تفسير الطبري تفسير الصفحة 133 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 133
134
132
 الآية : 45
القول في تأويل قوله تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ }..
يعني تعالى ذكره بقوله: فَقُطعَ دَابِرَ القَوْمِ الّذِينَ ظَلَمُوا فاستؤصل القوم الذين عتوا على ربهم وكذّبوا رسله وخالفوا أمره عن آخرهم, فلم يترك منهم أحد إلاّ أهلك بغتة, إذ جاءهم عذاب الله وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10396ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: فَقُطِعَ دابِرُ القَوْمِ الّذِينَ ظَلَمُوا يقول: فقطع أصل الذين ظلموا.
10397ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَقُطِعَ دابِرُ القَوْمِ الّذِينَ ظَلَمُوا. قال: استُؤْصلوا.
ودابر القوم: الذي يدبرهم, وهو الذي يكون في أدبارهم وآخرهم, يقال في الكلام: قد دبر القوم فلان يدبرهم دبرا ودبورا إذا كان آخرهم, ومنه قول أمية:
فأُهْلِكُوا بعَذَابٍ حَصّ دابِرَهُمْفما اسْتطاعُوا له صَرْفا ولا انْتَصَرُوا
والحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العالَمِينَ يقول: والثناء الكامل, والشكر التامّ لله ربّ العالمين على إنعامه على رسله وأهل طاعته, بإظهار حججهم على من خالفهم من أهل الكفر, وتحقيق عداتهم ما وعدوهم على كفرهم بالله وتكذيبهم رسله, من نقم الله وعاجل عذابه.
الآية : 46
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىَ قُلُوبِكُمْ مّنْ إِلَـَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرّفُ الاَيَاتِ ثُمّ هُمْ يَصْدِفُونَ }..
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء العادلين بي الأوثان والأصنام المكذّبين بك: أرأيتم أيها المشركون بالله غيره إن أصمكم الله فذهب بأسماعكم وأعمالكم فذهب بأبصاركم, وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ فطبع عليها حتى لا تفقهوا قولاً ولا تبصروا حجة ولا تفهموا مفهوما, أيّ إله غير الله الذي له عبادة كل عابد يأتيكم به يقول: يردّ عليكم ما ذهب الله به منكم من الأسماع والأبصار والأفهام فتعبدوه أو تشركوه في عبادة ربكم الذي يقدر على ذهابه بذلك منكم وعلى ردّه عليكم إذا شاء.
وهذا من الله تعالى تعليم نبيه الحجة على المشركين به, يقول له: قل لهم: إن الذين تعبدونهم من دون الله لا يملكون لكم ضرّا ولا نفعا, وإنما يستحقّ العبادة عليكم من كان بيده الضرّ والنفع والقبض والبسط, القادر على كل ما أراد لا العاجز الذي لا يقدر على شيء. ثم قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: انْظُرْ كَيْفَ نُصَرّف الاَياتِ يقول: انظر كيف نتابع عليهم الحجج ونضرب لهم الأمثال والعبر ليعتبروا ويذكروا فينيبوا. ثمّ هُمْ يَصْدِفُونَ يقول: ثم هم مع متابعتنا عليهم الحجج وتنبيهنا إياهم بالعبر عن الادّكار والاعتبار يعرضون, يقال منه: صدف فلان عني بوجهه فهو يَصْدِفُ صُدوفا وصَدفا: أي عدل وأعرض, ومنه قول ابن الرقاع:
إذا ذَكَرْنَ حدِيثا قُلْنَ أحْسَنَهوهُنّ عنْ كُلّ سُوءٍ يُتّقَى صُدُفُ
وقال لَبيد:
يُرْوِي قَوامِحَ قبلَ اللّيْلِ صَادِفَةًأشباهَ جِنَ عَلَيْها الرّيْط والأُزُرُ
فإن قال قائل: وكيف قيل: مَنْ إلَهٌ غيرُ اللّهِ يَإِتِيكُمْ بِهِ فوحد الهاء, وقد مضى الذكر قبل بالجمع فقال: أرأيْتُمْ إنْ أخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وأبْصَارَكُمْ وَختَمَ على قُلُوبِكُمْ؟ قيل: جائز أن تكون الهاء عائدة على السمع, فتكون موحدة لتوحيد السمع, وجائز أن تكون معنيا بها: من إله غير الله يأتيكم بما أخذ منكم من السمع والأبصار والأفئدة, فتكون موحدة لتوحيد «ما», والعرب تفعل ذلك إذا كنت عن الأفعال وحدت الكناية وإن كثر ما يكنى بها عنه من الأفاعيل, كقوله: إقبالك وإدبارك يعجبني. وقد قيل: إن الهاء التي في به كناية عن الهدى.
