ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون
قوله تبارك وتعالى : ( ولما سكت ) أي : سكن ، ( عن موسى الغضب أخذ الألواح ) التي كان ألقاها وقد ذهبت ستة أسباعها ( وفي نسختها ) اختلفوا فيه ، قيل: أراد بها الألواح ، لأنها نسخت من اللوح المحفوظ .وقيل: إن موسى لما ألقى الألواح تكسرت فنسخ منها نسخة أخرى فهو المراد من قوله : ( وفي نسختها )وقيل: أراد : وفيما نسخ منها . وقال عطاء : فيما بقي منها . وقال ابن عباس وعمرو بن دينار : لما ألقى موسى الألواح فتكسرت صام أربعين يوما فردت عليه في لوحين فكان فيه ، ( هدى ورحمة ) أي : هدى من الضلالة ورحمة من العذاب ، ( للذين هم لربهم يرهبون ) أي : للخائفين من ربهم ، واللام في ( لربهم ) زيادة توكيد ، كقوله : ( ردف لكم ) النمل - 72 ، وقال الكسائي : لما تقدمت قبل الفعل حسنت ، كقوله : ( للرؤيا تعبرون ) يوسف - 43 ، وقال قطرب : أراد من ربهم يرهبون . وقيل: أراد راهبون . وقيل: أراد راهبون لربهم .
واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين
قوله تعالى : ( واختار موسى قومه ) أي : من قومه ، فانتصب لنزع حرف الصفة ، ( سبعين رجلا لميقاتنا ) فيه دليل على أن كلهم لم يعبدوا العجل . قال السدي : أمر الله تعالى موسى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل ، فاختار موسى من قومه سبعين رجلا ( فلما ) أتوا ذلك المكان قالوا : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة فماتوا .قال ابن إسحاق : اختارهم ليتوبوا إليه مما صنعوا ويسألوا التوبة على من تركوا وراءهم من قومهم ، فهذا يدل على أن كلهم عبدوا العجل .وقال قتادة ، وابن جريج ، ومحمد بن كعب : ( أخذتهم الرجفة ) لأنهم لم يزايلوا قومهم حين عبدوا العجل ، ولم يأمروهم بالمعروف ولم ينهوهم عن المنكر .وقال ابن عباس : إن السبعين الذين قالوا : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة ) البقرة - 55 ، كانوا قبل السبعين الذين أخذتهم الرجفة ، وإنما أمر الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام أن يختار من قومه سبعين رجلا فاختارهم وبرز بهم ليدعوا ربهم ، فكان فيما دعوا أن قالوا : اللهم أعطنا ما لم تعطه أحدا قبلنا ، ولا تعطه أحدا بعدنا ، فكره الله ذلك من دعائهم ، فأخذتهم الرجفة .وقال وهب : لم تكن الرجفة صوتا ، ولكن القوم لما رأوا تلك الهيبة أخذتهم الرعدة وقلقوا ورجفوا ، حتى كادت أن تبين مفاصلهم ، فلما رأى موسى ذلك رحمهم وخاف عليهم الموت ، فاشتد عليه فقدهم ، وكانوا له وزراء على الخير ، سامعين مطيعين ، فعند ذلك دعا وبكى وناشد ربه ، فكشف الله عنهم تلك الرجفة ، فاطمأنوا وسمعوا كلام ربهم ، فذلك قوله - عز وجل - : ( قال ) يعني موسى ( رب لو شئت أهلكتهم من قبل ) يعني عن عبادة العجل ( وإياي ) بقتل القبطي . ( أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ) يعني عبدة العجل ، وظن موسى أنهم عوقبوا باتخاذهم العجل ، وقال هذا على طريق السؤال ، يسأل : أتهلكنا بفعل السفهاء؟ .وقال المبرد : قوله " أهلكنا بما فعل السفهاء منا " استفهام استعطاف ، أي : لا تهلكنا ، وقد علم موسى عليه السلام أن الله تعالى أعدل من أن يأخذ بجريرة الجاني غيره .قوله تعالى ( إن هي إلا فتنتك ) أي : التي وقع فيها السفهاء ، لم تكن إلا اختبارك وابتلاءك ، أضللت بها قوما فافتتنوا ، وهديت قوما فعصمتهم حتى ثبتوا على دينك ، فذلك هو معنى قوله : ( تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا ) ناصرنا وحافظنا ، ( فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين )
وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون
قوله - عز وجل - : ( وقطعناهم ) أي : فرقناهم ، يعني بني إسرائيل ، ( اثنتي عشرة أسباطا أمما )قال الفراء : إنما قال : " اثنتي عشرة " ، والسبط مذكر لأنه قال : " أمما " فرجع التأنيث إلى الأمم ، وقال الزجاج : المعنى وقطعناهم اثنتي عشرة أمما ، وإنما قال : " أسباطا أمما " ، بالجمع وما فوق العشرة لا يفسر بالجمع ، فلا يقال : أتاني اثنا عشر رجالا لأن الأسباط في الحقيقة نعت المفسر المحذوف وهو الفرقة ، أي : وقطعناهم اثنتي عشرة فرقة أمما .وقيل: فيه تقديم وتأخير ، تقديره : وقطعناهم أسباطا أمما اثنتي عشرة ، والأسباط القبائل واحدها سبط .قوله تعالى : ( وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه ) في التيه ، ( أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست ) انفجرت . وقال أبو عمرو بن العلاء : عرقت وهو الانبجاس ، ثم انفجرت ، ( منه اثنتا عشرة عينا ) لكل سبط عين ( قد علم كل أناس ) كل سبط ، ( مشربهم ) وكل سبط بنو أب واحد .قوله تعالى : ( وظللنا عليهم الغمام ) في التيه تقيهم حر الشمس ، ( وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )
وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون
قوله تعالى : ( وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم ) اختلفوا في الذين قالوا هذا ، قيل: كانوا من الفرقة الهالكة ، وذلك أنهم لما قيل لهم انتهوا عن هذا العمل السيئ ، قبل أن ينزل بكم العذاب وإنا نعلم أن الله منزل بكم بأسه إن لم تنتهوا أجابوا وقالوا : ( لم تعظون قوما الله مهلكهم ) ، ( أو ) علمتم أنه ( معذبهم عذابا شديدا قالوا ) أي : قال الناهون ( معذرة ) أي : موعظتنا معذرة ( إلى ربكم ) قرأ حفص : " معذرة " بالنصب أي نفعل ذلك معذرة إلى ربكم . والأصح أنها من قول الفرقة الساكتة ، قالوا لم تعظون قوما الله مهلكهم ، قالوا معذرة إلى ربكم ، ومعناه أن الأمر بالمعروف واجب علينا فعلينا موعظة هؤلاء عذرا إلى الله ، ( ولعلهم يتقون ) أي : يتقون الله ويتركوا المعصية ، ولو كان الخطاب مع المعتدين لكان يقول ولعلكم تتقون .
وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم
( وإذ تأذن ربك ) أي : آذن وأعلم ربك ، يقال : تأذن وآذن ، مثل : توعد وأوعد . وقال ابن عباس : تأذن ربك قال ربك . وقال مجاهد : أمر ربك . وقال عطاء : حكم ربك . ( ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة ) أي : على اليهود ، ( من يسومهم سوء العذاب ) بعث الله عليهم محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأمته يقاتلونهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية ، ( إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم )
وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين
قوله تعالى : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) الآية .أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ، عن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذه الآية : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) الآية . قال عمر بن الخطاب : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل عنها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن الله - عز وجل - خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون . ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون ، فقال رجل : ففيم العمل يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله - عز وجل - إذا خلق العبد للجنة استعمله للجنة بعمل أهل الجنة ، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة ، فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار ، حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار " وقال أبو عيسى : هذا حديث حسن . ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر ، وقد ذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار وعمر رجلا .قال مقاتل وغيره من أهل التفسير : إن الله مسح صفحة ظهر آدم اليمنى فأخرج منه ذرية بيضاء كهيئة الذر يتحركون ، ثم مسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذرية سوداء كهيئة الذر ، فقال : يا آدم هذه ذريتك ، ثم قال لهم : ألست بربكم؟ قالوا : بلى ، فقال للبيض : هؤلاء في الجنة برحمتي ولا أبالي وهم أصحاب اليمين ، وقال للسود : هؤلاء في النار ولا أبالي ، وهم أصحاب الشمال ، ثم أعادهم جميعا في صلبه ، فأهل القبور محبوسون حتى يخرج أهل الميثاق كلهم من أصلاب الرجال وأرحام النساء . قال الله تعالى فيمن نقض العهد الأول : " وما وجدنا لأكثرهم من عهد " الأعراف - 102 .وقال بعض أهل التفسير : إن أهل السعادة أقروا طوعا وقالوا : بلى ، وأهل الشقاوة قالوه تقية وكرها ، وذلك معنى قوله : " وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها " آل عمران - 83 .واختلفوا في موضع الميثاق ; قال ابن عباس رضي الله عنهما : ببطن نعمان - واد إلى جنب عرفة - وروي عنه أيضا : أنه بدهناء من أرض الهند وهو الموضع الذي هبط آدم عليه السلام عليه . وقال الكلبي : بين مكة والطائف ، وقال السدي : أخرج الله آدم عليه السلام من الجنة فلم يهبط من السماء ثم مسح ظهره فأخرج ذريته . وروي : أن الله أخرجهم جميعا وصورهم وجعل لهم عقولا يعلمون بها وألسنا ينطقون بها ثم كلمهم قبلا - يعني عيانا - وقال ألست بربكم؟ وقال الزجاج وجائز أن يكون الله تعالى جعل لأمثال الذر فهما تعقل به ، كما قال تعالى : " قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم " النمل - 18 .وروي أن الله تعالى قال لهم جميعا : اعلموا أنه لا إله غيري وأنا ربكم لا رب لكم غيري فلا تشركوا بي شيئا ، فإني سأنتقم ممن أشرك بي ولم يؤمن بي ، وإني مرسل إليكم رسلا يذكرونكم عهدي وميثاقي ، ومنزل عليكم كتبا ، فتكلموا جميعا ، وقالوا : شهدنا أنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك ، فأخذ بذلك مواثيقهم ، ثم كتب آجالهم وأرزقاهم ومصائبهم ، فنظر إليهم آدم فرأى منهم الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك ، فقال : رب لولا سويت بينهم؟ قال : إني أحب أن أشكر ، فلما قررهم بتوحيده وأشهد بعضهم على بعض أعادهم إلى صلبه فلا تقوم الساعة حتى يولد كل من أخذ ميثاقه فذلك قوله تعالى : " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم " أي : من ظهور بني آدم ذريتهم ، قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وابن عامر : " ذرياتهم " بالجمع وكسر التاء ، وقرأ الآخرون " ذريتهم " على التوحيد ، ونصب التاء .فإن قيل: ما معنى قوله " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم " وإنما أخرجهم من ظهر آدم؟ قيل: إن الله أخرج ذرية آدم بعضهم من ظهور بعض على نحو ما يتوالد الأبناء من الآباء في الترتيب ، فاستغنى عن ذكر ظهر آدم لما علم أنهم كلهم بنوه وأخرجوا من ظهرهقوله تعالى : ( وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) أي : أشهد بعضهم على بعض : ( شهدنا أن تقولوا ) قرأ أبو عمرو : " أن يقولوا " ويقولوا بالياء فيهما ، وقرأ الآخرون بالتاء فيهما .واختلفوا في قوله : " شهدنا " قال السدي : هو خبر من الله عن نفسه وملائكته أنهم شهدوا على إقرار بني آدم . وقال بعضهم : هو خبر عن قول بني آدم حين أشهد الله بعضهم على بعض ، فقالوا بلى شهدنا . وقال الكلبي : ذلك من قول الملائكة ، وفيه حذف تقديره : لما قالت الذرية : بلى قال الله للملائكة : اشهدوا ، قالوا : شهدنا ، قوله : " أن يقولوا " يعني : وأشهدهم على أنفسهم أن يقولوا ، أي : لئلا يقولوا أو كراهية أن يقولوا ، ومن قرأ بالتاء فتقدير الكلام : أخاطبكم : ألست بربكم لئلا تقولوا : ( يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ) أي : عن هذا الميثاق والإقرار ، فإن قيل: كيف تلزم الحجة على أحد لا يذكر الميثاق؟ قيل: قد أوضح الله الدلائل على وحدانيته وصدق رسله فيما أخبروا ، فمن أنكره كان معاندا ناقضا للعهد ولزمته الحجة ، وبنسيانهم وعدم حفظهم لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر الصادق صاحب المعجزة .
أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون
( أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله ) فيهما ( من شيء ) أي : وينظروا إلى ما خلق الله من شيء ليستدلوا بها على وحدانيته . ( وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم ) أي : لعل أن يكون قد اقترب أجلهم فيموتوا قبل أن يؤمنوا ويصيروا إلى العذاب ، ( فبأي حديث بعده يؤمنون ) أي : بعد القرآن يؤمنون . يقول : بأي كتاب غير ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - يصدقون ، وليس بعده نبي ولا كتاب ، ثم ذكر علة إعراضهم عن الإيمان فقال :
يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون
قوله تعالى : ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ) قال قتادة : قالت قريش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن بيننا وبينك قرابة فأسر إلينا متى الساعة؟ فأنزل الله تعالى : " يسئلونك عن الساعة " يعني : القيامة ، ( أيان مرساها ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : منتهاها . وقال قتادة : قيامها ، وأصله الثبات ، أي : متى مثبتها؟ ( قل ) يا محمد ( إنما علمها عند ربي ) استأثر بعلمها ولا يعلمها إلا هو ، ( لا يجليها ) لا يكشفها ولا يظهرها . وقال مجاهد : لا يأتي بها ، ( لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض ) يعني : ثقل علمها وخفي أمرها على أهل السماوات والأرض ، وكل خفي ثقيل . قال الحسن : يقول إذا جاء ثقلت وعظمت على أهل السماوات والأرض ، ( لا تأتيكم إلا بغتة ) فجأة على غفلة .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، حدثنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، حدثنا أبو الزناد عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه ، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها " .( يسألونك كأنك حفي عنها ) أي : عالم بها من قولهم أحفيت في المسألة ، أي : بالغت فيها ، معناه : كأنك بالغت في السؤال عنها حتى علمتها ، ( قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أن علمها عند الله حتى سألوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - عنها .
هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين
قوله تعالى : ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) يعني : آدم ، ( وجعل ) وخلق ( منها زوجها ) يعني : حواء ، ( ليسكن إليها ) ليأنس بها ويأوي إليها ( فلما تغشاها ) أي : واقعها وجامعها ( حملت حملا خفيفا ) وهو أول ما تحمل المرأة من النطفة يكون خفيفا عليها ، ( فمرت به ) أي : استمرت به وقامت وقعدت به ، لم يثقلها ، ( فلما أثقلت ) أي : كبر الولد في بطنها وصارت ذات ثقل بحملها ودنت ولادتها ، ( دعوا الله ربهما ) يعني آدم وحواء ، ( لئن آتيتنا ) يا ربنا ( صالحا ) أي : بشرا سويا مثلنا ، ( لنكونن من الشاكرين ) قال المفسرون : فلما حملت حواء أتاها إبليس في صورة رجل ، فقال لها : ما الذي في بطنك؟ قالت : ما أدري . قال : إني أخاف أن يكون بهيمة ، أو كلبا ، أو خنزيرا ، وما يدريك من أين يخرج؟ من دبرك فيقتلك ، أو من قبلك وينشق بطنك ، فخافت حواء من ذلك ، وذكرت ذلك لآدم عليه السلام فلم يزالا في هم من ذلك ، ثم عاد إليها فقال : إني من الله بمنزلة ، فإن دعوت الله أن يجعله خلقا سويا مثلك ويسهل عليك خروجه تسميه عبد الحارث؟ - وكان اسم إبليس في الملائكة الحارث - فذكرت ذلك لآدم ، فقال : لعله صاحبنا الذي قد علمت ، فعاودها إبليس ، فلم يزل بهما حتى غرهما ، فلما ولدت سمياه عبد الحارث .قال الكلبي : قال إبليس لها : إن دعوت الله فولدت إنسانا أتسمينه بي؟ قالت : نعم ، فلما ولدت قال سميه بي ، قالت : وما اسمك قال الحارث ، ولو سمى لها نفسه لعرفته فسمته عبد الحارث .وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت حواء تلد لآدم فيسميه عبد الله ، وعبيد الله وعبد الرحمن ، فيصيبهم الموت ، فأتاهما إبليس وقال : إن سركما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحارث ، فولدت فسمياه عبد الحارث فعاش . وجاء في الحديث : " خدعهما إبليس مرتين مرة في الجنة ومرة في الأرض " .وقال ابن زيد : ولد لآدم ولد فسماه عبد الله فأتاهما إبليس فقال لهما : ما سميتما ابنكما؟ قالا عبد الله - وكان قد ولد لهما قبل ذلك ولد فسمياه عبد الله فمات - فقال إبليس : أتظنان أن الله تارك عبده عندكما ، لا والله ليذهبن به كما ذهب بالآخر ، ولكن أدلكم على اسم يبقى لكما ما بقيتما ، فسمياه عبد شمس . والأول أصح ، فذلك قوله : ( فلما آتاهما صالحا )