تفسير الطبري تفسير الصفحة 458 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 458
459
457
 الآية : 84-86
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{قَالَ فَالْحَقّ وَالْحَقّ أَقُولُ * لأمْلأنّ جَهَنّمَ مِنكَ وَمِمّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ * قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ الْمُتَكَلّفِينَ }.
اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: قالَ فـالـحَقّ والـحَقّ أقُولُ فقرأه بعض أهل الـحجاز وعامة الكوفـيـين برفع الـحقّ الأوّل, ونصب الثانـي. وفـي رفع الـحقّ الأوّل إذا قُرىء كذلك وجهان: أحدهما رفعه بضمير لله الـحقّ, أو أنا الـحقّ وأقول الـحقّ. والثانـي: أن يكون مرفوعا بتأويـل قوله: لاَءَمَلأَنّ فـيكون معنى الكلام حينئذٍ: فـالـحقّ أن أملأ جهنـم منك, كما يقول: عزمة صادقة لاَتـينك, فرفع عزمة بتأويـل لاَتـينك, لأن تأويـله أن آتـيك, كما قال: ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ لَـيَسْجُنُنّهُ فلا بدّ لقوله: بَدَا لَهُمْ من مرفوع, وهو مضمر فـي الـمعنى. وقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض الـمكيـين والكوفـيـين بنصب الـحقّ الأوّل والثانـي كلـيهما, بـمعنى: حقا لأملأن جهنـم والـحقّ أقول, ثم أدخـلت الألف واللام علـيه, وهو منصوب, لأن دخولهما إذا كان كذلك معنى الكلام وخروجهما منه سواء, كما سواء قولهم: حمدا لله, والـحمد لله عندهم إذا نصب. وقد يحتـمل أن يكون نصبه علـى وجه الإغراء بـمعنى: الزموا الـحقّ, واتبعوا الـحقّ, والأوّل أشبه لأن خطاب من الله لإبلـيس بـما هو فـاعل به وبتُبّـاعه. وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب أن يقال: إنهما قراءتان مستفـيضتان فـي قرأة الأمصار, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب, لصحة معنـيـيهما.
وأما الـحقّ الثانـي, فلا اختلاف فـي نصبه بـين قرّاء الأمصار كلهم, بـمعنى: وأقول الـحقّ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
23097ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن الأعمش, عن مـجاهد, فـي قوله: فـالـحَقّ والـحَقّ أقُولُ يقول الله: أنا الـحقّ, والـحقّ أقول.
23098ـ وحُدثت عن ابن أبـي زائدة, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد فـالـحَقّ والـحَقّ أقُولُ يقول الله: الـحقّ منـي, وأقول الـحقّ.
حدثنا أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا حجاج, عن هارون, قال: حدثنا أبـان بن تغلب, عن طلـحة الـيامي, عن مـجاهد, أنه قرأها فـالـحَقّ بـالرفع والـحَقّ أقُولُ نصبـا وقال: يقول الله: أنا الـحقّ, والـحقّ أقول.
23099ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: الـحَقّ والـحَقّ أقُولُ قال: قسم أقسم الله به.
وقوله: لاَءَمْلأَنّ جَهَنّـمَ مِنْكَ يقول لإبلـيس: لأملأنّ جهنـم منك ومـمن تبعك من بنـي آدم أجمعين. وقوله: قُلْ ما أسأَلُكُمْ عَلَـيْهِ مِنْ أَجْرٍ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد لـمشركي قومك, القائلـين لك أأُنْزِلَ عَلَـيْهِ الذّكْرُ مِنْ بَـيْنِنا: ما أسألكم علـى هذا الذكر وهو القرآن الذي أتـيتكم به من عند الله أجرا, يعنـي ثوابـا وجزاء وما أنا مِنَ الـمُتَكَلّفِـينَ يقول: وما أنا مـمن يتكلف تـخرّصَه وافتراءه, فتقولون: إنْ هَذَا إِلاّ إفْكٌ افَتَراهُ و إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاَقٌ كما:
23100ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: قُلْ ما أسألُكُمْ عَلَـيهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أنا مِنَ الـمُتَكَلّفِـينَ قال: لا أسألكم علـى القرآن أجرا تعطونـي شيئا, وما أنا من الـمتكلفـين أتـخرّص وأتكلف ما لـم يأمرنـي الله به.
