سورة البقرة | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 35 من المصحف
** وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتّىَ يُؤْمِنّ وَلأمَةٌ مّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مّن مّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتّىَ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مّؤْمِنٌ خَيْرٌ مّن مّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيّنُ آيَاتِهِ لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ
هذا تحريم من الله عز وجل على المؤمنين, أن يتزوجوا المشركات من عبدة الأوثان, ثم إن كان عمومها مراداً, وأنه يدخل فيها كل مشركة من كتابية ووثنية, فقد خص من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين} قال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس في قوله {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}: استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب, وهكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومكحول والحسن والضحاك وزيد بن أسلم والربيع بن أنس وغيرهم. وقيل: بل المراد بذلك المشركون من عبدة الأوثان, ولم يرد أهل الكتاب بالكلية, والمعنى قريب من الأول, والله أعلم. فأما ما رواه ابن جرير: حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني, حدثنا أبي, حدثني عبد الحميد بن بهرام الفزاري, حدثنا شهر بن حوشب, قال: سمعت عبد الله بن عباس يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء, إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات وحرم كل ذات دين غير الإسلام. قال الله عز وجل: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} وقد نكح طلحة بن عبد الله يهودية, ونكح حذيفة بن اليمان نصرانية, فغضب, عمر بن الخطاب غضباً شديداً حتى هم أن يسطو عليهما فقالا نحن نطلق يا أمير المؤمنين ولا تغضب فقال: لئن حل طلاقهن لقد حل نكاحهن, ولكني أنتزعهن منكم صغرة قمأة, فهو حديث غريب جداً, وهذا الأثر غريب عن عمر أيضاً, قال أبو جعفر بن جرير رحمه الله: بعد حكايته الإجماع على إباحة تزويج الكتابيات, وإنما كره عمر ذلك لئلا يزهد الناس في المسلمات أو لغير ذلك من المعاني. كما حدثنا أبو كريب, حدثنا ابن إدريس, حدثنا الصلت بن بهرام عن شقيق, قال: تزوج حذيفة يهودية, فكتب إليه عمر: خلّ سبيلها, فكتب إليه: أتزعم أنها حرام, فأخلي سبيلها ؟ فقال: لا أزعم أنها حرام, ولكني أخاف أن تعاطوا المؤمنات منهن, وهذا إسناد صحيح, وروى الخلال عن محمد بن إسماعيل, عن وكيع, عن الصلت, نحوه, وقال ابن جرير: حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي, حدثنا محمد بن بشر, حدثنا سفيان بن سعيد عن يزيد بن أبي زياد, عن زيد بن وهب, قال: قال عمر بن الخطاب: المسلم يتزوج النصرانية, ولا يتزوج النصراني المسلمة, قال: وهذا أصح إسناداً من الأول, ثم قال: وقد حدثنا تميم بن المنتصر, أخبرنا إسحاق الأزرقي عن شريك, عن أشعث بن سوار, عن الحسن, عن جابر بن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا» ثم قال: وهذا الخبر وإن كان في إسناده ما فيه, فالقول به لإجماع الجميع من الأمة عليه, كذا قال ابن جرير رحمه الله. وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي, حدثنا وكيع عن جعفر بن برقان, عن ميمون بن مهران, عن ابن عمر, أنه كره نكاح أهل الكتاب, وتأول {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ}. وقال البخاري: وقال ابن عمر: لا أعلم شركاً أعظم من أن تقول: ربها عيسى, وقال أبو بكر الخلال الحنبلي: حدثنا محمد بن هارون, حدثنا إسحاق بن إبراهيم وأخبرني محمد بن علي, حدثنا صالح بن أحمد, أنهما سألا أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن قول الله {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ} قال: مشركات العرب الذين يعبدون الأصنام. وقوله {ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم} قال السدي: نزلت في عبد الله بن رواحة, كانت له أمة سوداء فغضب عليها فلطمها, ثم فزع فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرهما, فقال له «ماهي ؟» قال: تصوم وتصلي, وتحسن الوضوء, وتشهد أن لا إله إلا الله, وأنك رسول الله, فقال «يا أبا عبد الله هذه مؤمنة». فقال: والذي بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجنها, ففعل, فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا: نكح أمته وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين, وينكحوهم رغبة في أحسابهم, فأنزل الله {ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم * ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم} وقال عبد بن حميد: حدثنا جعفر بن زياد الإفريقي عن عبد الله بن يزيد, عن عبد الله بن عمرو, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «لا تنكحوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن, ولا تنكحوهن عن أموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن, وأنكحوهن على الدين, فلأمة سوداء جرداء ذات دين أفضل» والإفريقي ضعيف, وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها, فاظفر بذات الدين, تربت يداك» ولمسلم عن جابر مثله, وله عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «الدنيا متاع, وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة» وقوله {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنو} أي لا تزوجوا الرجال المشركين النساء المؤمنات, كما قال تعالى: {لا هن حلّ لهم, ولا هم يحلون لهن} ثم قال تعالى: {ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم} أي ولرجل مؤمن ـ ولو كان عبداً حبشياً ـ خير من مشرك, وإن كان رئيساً سرياً {أولئك يدعون إلى النار} أي معاشرتهم ومخالطتهم, تبعث على حب الدنيا واقتنائها وإيثارها على الدار الاَخرة, وعاقبة ذلك وخيمة {والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه} أي بشرعه وما أمر به وما نهى عنه {ويبين الله آياته للناس لعلهم يتذكرون}.
** وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنّ حَتّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهّرْنَ فَأْتُوهُنّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ يُحِبّ التّوّابِينَ وَيُحِبّ الْمُتَطَهّرِينَ * نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنّىَ شِئْتُمْ وَقَدّمُواْ لأنْفُسِكُمْ وَاتّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوَاْ أَنّكُمْ مّلاَقُوهُ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت, عن أنس, أن اليهود كانت إذا حاضت المرأة منهم لم يواكلوها ولم يجامعوها في البيوت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله عز وجل {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} حتى فرغ من الاَية, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً, إلا خالفنا فيه, فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر, فقالا: يا رسول الله, إن اليهود قالت: كذا وكذا, أفلا نجامعهن ؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما, فخرجا فاستقبلنهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأرسل في آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما, رواه مسلم من حديث حماد بن زيد بن سلمة, فقوله {فاعتزلوا النساء في المحيض} يعني الفرج, لقوله «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» ولهذا ذهب كثير من العلماء أو أكثرهم, إلى أنه يجوز مباشرة الحائض فيما عدا الفرج, قال أبو داود أيضاً: حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد عن أيوب, عن عكرمة, عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم, كان إذا أراد من الحائض شيئاً يلقي على فرجها ثوباً, وقال أبو داود أيضاً: حدثنا القعنبي, حدثنا عبد الله يعني ابن عمر بن غانم, عن عبد الرحمن يعني ابن زياد, عن عمارة بن غراب أن عمة له حدثته أنها سألت عائشة قال: إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها فراش إلا فراش واحد, قالت: أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم, دخل فمضى إلى مسجده, قال أبو داود: تعني مسجد بيتها فما انصرف حتى غلبتني عيني فأوجعه البرد فقال «ادني مني» فقلت: إني حائض, فقال «اكشفي عن فخذيك» فكشفتُ فخذي, فوضع خده وصدره على فخذي وحنيت عليه حتى دفىء ونام صلى الله عليه وسلم, وقال أبو جعفر بن جرير: حدثنا عبد الوهاب, حدثنا أيوب عن كتاب أبي قلابة, أن مسروقاً ركب إلى عائشة فقال: السلام على النبي وعلى أهله, فقالت عائشة: مرحباً مرحباً, فأذنوا له فدخل فقال: إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحي, فقالت: إنما أنا أمك وأنت ابني, فقال: ما للرجل من امرأته وهي حائض ؟ فقالت له: كل شيء إلا فرجها. ورواه أيضاً عن حميد بن مسعدة, عن يزيد بن زريع, عن عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن, عن مروان الأصفر, عن مسروق قال: قلت لعائشة: ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً ؟ قالت: كل شيء إلا الجماع. وهذا قول ابن عباس ومجاهد والحسن وعكرمة, وروى ابن جرير أيضاً عن أبي كريب عن ابن أبي زائدة, عن حجاج, عن ميمون بن مهران, عن عائشة, قالت له: ما فوق الإزار. (قلت) ويحل مضاجعتها ومواكلتها بلا خلاف, قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم, يأمرني فأغسل رأسه وأنا حائض, وكان يتكىء في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن. وفي الصحيح عنها, قالت: كنت أتعرق العرق وأنا حائض فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم, فيضع فمه في الموضع الذي وضعت فمي فيه, وأشرب الشراب فأناوله فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه, وقال أبو داود: حدثنا مسدد, حدثنا يحيى عن جابر بن صبح, سمعت خلاساً الهجري قال: سمعت عائشة تقول: كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعار الواحد وأنا حائض طامث, فإن أصابه مني شيء غسل مكانه لم يعده وإن أصابه ـ يعني ثوبه ـ شيء غسل مكانه لم يعده وصلى فيه, فأما ما رواه أبو داود حدثنا سعيد بن الجبار, حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد, عن أبي اليمان, عن أم ذرة, عن عائشة أنها قالت: كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير, فلم نقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ندن منه حتى نطهر, فهو محمول على التنزه والاحتياط. وقال آخرون: إنما تحل له مباشرتها فيما عدا ما تحت الإزار, كما ثبت في الصحيحين عن ميمونة بنت الحارث الهلالية قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض, وهذا لفظ البخاري, ولهما عن عائشة نحوه, وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث العلاء, عن حزام بن حكيم, عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض ؟ قال: ما فوق الإزار. ولأبي داود أيضاً عن معاذ بن جبل, قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل لي من امرأتي وهي حائض ؟ قال: ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل» وهو رواية عن عائشة كما تقدم وابن عباس وسعيد بن المسيب وشريح. فهذه الأحاديث وما شابهها حجة من ذهب إلى أنه يحل ما فوق الإزار منها, وهو أحد القولين في مذهب الشافعي رحمه الله, الذي رجحه كثير من العراقيين وغيرهم, ومأخذهم أنه حريم الفرج فهو حرام لئلا يتوصل إلى تعاطي ما حرم الله عز وجل الذي أجمع العلماء على تحريمه وهو المباشرة في الفرج, ثم من فعل ذلك فقد أثم, فيستغفر الله ويتوب إليه, وهل يلزمه مع ذلك كفارة أم لا ؟ فيه قولان: (أحدهما) نعم, لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض, يتصدق بدينار أو نصف دينار, وفي لفظ للترمذي «إذا كان دماً أحمر فدينار, وإن كان دماً أصفر فنصف دينار» وللإمام أحمد أيضاً عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, جعل في الحائض تصاب ديناراً, فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل, فنصف دينار. (والقول الثاني) وهو الصحيح الجديد من مذهب الشافعي وقول الجمهور أنه لا شيء في ذلك, بل يستغفر الله عز وجل لأنه لم يصح عندهم رفع هذا الحديث, فإنه قد روي مرفوعاً كما تقدم, وموقوفاً وهو الصحيح عند كثير من أئمة الحديث, فقوله تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} تفسير قوله {فاعتزلوا النساء في المحيض} ونهى عن قربانهن بالجماع ما دام الحيض موجوداً, ومفهومه حله إذا انقطع. قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فيما أملاه في الطاعة: وقوله {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث} الاَية, الطهر يدل على أن يقربها, فلما قالت ميمونة وعائشة: كانت إحدانا إذا حاضت اتزرت ودخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعاره, دل ذلك على أنه إنما أراد الجماع.
