سورة الحج | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 333 من المصحف
** ومِنَ النّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مّنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلّ عَن سَبِيلِ اللّهِ لَهُ فِي الدّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدّمَتْ يَدَاكَ وَأَنّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لّلعَبِيدِ
لما ذكر تعالى حال الضلال الجهال المقلدين في قوله: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد} ذكر في هذه حال الدعاة إلى الضلال من رؤوس الكفر والبدع فقال: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير} أي بلا عقل صحيح, ولا نقل صحيح صريح, بل بمجرد الرأي والهوى. وقوله: {ثاني عطفه} قال ابن عباس وغيره: مستكبر عن الحق إذا دعي إليه, وقال مجاهد وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم {ثاني عطفه} أي لاوي عنقه وهي رقبته, يعني يعرض عما يدعى إليه من الحق, ويثني رقبته استكباراً, كقوله تعالى: {وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى بركنه} الاَية, وقال تعالى: {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدود} وقال تعالى: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون} وقال لقمان لابنه {ولا تصعر خدك للناس} أي تمليه عنهم استكباراً عليهم, وقال تعالى: {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبر} الاَية.
وقوله: {ليضل عن سبيل الله} قال بعضهم: هذه لام العاقبة, لأنه قدلا يقصد ذلك, ويحتمل أن تكون لام التعليل. ثم إما أن يكون المراد بها المعاندين أو يكون المراد بها أن هذا الفاعل لهذا إنما جبلناه على هذا الخلق الدنىء لنجعله ممن يضل عن سبيل الله. ثم قال تعالى: {له في الدنيا خزي} وهو الإهانة والذل, كما أنه لما استكبر عن آيات الله لقاه الله المذلة في الدنيا وعاقبه فيها قبل الاَخرة, لأنها أكبر همه ومبلغ علمه {ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق * ذلك بما قدمت يداك} أي يقال له هذا تقريعاً وتوبيخاً {وأن الله ليس بظلام للعبيد} كقوله تعالى: {خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم * ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم * ذق إنك أنت العزيز الكريم * إن هذا ما كنتم به تمترون}. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أحمد بن الصباح, حدثنا يزيد بن هارون, أنبأنا هشام عن الحسن قال: بلغني أن أحدهم يحرق في اليوم سبعين ألف مرة.
** وَمِنَ النّاسِ مَن يَعْبُدُ اللّهَ عَلَىَ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىَ وَجْهِهِ خَسِرَ الدّنْيَا وَالاَُخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * يَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضّلاَلُ الْبَعِيدُ * يَدْعُو لَمَنْ ضَرّهُ أَقْرَبُ مِن نّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَىَ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ
قال مجاهد وقتادة وغيرهما: {على حرف} على شك, وقال غيرهم: على طرف, ومنه حرف الجبل أي طرفه, أي دخل في الدين على طرف فإن وجد ما يحبه استقر وإلا انشمر. وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن الحارث, حدثنا يحيى بن ابي بكير, حدثنا إسرائيل عن أبي حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس {ومن الناس من يعبد الله على حرف} قال: كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاماً ونتجت خيله قال: هذا دين صالح, وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا أحمد بن عبد الرحمن, حدثني أبي عن أبيه عن أشعث بن إسحاق القمي عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان ناس من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون, فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن, قالوا: إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به وإن وجدوا عام جدوبة وعام ولاد سوء وعام قحط, قالوا: ما في ديننا هذا خير, فأنزل الله على نبيه {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به} الاَية.
وقال العوفي عن ابن عباس: كان أحدهم إذا قدم المدينة وهي أرض وبيئة, فإن صح بها جسمه ونتجت فرسه مهراً حسناً وولدت امرأته غلاماً رضي به, واطمأن إليه, وقال: ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلا خيراً, {وإن أصابته فتنة} والفتنة البلاء, أي وإن أصابه وجع المدينة وولدت امرأته جارية وتأخرت عنه الصدقة, أتاه الشيطان فقال: والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شراً, وذلك الفتنة, وهكذا ذكر قتادة والضحاك وابن جريج وغير واحد من السلف في تفسير هذه الاَية. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هو المنافق إن صلحت له دنياه أقام على العبادة, وإن فسدت عليه دنياه وتغيرت انقلب فلا يقيم على العبادة إلا لما صلح من دنياه, فإن أصابته فتنة أو شدة أو اختبار أو ضيق ترك دينه ورجع إلى الكفر. وقال مجاهد في قوله: {انقلب على وجهه} أي ارتد كافراً.
