تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 331 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 331

331 : تفسير الصفحة رقم 331 من القرآن الكريم

** يَوْمَ نَطْوِي السّمَآءَ كَطَيّ السّجِلّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوّلَ خَلْقٍ نّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنّا كُنّا فَاعِلِينَ
يقول تعالى: هذا كائن يوم القيامة {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب} كما قال تعالى: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} وقد قال البخاري: حدثنا مقدم بن محمد, حدثني عمي القاسم بن يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يقبض يوم القيامة الأرضين وتكون السموات بيمينه» انفرد به من هذا الوجه البخاري رحمه الله. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا محمد بن أحمد بن الحجاج الرقي, حدثنا محمد بن سلمة عن أبي واصل عن أبي المليح الأزدي عن أبي الجوزاء الأزدي عن ابن عباس قال: يطوي الله السموات السبع بما فيها من الخليقة والأرضين السبع بما فيها من الخليقة يطوي ذلك كله بيمينه يكون ذلك كله في يديه بمنزلة خردلة, وقوله: {كطي السجل للكتب} قيل: المراد بالسجل الكتاب, وقيل المراد بالسجل ههنا ملك من الملائكة, قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا محمد بن العلاء, حدثنا يحيى بن يمان, حدثنا أبو الوفاء الأشجعي عن أبيه عن ابن عمر في قوله تعالى: {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب} قال: السجل ملك, فإذا صعد بالاستغفار قال: أكتبها نوراً, وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن ابن يمان به, قال ابن أبي حاتم: وروي عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أن السجل ملك, وقال السدي في هذه الاَية السجل ملك موكل بالصحف فإذا مات الإنسان رفع كتابه إلى السجل, فطواه ورفعه إلى يوم القيامة, وقيل: المراد به اسم رجل صحابي كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم الوحي, قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا نصر بن علي الجهضمي, حدثنا نوح بن قيس عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب} قال: السجل هو الرجل, قال نوح: وأخبرني يزيد بن كعب هو العوذي عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: السجل كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم, وهكذا رواه أبو داود والنسائي, كلاهما عن قتيبة بن سعد عن نوح بن قيس عن يزيد بن كعب عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: السجل كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم, ورواه ابن جرير عن نصر بن علي الجهضمي, كما تقدم, ورواه ابن عدي من رواية يحيى بن عمرو بن مالك النكري عن أبيه عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى السجل, وهو قوله: {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب} قال: كما يطوى السجل الكتاب كذلك تطوى السماء, ثم قال: وهو غير محفوظ. وقال الخطيب البغدادي في تاريخه: أنبأنا أبو بكر البرقاني, أنبأنا محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي, أنبأنا أحمد بن الحسن الكرخي أن حمدان بن سعيد, حدثهم عن عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: السجل كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم, وهذا منكر جداً من حديث نافع عن ابن عمر لا يصح أصلاً, وكذلك ما تقدم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضاً, وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج المزي فسح الله في عمره ونسأ في أجله, وختم له بصالح عمله, وقد أفردت لهذا الحديث جزءاً على حدته ولله الحمد. وقد تصدى الإمام أبو جعفر بن جرير للإنكار على هذا الحديث, ورده أتم رد, وقال: لا يعرف في الصحابة أحد اسمه السجل, وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم معروفون وليس فيهم أحد اسمه السجل, وصدق رحمه الله في ذلك, وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث, وأما من ذكره في أسماء الصحابة, فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره, والله أعلم, والصحيح عن ابن عباس أن السجل هي الصحيفة, قاله علي بن أبي طلحة, والعوفي عنه, ونص على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد, واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة, فعلى هذا يكون معنى الكلام يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب, أي على الكتاب بمعنى المكتوب, كقوله: {فلما أسلما وتله للجبين} أي على الجبين, وله نظائر في اللغة, والله أعلم. وقوله: {كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين} يعني هذا كائن لا محالة يوم يعيد الله الخلائق خلقاً جديداً كما بدأهم هو القادر على إعادتهم. وذلك واجب الوقوع لأنه من جملة وعد الله الذي لا يخلف ولا يبدل, وهو القادر على ذلك, ولهذا قال: {إنا كنا فاعلين}. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع وابن جعفر المعني قالا حدثنا شعبة عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظةٍ: فقال: «إنكم محشورون إلى الله عز وجل حفاة عراةً غرلاً, كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا, إنا كنا فاعلين» وذكر تمام الحديث, أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة, ذكره البخاري عند هذه الاَية في كتابه, وقد روى ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ذلك, وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: {كما بدأنا أول خلق نعيده} قال: يهلك كل شيء كما كان أول مرة.

** وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزّبُورِ مِن بَعْدِ الذّكْرِ أَنّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصّالِحُونَ * إِنّ فِي هَـَذَا لَبَلاَغاً لّقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ
يقول تعالى مخبراً عما حتمه وقضاه لعباده الصالحين من السعادة في الدنيا والاَخرة ووراثة الأرض في الدنيا والاَخرة, كقوله تعالى: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} وقال: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} وقال: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم} وأخبر تعالى أن هذا مسطور في الكتب الشرعية والقدرية وهو كائن لامحالة, ولهذا قال تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر}. قال الأعمش: سألت سعيد بن جبير عن قوله تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر} فقال الزبور: التوراة والإنجيل, والقرآن وقال مجاهد: الزبور الكتاب, وقال ابن عباس والشعبي والحسن وقتادة وغير واحد: الزبور الذي أنزل على داود, والذكر التوراة. وعن ابن عباس: الذكر القرآن, وقال سعيد بن جبير: الذكر الذي في السماء. وقال مجاهد: الزبور الكتب بعد الذكر والذكر أم الكتاب عند الله, واختار ذلك ابن جرير رحمه الله, وكذا قال زيد بن أسلم: هو الكتاب الأول, وقال الثوري: هو اللوح المحفوظ. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الزبور الكتب التي أنزلت على الأنبياء, والذكر أمّ الكتاب الذي يكتب فيه الأشياء قبل ذلك, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس,: أخبر الله سبحانه وتعالى في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السموات والأرض أن يورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأرض, ويدخلهم الجنة وهم الصالحون. وقال مجاهد عن ابن عباس {أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} قال: أرض الجنة, وكذا قال أبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة والسدي وأبو صالح والربيع بن أنس والثوري, وقال أبو الدرداء نحن الصالحون. وقال السدي: هم المؤمنون, وقوله: {إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين} أي إن في هذا القرآن الذي أنزلناه على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم لبلاغاً: لمنفعة وكفايةً لقوم عابدين, وهم الذين عبدوا الله بما شرعه وأحبه ورضيه, وآثروا طاعة الله على طاعة الشيطان, وشهوات أنفسهم.
وقوله: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} يخبر تعالى أن اللهجعل محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين أي أرسله رحمة لهم كلهم فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والاَخرة ومن ردها وجحدها خسر في الدنيا والاَخرة كما قال تعالى: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار} وقال تعالى في صفة القرآن: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لايؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد} وقال مسلم في صحيحه حدثنا ابن أبي عمر, حدثنا مروان الفزاري عن يزيد بن كيسان عن ابن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قيل يارسول الله ادع على المشركين. قال «إني لم أبعث لعاناً, وإنما بعثت رحمة» انفرد بإخراجه مسلم. وفي الحديث الاَخر «إنما أنا رحمة مهداة» رواه عبد الله بن أبي عوانة وغيره عن وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً. قال إبراهيم الحربي. وقد رواه غيره عن وكيع فلم يذكر أبا هريرة. وكذا قال البخاري وقدسئل عن هذا الحديث, فقال: كان عند حفص بن غياث مرسلاً.
قال الحافظ ابن عساكر: وقد رواه مالك بن سعيد الخمس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً, ثم ساقه من طريق أبي بكر بن المقرىء وأبي أحمد الحاكم, كلاهما عن بكر بن محمد بن إبراهيم الصوفي, حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري عن أبي أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا رحمة مهداة» ثم أورده من طريق الصلت بن مسعود عن سفيان بن عيينة عن مسعر عن سعيد بن خالد, عن رجل عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله بعثني رحمة مهداة بعثت برفع قوم وخفض آخرين».
قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن محمد بن نافع الطحان, حدثنا أحمد بن صالح قال: وجدت كتاباً بالمدينة عن عبد العزيز الدراوردي وإبراهيم بن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف, عن محمد بن صالح التمار عن ابن شهاب, عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قال أبو جهل حين قدم مكة منصرفه عن حمزة: يا معشر قريش إن محمداً نزل يثرب وأرسل طلائعه, وإنما يريد أن يصيب منكم شيئاً, فاحذورا أن تمروا طريقه أو تقاربوه, فإنه كالأسد الضاري, إنه حنق عليكم لأنكم نفيتموه نفي القردان عن المناسم, والله إن له لسحرة ما رأيته قط ولا أحداً من أصحابه إلا رأيت معهم الشياطين, وإنكم قد عرفتم عداوة ابني قيلة يعني الأوس والخزرج, فهو عدو استعان بعدو, فقال له مطعم بن عدي: يا أبا الحكم والله ما رأيت أحداً أصدق لساناً, ولا أصدق موعداً من أخيكم الذي طردتم, وإذ فعلتم الذي فعلتم, فكونوا أكف الناس عنه, قال أبو سفيان بن الحارث: كونوا أشد ما كنتم عليه إن ابني قيلة إن ظفروا بكم لم يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة, وإن أطعتموني ألجأتموهم حير كنانة أو تخرجوا محمداً من بين ظهرانيهم, فيكون وحيداً مطروداً, وأما ابنا قيلة فوالله ما هما وأهل دهلك في المذلة إلا سواء وسأكفيكم حدهم, وقال:
سأمنح جانباً مني غليظاًعلى ما كان من قرب وبعد
رجال الخزرجية أهل ذلإذا ما كان هزل بعد جد.