وقوله {فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} فيه ندب وإرشاد إلى غشيانهن بعد الاغتسال وذهب ابن حزم إلى وجوب الجماع بعد كل حيضة لقوله {فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} وليس له في ذلك مستند, لأن هذا أمر بعد الحظر. وفيه أقوال لعلماء الأصول منهم من يقول إنه على الوجوب كالمطلق, هؤلاء يحتاجون إلى جواب ابن حزم, ومنهم من يقول: إنه للإباحة, ويجعلون تقدم النهي عليه قرينة صارفة له من الوجوب, وفيه نظر, والذي ينهض عليه الدليل أنه يرد عليه الحكم إلى ما كان عليه الأمر قبل النهي, فإن كان واجباً, فواجب كقوله {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} أو مباحاً فمباح كقوله {وإذا حللتم فاصطادو} {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} وعلى هذا القول تجتمع الأدلة, وقد حكاه الغزالي وغيره, فاختاره بعض أئمة المتأخرين وهو الصحيح, وقد اتفق العلماء على أن المرأة إذا انقطع حيضها لا تحل حتى تغتسل بالماء أو تتيمم إن تعذر ذلك عليها بشرطه, إلا أن أبا حنيفة رحمه الله يقول, فيما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده: أنها تحل بمجرد الانقطاع ولا تفتقر إلى غسل, والله أعلم, وقال ابن عباس {حتى يطهرن} أي من الدم {فإذا تطهرن} أي بالماء, وكذا قال مجاهد وعكرمة والحسن ومقاتل بن حيان والليث بن سعد وغيرهم.
وقوله {من حيث أمركم الله} قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: يعني الفرج. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {فأتوهن من حيث أمركم الله} يقول: في الفرج ولا تعدوه إلى غيره, فمن فعل شيئاً من ذلك فقد اعتدى. وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة {من حيث أمركم الله} أي تعتزلوهن, وفيه دلالة حينئذ على تحريم الوطء في الدبر, كما سيأتي تقريره قريباً إن شاء الله تعالى. وقال أبو رزين وعكرمة والضحاك وغير واحد {فأتوهن من حيث أمركم الله} يعني طاهرات غير حيّض, ولهذا قال {إن الله يحب التوابين} أي من الذنب وإن تكرر غشيانه {ويحب المتطهرين} أي المتنزهين عن الأقذار والأذى, وهو ما نهوا عنه من إتيان الحائض أو في غير المأتى.
وقوله {نساؤكم حرث لكم} قال ابن عباس: الحرث موضع الولد {فأتوا حرثكم أنى شئتم} أي كيف شئتم, قال: سمعت جابراً قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول, فنزلت {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} ورواه مسلم وأبو داود من حديث سفيان الثوري به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى, أخبرنا ابن وهب, أخبرني مالك بن أنس وابن جريج وسفيان بن سعيد الثوري: أن محمد بن المنكدر حدثهم: أن جابر بن عبد الله أخبره أن اليهود قالوا للمسلمين: من أتى امرأة وهي مدبرة جاء الولد أحول, فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال ابن جريج في الحديث: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج» وفي حديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري, عن أبيه, عن جده, أنه قال: يا رسول الله, نساؤنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال «حرثك ائت حرثك أنى شئت, غير أن لا تضرب الوجه, ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت» الحديث, رواه أحمد وأهل السنن.
(حديث آخر) ـ قال ابن أبي حاتم حدثنا يونس, أخبرنا ابن وهب, أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب, عن عامر بن يحيى, عن حنش بن عبد الله, عن عبد الله بن عباس, قال: أتى ناس من حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسألوه عن أشياء, فقال له رجل: إني أحب النساء فكيف ترى في ؟ فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} ورواه الإمام أحمد, حدثنا يحيى بن غيلان, حدثنا رشدين, حدثني الحسن بن ثوبان عن عامر بن يحيى المغافري عن حنش, عن ابن عباس, قال: أنزلت هذه الاَية {نساؤكم حرث لكم} في أناس من الأنصار أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ائتها على كل حال إذا كان في الفرج».
(حديث آخر) ـ قال أبو جعفر الطحاوي في كتابه مشكل الحديث: حدثنا أحمد بن داود بن موسى, حدثنا يعقوب بن كاسب, حدثنا عبد الله بن نافع عن هشام بن سعد, عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن أبي سعيد الخدري, أن رجلاً أصاب امرأة في دبرها, فأنكر الناس عليه ذلك, فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم} الاَية, ورواه ابن جرير عن يونس, عن يعقوب, ورواه الحافظ أبو يعلى الموصلي عن الحارث بن شريح, عن عبد الله بن نافع به.
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا وهيب, حدثنا عبيد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الله بن سابط, قال: دخلت على حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر, فقلت: إني لسائلك عن أمر وأنا أستحي أن أسألك, قالت: فلا تستحي يا ابن أخي, قال: عن إتيان النساء في أدبارهن ؟ قالت: حدثتني أم سلمة أن الأنصار كانوا يحبون النساء وكانت اليهود تقول: إنه من أحبى امرأته, كان ولده أحول, فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصار فأحبوهن, فأبت امرأة أن تطيع زوجها وقالت: لن تفعل ذلك حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدخلت على أم سلمة فذكرت لها ذلك, فقالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم, استحت الأنصارية أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فخرجت فسألته أم سلمة, فقال: ادعي «الأنصارية» فدعتها, فتلا عليها هذه الاَية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} «صماماً واحداً». ورواه الترمذي عن بندار, عن ابن مهدي, عن سفيان, عن أبي خثيم به, وقال حسن. (قلت) وقد روي من طريق حماد بن أبي حنيفة عن أبيه, عن ابن خثيم, عن يوسف بن ماهك, عن حفصة أم المؤمنين ان امرأة أتتها, فقالت: إن زوجي يأتيني مجبية ومستقبلة فكرهته, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال «لا بأس إذا كان في صمام واحد».
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا حسن, حدثنا يعقوب يعني القمي, عن جعفر, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله هلكت, قال ما الذي أهلكك ؟ قال: حولت رحلي البارحة, قال, فلم يرد عليه شيئاً. قال: فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاَية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} «أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة». ورواه الترمذي عن عبد بن حميد, عن حسن بن موسى الأشيب به, وقال: حسن غريب. وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا الحارث بن شريح, حدثنا عبد الله بن نافع, حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن أبي سعيد, قال: أثفر رجل امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أثفر فلان امرأته, فأنزل الله عز وجل: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}. قال أبو داود: حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ, قال: حدثني محمد يعني ابن سلمة, عن محمد بن إسحاق, عن أبان بن صالح, عن مجاهد عن ابن عباس, قال: إن ابن عمر قال ـ والله يغفر له ـ أوهم وإنما كان الحي من الأنصار, وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود, وهم أهل كتاب, وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم, فكانوا يقتدون كثيراً من فعلهم, وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة, فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم, وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحاً منكراً, ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات, فلما قدم المهاجرون المدينة, تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار, فذهب يصنع بها ذلك, فأنكرته عليه, وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف, فأصنع ذلك, وإلا فاجتنبني, فسرى أمرهما فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعني بذلك موضوع الولد, تفرد به أبو داود, ويشهد له بالصحة ما تقدم له من الأحاديث ولا سيما رواية أم سلمة, فإنها مشابهة لهذا السياق, وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو القاسم الطبراني من طريق محمد بن إسحاق, عن أبان بن صالح, عن مجاهد, قال, عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته, أوقفه عند كل آية منه, وأسأله عنها, حتى انتهيت إلى هذه الاَية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال ابن عباس: إن هذا الحي من قريش كانوا يشرحون النساء بمكة ويتلذذون بهن, فذكر القصة بتمام سياقها, وقول ابن عباس إن ابن عمر ـ والله يغفر له ـ أوهم, كأنه يشير إلى ما رواه البخاري: حدثنا إسحاق حدثنا النضر بن شميل, أخبرنا ابن عون عن نافع, قال, كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه, فأخذت عنه يوماً فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان قال: أتدري فيم أنزلت ؟ قلت: لا. قال: أنزلت في كذا وكذا, ثم مضى, وعن عبد الصمد قال, حدثني أبي, حدثنا أيوب عن نافع, عن ابن عمر {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: أن يأتيها في... هكذا رواه البخاري, وقد تفرد به من هذا الوجه. وقال ابن جرير, حدثني يعقوب, حدثنا ابن عون عن نافع, قال قرأت ذات يوم {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال ابن عمر أتدري فيم نزلت ؟ قلت: لا. قال: نزلت في إيتان النساء في أدبارهن. وحدثني أبو قلابة. حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث, حدثني أبي عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: في الدبر. وروي من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر ولا يصح. وروى النسائي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, عن أبي بكر بن أبي أويس, عن سليمان بن بلال, عن زيد بن أسلم, عن ابن عمر, أن رجلاً أتى امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك وجداً شديداً, فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}. قال أبو حاتم الرازي, لو كان هذا عند زيد بن أسلم عن ابن عمر, لما أولع الناس بنافع, وهذا تعليل منه لهذا الحديث. وقد رواه عبد الله بن نافع عن داود بن قيس, عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن ابن عمر, فذكره, وهذا الحديث محمول على ما تقدم وهو أنه يأتيها في قبلها من دبرها, لما رواه النسائي عن علي بن عثمان النفيلي عن سعيد بن عيسى, عن الفضل بن فضالة عن عبد الله بن سليمان الطويل, عن كعب بن علقمة, عن أبي النضر, أنه أخبره أنه قال لنافع مولى ابن عمر, أنه قد أكثر عليك القول, أنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن, قال: كذبوا عليّ, ولكن سأحدثك كيف كان الأمر, إن ابن عمر عرض المصحف يوماً وأنا عنده حتى بلغ {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال: يا نافع, هل تعلم من أمر هذه الاَية ؟ قلت: لا. قال, إنا كنا معشر قريش نجبي النساء, فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردن منها مثل ما كنا نريد, فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن, فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} وهذا إسناد صحيح, وقد رواه ابن مردويه عن الطبراني, عن الحسين بن إسحاق, عن زكريا بن يحيى الكاتب العمري, عن مفضل بن فضالة, عن عبد الله بن عياش, عن كعب بن علقمة, فذكره, وقد روينا عن ابن عمر خلاف ذلك صريحاً, وأنه لا يباح ولا يحل كما سيأتي, وإن كان قد نسب هذا القول إلى طائفة من فقهاء المدينة وغيرهم, وعزاه بعضهم إلى الإمام مالك في كتاب السر, وأكثر الناس ينكر أن يصح ذلك عن الإمام مالك رحمه الله. وقد وردت الأحاديث المروية من طرق متعددة بالزجر عن فعله وتعاطيه, فقال الحسن بن عرفة: حدثنا إسماعيل بن عياش عن سهيل بن أبي صالح, عن محمد بن المنكدر, عن جابر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «استحيوا إن الله لا يستحي من الحق, لا يحل أن تأتوا النساء في حشوشهن». وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن عبد الله بن شداد, عن خزيمة بن ثابت, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها.
