان .
وكان الغالب على زمن عيسى عليه السلام الطب فأراهم الله المعجزة من جنس ذلك .
وأحيي الموتى بإذن الله قيل : أحيا أربعة أنفس : العاذر : وكان صديقا له ، وابن العجوز وابنة العاشر وسام بن نوح ; فالله أعلم .
فأما العاذر فإنه كان قد توفي قبل ذلك بأيام فدعا الله فقام بإذن الله وودكه يقطر فعاش وولد له ، وأما ابن العجوز فإنه مر به يحمل على سريره فدعا الله فقام ولبس ثيابه وحمل السرير على عنقه ورجع إلى أهله .
وأما بنت العاشر فكان أتى عليها ليلة فدعا الله فعاشت بعد ذلك وولد لها ; فلما رأوا ذلك قالوا : إنك تحيي من كان موته قريبا فلعلهم لم يموتوا فأصابتهم سكتة فأحيي لنا سام بن نوح .
فقال لهم : دلوني على قبره ، فخرج وخرج القوم معه ، حتى انتهى إلى قبره فدعا الله فخرج من قبره وقد شاب رأسه .
فقال له عيسى : كيف شاب رأسك ولم يكن في زمانكم شيب ؟ فقال : يا روح الله ، إنك دعوتني فسمعت صوتا يقول : أجب روح الله ، فظننت أن القيامة قد قامت ، فمن هول ذلك شاب رأسي .
فسأله عن النزع فقال : يا روح الله إن مرارة النزع لم تذهب عن حنجرتي ; وقد كان من وقت موته أكثر من أربعة آلاف سنة ، فقال للقوم : صدقوه فإنه نبي ; فآمن به بعضهم وكذبه بعضهم وقالوا : هذا سحر .
وروي من حديث إسماعيل بن عياش قال : حدثني محمد بن طلحة عن رجل أن عيسى ابن مريم كان إذا أراد أن يحيي الموتى صلى ركعتين يقرأ في الأولى : تبارك الذي بيده الملك .
وفي الثانية " تنزيل السجدة " فإذا فرغ حمد الله وأثنى عليه ثم دعا بسبعة أسماء : يا قديم يا خفي يا دائم يا فرد يا وتر يا أحد يا صمد ; ذكره البيهقي وقال : ليس إسناده بالقوي .
قوله تعالى : وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين أي بالذي تأكلونه وما تدخرون .
وذلك أنهم لما أحيا لهم الموتى طلبوا منه آية أخرى وقالوا : أخبرنا بما نأكل في بيوتنا وما ندخر للغد ; فأخبرهم فقال : يا فلان أنت أكلت كذا وكذا ، وأنت أكلت كذا وكذا وادخرت كذا وكذا ; فذلك قوله وأنبئكم الآية .
وقرأ مجاهد والزهري والسختياني " وما تذخرون " بالذال المعجمة مخففا .
وقال سعيد بن جبير وغيره : وكان يخبر الصبيان في الكتاب بما يدخرون حتى منعهم آباؤهم من الجلوس معه .
قتادة : أخبرهم بما أكلوه من المائدة وما ادخروه منها خفية .

﴿ ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ﴾ [ آل عمران: 49]

سورة : آل عمران - الأية : ( 49 )  - الجزء : ( 3 )  -  الصفحة: ( 56 )

English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم
  2. تفسير: من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين
  3. تفسير: ألا إن لله ما في السموات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه
  4. تفسير: فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون
  5. تفسير: كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين
  6. تفسير: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون
  7. تفسير: ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما
  8. تفسير: ولله ما في السموات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا
  9. تفسير: الذي أنقض ظهرك
  10. تفسير: والله جعل لكم الأرض بساطا

تحميل سورة آل عمران mp3 :

سورة آل عمران mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة آل عمران

سورة آل عمران بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة آل عمران بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة آل عمران بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة آل عمران بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة آل عمران بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة آل عمران بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة آل عمران بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة آل عمران بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة آل عمران بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة آل عمران بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

رسول , بني+إسرائيل , إسرائيل , أخلق , الطين , هيئة , الطير , فأنفخ , فيكون+طيرا , أبرئ , الأكمه , الأبرص , أحيي , الموتى , الله , أنبئكم , تأكلون , تدخرون , بيوتكم , آية , مؤمنين , وأبرئ+الأكمه+والأبرص , أحيي+الموتى , بإذن+الله , إن+في+ذلك+لآية , إن+كنتم+مؤمنين ,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب