سورة غافر | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن تفسير الصفحة 471 من المصحف
الآية: 34 - 35 {ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب، الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار}
قوله تعالى: "ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات" قيل: إن هذا من قول موسى. وقيل: هو من تمام وعظ مؤمن آل فرعون؛ ذكرهم قديم عتوهم على الأنبياء؛ وأراد يوسف بن يعقوب جاءهم بالبينات "أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار" [يوسف: 39] قال ابن جريج: هو يوسف بن يعقوب بعثه الله تعالى رسولا إلى القبط بعد موت الملك من قبل موسى بالبينات وهي الرؤيا. وقال ابن عباس: هو يوسف بن إفرائيم بن يوسف بن يعقوب أقام فيهم نبيا عشرين سنة. وحكى النقاش عن الضحاك: أن الله تعالى بعث إليهم رسولا من الجن يقال له يوسف. وقال وهب بن منبه: إن فرعون موسى هو فرعون يوسف عُمّر. وغيره يقول: هو آخر. النحاس: وليس في الآية ما يدل على أنه هو؛ لأنه إذا أتى بالبينات نبي لمن معه ولمن بعده فقد جاءهم جميعا بها وعليهم أن يصدقوه بها. "فما زلتم في شك مما جاءكم به" أي أسلافكم كانوا في شك. "حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا" أي من يدعي الرسالة "كذلك" أي مثل ذلك الضلال "يضل الله من هو مسرف" مشرك "مرتاب" شاك في وحدانية الله تعالى.
قوله تعالى: "الذين يجادلون في آيات الله" أي في حججه الظاهرة "بغير سلطان" أي بغير حجة وبرهان و"الذين" في موضع نصب على البدل من "من" وقال الزجاج: أي كذلك يضل الله الذين يجادلون في آيات الله فـ"الذين" نصب. قال: ويجوز أن يكون رفعا على معنى هم الذين أو على الابتداء والخبر "كبر مقتا". ثم قيل: هذا من كلام مؤمن آل فرعون. وقيل: ابتداء خطاب من الله تعالى. "مقتا" على البيان أي "كبر" جدالهم "مقتا"؛ كقوله: كبرت كلمة" [الكهف: 5] ومقت الله تعالى ذمه لهم ولعنه إياهم وإحلال العذاب بهم. "كذلك" أي كما طبع الله على قلوب هؤلاء المجادلين فكذلك "يطبع الله" أي يختم "على كل قلب متكبر جبار" حتى لا يعقل الرشاد ولا يقبل الحق. وقراءة العامة "على كل قلب متكبر" بإضافة قلب إلى المتكبر واختاره أبو حاتم وأبو عبيد. وفي الكلام حذف والمعنى: "كذلك يطبع الله على كل قلب" على كل "متكبر جبار" فحذف "كل" الثانية لتقدم ما يدل عليها. وإذا لم يقدر حذف "كل" لم يستقم المعنى؛ لأنه يصير معناه أنه يطبع على جميع قلبه وليس المعنى عليه. وإنما المعنى أنه يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين قلبا قلبا. ومما يدل على حذف "كل" قول أبي دواد:
أكل امرئ تحسبين امرأ ونار توقد باليل نارا
يريد وكل نار. وفي قراءة ابن مسعود "على قلب كل متكبر" فهذه قراءة على التفسير والإضافة. وقرأ أبو عمرو وابن محيصن وابن ذكوان عن أهل الشام "قلب" منون على أن "متكبر" نعت للقلب فكني بالقلب عن الجملة؛ لأن القلب هو الذي يتكبر وسائر الأعضاء تبع له؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) ويجوز أن يكون على حذف المضاف؛ أي على كل ذي قلب متكبر؛ تجعل الصفة لصاحب القلب.
