يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين
﴿شهدنا﴾: أقررنا واعترفنا. «We bear witness»
قوله - عز وجل - : ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) اختلفوا في أن الجن هل أرسل إليهم منهم رسول ؟ فسئل الضحاك عنه ، فقال : بلى ألم تسمع الله يقول ( ألم يأتكم رسل منكم ) يعني بذلك رسلا من الإنس ورسلا من الجن . قال الكلبي : كانت الرسل من قبل أن يبعث محمد - صلى الله عليه وسلم - يبعثون إلى الجن وإلى الإنس جميعا .قال مجاهد : الرسل من الإنس ، والنذر من الجن ، ثم قرأ ( ولوا إلى قومهم منذرين ) ( الأحقاف ، 29 ) ، وهم قوم يسمعون كلام الرسل فيبلغون الجن ما سمعوا ، وليس للجن رسل ، فعلى هذا قوله " رسل منكم " ينصرف إلى أحد الصنفين وهم الإنس ، كما قال تعالى : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) ( الرحمن ، 22 ) وإنما يخرج من الملح دون العذب ، قال : ( وجعل القمر فيهن نورا ) ( نوح ، 16 ) ، وإنما هو في سماء واحدة .( يقصون عليكم ) أي : يقرءون عليكم ، ( آياتي ) كتبي ( وينذرونكم لقاء يومكم هذا ) وهو يوم القيامة ، ( قالوا شهدنا على أنفسنا ) أنهم قد بلغوا ، قال مقاتل : وذلك حين شهدت عليهم جوارحهم بالشرك والكفر . قال الله - عز وجل - : ( وغرتهم الحياة الدنيا ) حتى لم يؤمنوا ، ( وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ) .
وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين
﴿شهدنا﴾: أقررنا واعترفنا. «we have testified»
قوله تعالى : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) الآية .أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ، عن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذه الآية : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) الآية . قال عمر بن الخطاب : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل عنها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن الله - عز وجل - خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون . ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون ، فقال رجل : ففيم العمل يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله - عز وجل - إذا خلق العبد للجنة استعمله للجنة بعمل أهل الجنة ، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة ، فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار ، حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار " وقال أبو عيسى : هذا حديث حسن . ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر ، وقد ذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار وعمر رجلا .قال مقاتل وغيره من أهل التفسير : إن الله مسح صفحة ظهر آدم اليمنى فأخرج منه ذرية بيضاء كهيئة الذر يتحركون ، ثم مسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذرية سوداء كهيئة الذر ، فقال : يا آدم هذه ذريتك ، ثم قال لهم : ألست بربكم؟ قالوا : بلى ، فقال للبيض : هؤلاء في الجنة برحمتي ولا أبالي وهم أصحاب اليمين ، وقال للسود : هؤلاء في النار ولا أبالي ، وهم أصحاب الشمال ، ثم أعادهم جميعا في صلبه ، فأهل القبور محبوسون حتى يخرج أهل الميثاق كلهم من أصلاب الرجال وأرحام النساء . قال الله تعالى فيمن نقض العهد الأول : " وما وجدنا لأكثرهم من عهد " الأعراف - 102 .وقال بعض أهل التفسير : إن أهل السعادة أقروا طوعا وقالوا : بلى ، وأهل الشقاوة قالوه تقية وكرها ، وذلك معنى قوله : " وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها " آل عمران - 83 .واختلفوا في موضع الميثاق ; قال ابن عباس رضي الله عنهما : ببطن نعمان - واد إلى جنب عرفة - وروي عنه أيضا : أنه بدهناء من أرض الهند وهو الموضع الذي هبط آدم عليه السلام عليه . وقال الكلبي : بين مكة والطائف ، وقال السدي : أخرج الله آدم عليه السلام من الجنة فلم يهبط من السماء ثم مسح ظهره فأخرج ذريته . وروي : أن الله أخرجهم جميعا وصورهم وجعل لهم عقولا يعلمون بها وألسنا ينطقون بها ثم كلمهم قبلا - يعني عيانا - وقال ألست بربكم؟ وقال الزجاج وجائز أن يكون الله تعالى جعل لأمثال الذر فهما تعقل به ، كما قال تعالى : " قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم " النمل - 18 .