تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن تفسير الصفحة 56 من المصحف



تفسير القرطبي - صفحة القرآن رقم 56

56- تفسير الصفحة رقم56 من المصحف
"ويكلم الناس" عطف على "وجيها" قاله الأخفش أيضا. و"المهد" مضجع الصبي في رضاعه. ومهدت الأمر هيأته ووطأته. وفي التنزيل "فلأنفسهم يمهدون" [الروم: 44]. وامتهد الشيء ارتفع كما يمتهد سنام البعير. "وكهلا" الكهل بين حال الغلومة وحال الشيخوخة. وامرأة كهلة. واكتهلت الروضة إذا عمها النور. يقول: يكلم الناس في المهد آية، ويكلمهم كهلا بالوحي والرسالة. وقال أبو العباس: كلمهم في المهد حين برأ أمه فقال: "إني عبد الله" [مريم: 30] الآية. وأما كلامه وهو كهل فإذا أنزله الله تعالى من السماء أنزله على صورة ابن ثلاث وثلاثين سنة وهو الكهل فيقول لهم: "إني عبد الله" كما قال في المهد. فهاتان آيتان وحجتان. قال المهدوي: وفائدة الآية أنه أعلمهم أن عيسى عليه السلام يكلمهم في المهد ويعيش إلى أن يكلمهم كهلا، إذ كانت العادة أن من تكلم في المهد لم يعش. قال الزجاج: "وكهلا" بمعنى ويكلم الناس كهلا. وقال الفراء والأخفش: هو معطوف على "وجيها". وقيل: المعنى ويكلم الناس صغيرا وكهلا. وروى ابن جريح عن مجاهد قال: الكهل الحليم. قال النحاس: هذا لا يعرف في اللغة، وإنما الكهل عند أهل اللغة من ناهز الأربعين. وقال بعضهم: يقال له حدث إلى ست عشرة سنة. ثم شاب إلى اثنتين وثلاثين. ثم يكتهل في ثلاث وثلاثين؛ قاله الأخفش. "ومن الصالحين" عطف على "وجيها" أي وهو من العباد الصالحين. ذكر أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدالله بن إدريس عن حصين عن هلال بن يساف. قال: لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى وصاحب يوسف وصاحب جريج، كذا قال: "وصاحب يوسف". وهو في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لم يتكلم في المد إلا ثلاثة عيسى ابن مريم وصاحب جريج وصاحب الجبار وبيْنا صبي يرضع من أمه) وذكر الحديث بطوله. وقد جاء من حديث صهيب في قصة الأخدود (أن امرأة جيء بها لتلقى في النار على إيمانها ومعها صبي). في غير كتاب مسلم (يرضع فتقاعست أن تقع فيها فقال الغلام يا أمه اصبري فإنك على الحق). وقال الضحاك: تكلم في المهد ستة: شاهد يوسف وصبي ماشطة امرأة فرعون وعيسى ويحيى وصاحب جريج وصاحب الجبار. ولم يذكر الأخدود، فأسقط صاحب الأخدود وبه يكون المتكلمون سبعة. ولا معارضة بين هذا وبين قوله عليه السلام: (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة) بالحصر فإنه أخبر بما كان في علمه مما أوحى إليه في تلك الحال، ثم بعد هذا أعلمه الله تعالى بما شاء من ذلك فأخبر به.