وينحو ما قلنا في تأويل قوله يَصْدِفُونَ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10398ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: يَصْدِفُونَ قال: يعرضون.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
10399ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: يَصْدِفُونَ قال: يعدلون.
10400ـ حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: قأخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: نُصَرّف الاَياتِ ثمّ هُمْ يَصْدِفُونَ قال: يعرضون عنها.
10401ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, السديّ: ثُمّ هُمْ يَصْدِفُونَ قال: يصدّون.
الآية : 47
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاّ الْقَوْمُ الظّالِمُونَ }..
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان المكذّبين بأنك لي رسولي إليهم, أخبروني إن أتاكم عذاب الله وعقابه على ما تشركون به من الأوثان والأنداد, وتكذيبكم إياي بعد الذي قد عاينتم من البرهان على حقيقة قولي. بَغْتَةً يقول: فجأة على غرّة لا تشعرون. أوْ جَهْرَةً يقول: أو أتاكم عذاب الله وأنتم تعاينونه وتنظرون إليه. هَلْ يُهْلَك إلاّ القَوْم الظّالِمُونَ يقول: هل يهلك الله منا ومنكم إلاّ من كان يعبد غير من يستحقّ علينا العبادة وترك عبادة من يستحق علينا العبادة. وقد بينا معنى الجَهْرة في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته وأنها من الإجهار, وهو إظهار الشيء للعين. كما:
10402ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: جَهْرَةً قال: وهم ينظرون.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: قُلْ أرَأيْتَكُمْ إنْ أتاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً فجأة آمنين, أوْ جَهْرَةً وهم ينظرون.
الآية : 48
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }..
يقول تعالى ذكره: وما نرسل رسلنا إلاّ ببشارة أهل الطاعة لنا بالجنة والفوز المبين يوم القيامة, جزاء منا لهم على طاعتنا, وبانذار من عصانا وخالف أمرنا, عقوبتنا إياه على معصيتنا يوم القيامة, جزاء منا على معصيتنا, لنعذر إليه, فيهلك إن هلك عن بينة. فَمَنْ آمَنَ وأصْلَحَ يقول: فمن صدّق من أرسلنا إليه من رسلنا إنذارهم إياه, وقبل منهم ما جاءوه به من عند الله وعمل صالحا في الدنيا, فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ عند قدومهم على ربهم من عقابه وعذابه الذي أعدّه الله لأعدائه وأهل معاصيه: وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ عند ذلك على ما خلفوا وراءهم في الدنيا.
الآية : 49
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }..
يقول تعالى ذكره: وأما الذين كذّبوا بمن أرسلنا إليه من رسلنا وخالفوا أمرنا ونهينا ودافعوا حجتنا, فإنهم يباشرهم عذابنا وعقابنا على تكذيبهم ما كذّبوا به من حججنا بِمَا كانُوا يَفْسُقُونَ يقول: بما كانوا يكذبون. وكان ابن زيد يقول: كل فسق في القرآن, فمعناه الكذب.
10403ـ حدثني بذلك يونس, قال: أخبرنا ابن وهب عنه.
الآية : 50
القول في تأويل قوله تعالى: {قُل لاّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلآ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلآ أَقُولُ لَكُمْ إِنّي مَلَكٌ إِنْ أَتّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَىَ إِلَيّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَىَ وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكّرُونَ }..