الآية : 87 -88
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لّلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء الـمشركين من قومك: إنْ هُوَ يعنـي: ما هذا القرآن إلاّ ذِكْرٌ يقول: إلا تذكير من الله للْعالَـمِينَ من الـجنّ والإنس, ذكرهم ربهم إرادة استنقاذ من آمن به منهم من الهَلَكة. وقوله: وَلَتَعْلَـمُنّ نَبأَهُ بَعحدَ حِينٍ يقول: ولتعلـمنّ أيها الـمشركون بـالله من قُرَيش نبأه, يعنـي: نبأ هذا القرآن, وهو خبره, يعنـي حقـيقة ما فـيه من الوعد والوعيد بعد حين. وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
23101ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلَتَعْلَـمُنّ نَبأَهُ قال: صدق هذا الـحديث نبأ ما كذّبوا به. وقـيـل: نبأه حقـيقة أمر مـحمد صلى الله عليه وسلم أنه نبـيّ.
ثم اختلفوا فـي مدة الـحِين الذي ذكره الله فـي هذا الـموضع: ما هي, وما نهايتها؟ فقال بعضهم: نهايتها الـموت. ذكر من قال ذلك:
23102ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَتَعْلَـمُنّ نَبأَهُ بَعْدَ حِينٍ: أي بعد الـموت وقال الـحسن: يا ابن آدم عند الـموت يأتـيك الـخبر الـيقـين.
وقال بعضهم: كانت نهايتها إلـى يوم بدر. ذكر من قال ذلك:
23103ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: وَلَتَعْلَـمُنّ نَبأَهُ بَعْدَ حِينٍ قال: يوم بدر.
وقال بعضهم: يوم القـيامة. وقال بعضهم: نهايتها القـيامة. ذكر من قال ذلك:
23104ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلَتَعْلَـمُنّ نَبأَهُ بَعْدَ حِينٍ قال: يوم القـيامة يعلـمون نبأ ما كذّبوا به بعد حين من الدنـيا وهو يوم القـيامة. وقرأ: لِكُلّ نَبأٍ مُسْتَقَرٌ وَسَوْفَ تَعْلَـمُونَ قال: وهذا أيضا الاَخرة يستقرّ فـيها الـحقّ, ويبطُل البـاطل.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن الله أعلـم الـمشركين الـمكذّبـين بهذا القرآن أنهم يعلـمون نبأه بعد حين من غير حدّ منه لذلك الـحين بحدّ, وقد علـم نبأه من أحيائهم الذين عاشوا إلـى ظهور حقـيقته, ووضوح صحته فـي الدنـيا, ومنهم من علـم حقـيقة ذلك بهلاكه ببدر, وقبل ذلك, ولا حدّ عند العرب للـحين, لا يُجاوَز ولا يقصر عنه. فإذ كان ذلك كذلك فلا قول فـيه أصحْ من أن يطلَق كما أطلقه الله من غير حصر ذلك علـى وقت دون وقت. وبنـحو الذين قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
23105ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا أيوب, قال: قال عكرمة: سُئِلْت عن رجل حلف أن لا يصنع كذا وكذا إلـى حين, فقلت: إن من الـحين حينا لا يُدرك, ومن الـحين حِينٌ يُدرك, فـالـحين الذي لا يُدرك قوله: وَلَتَعْلَـمُنّ نَبأَهُ بَعْدَ حِينٍ, والـحين الذي يُدرك قوله: تُؤْتِـي أُكُلَها كُلّ حِينٍ بإذْن رَبّها وذلك من حين تُصْرَم النـخـلة إلـى حين تُطْلِع, وذلك ستة أشهر.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة ص

سورة الزمر مكية
وآياتها خمس وسبعون
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1-2
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً لّهُ الدّينِ }.
