سورة الحج | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 334 من المصحف
** إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَالّذِينَ هَادُواْ وَالصّابِئِينَ وَالنّصَارَىَ وَالْمَجُوسَ وَالّذِينَ أَشْرَكُوَاْ إِنّ اللّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
يخبر تعالى عن أهل هذه الأديان المختلفة من المؤمنين ومن سواهم من اليهود والصابئين, وقد قدمنا في سورة البقرة التعريف بهم واختلاف الناس فيهم, والنصارى والمجوس والذين أشركوا فعبدوا مع الله غيره, فإنه تعالى:){يفصل بينهم يوم القيامة} ويحكم بينهم بالعدل, فيدخل من آمن به الجنة, ومن كفر به النار, فإنه تعالى شهيد على أفعالهم, حفيظ لأقوالهم, عليم بسرائرهم وما تكن ضمائرهم.
** أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرْضِ وَالشّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشّجَرُ وَالدّوَآبّ وَكَثِيرٌ مّنَ النّاسِ وَكَثِيرٌ حَقّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِن مّكْرِمٍ إِنّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ
يخبر تعالى أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له, فإنه يسجد لعظمته كل شيء طوعاً وكرهاً, وسجود كل شيء مما يختص به, كما قال تعالى: {أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً لله وهم داخرون} وقال ههنا: {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض} أي من الملائكة في أقطار السموات, والحيوانات في جميع الجهات من الإنس والجن والدواب والطير {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} وقوله: {والشمس والقمر والنجوم} إنما ذكر هذه على التنصيص, لأنها قد عبدت من دون الله فبين أنها تسجد لخالقها وأنها مربوبة مسخرة {لاتسجدوا للشمس ولاللقمر واسجدوالله الذي خلقهن} الاَية, وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدري أين تذهب هذه الشمس ؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنها تذهب فتسجد تحت العرش, ثم تستأمر فيوشك أن يقال لها ارجعي من حيث جئت» وفي المسند وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه في حديث الكسوف «إن الشمس والقمر خلقان من خلق الله, وإنما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته, ولكن الله عز وجل إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له».
وقال أبو العالية: ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع لله ساجداً حين يغيب, ثم لا ينصرف حتى يؤذن له فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه, وأما الجبال والشجر فسجودهما بفيء ظلالهما عن اليمين والشمائل, وعن ابن عباس قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله إني رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة فسجدت, فسجدت الشجرة لسجودي, فسمعتها وهي تقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجراً, وضع عني بها وزراً, واجعلها لي عندك ذخراً, وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود, قال ابن عباس: فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: سجدة ثم سجد, فسمعته وهو يقول مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة, رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه.
وقوله: {والدواب} أي الحيوانات كلها, وقد جاء في الحديث عن الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, نهى عن اتخاذ ظهور الدواب منابر, فرب مركوبة خير وأكثر ذكراً لله تعالى من راكبها. وقوله: {وكثير من الناس} أي يسجد لله طوعاً مختاراً متعبداً بذلك {وكثير حق عليه العذاب} أي ممن امتنع وأبى واستكبر {ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء}. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن شيبان الرملي, حدثنا القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي قال: قيل لعلي: إن ههنا رجلاً يتكلم في المشيئة, فقال له علي: يا عبد الله خلقك الله كما يشاء أو كما شئت ؟ قال: بل كما شاء. قال: فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت ؟ قال: بل إذا شاء. قال: فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت ؟ قال: بل إذا شاء. قال: فيدخلك حيث شئت أو حيث شاء ؟ قال: بل حيث يشاء. قال: والله لو قلت غير ذلك لضربت الذي فيه عيناك بالسيف.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة اعتزل الشيطان يبكي, يقول: يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة, وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار» رواه مسلم. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم وأبو عبد الرحمن المقرىء قالا: حدثنا ابن لهيعة, قال: حدثنا مشرح بن هاعان أبو مصعب المعافري قال: سمعت عقبة بن عامر قال: قلت يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين ؟ قال «نعم فمن لم يسجد بهما فلا يقرأهما» ورواه أبو داود والترمذي من حديث عبد الله بن لهيعة به. وقال الترمذي: ليس بقوي, وفي هذا نظر, فإن ابن لهيعة قد صرح فيه بالسماع, وأكثر ما نقموا عليه تدليسه.
