سورة الزمر | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير السعدي تفسير الصفحة 466 من المصحف
( فَصَعِقَ ) أي: غشي أو مات، على اختلاف القولين: ( مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ ) أي: كلهم، لما سمعوا نفخة الصور أزعجتهم من شدتها وعظمها، وما يعلمون أنها مقدمة له. ( إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ) ممن ثبته اللّه عند النفخة، فلم يصعق، كالشهداء أو بعضهم، وغيرهم. وهذه النفخة الأولى، نفخة الصعق، ونفخة الفزع.
( ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ ) النفخة الثانية نفخة البعث ( فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ ينظرون ) أي: قد قاموا من قبورهم لبعثهم وحسابهم، قد تمت منهم الخلقة الجسدية والأرواح، وشخصت أبصارهم ( يَنْظُرُونَ ) ماذا يفعل اللّه بهم.
( وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ) علم من هذا، أن الأنوار الموجودة تذهب يوم القيامة وتضمحل، وهو كذلك، فإن اللّه أخبر أن الشمس تكور، والقمر يخسف، والنجوم تندثر، ويكون الناس في ظلمة، فتشرق عند ذلك الأرض بنور ربها، عندما يتجلى وينزل للفصل بينهم، وذلك اليوم يجعل اللّه للخلق قوة، وينشئهم نشأة يَقْوَوْنَ على أن لا يحرقهم نوره، ويتمكنون أيضا من رؤيته، وإلا فنوره تعالى عظيم، لو كشفه، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.
( وَوُضِعَ الْكِتَابُ ) أي: كتاب الأعمال وديوانه، وضع ونشر، ليقرأ ما فيه من الحسنات والسيئات، كما قال تعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ويقال للعامل من تمام العدل والإنصاف: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا
( وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ ) ليسألوا عن التبليغ، وعن أممهم، ويشهدوا عليهم. ( وَالشُّهَدَاءِ ) من الملائكة، والأعضاء والأرض. ( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ ) أي: العدل التام والقسط العظيم، لأنه حساب صادر ممن لا يظلم مثقال ذرة، ومن هو محيط بكل شيء، وكتابه الذي هو اللوح المحفوظ، محيط بكل ما عملوه، والحفظة الكرام، والذين لا يعصون ربهم، قد كتبت عليهم ما عملوه، وأعدل الشهداء قد شهدوا على ذلك الحكم، فحكم بذلك من يعلم مقادير الأعمال ومقادير استحقاقها للثواب والعقاب.
فيحصل حكم يقر به الخلق، ويعترفون للّه بالحمد والعدل، ويعرفون به من عظمته وعلمه وحكمته ورحمته ما لم يخطر بقلوبهم، ولا تعبر عنه ألسنتهم، ولهذا قال: ( وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ )
ويساقون إليها ( زُمَرًا ) أي: فرقا متفرقة، كل زمرة مع الزمرة التي تناسب عملها، وتشاكل سعيها، يلعن بعضهم بعضا، ويبرأ بعضهم من بعض. ( حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا ) أي: وصلوا إلى ساحتها ( فُتِحَتْ ) لهم أي: لأجلهم ( أَبْوَابُهَا ) لقدومهم وقِرًى لنزولهم.
( وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا ) مهنئين لهم بالشقاء الأبدي، والعذاب السرمدي، وموبخين لهم على الأعمال التي أوصلتهم إلى هذا المحل الفظيع: ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ) أي: من جنسكم تعرفونهم وتعرفون صدقهم، وتتمكنون من التلقي عنهم؟. ( يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ ) التي أرسلهم اللّه بها، الدالة على الحق اليقين بأوضح البراهين.
( وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ) أي: وهذا يوجب عليكم اتباعهم والحذر من عذاب هذا اليوم، باستعمال تقواه، وقد كانت حالكم بخلاف هذه الحال؟
( قَالُوا ) مقرين بذنبهم، وأن حجة اللّه قامت عليهم: ( بَلَى ) قد جاءتنا رسل ربنا بآياته وبيناته، وبينوا لنا غاية التبيين، وحذرونا من هذا اليوم. ( وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) أي: بسبب كفرهم وجبت عليهم كلمة العذاب، التي هي لكل من كفر بآيات اللّه، وجحد ما جاءت به المرسلون، فاعترفوا بذنبهم وقيام الحجة عليهم.
فـ ( قِيلَ ) لهم على وجه الإهانة والإذلال: ( ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ ) كل طائفة تدخل من الباب الذي يناسبها ويوافق عملها. ( خَالِدِينَ فِيهَا ) أبدا، لا يظعنون عنها، ولا يفتر عنهم العذاب ساعة ولا ينظرون. ( فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) أي: بئس المقر، النار مقرهم، وذلك لأنهم تكبروا على الحق، فجازاهم اللّه من جنس عملهم، بالإهانة والذل، والخزي.
ثم قال عن أهل الجنة: ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ ) بتوحيده والعمل بطاعته، سوق إكرام وإعزاز، يحشرون وفدا على النجائب. ( إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ) فرحين مستبشرين، كل زمرة مع الزمرة، التي تناسب عملها وتشاكله. ( حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا ) أي: وصلوا لتلك الرحاب الرحيبة والمنازل الأنيقة، وهبَّ عليهم ريحها ونسيمها، وآن خلودها ونعيمها. ( وَفُتِحَتْ ) لهم ( أَبْوَابُهَا ) فتح إكرام، لكرام الخلق، ليكرموا فيها. ( وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا ) تهنئة لهم وترحيبا: ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) أي: سلام من كل آفة وشر حال.عليكم ( طِبْتُمْ ) أي: طابت قلوبكم بمعرفة اللّه ومحبته وخشيته، وألسنتكم بذكره، وجوارحكم بطاعته. ( فـ ) بسبب طيبكم ( ادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) لأنها الدار الطيبة، ولا يليق بها إلا الطيبون.
وقال في النار ( فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ) وفي الجنة ( وَفُتِحَتْ ) بالواو، إشارة إلى أن أهل النار، بمجرد وصولهم إليها، فتحت لهم أبوابها من غير إنظار ولا إمهال، وليكون فتحها في وجوههم، وعلى وصولهم، أعظم لحرها، وأشد لعذابها.
وأما الجنة، فإنها الدار العالية الغالية، التي لا يوصل إليها ولا ينالها كل أحد، إلا من أتى بالوسائل الموصلة إليها، ومع ذلك، فيحتاجون لدخولها لشفاعة أكرم الشفعاء عليه، فلم تفتح لهم بمجرد ما وصلوا إليها، بل يستشفعون إلى اللّه بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، حتى يشفع، فيشفعه اللّه تعالى.
وفي الآيات دليل على أن النار والجنة لهما أبواب تفتح وتغلق، وأن لكل منهما خزنة، وهما الداران الخالصتان، اللتان لا يدخل فيهما إلا من استحقهما، بخلاف سائر الأمكنة والدور.
( وَقَالُوا ) عند دخولهم فيها واستقرارهم، حامدين ربهم على ما أولاهم ومنَّ عليهم وهداهم: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ) أي: وعدنا الجنة على ألسنة رسله، إن آمنا وصلحنا، فوفَّى لنا بما وعدنا، وأنجز لنا ما منَّانا. ( وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ ) أي: أرض الجنة ( نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ) أي: ننزل منها أي مكان شئنا، ونتناول منها أي نعيم أردنا، ليس ممنوعا عنا شيء نريده. ( فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) الذين اجتهدوا بطاعة ربهم، في زمن قليل منقطع، فنالوا بذلك خيرا عظيما باقيا مستمرا.
وهذه الدار التي تستحق المدح على الحقيقة، التي يكرم اللّه فيها خواص خلقه، ورضيها الجواد الكريم لهم نزلا وبنى أعلاها وأحسنها، وغرسها بيده، وحشاها من رحمته وكرامته ما ببعضه يفرح الحزين، ويزول الكدر، ويتم الصفاء.
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ( 68 ) وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ( 69 ) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ( 70 ) .
لما خوفهم تعالى من عظمته، خوفهم بأحوال يوم القيامة، ورغَّبهم ورهَّبهم فقال: ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ) وهو قرن عظيم، لا يعلم عظمته إلا خالقه، ومن أطلعه اللّه على علمه من خلقه، فينفخ فيه إسرافيل عليه السلام، أحد الملائكة المقربين، وأحد حملة عرش الرحمن. ( فَصَعِقَ ) أي: غشي أو مات، على اختلاف القولين: ( مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ ) أي: كلهم، لما سمعوا نفخة الصور أزعجتهم من شدتها وعظمها، وما يعلمون أنها مقدمة له. ( إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ) ممن ثبته اللّه عند النفخة، فلم يصعق، كالشهداء أو بعضهم، وغيرهم. وهذه النفخة الأولى، نفخة الصعق، ونفخة الفزع.
( ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ ) النفخة الثانية نفخة البعث ( فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ ينظرون ) أي: قد قاموا من قبورهم لبعثهم وحسابهم، قد تمت منهم الخلقة الجسدية والأرواح، وشخصت أبصارهم ( يَنْظُرُونَ ) ماذا يفعل اللّه بهم.
( وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ) علم من هذا، أن الأنوار الموجودة تذهب يوم القيامة وتضمحل، وهو كذلك، فإن اللّه أخبر أن الشمس تكور، والقمر يخسف، والنجوم تندثر، ويكون الناس في ظلمة، فتشرق عند ذلك الأرض بنور ربها، عندما يتجلى وينزل للفصل بينهم، وذلك اليوم يجعل اللّه للخلق قوة، وينشئهم نشأة يَقْوَوْنَ على أن لا يحرقهم نوره، ويتمكنون أيضا من رؤيته، وإلا فنوره تعالى عظيم، لو كشفه، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.
( وَوُضِعَ الْكِتَابُ ) أي: كتاب الأعمال وديوانه، وضع ونشر، ليقرأ ما فيه من الحسنات والسيئات، كما قال تعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ويقال للعامل من تمام العدل والإنصاف: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا
( وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ ) ليسألوا عن التبليغ، وعن أممهم، ويشهدوا عليهم. ( وَالشُّهَدَاءِ ) من الملائكة، والأعضاء والأرض. ( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ ) أي: العدل التام والقسط العظيم، لأنه حساب صادر ممن لا يظلم مثقال ذرة، ومن هو محيط بكل شيء، وكتابه الذي هو اللوح المحفوظ، محيط بكل ما عملوه، والحفظة الكرام، والذين لا يعصون ربهم، قد كتبت عليهم ما عملوه، وأعدل الشهداء قد شهدوا على ذلك الحكم، فحكم بذلك من يعلم مقادير الأعمال ومقادير استحقاقها للثواب والعقاب.
فيحصل حكم يقر به الخلق، ويعترفون للّه بالحمد والعدل، ويعرفون به من عظمته وعلمه وحكمته ورحمته ما لم يخطر بقلوبهم، ولا تعبر عنه ألسنتهم، ولهذا قال: ( وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ )
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ( 71 ) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ( 72 ) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ( 73 ) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ( 74 ) .
لما ذكر تعالى حكمه بين عباده، الذين جمعهم في خلقه ورزقه وتدبيره، واجتماعهم في الدنيا، واجتماعهم في موقف القيامة، فرقهم تعالى عند جزائهم، كما افترقوا في الدنيا بالإيمان والكفر، والتقوى والفجور، فقال: ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ ) أي: سوقا عنيفا، يضربون بالسياط الموجعة، من الزبانية الغلاظ الشداد، إلى شر محبس وأفظع موضع، وهي جهنم التي قد جمعت كل عذاب، وحضرها كل شقاء، وزال عنها كل سرور، كما قال تعالى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا أي: يدفعون إليها دفعا، وذلك لامتناعهم من دخولها. ويساقون إليها ( زُمَرًا ) أي: فرقا متفرقة، كل زمرة مع الزمرة التي تناسب عملها، وتشاكل سعيها، يلعن بعضهم بعضا، ويبرأ بعضهم من بعض. ( حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا ) أي: وصلوا إلى ساحتها ( فُتِحَتْ ) لهم أي: لأجلهم ( أَبْوَابُهَا ) لقدومهم وقِرًى لنزولهم.
( وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا ) مهنئين لهم بالشقاء الأبدي، والعذاب السرمدي، وموبخين لهم على الأعمال التي أوصلتهم إلى هذا المحل الفظيع: ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ) أي: من جنسكم تعرفونهم وتعرفون صدقهم، وتتمكنون من التلقي عنهم؟. ( يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ ) التي أرسلهم اللّه بها، الدالة على الحق اليقين بأوضح البراهين.
( وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ) أي: وهذا يوجب عليكم اتباعهم والحذر من عذاب هذا اليوم، باستعمال تقواه، وقد كانت حالكم بخلاف هذه الحال؟
( قَالُوا ) مقرين بذنبهم، وأن حجة اللّه قامت عليهم: ( بَلَى ) قد جاءتنا رسل ربنا بآياته وبيناته، وبينوا لنا غاية التبيين، وحذرونا من هذا اليوم. ( وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) أي: بسبب كفرهم وجبت عليهم كلمة العذاب، التي هي لكل من كفر بآيات اللّه، وجحد ما جاءت به المرسلون، فاعترفوا بذنبهم وقيام الحجة عليهم.
فـ ( قِيلَ ) لهم على وجه الإهانة والإذلال: ( ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ ) كل طائفة تدخل من الباب الذي يناسبها ويوافق عملها. ( خَالِدِينَ فِيهَا ) أبدا، لا يظعنون عنها، ولا يفتر عنهم العذاب ساعة ولا ينظرون. ( فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) أي: بئس المقر، النار مقرهم، وذلك لأنهم تكبروا على الحق، فجازاهم اللّه من جنس عملهم، بالإهانة والذل، والخزي.
ثم قال عن أهل الجنة: ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ ) بتوحيده والعمل بطاعته، سوق إكرام وإعزاز، يحشرون وفدا على النجائب. ( إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ) فرحين مستبشرين، كل زمرة مع الزمرة، التي تناسب عملها وتشاكله. ( حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا ) أي: وصلوا لتلك الرحاب الرحيبة والمنازل الأنيقة، وهبَّ عليهم ريحها ونسيمها، وآن خلودها ونعيمها. ( وَفُتِحَتْ ) لهم ( أَبْوَابُهَا ) فتح إكرام، لكرام الخلق، ليكرموا فيها. ( وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا ) تهنئة لهم وترحيبا: ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) أي: سلام من كل آفة وشر حال.عليكم ( طِبْتُمْ ) أي: طابت قلوبكم بمعرفة اللّه ومحبته وخشيته، وألسنتكم بذكره، وجوارحكم بطاعته. ( فـ ) بسبب طيبكم ( ادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) لأنها الدار الطيبة، ولا يليق بها إلا الطيبون.
وقال في النار ( فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ) وفي الجنة ( وَفُتِحَتْ ) بالواو، إشارة إلى أن أهل النار، بمجرد وصولهم إليها، فتحت لهم أبوابها من غير إنظار ولا إمهال، وليكون فتحها في وجوههم، وعلى وصولهم، أعظم لحرها، وأشد لعذابها.
وأما الجنة، فإنها الدار العالية الغالية، التي لا يوصل إليها ولا ينالها كل أحد، إلا من أتى بالوسائل الموصلة إليها، ومع ذلك، فيحتاجون لدخولها لشفاعة أكرم الشفعاء عليه، فلم تفتح لهم بمجرد ما وصلوا إليها، بل يستشفعون إلى اللّه بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، حتى يشفع، فيشفعه اللّه تعالى.
وفي الآيات دليل على أن النار والجنة لهما أبواب تفتح وتغلق، وأن لكل منهما خزنة، وهما الداران الخالصتان، اللتان لا يدخل فيهما إلا من استحقهما، بخلاف سائر الأمكنة والدور.
( وَقَالُوا ) عند دخولهم فيها واستقرارهم، حامدين ربهم على ما أولاهم ومنَّ عليهم وهداهم: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ) أي: وعدنا الجنة على ألسنة رسله، إن آمنا وصلحنا، فوفَّى لنا بما وعدنا، وأنجز لنا ما منَّانا. ( وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ ) أي: أرض الجنة ( نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ) أي: ننزل منها أي مكان شئنا، ونتناول منها أي نعيم أردنا، ليس ممنوعا عنا شيء نريده. ( فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) الذين اجتهدوا بطاعة ربهم، في زمن قليل منقطع، فنالوا بذلك خيرا عظيما باقيا مستمرا.
وهذه الدار التي تستحق المدح على الحقيقة، التي يكرم اللّه فيها خواص خلقه، ورضيها الجواد الكريم لهم نزلا وبنى أعلاها وأحسنها، وغرسها بيده، وحشاها من رحمته وكرامته ما ببعضه يفرح الحزين، ويزول الكدر، ويتم الصفاء.
الصفحة رقم 466 من المصحف تحميل و استماع mp3