تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 101 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 101

101 : تفسير الصفحة رقم 101 من القرآن الكريم

** الّذِينَ يَتَرَبّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مّنَ اللّهِ قَالُوَاْ أَلَمْ نَكُنْ مّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوَاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً
يخبر تعالى عن المنافقين أنهم يتربصون بالمؤمنين دوائر السوء بمعنى ينتظرون زوال دولتهم وظهور الكفر عليهم وذهاب ملتهم, {فإن كان لكم فتح من الله} أي نصر وتأييد وظفر وغنيمة {قالوا ألم نكن معكم} أي يتوددون إلى المؤمنين بهذه المقالة, {وإن كان للكافرين نصيب} أي إدالة على المؤمنين في بعض الأحيان كما وقع يوم أحد, فإن الرسل تبتلى ثم يكون لها العاقبة {قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين} أي ساعدناكم في الباطن, وما ألوناهم خبالاً وتخذيلاً حتى انتصرتم عليهم, وقال السدي: نستحوذ عليكم نغلب عليكم, كقوله: {استحوذ عليهم الشيطان} وهذا أيضاً تودد منهم إليهم, فإنهم كانوا يصانعون هؤلاء وهؤلاء ليحظوا عندهم ويأمنوا كيدهم, وما ذاك إلا لضعف إيمانهم وقلة إيقانهم, قال تعالى: {فالله يحكم بينكم يوم القيامة} أي بما يعلمه منكم أيها المنافقون من البواطن الرديئة فلا تغتروا بجريان الأحكام الشرعية عليكم ظاهراً في الحياة الدنيا, لما له في ذلك من الحكمة, فيوم القيامة لا تنفعكم ظواهركم بل هو يوم تبلى فيه السرائر ويحصل ما في الصدور.
وقوله: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيل} قال عبد الرزاق: أنبأنا الثوري عن الأعمش, عن ذر, عن سبيع الكندي, قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال: كيف هذه الاَية {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيل} فقال علي رضي الله عنه: أدنه أدنه, فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً, وكذا روى ابن جريج عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً, قال: ذاك يوم القيامة, وكذا روى السدي عن أبي مالك الأشجعي, يعني يوم القيامة. وقال السدي: سبيلاً أي حجة, ويحتمل أن يكون المعنى ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً, أي في الدنيا بأن يسلطوا عليهم استيلاء استئصال بالكلية, وإن حصل لهم ظفر في بعض الأحيان على بعض الناس, فإن العاقبة للمتقين في الدنيا والاَخرة, كما قال تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدني} الاَية, وعلى هذا يكون رداً على المنافقين فيما أملوه ورجوه وانتظروه من زوال دولة المؤمنين, وفيما سلكوه من مصانعتهم الكافرين خوفاً على أنفسهم منهم إذا هم ظهروا على المؤمنين فاستأصلوهم, كما قال تعالى: {فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم ـ إلى قوله ـ نادمين} وقد استدل كثير من العلماء بهذا الاَية الكريمة على أصح قولي العلماء, وهو المنع من بيع العبد المسلم للكافر, لما في صحة ابتياعه من التسليط له عليه والإذلال, ومن قال منهم بالصحة, يأمره بإزالة ملكه عنه في الحال لقوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيل}.

** إِنّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوَاْ إِلَى الصّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىَ يُرَآءُونَ النّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاّ قَلِيلاً * مّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَىَ هَـَؤُلآءِ وَلاَ إِلَى هَـَؤُلآءِ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً
قد تقدم في أول سورة البقرة قوله تعالى: {يخادعون الله والذين آمنو}, وقال ههنا: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم} ولاشك أن الله لا يخادع, فإنه العالم بالسرائر والضمائر, ولكن المنافقين لجهلهم وقلة علمهم وعقلهم يعتقدون أن أمرهم كما راج عند الناس وجرت عليهم أحكام الشريعة ظاهراً, فكذلك يكون حكمهم عند الله يوم القيامة وأن أمرهم يروج عنده كما أخبر تعالى عنهم أنهم يوم القيامة يحلفون له أنهم كانوا على الاستقامة والسداد, ويعتقدون أن ذلك نافع لهم عنده, كما قال تعالى: {يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم} الاَية, وقوله: {هو خادعهم} أي هو الذي يستدرجهم في طغيانهم وضلالهم, ويخذلهم عن الحق والوصول إليه في الدنيا, وكذلك يوم القيامة, كما قال تعالى: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم ـ إلى قوله ـ وبئس المصير} وقد ورد في الحديث «من سمع سمع الله به, ومن راءى راءى الله به». وفي حديث آخر«إن الله يأمر بالعبد إلى الجنة فيما يبدو للناس ويعدل به إلى النار» عياذاً بالله من ذلك.