الآية: 36 - 37 {وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب}
قوله تعالى: "وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا" لما قال مؤمن آل فرعون ما قال، وخاف فرعون أن يتمكن كلام هذا المؤمن في قلوب القوم، أوهم أنه يمتحن ما جاء به موسى من التوحيد، فإن بان له صوابه لم يخفه عنهم، وإن لم يصح ثبتهم على دينهم؛ فأمر وزيره هامان ببناء الصرح. وقد مضى في "القصص" ذكره. "لعلي أبلغ الأسباب. أسباب السماوات" "أسباب السموات" بدل من الأول. وأسباب السماء أبوابها في قول قتادة والزهري والسدي والأخفش؛ وأنشد:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو رام أسباب السماء بسلم
وقال أبو صالح: أسباب السموات طرقها. وقيل: الأمور التي تستمسك بها السموات. وكرر أسباب تفخيما؛ لأن الشيء إذا أبهم ثم أوضح كان تفخيما لشأنه. والله أعلم. "فأطلع إلى إله موسى" فأنظر إليه نظر مشرف عليه. توهم أنه جسم تحويه الأماكن. وكان فرعون يدعي الألوهية ويرى تحقيقها بالجلوس في مكان مشرف. وقراءة العامة "فأطلع" بالرفع نسقا على قوله: "أبلغ" وقرأ الأعرج والسلمي وعيسى وحفص "فأطلع" بالنصب؛ قال أبو عبيدة: على جواب "لعل" بالفاء. النحاس: ومعنى النصب خلاف معنى الرفع؛ لأن معنى النصب متى بلغت الأسباب اطلعت. ومعنى الرفع "لعلي أبلغ الأسباب" ثم لعلي أطلع بعد ذلك؛ إلا أن ثم أشد تراخيا من الفاء. "وإني لأظنه كاذبا" أي وإني لأظن موسى كاذبا في ادعائه إلها دوني، وإنما أفعل ما أفعل لإزاحة العلة. وهذا يوجب شك فرعون في أمر الله. وقيل: إن الظن بمعنى اليقين أي وأنا أتيقن أنه كاذب وإنما أقول ما أقول لإزالة الشبهة عمن لا أتيقن ما أتيقنه.
قوله تعالى: "وكذلك زين لفرعون سوء عمله" أي كما قال هذه المقالة وارتاب زين له الشيطان أو زين الله سوء عمله أي الشرك والتكذيب. "وصد عن السبيل" قراءة الكوفيين "وصد" على ما لم يسم فاعله وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم؛ ويجوز على هذه القراءة "وصد" بكسر الصاد نقلت كسرة الدال عل الصاد؛ وهي قراءة ليحيى بن وثاب وعلقمة. وقرأ ابن أبي إسحاق وعبدالرحمن بن بكرة "وصد عن السبيل" بالرفع والتنوين. الباقون "وصد" بفتح الصاد والدال. أي صد فرعون الناس عن السبيل. "وما كيد فرعون إلا في تباب" أي في خسران وضلال، ومنه: "تبت يدا أبي لهب" [المسد:1] وقوله: "وما زادوهم غير تتبيب" [ هود: 101] وفي موضع "غير تخسير" [هود:63] فهد الله صرحه وغرقه هو وقومه على ما تقدم.
الآية: 38 - 44 {وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد، يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار، من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب، ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار، تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار، لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار، فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد}
قوله تعالى: "وقال الذي آمن ياقوم اتبعون" هذا من تمام ما قاله مؤمن آل فرعون؛ أي اقتدوا بي في الدين. "سبيل الرشاد" أي طريق الهدى وهو الجنة. وقيل: من قول موسى. وقرأ معاذ بن جبل "الرشاد" بتشديد الشين وهو لحن عند أكثر أهل العربية؛ لأنه إنما يقال أرشد يرشد ولا يكون فعال من أفعل إنما يكون من الثلاثي، فإن أردت التكثير من الرباعي قلت: مفعال. قال النحاس: يجوز أن يكون رشاد بمعنى يرشد لا على أنه مشتق منه، ولكن كما يقال لآل من اللؤلؤ فهو بمعناه وليس جاريا عليه. ويجوز أن يكون رشاد من رشد يرشد أي صاحب رشاد؛ كما قال:
كليني لهم يا أميمة ناصب
الزمخشري: وقرئ "الرشاد" فعال من رشد بالكسر كعلام أو من رشد بالفتح كعباد. وقيل: من أرشد كجبار من أجبر وليس بذاك؛ لأن فعالا من أفعل لم يجئ إلا في عدة أحرف؛ نحو دراك وسار وقصار وجبار. ولا يصح القياس على هذا القليل. ويجوز أن يكون نسبته إلى الرشد كعواج وبتات غير منظور فيه إلى فعل. ووقع في المصحف "اتبعون" بغير ياء. وقرأها يعقوب وابن كثير بالإثبات في الوصل والوقف. وحذفها أبو عمرو ونافع في الوقف وأثبتوها في الوصل، إلا ورشا حذفها في الحالين، وكذلك الباقون؛ لأنها وقعت في المصحف بغير ياء ومن أثبتها فعلى الأصل.
قوله تعالى: "ياقوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع" أي يتمتع بها قليلا ثم تنقطع وتزول. "وإن الآخرة هي دار القرار" أي الاستقرار والخلود. ومراده بالدار الآخرة الجنة والنار لأنهما لا يفنيان. بين ذلك بقوله: "من عمل سيئة" يعني الشرك "فلا يجزى إلا مثلها" وهو العذاب. "ومن عمل صالحا" قال ابن عباس: يعني لا إله إلا الله. "وهو مؤمن" مصدق بقلبه لله وللأنبياء. "فأولئك يدخلون الجنة" بضم الياء على ما لم يسم فاعله. وهي قراءة ابن كثير وابن محيصن وأبي عمرو ويعقوب وأبي بكر عن عاصم؛ يدل عليه "يرزقون فيها بغير حساب" الباقون"يدخلون" بفتح الياء.
قوله تعالى: "وياقوم ما لي أدعوكم إلى النجاة" أي إلى طريق الإيمان الموصل إلى الجنان "وتدعونني إلى النار" بين أن ما قال فرعون من قوله: "وما أهديكم إلا سبيل الرشاد" [غافر: 29] سبيل الغي عاقبته النار وكانوا دعوه إلى اتباعه؛ ولهذا قال: "تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم" وهو فرعون "وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار". "لا جرم" تقدم الكلام فيه، ومعناه حقا. "أنما تدعونني إليه" "ما" بمعنى الذي "ليس له دعوة" قال الزجاج: ليس له استجابة دعوة تنفع؛ وقال غيره: ليس له دعوة توجب له الألوهية "في الدنيا ولا في الآخرة" وقال الكلبي: ليس له شفاعة في الدنيا ولا في الآخرة. وكان فرعون أولا يدعو الناس إلى عبادة الأصنام، ثم دعاهم إلى عبادة البقر، فكانت تعبد ما كانت شابة، فإذا هرمت أمر بذبحها، ثم دعا بأخرى لتعبد، ثم لما طال عليه الزمان قال أنا ربكم الأعلى. "وأن المسرفين هم أصحاب النار" قال قتادة وابن سيرين يعني المشركين. وقال مجاهد والشعبي: هم السفهاء والسفاكون للدماء بغير حقها. وقال عكرمة: الجبارون والمتكبرون. وقيل: هم الذي تعدوا حدود الله. وهذا جامع لما ذكر. و"أن" في المواضع في موضع نصب بإسقاط حرف الجر. وعلى ما حكاه سيبويه عن الخليل من أن "لا جرم" رد لكلام يجوز أن يكون موضع "أن" رفعا على تقدير وجب أن ما تدعونني إليه، كأنه قال: وجب بطلان ما تدعونني إليه، والمرد إلى الله، وكون المسرفين هم أصحاب النار.
قوله تعالى: "فستذكرون ما أقول لكم" تهديد ووعيد. و"ما" يجوز أن تكون بمعنى الذي أي الذي أقوله لكم. ويجوز أن تكون مصدرية أي فستذكرون قولي لكم إذا حل بكم العذاب. "وأفوض أمري إلى الله" أي أتوكل عليه وأسلم أمري إليه. وقيل: هذا يدل على أنهم أرادوا قتله. وقال مقاتل: هرب هذا المؤمن إلى الجبل فلم يقدروا عليه. وقد قيل: القائل موسى. والأظهر أنه مؤمن آل فرعون؛ وهو قول ابن عباس.
