تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 468 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 468

468 : تفسير الصفحة رقم 468 من القرآن الكريم

** الّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلّذِينَ آمَنُواْ رَبّنَا وَسِعْتَ كُـلّ شَيْءٍ رّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلّذِينَ تَابُواْ وَاتّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الّتِي وَعَدْتّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرّيّاتِهِمْ إِنّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السّيّئَاتِ وَمَن تَقِ السّيّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
يخبر تعالى عن الملائكة المقربين من حملة العرش الأربعة ومن حوله من الملائكة الكروبيين بأنهم يسبحون بحمد ربهم أي يقرنون بين التسبيح الدال على نفي النقائص والتحميد المقتضي لإثبات صفات المدح {ويؤمنون به} أي خاشعون له أذلاء بين يديه وأنهم {يستغفرون للذين آمنو} أي من أهل الأرض ممن آمنوا بالغيب فقيض الله تعالى ملائكته المقربين أن يدعوا للمؤمنين بظهر الغيب كما ثبت في صحيح مسلم «إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك آمين ولك بمثله». وقد قال الإمام أحمد حدثنا عبد الله بن محمد وهو ابن أبي شبية حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدق أمية بن أبي الصلت في شيء من شعره» فقال:
زحل وثور تحت رجل يمينهوالنسر للأخرى وليث مرصد

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدق» فقال:
والشمس تطلع كل آخر ليلةحمراء يصبح لونها يتورد تأبى فما تطلع لنا في رسلهاإلا معذبة وإلا تجلد
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدق» وهذا إسناد جيد وهو يقتضي أن حملة العرش اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة كانوا ثمانية كما قال تعالى: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} وهنا سؤال وهو أن يقال ما الجمع بين المفهوم من هذه الاَية ودلالة هذا الحديث ؟ وبين الحديث الذي رواه أبو داود حدثنا محمد بن الصباح البزار حدثنا الوليد بن أبي ثور عن سماك عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: كنت بالبطحاء في عصابة فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت بهم سحابة فنظر إليها فقال: «ما تسمون هذه ؟» قالوا السحاب, قال: «والمزن» قالوا والمزن قال: «والعنان» قالوا والعنان, قال أبو داود ولم أتقن العنان جيداً, قال: «هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض ؟» قالوا لا ندري, قال «بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة ثم السماء فوقها كذلك حتى عد سبع سموات, ثم فوق السماء السابعة بحر ما بين أسفله وأعلاه مثل بين سماء إلى سماء, ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين السماء إلى سماء ثم على ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله تبارك وتعالى فوق ذلك». ثم رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث سماك بن حرب به وقال الترمذي حسن غريب, وهذا يقتضي أن حملة العرش ثمانية كما قال شهر بن حوشب رضي الله عنه: حملة العرش ثمانية: أربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك, وأربعة يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك ولهذا يقولون إذا استغفروا للذين آمنوا {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلم} أي رحمتك تسع ذنوبهم وخطاياهم وعلمك محيط بجميع أعمالهم وأقوالهم وحركاتهم وسكناتهم {فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك} أي فاصفح عن المسيئين إذا تابوا وأنابوا وأقلعوا عما كانوا فيه واتبعوا ما أمرتهم به من فعل الخيرات وترك المنكرات {وقهم عذاب الجحيم} أي وزحزحهم عن عذاب الجحيم وهو العذاب الموجع الأليم {ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم} أي اجمع بينهم وبينهم لتقر بذلك أعينهم بالاجتماع في منازل متجاورة كما قال تبارك وتعالى: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء} أي ساوينا بين الكل في المنزلة لتقر أعينهم وما نقصنا العالي حتى يساوي الداني بل رفعنا ناقص العمل فساويناه بكثير العمل تفضلاً منا ومنة. وقال سعيد بن جبير إن المؤمن إذا دخل الجنة سأل عن أبيه وابنه وأخيه أين هم ؟ فيقال إنهم لم يبلغوا طبقتك في العمل فيقول إني إنما عملت لي ولهم فيلحقون به في الدرجة ثم تلا سعيد بن جبير هذه الاَية {ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم} قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: أنصح عباد الله للمؤمنين الملائكة ثم تلا هذه الأية {ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم} الاَية وأغش عباده للمؤمنين الشياطين. وقوله تبارك وتعالى: {إنك أنت العزيز الحكيم} أي الذي لا يمانع ولا يغالب وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن الحكيم في أقوالك وأفعالك من شرعك وقدرك {وقهم السيئات} أي فعلها أو وبالها ممن وقعت منه {ومن تق السيئات يومئذ} أي يوم القيامة {فقد رحمته} أي لطفت به ونجيته من العقوبة {وذلك هو الفوز العظيم}.

** إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللّهِ أَكْبَرُ مِن مّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ * قَالُواْ رَبّنَآ أَمَتّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىَ خُرُوجٍ مّن سَبِيلٍ * ذَلِكُم بِأَنّهُ إِذَا دُعِيَ اللّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَالْحُكْمُ للّهِ الْعَلِـيّ الْكَبِيرِ * هُوَ الّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزّلُ لَكُم مّنَ السّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكّرُ إِلاّ مَن يُنِيبُ * فَادْعُواْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ
يقول تعالى مخبراً عن الكفار إنهم ينادون يوم القيامة وهم في غمرات النيران يتلظون وذلك عندما باشروا من عذاب الله تعالى ما لا قبل لأحد به فمقتوا عند ذلك أنفسهم وأبغضوها غاية البغض بسبب ما أسلفوا من الأعمال السيئة التي كانت سبب دخولهم إلى النار فأخبرتهم الملائكة عند ذلك إخباراً عالياً نادوهم نداء بأن مقت الله تعالى لهم في الدنيا حين كان يعرض عليهم الإيمان فيكفرون أشد من مقتكم أيها المعذبون أنفسكم اليوم في هذه الحالة. قال قتادة في قوله تعالى: {لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون} يقول لمقت الله أهل الضلالة حين عرض عليهم الإيمان في الدنيا فتركوه وأبوا أن يقبلوه أكبر مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب الله يوم القيامة, وهكذا قال الحسن البصري ومجاهد والسدي وذر بن عبيد الله الهمداني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وابن جرير الطبري رحمة الله عليهم أجمعين. وقوله: {قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} قال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود رضي الله عنه هذه الاَية كقوله تعالى: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون} وكذا قال ابن عباس والضحاك وقتادة وأبو مالك وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية. وقال السدي أميتوا في الدنيا ثم أحيوا في قبورهم فخوطبوا, ثم أميتوا ثم أحيوا يوم القيامة, وقال ابن زيد: أحيوا حين أخذ عليهم الميثاق من صلب آدم عليه السلام ثم خلقهم في الأرحام ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة, وهذان القولان من السدي وابن زيد ضعيفان لأنه يلزمهما على ما قالا ثلاث إحياءات وإماتات, والصحيح قول ابن مسعود وابن عباس ومن تابعهما, والمقصود من هذا كله أن الكفار يسألون الرجعة وهم وقوف بين يدي الله عز وجل في عرصات القيامة كما قال عز وجل: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون} فلا يجابون ثم إذا رأوا النار وعاينوها ووقفوا عليها ونظروا إلى ما فيها من العذاب والنكال سألوا الرجعة أشد مما سألوا أول مرة فلا يجابون قال الله تعالى: {ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين * بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} فإذا دخلوا النار وذاقوا مسّها وحسيسها ومقامعها وأغلالها كان سؤالهم للرجعة أشد وأعظم {وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل, أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ؟ فذوقوا فما للظالمين من نصير} {ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون * قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون} وفي هذه الاَية الكريمة تلطفوا في السؤال وقدموا بين يدي كلامهم مقدمة وهي قولهم {ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} أي قدرتك عظيمة فإنك أحييتنا بعد ما كنا أمواتاً ثم أمتنا ثم أحييتنا فأنت قادر على ما تشاء, وقد اعترفنا بذنوبنا وإننا كنا ظالمين لأنفسنا في الدار الدنيا {فهل إلى خروج من سبيل} أي فهل أنت مجيبنا إلى أن تعيدنا إلى الدار الدنيا فإنك قادر على ذلك لنعمل غير الذي كنا نعمل فإن عدنا إلى ماكنا فيه فإنا ظالمون, فأجيبوا أن لا سبيل إلى عودكم ومرجعكم إلى الدار الدنيا, ثم علل المنع من ذلك بأن سجاياكم لا تقبل الحق ولا تقتضيه بل تجحده وتنفيه, ولهذا قال تعالى: {ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنو} أي أنتم هكذا تكونون وإن رددتم إلى الدار الدنيا كما قال عز وجل: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} وقوله جل وعلا: {فالحكم لله العلي الكبير} أي هو الحاكم في خلقه العادل الذي لا يجور فيهدي من يشاء ويضل من يشاء ويرحم من يشاء ويعذب من يشاء لا إله إلا هو, وقوله جل جلاله: {هو الذي يريكم آياته} أي يظهر قدرته لخلقه بما يشاهدونه في خلقه العلوي والسفلي من الاَيات العظيمة الدالة على كمال خالقها ومبدعها ومنشئها {وينزل لكم من السماء رزق} وهو المطر الذي يخرج به من الزروع والثمار ما هو مشاهد بالحس من اختلاف ألوانه وطعومه وروائحه وأشكاله وألوانه وهو ماء واحد فبالقدرة العظيمة فاوت بين هذه الأشياء {وما يتذكر} أي يعتبر ويتفكر في هذه الأشياء ويستدل بها على عظمة خالقها {إلا من ينيب} أي من هو بصير منيب إلى الله تبارك وتعالى وقوله عز وجل: {فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون} أي فأخلصوا لله وحده العبادة والدعاء وخالفوا المشركين في مسلكهم ومذهبهم. قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا هشام يعني بن عروة بن الزبير عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن مدرس المكي قال: كان عبد الله بن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن, لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون, قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة, ورواه مسلم وأبو داود والنسائي من طرق عن هشام بن عروة وحجاج بن أبي عثمان وموسى بن عقبة ثلاثتهم عن أبي الزبير عن عبد الله بن الزبير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له» وذكر تمامه. وقد ثبت في الصحيح عن ابن الزبير رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عقب الصلوات المكتوبات: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله, لا إله إلا الله, ولا نعبد إلا إياه, له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن, لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون». وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع حدثنا الخصيب بن ناصع حدثنا صالح يعني المري عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ادعوا الله تبارك وتعالى وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله تعالى لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه».