وقوله: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى} الاَية, هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها, وهي الصلاة إذا قاموا إليها, قاموا وهم كسالى عنها, لأنهم لا نية لهم فيها ولا إيمان لهم بها ولا خشية, ولا يعقلون معناها كما روى ابن مردويه من طريق عبيد الله بن زحر عن خالد بن أبي عمران عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس, قال: يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان, ولكن يقوم إليها طلق الوجه عظيم الرغبة شديد الفرح, فإنه يناجي الله وإن الله تجاهه يغفر له ويجيبه إذا دعاه, ثم يتلو هذه الاَية {وإذا قاموا إالى الصلاة قاموا كسالى} وروي من غير هذا الوجه عن ابن عباس نحوه, فقوله تعالى: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى} هذه صفة ظواهرهم كما قال: {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى} ثم ذكر تعالى صفة بواطنهم الفاسدة, فقال: {يراءون الناس} أي لا إخلاص لهم ولا معاملة مع الله بل إنما يشهدون الناس تقية لهم ومصانعة, ولهذا يتخلفون كثيراً عن الصلاة التي لا يرون فيها غالباً كصلاة)العشاء في وقت العتمة, وصلاة الصبح في وقت الغلس, كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر, ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً, ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام, ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس, ثم أنطلق معي برجال ومعهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار». وفي رواية «والذي نفسي بيده, لو علم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين, لشهد الصلاة, ولولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقت عليهم بيوتهم».
وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي, حدثنا محمد بن دينار عن إبراهيم الهجري, عن أبي الأحوص, عن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحسن الصلاة حيث يراه الناس وأساءها حيث يخلو, فتلك استهانة استهان بها ربه عز وجل». وقوله: {و لا يذكرون الله إلا قليل} أي في صلاتهم لا يخشعون ولا يدرون ما يقولون بل هم في صلاتهم ساهون لاهون, وعما يراد بهم من الخير معرضون, وقد روى الإمام مالك عن العلاء بن عبد الرحمن, عن أنس بن مالك, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق, يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان, قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً», وكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث إسماعيل بن جعفر المدني عن العلاء بن عبد الرحمن به, وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقوله: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا هؤلاء} يعني المنافقين محيرين بين الإيمان والكفر, فلا هم مع المؤمنين ظاهراً وباطناً ولا مع الكافرين ظاهراً وباطناً, بل ظواهرهم مع المؤمنين وبواطنهم مع الكافرين, ومنهم من يعتريه الشك, فتارة يميل إلى هؤلاء وتارة يميل إلى أولئك {كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قامو} الاَية, وقال مجاهد {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء} يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم {ولا إلى هؤلاء} يعني اليهود. وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى, حدثنا عبد الوهاب, حدثنا عبيد الله عن نافع, عن ابن عمر, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين, تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة ولا تدري أيتهما تتبع», تفرد به مسلم, وقد رواه عن محمد بن المثنى مرة أخرى, عن عبد الوهاب فوقف به على ابن عمر ولم يرفعه, قال: حدثنا به عبد الوهاب مرتين, كذلك قلت, وقد رواه الإمام أحمد عن إسحاق بن يوسف عن عبيد الله, وكذا رواه إسماعيل بن عياش وعلي بن عاصم عن عبيد الله, عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً, وكذا رواه عثمان بن محمد بن أبي شيبة عن عبدة, عن عبد الله به مرفوعاً, ورواه حماد بن سلمة عن عبيد الله أو عبد الله بن عمر, عن نافع, عن ابن عمر مرفوعاً. وراه أيضاً صخر بن جويرية عن نافع, عن ابن عمر, عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله. وقال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد, حدثنا الهذيل بن بلال عن ابن عبيد أنه جلس ذات يوم بمكة وعبد الله بن عمر معه, فقال أبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مثل المنافق يوم القيامة كالشاة بين الربيضين من الغنم, إن أتت هؤلاء نطحتها, وإن أتت هؤلاء نطحتها» فقال له ابن عمر: كذبت, فأثنى القوم على أبي خيراً أو معروفاً, فقال ابن عمر: ما أظن صاحبكم إلا كما تقولون, ولكني شاهدي الله إذ قال: كالشاة بين الغنمين, فقال: هو سواء, فقال: هكذا سمعته.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, حدثنا المسعودي عن أبي جعفر محمد بن علي, قال: بينما عبيد بن عمير يقص وعنده عبد الله بن عمر, فقال عبيد بن عمير: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المنافق كالشاة بين ربيضين, إذا أتت هؤلاء نطحتها, وإذا أتت هؤلاء نطحتها», فقال ابن عمير: ليس كذلك, إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كشاة بين غنمين», قال: فاحتفظ الشيخ وغضب, فلما رأى ذلك ابن عمر قال: أما إني لو لم أسمعه لم أردد ذلك عليك.
(طريقة أخرى عن ابن عمر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن عثمان بن بودويه, عن يعفر بن زوذي, قال: سمعت عبيد بن عمير وهو يقص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المنافق كمثل الشاة الرابضة بين الغنمين», فقال ابن عمر: ويلكم لا تكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم, إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, «مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين», ورواه أحمد أيضاً من طرق عن عبيد بن عمير, عن ابن عمر, ورواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عبيد الله بن موسى, أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص, عن عبد الله هو ابن مسعود, قال: مثل المؤمن والمنافق والكافر مثل ثلاثة نفر انتهوا إلى واد, فوقع أحدهم فعبر, ثم وقع الاَخر حتى إذا أتى على نصف الوادي ناداه الذي على شفير الوادي: ويلك أين تذهب إلى الهلكة, ارجع عودك على بدئك, وناداه الذي عبر: هلم إلى النجاة, فجعل ينظر إلى هذا مرة وإلى هذا مرة, قال: فجاءه سيل فأغرقه, فالذي عبر هو المؤمن, والذي غرق المنافق {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} والذي مكث الكافر.
وقال ابن جرير: حدثنا بشر, حدثنا يزيد, حدثنا شعبة عن قتادة {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} يقول: ليسوا بمؤمنين مخلصين, ولا مشركين مصرحين بالشرك, قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يضرب مثلاً للمؤمن وللمنافق وللكافر كمثل رهط ثلاثة دفعوا إلى نهر فوقع المؤمن فقطع, ثم وقع المنافق حتى إذا كاد يصل إلى المؤمن, ناداه الكافر, أن هلم إلي فإني أخشى عليك, وناداه المؤمن: أن هلم إلي فإن عندي وعندي يحظى له ما عنده, فما زال المنافق يتردد بينهما حتى أتى أذى فغرقه, وإن المنافق لم يزل في شك وشبهة حتى أتى عليه الموت وهو كذلك, قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «مثل المنافق كمثل ثاغية بين غنمين, رأت غنماً على نشز فأتتها وشامتها فلم تعرف, ثم رأت غنماً على نشز فأتتها فشامتها فلم تعرف», ولهذا قال تعالى: {ومن يضلل الله فلن تجد له سبيل} أي ومن صرفه عن طريق الهدى {فلن تجد له ولياً مرشد} , ولا منقذ لهم مما هم فيه, فإنه تعالى لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

** يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مّبِيناً * إِنّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً * إِلاّ الّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للّهِ فَأُوْلَـَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً * مّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً
ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين يعني مصاحبتهم ومصادقتهم, ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم, وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم, كما قال تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه} أي يحذركم عقوبته في ارتكابكم نهيه, ولهذا قال ههنا: {أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبين} أي حجة عليكم في عقوبته إياكم. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا مالك بن إسماعيل, حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار, عن عكرمة, عن ابن عباس قوله: {سلطاناً مبين} قال كل سلطان في القرآن حجة, وهذا إسناد صحيح, وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي والضحاك والسدي والنضر بن عربي.
ثم أخبرنا تعالى { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} أي يوم القيامة جزاء على كفرهم الغليظ. قال الوالبي عن ابن عباس {في الدرك الأسفل من النار} أي في أسفل النار, وقال غيره: النار دركات كما أن الجنة درجات, وقال سفيان الثوري عن عاصم, عن ذكوان أبي صالح, عن أبي هريرة {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} قال في توابيت ترتج عليهم: كذا رواه ابن جرير عن ابن وكيع, عن يحيى بن يمان, عن سفيان الثوري به. ورواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان, عن عبيد الله بن موسى, عن إسرائيل, عن عاصم, عن أبي صالح, عن أبي هريرة, {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} قال: الدرك الأسفل بيوت لها أبواب تطبق عليهم, فتوقد من تحتهم ومن فوقهم. قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار, حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل, عن خيثمة, عن عبد الله يعني ابن مسعود {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} قال: في توابيت من نار تطبق عليهم أي مغلقة مقفلة, ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج, عن وكيع, عن سفيان, عن سلمة, عن خيثمة, عن ابن مسعود {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} قال: في توابيت من حديد مبهمة عليهم, ومعنى قوله: مبهمة, أي مغلقة مقفلة لا يهتدى لمكان فتحها.
وروى ابن أبي حاتم, حدثنا أبي, حدثنا أبو سلمة, حدثنا حماد بن سلمة, أخبرنا علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن أن ابن مسعود سئل عن المنافقين, فقال: يجعلون في توابيت من نار تطبق عليهم في أسفل درك من النار {ولن تجد لهم نصير} أي ينقذهم مما هم فيه ويخرجهم من أليم العذاب, ثم أخبر تعالى أن من تاب منهم في الدنيا, تاب عليه وقبل ندمه إذا أخلص في توبته وأصلح عمله, واعتصم بربه في جميع أمره, فقال تعالى: {إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله} أي بدلوا الرياء بالإخلاص فينفعهم العمل الصالح وإن قل, قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قراءة, أنبأنا ابن وهب, أخبرني يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر, عن خالد بن أبي عمران, عن عمران عن عمرو بن مرة, عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أخلص دينك يكفك القليل من العمل». {فأولئك مع المؤمنين} أي في زمرتهم يوم القيامة {وسوف يؤت الله المؤمنين أجراًعظيم} ثم قال تعالى مخبراًعن غناه عما سواه, وأنه إنما يعذب العباد بذنوبهم فقال تعالى: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم} أي أصلحتم العمل وآمنتم بالله ورسوله {وكان الله شاكراً عليم} أي من شكر شكر له, ومن آمن قلبه به علمه وجازاه على ذلك أوفر الجزاء.