تفسير القرطبي - صفحة القرآن رقم 471
471- تفسير الصفحة رقم471 من المصحفالآية: 34 - 35 {ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب، الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار}
قوله تعالى: "ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات" قيل: إن هذا من قول موسى. وقيل: هو من تمام وعظ مؤمن آل فرعون؛ ذكرهم قديم عتوهم على الأنبياء؛ وأراد يوسف بن يعقوب جاءهم بالبينات "أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار" [يوسف: 39] قال ابن جريج: هو يوسف بن يعقوب بعثه الله تعالى رسولا إلى القبط بعد موت الملك من قبل موسى بالبينات وهي الرؤيا. وقال ابن عباس: هو يوسف بن إفرائيم بن يوسف بن يعقوب أقام فيهم نبيا عشرين سنة. وحكى النقاش عن الضحاك: أن الله تعالى بعث إليهم رسولا من الجن يقال له يوسف. وقال وهب بن منبه: إن فرعون موسى هو فرعون يوسف عُمّر. وغيره يقول: هو آخر. النحاس: وليس في الآية ما يدل على أنه هو؛ لأنه إذا أتى بالبينات نبي لمن معه ولمن بعده فقد جاءهم جميعا بها وعليهم أن يصدقوه بها. "فما زلتم في شك مما جاءكم به" أي أسلافكم كانوا في شك. "حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا" أي من يدعي الرسالة "كذلك" أي مثل ذلك الضلال "يضل الله من هو مسرف" مشرك "مرتاب" شاك في وحدانية الله تعالى.
قوله تعالى: "الذين يجادلون في آيات الله" أي في حججه الظاهرة "بغير سلطان" أي بغير حجة وبرهان و"الذين" في موضع نصب على البدل من "من" وقال الزجاج: أي كذلك يضل الله الذين يجادلون في آيات الله فـ"الذين" نصب. قال: ويجوز أن يكون رفعا على معنى هم الذين أو على الابتداء والخبر "كبر مقتا". ثم قيل: هذا من كلام مؤمن آل فرعون. وقيل: ابتداء خطاب من الله تعالى. "مقتا" على البيان أي "كبر" جدالهم "مقتا"؛ كقوله: كبرت كلمة" [الكهف: 5] ومقت الله تعالى ذمه لهم ولعنه إياهم وإحلال العذاب بهم. "كذلك" أي كما طبع الله على قلوب هؤلاء المجادلين فكذلك "يطبع الله" أي يختم "على كل قلب متكبر جبار" حتى لا يعقل الرشاد ولا يقبل الحق. وقراءة العامة "على كل قلب متكبر" بإضافة قلب إلى المتكبر واختاره أبو حاتم وأبو عبيد. وفي الكلام حذف والمعنى: "كذلك يطبع الله على كل قلب" على كل "متكبر جبار" فحذف "كل" الثانية لتقدم ما يدل عليها. وإذا لم يقدر حذف "كل" لم يستقم المعنى؛ لأنه يصير معناه أنه يطبع على جميع قلبه وليس المعنى عليه. وإنما المعنى أنه يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين قلبا قلبا. ومما يدل على حذف "كل" قول أبي دواد:
أكل امرئ تحسبين امرأ ونار توقد باليل نارا
يريد وكل نار. وفي قراءة ابن مسعود "على قلب كل متكبر" فهذه قراءة على التفسير والإضافة. وقرأ أبو عمرو وابن محيصن وابن ذكوان عن أهل الشام "قلب" منون على أن "متكبر" نعت للقلب فكني بالقلب عن الجملة؛ لأن القلب هو الذي يتكبر وسائر الأعضاء تبع له؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) ويجوز أن يكون على حذف المضاف؛ أي على كل ذي قلب متكبر؛ تجعل الصفة لصاحب القلب.