(طريق أخرى) قال أحمد: حدثنا يعقوب, سمعت أبي يحدث عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد, أن عبيد الله بن الحصين الوالبي حدثه أن عبد الله الواقفي, حدثه أن خزيمة بن ثابت الخطمي, حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «استحيوا إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن» رواه النسائي وابن ماجه من طريق عن خزيمة بن ثابت وفي إسناده اختلاف كثير.
(حديث آخر) قال أبو عيسى الترمذي والنسائي: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو خالد الأحمر عن الضحاك بن عثمان, عن مخرمة بن سليمان عن كريب, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلاً أو امرأة في الدبر» ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب, وهكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه, وصححه ابن حزم أيضاً, ولكن رواه النسائي أيضاً عن هناد, عن وكيع, عن الضحاك به موقوفاً. وقال عبد: أخبرنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن ابن طاوس, عن أبيه, أن رجلاً سأل ابن عباس عن إتيان المرأة في دبرها, قال: تسألني عن الكفر, إسناده صحيح, وكذا رواه النسائي من طريق ابن المبارك عن معمر به نحوه, وقال عبد أيضاً في تفسيره: حدثنا إبراهيم بن الحاكم عن أبيه عن عكرمة, قال, جاء رجل إلى ابن عباس وقال: كنت آتي أهلي في دبرها, وسمعت قول الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فظننت أن ذلك لي حلال, فقال: يا لكع إنما قوله: {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في أقبالهن لا تعدوا ذلك إلى غيره.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد, حدثنا قتادة عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده, أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: «الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى» وقال عبد الله بن أحمد: حدثني هدبة, حدثنا همام, قال: سئل قتادة عن الذي يأتي امرأته في دبرها, فقال قتادة: أخبرنا عمرو بن شعيب عن أبيه, عن جده, أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: «هي اللوطية الصغرى». قال قتادة: وحدثني عقبة بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, عن أبي أيوب, عن عبد الله بن عمرو بن العاص قوله, وهذا أصح, والله أعلم. وكذلك رواه عبد بن حميد عن يزيد بن هارون, عن حميد الأعرج, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن عبد الله بن عمرو موقوفاً من قوله.
(طريق أخرى) قال جعفر الفريابي: حدثنا ابن لهيعة عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم, عن أبي عبد الرحمن الحبلي, عن عبد الله بن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة, ولا يزكيهم, ويقول ادخلوا النار مع الداخلين: الفاعل, والمفعول به, والناكح يده, وناكح البهيمة, وناكح المرأة في دبرها, وجامع بين المرأة وابنتها, والزاني بحليلة جاره, ومؤذي جاره حتى يلعنه» ابن لهيعة وشيخه ضعيفان.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا سفيان عن عاصم, عن عيسى بن حطان, عن مسلم بن سلام, عن علي بن طلق, قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤتى النساء في أدبارهن, فإن الله لا يستحي من الحق, وأخرجه أحمد أيضاً عن أبي معاوية وأبي عيسى الترمذي من طريق أبي معاوية أيضاً, عن عاصم الأحول به, وفيه زيادة, وقال: هو حديث حسن, ومن الناس من يورد هذا الحديث في مسند علي بن أبي طالب كما وقع في مسند الإمام أحمد بن حنبل, والصحيح أنه علي بن طلق.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن سهيل بن أبي صالح, عن الحارث بن مخلد, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «إن الذي يأتي امرأته في دبرها لا ينظر الله إليه». وقال أحمد أيضاً حدثنا عفان, حدثنا وهيب, حدثنا سهيل عن الحارث بن مخلد, عن أبي هريرة يرفعه, قال «لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها», وكذا رواه ابن ماجه من طريق سهيل وقال أحمد أيضاً: حدثنا وكيع عن سهيل بن أبي صالح. عن الحارث بن مخلد, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ملعون من أتى امرأته في دبرها», وهكذا رواه أبو داود والنسائي من طريق وكيع به.
(طريق أخرى) قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: أخبرنا أحمد بن القاسم بن الريان, حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي, حدثنا هناد ومحمد بن إسماعيل واللفظ له, قالا: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح, عن أبيه, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ملعون من أتى امرأة في دبرها» ليس هذا الحديث هكذا في سنن النسائي, وإنما الذي فيه عن سهيل عن الحارث بن مخلد كما تقدم, قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: ورواية أحمد بن القاسم بن الريان هذا الحديث بهذا السند, وهم منه وقد ضعفوه.
(طريق أخرى) ـ رواها مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء بن عبد الرحمن, عن أبيه, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «ملعون من أتى النساء في أدبارهن» ومسلم بن خالد فيه كلام, والله أعلم.
(طريق أخرى) ـ رواها الإمام أحمد وأهل السنن من حديث حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم, عن أبي تميمة الهجيمي, عن أبي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه, فقد كفر بما أنزل على محمد» وقال الترمذي: ضعف البخاري هذا الحديث, والذي قاله البخاري في حديثالترمذي عن أبي تيمية: لا يتابع على حديثه.
(طريق أخرى) ـ قال النسائي: حدثنا عثمان بن عبد الله, حدثنا سليمان بن عبد الرحمن من كتابه عن عبد الملك بن محمد الصنعاني, عن سعيد بن عبد العزيز, عن الزهري, عن أبي سلمة رضي الله عنه, عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «استحيوا من الله حق الحياء لا تأتوا النساء في أدبارهن» تفرد به النسائي من هذا الوجه. قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ: هذا حديث منكر باطل من حديث الزهري ومن حديث أبي سلمة ومن حديث سعيد فإن كان عبد الملك سمعه من سعيد, فإنما سمعه بعد الاختلاف, وقد رواه الترمذي عن أبي سلمة أنه كان ينهي عن ذلك, فأما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, فلا, انتهى كلامه, وقد أجاد وأحسن الانتقاد, إلا أن عبد الملك بن محمد الصنعاني لا يعرف أنه اختلط, ولم يذكر ذلك أحد غير حمزة عن الكناني وهو ثقة, ولكن تكلم فيه دحيم وأبو حاتم وابن حبان, وقال: لا يجوز الاحتجاج به, والله أعلم. وقد تابعه زيد بن يحيى بن عبيد عن سعيد بن عبد العزيز. وروي من طريقين آخرين عن أبي سلمة, ولا يصح منها كل شيء.
(طريق أخرى) ـ قال النسائي: حدثنا إسحاق بن منصور, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, عن سفيان الثوري, عن ليث بن أبي سليم, عن مجاهد, عن أبي هريرة, قال: إتيان الرجال النساء في أدبارهن كفر, ثم رواه النسائي من طريق الثوري عن ليث, عن مجاهد, عن أبي هريرة مرفوعاً, وكذا رواه من طريق علي بن نديمة عن مجاهد, عن أبي هريرة موقوفاً, ورواه بكر بن خنيس عن ليث, عن مجاهد, عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: «من أتى شيئاً من الرجال والنساء في الأدبار فقد كفر» والموقف أصح, وبكر بن خنيس ضعفه غير واحد من الأئمة, وتركه آخرون.
(حديث آخر) ـ قال محمد بن أبان البلخي: حدثنا وكيع, حدثني زمعة بن صالح عن ابن طاوس, عن أبيه, وعن عمرو بن دينار, عن عبيد الله بن يزيد بن الهاد, قالا: قال عمر بن الخطاب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله لا يستحي من الحق, لا تأتوا النساء في أدبارهن» وقد رواه النسائي, حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني عن عثمان بن اليمان عن زمعة بن صالح, عن ابن طاوس عن أبيه, عن ابن الهاد, عن عمر, قال: لا تأتوا النساء في أدبارهن وحدثنا إسحاق بن إبراهيم, حدثنا يزيد بن أبي حكيم عن زمعة بن صالح, عن عمرو بن دينار, عن طاوس, عن عبد الله بن الهاد الليثي, قال: قال عمر رضي الله عنه: استحيوا من الله فإن الله لا يستحي من الحق, لا تأتوا النساء في أدبارهن, والموقوف أصح.
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا غندر ومعاذ بن معاذ, قالا: حدثنا شعبة عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان, عن مسلم بن سلام, عن طلق بن يزيد أو يزيد بن طلق, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الله لا يستحي من الحق, لا تأتوا النساء في أستاههن» وكذا رواه غير واحد عن شعبة, ورواه عبد الرزاق عن معمر, عن عاصم الأحول, عن عيسى بن حطان, عن مسلم بن سلام, عن طلق بن علي, والأشبه أنه علي بن طلق كما تقدم, والله أعلم.
(حديث آخر) ـ قال أبو بكر الأثرم في سننه: حدثنا أبو مسلم الحرمي, حدثنا أخو أنيس بن إبراهيم, أن أباه إبراهيم بن عبد الرحمن بن القعقاع أخبره عن أبيه أبي القعقاع, عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «محاش النساء حرام» وقد رواه إسماعيل بن عليه وسفيان الثوري وشعبة وغيرهم عن أبي عبد الله الشقري واسمه سلمة بن تمام ثقة, عن أبي القعقاع عن ابن مسعود موقوفاً وهو أصح.
(طريق أخرى) ـ قال ابن عدي: حدثنا أبو عبد الله المحاملي, حدثنا سعيد بن يحيى الثوري, حدثنا محمد بن حمزة, عن زيد بن رفيع, عن أبي عبيدة, عن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تأتوا النساء في أعجازهن» محمد بن حمزة هو الجزري وشيخه فيهما مقال. وقد روي من حديث أبي بن كعب والبراء بن عازب وعقبة بن عامر وأبي ذر وغيرهم, وفي كل منها مقال لا يصح معه الحديث, والله أعلم. وقال الثوري, عن الصلت بن بهرام, عن أبي المعتمر, عن أبي جويرية, قال: سأل رجل علياً عن إتيان المرأة في دبرها, فقال: سفلت, سفل الله بك, ألم تسمع قول الله عز وجل: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين}. وقد تقدم قول ابن مسعود وأبي الدرداء وأبي هريرة وابن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه يحرمه. قال أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله الدارمي في مسنده: حدثنا عبد الله بن صالح, حدثنا الليث عن الحارث بن يعقوب, عن سعيد بن يسار أبي الحباب, قال: قلت: لابن عمر: ما تقول في الجواري أيحمض لهن ؟ قال: وما التحميض ؟ فذكر الدبر, فقال: وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين ؟ وكذا رواه ابن وهب وقتيبة عن الليث به وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك. فكل ما ورد عنه مما يحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم. قال ابن جرير: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم, حدثنا أبو زيد أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن أبي العمر, حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بن أنس, أنه قيل له: يا أبا عبد الله, إن الناس يروون عن سالم بن عبد الله أنه قال: كذب العبد أو العلج علي أبي عبد الله قال مالك أشهد علىَ يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر مثل ما قال نافع. فقيل له فإن الحارث بن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال له يا أبا عبد الرحمن إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن ؟ فقال وما التحميض ؟ فذكر له الدبر, فقال: ابن عمر: أف أف! وهل يفعل ذلك مؤمن, أو قال مسلم ؟ فقال مالك: أشهد على ربيعة لأخبرني عن أبي الحباب عن ابن عمر مثل ما قال نافع. وروى النسائي عن الربيع بن سليمان, عن أصبغ بن الفرج الفقيه, حدثنا عبد الرحمن بن القاسم, قال: قلت لمالك: إن عندنا بمصر الليث بن سعد يحدث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن ؟ قال: وما التحميض ؟ قلت: نأتيهن في أدبارهن فقال أف أف أو يعمل هذا مسلم فقال لي مالك فأشهد على سعيد بن يسار, أنه سأل ابن عمر, فقال: لا بأس به. وروى النسائي أيضاً من طريق يزيد بن رومان, عن عبيد الله بن عبد الله: أن ابن عمر كان لا يرى بأساً أن يأتي الرجل المرأة في دبرها. وروى معمر بن عيسى عن مالك أن ذلك حرام. وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري: حدثني إسماعيل بن حسين, حدثني إسرائيل بن روح, سألت مالك بن أنس: ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن ؟ قال: ما أنتم إلا قوم عرب, هل يكون الحرث إلا موضع الزرع, لا تعدوا الفرج, قلت: يا أبا عبد الله, إنهم يقولون إنك تقول ذلك. قال: يكذبون علي يكذبون علي, فهذا هو الثابت عنه, وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم قاطبة, وهو قول سعيد بن المسيب وأبي سلمة وعكرمة وطاوس وعطاء وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير ومجاهد بن جبر والحسن وغيرهم من السلف, أنهم أنكروا ذلك أشد الأنكار, ومنهم من يطلق على فعله الكفر وهو مذهب جمهور العلماء, وقد حكي في هذا شيء عن بعض فقهاء المدينة حتى حكوه عن الإمام مالك, وفي صحته نظر, قال الطحاوي: روى أصبغ بن الفرج عن عبد الرحمن بن القاسم, قال: ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشك أنه حلال, يعني وطء المرأة في دبرها, ثم قرأ {نساؤكم حرث لكم} ثم قال: فأي شيء أبين من هذا ؟ هذه حكاية الطحاوي, وقد روى الحاكم والدارقطني والخطيب البغدادي عن الإمام مالك من طرق ما يقتضي إباحة ذلك, ولكن في الأسانيد ضعف شديد, وقد استقصاها شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي في جزء جمعه في ذلك, والله أعلم. وقال الطحاوي: حكى لنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, أنه سمع الشافعي يقول: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحليله ولا تحريمه شيء والقياس أنه حلال وقد روى ذلك أبو بكر الخطيب عن أبي سعيد الصيرفي عن أبي العباس الأصم سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول, فذكره, قال أبو نصر الصباغ: كان الربيع يحلف بالله لا إله إلا هو, لقد كذب ـ يعني ابن عبد الحكم ـ على الشافعي في ذلك, لأن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه, والله أعلم.