قلت: أما صاحب يوسف فيأتي الكلام فيه، وأما صاحب جريج وصاحب الجبار وصاحب الأخدود ففي صحيح مسلم. وستأتي قصة الأخدود في سورة "البروج" إن شاء الله تعالى. وأما صبي ماشطة امرأة فرعون، فذكر البيهقي عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لما أسري بي سرت في رائحة طيبة فقلت ما هذه الرائحة قالوا ماشطة ابنة فرعون وأولادها سقط مشطها من يديها فقالت: بسم الله فقالت ابنة فرعون: أبي؟ قالت: ربي وربك ورب أبيك. قالت: أوَلكِ رب غير أبي؟ قالت: نعم ربي وربك ورب أبيك الله - قال - فدعاها فرعون فقال: ألك رب غيري؟ قالت: نعم ربي وربك الله - قال - فأمر بنقرة من نحاس فأحميت ثم أمر بها لتلقى فيها قالت: إن لي إليك حاجة قال: ما هي؟ قالت: تجمع عظامي وعظام ولدي في موضع واحد قال: ذاك لك لما لك علينا من الحق. فأمر بهم فألقوا واحدا بعد واحد حتى بلغ رضيعا فيهم فقال قعي يا أمه ولا تقاعسي فإنا على الحق - قال - وتكلم أربعة وهم صغار: هذا وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى بن مريم.
الآية: 47 {قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون}
قوله تعالى: "قالت رب" أي يا سيدي. تخاطب جبريل عليه السلام؛ لأنه لما تمثل لها قال لها: إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلاما زكيا. فلما سمعت ذلك من قوله استفهمت عن طريق الولد فقالت: أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر؟ أي بنكاح. في سورتها "ولم أك بغيا" [مريم: 20] ذكرت هذا تأكيدا؛ لأن قولها "لم يمسسني بشر" يشمل الحرام والحلال. تقول: العادة الجارية التي أجراها الله في خلقه أن الولد لا يكون إلا عن نكاح أو سفاح. وقيل: ما استبعدت من قدرة الله تعالى شيئا، ولكن أرادت كيف يكون هذا الولد: أمِن قِبل زوج في المستقبل أم يخلقه الله ابتداء؟ فروي أن جبريل عليه السلام حين قال لها: كذلك الله يخلق ما يشاء "قال كذلك قال ربك هو علي هين" [مريم: 9]. نفخ في جيب درعها وكمها؛ قاله ابن جريج. قال ابن عباس: أخذ جبريل رُدْن قميصها بأصبعه فنفخ فيه فحملت من ساعتها بعيسى. وقيل غير ذلك على ما يأتي بيانه في سورتها إن شاء الله تعالى. وقال بعضهم: وقع نفخ جبريل في رحمها فعلقت بذلك. وقال بعضهم: لا يجوز أن يكون الخلق من نفخ جبريل لأنه يصير الولد بعضه من الملائكة وبعضه من الإنس، ولكن سبب ذلك أن الله تعالى لما خلق آدم وأخذ الميثاق من ذريته فجعل بعض الماء في أصلاب الآباء وبعضه في أرحام الأمهات فإذا اجتمع الماءان صارا ولدا، وأن الله تعالى جعل الماءين جميعا في مريم بعضه في رحمها وبعضه في صلبها، فنفخ فيه جبريل لتهيج شهوتها؛ لأن المرأة ما لم تهج شهوتها لا تحبل، فلما هاجت شهوتها بنفخ جبريل وقع الماء الذي كان في صلبها في رحمها فاختلط الماءان فعلقت بذلك؛ فذلك قوله تعالى: "إذا قضى أمرا" يعني إذا أراد أن يخلق خلقا "فإنما يقول له كن فيكون" وقد تقدم في" البقرة "القول فيه مستوفى.
