تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 47 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 47

47 : تفسير الصفحة رقم 47 من القرآن الكريم

** الّذِينَ يَأْكُلُونَ الرّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَالُوَاْ إِنّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرّبَا وَأَحَلّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرّمَ الرّبَا فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مّنْ رّبّهِ فَانْتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
لما ذكر تعالى الأبرار المؤدين النفقات, المخرجين الزكوات, المتفضلين بالبر والصدقات لذوي الحاجات والقرابات في جميع الأحوال والأوقات, شرع في ذكر أكلة الربا وأموال الناس بالباطل وأنواع الشبهات, فأخبر عنهم يوم خروجهم من قبورهم وقيامهم منها, إلى بعثهم ونشورهم, فقال {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}, أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه, وتخبط الشيطان له, وذلك أنه يقوم قياماً منكراً. وقال ابن عباس: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً يخنق, رواه ابن أبي حاتم, قال: وروي عن عوف بن مالك وسعيد بن جبير والسدي والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيان نحو ذلك, وحكي عن عبد الله بن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومقاتل بن حيان أنهم قالوا في قوله {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} يعني لا يقومون يوم القيامة, وكذا قال ابن أبي نجيح عن مجاهد والضحاك وابن زيد, وروى ابن أبي حاتم من حديث أبي بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حنيف, عن أبي عبد الله بن مسعود, عن أبيه, أنه كان يقرأ {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس يوم القيامة} وقال ابن جرير: حدثني المثنى, حدثنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا ربيعة بن كلثوم, حدثنا أبي, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: يقال يوم القيامة لاَكل الربا: خذ سلاحك للحرب, وقرأ {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} وذلك حين يقوم من قبره. وفي حديث أبي سعيد في الإسراء, كما هو مذكور في سورة سبحان, أنه عليه السلام مر ليلتئذ بقوم لهم أجواف مثل البيوت, فسأل عنهم, فقيل: هؤلاء أكلة الربا. رواه البيهقي مطولاً, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا الحسن بن موسى, عن حماد بن سلمة, عن علي بن زيد, عن أبي الصلت, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات تجري من خارج بطونهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل ؟ قال: هؤلاء أكلة الربا». ورواه الإمام أحمد, عن حسن وعفان وكلاهما عن حماد بن سلمه به, وفي إسناده ضعف. وقد روى البخاري عن سمرة بن جندب في حديث المنام الطويل: فأتينا على نهر, حسبت أنه كان يقول: أحمر مثل الدم, وإذا في النهر رجل سابح يسبح, وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة, وإذا ذلك السابح يسبح, ثم يأتي الذي قد جمع الحجارة عنده, فيفغر له فاه فيلقمه حجراً, نذكر في تفسيره أنه آكل الربا.
وقوله {ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا, وأحل الله البيع وحرم الرب}, أي إنما جوزوا بذلك لاعتراضهم على أحكام الله في شرعه, وليس هذا قياساً منهم للربا على البيع, لأن المشركين لا يعترفون بمشروعية أصل البيع الذي شرعه الله في القرآن ولو كان هذا من باب القياس لقالوا: إنما الربا مثل البيع, وإنما قالوا: {إنما البيع مثل الرب} أي هو نظيره, فلم حرم هذا وأبيح هذا ؟ وهذا اعتراض منهم على الشرع, أي هذا مثل هذا, وقد أحل هذا وحرم هذا, وقوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الرب} يحتمل أن يكون من تمام الكلام رداً عليهم, أي على ما قالوه من الاعتراض, مع علمهم بتفريق الله بين هذا وهذا حكماً, وهو العليم الحكيم الذي لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون, وهو العالم بحقائق الأمور ومصالحها وما ينفع عباده فيبيحه لهم, وما يضرهم ينهاهم عنه, وهو أرحم بهم من الوالدة بولدها الطفل, ولهذا قال: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله} أي من بلغه نهي الله عن الربا فانتهى حال وصول الشرع إليه, فله ما سلف من المعاملة, لقوله: {عفا الله عما سلف} وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة «وكل ربا في الجاهلية موضوع تحت قدميّ هاتين, وأول ربا أضع ربا العباس» ولم يأمرهم برد الزيادات المأخوذة في حال الجاهلية بل عفا عما سلف, كما قال تعالى: {فله ما سلف وأمره إلى الله} قال سعيد بن جبير والسدي: فله ما سلف ما كان أكل من الربا قبل التحريم. وقال ابن أبي حاتم: قرى على محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, أخبرنا ابن وهب, أخبرني جرير بن حازم, عن أبي إسحاق الهمداني, عن أم يونس يعني امرأته العالية بنت أيفع, أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لها أم محبة أم ولد لزيد بن أرقم: يا أم المؤمنين أتعرفين زيد بن أرقم ؟ قالت: نعم, قالت: فإني بعته عبداً إلى العطاء بثمانمائة, فأحتاج إلى ثمنه, فاشتريته قبل محل الأجل بستمائة, فقالت: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت, أبلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, إن لم يتب, قال: فقلت أرأيت إن تركت المائتين وأخذت الستمائة ؟ قالت: نعم {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف} وهذا الأثر مشهور وهو دليل لمن حرم مسألة العينة, مع ما جاء فيها من الأحاديث المذكورة المقررة في كتاب الأحكام, ولله الحمد والمنة, ثم قال تعالى: {ومن عاد} أي إلى الربا ففعله بعد بلوغه نهي الله عنه, فقد استوجب العقوبة, وقامت عليه الحجة, ولهذا قال: {فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} وقد قال أبو داود: حدثنا يحيى أبو داود, حدثنا يحيى بن معين, أخبرنا عبد الله بن رجاء المكي, عن عبد الله بن عثمان خثيم, عن أبي الزبير, عن جابر, قال: لما نزلت {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله ورسوله» ورواه الحاكم في مستدركه من حديث ابن خثيم, وقال : صحيح على شرط مسلم, ولم يخرجاه, وإنما حرمت المخابرة وهي المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض والمزابنة: وهي اشتراء الرطب في رؤوس النخل وبالتمر على وجه الأرض, والمحاقلة وهي اشتراء الحب في سنبله في الحقل بالحب على وجه الأرض, إنما حرمت هذه الأشياء وما شاكلها حسماً لمادة الربا, لأنه لا يعلم التساوي بين الشيئين قبل الجفاف, ولهذا قال الفقهاء: الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة, ومن هذا حرموا أشياء بما فهموا من تضييق المسالك المفضية إلى الربا والوسائل الموصلة إليه, وتفاوت نظرهم بحسب ما وهب الله لكل منهم من العلم, وقد قال تعالى: {وفوق كل ذي علم عليم} وباب الربا من أشكل الأبواب على كثير من أهل العلم, وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا فيهن عهداً ننتهي إليه: الجد, والكلالة, وأبواب من أبواب الربا ـ يعني بذلك بعض المسائل التي فيها شائبة الربا ـ والشريعة شاهدة بأن كل حرام فالوسيلة إليه مثله, لأن ما أفضى إلى الحرام حرام, كما أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وقد ثبت في الصحيحين عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الحلال بين والحرام بين, وبين ذلك أمور مشتبهات, فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه, ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام, كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه» وفي السنن عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» وفي الحديث الاَخر: «الإثم ما حاك في القلب وترددت فيه النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس» وفي رواية «استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك» وقال الثوري عن عاصم, عن الشعبي, عن ابن عباس, قال: آخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم, آية الربا, رواه البخاري عن قبيصة عنه, وقال أحمد عن يحيى عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة عن سعيد بن المسيب, أن عمر قال: من آخر ما نزل, آية الربا, وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يفسرها لنا, فدعوا الربا والريبة, وقال رواه ابن ماجه وابن مردويه من طريق هياج بن بسطام, عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري, قال: خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إني لعلّي أنهاكم عن أشياء تصلح لكم, وآمركم بأشياء لا تصلح لكم, وإن من آخر القرآن نزولاً آية الربا, وإنه قد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبينه لنا, فدعوا ما يريبكم, إلى ما لا يريبكم, وقد قال ابن أبي عدي بالإسناد موقوفاً, فذكره ورده الحاكم في مستدركه, وقد قال ابن ماجه, حدثنا عمرو بن علي الصيرفي, حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن زبيد عن إبراهيم عن مسروق عن عبد الله, هو ابن مسعود, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الربا ثلاثة وسبعون باباً» ورواه الحاكم في مستدركه: من حديث عمرو بن علي الفلاس بإسناده مثله, وزاد «أيسرها أن ينكح الرجل أمه, وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم» وقال: صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه. وقال ابن ماجه: حدثنا عبد الله بن سعيد, حدثنا عبد الله بن إدريس, عن أبي معشر عن سعيد المقبري, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الربا سبعون جزءاً, أيسرها أن ينكح الرجل أمه» وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم عن عباد بن راشد, عن سعيد بن أبي خيرة, حدثنا الحسن منذ نحو أربعين أو خمسين سنة, عن أبي هريرة أن رسول الله . صلى الله عليه وسلم قال «يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا», قال: قيل له: الناس كلهم ؟ قال«من لم يأكله منهم ناله من غباره», وكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه, من غير وجه, عن سعيد بن أبي خيرة, عن الحسن به, ومن هذا القبيل تحريم الوسائل المفضية إلى المحرمات, الحديث الذي رواه الإمام أحمد, حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش, عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن عائشة, قالت: لما نزلت الاَيات من آخر سورة البقرة في الربا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقرأهن, فحرم التجارة في الخمر, وقد أخرجه الجماعة, سوى الترمذي, من طرق من الأعمش به, وهكذا لفظ رواية البخاري عند تفسير هذه الاَية, فحرم التجارة, وفي لفظ له عن عائشة, قالت: لما نزلت الاَيات من آخر سورة البقرة في الربا, قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس, ثم حرم التجارة في الخمر, قال بعض من تكلم على هذا الحديث من الأئمة: لما حرم الربا ووسائله حرم الخمر وما يفضي إليه من تجارة ونحو ذلك, كما قال عليه السلام في الحديث المتفق عليه: «لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا أثمانها» وقد تقدم في حديث علي وابن مسعود وغيرهما, عند لعن المحلّل في تفسير قوله: {حتى تنكح زوجاً غيره} قوله صلى الله عليه وسلم «لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه», قالوا: وما يشهد عليه ويكتب إلا إذا أظهر في صورة عقد شرعي, ويكون داخله فاسداً, فالاعتبار بمعناه لا بصورته, لأن الأعمال بالنيات, وفي الصحيح: «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم, وإنما ينظر إلى قلوبكم, وأعمالكم» وقد صنف الإمام العلامة أبو العباس بن تيمية, كتاباً في إبطال التحليل, تضمن النهي عن تعاطي الوسائل المفضية إلى كل باطل, وقد كفى في ذلك, وشفى, فرحمه الله, ورضي عنه.

** يَمْحَقُ اللّهُ الْرّبَا وَيُرْبِي الصّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبّ كُلّ كَفّارٍ أَثِيمٍ * إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
يخبر الله تعالى أنه يمحق الربا, أي يذهبه إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه, أو يحرمه بركة ماله فلا ينتفع به, بل يعدمه به في الدنيا ويعاقبه عليه يوم القيامة, كما قال تعالى: {قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث} وقال تعالى: {ويجعل الخبيث بعضه على بعض, فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم} وقال {وما آتيتم من رباً ليربو في أموال الناس فلا يربوا عند الله} الاَية, وقال ابن جرير: في قوله {يمحق الله الرب} وهذا نظير الخبر الذي روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل, وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد في مسنده, فقال: حدثنا حجاج. حدثنا شريك, عن الركين بن الربيع عن أبيه, عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: «إن الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل», وقد رواه ابن ماجه: عن العباس بن جعفر عن عمرو بن عون, عن يحيى بن زائدة عن إسرائيل عن الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري, عن أبيه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم, أنه قال «ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قل», وهذا من باب المعاملة, بنقيض المقصود, كما قال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم, حدثنا الهيثم بن نافه الظاهري, حدثني أبو يحيى رجل من أهل مكة, عن فروخ مولى عثمان, أن عمر وهو يومئذٍ أمير المؤمنين, خرج من المسجد فرأى طعاماً منشوراً, فقال: ما هذا الطعام ؟ فقالوا: طعام جلب إلينا, قال: بارك الله فيه وفيمن جلبه, قيل: يا أمير المؤمنين إنه قد احتكر, قال: من احتكره ؟ قالوا: فروخ مولى عثمان وفلان مولى عمر, فأرسل إليهما, فقال: ما حملكما على احتكار طعام المسلمين ؟ قالا: يا أمير المؤمنين نشتري بأموالنا ونبيع, فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالإفلاس أو بجذام», فقال فروخ عند ذلك: أعاهد الله وأعاهدك أن لا أعود في طعام أبداً, وأما مولى عمر فقال: إنما نشتري بأموالنا ونبيع, قال أبو يحيى: فلقد رأيت مولى عمر مجذوماً, ورواه ابن ماجه من حديث الهيثم بن رافع به, ولفظه «من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالإفلاس والجذام».
وقوله {ويربي الصدقات} قرى بضم الياء والتخفيف, من ربا الشيء يربو وأرباه يربيه, أي كثره ونماه ينميه, وقرى يربي بالضم والتشديد من التربية, قال البخاري: حدثنا عبد الله بن كثير, أخبرنا كثير سمع أبا النصر, حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار, عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب, ولا يقبل الله إلا الطيب, فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه, حتى يكون مثل الجبل» كذا رواه في كتاب الزكاة, وقال في كتاب التوحيد: وقال خالد بن مخلد بن سليمان بن بلال, عن عبد الله بن دينار فذكره بإسناده نحوه, وقد رواه مسلم في الزكاة, عن أحمد بن عثمان بن حكيم, عن خالد بن مخلد, فذكره, قال البخاري ورواه مسلم بن أبي مريم, وزيد بن أسلم, وسهيل, عن أبي صالح, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قلت: أما رواية مسلم بن أبي مريم, فقد تفرد البخاري بذكرها, وأما طريق زيد بن أسلم, فرواها مسلم في صحيحه, عن أبي الطاهر بن السرح عن أبي وهب, عن هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم به, وأما حديث سهيل, فرواه مسلم عن قتيبة عن يعقوب بن عبد الرحمن عن سهيل به, والله أعلم, قال البخاري: وقال ورقاء عن ابن دينار عن سعيد بن يسار, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم, وقد أسند هذا الحديث من هذا الوجه الحافظ أبو بكر البيهقي, عن الحاكم وغيره, عن الأصم, عن العباس المروزي, عن أبي النضر, هاشم بن القاسم, عن ورقاء وهو ابن عمر اليشكري, عن عبد الله بن دينار, عن سعيد بن يسار, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب, ولا يصعد إلى الله إلا الطيب, فإن الله يقبلها بيمينه فيربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلّوه, حتى يكون مثل أحد» وهكذا روى هذا الحديث مسلم والترمذي والنسائي جميعا, عن قتيبة, عن الليث بن سعد, عن سعد المقبري, وأخرجه النسائي من رواية مالك, عن يحيى بن سعيد الأنصاري, ومن طريق يحيى القطان, عن محمد بن عجلان, ثلاثتهم عن سعيد بن يسار أبي الحباب المدني, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم , فذكره, وقد روي عن أبي هريرة من وجه آخر, فقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي, حدثنا وكيع, عن عباد بن منصور, حدثنا القاسم بن محمد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول, الله صلى الله عليه وسلم «إن الله عز وجل يقبل الصدقة, ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره أو فلوه, حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد» وتصديق ذلك في كتاب الله {يمحق الله الربى ويربي الصدقات} وكذا رواه أحمد, عن وكيع, وهو في تفسير وكيع, ورواه الترمذي, عن أبي كريب عن وكيع به, وقال: حسن صحيح, وكذا رواه الثوري عن عباد بن منصور به, ورواه أحمد أيضاً عن خلف بن الوليد, عن ابن المبارك, عن عبد الواحد بن ضمرة وعباد بن منصور, كلاهما عن أبي نضرة, عن القاسم به, وقد رواه ابن جرير, عن محمد بن عبد الملك بن إسحاق, عن عبد الرزاق, عن معمر, عن أيوب, عن القاسم بن محمد, عن أبي هريرة, قال: قال رسول, الله صلى الله عليه وسلم «إن العبد إذا تصدق من طيب يقبلها الله منه, فيأخذهابيمينه ويربيها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله, وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله, أو قال في كف الله حتى تكون مثل أحد, فتصدقوا» وهكذا رواه أحمد: عن عبد الرزاق, وهذا طريق غريب صحيح الإسناد, ولكن لفظه عجيب, والمحفوظ ما تقدم, وروي عن عائشة أم المؤمنين, فقال الإمام أحمد, حدثنا عبد الصمد, حدثنا حماد عن ثابت, عن القاسم بن محمد, عن عائشة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليربي لأحدكم التمرة واللقمة كما يربي أحدكم فلّوه أو فصيله حتى يكون مثل أحد» تفرد به أحمد من هذا الوجه وقال البزار حدثنا يحيى بن المعلى بن منصور حدثنا إسماعيل حدثني أبي عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الضحاك بن عثمان عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن الرجل ليتصدق بالصدقة من الكسب الطيب, ولا يقبل الله إلا الطيب, فيتلقاها الرحمن بيده, فيربيها كما يربي أحدكم فلّوه أو وصيفه» أو قال فصيله, ثم قال: لا نعلم أحداً رواه عن يحيى بن سعيد عن عمرة إلا أبا أويس.
وقوله {والله لا يحب كل كفار أثيم}, أي لا يحب كفور القلب أثيم القول والفعل, ولا بد من مناسبة في ختم هذه الاَية بهذه الصفة, وهي أن المرابي لا يرضى بما قسم الله له من الحلال, ولا يكتفي بما شرع له من الكسب المباح, فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل, بأنواع المكاسب الخبيثة, فهو جحود لما عليه من النعمة, ظلوم آثم بأكل أموال الناس بالباطل ـ ثم قال تعالى مادحاً للمؤمنين بربهم, المطيعين أمره المؤدين شكره, المحسنين إلى خلقه في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة, مخبراً عما أعد لهم من الكرامة, وأنهم يوم القيامة من التبعات آمنون فقال: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.

** يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرّبَا إِن كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ * فَإِن لّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ * وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىَ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدّقُواْ خَيْرٌ لّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمّ تُوَفّىَ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بتقواه, ناهياً لهم عما يقربهم إلى سخطه ويبعدهم عن رضاه, فقال {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله} أي خافوه وراقبوه فيما تفعلون {وذروا ما بقي من الرب} أي اتركوا ما لكم على الناس من الزيادة على رؤوس الأموال, بعد هذا الإنذار {إن كنتم مؤمنين} أي بما شرع الله لكم من تحليل البيع وتحريم الربا وغير ذلك, وقد ذكر زيد بن أسلم, وابن جريج ومقاتل بن حيان والسدي, أن هذا السياق نزل في بني عمرو بن عمير من ثقيف, وبني المغيرة من بني مخزوم, كان بينهم ربا في الجاهلية, فلما جاء الإسلام ودخلوا فيه, طلبت ثقيف أن تأخذه منهم, فتشاورا وقالت بني المغيرة لا نؤدي الربا في الإسلام بكسب الإسلام, فكتب في ذلك عتاب بن أسيد, نائب مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاَية, فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} فقالوا نتوب إلى الله, ونذر ما بقي من الربا فتركوه كلهم, وهذا تهديد ووعيد أكيد, لمن استمر على تعاطي الربا بعد الإنذار قال ابن جريج: قال ابن عباس: {فأذنوا بحرب}, أي استيقنوا بحرب من الله و رسوله, وتقدم من رواية ربيعة بن كلثوم, عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس, قال: يقال يوم القيامة لاَكل الربا: خذ سلاحك للحرب, ثم قرأ {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله} وقال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله} فمن كان مقيما على الربا لا ينزع عنه, كان حقاً على إمام المسلمين أن يستتيبه, فإن نزع وإلا ضرب عنقه, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا محمد بن بشار, حدثنا عبد الأعلى, حدثنا هشام بن حسان, عن الحسن وابن سيرين, أنهما قالا: والله إن هؤلاء الصيارفة لأكلة الربا, وإنهم قد أذنوا بحرب من الله ورسوله, ولو كان على الناس إمام عادل لاستتابهم, فإن تابوا وإلا وضع فيه السلاح.
وقال قتادة: أوعدهم الله بالقتل كما يسمعون, وجعلهم بهرجاً أين ما أتوا, فإياكم ومخالطة هذه البيوع من الربا, فإن الله قد أوسع الحلال وأطابه, فلا يلجئنكم إلى معصيته فاقة. رواه ابن أبي حاتم, وقال الربيع بن أنس: أوعد الله آكل الربا بالقتل, رواه ابن جرير, وقال السهيلي: ولهذا قالت عائشة لأم محبة مولاة زيد بن أرقم في مسألة العينة: أخبريه أن جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم قد بطل إلا أن يتوب, فخصت الجهاد لأنه ضد قوله: {فأذنوا بحرب من الله ورسوله} قال: وهذا المعنى ذكره كثير, قال: ولكن هذا إسناده إلى عائشة ضعيف.