وقد قال أبو داود في المراسيل: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح, أنبأنا ابن وهب, أخبرني معاوية بن صالح عن عامر بن جشب عن خالد بن معدان رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين» ثم قال أبو داود: وقد أسند هذا, يعني من غير هذا الوجه ولا يصح. وقال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: حدثني ابن أبي داود, حدثنا يزيد بن عبد الله, حدثنا الوليد, حدثنا أبو عمرو, حدثنا حفص بن عنان, حدثني نافع قال: حدثني أبو الجهم أن عمر سجد سجدتين في الحج وهو بالجابية, وقال: إن هذه فضلت بسجدتين. وروى أبو داود وابن ماجه من حديث الحارث بن سعيد العتقي عن عبد الله بن منين عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن, منها ثلاث في المفصل وفي سورة الحج سجدتان, فهذه شواهد يشد بعضها بعضاً.
** هَـَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبّهِمْ فَالّذِينَ كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نّارِ يُصَبّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلّمَآ أَرَادُوَاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ
ثبت في الصحيحين من حديث أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي ذر: أنه كان يقسم قسماً أن هذه الاَية {هذان خصمان اختصموا في ربهم} نزلت في حمزة وصاحبيه, وعتبة وصاحبيه يوم برزوا في بدر, لفظ البخاري عند تفسيرها, ثم قال البخاري: حدثنا حجاج بن المنهال, حدثنا المعتمر بن سليمان, سمعت أبي, حدثنا أبو مجلز عن قيس بن عباد عن علي بن أبي طالب أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة, قال قيس: وفيهم نزلت: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: هم الذين بارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة. انفرد به البخاري.
وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: اختصم المسلمون وأهل الكتاب, فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم, فنحن أولى بالله منكم, وقال المسلمون: كتابنا يقضي على الكتب كلها ونبينا خاتم الأنبياء, فنحن أولى بالله منكم, فأفلج الله الإسلام على من ناوأه, وأنزل {هذان خصمان اختصموا في ربهم} وكذا روى العوفي عن ابن عباس: وقال شعبة عن قتادة في قوله: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: مصدق ومكذب وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الاَية: مثل الكافر والمؤمن اختصما في البعث, وقال في رواية هو وعطاء في هذه الاَية: هم المؤمنون والكافرون.
وقال عكرمة: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: هي الجنة والنار, قالت النار: اجعلني للعقوبة, وقالت الجنة: اجعلني للرحمة. وقول مجاهد وعطاء: إن المراد بهذه الكافرون والمؤمنون يشمل الأقوال كلها, وينتظم فيه قصة يوم بدر وغيرها, فإن المؤمنين يريدون نصرة دين الله عز وجل, والكافرون يريدون إطفاء نور الإيمان وخذلان الحق وظهور الباطل, وهذا اختيار ابن جرير, وهو حسن, ولهذا قال {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار} أي فصلت لهم مقطعات من النار, قال سعيد بن جبير: من نحاس, وهو أشد الأشياء حرارة إذا حمي {يصب من فوق رؤوسهم الحميم * يصهر به ما في بطونهم والجلود} أي إذا صب على رؤوسهم الحميم وهو الماء الحار في غاية الحرارة. وقال سعيد بن جبير: هو النحاس المذاب, أذاب ما في بطونهم من الشحم والأمعاء, قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وغيرهم, وكذلك تذوب جلودهم, وقال ابن عباس وسعيد: تساقط.
وقال ابن جرير: حدثني محمد بن المثنى, حدثني إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني, حدثنا ابن المبارك عن سعيد بن يزيد عن أبي السمح عن ابن حجيرة, عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه, فيسلت ما في جوفه حتى يبلغ قدميه, وهو الصهر, ثم يعاد كما كان» ورواه الترمذي من حديث ابن المبارك وقال: حسن صحيح, وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي نعيم عن ابن المبارك به. ثم قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا أحمد بن أبي الحواري.