الآية: 36 - 37 {وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب}
قوله تعالى: "وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا" لما قال مؤمن آل فرعون ما قال، وخاف فرعون أن يتمكن كلام هذا المؤمن في قلوب القوم، أوهم أنه يمتحن ما جاء به موسى من التوحيد، فإن بان له صوابه لم يخفه عنهم، وإن لم يصح ثبتهم على دينهم؛ فأمر وزيره هامان ببناء الصرح. وقد مضى في "القصص" ذكره. "لعلي أبلغ الأسباب. أسباب السماوات" "أسباب السموات" بدل من الأول. وأسباب السماء أبوابها في قول قتادة والزهري والسدي والأخفش؛ وأنشد:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو رام أسباب السماء بسلم
وقال أبو صالح: أسباب السموات طرقها. وقيل: الأمور التي تستمسك بها السموات. وكرر أسباب تفخيما؛ لأن الشيء إذا أبهم ثم أوضح كان تفخيما لشأنه. والله أعلم. "فأطلع إلى إله موسى" فأنظر إليه نظر مشرف عليه. توهم أنه جسم تحويه الأماكن. وكان فرعون يدعي الألوهية ويرى تحقيقها بالجلوس في مكان مشرف. وقراءة العامة "فأطلع" بالرفع نسقا على قوله: "أبلغ" وقرأ الأعرج والسلمي وعيسى وحفص "فأطلع" بالنصب؛ قال أبو عبيدة: على جواب "لعل" بالفاء. النحاس: ومعنى النصب خلاف معنى الرفع؛ لأن معنى النصب متى بلغت الأسباب اطلعت. ومعنى الرفع "لعلي أبلغ الأسباب" ثم لعلي أطلع بعد ذلك؛ إلا أن ثم أشد تراخيا من الفاء. "وإني لأظنه كاذبا" أي وإني لأظن موسى كاذبا في ادعائه إلها دوني، وإنما أفعل ما أفعل لإزاحة العلة. وهذا يوجب شك فرعون في أمر الله. وقيل: إن الظن بمعنى اليقين أي وأنا أتيقن أنه كاذب وإنما أقول ما أقول لإزالة الشبهة عمن لا أتيقن ما أتيقنه.
قوله تعالى: "وكذلك زين لفرعون سوء عمله" أي كما قال هذه المقالة وارتاب زين له الشيطان أو زين الله سوء عمله أي الشرك والتكذيب. "وصد عن السبيل" قراءة الكوفيين "وصد" على ما لم يسم فاعله وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم؛ ويجوز على هذه القراءة "وصد" بكسر الصاد نقلت كسرة الدال عل الصاد؛ وهي قراءة ليحيى بن وثاب وعلقمة. وقرأ ابن أبي إسحاق وعبدالرحمن بن بكرة "وصد عن السبيل" بالرفع والتنوين. الباقون "وصد" بفتح الصاد والدال. أي صد فرعون الناس عن السبيل. "وما كيد فرعون إلا في تباب" أي في خسران وضلال، ومنه: "تبت يدا أبي لهب" [المسد:1] وقوله: "وما زادوهم غير تتبيب" [ هود: 101] وفي موضع "غير تخسير" [هود:63] فهد الله صرحه وغرقه هو وقومه على ما تقدم.
الآية: 38 - 44 {وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد، يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار، من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب، ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار، تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار، لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار، فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد}
قوله تعالى: "وقال الذي آمن ياقوم اتبعون" هذا من تمام ما قاله مؤمن آل فرعون؛ أي اقتدوا بي في الدين. "سبيل الرشاد" أي طريق الهدى وهو الجنة. وقيل: من قول موسى. وقرأ معاذ بن جبل "الرشاد" بتشديد الشين وهو لحن عند أكثر أهل العربية؛ لأنه إنما يقال أرشد يرشد ولا يكون فعال من أفعل إنما يكون من الثلاثي، فإن أردت التكثير من الرباعي قلت: مفعال. قال النحاس: يجوز أن يكون رشاد بمعنى يرشد لا على أنه مشتق منه، ولكن كما يقال لآل من اللؤلؤ فهو بمعناه وليس جاريا عليه. ويجوز أن يكون رشاد من رشد يرشد أي صاحب رشاد؛ كما قال:
كليني لهم يا أميمة ناصب
الزمخشري: وقرئ "الرشاد" فعال من رشد بالكسر كعلام أو من رشد بالفتح كعباد. وقيل: من أرشد كجبار من أجبر وليس بذاك؛ لأن فعالا من أفعل لم يجئ إلا في عدة أحرف؛ نحو دراك وسار وقصار وجبار. ولا يصح القياس على هذا القليل. ويجوز أن يكون نسبته إلى الرشد كعواج وبتات غير منظور فيه إلى فعل. ووقع في المصحف "اتبعون" بغير ياء. وقرأها يعقوب وابن كثير بالإثبات في الوصل والوقف. وحذفها أبو عمرو ونافع في الوقف وأثبتوها في الوصل، إلا ورشا حذفها في الحالين، وكذلك الباقون؛ لأنها وقعت في المصحف بغير ياء ومن أثبتها فعلى الأصل.