الآيتان: 48 - 49 {ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين}
قوله تعالى: "ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل" قال ابن جريج: الكتاب الكتابة والخط. وقيل: هو كتاب غير التوراة والإنجيل علمه الله عيسى عليه السلام. "ورسولا" أي ونجعله رسولا. أو يكلمهم رسولا. وقيل: هو معطوف على قوله "وجيها". وقال الأخفش: وإن شئت جعلت الواو في قوله "ورسولا" مقحمة والرسول حالا للهاء، تقديره ويعلمه الكتاب رسولا. وفي حديث أبي ذر الطويل (وأول أنبياء بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى عليه السلام). "أني أخلق لكم" أي أصور وأقدر لكم. "من الطين كهيئة الطير" قرأ الأعرج وأبو جعفر "كهيّة" بالتشديد. الباقون بالهمز. والطير يذكر ويؤنث. "فأنفخ فيه" أي في الواحد منه أو منها أو في الطين فيكون طائرا. وطائر وطير مثل تاجر وتجر. قال وهب: كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا ليتميز فعل الخلق من فعل الله تعالى. وقيل: لم يخلق غير الخفاش لأنه أكمل الطير خلقا ليكون أبلغ في القدرة لأن لها ثديا وأسنانا وأذنا، وهي تحيض وتطهر وتلد. ويقال: إنما طلبوا خلق خفاش لأنه أعجب من سائر الخلق؛ ومن عجائبه أنه لحم ودم يطير بغير ريش ويلد كما يلد الحيوان ولا يبيض كما يبيض سائر الطيور، فيكون له الضرع يخرج منه اللبن، ولا يبصر في ضوء النهار ولا في ظلمة الليل، وإنما يرى في ساعتين: بعد غروب الشمس ساعة وبعد طلوع الفجر ساعة قبل أن يُسفر جدا، ويضحك كما يضحك الإنسان، ويحيض كما تحيض المرأة. ويقال: إن سؤالهم كان له على وجه التعنت فقالوا: أخلق لنا خفاشا واجعل فيه روحا إن كنت صادقا في مقالتك؛ فأخذ طينا وجعل منه خفاشا ثم نفخ فيه فإذا هو يطير بين السماء والأرض؛ وكان تسوية الطين والنفخ من عيسى والخلق من الله، كما أن النفخ من جبريل والخلق من الله.
قوله تعالى: "وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله" الأكمه: الذي يولد أعمى؛ عن ابن عباس. وكذا قال أبو عبيدة قال: هو الذي يولد أعمى؛ وأنشد لرؤبة:
فارتد ارتداد الأكمه
وقال ابن فارس: الكمه العمى يولد به الإنسان وقد يعرض. قال سويد:
كَمَهت عيناه حتى ابيضتا
مجاهد: هو الذي يُبصر بالنهار ولا يبصر بالليل. عكرمة: هو الأعمش، ولكنه في اللغة العمى؛ يقال كَمِه يَكْمه كَمَها وكمَّهتها أنا إذا أعميتها. والبرص معروف وهو بياض يعتري الجلد، والأبرص القمر، وسامُّ أبرص معروف، ويجمع على الأبارص. وخُص هذان بالذكر لأنهما عياءان. وكان الغالب على زمن عيسى عليه السلام الطب فأراهم الله المعجزة من جنس ذلك. "وأحيي الموتى بإذن الله" قيل: أحيا أربعة أنفس: العاذر: وكان صديقا له، وابن العجوز وابنة العاشر وسام بن نوح؛ فالله أعلم. فأما العاذر فإنه كان قد توفى قبل ذلك بأيام فدعا الله فقام بإذن الله وودكه يقطر فعاش وولد له، وأما ابن العجوز فإنه مر به يُحمل على سريره فدعا الله فقام ولبس ثيابه وحمل السرير على عنقه ورجع إلى أهله. وأما بنت العاشر فكان أتى عليها ليلة فدعا الله فعاشت بعد ذلك وولد لها؛ فلما رأوا ذلك قالوا: إنك تحيي من كان موته قريبا فلعلهم لم يموتوا فأصابتهم سكتة فأحيي لنا سام بن نوح. فقال لهم: دلوني على قبره، فخرج وخرج القوم معه، حتى انتهى إلى قبره فدعا الله فخرج من قبره وقد شاب رأسه. فقال له عيسى: كيف شاب رأسك ولم يكن في زمانكم شيب؟ فقال: يا روح الله، إنك دعوتني فسمعت صوتا يقول: أجب روح الله، فظننت أن القيامة قد قامت، فمن هول ذلك شاب رأسي. فسأله عن النزع فقال: يا روح الله إن مرارة النزع لم تذهب عن حنجرتي؛ وقد كان من وقت موته أكثر من أربعة آلاف سنة، فقال للقوم: صدقوه فإنه نبي؛ فآمن به بعضهم وكذبه بعضهم وقالوا: هذا سحر. وروي من حديث إسماعيل بن عياش قال: حدثني محمد بن طلحة عن رجل أن عيسى بن مريم كان إذا أراد أن يحيي الموتى صلى ركعتين يقرأ في الأولى: "تبارك الذي بيده الملك" [الملك: 1]. وفي الثانية "تنزيل" [السجدة: 2] فإذا فرغ حمد الله وأثنى عليه ثم دعا بسبعة أسماء: يا قديم يا خفي يا دائم يا فرد يا وتر يا أحد يا صمد؛ ذكره البيهقي وقال: ليس إسناده بالقوي.