ـ ثم قال تعالى: {وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون} أي بأخذ الزيادة {ولاتظلمون} أي بوضع رؤوس الأموال أيضاً, بل لكم ما بذلتم من غير زيادة عليه ولا نقص منه, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الحسين بن أشكاب, حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان, عن شبيب بن غرقدة المبارقي, عن سليمان بن عمرو بن الأحوص, عن أبيه, قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع, فقال «ألا إن كل رباً كان في الجاهلية موضوع عنكم كله, لكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولاتظلمون, وأول ربا موضوع ربا العباس بن عبد المطلب, موضوع كله» وكذا وجده سليمان بن الأحوص, وقال ابن مردويه: حدثنا الشافعي, حدثنا معاذ بن المثنى, أخبرنا مسدد, أخبرنا أبو الأحوص, حدثنا شبيب بن غرقدة, عن سليمان بن عمرو, عن أبيه, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «ألا إن كلّ ربا من ربا الجاهلية موضوع, فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون» وكذا رواه من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد, عن أبي حمزة الرقاشي عن عمر وهو ابن خارجة, فذكره.
وقوله {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} يأمر تعالى بالصبر على المعسر الذي لا يجد وفاء, فقال {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه إذا حل عليه الدين: إما أن تقضي وإما أن تربي, ثم يندب إلى الوضع عنه, ويعد على ذلك الخير والثواب الجزيل, فقال: {وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} أي وأن تتركوا رأس المال بالكلية وتضعوه عن المدين, وقد وردت الأحاديث من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
(فالحديث الأول) عن أبي أمامة أسعد بن زرارة. قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن محمد بن شعيب الرجاني, حدثنا يحيى بن حكيم المقوم, حدثنا محمد بن بكر البرساني, حدثنا عبد الله بن أبي زياد, حدثني عاصم بن عبيد الله, عن أبي أمامة أسعد بن زرارة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يظله الله يوم لا ظل إلا ظله, فلييسر على معسر أو ليضع عنه».
(حديث آخر) عن بريدة. قال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا عبد الوارث, حدثنا محمد بن جحادة, عن سليمان بن بريدة, عن أبيه, قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول «من أنظر معسراً فله بكل يوم مثله صدقة» قال: ثم سمعته يقول: «من أنظر معسراً فله بكل يوم مثلاه صدقة» قلت: سمعتك يا رسول الله تقول «من أنظر معسراً فله بكل يوم مثله صدقة». ثم سمعتك تقول «من أنظر معسراً فله بكل يوم مثلاه صدقة», قال: «له لكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين, فإذا حل الدين فأنظره, فله بكل يوم مثلاه صدقة».
(حديث آخر) عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري. قال أحمد: حدثنا حماد بن سلمة, أخبرنا أبو جعفر الخطمي, عن محمد بن كعب القرظي, أن أبا قتادة كان له دين على رجل, وكان يأتيه يتقاضاه فيختبى منه, فجاء ذات يوم فخرج صبي, فسأله عنه, فقال: نعم هو في البيت يأكل خزيرة, فناداه, فقال: يا فلان, اخرج فقد أخبرت أنك هاهنا, فخرج إليه, فقال: ما يغيبك عني ؟ فقال إني معسر وليس عندي شيء, قال: آلله أنك معسر ؟ قال: نعم, فبكى أبو قتادة, ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من نفس عن غريمه, أو محا عنه, كان في ظل العرش يوم القيامة», ورواه مسلم في صحيحه.
(حديث آخر) عن حذيفة بن اليمان, قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا الأخنس أحمد بن عمران, حدثنا محمد بن فضيل, حدثنا أبو مالك الأشجعي, عن ربعي بن خراش, عن حذيفة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتى الله بعبد من عبيده يوم القيامة قال: ماذا عملت في الدينا ؟ فقال: ما عملت لك يا رب مثقال ذرة في الدنيا أرجوك بها ـ قالها ثلاث مرات ـ قال العبد عند آخرها: يا رب إنك كنت أعطيتني فضل مال, وكنت رجلاً أبايع الناس, وكان من خلقي الجواز, فكنت أيسر على الموسر وأنظر المعسر, قال: فيقول الله عز وجل: أنا أحق من ييسر, ادخل الجنة». وقد أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه من طرق عن ربعي بن حراش, عن حذيفة, زاد مسلم وعقبة بن عامر وأبي مسعود البدري عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه, ولفظ البخاري: حدثنا هشام بن عمار, حدثنا يحيى بن حمزة, حدثنا الزهري عن عبد الله بن عبد الله, أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: «كان تاجر يداين الناس, فإذا رأى معسراً قال لفتيانه: تجاوزا عنه لعل الله يتجاوز عنا, فتجاوز الله عنه».