يقول تعالـى ذكره: تَنْزِيـلُ الكِتابِ الذي نزّلناه علـيك يا مـحمد مِنَ اللّهِ العَزِيزِ فـي انتقامه من أعدائه الـحَكِيـمِ فـي تدبـيره خـلقه, لا من غيره, فلا تكوننّ فـي شكّ من ذلك ورفع قوله: تَنْزِيـلُ بقوله: مِنَ اللّهِ. وتأويـل الكلام: من الله العزيز الـحكيـم تنزيـل الكتاب. وجائز رفعه بإضمار هذا, كما قـيـل: سُورَةٌ أنْزَلْناها غير أن الرفع فـي قوله: تَنْزِيـلُ الكِتابِ بـما بعده, أحسن من رفع سورة بـما بعدها, لأن تنزيـل, وإن كان فعلاً, فإنه إلـى الـمعرفة أقرب, إذ كان مضافـا إلـى معرفة, فحسن رفعه بـما بعده, ولـيس ذلك بـالـحسن فـي «سُورَةٌ», لأنه نكرة.
وقوله: إنّا أنْزَلْنا إلَـيْكَ الكِتابَ بـالـحَقّ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: إنا أنزلنا إلـيك يا مـحمد الكتاب, يعنـي بـالكتاب: القرآن بـالـحقّ يعنـي بـالعدل يقول: أنزلنا إلـيك هذا القرآن يأمر بـالـحقّ والعدل, ومن ذلك الـحقّ والعدل أن تعبد الله مخـلِصا له الدين, لأن الدين له لا للأوثان التـي لا تـملك ضرّا ولا نفعا. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله: الكِتابَ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
23106ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إنّا أنْزَلْنا إلَـيْكَ الكِتابَ بـالـحَقّ يعنـي: القرآن.
وقوله: فـاعْبُدِ اللّهِ مُخْـلِصا لَهُ الدّينَ يقول تعالـى ذكره: فـاخشع لله يا مـحمد بـالطاعة, وأخـلص له الألوهة, وأفرده بـالعبـادة, ولا تـجعل له فـي عبـادتك إياه شريكا, كما فَعَلَتْ عَبَدة الأوثان. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
23107ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن حفص, عن شمر, قال: يؤتـي بـالرجل يوم القـيامة للـحساب وفـي صحيفته أمثال الـجبـال من الـحسنات, فـيقول ربّ العزّة جلّ وعزّ: صَلّـيت يوم كذا وكذا, لـيقال: صلّـى فلان أنا الله لا إله إلا أنا, لـي الدين الـخالص. صمتَ يوم كذا وكذا, لـيقال: صام فلان أنا الله لا آله إلا أنا لـي الدين الـخالص, تصدّقت يوم كذا وكذا, لـيقال: تصدّق فلان أنا الله لا إله إلا أنا لـي الدين الـخالص فما يزال يـمـحو شيئا بعد شيء حتـى تبقـى صحيفته ما فـيها شيء, فـيقول ملكاه: يا فلان, ألغير الله كنت تعمل.
23108ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, أما قوله: مُخْـلِصا لَهُ الدّينَ فـالتوحيد, والدين منصوب بوقوع مخـلصا علـيه.
وقوله: ألا لِلّهِ الدّينُ الـخالِصُ يقول تعالـى ذكره: ألا لله العبـادة والطاعة وحده لا شريك له, خالصة لا شرك لأحد معه فـيها, فلا ينبغي ذلك لأحد, لأن كل ما دونه ملكه, وعلـى الـمـملوك طاعة مالكه لا من لا يـملك منه شيئا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
23109ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ألا لِلّهِ الدّينُ الـخالِصُ شهادة أن لا إله إلا الله.