يقول تعالى ذكره: قل لهؤلاء المنكرين نبوّتك: لست أقول لكن إني الربّ الذي له خزائن السموات والأرض وأعلم غيوب الأشياء الخفية التي لا يعلمها إلاّ الربّ الذي لا يخفى عليه شيء, فتكذّبوني فيم أقول من ذلك لأنه لا ينبغي أن يكون ربّا إلاّ من له ملك كلّ شيء وبيده كلّ شيء ومن لا يخفى عليه خافية, وذلك هو الله الذي لا إله غيره. وَلا أقُولُ لَكُمْ إنّي مَلَكٌ لأنّه لا ينبغي لملك أن يكون ظاهرا بصورته لأبصار البشر في الدنيا, فتجحدوا ما أقول لكم من ذلك. إنْ أتّبِعُ إلاّ ما يُوحَى إليّ يقول: قل لهم: ما أتبع فيما أقول لكم وأدعوكم إليه إلاّ وحي الله الذي يوحيه إليّ وتنزيله الذي ينزله عليّ, فأمضي لوحيه وأئتمر لأمره, وقد أتيتكم بالحجج القاطعة من الله عذركم على صحة قولي في ذلك, وليس الذي أقول من ذلك بمنكر في عقولكم ولا مستحيل كونه بل ذلك مع وجود البرهان على حقيقته هو الحكمة البالغة, فما وجه إنكاركم لذلك؟ وذلك تنبيه من الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على موضع حجته على منكري نبوّته من مشركي قومه. قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهم: هل يستوي الأعمى عن الحقّ والبصير به؟ والأعمى هو الكافر الذي قد عمى عن حجج الله فلا يتبينها فيتبعها. والبصير: المؤمن الذي قد أبصر آيات الله وحججه فاقتدى بها واستضاء بضيائها. أفَلا تَتَفَكّرُونَ يقول لهؤلاء الذي كذّبوا بآيات الله: أفلا تتفكرون فيما أحتجّ عليكم به أيها القوم من هذه الحجج, فتعلموا صحة ما أقول وأدعوكم إليه من فساد ما أنتم عليه مقيمون من إشراك الأوثان والأنداد بالله ربكم وتكذيبكم إياي, مع ظهور حجج صدقي لأعينكم, فتَدَعُوا ما أنتم عليه من الكفر مقيمون إلى ما أدعوكم إليه من الإيمان الذي به تفوزون؟
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10404ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ قال: الضالّ والمهتدى.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
10405ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ... الاَية قال: الأعمى: الكافر الذي قد عمي عن حقّ الله وأمره ونعمه عليه والبصير: العبد المؤمن الذي أبصر بصرا نافعا, فوحد الله وحده, وعمل بطاعة ربه, وانتفع بما آتاه الله.
الآية : 51
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنذِرْ بِهِ الّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوَاْ إِلَىَ رَبّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مّن دُونِهِ وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٌ لّعَلّهُمْ يَتّقُونَ }..
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأنْذِرْ يا محمد بالقرآن الذي أنزلناه إليك القوم الّذِينَ يَخافُون أنْ يحْشَروا إلى رَبّهِمْ علما منهم بأن ذلك كائن فهم مصدّقون بوعد الله ووعيده, عاملون بما يرضي الله, دائمون في السعي فيما ينقذهم في معادهم من عذاب الله. لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونهِ وَليّ أي ليس لهم من عذاب الله إن عذّبهم وليّ ينصرهم فيستنقذهم منه. وَلا شَفِيعٌ يشفع لهم عند الله تعالى فيخلصهم من عقابه. لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ يقول: أنذرهم كي يتقوا الله في أنفسهم, فيطيعوا ربهم ويعملوا لمعادهم, ويحذروا سخطه باجتناب معاصيه. وقيل: وأنْذِرْ بِهِ الّذِينَ يَخافُونَ أنْ يُحْشَروا ومعناه: يعلمون أنهم يْحْشَرونَ, فوضعت «المخافة» موضع «العلم» لأن خوفهم كان من أجل علمهم بوقوع ذلك ووجوده من غير شكّ منهم في ذلك. وهذا أمر من الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بتعليم أصحابه ما أنزل الله إليه من وحيه وتذكيرهم والإقبال عليهم بالإنذار وصدّه عن المشركين به بعد الإعذار إليهم وبعد إقامة الحجة عليهم, حتى يكون الله هو الحاكم في أمرهم بما يشاء من الحكم فيهم.
الآية : 52
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ }..
ذُكر أن هذه الاَية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبب جماعة من ضعفاء المسلمين قال المشركون له: لو طردت هؤلاء عنك لغشيناك وحضرنا مجلسك. ذكر من قال ذلك:
10406ـ حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا أبو زيد, عن أشعث, عن كُردوس الثعلبي, عن ابن مسعود, قال: مرّ الملأ من قريش بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب ونحوهم من ضعفاء المسلمين, فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك, هؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا, أنحن نكون تبعا لهؤلاء؟ اطردهم عنك, فلعلك إن طردتهم أن نتبعك فنزلت هذه الاَية: وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُرِيدونَ وَجْهَه وكَذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ... إلى آخر الاَية.
حدثنا جرير, عن أشعث, عن كردوس الثعلبي, عن عبد الله, قال: مرّ الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم ذكر نحوه.