قال: سمعت عبد الله بن السري قال: يأتيه الملك يحمل الإناء بكلبتين من حرارته, فإذا أدناه من وجهه تكرهه, قال: فيرفع مقمعة معه فيضرب بها رأسه فيفرغ دماغه, ثم يفرغ الإناء من دماغه فيصل إلى جوفه من دماغه, فذلك قوله: {يصهر به ما في بطونهم والجلود}.
وقوله: {ولهم مقامع من حديد} قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن مقمعاً من حديد وضع في الأرض, فاجتمع له الثقلان ما أقلوه من الأرض» وقال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت, ثم عاد كما كان, ولو أن دلواً من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا» وقال ابن عباس في قوله: {ولهم مقامع من حديد} قال: يضربون بها, فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالثبور.
وقوله: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيه} قال الأعمش عن أبي ظبيان عن سلمان قال: النار سوداء مظلمة لا يضيء لهبها ولا جمرها, ثم قرأ {كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيه} وقال زيد بن أسلم في هذه الاَية {كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيه} قال: بلغني أن أهل النار في النار لا يتنفسون, وقال الفضيل بن عياض: والله ما طمعوا في الخروج, إن الأرجل لمقيدة وإن الأيدي لموثقة, ولكن يرفعهم لهبها وتردهم مقامعها. وقوله: {وذوقوا عذاب الحريق} كقوله: {وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون} ومعنى الكلام أنهم يهانون بالعذاب قولاً وفعلاً.
** إِنّ اللّهَ يُدْخِلُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ يُحَلّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوَاْ إِلَى الطّيّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوَاْ إِلَىَ صِرَاطِ الْحَمِيدِ
لما أخبر تعالى عن حال أهل النار عياذاً بالله من حالهم وما هم فيه من العذاب والنكال والحريق والأغلال وما أعد لهم من الثياب من النار, ذكر حال أهل الجنة نسأل الله من فضله وكرمه أن يدخله الجنة, فقال: {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار} أي تتخرق في أكنافها وأرجائها وجوانبها وتحت أشجارها وقصورها, يصرفونها حيث شاؤوا وأين أرادوا {يحلون فيه} من الحلية {من أساور من ذهب ولؤلؤ} أي في أيديهم, كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء». وقال كعب الأحبار: إن في الجنة ملكاً لو شئت أن أسميه لسميته يصوغ لأهل الجنة الحلي منذ خلقه الله إلى يوم القيامة لو أبرز قلب منها ـ أي سوار منها ـ لرد شعاع الشمس كما ترد الشمس نور القمر.
وقوله: {ولباسهم فيها حرير} في مقابلة ثياب أهل النار التي فصلت لهم, لباس هؤلاء من الحرير إستبرقه وسندسه, كما قال: {عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهوراً * إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكور} وفي الصحيح «لا تلبسوا الحرير ولا الديباج في الدنيا, فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الاَخرة» قال عبد الله بن الزبير: من لم يلبس الحرير في الاَخرة لم يدخل الجنة, قال الله تعالى: {ولباسهم فيها حرير}. وقوله: {وهدوا إلى الطيب من القول} كقوله تعالى: {وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام} وقوله: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} وقوله: {لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً إلا قيلاً سلاماً سلام} فهدوا إلى المكان الذي يسمعون فيه الكلام الطيب, وقوله: {ويلقون فيها تحية وسلام} لا كما يهان أهل النار بالكلام الذي يوبخون به ويقرعون به يقال لهم: {ذوقوا عذاب الحريق}. وقوله: {وهدوا إلى صراط الحميد} أي إلى المكان الذي يحمدون فيه ربهم على ما أحسن إليهم وأنعم به وأسداه إليهم كما جاء في الحديث الصحيح «إنهم يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النّفس» وقد قال بعض المفسرين في قوله: {وهدوا إلى الطيب من القول} أي القرآن وقيل: لا إله إلا الله وقيل: الأذكار المشروعة {وهدوا إلى صراط الحميد} أي الطريق المستقيم في الدنيا وكل هذا لا ينافي ما ذكرناه والله أعلم.
تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 334
334 : تفسير الصفحة رقم 334 من القرآن الكريم** إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَالّذِينَ هَادُواْ وَالصّابِئِينَ وَالنّصَارَىَ وَالْمَجُوسَ وَالّذِينَ أَشْرَكُوَاْ إِنّ اللّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
يخبر تعالى عن أهل هذه الأديان المختلفة من المؤمنين ومن سواهم من اليهود والصابئين, وقد قدمنا في سورة البقرة التعريف بهم واختلاف الناس فيهم, والنصارى والمجوس والذين أشركوا فعبدوا مع الله غيره, فإنه تعالى:){يفصل بينهم يوم القيامة} ويحكم بينهم بالعدل, فيدخل من آمن به الجنة, ومن كفر به النار, فإنه تعالى شهيد على أفعالهم, حفيظ لأقوالهم, عليم بسرائرهم وما تكن ضمائرهم.
** أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرْضِ وَالشّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشّجَرُ وَالدّوَآبّ وَكَثِيرٌ مّنَ النّاسِ وَكَثِيرٌ حَقّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِن مّكْرِمٍ إِنّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ
يخبر تعالى أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له, فإنه يسجد لعظمته كل شيء طوعاً وكرهاً, وسجود كل شيء مما يختص به, كما قال تعالى: {أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً لله وهم داخرون} وقال ههنا: {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض} أي من الملائكة في أقطار السموات, والحيوانات في جميع الجهات من الإنس والجن والدواب والطير {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} وقوله: {والشمس والقمر والنجوم} إنما ذكر هذه على التنصيص, لأنها قد عبدت من دون الله فبين أنها تسجد لخالقها وأنها مربوبة مسخرة {لاتسجدوا للشمس ولاللقمر واسجدوالله الذي خلقهن} الاَية, وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدري أين تذهب هذه الشمس ؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنها تذهب فتسجد تحت العرش, ثم تستأمر فيوشك أن يقال لها ارجعي من حيث جئت» وفي المسند وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه في حديث الكسوف «إن الشمس والقمر خلقان من خلق الله, وإنما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته, ولكن الله عز وجل إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له».
وقال أبو العالية: ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع لله ساجداً حين يغيب, ثم لا ينصرف حتى يؤذن له فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه, وأما الجبال والشجر فسجودهما بفيء ظلالهما عن اليمين والشمائل, وعن ابن عباس قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله إني رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة فسجدت, فسجدت الشجرة لسجودي, فسمعتها وهي تقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجراً, وضع عني بها وزراً, واجعلها لي عندك ذخراً, وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود, قال ابن عباس: فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: سجدة ثم سجد, فسمعته وهو يقول مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة, رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه.
وقوله: {والدواب} أي الحيوانات كلها, وقد جاء في الحديث عن الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, نهى عن اتخاذ ظهور الدواب منابر, فرب مركوبة خير وأكثر ذكراً لله تعالى من راكبها. وقوله: {وكثير من الناس} أي يسجد لله طوعاً مختاراً متعبداً بذلك {وكثير حق عليه العذاب} أي ممن امتنع وأبى واستكبر {ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء}. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن شيبان الرملي, حدثنا القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي قال: قيل لعلي: إن ههنا رجلاً يتكلم في المشيئة, فقال له علي: يا عبد الله خلقك الله كما يشاء أو كما شئت ؟ قال: بل كما شاء. قال: فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت ؟ قال: بل إذا شاء. قال: فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت ؟ قال: بل إذا شاء. قال: فيدخلك حيث شئت أو حيث شاء ؟ قال: بل حيث يشاء. قال: والله لو قلت غير ذلك لضربت الذي فيه عيناك بالسيف.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة اعتزل الشيطان يبكي, يقول: يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة, وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار» رواه مسلم. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم وأبو عبد الرحمن المقرىء قالا: حدثنا ابن لهيعة, قال: حدثنا مشرح بن هاعان أبو مصعب المعافري قال: سمعت عقبة بن عامر قال: قلت يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين ؟ قال «نعم فمن لم يسجد بهما فلا يقرأهما» ورواه أبو داود والترمذي من حديث عبد الله بن لهيعة به. وقال الترمذي: ليس بقوي, وفي هذا نظر, فإن ابن لهيعة قد صرح فيه بالسماع, وأكثر ما نقموا عليه تدليسه.