وقوله: {خسر الدنيا والاَخرة} أي فلا هو حصل من الدنيا على شيء, وأما الاَخرة فقد كفر بالله العظيم, فهو فيها في غاية الشقاء والإهانة, ولهذا قال تعالى: {ذلك هو الخسران المبين} أي هذه هي الخسارة العظيمة والصفقة الخاسرة وقوله: {يدعو من دون الله ما لا يضره وما لاينفعه} أي من الأصنام والأنداد, يستغيث بها ويستنصرها ويسترزقها وهي لا تنفعه ولا تضره {ذلك هو الضلال البعيد}. وقوله: {يدعو لمن ضره أقرب من نفعه} أي ضرره في الدنيا قبل الاَخرة أقرب من نفعه فيها, وأما في الاَخرة فضرره محقق متيقن. وقوله: {لبئس المولى ولبئس العشير} قال مجاهد: يعني الوثن, يعني بئس هذا الذي دعاه من دون الله مولى, يعني ولياً وناصراً, {وبئس العشير} وهو المخالط والمعاشر, واختار ابن جرير أن المراد لبئس ابن العم والصاحب {من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه} وقول مجاهد إن المراد به الوثن أولى وأقرب إلى سياق الكلام, والله أعلم.
** إِنّ اللّهَ يُدْخِلُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ إِنّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
لما ذكر أهل الضلالة الأشقياء عطف بذكر الأبرار السعداء من الذين آمنوا بقلوبهم وصدقوا إيمانهم بأفعالهم, فعملوا الصالحات من جميع أنواع القربات, وتركوا المنكرات, فأورثهم ذلك سكنى الدرجات العاليات في روضات الجنات, ولما ذكر تعالى أنه أضل أولئك وهدى هؤلاء قال: {إن الله يفعل ما يريد}.
** مَن كَانَ يَظُنّ أَن لّن يَنصُرَهُ اللّهُ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السّمَآءِ ثُمّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ * وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ وَأَنّ اللّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ
قال ابن عباس: من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً صلى الله عليه وسلم في الدنيا والاَخرة, فليمدد بسبب أي بحبل {إلى السماء} أي سماء بيته {ثم ليقطع} يقول ثم ليختنق به, وكذا قال مجاهد وعكرمة وعطاء وأبو الجوزاء وقتادة وغيرهم, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم {فليمدد بسبب إلى السماء} أي ليتوصل إلى بلوغ السماء, فإن النصر إنما يأتي محمداً من السماء {ثم ليقطع} ذلك عنه إن قدر على ذلك, وقول ابن عباس وأصحابه أولى وأظهر في المعنى وأبلغ في التهكم, فإن المعنى من كان يظن أن الله ليس بناصر محمداً وكتابه ودينه, فليذهب فليقتل نفسه إن كان ذلك غائظه, فإن الله ناصره لا محالة, قال الله تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} الاَية, ولهذا قال: {فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيط} قال السدي: يعني من شأن محمد صلى الله عليه وسلم. وقال عطاء الخراساني: فلينظر هل يشفي ذلك ما يجد في صدره من الغيط. وقوله: {وكذلك أنزلناه} أي القرآن {آيات بينات} أي واضحات في لفظها ومعناها, حجة من الله على الناس, {وأن الله يهدي من يريد} أي يضل من يشاء ويهدي من يشاء, وله الحكمة التامة والحجة القاطعة في ذلك {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} أما هو فلحكمته ورحمته وعدله وعلمه وقهره وعظمته لا معقب لحكمه, وهو سريع الحساب.
تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 333
333 : تفسير الصفحة رقم 333 من القرآن الكريم** ومِنَ النّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مّنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلّ عَن سَبِيلِ اللّهِ لَهُ فِي الدّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدّمَتْ يَدَاكَ وَأَنّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لّلعَبِيدِ
لما ذكر تعالى حال الضلال الجهال المقلدين في قوله: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد} ذكر في هذه حال الدعاة إلى الضلال من رؤوس الكفر والبدع فقال: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير} أي بلا عقل صحيح, ولا نقل صحيح صريح, بل بمجرد الرأي والهوى. وقوله: {ثاني عطفه} قال ابن عباس وغيره: مستكبر عن الحق إذا دعي إليه, وقال مجاهد وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم {ثاني عطفه} أي لاوي عنقه وهي رقبته, يعني يعرض عما يدعى إليه من الحق, ويثني رقبته استكباراً, كقوله تعالى: {وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى بركنه} الاَية, وقال تعالى: {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدود} وقال تعالى: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون} وقال لقمان لابنه {ولا تصعر خدك للناس} أي تمليه عنهم استكباراً عليهم, وقال تعالى: {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبر} الاَية.
وقوله: {ليضل عن سبيل الله} قال بعضهم: هذه لام العاقبة, لأنه قدلا يقصد ذلك, ويحتمل أن تكون لام التعليل. ثم إما أن يكون المراد بها المعاندين أو يكون المراد بها أن هذا الفاعل لهذا إنما جبلناه على هذا الخلق الدنىء لنجعله ممن يضل عن سبيل الله. ثم قال تعالى: {له في الدنيا خزي} وهو الإهانة والذل, كما أنه لما استكبر عن آيات الله لقاه الله المذلة في الدنيا وعاقبه فيها قبل الاَخرة, لأنها أكبر همه ومبلغ علمه {ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق * ذلك بما قدمت يداك} أي يقال له هذا تقريعاً وتوبيخاً {وأن الله ليس بظلام للعبيد} كقوله تعالى: {خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم * ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم * ذق إنك أنت العزيز الكريم * إن هذا ما كنتم به تمترون}. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أحمد بن الصباح, حدثنا يزيد بن هارون, أنبأنا هشام عن الحسن قال: بلغني أن أحدهم يحرق في اليوم سبعين ألف مرة.
** وَمِنَ النّاسِ مَن يَعْبُدُ اللّهَ عَلَىَ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىَ وَجْهِهِ خَسِرَ الدّنْيَا وَالاَُخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * يَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضّلاَلُ الْبَعِيدُ * يَدْعُو لَمَنْ ضَرّهُ أَقْرَبُ مِن نّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَىَ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ
قال مجاهد وقتادة وغيرهما: {على حرف} على شك, وقال غيرهم: على طرف, ومنه حرف الجبل أي طرفه, أي دخل في الدين على طرف فإن وجد ما يحبه استقر وإلا انشمر. وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن الحارث, حدثنا يحيى بن ابي بكير, حدثنا إسرائيل عن أبي حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس {ومن الناس من يعبد الله على حرف} قال: كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاماً ونتجت خيله قال: هذا دين صالح, وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا أحمد بن عبد الرحمن, حدثني أبي عن أبيه عن أشعث بن إسحاق القمي عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان ناس من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون, فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن, قالوا: إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به وإن وجدوا عام جدوبة وعام ولاد سوء وعام قحط, قالوا: ما في ديننا هذا خير, فأنزل الله على نبيه {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به} الاَية.
وقال العوفي عن ابن عباس: كان أحدهم إذا قدم المدينة وهي أرض وبيئة, فإن صح بها جسمه ونتجت فرسه مهراً حسناً وولدت امرأته غلاماً رضي به, واطمأن إليه, وقال: ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلا خيراً, {وإن أصابته فتنة} والفتنة البلاء, أي وإن أصابه وجع المدينة وولدت امرأته جارية وتأخرت عنه الصدقة, أتاه الشيطان فقال: والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شراً, وذلك الفتنة, وهكذا ذكر قتادة والضحاك وابن جريج وغير واحد من السلف في تفسير هذه الاَية. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هو المنافق إن صلحت له دنياه أقام على العبادة, وإن فسدت عليه دنياه وتغيرت انقلب فلا يقيم على العبادة إلا لما صلح من دنياه, فإن أصابته فتنة أو شدة أو اختبار أو ضيق ترك دينه ورجع إلى الكفر. وقال مجاهد في قوله: {انقلب على وجهه} أي ارتد كافراً.