وقوله: وَالّذِينَ اتّـخَذُوا مِنْ دُونِهِ أوْلِـياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِـيُقَرّبُونا إلـى اللّهِ زُلْفَـى يقول تعالـى ذكره: والذين اتـخذوا من دون الله أولـياء يَتَولّونهم, ويعبدونهم من دون الله, يقولون لهم: ما نعبدكم أيها الاَلهة إلا لتقربونا إلـى الله زُلْفَـى, قربة ومنزلة, وتشفعوا لنا عنده فـي حاجاتنا وهي فـيـما ذُكر فـي قراءة أبـيّ: «ما نَعْبُدُكُمْ», وفـي قراءة عبد الله: «قالُوا ما نَعْبُدُهُمْ» وإنـما حسُن ذلك لأن الـحكاية إذا كانت بـالقول مضمرا كان أو ظاهرا, جعل الغائب أحيانا كالـمخاطب, ويترك أخرى كالغائب, وقد بـيّنت ذلك فـي موضعه فـيـما مضى.
23110ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: هي فـي قراءة عبد الله: «قالُوا ما نَعْبُدُهُمْ».
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
23111ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: ما نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِـيُقَرّبُونا إلـى اللّهِ زُلْفَـى قال: قريش تقوله للأوثان, ومن قَبْلَهم يقوله للـملائكة ولعيسى ابن مريـم ولعزَيز.
23112ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَالّذِينَ اتّـخَذُوا مِنْ دُونِهِ أوْلِـياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِـيُقَرّبُونا إلـى اللّهِ زُلْفَـى قالوا: ما نعبد هؤلاء إلا لـيقرّبونا, إلا لـيشفعُوا لنا عند الله.
23113ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: ما نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِـيُقَرَبونا إلـى اللّهِ زُلْفَـى قال: هي منزلة.
23114ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنا معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَالّذِينَ اتّـخَذُوا مِنْ دُونِهِ أوْلِـياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِـيُقَرّبُونا إلـى اللّهِ زُلْفَـى.
وقوله: وَلَوْ شاءَ الله ما أشْرَكُوا يقول سبحانه: لو شئت لـجمعتهم علـى الهدى أجمعين.
23115ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: ما نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِـيُقَرّبونا إلـى الله زُلْفَـى قال: قالوا هم شفعاؤنا عند الله, وهم الذين يقرّبوننا إلـى الله زلفـي يوم القـيامة للأوثان, والزلفـى: القُرَب.
وقوله: إنّ اللّهَ يَحْكُمُ بَـيْنَهُمْ فِـيـما هُمْ فِـيهِ يَخْتَلِفُونَ يقول تعالـى ذكره: إن الله يفصل بـين هؤلاء الأحزاب الذين اتـخذوا فـي الدنـيا من دون الله أولـياء يوم القـيامة, فـيـما هم فـيه يختلفون فـي الدنـيا من عبـادتهم ما كانوا يعبدون فـيها, بأن يُصْلِـيَهم جميعا جهنـم, إلا من أخـلص الدين لله, فوحده, ولـم يشرك به شيئا.
الآية : 3-4
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلاَ لِلّهِ الدّينُ الْخَالِصُ وَالّذِينَ اتّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرّبُونَآ إِلَى اللّهِ زُلْفَىَ إِنّ اللّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفّارٌ * لّوْ أَرَادَ اللّهُ أَن يَتّخِذَ وَلَداً لاّصْطَفَىَ مِمّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ }.