وقوله {وقدموا لأنفسكم} أي من فعل الطاعات مع امتثال ما أنهاكم عنه من ترك المحرمات, ولهذا قال {واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه} أي فيحاسبكم على أعمالكم جميعها {وبشر المؤمنين} أي المطيعين الله فيما أمرهم, التاركين ما عنه زجرهم. وقال ابن جرير: حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, حدثني محمد بن عبد الله بن واقد, عن عطاء, قال: أراه عن ابن عباس {وقدموا لأنفسكم} قال: تقول باسم الله التسمية عند الجماع, وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله, قال: باسم الله, اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا, فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك, لن يضره الشيطان أبداً».
** وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ أَن تَبَرّواْ وَتَتّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * لاّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِالّلغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَـَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ
يقول تعالى: لا تجعلوا أيمانكم بالله تعالى مانعة لكم من البر وصلة الرحم إذا حلفتم على تركها, كقوله تعالى: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يعفر الله لكم} فالاستمرار على اليمين آثم لصاحبها من الخروج منها بالتكفير, كما قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم, أخبرنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن همام بن منبه, قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «نحن الاَخرون السابقون يوم القيامة» وقال رسول صلى الله عليه وسلم «والله لأن يلجّ أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه» وهكذا رواه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق به, ورواه أحمد عنه به, ثم قال البخاري: حدثنا إسحاق بن منصور, حدثنا يحيى بن صالح, حدثنا معاوية هو ابن سلام, عن يحيى وهو ابن أبي كثير, عن عكرمة عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من استلجّ في أهله بيمين فهو أعظم إثماً, ليس تغني الكفارة» وقال علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} قال: لا تجعلن عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير, ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير, وكذا قال مسروق والشعبي وإبراهيم النخعي ومجاهد وطاوس وسعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومكحول والزهري والحسن وقتادة ومقاتل بن حيان والربيع بن أنس والضحاك وعطاء الخراساني والسدي رحمهم الله, ويؤيد ما قاله هؤلاء الجمهور ما ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني والله إن شاء الله, لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها» وثبت فيهما أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال لعبد الرحمن بن سمرة «يا عبد الرحمن بن سمرة, لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها, وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها, إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير, وكفر عن يمينك» وروى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه, وليفعل الذي هو خير» وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم, حدثنا خليفة بن خياط, حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه, عن جده, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها, فتركها كفارتها» ورواه أبو داود من طريق أبي عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ولا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم, ولا في معصية الله, ولا في قطيعة رحم, ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليدعها وليأت الذي هو خير, فإن تركها كفارتها» ثم قال أبو داود: والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها «فليكفر عن يمينه» وهي الصحاح.
وقال ابن جرير: حدثنا علي بن سعيد الكندي, حدثنا علي بن مسهر عن حارثة بن محمد, عن عمرة, عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من حلف على يمين قطيعة رحم ومعصية فبره أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه» وهذا حديث ضعيف, ثم روى ابن جرير عن ابن عباس وسعيد بن المسيب ومسروق والشعبي أنهم قالوا: لا يمين في معصية ولا كفارة عليها.
وقوله {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} أي لا يعاقبكم ولا يلزمكم بما صدر منكم من الأيمان اللاغية, وهي التي لا يقصدها الحالف بل تجري على لسانه عادة من غير تعقيد ولا تأكيد, كما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «من حلف فقال في حلفه باللات والعزى, فليقل لا إله إلا الله» فهذا قاله لقوم حديثي عهد بجاهلية, قد أسلموا وألسنتهم قد ألفت ما كانت عليه من الحلف باللات من غير قصد, فأمروا أن يتلفظوا بكلمة الإخلاص كما تلفظوا بتلك الكلمة من غير قصد لتكون هذه بهذه, ولهذا قال تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} الاَية, وفي الاَية الأخرى {بما عقدتم الأيمان}. قال أبوداود (باب لغو اليمين) حدثنا حميد بن مسعدة الشامي, حدثنا حيان يعني ابن إبراهيم, حدثنا إبراهيم يعني الصائغ, عن عطاء: في اللغو في اليمين, قال: قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «اللغو في اليمين هو كلام الرجل في بيته: كلا والله, وبلى والله» ثم قال أبو داود: رواه دواد بن الفرات عن إبراهيم الصائغ, عن عطاء عن عائشة موقوفاً, ورواه الزهري وعبد الملك ومالك بن مغول كلهم عن عطاء عن عائشة موقوفاً أيضاً. (قلت) وكذا رواه ابن جريج وابن ليلى عن عطاء عن عائشة موقوفاً, ورواه ابن جرير عن هناد عن وكيع وعبدة وأبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قوله {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} لا والله وبلى والله, ثم رواه عن محمد بن حميد عن سلمة, عن ابن إسحاق, عن هشام, عن أبيه عنها, وبه عن ابن إسحاق عن الزهري عن القاسم عنها, وبه عن سلمة عن ابن أبي نجيح عن عطاء عنها, وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة في قوله {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قالت: هم القوم يتدارؤون في الأمر, فيقول هذا: لا والله, بلى والله, وكلا والله, يتدارؤون في الأمرلا تعقد عليه قلوبهم, وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني, حدثنا عبدة يعني ابن سليمان, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة في قول الله {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قالت: هو قول الرجل: لا والله, وبلى والله. وحدثنا أبي, حدثنا أبو صالح كاتب الليث, حدثني ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة, قال: كانت عائشة تقول: إنما اللغو في المزاحة والهزل, وهو قول الرجل: لا والله, وبلى والله, فذاك لا كفارة فيه, إنما الكفارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله ثم لا يفعله, ثم قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عمر وابن عباس في أحد قوليه, والشعبي وعكرمة في أحد قوليه, وعروة بن الزبير وأبي صالح والضحاك في أحد قوليه, وأبي قلابة والزهري نحو ذلك. (الوجه الثاني) قرىء على يونس بن عبد الأعلى, أخبرنا ابن وهب, أخبرني الثقة عن ابن شهاب عن عروة, عن عائشة أنها كانت تتأول هذه الاَية, يعني قوله {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} وتقول: هو الشيء يحلف عليه أحدكم لا يريد منه إلا الصدق فيكون على غير ما حلف عليه, ثم قال: وروي عن أبي هريرة وابن عباس في أحد قوليه, وسليمان بن يسار وسعيد بن جبير ومجاهد في أحد قوليه, وإبراهيم النخعي في أحد قوليه, والحسن وزرارة بن أوفى وأبي مالك وعطاء الخراساني وبكر بن عبد الله, وأحد قولي عكرمة وحبيب بن أبي ثابت والسدي ومكحول ومقاتل وطاوس وقتادة والربيع بن أنس ويحيى بن سعيد وربيع نحو ذلك. وقال ابن جرير حدثنا محمد بن موسى الحرشي, حدثنا عبد الله بن ميمون المرادي, حدثنا عوف الأعرابي عن الحسن بن أبي الحسن قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينتضلون, يعني يرمون, ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه, فقام رجل من القوم فقال: أصبت والله, وأخطأت والله, فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم للنبي صلى الله عليه وسلم: حنث الرجل يا رسول الله, قال «كلا أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة» هذا مرسل حسن عن الحسن. وقال ابن أبي حاتم: وروي عن عائشة القولان جميعاً, حدثنا عصام بن رواد, أنبأنا آدم, حدثنا شيبان عن جابر, عن عطاء بن أبي رباح, عن عائشة, قالت: هو قوله: لا والله, وبلى والله, وهو يرى أنه صادق ولا يكون كذلك. (أقوال أخر) ـ قال عبد الرزاق, عن هشيم عن مغيرة, عن إبراهيم: هو الرجل يحلف على الشيء ثم ينساه. وقال زيد بن أسلم: هو قول الرجل أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا وكذا, أخرجني الله من مالي إن لم آتك غداً, فهو هذا. قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا مسدد بن خالد, حدثنا خالد, حدثنا عطاء عن طاوس, عن ابن عباس, قال: لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان. وأخبرني أبي: حدثنا أبو الجماهر, حدثنا سعيد بن بشير, حدثني أبو بشر عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: لغو اليمين أن تحرم ما أحل الله لك فذلك ما ليس عليك فيه كفارة, وكذا روي عن سعيد بن جبير. وقال أبو داود (باب اليمين في الغضب) حدثنا محمد بن المنهال, أنبأنا يزيد بن زريع, حدثنا حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب, عن سعيد بن المسيب: أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث, فسأل أحدهما صاحبه القسمة, فقال: إن عدت تسألني عن القسمة فكل ما لي في رتاج الكعبة, فقال له عمر: إن الكعبة غنية عن مالك, كفر عن يمينك, وكلم أخاك, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب عز وجل, ولا في قطيعة الرحم, ولا فيما لا تملك». وقوله {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: هو أن يحلف على الشيء وهو يعلم أنه كاذب, قال مجاهد وغيره, وهي كقوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} الاَية. {والله غفور حليم} أي غفور لعباده حليم عليهم.
تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 35
35 : تفسير الصفحة رقم 35 من القرآن الكريم** وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتّىَ يُؤْمِنّ وَلأمَةٌ مّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مّن مّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتّىَ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مّؤْمِنٌ خَيْرٌ مّن مّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيّنُ آيَاتِهِ لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ
هذا تحريم من الله عز وجل على المؤمنين, أن يتزوجوا المشركات من عبدة الأوثان, ثم إن كان عمومها مراداً, وأنه يدخل فيها كل مشركة من كتابية ووثنية, فقد خص من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين} قال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس في قوله {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}: استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب, وهكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومكحول والحسن والضحاك وزيد بن أسلم والربيع بن أنس وغيرهم. وقيل: بل المراد بذلك المشركون من عبدة الأوثان, ولم يرد أهل الكتاب بالكلية, والمعنى قريب من الأول, والله أعلم. فأما ما رواه ابن جرير: حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني, حدثنا أبي, حدثني عبد الحميد بن بهرام الفزاري, حدثنا شهر بن حوشب, قال: سمعت عبد الله بن عباس يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء, إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات وحرم كل ذات دين غير الإسلام. قال الله عز وجل: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} وقد نكح طلحة بن عبد الله يهودية, ونكح حذيفة بن اليمان نصرانية, فغضب, عمر بن الخطاب غضباً شديداً حتى هم أن يسطو عليهما فقالا نحن نطلق يا أمير المؤمنين ولا تغضب فقال: لئن حل طلاقهن لقد حل نكاحهن, ولكني أنتزعهن منكم صغرة قمأة, فهو حديث غريب جداً, وهذا الأثر غريب عن عمر أيضاً, قال أبو جعفر بن جرير رحمه الله: بعد حكايته الإجماع على إباحة تزويج الكتابيات, وإنما كره عمر ذلك لئلا يزهد الناس في المسلمات أو لغير ذلك من المعاني. كما حدثنا أبو كريب, حدثنا ابن إدريس, حدثنا الصلت بن بهرام عن شقيق, قال: تزوج حذيفة يهودية, فكتب إليه عمر: خلّ سبيلها, فكتب إليه: أتزعم أنها حرام, فأخلي سبيلها ؟ فقال: لا أزعم أنها حرام, ولكني أخاف أن تعاطوا المؤمنات منهن, وهذا إسناد صحيح, وروى الخلال عن محمد بن إسماعيل, عن وكيع, عن الصلت, نحوه, وقال ابن جرير: حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي, حدثنا محمد بن بشر, حدثنا سفيان بن سعيد عن يزيد بن أبي زياد, عن زيد بن وهب, قال: قال عمر بن الخطاب: المسلم يتزوج النصرانية, ولا يتزوج النصراني المسلمة, قال: وهذا أصح إسناداً من الأول, ثم قال: وقد حدثنا تميم بن المنتصر, أخبرنا إسحاق الأزرقي عن شريك, عن أشعث بن سوار, عن الحسن, عن جابر بن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا» ثم قال: وهذا الخبر وإن كان في إسناده ما فيه, فالقول به لإجماع الجميع من الأمة عليه, كذا قال ابن جرير رحمه الله. وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي, حدثنا وكيع عن جعفر بن برقان, عن ميمون بن مهران, عن ابن عمر, أنه كره نكاح أهل الكتاب, وتأول {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ}. وقال البخاري: وقال ابن عمر: لا أعلم شركاً أعظم من أن تقول: ربها عيسى, وقال أبو بكر الخلال الحنبلي: حدثنا محمد بن هارون, حدثنا إسحاق بن إبراهيم وأخبرني محمد بن علي, حدثنا صالح بن أحمد, أنهما سألا أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن قول الله {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ} قال: مشركات العرب الذين يعبدون الأصنام. وقوله {ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم} قال السدي: نزلت في عبد الله بن رواحة, كانت له أمة سوداء فغضب عليها فلطمها, ثم فزع فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرهما, فقال له «ماهي ؟» قال: تصوم وتصلي, وتحسن الوضوء, وتشهد أن لا إله إلا الله, وأنك رسول الله, فقال «يا أبا عبد الله هذه مؤمنة». فقال: والذي بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجنها, ففعل, فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا: نكح أمته وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين, وينكحوهم رغبة في أحسابهم, فأنزل الله {ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم * ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم} وقال عبد بن حميد: حدثنا جعفر بن زياد الإفريقي عن عبد الله بن يزيد, عن عبد الله بن عمرو, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «لا تنكحوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن, ولا تنكحوهن عن أموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن, وأنكحوهن على الدين, فلأمة سوداء جرداء ذات دين أفضل» والإفريقي ضعيف, وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها, فاظفر بذات الدين, تربت يداك» ولمسلم عن جابر مثله, وله عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «الدنيا متاع, وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة» وقوله {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنو} أي لا تزوجوا الرجال المشركين النساء المؤمنات, كما قال تعالى: {لا هن حلّ لهم, ولا هم يحلون لهن} ثم قال تعالى: {ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم} أي ولرجل مؤمن ـ ولو كان عبداً حبشياً ـ خير من مشرك, وإن كان رئيساً سرياً {أولئك يدعون إلى النار} أي معاشرتهم ومخالطتهم, تبعث على حب الدنيا واقتنائها وإيثارها على الدار الاَخرة, وعاقبة ذلك وخيمة {والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه} أي بشرعه وما أمر به وما نهى عنه {ويبين الله آياته للناس لعلهم يتذكرون}.
** وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنّ حَتّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهّرْنَ فَأْتُوهُنّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ يُحِبّ التّوّابِينَ وَيُحِبّ الْمُتَطَهّرِينَ * نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنّىَ شِئْتُمْ وَقَدّمُواْ لأنْفُسِكُمْ وَاتّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوَاْ أَنّكُمْ مّلاَقُوهُ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت, عن أنس, أن اليهود كانت إذا حاضت المرأة منهم لم يواكلوها ولم يجامعوها في البيوت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله عز وجل {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} حتى فرغ من الاَية, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً, إلا خالفنا فيه, فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر, فقالا: يا رسول الله, إن اليهود قالت: كذا وكذا, أفلا نجامعهن ؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما, فخرجا فاستقبلنهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأرسل في آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما, رواه مسلم من حديث حماد بن زيد بن سلمة, فقوله {فاعتزلوا النساء في المحيض} يعني الفرج, لقوله «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» ولهذا ذهب كثير من العلماء أو أكثرهم, إلى أنه يجوز مباشرة الحائض فيما عدا الفرج, قال أبو داود أيضاً: حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد عن أيوب, عن عكرمة, عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم, كان إذا أراد من الحائض شيئاً يلقي على فرجها ثوباً, وقال أبو داود أيضاً: حدثنا القعنبي, حدثنا عبد الله يعني ابن عمر بن غانم, عن عبد الرحمن يعني ابن زياد, عن عمارة بن غراب أن عمة له حدثته أنها سألت عائشة قال: إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها فراش إلا فراش واحد, قالت: أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم, دخل فمضى إلى مسجده, قال أبو داود: تعني مسجد بيتها فما انصرف حتى غلبتني عيني فأوجعه البرد فقال «ادني مني» فقلت: إني حائض, فقال «اكشفي عن فخذيك» فكشفتُ فخذي, فوضع خده وصدره على فخذي وحنيت عليه حتى دفىء ونام صلى الله عليه وسلم, وقال أبو جعفر بن جرير: حدثنا عبد الوهاب, حدثنا أيوب عن كتاب أبي قلابة, أن مسروقاً ركب إلى عائشة فقال: السلام على النبي وعلى أهله, فقالت عائشة: مرحباً مرحباً, فأذنوا له فدخل فقال: إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحي, فقالت: إنما أنا أمك وأنت ابني, فقال: ما للرجل من امرأته وهي حائض ؟ فقالت له: كل شيء إلا فرجها. ورواه أيضاً عن حميد بن مسعدة, عن يزيد بن زريع, عن عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن, عن مروان الأصفر, عن مسروق قال: قلت لعائشة: ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً ؟ قالت: كل شيء إلا الجماع. وهذا قول ابن عباس ومجاهد والحسن وعكرمة, وروى ابن جرير أيضاً عن أبي كريب عن ابن أبي زائدة, عن حجاج, عن ميمون بن مهران, عن عائشة, قالت له: ما فوق الإزار. (قلت) ويحل مضاجعتها ومواكلتها بلا خلاف, قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم, يأمرني فأغسل رأسه وأنا حائض, وكان يتكىء في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن. وفي الصحيح عنها, قالت: كنت أتعرق العرق وأنا حائض فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم, فيضع فمه في الموضع الذي وضعت فمي فيه, وأشرب الشراب فأناوله فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه, وقال أبو داود: حدثنا مسدد, حدثنا يحيى عن جابر بن صبح, سمعت خلاساً الهجري قال: سمعت عائشة تقول: كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعار الواحد وأنا حائض طامث, فإن أصابه مني شيء غسل مكانه لم يعده وإن أصابه ـ يعني ثوبه ـ شيء غسل مكانه لم يعده وصلى فيه, فأما ما رواه أبو داود حدثنا سعيد بن الجبار, حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد, عن أبي اليمان, عن أم ذرة, عن عائشة أنها قالت: كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير, فلم نقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ندن منه حتى نطهر, فهو محمول على التنزه والاحتياط. وقال آخرون: إنما تحل له مباشرتها فيما عدا ما تحت الإزار, كما ثبت في الصحيحين عن ميمونة بنت الحارث الهلالية قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض, وهذا لفظ البخاري, ولهما عن عائشة نحوه, وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث العلاء, عن حزام بن حكيم, عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض ؟ قال: ما فوق الإزار. ولأبي داود أيضاً عن معاذ بن جبل, قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل لي من امرأتي وهي حائض ؟ قال: ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل» وهو رواية عن عائشة كما تقدم وابن عباس وسعيد بن المسيب وشريح. فهذه الأحاديث وما شابهها حجة من ذهب إلى أنه يحل ما فوق الإزار منها, وهو أحد القولين في مذهب الشافعي رحمه الله, الذي رجحه كثير من العراقيين وغيرهم, ومأخذهم أنه حريم الفرج فهو حرام لئلا يتوصل إلى تعاطي ما حرم الله عز وجل الذي أجمع العلماء على تحريمه وهو المباشرة في الفرج, ثم من فعل ذلك فقد أثم, فيستغفر الله ويتوب إليه, وهل يلزمه مع ذلك كفارة أم لا ؟ فيه قولان: (أحدهما) نعم, لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض, يتصدق بدينار أو نصف دينار, وفي لفظ للترمذي «إذا كان دماً أحمر فدينار, وإن كان دماً أصفر فنصف دينار» وللإمام أحمد أيضاً عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, جعل في الحائض تصاب ديناراً, فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل, فنصف دينار. (والقول الثاني) وهو الصحيح الجديد من مذهب الشافعي وقول الجمهور أنه لا شيء في ذلك, بل يستغفر الله عز وجل لأنه لم يصح عندهم رفع هذا الحديث, فإنه قد روي مرفوعاً كما تقدم, وموقوفاً وهو الصحيح عند كثير من أئمة الحديث, فقوله تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} تفسير قوله {فاعتزلوا النساء في المحيض} ونهى عن قربانهن بالجماع ما دام الحيض موجوداً, ومفهومه حله إذا انقطع. قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فيما أملاه في الطاعة: وقوله {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث} الاَية, الطهر يدل على أن يقربها, فلما قالت ميمونة وعائشة: كانت إحدانا إذا حاضت اتزرت ودخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعاره, دل ذلك على أنه إنما أراد الجماع.
