سورة آل عمران | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 56 من المصحف
** وَيُعَلّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * وَرَسُولاً إِلَىَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ أَنّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رّبّكُمْ أَنِيَ أَخْلُقُ لَكُمْ مّنَ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَىَ بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّكُمْ إِن كُنتُم مّؤْمِنِينَ * وَمُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ وَلاُحِلّ لَكُم بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رّبّكُمْ فَاتّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـَذَا صِرَاطٌ مّسْتَقِيمٌ
يقول تعالى مخبراً عن تمام بشارة الملائكة لمريم بابنها عيسى عليه السلام: أن الله يعلمه {الكتاب والحكمة}, الظاهر أن المراد بالكتاب ههنا الكتابة, والحكمة تقدم تفسيرها في سورة البقرة, و{التوراة والإنجيل}, فالتوراة هو الكتاب الذي أنزل على موسى بن عمران, والإنجيل الذي أنزل على عيسى ابن مريم عليهما السلام. وقد كان عيسى عليه السلام يحفظ هذا وهذا, وقوله: {ورسولاً إلى بني إسرائيل} أي يجعله رسولاً إلى بني إسرائيل, قائلاً لهم {أني قد جئتكم بآية من ربكم, أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله} وكذلك كان يفعل, يصور من الطين شكل طير, ثم ينفخ فيه فيطير عياناً بإذن الله عز وجل, الذي جعل هذا معجزة له تدل على أنه أرسله {وأبرىء الأكمه} قيل: أنه الذي يبصر نهاراً ولا يبصر ليلاً, وقيل بالعكس. وقيل: الأعشى. وقيل الأعمش. وقيل: هو الذي يولد أعمى وهو أشبه, لأنه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي {والأبرص} معروف, {وأحيي الموتى بإذن الله} قال كثير من العلماء: بعث الله كل نبي من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه, فكان الغالب على زمان موسى عليه السلام السحر وتعظيم السحرة, فبعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار وحيرت كل سحار, فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإسلام, وصاروا من عباد الله الأبرار. وأما عيسى عليه السلام, فبعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة فجاءهم من الاَيات بما لا سبيل لأحد إليه إلا أن يكون مؤيداً من الذي شرع الشريعة, فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد, أو على مداواة الأكمه والأبرص, وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد. وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم, بعث في زمان الفصحاء والبلغاء ونحارير الشعراء, فأتاهم بكتاب من الله عز وجل, لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله, أو بعشر سور من مثله, أو بسورة من مثله, لم يستطيعوا أبداً ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً, وما ذاك إلا لأن كلام الرب عز وجل لا يشبه كلام الخلق أبداً, وقوله: {وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم} أي أخبركم بما أكل أحدكم الاَن, وما هو مدخر له في بيته لغد, {إن في ذلك} أي في ذلك كله {لاَية لكم} أي على صدقي فيما جئتكم به {إن كنتم مؤمنين. ومصدقاً لما بين يدي من التوراة} أي مقرراً لها ومثبتاً {ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم} فيه دلالة على أن عيسى عليه السلام نسخ بعض شريعة التوراة, وهو الصحيح من القولين, ومن العلماء من قال: لم ينسخ منها شيئاً, وإنما أحل لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه خطأ, فكشف لهم عن المغطى في ذلك, كما قال في الاَية الأخرى {ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه} والله أعلم. ثم قال {وجئتكم بآية من ربكم} أي بحجة ودلالة على صدقي فيما أقوله لكم {فاتقوا الله وأطيعون, إن الله ربي وربكم فاعبدوه} أي أنا وأنتم سواء في العبودية له والخضوع والاستكانة إليه {هذا صراط مستقيم}.