وقد قال أبو داود في المراسيل: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح, أنبأنا ابن وهب, أخبرني معاوية بن صالح عن عامر بن جشب عن خالد بن معدان رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين» ثم قال أبو داود: وقد أسند هذا, يعني من غير هذا الوجه ولا يصح. وقال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: حدثني ابن أبي داود, حدثنا يزيد بن عبد الله, حدثنا الوليد, حدثنا أبو عمرو, حدثنا حفص بن عنان, حدثني نافع قال: حدثني أبو الجهم أن عمر سجد سجدتين في الحج وهو بالجابية, وقال: إن هذه فضلت بسجدتين. وروى أبو داود وابن ماجه من حديث الحارث بن سعيد العتقي عن عبد الله بن منين عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن, منها ثلاث في المفصل وفي سورة الحج سجدتان, فهذه شواهد يشد بعضها بعضاً.
** هَـَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبّهِمْ فَالّذِينَ كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نّارِ يُصَبّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلّمَآ أَرَادُوَاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ
ثبت في الصحيحين من حديث أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي ذر: أنه كان يقسم قسماً أن هذه الاَية {هذان خصمان اختصموا في ربهم} نزلت في حمزة وصاحبيه, وعتبة وصاحبيه يوم برزوا في بدر, لفظ البخاري عند تفسيرها, ثم قال البخاري: حدثنا حجاج بن المنهال, حدثنا المعتمر بن سليمان, سمعت أبي, حدثنا أبو مجلز عن قيس بن عباد عن علي بن أبي طالب أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة, قال قيس: وفيهم نزلت: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: هم الذين بارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة. انفرد به البخاري.
وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: اختصم المسلمون وأهل الكتاب, فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم, فنحن أولى بالله منكم, وقال المسلمون: كتابنا يقضي على الكتب كلها ونبينا خاتم الأنبياء, فنحن أولى بالله منكم, فأفلج الله الإسلام على من ناوأه, وأنزل {هذان خصمان اختصموا في ربهم} وكذا روى العوفي عن ابن عباس: وقال شعبة عن قتادة في قوله: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: مصدق ومكذب وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الاَية: مثل الكافر والمؤمن اختصما في البعث, وقال في رواية هو وعطاء في هذه الاَية: هم المؤمنون والكافرون.
وقال عكرمة: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: هي الجنة والنار, قالت النار: اجعلني للعقوبة, وقالت الجنة: اجعلني للرحمة. وقول مجاهد وعطاء: إن المراد بهذه الكافرون والمؤمنون يشمل الأقوال كلها, وينتظم فيه قصة يوم بدر وغيرها, فإن المؤمنين يريدون نصرة دين الله عز وجل, والكافرون يريدون إطفاء نور الإيمان وخذلان الحق وظهور الباطل, وهذا اختيار ابن جرير, وهو حسن, ولهذا قال {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار} أي فصلت لهم مقطعات من النار, قال سعيد بن جبير: من نحاس, وهو أشد الأشياء حرارة إذا حمي {يصب من فوق رؤوسهم الحميم * يصهر به ما في بطونهم والجلود} أي إذا صب على رؤوسهم الحميم وهو الماء الحار في غاية الحرارة. وقال سعيد بن جبير: هو النحاس المذاب, أذاب ما في بطونهم من الشحم والأمعاء, قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وغيرهم, وكذلك تذوب جلودهم, وقال ابن عباس وسعيد: تساقط.
وقال ابن جرير: حدثني محمد بن المثنى, حدثني إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني, حدثنا ابن المبارك عن سعيد بن يزيد عن أبي السمح عن ابن حجيرة, عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه, فيسلت ما في جوفه حتى يبلغ قدميه, وهو الصهر, ثم يعاد كما كان» ورواه الترمذي من حديث ابن المبارك وقال: حسن صحيح, وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي نعيم عن ابن المبارك به. ثم قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا أحمد بن أبي الحواري.
قال: سمعت عبد الله بن السري قال: يأتيه الملك يحمل الإناء بكلبتين من حرارته, فإذا أدناه من وجهه تكرهه, قال: فيرفع مقمعة معه فيضرب بها رأسه فيفرغ دماغه, ثم يفرغ الإناء من دماغه فيصل إلى جوفه من دماغه, فذلك قوله: {يصهر به ما في بطونهم والجلود}.
وقوله: {ولهم مقامع من حديد} قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن مقمعاً من حديد وضع في الأرض, فاجتمع له الثقلان ما أقلوه من الأرض» وقال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت, ثم عاد كما كان, ولو أن دلواً من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا» وقال ابن عباس في قوله: {ولهم مقامع من حديد} قال: يضربون بها, فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالثبور.
وقوله: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيه} قال الأعمش عن أبي ظبيان عن سلمان قال: النار سوداء مظلمة لا يضيء لهبها ولا جمرها, ثم قرأ {كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيه} وقال زيد بن أسلم في هذه الاَية {كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيه} قال: بلغني أن أهل النار في النار لا يتنفسون, وقال الفضيل بن عياض: والله ما طمعوا في الخروج, إن الأرجل لمقيدة وإن الأيدي لموثقة, ولكن يرفعهم لهبها وتردهم مقامعها. وقوله: {وذوقوا عذاب الحريق} كقوله: {وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون} ومعنى الكلام أنهم يهانون بالعذاب قولاً وفعلاً.
** إِنّ اللّهَ يُدْخِلُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ يُحَلّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوَاْ إِلَى الطّيّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوَاْ إِلَىَ صِرَاطِ الْحَمِيدِ
لما أخبر تعالى عن حال أهل النار عياذاً بالله من حالهم وما هم فيه من العذاب والنكال والحريق والأغلال وما أعد لهم من الثياب من النار, ذكر حال أهل الجنة نسأل الله من فضله وكرمه أن يدخله الجنة, فقال: {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار} أي تتخرق في أكنافها وأرجائها وجوانبها وتحت أشجارها وقصورها, يصرفونها حيث شاؤوا وأين أرادوا {يحلون فيه} من الحلية {من أساور من ذهب ولؤلؤ} أي في أيديهم, كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء». وقال كعب الأحبار: إن في الجنة ملكاً لو شئت أن أسميه لسميته يصوغ لأهل الجنة الحلي منذ خلقه الله إلى يوم القيامة لو أبرز قلب منها ـ أي سوار منها ـ لرد شعاع الشمس كما ترد الشمس نور القمر.
وقوله: {ولباسهم فيها حرير} في مقابلة ثياب أهل النار التي فصلت لهم, لباس هؤلاء من الحرير إستبرقه وسندسه, كما قال: {عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهوراً * إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكور} وفي الصحيح «لا تلبسوا الحرير ولا الديباج في الدنيا, فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الاَخرة» قال عبد الله بن الزبير: من لم يلبس الحرير في الاَخرة لم يدخل الجنة, قال الله تعالى: {ولباسهم فيها حرير}. وقوله: {وهدوا إلى الطيب من القول} كقوله تعالى: {وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام} وقوله: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} وقوله: {لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً إلا قيلاً سلاماً سلام} فهدوا إلى المكان الذي يسمعون فيه الكلام الطيب, وقوله: {ويلقون فيها تحية وسلام} لا كما يهان أهل النار بالكلام الذي يوبخون به ويقرعون به يقال لهم: {ذوقوا عذاب الحريق}. وقوله: {وهدوا إلى صراط الحميد} أي إلى المكان الذي يحمدون فيه ربهم على ما أحسن إليهم وأنعم به وأسداه إليهم كما جاء في الحديث الصحيح «إنهم يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النّفس» وقد قال بعض المفسرين في قوله: {وهدوا إلى الطيب من القول} أي القرآن وقيل: لا إله إلا الله وقيل: الأذكار المشروعة {وهدوا إلى صراط الحميد} أي الطريق المستقيم في الدنيا وكل هذا لا ينافي ما ذكرناه والله أعلم.
الصفحة رقم 334 من المصحف تحميل و استماع mp3