** رَفِيعُ الدّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىَ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التّلاَقِ * يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىَ عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْوَاحِدِ الْقَهّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَىَ كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ
يقول تعالى مخبراً عن عظمته وكبريائه وارتفاع عرشه العظيم العالي على جميع مخلوقاته كالسقف لها كما قال تعالى: {من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان أن هذه مسافة ما بين العرش إلى الأرض السابعة في قول جماعة من السلف والخلف وهو الأرجح إن شاء الله وقد ذكر غير واحد أن العرش من ياقوتة حمراء اتساع ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة. وارتفاعه عن الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة وقد تقدم في حديث الأوعال ما يدل على ارتفاعه عن السموات السبع بشيء عظيم. وقوله تعالى: {يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده} كقوله جلت عظمته: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون} وكقوله تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين} ولهذا قال عز وجل: {لينذر يوم التلاق} قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يوم التلاق اسم من أسماء يوم القيامة حذر الله منه عباده, وقال ابن جريج قال ابن عباس رضي الله عنهما يلتقي فيه آدم وآخر ولده وقال ابن زيد يلتقي فيه العباد. وقال قتادة والسدي وبلال بن سعد وسفيان بن عيينة يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض والخالق والخلق, وقال ميمون بن مهران يلتقي الظالم والمظلوم, وقد يقال إن يوم التلاق يشمل هذا كله ويشمل أن كل عامل سيلقى ما عمله من خير وشر كما قاله آخرون.
وقوله جل جلاله: {يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء} أي ظاهرون بادون كلهم لا شيء يكنهم ولا يظلهم ولا يسترهم ولهذا قال: {يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء} أي الجميع في علمه على السواء. وقوله تبارك وتعالى: {لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار} قد تقدم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه تعالى يطوي السموات والأرض بيده ثم يقول أنا الملك أنا الجبار أنا المتكبر, أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ وفي حديث الصور أنه عز وجل إذا قبض أرواح جميع خلقه فلم يبق سواه وحده لا شريك له حينئذ يقول لمن الملك اليوم ؟ ثلاث مرات ثم يجيب نفسه قائلاً {لله الواحد القهار} أي الذي هو وحده قد قهر كل شيء وغلبه. وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن غالب الدقاق حدثنا عبيد بن عبيدة حدثنا معتمر عن أبيه حدثنا أبو نضرة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ينادي مناد بين يدي الساعة يا أيها الناس أتتكم الساعة فيسمعها الأحياء والأموات قال وينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا ويقول: {لمن الملك اليوم, لله الواحد القهار}. وقوله جلت عظمته: {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب} يخبر تعالى عن عدله في حكمه بين خلقه أنه لا يظلم مثقال ذرة من خير ولا من شر بل يجزي بالحسنة عشر أمثالها وبالسيئة واحدة قال تبارك وتعالى: {لا ظلم اليوم} كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ـ إلى أن قال ـ يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم إياها, فمن وجد خيراً فليحمد الله تبارك وتعالى, ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» وقوله عز وجل: {إن الله سريع الحساب} أي يحاسب الخلائق كلهم كما يحاسب نفساً واحدة كما قال جل وعلا: {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة} وقال جل جلاله: {وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر}.