قوله تعالى: "ياقوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع" أي يتمتع بها قليلا ثم تنقطع وتزول. "وإن الآخرة هي دار القرار" أي الاستقرار والخلود. ومراده بالدار الآخرة الجنة والنار لأنهما لا يفنيان. بين ذلك بقوله: "من عمل سيئة" يعني الشرك "فلا يجزى إلا مثلها" وهو العذاب. "ومن عمل صالحا" قال ابن عباس: يعني لا إله إلا الله. "وهو مؤمن" مصدق بقلبه لله وللأنبياء. "فأولئك يدخلون الجنة" بضم الياء على ما لم يسم فاعله. وهي قراءة ابن كثير وابن محيصن وأبي عمرو ويعقوب وأبي بكر عن عاصم؛ يدل عليه "يرزقون فيها بغير حساب" الباقون"يدخلون" بفتح الياء.
قوله تعالى: "وياقوم ما لي أدعوكم إلى النجاة" أي إلى طريق الإيمان الموصل إلى الجنان "وتدعونني إلى النار" بين أن ما قال فرعون من قوله: "وما أهديكم إلا سبيل الرشاد" [غافر: 29] سبيل الغي عاقبته النار وكانوا دعوه إلى اتباعه؛ ولهذا قال: "تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم" وهو فرعون "وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار". "لا جرم" تقدم الكلام فيه، ومعناه حقا. "أنما تدعونني إليه" "ما" بمعنى الذي "ليس له دعوة" قال الزجاج: ليس له استجابة دعوة تنفع؛ وقال غيره: ليس له دعوة توجب له الألوهية "في الدنيا ولا في الآخرة" وقال الكلبي: ليس له شفاعة في الدنيا ولا في الآخرة. وكان فرعون أولا يدعو الناس إلى عبادة الأصنام، ثم دعاهم إلى عبادة البقر، فكانت تعبد ما كانت شابة، فإذا هرمت أمر بذبحها، ثم دعا بأخرى لتعبد، ثم لما طال عليه الزمان قال أنا ربكم الأعلى. "وأن المسرفين هم أصحاب النار" قال قتادة وابن سيرين يعني المشركين. وقال مجاهد والشعبي: هم السفهاء والسفاكون للدماء بغير حقها. وقال عكرمة: الجبارون والمتكبرون. وقيل: هم الذي تعدوا حدود الله. وهذا جامع لما ذكر. و"أن" في المواضع في موضع نصب بإسقاط حرف الجر. وعلى ما حكاه سيبويه عن الخليل من أن "لا جرم" رد لكلام يجوز أن يكون موضع "أن" رفعا على تقدير وجب أن ما تدعونني إليه، كأنه قال: وجب بطلان ما تدعونني إليه، والمرد إلى الله، وكون المسرفين هم أصحاب النار.
قوله تعالى: "فستذكرون ما أقول لكم" تهديد ووعيد. و"ما" يجوز أن تكون بمعنى الذي أي الذي أقوله لكم. ويجوز أن تكون مصدرية أي فستذكرون قولي لكم إذا حل بكم العذاب. "وأفوض أمري إلى الله" أي أتوكل عليه وأسلم أمري إليه. وقيل: هذا يدل على أنهم أرادوا قتله. وقال مقاتل: هرب هذا المؤمن إلى الجبل فلم يقدروا عليه. وقد قيل: القائل موسى. والأظهر أنه مؤمن آل فرعون؛ وهو قول ابن عباس.
الصفحة رقم 471 من المصحف تحميل و استماع mp3