وقوله {فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} فيه ندب وإرشاد إلى غشيانهن بعد الاغتسال وذهب ابن حزم إلى وجوب الجماع بعد كل حيضة لقوله {فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} وليس له في ذلك مستند, لأن هذا أمر بعد الحظر. وفيه أقوال لعلماء الأصول منهم من يقول إنه على الوجوب كالمطلق, هؤلاء يحتاجون إلى جواب ابن حزم, ومنهم من يقول: إنه للإباحة, ويجعلون تقدم النهي عليه قرينة صارفة له من الوجوب, وفيه نظر, والذي ينهض عليه الدليل أنه يرد عليه الحكم إلى ما كان عليه الأمر قبل النهي, فإن كان واجباً, فواجب كقوله {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} أو مباحاً فمباح كقوله {وإذا حللتم فاصطادو} {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} وعلى هذا القول تجتمع الأدلة, وقد حكاه الغزالي وغيره, فاختاره بعض أئمة المتأخرين وهو الصحيح, وقد اتفق العلماء على أن المرأة إذا انقطع حيضها لا تحل حتى تغتسل بالماء أو تتيمم إن تعذر ذلك عليها بشرطه, إلا أن أبا حنيفة رحمه الله يقول, فيما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده: أنها تحل بمجرد الانقطاع ولا تفتقر إلى غسل, والله أعلم, وقال ابن عباس {حتى يطهرن} أي من الدم {فإذا تطهرن} أي بالماء, وكذا قال مجاهد وعكرمة والحسن ومقاتل بن حيان والليث بن سعد وغيرهم.
وقوله {من حيث أمركم الله} قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: يعني الفرج. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {فأتوهن من حيث أمركم الله} يقول: في الفرج ولا تعدوه إلى غيره, فمن فعل شيئاً من ذلك فقد اعتدى. وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة {من حيث أمركم الله} أي تعتزلوهن, وفيه دلالة حينئذ على تحريم الوطء في الدبر, كما سيأتي تقريره قريباً إن شاء الله تعالى. وقال أبو رزين وعكرمة والضحاك وغير واحد {فأتوهن من حيث أمركم الله} يعني طاهرات غير حيّض, ولهذا قال {إن الله يحب التوابين} أي من الذنب وإن تكرر غشيانه {ويحب المتطهرين} أي المتنزهين عن الأقذار والأذى, وهو ما نهوا عنه من إتيان الحائض أو في غير المأتى.
وقوله {نساؤكم حرث لكم} قال ابن عباس: الحرث موضع الولد {فأتوا حرثكم أنى شئتم} أي كيف شئتم, قال: سمعت جابراً قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول, فنزلت {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} ورواه مسلم وأبو داود من حديث سفيان الثوري به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى, أخبرنا ابن وهب, أخبرني مالك بن أنس وابن جريج وسفيان بن سعيد الثوري: أن محمد بن المنكدر حدثهم: أن جابر بن عبد الله أخبره أن اليهود قالوا للمسلمين: من أتى امرأة وهي مدبرة جاء الولد أحول, فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال ابن جريج في الحديث: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج» وفي حديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري, عن أبيه, عن جده, أنه قال: يا رسول الله, نساؤنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال «حرثك ائت حرثك أنى شئت, غير أن لا تضرب الوجه, ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت» الحديث, رواه أحمد وأهل السنن.
(حديث آخر) ـ قال ابن أبي حاتم حدثنا يونس, أخبرنا ابن وهب, أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب, عن عامر بن يحيى, عن حنش بن عبد الله, عن عبد الله بن عباس, قال: أتى ناس من حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسألوه عن أشياء, فقال له رجل: إني أحب النساء فكيف ترى في ؟ فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} ورواه الإمام أحمد, حدثنا يحيى بن غيلان, حدثنا رشدين, حدثني الحسن بن ثوبان عن عامر بن يحيى المغافري عن حنش, عن ابن عباس, قال: أنزلت هذه الاَية {نساؤكم حرث لكم} في أناس من الأنصار أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ائتها على كل حال إذا كان في الفرج».
(حديث آخر) ـ قال أبو جعفر الطحاوي في كتابه مشكل الحديث: حدثنا أحمد بن داود بن موسى, حدثنا يعقوب بن كاسب, حدثنا عبد الله بن نافع عن هشام بن سعد, عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن أبي سعيد الخدري, أن رجلاً أصاب امرأة في دبرها, فأنكر الناس عليه ذلك, فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم} الاَية, ورواه ابن جرير عن يونس, عن يعقوب, ورواه الحافظ أبو يعلى الموصلي عن الحارث بن شريح, عن عبد الله بن نافع به.
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا وهيب, حدثنا عبيد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الله بن سابط, قال: دخلت على حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر, فقلت: إني لسائلك عن أمر وأنا أستحي أن أسألك, قالت: فلا تستحي يا ابن أخي, قال: عن إتيان النساء في أدبارهن ؟ قالت: حدثتني أم سلمة أن الأنصار كانوا يحبون النساء وكانت اليهود تقول: إنه من أحبى امرأته, كان ولده أحول, فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصار فأحبوهن, فأبت امرأة أن تطيع زوجها وقالت: لن تفعل ذلك حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدخلت على أم سلمة فذكرت لها ذلك, فقالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم, استحت الأنصارية أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فخرجت فسألته أم سلمة, فقال: ادعي «الأنصارية» فدعتها, فتلا عليها هذه الاَية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} «صماماً واحداً». ورواه الترمذي عن بندار, عن ابن مهدي, عن سفيان, عن أبي خثيم به, وقال حسن. (قلت) وقد روي من طريق حماد بن أبي حنيفة عن أبيه, عن ابن خثيم, عن يوسف بن ماهك, عن حفصة أم المؤمنين ان امرأة أتتها, فقالت: إن زوجي يأتيني مجبية ومستقبلة فكرهته, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال «لا بأس إذا كان في صمام واحد».
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا حسن, حدثنا يعقوب يعني القمي, عن جعفر, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله هلكت, قال ما الذي أهلكك ؟ قال: حولت رحلي البارحة, قال, فلم يرد عليه شيئاً. قال: فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاَية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} «أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة». ورواه الترمذي عن عبد بن حميد, عن حسن بن موسى الأشيب به, وقال: حسن غريب. وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا الحارث بن شريح, حدثنا عبد الله بن نافع, حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن أبي سعيد, قال: أثفر رجل امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أثفر فلان امرأته, فأنزل الله عز وجل: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}. قال أبو داود: حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ, قال: حدثني محمد يعني ابن سلمة, عن محمد بن إسحاق, عن أبان بن صالح, عن مجاهد عن ابن عباس, قال: إن ابن عمر قال ـ والله يغفر له ـ أوهم وإنما كان الحي من الأنصار, وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود, وهم أهل كتاب, وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم, فكانوا يقتدون كثيراً من فعلهم, وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة, فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم, وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحاً منكراً, ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات, فلما قدم المهاجرون المدينة, تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار, فذهب يصنع بها ذلك, فأنكرته عليه, وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف, فأصنع ذلك, وإلا فاجتنبني, فسرى أمرهما فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعني بذلك موضوع الولد, تفرد به أبو داود, ويشهد له بالصحة ما تقدم له من الأحاديث ولا سيما رواية أم سلمة, فإنها مشابهة لهذا السياق, وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو القاسم الطبراني من طريق محمد بن إسحاق, عن أبان بن صالح, عن مجاهد, قال, عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته, أوقفه عند كل آية منه, وأسأله عنها, حتى انتهيت إلى هذه الاَية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال ابن عباس: إن هذا الحي من قريش كانوا يشرحون النساء بمكة ويتلذذون بهن, فذكر القصة بتمام سياقها, وقول ابن عباس إن ابن عمر ـ والله يغفر له ـ أوهم, كأنه يشير إلى ما رواه البخاري: حدثنا إسحاق حدثنا النضر بن شميل, أخبرنا ابن عون عن نافع, قال, كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه, فأخذت عنه يوماً فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان قال: أتدري فيم أنزلت ؟ قلت: لا. قال: أنزلت في كذا وكذا, ثم مضى, وعن عبد الصمد قال, حدثني أبي, حدثنا أيوب عن نافع, عن ابن عمر {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: أن يأتيها في... هكذا رواه البخاري, وقد تفرد به من هذا الوجه. وقال ابن جرير, حدثني يعقوب, حدثنا ابن عون عن نافع, قال قرأت ذات يوم {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال ابن عمر أتدري فيم نزلت ؟ قلت: لا. قال: نزلت في إيتان النساء في أدبارهن. وحدثني أبو قلابة. حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث, حدثني أبي عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: في الدبر. وروي من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر ولا يصح. وروى النسائي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, عن أبي بكر بن أبي أويس, عن سليمان بن بلال, عن زيد بن أسلم, عن ابن عمر, أن رجلاً أتى امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك وجداً شديداً, فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}. قال أبو حاتم الرازي, لو كان هذا عند زيد بن أسلم عن ابن عمر, لما أولع الناس بنافع, وهذا تعليل منه لهذا الحديث. وقد رواه عبد الله بن نافع عن داود بن قيس, عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن ابن عمر, فذكره, وهذا الحديث محمول على ما تقدم وهو أنه يأتيها في قبلها من دبرها, لما رواه النسائي عن علي بن عثمان النفيلي عن سعيد بن عيسى, عن الفضل بن فضالة عن عبد الله بن سليمان الطويل, عن كعب بن علقمة, عن أبي النضر, أنه أخبره أنه قال لنافع مولى ابن عمر, أنه قد أكثر عليك القول, أنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن, قال: كذبوا عليّ, ولكن سأحدثك كيف كان الأمر, إن ابن عمر عرض المصحف يوماً وأنا عنده حتى بلغ {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال: يا نافع, هل تعلم من أمر هذه الاَية ؟ قلت: لا. قال, إنا كنا معشر قريش نجبي النساء, فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردن منها مثل ما كنا نريد, فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن, فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} وهذا إسناد صحيح, وقد رواه ابن مردويه عن الطبراني, عن الحسين بن إسحاق, عن زكريا بن يحيى الكاتب العمري, عن مفضل بن فضالة, عن عبد الله بن عياش, عن كعب بن علقمة, فذكره, وقد روينا عن ابن عمر خلاف ذلك صريحاً, وأنه لا يباح ولا يحل كما سيأتي, وإن كان قد نسب هذا القول إلى طائفة من فقهاء المدينة وغيرهم, وعزاه بعضهم إلى الإمام مالك في كتاب السر, وأكثر الناس ينكر أن يصح ذلك عن الإمام مالك رحمه الله. وقد وردت الأحاديث المروية من طرق متعددة بالزجر عن فعله وتعاطيه, فقال الحسن بن عرفة: حدثنا إسماعيل بن عياش عن سهيل بن أبي صالح, عن محمد بن المنكدر, عن جابر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «استحيوا إن الله لا يستحي من الحق, لا يحل أن تأتوا النساء في حشوشهن». وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن عبد الله بن شداد, عن خزيمة بن ثابت, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها.