قوله تعالى: "وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين" أي بالذي تأكلونه وما تدخرون. وذلك أنهم لما أحيا لهم الموتى طلبوا منه آية أخرى وقالوا: أخبرنا بما نأكل في بيوتنا وما ندخر للغد؛ فأخبرهم فقال: يا فلان أنت أكلت كذا وكذا، وأنت أكلت كذا وكذا وادخرت كذا وكذا؛ فذلك قوله "وأنبئكم" الآية. وقرأ مجاهد والزهري والسختياني "وما تذخرون" بالذال المعجمة مخففا. وقال سعيد بن جبير وغيره: كان يخبر الصبيان في الكتاب بما يدخرون حتى منعهم آباؤهم من الجلوس معه. قتادة: أخبرهم بما أكلوه من المائدة وما ادخروه منها خفية.
الآيتان: 50 - 51 {ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون، إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم}
قوله تعالى: "ومصدقا" عطف على قوله: "ورسولا". وقيل: المعنى وجئتكم مصدقا. "لما بين يدي" لما قبلي. "ولأحل لكم" فيه حذف، أي ولأحل لكم جئتكم. "بعض الذي حرم عليكم" يعني من الأطعمة. قيل: إنما أحل لهم عيسى عليه السلام ما حرم عليهم بذنوبهم ولم يكن في التوراة، نحو أكل الشحوم وكل ذي ظفر. وقيل: إنما أحل لهم أشياء حرمتها عليهم الأحبار ولم تكن في التوراة محرمة عليهم. قال أبو عبيدة: يجوز أن يكون "بعض" بمعنى كل؛ وأنشد لبيد:
تَرّاكُ أمكنة إذا لم أرضها أو يرتبط بعض النفوس حِمامُها
وهذا القول غلط عند أهل النظر من أهل اللغة؛ لأن البعض والجزء لا يكونان بمعنى الكل في هذا الموضع، لأن عيسى صلى الله عليه وسلم إنما أحل لهم أشياء مما حرمها عليهم موسى من أكل الشحوم وغيرها ولم يحل لهم القتل ولا السرقة ولا فاحشة. والدليل على هذا أنه روي عن قتادة أنه قال: جاءهم عيسى بألين مما جاء به موسى صلى الله عليهما وعلى نبينا؛ لأن موسى جاءهم بتحريم الإبل وأشياء من الشحوم فجاءهم عيسى بتحليل بعضها. وقرأ النخعي" بعض الذي حرم عليكم" مثل كرم، أي صار حراما. وقد يوضع البعض بمعنى الكل إذا انضمت إليه قرينة تدل عليه؛ كما قال الشاعر:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حَنَانَيْكَ بعض الشر أهْوَنُ من بعض
يريد بعض الشر أهون من كله. "وجئتكم بآية من ربكم" إنما وحد وهي آيات لأنها جنس واحد في الدلالة على رسالته.
