تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 458 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 458

458 : تفسير الصفحة رقم 458 من القرآن الكريم

سورة الزمر
وهي مكية
قال النسائي حدثنا محمد بن النضر بن مساور حدثنا حماد عن مروان أبي لبابة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: ما يريد أن يفطر, ويفطر حتى نقول: ما يريد أن يصوم, وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في كل ليلة بني إسرائيل والزمر.

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ

** تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً لّهُ الدّينِ * أَلاَ لِلّهِ الدّينُ الْخَالِصُ وَالّذِينَ اتّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرّبُونَآ إِلَى اللّهِ زُلْفَىَ إِنّ اللّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفّارٌ * لّوْ أَرَادَ اللّهُ أَن يَتّخِذَ وَلَداً لاّصْطَفَىَ مِمّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ
يخبر تعالى أن تنزيل هذا الكتاب وهو القرآن العظيم من عنده تبارك وتعالى فهو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك كما قال عز وجل: {وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين} وقال تبارك وتعالى: {وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} وقال جل وعلا ها هنا: {تنزيل الكتاب من الله العزيز} أي المنيع الجناب {الحكيم} أي في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين} أي فاعبد الله وحده لا شريك له وادع الخلق إلى ذلك وأعلمهم أنه لا تصلح العبادة إلا له وحده وأنه ليس له شريك ولا عديل ولا نديد ولهذا قال تعالى: {ألا لله الدين الخالص} أي لا يقبل من العمل إلا ما أخلص فيه العامل لله وحده لا شريك له.
وقال قتادة في قوله تبارك وتعالى: {ألا لله الدين الخالص} شهادة أن لا إله إلا الله ثم أخبر عز وجل عن عباد الأصنام من المشركين أنهم يقولون {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} أي إنما يحملهم على عبادتهم لهم أنهم عمدوا إلى أصنام اتخذوها على صور الملائكة المقربين في زعمهم فعبدوا تلك الصور تنزيلاً لذلك منزلة عبادتهم الملائكة ليشفعوا لهم عند الله تعالى في نصرهم ورزقهم وما ينوبهم من أمور الدنيا فأما المعاد فكانوا جاحدين له كافرين به. قال قتادة والسدي ومالك عن زيد بن أسلم وابن زيد: {إلا ليقربونا إلى الله زلفى} أي ليشفعوا لنا ويقربونا عنده منزلة ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهليتهم لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك. وهذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون قديم الدهر وحديثه وجاءتهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بردّها والنهي عنها والدعوة إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له وأنّ هذا شيء اخترعه المشركون من عند أنفسهم لم يأذن الله فيه ولا رضي به بل أبغضه ونهى عنه {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} وأخبر أن الملائكة التي في السموات من الملائكة المقربين وغيرهم كلهم عبيد خاضعون لله لا يشفعون)عنده إلا بإذنه لمن ارتضى وليسوا عنده كالأمراء عند ملوكهم يشفعون عندهم بغير إذنهم فيما أحبه الملوك وأبوه {فلا تضربوا لله الأمثال} تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وقوله عز وجل: {إن الله يحكم بينهم} أي يوم القيامة {فيما هم فيه يختلفون} أي سيفصل بين الخلائق يوم معادهم ويجزي كل عامل بعمله {ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للملائكة أَهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ؟ قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون} وقوله عز وجل: {إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} أي لا يرشد إلى الهداية من قصده الكذب والافتراء على الله تعالى وقلبه كافر بآياته وحججه وبراهينه, ثم بين تعالى أنه لا ولد له كما يزعمه جهلة المشركين في الملائكة والمعاندون من اليهود والنصارى في العزير وعيسى فقال تبارك وتعالى: {لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء} أي لكان الأمر على خلاف ما يزعمون وهذا شرط لا يلزم وقوعه ولا جوازه بل هو محال وإنما قصد تجهيلهم فيما ادعوه وزعموه كما قال عز وجل: {لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين} {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} كل هذا من باب الشرط ويجوز تعليق الشرط على المستحيل لمقصد المتكلم.
وقوله تعالى: {سبحانه هو الله الواحد القهار} أي تعالى وتنزه وتقدس عن أن يكون له ولد, فإنه الواحد الأحد الفرد الصمد, الذي كل شيء عبد لديه فقير إليه وهو الغني عما سواه الذي قد قهر الأشياء فدانت وذلت وخضعت تبارك وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً.