سورة النساء | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 100 من المصحف
** يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّهِ وَلَوْ عَلَىَ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَىَ بِهِمَا فَلاَ تَتّبِعُواْ الْهَوَىَ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط أي بالعدل, فلا يعدلوا عنه يميناً ولا شمالاً, ولا تأخذهم في الله لومة لائم ولا يصرفهم عنه صارف, وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه, وقوله: {شهداء لله} كما قال: {وأقيموا الشهادة لله} أي ليكن أداؤها ابتغاء وجه الله, فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقاً خالية من التحريف والتبديل والكتمان, ولهذا قال {ولو على أنفسكم} أي اشهد الحق ولو عاد ضررها عليك, وإذا سئلت عن الأمر فقل الحق فيه ولو عادت مضرته عليك, فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجاً ومخرجاً من كل أمر يضيق عليه. وقوله: {أو الوالدين والأقربين} أي وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك فلا تراعهم فيها بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم, فإن الحق حاكم على كل أحد.
وقوله: {إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهم} أي لا ترعاه لغناه ولا تشفق عليه لفقره, الله يتولاهما بل هو أولى بهما منك وأعلم بما فيه صلاحهما. وقوله: {فلا تتبعوا الهوى أن تعدلو} أي فلا يحملنكم الهوى والعصبية وبغض الناس إليكم على ترك العدل في أموركم وشؤونكم, بل الزموا العدل على أي حال كان, كما قال تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}, ومن هذا القبيل قول عبد الله بن رواحة لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم, فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم, فقال: والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلي, ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير وما يحملني حبي إياه, وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم, فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض, وسيأتي الحديث مسنداً في سورة المائدة إن شاء الله تعالى. وقوله: {وإن تلووا أو تعرضو} قال مجاهد وغير واحد من السلف: تلووا, أي تحرفوا الشهادة وتغيروها, واللي هو التحريف وتعمد الكذب, قال تعالى: {وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب} الاَية, والإعراض هو كتمان الشهادة وتركها, قال تعالى: {ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} وقال النبي صلى الله عليه وسلم «خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها» ولهذا توعدهم الله بقوله: {فإن الله كان بما تعملون خبير} أي وسيجازيكم بذلك.
** يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الّذِي نَزّلَ عَلَىَ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الّذِيَ أَنَزلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً بَعِيداً
يأمر تعالى عباده المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الإيمان وشعبه وأركانه ودعائمه وليس هذا من باب تحصيل الحاصل, بل من باب تكميل الكامل وتقريره وتثبيته والاستمرار عليه, كما يقول المؤمن في كل صلاة {اهدنا الصراط المستقيم} أي بصرنا فيه وزدنا هدى وثبتنا عليه, فأمرهم بالإيمان به وبرسوله, كما قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله}. وقوله: {والكتاب الذي نزل على رسوله} يعني القرآن, {والكتاب الذي أنزل من قبل} وهذا جنس يشمل جميع الكتب المتقدمة, وقال في القرآن: نزل لأنه نزل مفرقاً منجماً على الوقائع بحسب ما يحتاج إليه العباد في معاشهم ومعادهم, وأما الكتب المتقدمة, فكانت تنزل جملة واحدة, لهذا قال تعالى: {والكتاب الذي أنزل من قبل}, ثم قال تعالى: {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاَخر فقد ضل ضلالاً بعيد} أي فقد خرج عن طريق الهدى وبعد عن القصد كل البعد. )
** إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ ثُمّ كَفَرُواْ ثُمّ آمَنُواْ ثُمّ كَفَرُواْ ثُمّ ازْدَادُواْ كُفْراً لّمْ يَكُنْ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً * بَشّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الّذِينَ يَتّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزّةَ فَإِنّ العِزّةَ للّهِ جَمِيعاً * وَقَدْ نَزّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتّىَ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنّكُمْ إِذاً مّثْلُهُمْ إِنّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنّمَ جَمِيعاً
يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان, ثم رجع عنه, ثم عاد فيه, ثم رجع واستمر على ضلاله وازداد حتى مات, فإنه لا توبة بعد موته ولا يغفر الله له ولا يجعل له مما هو فيه فرجاً ولا مخرجاً ولا طريقاً إلى الهدى, ولهذا قال: {لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيل}. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن عبدة, حدثنا حفص بن جميع عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس في قوله تعالى: {ثم ازدادوا كفر} قال: تمادوا على كفرهم حتى ماتوا, وكذا قال مجاهد. وروى ابن أبي حاتم من طريق جابر المعلى عن عامر الشعبي, عن علي رضي الله عنه, أنه قال: يستتاب المرتد ثلاثاً, ثم تلا هذه الاَية {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيل}, ثم قال: {بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليم} يعني أن المنافقين من هذه الصفة, فإنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم, ثم وصفهم بأنهم يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين, بمعنى أنهم معهم في الحقيقة يوالونهم ويسرون إليهم بالمودة, ويقولون لهم إذا خلوا بهم: إنما نحن معكم, إنما نحن مستهزئون, أي بالمؤمنين, في إظهارنا لهم الموافقة, قال الله تعالى منكراً عليهم فيما سلكوه من موالاة الكافرين {أيبتغون عندهم العزة}, ثم أخبر الله تعالى بأن العزة كلها له وحده لا شريك له ولمن جعلها له, كما قال تعالى في الاَية الأخرى {من كان يريد العزة فلله العزة جميع}. وقال تعالى: { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}, والمقصود من هذا التهييج على طلب العزة من جناب الله والإقبال على عبوديته والانتظام في جملة عباده المؤمنين الذين لهم النصرة في الحياة الدنيا, ويوم يقوم الأشهاد, ويناسب هنا أن نذكر الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد, حدثنا أبو بكر بن عياش بن حميد الكندي, عن عبادة بن نسيء, عن أبي ريحانه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزاً وفخراً, فهو عاشرهم في النار» تفرد به أحمد, وأبو ريحانة هذا هو أزدي, ويقال أنصاري, واسمه شمعون, بالمعجمة, فيما قاله البخاري, وقال غيره: بالمهملة, والله أعلم.
وقوله: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم}, أي إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ وينتقص بها وأقررتموهم على ذلك, فقد شاركتموهم في الذي هم فيه, فلهذا قال تعالى: {إنكم إذاً مثلهم} في المأثم, كما جاء في الحديث «من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر, فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر» والذي أحيل عليه في هذه الاَية من النهي في ذلك هو قوله تعالى في سورة الأنعام, وهي مكية {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم} الاَية, قال مقاتل بن حيان: نسخت هذه الاَية التي في سورة الأنعام, يعني نسخ قوله: {إنكم إذا مثلهم ـ لقوله ـ وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون}. وقوله: {إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميع} أي كما أشركوهم في الكفر كذلك يشارك الله بينهم في الخلود في نار جهنم أبداً ويجمع بينهم في دار العقوبة والنكال والقيود والأغلال وشراب الحميم والغسلين لا الزلال.
تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 100
100 : تفسير الصفحة رقم 100 من القرآن الكريم** يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّهِ وَلَوْ عَلَىَ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَىَ بِهِمَا فَلاَ تَتّبِعُواْ الْهَوَىَ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط أي بالعدل, فلا يعدلوا عنه يميناً ولا شمالاً, ولا تأخذهم في الله لومة لائم ولا يصرفهم عنه صارف, وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه, وقوله: {شهداء لله} كما قال: {وأقيموا الشهادة لله} أي ليكن أداؤها ابتغاء وجه الله, فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقاً خالية من التحريف والتبديل والكتمان, ولهذا قال {ولو على أنفسكم} أي اشهد الحق ولو عاد ضررها عليك, وإذا سئلت عن الأمر فقل الحق فيه ولو عادت مضرته عليك, فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجاً ومخرجاً من كل أمر يضيق عليه. وقوله: {أو الوالدين والأقربين} أي وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك فلا تراعهم فيها بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم, فإن الحق حاكم على كل أحد.
وقوله: {إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهم} أي لا ترعاه لغناه ولا تشفق عليه لفقره, الله يتولاهما بل هو أولى بهما منك وأعلم بما فيه صلاحهما. وقوله: {فلا تتبعوا الهوى أن تعدلو} أي فلا يحملنكم الهوى والعصبية وبغض الناس إليكم على ترك العدل في أموركم وشؤونكم, بل الزموا العدل على أي حال كان, كما قال تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}, ومن هذا القبيل قول عبد الله بن رواحة لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم, فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم, فقال: والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلي, ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير وما يحملني حبي إياه, وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم, فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض, وسيأتي الحديث مسنداً في سورة المائدة إن شاء الله تعالى. وقوله: {وإن تلووا أو تعرضو} قال مجاهد وغير واحد من السلف: تلووا, أي تحرفوا الشهادة وتغيروها, واللي هو التحريف وتعمد الكذب, قال تعالى: {وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب} الاَية, والإعراض هو كتمان الشهادة وتركها, قال تعالى: {ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} وقال النبي صلى الله عليه وسلم «خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها» ولهذا توعدهم الله بقوله: {فإن الله كان بما تعملون خبير} أي وسيجازيكم بذلك.
** يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الّذِي نَزّلَ عَلَىَ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الّذِيَ أَنَزلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً بَعِيداً
يأمر تعالى عباده المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الإيمان وشعبه وأركانه ودعائمه وليس هذا من باب تحصيل الحاصل, بل من باب تكميل الكامل وتقريره وتثبيته والاستمرار عليه, كما يقول المؤمن في كل صلاة {اهدنا الصراط المستقيم} أي بصرنا فيه وزدنا هدى وثبتنا عليه, فأمرهم بالإيمان به وبرسوله, كما قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله}. وقوله: {والكتاب الذي نزل على رسوله} يعني القرآن, {والكتاب الذي أنزل من قبل} وهذا جنس يشمل جميع الكتب المتقدمة, وقال في القرآن: نزل لأنه نزل مفرقاً منجماً على الوقائع بحسب ما يحتاج إليه العباد في معاشهم ومعادهم, وأما الكتب المتقدمة, فكانت تنزل جملة واحدة, لهذا قال تعالى: {والكتاب الذي أنزل من قبل}, ثم قال تعالى: {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاَخر فقد ضل ضلالاً بعيد} أي فقد خرج عن طريق الهدى وبعد عن القصد كل البعد. )
** إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ ثُمّ كَفَرُواْ ثُمّ آمَنُواْ ثُمّ كَفَرُواْ ثُمّ ازْدَادُواْ كُفْراً لّمْ يَكُنْ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً * بَشّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الّذِينَ يَتّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزّةَ فَإِنّ العِزّةَ للّهِ جَمِيعاً * وَقَدْ نَزّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتّىَ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنّكُمْ إِذاً مّثْلُهُمْ إِنّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنّمَ جَمِيعاً
يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان, ثم رجع عنه, ثم عاد فيه, ثم رجع واستمر على ضلاله وازداد حتى مات, فإنه لا توبة بعد موته ولا يغفر الله له ولا يجعل له مما هو فيه فرجاً ولا مخرجاً ولا طريقاً إلى الهدى, ولهذا قال: {لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيل}. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن عبدة, حدثنا حفص بن جميع عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس في قوله تعالى: {ثم ازدادوا كفر} قال: تمادوا على كفرهم حتى ماتوا, وكذا قال مجاهد. وروى ابن أبي حاتم من طريق جابر المعلى عن عامر الشعبي, عن علي رضي الله عنه, أنه قال: يستتاب المرتد ثلاثاً, ثم تلا هذه الاَية {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيل}, ثم قال: {بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليم} يعني أن المنافقين من هذه الصفة, فإنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم, ثم وصفهم بأنهم يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين, بمعنى أنهم معهم في الحقيقة يوالونهم ويسرون إليهم بالمودة, ويقولون لهم إذا خلوا بهم: إنما نحن معكم, إنما نحن مستهزئون, أي بالمؤمنين, في إظهارنا لهم الموافقة, قال الله تعالى منكراً عليهم فيما سلكوه من موالاة الكافرين {أيبتغون عندهم العزة}, ثم أخبر الله تعالى بأن العزة كلها له وحده لا شريك له ولمن جعلها له, كما قال تعالى في الاَية الأخرى {من كان يريد العزة فلله العزة جميع}. وقال تعالى: { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}, والمقصود من هذا التهييج على طلب العزة من جناب الله والإقبال على عبوديته والانتظام في جملة عباده المؤمنين الذين لهم النصرة في الحياة الدنيا, ويوم يقوم الأشهاد, ويناسب هنا أن نذكر الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد, حدثنا أبو بكر بن عياش بن حميد الكندي, عن عبادة بن نسيء, عن أبي ريحانه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزاً وفخراً, فهو عاشرهم في النار» تفرد به أحمد, وأبو ريحانة هذا هو أزدي, ويقال أنصاري, واسمه شمعون, بالمعجمة, فيما قاله البخاري, وقال غيره: بالمهملة, والله أعلم.
وقوله: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم}, أي إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ وينتقص بها وأقررتموهم على ذلك, فقد شاركتموهم في الذي هم فيه, فلهذا قال تعالى: {إنكم إذاً مثلهم} في المأثم, كما جاء في الحديث «من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر, فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر» والذي أحيل عليه في هذه الاَية من النهي في ذلك هو قوله تعالى في سورة الأنعام, وهي مكية {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم} الاَية, قال مقاتل بن حيان: نسخت هذه الاَية التي في سورة الأنعام, يعني نسخ قوله: {إنكم إذا مثلهم ـ لقوله ـ وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون}. وقوله: {إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميع} أي كما أشركوهم في الكفر كذلك يشارك الله بينهم في الخلود في نار جهنم أبداً ويجمع بينهم في دار العقوبة والنكال والقيود والأغلال وشراب الحميم والغسلين لا الزلال.
الصفحة رقم 100 من المصحف تحميل و استماع mp3