** فَلَمّآ أَحَسّ عِيسَىَ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيَ إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللّهِ آمَنّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ * رَبّنَآ آمَنّا بِمَآ أَنزَلَتْ وَاتّبَعْنَا الرّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّاهِدِينَ * وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ
يقول تعالى: {فلما أحسّ عيسى} أي استشعر منهم التصميم على الكفر والاستمرار على الضلال, {قال من أنصاري إلى الله} قال مجاهد: أي من يتبعني إلى الله. وقال سفيان الثوري وغيره: أي من أنصاري مع الله, وقول مجاهد: أقرب. والظاهر أنه أراد من أنصاري في الدعوة إلى الله ؟ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مواسم الحج قبل أن يهاجر «من رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي. فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي» حتى وجد الأنصار, فآووه ونصروه وهاجر إليهم, فواسوه ومنعوه من الأسود والأحمر, رضي الله عنهم وأرضاهم. وهكذا عيسى ابن مريم عليه السلام انتدب له طائفة من بني إسرائيل فآمنوا به ووازروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه, ولهذا قال الله تعالى مخبراً عنهم {قال الحواريون: نحن أنصار الله * آمنّا بالله * واشهد بأنا مسلمون * ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين} الحواريون قيل: كانوا قصارين, وقيل: سموا بذلك لبياض ثيابهم, وقيل: صيادين. والصحيح أن الحواري الناصر, كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ندب الناس يوم الأحزاب, فانتدب الزبير ثم ندبهم, فانتدب الزبير رضي الله عنه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لكل نبي حواري, وحواريي الزبير», وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا وكيع, حدثنا إسرائيل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فاكتبنا مع الشاهدين} قال: مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم, وهذا إسناد جيد. ثم قال تعالى مخبراً عن ملإ بني إسرائيل, فيما هموا به من الفتك بعيسى عليه السلام, وإرادته بالسوء والصلب حين تمالؤوا عليه, ووشوا به إلى ملك ذلك الزمان, وكان كافراً, أن هنا رجلاً يضل الناس ويصدهم عن طاعة الملك ويفسد الرعايا, ويفرق بين الأب وابنه, إلى غير ذلك مما تقلدوه في رقابهم ورموه به من الكذب, وأنه ولد زنية حتى استثاروا غضب الملك, فبعث في طلبه من يأخذه ويصلبه وينكل به, فلما أحاطوا بمنزله وظنوا أنهم قد ظفروا به, نجاه الله تعالى من بينهم ورفعه من روزنة ذلك البيت إلى السماء, وألقى الله شبهه على رجل ممن كان عنده في المنزل, فلما دخل أولئك اعتقدوه في ظلمة الليل عيسى, فأخذوه وأهانوه وصلبوه, ووضعوا على رأسه الشوك, وكان هذا من مكر الله بهم, فإنه نجى نبيه ورفعه من بين أظهرهم وتركهم في ضلالهم يعمهون, يعتقدون أنهم قد ظفروا بطلبتهم, وأسكن الله في قلوبهم قسوة وعناداً للحق ملازماً لهم, وأورثهم ذلة لا تفارقهم إلى يوم التناد, ولهذا قال تعالى: {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين}.
تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 56
56 : تفسير الصفحة رقم 56 من القرآن الكريم** وَيُعَلّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * وَرَسُولاً إِلَىَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ أَنّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رّبّكُمْ أَنِيَ أَخْلُقُ لَكُمْ مّنَ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَىَ بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّكُمْ إِن كُنتُم مّؤْمِنِينَ * وَمُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ وَلاُحِلّ لَكُم بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رّبّكُمْ فَاتّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـَذَا صِرَاطٌ مّسْتَقِيمٌ
يقول تعالى مخبراً عن تمام بشارة الملائكة لمريم بابنها عيسى عليه السلام: أن الله يعلمه {الكتاب والحكمة}, الظاهر أن المراد بالكتاب ههنا الكتابة, والحكمة تقدم تفسيرها في سورة البقرة, و{التوراة والإنجيل}, فالتوراة هو الكتاب الذي أنزل على موسى بن عمران, والإنجيل الذي أنزل على عيسى ابن مريم عليهما السلام. وقد كان عيسى عليه السلام يحفظ هذا وهذا, وقوله: {ورسولاً إلى بني إسرائيل} أي يجعله رسولاً إلى بني إسرائيل, قائلاً لهم {أني قد جئتكم بآية من ربكم, أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله} وكذلك كان يفعل, يصور من الطين شكل طير, ثم ينفخ فيه فيطير عياناً بإذن الله عز وجل, الذي جعل هذا معجزة له تدل على أنه أرسله {وأبرىء الأكمه} قيل: أنه الذي يبصر نهاراً ولا يبصر ليلاً, وقيل بالعكس. وقيل: الأعشى. وقيل الأعمش. وقيل: هو الذي يولد أعمى وهو أشبه, لأنه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي {والأبرص} معروف, {وأحيي الموتى بإذن الله} قال كثير من العلماء: بعث الله كل نبي من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه, فكان الغالب على زمان موسى عليه السلام السحر وتعظيم السحرة, فبعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار وحيرت كل سحار, فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإسلام, وصاروا من عباد الله الأبرار. وأما عيسى عليه السلام, فبعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة فجاءهم من الاَيات بما لا سبيل لأحد إليه إلا أن يكون مؤيداً من الذي شرع الشريعة, فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد, أو على مداواة الأكمه والأبرص, وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد. وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم, بعث في زمان الفصحاء والبلغاء ونحارير الشعراء, فأتاهم بكتاب من الله عز وجل, لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله, أو بعشر سور من مثله, أو بسورة من مثله, لم يستطيعوا أبداً ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً, وما ذاك إلا لأن كلام الرب عز وجل لا يشبه كلام الخلق أبداً, وقوله: {وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم} أي أخبركم بما أكل أحدكم الاَن, وما هو مدخر له في بيته لغد, {إن في ذلك} أي في ذلك كله {لاَية لكم} أي على صدقي فيما جئتكم به {إن كنتم مؤمنين. ومصدقاً لما بين يدي من التوراة} أي مقرراً لها ومثبتاً {ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم} فيه دلالة على أن عيسى عليه السلام نسخ بعض شريعة التوراة, وهو الصحيح من القولين, ومن العلماء من قال: لم ينسخ منها شيئاً, وإنما أحل لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه خطأ, فكشف لهم عن المغطى في ذلك, كما قال في الاَية الأخرى {ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه} والله أعلم. ثم قال {وجئتكم بآية من ربكم} أي بحجة ودلالة على صدقي فيما أقوله لكم {فاتقوا الله وأطيعون, إن الله ربي وربكم فاعبدوه} أي أنا وأنتم سواء في العبودية له والخضوع والاستكانة إليه {هذا صراط مستقيم}.