(طريق أخرى) قال أحمد: حدثنا يعقوب, سمعت أبي يحدث عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد, أن عبيد الله بن الحصين الوالبي حدثه أن عبد الله الواقفي, حدثه أن خزيمة بن ثابت الخطمي, حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «استحيوا إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن» رواه النسائي وابن ماجه من طريق عن خزيمة بن ثابت وفي إسناده اختلاف كثير.
(حديث آخر) قال أبو عيسى الترمذي والنسائي: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو خالد الأحمر عن الضحاك بن عثمان, عن مخرمة بن سليمان عن كريب, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلاً أو امرأة في الدبر» ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب, وهكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه, وصححه ابن حزم أيضاً, ولكن رواه النسائي أيضاً عن هناد, عن وكيع, عن الضحاك به موقوفاً. وقال عبد: أخبرنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن ابن طاوس, عن أبيه, أن رجلاً سأل ابن عباس عن إتيان المرأة في دبرها, قال: تسألني عن الكفر, إسناده صحيح, وكذا رواه النسائي من طريق ابن المبارك عن معمر به نحوه, وقال عبد أيضاً في تفسيره: حدثنا إبراهيم بن الحاكم عن أبيه عن عكرمة, قال, جاء رجل إلى ابن عباس وقال: كنت آتي أهلي في دبرها, وسمعت قول الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فظننت أن ذلك لي حلال, فقال: يا لكع إنما قوله: {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في أقبالهن لا تعدوا ذلك إلى غيره.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد, حدثنا قتادة عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده, أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: «الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى» وقال عبد الله بن أحمد: حدثني هدبة, حدثنا همام, قال: سئل قتادة عن الذي يأتي امرأته في دبرها, فقال قتادة: أخبرنا عمرو بن شعيب عن أبيه, عن جده, أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: «هي اللوطية الصغرى». قال قتادة: وحدثني عقبة بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, عن أبي أيوب, عن عبد الله بن عمرو بن العاص قوله, وهذا أصح, والله أعلم. وكذلك رواه عبد بن حميد عن يزيد بن هارون, عن حميد الأعرج, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن عبد الله بن عمرو موقوفاً من قوله.
(طريق أخرى) قال جعفر الفريابي: حدثنا ابن لهيعة عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم, عن أبي عبد الرحمن الحبلي, عن عبد الله بن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة, ولا يزكيهم, ويقول ادخلوا النار مع الداخلين: الفاعل, والمفعول به, والناكح يده, وناكح البهيمة, وناكح المرأة في دبرها, وجامع بين المرأة وابنتها, والزاني بحليلة جاره, ومؤذي جاره حتى يلعنه» ابن لهيعة وشيخه ضعيفان.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا سفيان عن عاصم, عن عيسى بن حطان, عن مسلم بن سلام, عن علي بن طلق, قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤتى النساء في أدبارهن, فإن الله لا يستحي من الحق, وأخرجه أحمد أيضاً عن أبي معاوية وأبي عيسى الترمذي من طريق أبي معاوية أيضاً, عن عاصم الأحول به, وفيه زيادة, وقال: هو حديث حسن, ومن الناس من يورد هذا الحديث في مسند علي بن أبي طالب كما وقع في مسند الإمام أحمد بن حنبل, والصحيح أنه علي بن طلق.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن سهيل بن أبي صالح, عن الحارث بن مخلد, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «إن الذي يأتي امرأته في دبرها لا ينظر الله إليه». وقال أحمد أيضاً حدثنا عفان, حدثنا وهيب, حدثنا سهيل عن الحارث بن مخلد, عن أبي هريرة يرفعه, قال «لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها», وكذا رواه ابن ماجه من طريق سهيل وقال أحمد أيضاً: حدثنا وكيع عن سهيل بن أبي صالح. عن الحارث بن مخلد, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ملعون من أتى امرأته في دبرها», وهكذا رواه أبو داود والنسائي من طريق وكيع به.
(طريق أخرى) قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: أخبرنا أحمد بن القاسم بن الريان, حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي, حدثنا هناد ومحمد بن إسماعيل واللفظ له, قالا: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح, عن أبيه, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ملعون من أتى امرأة في دبرها» ليس هذا الحديث هكذا في سنن النسائي, وإنما الذي فيه عن سهيل عن الحارث بن مخلد كما تقدم, قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: ورواية أحمد بن القاسم بن الريان هذا الحديث بهذا السند, وهم منه وقد ضعفوه.
(طريق أخرى) ـ رواها مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء بن عبد الرحمن, عن أبيه, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «ملعون من أتى النساء في أدبارهن» ومسلم بن خالد فيه كلام, والله أعلم.
(طريق أخرى) ـ رواها الإمام أحمد وأهل السنن من حديث حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم, عن أبي تميمة الهجيمي, عن أبي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه, فقد كفر بما أنزل على محمد» وقال الترمذي: ضعف البخاري هذا الحديث, والذي قاله البخاري في حديثالترمذي عن أبي تيمية: لا يتابع على حديثه.
(طريق أخرى) ـ قال النسائي: حدثنا عثمان بن عبد الله, حدثنا سليمان بن عبد الرحمن من كتابه عن عبد الملك بن محمد الصنعاني, عن سعيد بن عبد العزيز, عن الزهري, عن أبي سلمة رضي الله عنه, عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «استحيوا من الله حق الحياء لا تأتوا النساء في أدبارهن» تفرد به النسائي من هذا الوجه. قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ: هذا حديث منكر باطل من حديث الزهري ومن حديث أبي سلمة ومن حديث سعيد فإن كان عبد الملك سمعه من سعيد, فإنما سمعه بعد الاختلاف, وقد رواه الترمذي عن أبي سلمة أنه كان ينهي عن ذلك, فأما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, فلا, انتهى كلامه, وقد أجاد وأحسن الانتقاد, إلا أن عبد الملك بن محمد الصنعاني لا يعرف أنه اختلط, ولم يذكر ذلك أحد غير حمزة عن الكناني وهو ثقة, ولكن تكلم فيه دحيم وأبو حاتم وابن حبان, وقال: لا يجوز الاحتجاج به, والله أعلم. وقد تابعه زيد بن يحيى بن عبيد عن سعيد بن عبد العزيز. وروي من طريقين آخرين عن أبي سلمة, ولا يصح منها كل شيء.
(طريق أخرى) ـ قال النسائي: حدثنا إسحاق بن منصور, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, عن سفيان الثوري, عن ليث بن أبي سليم, عن مجاهد, عن أبي هريرة, قال: إتيان الرجال النساء في أدبارهن كفر, ثم رواه النسائي من طريق الثوري عن ليث, عن مجاهد, عن أبي هريرة مرفوعاً, وكذا رواه من طريق علي بن نديمة عن مجاهد, عن أبي هريرة موقوفاً, ورواه بكر بن خنيس عن ليث, عن مجاهد, عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: «من أتى شيئاً من الرجال والنساء في الأدبار فقد كفر» والموقف أصح, وبكر بن خنيس ضعفه غير واحد من الأئمة, وتركه آخرون.
(حديث آخر) ـ قال محمد بن أبان البلخي: حدثنا وكيع, حدثني زمعة بن صالح عن ابن طاوس, عن أبيه, وعن عمرو بن دينار, عن عبيد الله بن يزيد بن الهاد, قالا: قال عمر بن الخطاب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله لا يستحي من الحق, لا تأتوا النساء في أدبارهن» وقد رواه النسائي, حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني عن عثمان بن اليمان عن زمعة بن صالح, عن ابن طاوس عن أبيه, عن ابن الهاد, عن عمر, قال: لا تأتوا النساء في أدبارهن وحدثنا إسحاق بن إبراهيم, حدثنا يزيد بن أبي حكيم عن زمعة بن صالح, عن عمرو بن دينار, عن طاوس, عن عبد الله بن الهاد الليثي, قال: قال عمر رضي الله عنه: استحيوا من الله فإن الله لا يستحي من الحق, لا تأتوا النساء في أدبارهن, والموقوف أصح.
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا غندر ومعاذ بن معاذ, قالا: حدثنا شعبة عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان, عن مسلم بن سلام, عن طلق بن يزيد أو يزيد بن طلق, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الله لا يستحي من الحق, لا تأتوا النساء في أستاههن» وكذا رواه غير واحد عن شعبة, ورواه عبد الرزاق عن معمر, عن عاصم الأحول, عن عيسى بن حطان, عن مسلم بن سلام, عن طلق بن علي, والأشبه أنه علي بن طلق كما تقدم, والله أعلم.
(حديث آخر) ـ قال أبو بكر الأثرم في سننه: حدثنا أبو مسلم الحرمي, حدثنا أخو أنيس بن إبراهيم, أن أباه إبراهيم بن عبد الرحمن بن القعقاع أخبره عن أبيه أبي القعقاع, عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «محاش النساء حرام» وقد رواه إسماعيل بن عليه وسفيان الثوري وشعبة وغيرهم عن أبي عبد الله الشقري واسمه سلمة بن تمام ثقة, عن أبي القعقاع عن ابن مسعود موقوفاً وهو أصح.
(طريق أخرى) ـ قال ابن عدي: حدثنا أبو عبد الله المحاملي, حدثنا سعيد بن يحيى الثوري, حدثنا محمد بن حمزة, عن زيد بن رفيع, عن أبي عبيدة, عن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تأتوا النساء في أعجازهن» محمد بن حمزة هو الجزري وشيخه فيهما مقال. وقد روي من حديث أبي بن كعب والبراء بن عازب وعقبة بن عامر وأبي ذر وغيرهم, وفي كل منها مقال لا يصح معه الحديث, والله أعلم. وقال الثوري, عن الصلت بن بهرام, عن أبي المعتمر, عن أبي جويرية, قال: سأل رجل علياً عن إتيان المرأة في دبرها, فقال: سفلت, سفل الله بك, ألم تسمع قول الله عز وجل: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين}. وقد تقدم قول ابن مسعود وأبي الدرداء وأبي هريرة وابن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه يحرمه. قال أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله الدارمي في مسنده: حدثنا عبد الله بن صالح, حدثنا الليث عن الحارث بن يعقوب, عن سعيد بن يسار أبي الحباب, قال: قلت: لابن عمر: ما تقول في الجواري أيحمض لهن ؟ قال: وما التحميض ؟ فذكر الدبر, فقال: وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين ؟ وكذا رواه ابن وهب وقتيبة عن الليث به وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك. فكل ما ورد عنه مما يحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم. قال ابن جرير: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم, حدثنا أبو زيد أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن أبي العمر, حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بن أنس, أنه قيل له: يا أبا عبد الله, إن الناس يروون عن سالم بن عبد الله أنه قال: كذب العبد أو العلج علي أبي عبد الله قال مالك أشهد علىَ يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر مثل ما قال نافع. فقيل له فإن الحارث بن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال له يا أبا عبد الرحمن إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن ؟ فقال وما التحميض ؟ فذكر له الدبر, فقال: ابن عمر: أف أف! وهل يفعل ذلك مؤمن, أو قال مسلم ؟ فقال مالك: أشهد على ربيعة لأخبرني عن أبي الحباب عن ابن عمر مثل ما قال نافع. وروى النسائي عن الربيع بن سليمان, عن أصبغ بن الفرج الفقيه, حدثنا عبد الرحمن بن القاسم, قال: قلت لمالك: إن عندنا بمصر الليث بن سعد يحدث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن ؟ قال: وما التحميض ؟ قلت: نأتيهن في أدبارهن فقال أف أف أو يعمل هذا مسلم فقال لي مالك فأشهد على سعيد بن يسار, أنه سأل ابن عمر, فقال: لا بأس به. وروى النسائي أيضاً من طريق يزيد بن رومان, عن عبيد الله بن عبد الله: أن ابن عمر كان لا يرى بأساً أن يأتي الرجل المرأة في دبرها. وروى معمر بن عيسى عن مالك أن ذلك حرام. وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري: حدثني إسماعيل بن حسين, حدثني إسرائيل بن روح, سألت مالك بن أنس: ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن ؟ قال: ما أنتم إلا قوم عرب, هل يكون الحرث إلا موضع الزرع, لا تعدوا الفرج, قلت: يا أبا عبد الله, إنهم يقولون إنك تقول ذلك. قال: يكذبون علي يكذبون علي, فهذا هو الثابت عنه, وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم قاطبة, وهو قول سعيد بن المسيب وأبي سلمة وعكرمة وطاوس وعطاء وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير ومجاهد بن جبر والحسن وغيرهم من السلف, أنهم أنكروا ذلك أشد الأنكار, ومنهم من يطلق على فعله الكفر وهو مذهب جمهور العلماء, وقد حكي في هذا شيء عن بعض فقهاء المدينة حتى حكوه عن الإمام مالك, وفي صحته نظر, قال الطحاوي: روى أصبغ بن الفرج عن عبد الرحمن بن القاسم, قال: ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشك أنه حلال, يعني وطء المرأة في دبرها, ثم قرأ {نساؤكم حرث لكم} ثم قال: فأي شيء أبين من هذا ؟ هذه حكاية الطحاوي, وقد روى الحاكم والدارقطني والخطيب البغدادي عن الإمام مالك من طرق ما يقتضي إباحة ذلك, ولكن في الأسانيد ضعف شديد, وقد استقصاها شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي في جزء جمعه في ذلك, والله أعلم. وقال الطحاوي: حكى لنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, أنه سمع الشافعي يقول: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحليله ولا تحريمه شيء والقياس أنه حلال وقد روى ذلك أبو بكر الخطيب عن أبي سعيد الصيرفي عن أبي العباس الأصم سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول, فذكره, قال أبو نصر الصباغ: كان الربيع يحلف بالله لا إله إلا هو, لقد كذب ـ يعني ابن عبد الحكم ـ على الشافعي في ذلك, لأن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه, والله أعلم.