10407ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا حفص بن غياث, عن أشعث, عن كردوس, عن ابن عباس, قال: مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ملأ من قريش, ثم ذكر نحوه.
10408ـ حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, عن أبي سعيد الأزديّ وكان قارىء الأزد عن أبي الكنود, عن خباب, في قول الله تعالى: وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ... إلى قوله: فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمينَ قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري, فوجدوا النبيّ صلى الله عليه وسلم قاعدا مع بلال وصهيب وعمار وخباب, في أناس من ضعفاء المؤمنين, فلما رأوهم حوله حقروهم, فأتوه فقالوا: إنا نحبّ أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا العرب به فضلنا, فإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد, فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا, فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت قال: «نَعَمْ» قالوا: فاكتب لنا عليك بذلك كتابا قال: فدعا بالصحيفة, ودعا عليّا ليكتب, قال: ونحن قعود في ناحية, إذ نزل جبريل بهذه الاَية: وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُرِدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْء فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ, ثم قال: وكذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أهُؤَلاءِ مَنّ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا ألَيْسَ اللّهُ بأعْلَمَ بالشّاكِرِينَ, ثم قال: وَإذا جاءَكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبّكُمْ على نَفْسِهِ الرّحْمَةَ. فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده, ثم دعانا, فأتيناه وهو يقول: سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبّكُمْ على نَفْسِهِ الرّحْمَةَ. فكنا نقعد معه, فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا, فأنزل الله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحيَاةِ الدّنْيا قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد, فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم.
حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, عن أبي سعيد الأزديّ, عن أبي الكنود, عن خباب بن الأرق, بنحو حديث الحسين بن عمرو إلاّ أنه قال في حديثه: فلما رأوهم حوله نَفّروهم, فأتوه فخَلَوا به. وقال أيضا: فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ, ثم ذكر الأقرع وصاحبه, فقال: وكَذَلكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ... الاَية. وقال أيضا: فدعانا فأتيناه وهو يقول: «سَلامٌ عَلَيْكُمْ» فدنونا منه يومئذٍ حتى وضعنا ركبنا على ركبتيه, وسائر الحديث نحوه.
10409ـ حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, وحدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة والكلبي: أن ناسا من كفار قريش قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إن سَرّكَ أن نتبعك فاطرد عنا فلانا وفلانا ناسا من ضعفاء المسلمين. فقال الله تعالى: وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُرِيدونَ وَجْهَه.
10410ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ... إلى قوله: وكَذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ... الاَية, قال: وقد قال قائلون من الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد إن سرّك أن نتبعك فاطرد عنا فلانا وفلانا لأناس كانوا دونهم في الدنيا ازدراهم المشركون. فأنزل الله تعالى هذه الاَية إلى آخرها.
10411ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ بلال وابن أمّ عبد كانا يجالسان محمدا صلى الله عليه وسلم, فقالت قريش محقرتهما: لولاهما وأمثالهما لجالسناه فنهي عن طردهم, حتى قوله: ألَيْسَ اللّهُ بأعْلَمَ بالشّاكِرِينَ قال: قل سلام عليكم فيما بين ذلك في هذا.
10412ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا سفيان, عن المقدام بن شريح, عن أبيه, قال: قال سعيد: نزلت هذه الاَية في ستة من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم, منهم ابن مسعود, قال: كنا نسبق إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم, وندنو منه ونسمع منه, فقالت قريش: يُدْني هؤلاء دوننا؟ فنزلت: وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ.
10413ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة, في قوله: وأنْذِرْ بِهِ الّذِينَ يَخافُونَ أنْ يُحْشَرُوا إلى رَبّهِمْ... الاَية. قال: جاء عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومطعم بن عديّ والحرث بن نوفل وقرظة بن عبد عمرو بن نوفل في أشراف من بني عبد مناف من الكفار إلى أبي طالب, فقالوا: يا أبا طالب لو أن ابن أخيك يطرد عنه موالينا وحلفاءنا, فإنما هم عبيدنا وعسفاؤنا, كان أعظم في صدورنا وأطوع له عندنا وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقنا له قال: فأتى أبو طالب النبيّ صلى الله عليه وسلم, فحدثه بالذي كلموه به, فقال عمر بن الخطاب: لو فعلت ذلك حتى تنظر ما الذي يريدون وإلام يصيرون من قولهم فأنزل الله تعالى هذه الاَية: وأنْذِرْ بِهِ الّذِينَ يَخافُون أنْ يُحْشَرُوا إلى رَبّهِمْ لَيْس لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ... إلى قوله: ألَيْسَ اللّهُ بأعْلَمَ بالشّاكِرِينَ. قال: وكانوا: بلالاً وعمار بن ياسر وسالما مولى أبي حذيفة وصبيحا مولى أسيد ومن الحلفاء: ابن مسعود, والمقداد بن عمرو, ومسعود, ابن القاري, وواقد بن عبد الله الحنظلي, وعمرو بن عبد عمر ذو الشمالين, ومرثد بن أبي مرثد, وأبو مرثد من غنيّ حليف حمزة بن عبد المطلب, وأشباههم من الحفاء. ونزلت في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء: وكَذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أهَؤُلاءِ مَنّ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا... الاَية فلما نزلت أقبل عمر بن الخطاب فاعتذر من مقالته, فأنزل الله تعالى: وَإذَا جاءَكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ... الاَية.