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «والذي نفسي بيده, لأقتلنهم ولأصلبنهم ولأهدينهم وهم كارهون, إني رحمة بعثني الله ولا يتوفاني حتى يظهر الله دينه, لي خمسة أسماء أنا محمد وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر, وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي, وأنا العاقب» وقال أحمد بن صالح: أرجو أن يكون الحديث صحيحاً. وقال الإمام أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو, حدثنا زائدة, حدثني عمرو بن قيس عن عمرو بن أبي قرة الكندي قال: كان حذيفة بالمدائن فكان يذكر أشياء قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجاء حذيفة إلى سلمان, فقال سلمان: يا حذيفة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: «أيما رجل من أمتي سببته في غضبي أو لعنته لعنة, فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما تغضبون, إنما بعثني الله رحمة للعالمين فأجعلها صلاة عليه يوم القيامة».
ورواه أبو داود عن أحمد بن يونس عن زائدة, فإن قيل: فأي رحمة حصلت لمن كفر به ؟ فالجواب ما رواه أبو جعفر بن جرير: حدثنا إسحاق بن شاهين, حدثنا إسحاق الأزرق عن المسعودي عن رجل يقال له سعيد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين} قال: من آمن بالله واليوم الاَخر كتب له الرحمة في الدنيا والاَخرة, ومن لم يؤمن بالله ورسوله عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف, وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث المسعودي عن أبي سعد وهو سعيد بن المرزبان البقال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكره بنحوه, والله أعلم, وقد رواه أبو القاسم الطبراني عن عبدان بن أحمد عن عيسى بن يونس الرملي عن أيوب بن سويد عن المسعودي عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس {وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين} قال: من تبعه كان له رحمة في الدينا والاَخرة, ومن لم يتبعه عوفي مما كان يبتلى به سائر الأمم من الخسف والمسخ والقذف.

** قُلْ إِنّمَآ يُوحَىَ إِلَيّ أَنّمَآ إِلَـَهُكُمْ إِلَـَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مّسْلِمُونَ * فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَىَ سَوَآءٍ وَإِنْ أَدْرِيَ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مّا تُوعَدُونَ * إِنّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ * وَإِنْ أَدْرِي لَعَلّهُ فِتْنَةٌ لّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىَ حِينٍ * قَالَ رَبّ احْكُم بِالْحَقّ وَرَبّنَا الرّحْمَـَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىَ مَا تَصِفُونَ
يقول تعالى آمراً رسوله صلواته وسلامه عليه أن يقول للمشركين {إنما يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون}أي متبعون على ذلك مستسلمون منقادون له {فإن تولو} أي تركوا ما دعوتهم إليه {فقل آذنتكم على سواء} أي أعلمتكم أني حرب لكم كما أنكم حرب لي بريء منكم كما أنتم برآء مني, كقوله: {فإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون} وقال: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء} أي ليكن علمك وعلمهم بنبذ العهود على السواء, وهكذا ههنا {فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء} أي أعلمتكم ببراءتي منكم وبراءتكم مني لعلمي بذلك.
وقوله: {وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون} أي هو واقع لا محالة, ولكن لا علم لي بقربه ولا ببعده {إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون} اي إن الله يعلم الغيب جميعه ويعلم ما يظهره العباد وما يسرون, يعلم الظواهر والضمائر, ويعلم السر وأخفى, ويعلم ما العباد عاملون في أجهارهم وأسرارهم, وسيجزيهم على ذلك القليل والجليل. وقوله: {وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين} أي وما أدري لعل هذا فتنة لكم ومتاع إلى حين. قال ابن جرير: لعل تأخير ذلك عنكم فتنة لكم ومتاع إلى أجل مسمى, وحكاه عون عن ابن عباس فالله أعلم {قال رب احكم بالحق} أي افصل بيننا وبين قومنا المكذبين بالحق. قال قتادة: كانت الأنبياء عليهم السلام يقولون: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين} وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك, وعن مالك عن زيد بن أسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شهد قتالاً قال: {رب احكم بالحق}. وقوله: {وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون} أي على ما يقولون ويفترون من الكذب ويتنوعون في مقامات التكذيب والإفك, والله المستعان عليكم في ذلك.
آخر تفسير سورة الأنبياء عليهم السلام ولله الحمد والمنة.