وقوله {وقدموا لأنفسكم} أي من فعل الطاعات مع امتثال ما أنهاكم عنه من ترك المحرمات, ولهذا قال {واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه} أي فيحاسبكم على أعمالكم جميعها {وبشر المؤمنين} أي المطيعين الله فيما أمرهم, التاركين ما عنه زجرهم. وقال ابن جرير: حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, حدثني محمد بن عبد الله بن واقد, عن عطاء, قال: أراه عن ابن عباس {وقدموا لأنفسكم} قال: تقول باسم الله التسمية عند الجماع, وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله, قال: باسم الله, اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا, فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك, لن يضره الشيطان أبداً».
** وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ أَن تَبَرّواْ وَتَتّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * لاّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِالّلغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَـَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ
يقول تعالى: لا تجعلوا أيمانكم بالله تعالى مانعة لكم من البر وصلة الرحم إذا حلفتم على تركها, كقوله تعالى: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يعفر الله لكم} فالاستمرار على اليمين آثم لصاحبها من الخروج منها بالتكفير, كما قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم, أخبرنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن همام بن منبه, قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «نحن الاَخرون السابقون يوم القيامة» وقال رسول صلى الله عليه وسلم «والله لأن يلجّ أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه» وهكذا رواه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق به, ورواه أحمد عنه به, ثم قال البخاري: حدثنا إسحاق بن منصور, حدثنا يحيى بن صالح, حدثنا معاوية هو ابن سلام, عن يحيى وهو ابن أبي كثير, عن عكرمة عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من استلجّ في أهله بيمين فهو أعظم إثماً, ليس تغني الكفارة» وقال علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} قال: لا تجعلن عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير, ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير, وكذا قال مسروق والشعبي وإبراهيم النخعي ومجاهد وطاوس وسعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومكحول والزهري والحسن وقتادة ومقاتل بن حيان والربيع بن أنس والضحاك وعطاء الخراساني والسدي رحمهم الله, ويؤيد ما قاله هؤلاء الجمهور ما ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني والله إن شاء الله, لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها» وثبت فيهما أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال لعبد الرحمن بن سمرة «يا عبد الرحمن بن سمرة, لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها, وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها, إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير, وكفر عن يمينك» وروى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه, وليفعل الذي هو خير» وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم, حدثنا خليفة بن خياط, حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه, عن جده, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها, فتركها كفارتها» ورواه أبو داود من طريق أبي عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ولا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم, ولا في معصية الله, ولا في قطيعة رحم, ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليدعها وليأت الذي هو خير, فإن تركها كفارتها» ثم قال أبو داود: والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها «فليكفر عن يمينه» وهي الصحاح.
وقال ابن جرير: حدثنا علي بن سعيد الكندي, حدثنا علي بن مسهر عن حارثة بن محمد, عن عمرة, عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من حلف على يمين قطيعة رحم ومعصية فبره أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه» وهذا حديث ضعيف, ثم روى ابن جرير عن ابن عباس وسعيد بن المسيب ومسروق والشعبي أنهم قالوا: لا يمين في معصية ولا كفارة عليها.
وقوله {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} أي لا يعاقبكم ولا يلزمكم بما صدر منكم من الأيمان اللاغية, وهي التي لا يقصدها الحالف بل تجري على لسانه عادة من غير تعقيد ولا تأكيد, كما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «من حلف فقال في حلفه باللات والعزى, فليقل لا إله إلا الله» فهذا قاله لقوم حديثي عهد بجاهلية, قد أسلموا وألسنتهم قد ألفت ما كانت عليه من الحلف باللات من غير قصد, فأمروا أن يتلفظوا بكلمة الإخلاص كما تلفظوا بتلك الكلمة من غير قصد لتكون هذه بهذه, ولهذا قال تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} الاَية, وفي الاَية الأخرى {بما عقدتم الأيمان}. قال أبوداود (باب لغو اليمين) حدثنا حميد بن مسعدة الشامي, حدثنا حيان يعني ابن إبراهيم, حدثنا إبراهيم يعني الصائغ, عن عطاء: في اللغو في اليمين, قال: قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «اللغو في اليمين هو كلام الرجل في بيته: كلا والله, وبلى والله» ثم قال أبو داود: رواه دواد بن الفرات عن إبراهيم الصائغ, عن عطاء عن عائشة موقوفاً, ورواه الزهري وعبد الملك ومالك بن مغول كلهم عن عطاء عن عائشة موقوفاً أيضاً. (قلت) وكذا رواه ابن جريج وابن ليلى عن عطاء عن عائشة موقوفاً, ورواه ابن جرير عن هناد عن وكيع وعبدة وأبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قوله {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} لا والله وبلى والله, ثم رواه عن محمد بن حميد عن سلمة, عن ابن إسحاق, عن هشام, عن أبيه عنها, وبه عن ابن إسحاق عن الزهري عن القاسم عنها, وبه عن سلمة عن ابن أبي نجيح عن عطاء عنها, وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة في قوله {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قالت: هم القوم يتدارؤون في الأمر, فيقول هذا: لا والله, بلى والله, وكلا والله, يتدارؤون في الأمرلا تعقد عليه قلوبهم, وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني, حدثنا عبدة يعني ابن سليمان, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة في قول الله {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قالت: هو قول الرجل: لا والله, وبلى والله. وحدثنا أبي, حدثنا أبو صالح كاتب الليث, حدثني ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة, قال: كانت عائشة تقول: إنما اللغو في المزاحة والهزل, وهو قول الرجل: لا والله, وبلى والله, فذاك لا كفارة فيه, إنما الكفارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله ثم لا يفعله, ثم قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عمر وابن عباس في أحد قوليه, والشعبي وعكرمة في أحد قوليه, وعروة بن الزبير وأبي صالح والضحاك في أحد قوليه, وأبي قلابة والزهري نحو ذلك. (الوجه الثاني) قرىء على يونس بن عبد الأعلى, أخبرنا ابن وهب, أخبرني الثقة عن ابن شهاب عن عروة, عن عائشة أنها كانت تتأول هذه الاَية, يعني قوله {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} وتقول: هو الشيء يحلف عليه أحدكم لا يريد منه إلا الصدق فيكون على غير ما حلف عليه, ثم قال: وروي عن أبي هريرة وابن عباس في أحد قوليه, وسليمان بن يسار وسعيد بن جبير ومجاهد في أحد قوليه, وإبراهيم النخعي في أحد قوليه, والحسن وزرارة بن أوفى وأبي مالك وعطاء الخراساني وبكر بن عبد الله, وأحد قولي عكرمة وحبيب بن أبي ثابت والسدي ومكحول ومقاتل وطاوس وقتادة والربيع بن أنس ويحيى بن سعيد وربيع نحو ذلك. وقال ابن جرير حدثنا محمد بن موسى الحرشي, حدثنا عبد الله بن ميمون المرادي, حدثنا عوف الأعرابي عن الحسن بن أبي الحسن قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينتضلون, يعني يرمون, ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه, فقام رجل من القوم فقال: أصبت والله, وأخطأت والله, فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم للنبي صلى الله عليه وسلم: حنث الرجل يا رسول الله, قال «كلا أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة» هذا مرسل حسن عن الحسن. وقال ابن أبي حاتم: وروي عن عائشة القولان جميعاً, حدثنا عصام بن رواد, أنبأنا آدم, حدثنا شيبان عن جابر, عن عطاء بن أبي رباح, عن عائشة, قالت: هو قوله: لا والله, وبلى والله, وهو يرى أنه صادق ولا يكون كذلك. (أقوال أخر) ـ قال عبد الرزاق, عن هشيم عن مغيرة, عن إبراهيم: هو الرجل يحلف على الشيء ثم ينساه. وقال زيد بن أسلم: هو قول الرجل أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا وكذا, أخرجني الله من مالي إن لم آتك غداً, فهو هذا. قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا مسدد بن خالد, حدثنا خالد, حدثنا عطاء عن طاوس, عن ابن عباس, قال: لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان. وأخبرني أبي: حدثنا أبو الجماهر, حدثنا سعيد بن بشير, حدثني أبو بشر عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: لغو اليمين أن تحرم ما أحل الله لك فذلك ما ليس عليك فيه كفارة, وكذا روي عن سعيد بن جبير. وقال أبو داود (باب اليمين في الغضب) حدثنا محمد بن المنهال, أنبأنا يزيد بن زريع, حدثنا حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب, عن سعيد بن المسيب: أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث, فسأل أحدهما صاحبه القسمة, فقال: إن عدت تسألني عن القسمة فكل ما لي في رتاج الكعبة, فقال له عمر: إن الكعبة غنية عن مالك, كفر عن يمينك, وكلم أخاك, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب عز وجل, ولا في قطيعة الرحم, ولا فيما لا تملك». وقوله {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: هو أن يحلف على الشيء وهو يعلم أنه كاذب, قال مجاهد وغيره, وهي كقوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} الاَية. {والله غفور حليم} أي غفور لعباده حليم عليهم.
الصفحة رقم 35 من المصحف تحميل و استماع mp3