يقول تعالـى ذكره: إنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي إلـى الـحقّ ودينه الإسلام, والإقرار بوحدانـيته, فـيوفقه له مَنْ هُوَ كاذِبٌ مفتر علـى الله, يتقوّل علـيه البـاطل, ويضيف إلـيه ما لـيس من صفته, ويزعم أن له ولدا افتراء علـيه, كفـار لنعمه, جحود لربوبـيته. وقوله: لَوْ أرَادَ اللّهُ أنْ يَتّـخِذَ وَلِدا يقول تعالـى ذكره: لو شاء الله اتـخاذ ولد, ولا ينبغي له ذلك, لاصطفـى مـما يخـلق ما يشاء, يقول: لاختار من خـلقه ما يشاء. وقوله: سُبْحانَهُ هُوَ اللّهُ الوَاحِدُ القَهّارُ يقول: تنزيها لله عن أن يكون له ولد, وعما أضاف إلـيه الـمشركون به من شركهم هُوَ اللّهُ يقول: هو الذي يَعْبده كلّ شيء, ولو كان له ولد لـم يكن له عبدا, يقول: فـالأشياء كلها له ملك, فأنى يكون له ولد, وهو الواحد الذي لا شريك له فـي مُلكه وسلطانه, والقهار لـخـلقه بقدرته, فكل شيء له متذلّل, ومن سطوته خاشع.
الآية : 5
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقّ يُكَوّرُ اللّيْـلَ عَلَى النّهَـارِ وَيُكَوّرُ النّـهَارَ عَلَى اللّيْلِ وَسَخّـرَ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ كُـلّ يَجْرِي لأجَـلٍ مّسَـمّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفّارُ }.
يقول تعالـى ذكره واصفـا نفسه بصفتها: خَـلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضَ بـالـحَقّ يَكُوّرُ اللّـيْـلَ علـى النهارِ وَيُكَوّرُ النّهارَ علـى اللّـيْـلِ يقول: يغشّي هذا علـى هذا, وهذا علـى هذا, كما قال يُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهارِ وَيُولِـجُ النّهارَ فِـي اللّـيْـلِ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
23116ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: يُكَوّرُ اللّـيْـلَ عَلـى النّهارِ وَيُكَوّرُ النّهارَ عَلـى اللّـيْـلِ يقول: يحمل اللـيـل علـى النهار.
23117ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد قوله: يُكَوّرُ اللّـيْـلَ علـى النّهارِ قال: يدهوره.
23118ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يُكَوّرُ اللّـيْـلَ علـى النّهارِ وَيُكَوّرُ النّهارَ علـى اللّـيْـلِ قال: يَغْشَي هذا هذا, ويَغْشَي هذا هذا.
23119ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قوله: يُكَوّرُ اللّـيْـلَ علـى النّهارِ ويُكَوّرُ النّهارَ علـى اللّـيْـلِ قال: يجيء بـالنهار ويذهب بـاللـيـل, ويجيء بـاللـيـل, ويذهب بـالنهار.
23120ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: يُكَوّرُ اللّـيْـلَ علـى النّهارِ ويُكَوّرُ النّهارَ علـى اللّـيْـلِ حين يذهب بـاللـيـل ويكوّر النهار علـيه, ويذهب بـالنهار ويكوّر اللـيـل علـيه.
وقوله: وَسَخّرَ الشّمْسَ والقَمَرَ يقول تعالـى ذكره: وسخر الشمس والقمر لعبـاده, لـيعلـموا بذلك عدد السنـين والـحساب, ويعرفوا اللـيـل من النهار لـمصلـحة معاشهم كُلّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمّى يقول: كُلّ ذلك يعنـي الشمس والقمر يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمّى يعنـي إلـى قـيام الساعة, وذلك إلـى أن تكوّر الشمس, وتنكدر النـجوم. وقـيـل: معنى ذلك: أن لكل واحد منهما منازل, لا تعدوه ولا تقصر دونه ألا هُوَ العَزِيزُ الغَفّـارُ يقول تعالـى ذكره: ألا إن الله الذي فعل هذه الأفعال وأنعم علـى خـلقه هذه النعم هو العزيز فـي انتقامه مـمن عاداه, الغفـار لذنوب عبـاده التائبـين إلـيه منها بعفوه لهم عنها