وقوله: {خسر الدنيا والاَخرة} أي فلا هو حصل من الدنيا على شيء, وأما الاَخرة فقد كفر بالله العظيم, فهو فيها في غاية الشقاء والإهانة, ولهذا قال تعالى: {ذلك هو الخسران المبين} أي هذه هي الخسارة العظيمة والصفقة الخاسرة وقوله: {يدعو من دون الله ما لا يضره وما لاينفعه} أي من الأصنام والأنداد, يستغيث بها ويستنصرها ويسترزقها وهي لا تنفعه ولا تضره {ذلك هو الضلال البعيد}. وقوله: {يدعو لمن ضره أقرب من نفعه} أي ضرره في الدنيا قبل الاَخرة أقرب من نفعه فيها, وأما في الاَخرة فضرره محقق متيقن. وقوله: {لبئس المولى ولبئس العشير} قال مجاهد: يعني الوثن, يعني بئس هذا الذي دعاه من دون الله مولى, يعني ولياً وناصراً, {وبئس العشير} وهو المخالط والمعاشر, واختار ابن جرير أن المراد لبئس ابن العم والصاحب {من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه} وقول مجاهد إن المراد به الوثن أولى وأقرب إلى سياق الكلام, والله أعلم.
** إِنّ اللّهَ يُدْخِلُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ إِنّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
لما ذكر أهل الضلالة الأشقياء عطف بذكر الأبرار السعداء من الذين آمنوا بقلوبهم وصدقوا إيمانهم بأفعالهم, فعملوا الصالحات من جميع أنواع القربات, وتركوا المنكرات, فأورثهم ذلك سكنى الدرجات العاليات في روضات الجنات, ولما ذكر تعالى أنه أضل أولئك وهدى هؤلاء قال: {إن الله يفعل ما يريد}.
** مَن كَانَ يَظُنّ أَن لّن يَنصُرَهُ اللّهُ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السّمَآءِ ثُمّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ * وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ وَأَنّ اللّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ
قال ابن عباس: من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً صلى الله عليه وسلم في الدنيا والاَخرة, فليمدد بسبب أي بحبل {إلى السماء} أي سماء بيته {ثم ليقطع} يقول ثم ليختنق به, وكذا قال مجاهد وعكرمة وعطاء وأبو الجوزاء وقتادة وغيرهم, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم {فليمدد بسبب إلى السماء} أي ليتوصل إلى بلوغ السماء, فإن النصر إنما يأتي محمداً من السماء {ثم ليقطع} ذلك عنه إن قدر على ذلك, وقول ابن عباس وأصحابه أولى وأظهر في المعنى وأبلغ في التهكم, فإن المعنى من كان يظن أن الله ليس بناصر محمداً وكتابه ودينه, فليذهب فليقتل نفسه إن كان ذلك غائظه, فإن الله ناصره لا محالة, قال الله تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} الاَية, ولهذا قال: {فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيط} قال السدي: يعني من شأن محمد صلى الله عليه وسلم. وقال عطاء الخراساني: فلينظر هل يشفي ذلك ما يجد في صدره من الغيط. وقوله: {وكذلك أنزلناه} أي القرآن {آيات بينات} أي واضحات في لفظها ومعناها, حجة من الله على الناس, {وأن الله يهدي من يريد} أي يضل من يشاء ويهدي من يشاء, وله الحكمة التامة والحجة القاطعة في ذلك {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} أما هو فلحكمته ورحمته وعدله وعلمه وقهره وعظمته لا معقب لحكمه, وهو سريع الحساب.
الصفحة رقم 333 من المصحف تحميل و استماع mp3