10414ـ حدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: قال رجل للنيّ صلى الله عليه وسلم: إني أستحيي من الله أن يراني مع سلمان وبلال وذويهم, فاطردهم عنك وجالس فلانا وفلانا قال: فنزل القرآن: وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ والعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ فقرأ حتى بلغ: فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ ما بينك وبين أن تكون من الظالمين إلاّ أن تطردهم. ثم قال: وكَذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أهَؤُلاءِ مَنّ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا ألَيْسَ اللّهُ بأعْلَمَ بالشّاكِرِينَ. ثم قال: وهؤلاء الذين أمروك أن تطردهم فأبلغهم منى السلام وبشّرهم, وأخبرهم أني قد غفرت لهم وقرأ: وَإذَا جاءَكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبّكُمْ على نَفْسِهِ الرّحْمَةَ فقرأ حتى بلغ: وكذَلِكَ نُفصّلُ الاَياتِ ولِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ قال: لتعرفها.
واختلف أهل التأويل في الدعاء الذي كان هؤلاء الرهط الذين نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن طردهم يدعون ربهم به, فقال بعضهم: هي الصلوات الخمس. ذكر من قال ذلك:
10415ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ والعَشِيّ يعني: يعبدون ربهم بالغداة والعشيّ, يعني الصلوات المكتوبة.
10416ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا الحجاج بن المنهال, قال: حدثنا حماد, عن أبي حمزة, عن إبراهيم, في قوله: يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ والعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ قال: هي الصلوات الخمس الفرائض, ولو كان يقول القصّاص هلك من لم يجلس إليهم.
10417ـ حدثنا هناد بن السريّ وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن فضيل, عن الأعمش, عن إبراهيم: وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ والعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ قال: هي الصلاة.
10418ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ والعَشِيّ الصلاة المفروضة: الصبح والعصر.
10419ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن الكندي, قال: حدثنا حسن الجعفي, قال: أخبرني حمزة بن المغيرة, عن حمزة بن عيسى, قال: دخلت على الحسن فسألته, فقلت: يا أبا سعيد, أرأيت قول الله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ أهم هؤلاء القصّاص؟ قال: لا, ولكنهم المحافظون على الصلوات في الجماعة.
10420ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسين قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ والعَشِيّ قال: الصلاة المكتوبة.
10421ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ, قال: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ قال: يعبدون ربهم بالغداة والعشيّ يعني الصلاة المفروضة.
10422ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ هما الصلاتان: صلاة الصبح وصلاة العصر.
10423ـ حدثني ابن البرقي, قال: حدثنا ابن أبي مريم, قال: حدثنا يحيى بن أيوب, قال: حدثنا محمد بن عجلان, عن نافع, عن عبد الله بن عمر في هذه الاَية: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشيّ... الاَية, أنهم الذين يشهدون الصلوات المكتوبة.
10424ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد وإبراهيم: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشيّ قالا: الصلوات الخمس.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
10425ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ قال: المصلين المؤمنين بلال وابن أمّ عبد. قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن كثير, عن مجاهد, قال: صليت الصبح مع سعيد بن المسيب, فلما سلم الإمام ابتدر الناس القاصّ, فقال سعيد: ما أسرعهم إلى هذا المجلس قال مجاهد: فقلت: يتأوّلون ما قال الله تعالى. قال: وما قال؟ قلت: وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ قال: وفي هذا ذا؟ إنما ذاك في الصلاة التي انصرفنا عنها الاَن, إنما ذاك في الصلاة.
10426ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا وكيع, عن أبيه, عن منصور, عن عبد الرحمن بن أبي عمرة, قال: الصلاة المكتوبة.