وروي أن الله تعالى قال لهم جميعا : اعلموا أنه لا إله غيري وأنا ربكم لا رب لكم غيري فلا تشركوا بي شيئا ، فإني سأنتقم ممن أشرك بي ولم يؤمن بي ، وإني مرسل إليكم رسلا يذكرونكم عهدي وميثاقي ، ومنزل عليكم كتبا ، فتكلموا جميعا ، وقالوا : شهدنا أنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك ، فأخذ بذلك مواثيقهم ، ثم كتب آجالهم وأرزقاهم ومصائبهم ، فنظر إليهم آدم فرأى منهم الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك ، فقال : رب لولا سويت بينهم؟ قال : إني أحب أن أشكر ، فلما قررهم بتوحيده وأشهد بعضهم على بعض أعادهم إلى صلبه فلا تقوم الساعة حتى يولد كل من أخذ ميثاقه فذلك قوله تعالى : " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم " أي : من ظهور بني آدم ذريتهم ، قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وابن عامر : " ذرياتهم " بالجمع وكسر التاء ، وقرأ الآخرون " ذريتهم " على التوحيد ، ونصب التاء .فإن قيل: ما معنى قوله " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم " وإنما أخرجهم من ظهر آدم؟ قيل: إن الله أخرج ذرية آدم بعضهم من ظهور بعض على نحو ما يتوالد الأبناء من الآباء في الترتيب ، فاستغنى عن ذكر ظهر آدم لما علم أنهم كلهم بنوه وأخرجوا من ظهرهقوله تعالى : ( وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) أي : أشهد بعضهم على بعض : ( شهدنا أن تقولوا ) قرأ أبو عمرو : " أن يقولوا " ويقولوا بالياء فيهما ، وقرأ الآخرون بالتاء فيهما .واختلفوا في قوله : " شهدنا " قال السدي : هو خبر من الله عن نفسه وملائكته أنهم شهدوا على إقرار بني آدم . وقال بعضهم : هو خبر عن قول بني آدم حين أشهد الله بعضهم على بعض ، فقالوا بلى شهدنا . وقال الكلبي : ذلك من قول الملائكة ، وفيه حذف تقديره : لما قالت الذرية : بلى قال الله للملائكة : اشهدوا ، قالوا : شهدنا ، قوله : " أن يقولوا " يعني : وأشهدهم على أنفسهم أن يقولوا ، أي : لئلا يقولوا أو كراهية أن يقولوا ، ومن قرأ بالتاء فتقدير الكلام : أخاطبكم : ألست بربكم لئلا تقولوا : ( يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ) أي : عن هذا الميثاق والإقرار ، فإن قيل: كيف تلزم الحجة على أحد لا يذكر الميثاق؟ قيل: قد أوضح الله الدلائل على وحدانيته وصدق رسله فيما أخبروا ، فمن أنكره كان معاندا ناقضا للعهد ولزمته الحجة ، وبنسيانهم وعدم حفظهم لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر الصادق صاحب المعجزة .
ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين
﴿شهدنا﴾: أخبرنا خبرا مقرين ومعترفين به. «we testify»
( ارجعوا إلى أبيكم ) يقول الأخ المحتبس بمصر لإخوته ارجعوا إلى أبيكم ( فقولوا يا أبانا إن ابنك ) بنيامين ( سرق ) قرأ ابن عباس ، والضحاك " سرق " بضم السين وكسر الراء وتشديدها ، يعني : نسب إلى السرقة ، كما يقال : خونته أي نسبته إلى الخيانة .( وما شهدنا إلا بما علمنا ) يعني : ما قلنا هذا إلا بما علمنا فإنا رأينا إخراج الصاع من متاعه . وقيل: معناه : وما شهدنا ، أي : ما كانت منا شهادة في عمرنا على شيء إلا بما علمنا ، وليست هذه شهادة منا إنما هو خبر عن صنيع ابنك بزعمهم .وقيل: قال لهم يعقوب عليه السلام : ما يدري هذا الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته إلا بقولكم ، فقالوا : ما شهدنا عند يوسف بأن السارق يسترق إلا بما علمنا ، وكان الحكم ذلك عند الأنبياء ; يعقوب وبنيه .( وما كنا للغيب حافظين ) قال مجاهد ، وقتادة : ما كنا نعلم أن ابنك سيسرق ويصير أمرنا إلى هذا ولو علمنا ذلك ما ذهبنا إليه ، وإنما قلنا : ونحفظ أخانا مما لنا إلى حفظه منه سبيل . وعن ابن عباس : ما كنا لليله ونهاره ومجيئه وذهابه حافظين . وقال عكرمة : وما كنا للغيب حافظين فلعلها دست بالليل في رحله .
قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون
﴿شهدنا﴾: حضرنا. «we witnessed»
قالوا ( تقاسموا بالله ) تحالفوا ، يقول بعضهم لبعض : أي : احلفوا بالله أيها القوم . وموضع " تقاسموا " جزم على الأمر ، وقال قوم : محله نصب على الفعل الماضي ، يعني : أنهم تحالفوا وتواثقوا ، تقديره : قالوا متقاسمين بالله ، ( لنبيتنه ) أي : لنقتلنه بياتا أي : ليلا ( وأهله ) أي : وقومه الذين أسلموا معه ، وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي " لتبيتنه " و " لتقولن " بالتاء فيهما وضم لام الفعل على الخطاب ، وقرأ الآخرون بالنون فيهما وفتح لام الفعل ، ( ثم لنقولن لوليه ) أي : لولي دمه ، ( ما شهدنا ) ما حضرنا ، ( مهلك أهله ) أي : إهلاكهم ، ولا ندري من قتله ، ومن فتح الميم فمعناه هلاك أهله ، ( وإنا لصادقون ) في قولنا ما شهدنا ذلك .