** فَلَمّآ أَحَسّ عِيسَىَ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيَ إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللّهِ آمَنّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ * رَبّنَآ آمَنّا بِمَآ أَنزَلَتْ وَاتّبَعْنَا الرّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّاهِدِينَ * وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ
يقول تعالى: {فلما أحسّ عيسى} أي استشعر منهم التصميم على الكفر والاستمرار على الضلال, {قال من أنصاري إلى الله} قال مجاهد: أي من يتبعني إلى الله. وقال سفيان الثوري وغيره: أي من أنصاري مع الله, وقول مجاهد: أقرب. والظاهر أنه أراد من أنصاري في الدعوة إلى الله ؟ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مواسم الحج قبل أن يهاجر «من رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي. فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي» حتى وجد الأنصار, فآووه ونصروه وهاجر إليهم, فواسوه ومنعوه من الأسود والأحمر, رضي الله عنهم وأرضاهم. وهكذا عيسى ابن مريم عليه السلام انتدب له طائفة من بني إسرائيل فآمنوا به ووازروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه, ولهذا قال الله تعالى مخبراً عنهم {قال الحواريون: نحن أنصار الله * آمنّا بالله * واشهد بأنا مسلمون * ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين} الحواريون قيل: كانوا قصارين, وقيل: سموا بذلك لبياض ثيابهم, وقيل: صيادين. والصحيح أن الحواري الناصر, كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ندب الناس يوم الأحزاب, فانتدب الزبير ثم ندبهم, فانتدب الزبير رضي الله عنه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لكل نبي حواري, وحواريي الزبير», وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا وكيع, حدثنا إسرائيل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فاكتبنا مع الشاهدين} قال: مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم, وهذا إسناد جيد. ثم قال تعالى مخبراً عن ملإ بني إسرائيل, فيما هموا به من الفتك بعيسى عليه السلام, وإرادته بالسوء والصلب حين تمالؤوا عليه, ووشوا به إلى ملك ذلك الزمان, وكان كافراً, أن هنا رجلاً يضل الناس ويصدهم عن طاعة الملك ويفسد الرعايا, ويفرق بين الأب وابنه, إلى غير ذلك مما تقلدوه في رقابهم ورموه به من الكذب, وأنه ولد زنية حتى استثاروا غضب الملك, فبعث في طلبه من يأخذه ويصلبه وينكل به, فلما أحاطوا بمنزله وظنوا أنهم قد ظفروا به, نجاه الله تعالى من بينهم ورفعه من روزنة ذلك البيت إلى السماء, وألقى الله شبهه على رجل ممن كان عنده في المنزل, فلما دخل أولئك اعتقدوه في ظلمة الليل عيسى, فأخذوه وأهانوه وصلبوه, ووضعوا على رأسه الشوك, وكان هذا من مكر الله بهم, فإنه نجى نبيه ورفعه من بين أظهرهم وتركهم في ضلالهم يعمهون, يعتقدون أنهم قد ظفروا بطلبتهم, وأسكن الله في قلوبهم قسوة وعناداً للحق ملازماً لهم, وأورثهم ذلة لا تفارقهم إلى يوم التناد, ولهذا قال تعالى: {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين}.
الصفحة رقم 56 من المصحف تحميل و استماع mp3