10427ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن جابر, عن عامر, قال: هي الصلاة.
حدثنا المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا وكيع, عن أبيه, عن إسرائيل, عن عامر, قال: هي الصلاة.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ يقول: صلاة الصبح وصلاة العصر.
10428ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, قال: صلى عبد الرحمن في مسجد الرسول, فلما صلى قام فاستند إلى حجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم, فانثال الناس عليه, فقال: يا أيها الناس إليكم فقيل: يرحمك الله, إنما جاءوا يريدون هذه الاَية: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشيّ فقال: وهذا عُني بهذا إنما هو في الصلاة.
وقال آخرون: هي الصلاة ولكن القوم لم يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم طرد هؤلاء الضعفاء عن مجلسه ولا تأخيرهم عن مجلسه, وإيما سألوه تأخيرهم عن الصفّ الأوّل حتى يكونوا وراءهم في الصفّ. ذكر من قال ذلك:
10429ـ حدثني محمد بن سعد, ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وكَذِلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ... الاَية, فهم أناس كانوا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم من الفقراء, فقال أناس من أشراف الناس: نؤمن لك, وإذا صلينا فأخرّ هؤلاء الذين معك فليصلوا خلفنا
وقال آخرون: بل معنى دعائهم كان ذكرهم الله تعالى. ذكر من قال ذلك:
10430ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, وحدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن إبراهيم, قوله: وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ قال: أهل الذكر.
10431ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن منصور: وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ قال: هم أهل الذكر.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم: وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ قال: لا تطردهم عن الذكر.
وقال آخرون: بل كان ذلك تعلمهم القرآن وقراءته. ذكر من قال ذلك:
10432ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن جابر, عن أبي جعفر, قوله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشيّ قال: كان يقرئهم القرآن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: بل عَنَى بدعائهم ربهم عبادَتهم إياه. ذكر من قال ذلك:
10433ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ, قال: حدثنا عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشيّ قال: يعني: يعبدون, ألا تر أنه قال: لا جَرَمَ أنّما تَدْعُونَنِي إلَيْهِ يعني: تعبدونه.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى نهى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يطرد قوما كانوا يدعون ربهم بالغداة والعشيّ والدعاء لله يكون بذكره وتمجيده والثناء عليه قولاً وكلاما, وقد يكون بالعمل له بالجوارح الأعمال التي كان عليهم فرضها وغيرها من النوافل التي ترضي والعامل له عابده بما هو عامل له وقد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين هذه المعاني كلها, فوصفهم الله بذلك بأنهم يدعونه بالغداة والعشيّ, لأن الله قد سمى العبادة دعاء, فقال تعالى: وَقالَ رَبّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنّمَ دَاخِرِينَ. وقد يجوز أن يكون ذلك على خاصّ من الدعاء, ولا قول أولى بذلك بالصحة من وصف القوم بما وصفهم الله به من أنهم كانوا يدعون ربهم بالغداة والعشيّ فيعمّون بالصفة التي وصفهم بها ربهم ولا يخصون منها بشيء دون شيء. فتأويل الكلام إذن: يا محمد أنذر القرآن الذي أنزلته إليك, الذين يعلمون أنهم إلى ربهم محشورون, فهم من خوف ورودهم على الله الذي لا شفيع لهم من دونه ولا نصير, في العمل له دائبون إذ أعرض عن إنذارك واستماع ما أنزل الله عليك المكذّبون بالله واليوم اخر من قومك استكبارا على الله. ولا تطردهم ولا تُقْصِهم, فتكون ممن وضعَ الإقصاء في غير موضعه فأقصى وطرد من لم يكن له طرده وإقصاؤه, وقرّب من لم يكن له تقديمه بقربه وإدناءَه فإن الذين نهيتك عن طردهم هم الذين يدعون ربهم فيسألون عفوه ومغفرته لصالح أعمالهم وأداء ما ألزمهم من فرائضه ونوافل تطوّعهم وذكرهم إيان بألسنتهم بالغداة والعشيّ, يلتمسون بذلك القربة إلى الله والدنوّ من رضاه. ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيءٍ, يقول: ما عليك من حساب ما رزقتهم من الرزق من شيء, وما عليهم من حساب ما رزقتك من الرزق من شيء, فتطردهم حذار محاسبتي إياك بما خوّلتهم في الدنيا من الرزق. وقوله: فَتَطْرُدَهُمْ: جواب لقوله: ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَليْهِم مِنْ شَيءٍ. وقوله: فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ جواب لقوله: وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