ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنىيؤفكون
﴿أنى﴾: ظرف مكان يستفهم به بمعنى "كيف" أو "من أين". «how» ﴿يؤفكون﴾: يصرفون عن الحق. «they are deluded»
قوله تعالى : ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت ) [ مضت ] ( من قبله الرسل ) أي : ليس هو بإله بل هو كالرسل الذين مضوا لم يكونوا آلهة ) ( وأمه صديقة ) أي : كثيرة الصدق .وقيل: سميت صديقة لأنها صدقت بآيات الله ، كما قال عز وجل في وصفها : " وصدقت بكلمات ربها " ( التحريم ، 12 ) ، ( كانا يأكلان الطعام ) أي : كانا يعيشان بالطعام والغذاء كسائر الآدميين ، فكيف يكون إلها من لا يقيمه إلا أكل الطعام؟وقيل: هذا كناية عن الحدث ، وذلك أن من أكل وشرب لا بد له من البول والغائط ، ومن هذه صفته كيف يكون إلها؟ثم قال : ( انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون ) أي يصرفون عن الحق .
وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنىيؤفكون
﴿أنى﴾: أداة شرط بمعنى "أين" وهي مع شرطيتها ظرف يشير الى المكان الذي حل فيه الشيء. «How» ﴿يؤفكون﴾: أنى يؤفكون: كيف يصرفون عن الحق؟. «deluded are they»
قوله تعالى : ( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ) روى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود : سلام بن مشكم ، والنعمان بن أوفى ، وشاس بن قيس ، ومالك بن الصيف ، فقالوا : كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله؟ فأنزل الله عز وجل : ( وقالت اليهود عزير ابن الله ) .قرأ عاصم والكسائي ويعقوب " عزير " بالتنوين والآخرون بغير تنوين ؛ لأنه اسم أعجمي ويشبه اسما مصغرا ، ومن نون قال : لأنه اسم خفيف ، فوجهه أن يصرف ، وإن كان أعجميا مثل نوح وهود ولوط . واختار أبو عبيدة التنوين وقال : لأن هذا ليس بمنسوب إلى أبيه ، إنما هو كقولك زيد ابن الأمير وزيد ابن أختنا ، فعزير مبتدأ وما بعده خبر له .وقال عبيد بن عمير : إنما قال هذه المقالة رجل واحد من اليهود اسمه فنحاص بن عازوراء . وهو الذي قال : " إن الله فقير ونحن أغنياء " " آل عمران - 181 " .وروى عطية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إنما قالت اليهود عزير ابن الله من أجل أن عزيرا كان فيهم وكانت التوراة عندهم والتابوت فيهم ، فأضاعوا التوراة وعملوا بغير الحق ، فرفع الله عنهم التابوت وأنساهم التوراة ونسخها من صدورهم ، فدعا الله عزير وابتهل إليه أن يرد إليه الذي نسخ من صدورهم ، فبينما هو يصلي مبتهلا إلى الله تعالى نزل نور من السماء فدخل جوفه فعادت إليه التوراة فأذن في قومه ، وقال : يا قوم قد آتاني الله التوراة ردها إلي! فعلق به الناس يعلمهم ، فمكثوا ما شاء الله تعالى ، ثم إن التابوت نزل بعد ذهابه منهم ، فلما رأوا التابوت عرضوا ما كان فيه على الذي كان يعلمهم عزير فوجدوه مثله ، فقالوا : ما أوتي عزير هذا إلا أنه ابن الله .وقال الكلبي : إن بختنصر لما ظهر على بني إسرائيل وقتل منهم من قرأ التوراة ، وكان عزير إذ ذاك صغيرا فاستصغره فلم يقتله ، فلما رجع بنو إسرائيل إلى بيت المقدس وليس فيهم من يقرأ التوراة بعث الله عزيرا ليجدد لهم التوراة وتكون لهم آية بعد مائة سنة ، يقال : أتاه ملك بإناء فيه ماء فسقاه فمثلت التوراة في صدره ، فلما أتاهم قال أنا عزير فكذبوه وقالوا : إن كنت كما تزعم فأمل علينا التوراة ، فكتبها لهم ، ثم إن رجلا قال : إن أبي حدثني عن جدي أن التوراة جعلت في خابية ودفنت في كرم ، فانطلقوا معه حتى أخرجوها ، فعارضوها بما كتب لهم عزير فلم يجدوه غادر منها حرفا ، فقالوا : إن الله لم يقذف التوراة في قلب رجل إلا لأنه ابنه ، فعند ذلك قالت اليهود : عزير ابن الله .وأما النصارى فقالوا : المسيح ابن الله ، وكان السبب فيه أنهم كانوا على دين الإسلام إحدى وثمانين سنة بعدما رفع عيسى عليه السلام يصلون إلى القبلة ، ويصومون رمضان ، حتى وقع فيما بينهم وبين اليهود حرب ، وكان في اليهود رجل شجاع يقال له " بولص " قتل جملة من أصحاب عيسى عليه السلام ، ثم قال لليهود : إن كان الحق مع عيسى فقد كفرنا به والنار مصيرنا ، فنحن مغبونون إن دخلوا الجنة ودخلنا النار ، فإني أحتال وأضلهم حتى يدخلوا النار ، وكان له فرس يقال له العقاب يقاتل عليه فعرقب فرسه وأظهر الندامة ، ووضع على رأسه التراب ، فقال له النصارى : من أنت؟ قال : بولص عدوكم ، فنوديت من السماء : ليست لك توبة إلا أن تتنصر ، وقد تبت . فأدخلوه الكنيسة ، ودخل بيتا سنة لا يخرج منه ليلا ولا نهارا حتى تعلم الإنجيل ، ثم خرج وقال : نوديت أن الله قبل توبتك ، فصدقوه وأحبوه ، ثم مضى إلى بيت المقدس ، واستخلف عليهم نسطورا وعلمه أن عيسى ومريم والإله كانوا ثلاثة ، ثم توجه إلى الروم وعلمهم اللاهوت والناسوت ، وقال : لم يكن عيسى بإنس ولا بجسم ، ولكنه ابن الله ، وعلم ذلك رجلا يقال له " يعقوب " ثم دعا رجلا يقال له ملكا ، فقال : إن الإله لم يزل ولا يزال عيسى ، فلما استمكن منهم دعا هؤلاء الثلاثة واحدا واحدا ، وقال لكل واحد منهم : أنت خالصتي ، وقد رأيت عيسى في المنام فرضي عني . وقال لكل واحد منهم : إني غدا أذبح نفسي ، فادع الناس إلى نحلتك . ثم دخل المذبح فذبح نفسه وقال : إنما أفعل ذلك لمرضاة عيسى ، فلما كان يوم ثالثه دعا كل واحد منهم الناس إلى نحلته ، فتبع كل واحد طائفة من الناس ، فاختلفوا واقتتلوا فقال الله عز وجل : ( وقالت النصارى المسيح ابن الله ) ، ( ذلك قولهم بأفواههم ) يقولون بألسنتهم من غير علم . قال أهل المعاني : لم يذكر الله تعالى قولا مقرونا بالأفواه والألسن إلا كان ذلك زورا .( يضاهئون ) قرأ عاصم بكسر الهاء مهموزا ، والآخرون بضم الهاء غير مهموز ، وهما لغتان يقال : ضاهيته وضاهأته ، ومعناهما واحد . قال ابن عباس رضي الله عنه : يشابهون . والمضاهاة المشابهة . وقال مجاهد : يواطئون وقال الحسن : يوافقون ، ( قول الذين كفروا من قبل ) قال قتادة والسدي : ضاهت النصارى قول اليهود من قبل ، فقالوا : المسيح ابن الله ، كما قالت اليهود : عزير ابن الله . وقال مجاهد : يضاهئون قول المشركين من قبل الذين كانوا يقولون اللات والعزى ومناة بنات الله . وقال الحسن : شبه كفرهم بكفر الذين مضوا من الأمم الكافرة كما قال في مشركي العرب : " كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم " ( البقرة - 188 ) . وقال القتيبي : يريد أن من كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى يقولون ما قال أولهم ، ( قاتلهم الله ) قال ابن عباس : لعنهم الله . وقال ابن جريج : أي : قتلهم الله . وقيل: ليس هو على تحقيق المقاتلة ولكنه بمعنى التعجب ، ( أنى يؤفكون ) أي : يصرفون عن الحق بعد قيام الأدلة عليه .
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنىيؤفكون
﴿فأنى﴾: أنى: ظرف مكان يستفهم به بمعنى "كيف" أو "من أين". «Then how» ﴿يؤفكون﴾: فأنى يؤفكون: فكيف يصرفون عن توحيده ؟. «are they deluded»
قوله تعالى : ( ولئن سألتهم ) يعني كفار مكة ، ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون ) .
﴿فأنى﴾: أنى: ظرف مكان يستفهم به بمعنى "كيف" أو "من أين". «Then how» ﴿يؤفكون﴾: فأنى يؤفكون: فكيف يصرفون عن الحق ؟. «are they deluded»
" ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون "، يصرفون عن عبادته.
وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنىيؤفكون
﴿أنى﴾: أداة شرط بمعنى "أين" وهي مع شرطيتها ظرف يشير الى المكان الذي حل فيه الشيء. «How» ﴿يؤفكون﴾: أنى يؤفكون: كيف يصرفون عن الحق؟. «are they deluded»
( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ) يعني أن لهم أجساما ومناظر ، ( وإن يقولوا تسمع لقولهم ) فتحسب أنه صدق ، قال عبد الله بن عباس : كان عبد الله بن أبي جسيما فصيحا ذلق اللسان ، فإذا قال سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله . ( كأنهم خشب مسندة ) أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام . قرأ أبو عمرو والكسائي : " خشب " بسكون الشين ، وقرأ الباقون بضمها .( مسندة ) ممالة إلى جدار ، من قولهم : أسندت الشيء ، إذا أملته ، والتثقيل للتكثير ، وأراد أنها ليست بأشجار تثمر ، ولكنها خشب مسندة إلى حائط ، ( يحسبون كل صيحة عليهم ) أي لا يسمعون صوتا في العسكر بأن نادى مناد أو انفلتت دابة وأنشدت ضالة ، إلا ظنوا - من جبنهم وسوء ظنهم - أنهم يرادون بذلك ، وظنوا أنهم قد أتوا ، لما في قلوبهم من الرعب .وقيل: ذلك لكونهم على وجل من أن ينزل الله فيهم أمرا يهتك أستارهم ويبيح دماءهم ثم قال : ( هم العدو ) وهذا ابتداء وخبره ، ( فاحذرهم ) ولا تأمنهم ، ( قاتلهم الله ) لعنهم الله ( أنى يؤفكون ) يصرفون عن الحق .