الآية: 52 {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون}
قوله تعالى: "فلما أحس عيسى منهم الكفر" أي من بني إسرائيل. وأحس معناه علم ووجد قاله الزجاج. وقال أبو عبيدة: معنى "أحس" عرف، وأصل ذلك وجود الشيء بالحاسة. والإحساس: العلم بالشيء؛ قال الله تعالى: "هل تحس منهم من أحد" [مريم: 98] والحس القتل؛ قال الله تعالى: "إذ تحسونهم بإذنه" [آل عمران: 152]. ومنه الحديث في الجراد (إذا حسه البرد). "منهم الكفر" أي الكفر بالله. وقيل: سمع منهم كلمة الكفر. وقال الفراء: أرادوا قتله. "قال من أنصاري إلى الله" استنصر عليهم. قال السدي والثوري وغيرهما: المعنى مع الله، فإلى بمعنى مع؛ كقوله تعالى: "ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم" [النساء: 2] أي مع. والله أعلم. وقال الحسن: المعنى من أنصاري في السبيل إلى الله؛ لأنه دعاهم إلى الله عز وجل. وقيل: المعنى من يضم نصرته إلى نصرة الله عز وجل. فإلى على هذين القولين على بابها، وهو الجيد. وطلب النصرة ليحتمي بها من قومه ويظهر الدعوة؛ عن الحسن ومجاهد. وهذه سنة الله في أنبيائه وأوليائه. وقد قال لوط: "لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد" [هود: 80] أي عشيرة وأصحاب ينصرونني. "قال الحواريون نحن أنصار الله" أي أنصار نبيه ودينه. والحواريون أصحاب عيسى عليه السلام، وكانوا اثني عشر رجلا؛ قاله الكلبي وأبو رَوْق.
واختلف في تسميتهم بذلك؛ فقال ابن عباس: سموا بذلك لبياض ثيابهم، وكانوا صيادين. ابن أبي نجيح وابن أرطاة: كانوا قصارين فسموا بذلك لتبييضهم الثياب. قال عطاء: أسلمت مريم عيسى إلى أعمال شتى، وآخر ما دفعته إلى الحواريين وكانوا قصارين وصباغين، فأراد معلم عيسى السفر، فقال لعيسى: عندي ثياب كثيرة مختلفة الألوان وقد علمتك الصبغة فاصبغها. فطبخ عيسى حُبّا واحدا وأدخله جميع الثياب وقال: كوني بإذن الله على ما أريد منك. فقدم الحواري والثياب كلها في الحُبِّ فلما رآها قال: قد أفسدتها؛ فأخرج عيسى ثوبا أحمر وأصفر وأخضر إلى غير ذلك مما كان على كل ثوب مكتوب عليه صبغه؛ فعجب الحواري، وعلم أن ذلك من الله ودعا الناس إليه فآمنوا به؛ فهم الحواريون. قتادة والضحاك: سموا بذلك لأنهم كانوا خاصة الأنبياء. يريدان لنقاء قلوبهم. وقيل. كانوا ملوكا، وذلك أن الملك صنع طعاما فدعا الناس إليه فكان عيسى على قصعة فكانت لا تنقص، فقال الملك له: من أنت؟ قال: عيسى ابن مريم. قال: إني أترك ملكي هذا وأتبعك. فانطلق بمن اتبعه معه، فهم الحواريون؛ قاله ابن عون. وأصل الحَوَر في اللغة البياض، وحورت الثياب بيضتها، والحُوَّارَى من الطعام ما حُوّر، أي بيض، واحْوَرّ ابيضَّ، والجَفْنَة المحوّرة: المبيضة بالسنام، والحواري أيضا الناصر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لكل نبي حواري وحواريي الزبير). والحواريات: النساء لبياضهن؛ وقال:
فقل للحواريات يبكين غيرنا ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح