تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 133 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 133

133 : تفسير الصفحة رقم 133 من القرآن الكريم

** قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىَ قُلُوبِكُمْ مّنْ إِلَـَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرّفُ الاَيَاتِ ثُمّ هُمْ يَصْدِفُونَ * قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاّ الْقَوْمُ الظّالِمُونَ * وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المكذبين المعاندين {أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم} أي سلبكم إياها كما أعطاكموها. كما قال تعالى: {هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار} الاَية, ويحتمل أن يكون هذا عبارة عن منع الانتفاع بهما, الانتفاع الشرعي, ولهذا قال {وختم على قلوبكم} كما قال {أمّن يملك السمع والأبصار} وقال {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} وقوله {من إله غير الله يأتيكم به} أي هل أحد غير الله يقدر على رد ذلك إليكم, إذا سلبه الله منكم لا يقدر على ذلك أحد سواه, ولهذا قال {انظر كيف نصرف الاَيات} أي نبينها ونوضحها ونفسرها, دالة على أنه لا إله إلا الله, وأن ما يعبدون من دونه باطل وضلال, {ثم هم يصدفون} أي ثم هم مع هذا البيان, يصدفون أي يعرضون عن الحق, ويصدون الناس عن اتباعه, قال العوفي عن ابن عباس: يصدفون أي يعدلون, وقال مجاهد وقتادة: يعرضون, وقال السدي: يصدون. وقوله تعالى: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة} أي وأنتم لا تشعرون به, حتى بغتكم وفجأكم, {أو جهرة} أي ظاهراً عياناً, {هل يهلك إلا القوم الظالمون} أي إنما كان يحيط بالظالمين أنفسهم بالشرك بالله, وينجوا الذين كانوا يعبدون الله وحده لا شريك له, فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون, كقوله {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} الاَية, وقوله {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين} أي مبشرين عباد الله المؤمنين بالخيرات, ومنذرين من كفر بالله النقمات والعقوبات, ولهذا قال {فمن آمن وأصلح} أي فمن آمن قلبه بما جاؤوا به, وأصلح عمله باتباعه إياهم, {فلا خوف عليهم} أي بالنسبة لما يستقبلونه {ولا هم يحزنون } أي بالنسبة إلى ما فاتهم وتركوه وراء ظهورهم من أمر الدنيا وصنيعها, الله وليهم فيما خلفوه, وحافظهم فيما تركوه, ثم قال {والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون} أي ينالهم العذاب, بما كفروا بما جاءت به الرسل, وخرجوا عن أوامر الله وطاعته, وارتكبوا من مناهيه ومحارمه وانتهاك حرماته.

** قُل لاّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلآ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلآ أَقُولُ لَكُمْ إِنّي مَلَكٌ إِنْ أَتّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَىَ إِلَيّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَىَ وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكّرُونَ * وَأَنذِرْ بِهِ الّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوَاْ إِلَىَ رَبّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مّن دُونِهِ وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٌ لّعَلّهُمْ يَتّقُونَ * وَلاَ تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ * وَكَذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لّيَقُولوَاْ أَهَـَؤُلآءِ مَنّ اللّهُ عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ * وَإِذَا جَآءَكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبّكُمْ عَلَىَ نَفْسِهِ الرّحْمَةَ أَنّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوَءًا بِجَهَالَةٍ ثُمّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ
يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله} أي لست أملكها ولا أتصرف فيها {ولا أعلم الغيب} أي ولا أقول لكم إني أعلم الغيب, إنما ذاك من علم الله عز وجل, ولا أطلع منه إلا على ما أطلعني عليه, {ولا أقول لكم إني ملك} أي ولا أدعي أني ملك, إنما أنا بشر من البشر, يوحى إليّ من الله عز وجل, شرفني بذلك وأنعم عليّ به, ولهذا قال {إن أتبع إلا ما يوحى إليّ} أي لست أخرج عنه قيد شبر ولا أدنى منه, {قل هل يستوي الأعمى والبصير} أي هل يستوي من اتبع الحق وهدي إليه, ومن ضل عنه فلم ينقد له, {أفلا تتفكرون} وهذه كقوله تعالى: {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب} وقوله {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع} أي وأنذر بهذا القرآن يا محمد {الذين هم من خشية ربهم مشفقون} {الذي يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} {الذي يخافون أن يحشروا إلى ربهم} أي يوم القيامة {ليس لهم} أي يومئذ {من دونه ولي ولا شفيع} أي لا قريب لهم ولا شفيع فيهم, من عذابه إن أراده بهم, {لعلهم يتقون} أي أنذر هذا اليوم الذي لا حاكم فيه, إلا الله عز وجل, {لعلهم يتقون} فيعملون في هذه الدار, عملاً ينجيهم الله به يوم القيامة من عذابه, ويضاعف لهم به الجزيل من ثوابه. وقوله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} أي لا تبعد هؤلاء المتصفين بهذه الصفات عنك, بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك كقوله {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا, ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرط} وقوله {يدعون ربهم} أي يعبدونه ويسألونه {بالغداة والعشي} قال سعيد بن المسيب ومجاهد والحسن وقتادة: المراد به الصلاة المكتوبة, وهذا كقوله {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} أي أتقبل منكم. وقوله {يريدون وجهه} أي يريدون بذلك العمل وجه الله الكريم, وهم مخلصون فيما هم فيه من العبادات والطاعات, وقوله {ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء} كقول نوح عليه السلام: في جواب الذين قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون, قال:وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون, أي إنما حسابهم على الله عز وجل, وليس عليّ من حسابهم من شيء, كما أنه ليس عليهم من حسابي من شيء, وقوله {فتطردهم فتكون من الظالمين} أي إن فعلت هذا والحالة هذه, قال الإمام أحمد: حدثنا أسباط هو ابن محمد, حدثني أشعث عن كردوس, عن ابن مسعود: قال: مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده خباب وصهيب وبلال وعمار, فقالوا: يا محمد, أرضيت بهؤلاء فنزل فيهم القرآن {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ـ إلى قوله ـ أليس الله بأعلم بالشاكرين} ورواه ابن جرير من طريق أشعث, عن كردوس, عن ابن مسعود, قال: مرّ الملأ من قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم, وعنده صهيب وبلال وعمار وخباب وغيرهم, من ضعفاء المسلمين, فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك ؟ أهؤلاء الذين مَنّ الله عليهم من بيننا ؟ أنحن نصير تبعاً لهؤلاء ؟ اطردهم فلعلك إن طردتهم أن نتبعك, فنزلت هذه الاَية {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} {وكذلك فتنا بعضهم ببعض} إلى آخر الاَية, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان, حدثنا عمرو بن محمد العنقزي, حدثنا أسباط بن نصر, عن السدي عن أبي سعيد الأزدي ـ وكان قارى الأزد ـ عن أبي الكنود, عن خباب, في قول الله عز وجل: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال جاء الأقرع بن حابس التميمي, وعيينة بن حصن الفزاري, فوجدوارسول الله صلى الله عليه وسلم, مع صهيب وبلال وعمار وخباب, قاعداً في ناس من الضعفاء من المؤمنين, فلما رأوهم حول النبي صلى الله عليه وسلم حقروهم في نفر في أصحابه فأتوه فخلوا به وقالوا: إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا به العرب فضلنا, فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد, فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا, فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت, قال: «نعم», قالوا: فاكتب لنا عليك كتاباً, قال: فدعا بصحيفة ودعا علياً ليكتب ونحن قعود في ناحية, فنزل جبريل فقال {ولا تطرد الذين يدعون ربهم} الاَية, فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحيفة من يده, ثم دعانا فأتيناه, ورواه ابن جرير من حديث أسباط به, وهذا حديث غريب, فإن هذه الاَية مكية, والأقرع بن حابس وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر, وقال سفيان الثوري عن المقدام بن شريح عن أبيه, قال: قال سعد: نزلت هذه الاَية في ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, منهم ابن مسعود, قال: كنا نستبق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وندنو منه, فقالت قريش: تدني هؤلاء دوننا, فنزلت {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} رواه الحاكم في مستدركه من طريق سفيان, وقال: على شرط الشيخين, وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق المقدام بن شريح به.
وقوله {وكذلك فتنا بعضهم ببعض} أي ابتلينا واختبرنا وامتحنا ببعض, {ليقولوا أهؤلاء مَنّ الله عليهم من بينن} وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان غالب من اتبعه في أول بعثته, ضعفاء الناس من الرجال والنساء والعبيد والإماء, ولم يتبعه من الأشراف إلا قليل, كما قال قوم نوح لنوح {وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي} الاَية, وكما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان حين سأله عن تلك المسائل, فقال له: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ فقال: بل ضعفاؤهم, فقال: هم أتباع الرسل, والغرض أن مشركي قريش كانوا يسخرون بمن آمن من ضعفائهم, ويعذبون من يقدرون عليه منهم, وكانوا يقولون: أهؤلاء مَنّ الله عليهم من بيننا ؟ أي ما كان الله ليهدي هؤلاء إلى الخير, لو كان ما صاروا إليه خيراً ويدعنا, كقولهم {لو كان خيراً ما سبقونا إليه} وكقوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندي} قال الله تعالى في جواب ذلك {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً ورئي} وقال في جوابهم حين قالوا: {أهؤلاء مَنّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين} أي أليس هو أعلم بالشاكرين له, بأقوالهم وأفعالهم وضمائرهم, فيوفقهم ويهديهم سبل السلام, ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه, ويهديهم إلى صراط مستقيم, كما قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} وفي الحديث الصحيح: «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ألوانكم, ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» وقال ابن جرير: حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, عن حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة في قوله: {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم} الاَية, قال: جاء عتبة بن ربيعة, وشيبة بن ربيعة, ومطعم بن عدي, والحارث بن نوفل, وقرظة بن عبد عمرو بن نوفل في أشراف من بني عبد مناف, من أهل الكفر, إلى أبي طالب, فقالوا: يا أبا طالب لو أن ابن أخيك محمداً يطرد عنه موالينا وحلفاءنا, فإنما هم عبيدنا وعتقاؤنا, كان أعظم في صدورنا, وأطوع له عندنا, وأدنى لاتباعنا إياه, وتصديقنا له, قال: فأتى أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بذلك, فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو فعلت ذلك حتى تنظر ما الذي يريدون, وإلى ما يصيرون من قولهم, فأنزل الله عز وجل هذه الاَية {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم} إلى قوله {أليس الله بأعلم بالشاكرين} قال: وكانوا بلالاً وعمار بن ياسر وسالماً مولى أبي حذيفة وصبيحاً مولى أسيد, ومن الحلفاء ابن مسعود والمقداد بن عمرو ومسعود بن القارى, وواقد بن عبد الله الحنظلي وعمرو بن عبد عمرو, وذو الشمالين, ومرثد بن أبي مرثد, وأبو مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب, وأشباههم من الحلفاء, فنزلت في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء, {وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء مَنّ الله عليهم من بينن} الاَية, فلما نزلت, أقبل عمر رضي الله عنه, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فاعتذر من مقالته, فأنزل الله عز وجل {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتن} الاَية, وقوله {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم} أي فأكرمهم بردّ السلام عليهم, وبشرهم برحمة الله الواسعة الشاملة لهم, ولهذا قال {كتب ربكم على نفسه الرحمة} أي أوجبها على نفسه الكريمة, تفضلاً منه وإحساناً وامتناناً, {أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة} قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل, وقال معتمر بن سليمان: عن الحكم بن أبان بن عكرمة, في قوله {من عمل منكم سوءاً بجهالة} قال: الدنيا كلها جهالة, رواه ابن أبي حاتم {ثم تاب من بعده وأصلح} أي رجع عما كان عليه من المعاصي, وأقلع وعزم على أن لا يعود, وأصلح العمل في المستقبل, {فأنه غفور رحيم} قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا معمر, عن همام بن منبه, قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي» أخرجاه في الصحيحين, وهكذا رواه)الأعمش عن أبي صالح, عن أبي هريرة, ورواه موسى عن عقبة: عن الأعرج, عن أبي هريرة, وكذا رواه الليث وغيره, عن محمد بن عجلان, عن أبيه عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك, وقد روى ابن مردويه من طريق الحكم بن أبان: عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا فرغ الله من القضاء بين الخلق, أخرج كتاباً من تحت العرش, إن رحمتي سبقت غضبي, وأنا أرحم الراحمين, فيقبض قبضة أو قبضتين, فيخرج من النار خلقاً لم يعملوا خيراً, مكتوب بين أعينهم عتقاء الله» وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر, عن عاصم بن سليمان, عن أبي عثمان النهدي, عن سلمان في قوله {كتب ربكم على نفسه الرحمة} قال: إنا نجد في التوراة عطفتين, أن الله خلق السموات والأرض, وخلق مائة رحمة, أو جعل مائة رحمة قبل أن يخلق الخلق, ثم خلق الخلق فوضع بينهم رحمة واحدة, وأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة, قال: فبها يتراحمون, وبها يتعاطفون, وبها يتباذلون, وبها يتزاورون, وبها تحن الناقة, وبها تبح البقرة, وبها تثغو الشاة, وبها تتتابع الطير, وبها تتتابع الحيتان في البحر, فإذا كان يوم القيامة, جمع الله تلك الرحمة إلى ما عنده, ورحمته أفضل وأوسع, وقد روي هذا مرفوعاً من وجه آخر, وسيأتي كثير من الأحاديث الموافقة لهذه عند قوله {ورحمتي وسعت كل شيء} ومما يناسب هذه الاَية من الأحاديث أيضاً, قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: «أتدري ما حق الله على العباد ؟ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً» ثم قال: « أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك ؟ أن لا يعذبهم» وقد رواه الإمام أحمد: من طريق كميل بن زياد, عن أبي هريرة رضي الله عنه.