(حديث آخر) عن سهل بن حنيف, قال الحاكم في مستدركه: حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب, حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى, حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك, حدثنا عمرو بن ثابت, حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل, عن عبد الله بن سهل بن حنيف, أن سهلاً حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «من أعان مجاهداً في سبيل الله أو غازياً أو غارماً في عسرته أو مكاتباً في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(حديث آخر) عن عبد الله بن عمر, قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد, عن يوسف بن صهيب, عن زيد العمى عن ابن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن تستجاب دعوته وأن تكشف كربته, فليفرج عن معسر». انفرد به أحمد.
(حديث آخر) عن أبي مسعود عقبة بن عمرو. قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون, أخبرنا أبو مالك عن ربعي بن حراش, عن حذيفة, أن رجلاً أتى به الله عز وجل, فقال: ماذا عملت في الدنيا ؟ فقال له الرجل: ما عملت مثقال ذرة من خير, فقال ثلاثاً, وقال في الثالثة: إني كنت أعطيتني فضلاً من المال في الدنيا, فكنت أبايع الناس, فكنت أيسر على الموسر, وأنظر المعسر. فقال تبارك وتعالى: نحن أولى بذلك منك, تجاوزا عن عبدي, فغفر له. قال أبو مسعود: هكذا سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم, وهكذا رواه مسلم من حديث أبي مالك سعد بن طارق به.
(حديث آخر) عن عمران بن حصين. قال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر, أخبرنا أبو بكر, عن الأعمش, عن أبي دواد, عن عمران بن حصين قال, قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان له على رجل حق فأخره, كان له بكل يوم صدقة», غريب من هذا الوجه, وقد تقدم عن بريدة نحوه.
(حديث آخر) عن أبي اليسر كعب بن عمرو. قال الإمام أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو, حدثنا زائدة, عن عبد الملك بن عمير, عن ربعي, قال: حدثنا أبو اليسر, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «من أنظر معسراً أو وضع عنه, أظله الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله». وقد أخرجه مسلم في صحيحه ومن وجه آخر من حديث عباد بن الوليد بن عبادة بن الصامت, قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا, فكان أول من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومعه غلام له معه ضمامة من صحف, وعلى أبي اليسر بردة ومعافري, وعلى غلامة بردة ومعافري, فقال له أبي: يا عم, إني أرى في وجهك سفعة من غضب, قال: أجل كان لي على فلان بن فلان ـ الحرامي ـ مال, فأتيت أهله, فسلمت فقلت: أثم هو ؟ قالوا: لا , فخرج عليّ ابن له جفر, فقلت: أين أبوك ؟ فقال: سمع صوتك فدخل أريكة أمي, فقلت: اخرج إلي فقد علمت أين أنت, فخرج, فقلت ما حملك على أن اختبأت مني ؟ قال: أنا والله أحدثك ثم لا أكذبك, خشيت والله أن أحدثك فأكذبك أو أعدك فأخلفك, وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكنت والله معسراً. قال: قلت: آلله. قال: قلت: آلله ؟ قال: الله, ثم قال: فأتى بصحيفته فمحاها بيده, ثم قال: فإن وجدت قضاء فاقضني وإلا فأنت في حل, فأشهد بصر عيناي هاتان ـ ووضع أصبعيه على عينيه ـ وسمع أذناي هاتان, ووعاه قلبي ـ وأشار إلى نياط قلبه, رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: من أنظر معسراً أو وضع عنه, أظله الله في ظله. وذكر تمام الحديث.
(حديث آخر) عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان, قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثني أبو يحيى البزاز محمد بن عبد الرحمن, حدثنا الحسن بن أسد بن سالم الكوفي, حدثنا العباس بن الفضل الأنصاري, عن هشام بن زياد القرشي, عن أبيه, عن محجن مولى عثمان, عن عثمان, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «أظل الله عيناً في ظله يوم لا ظل إلا ظله, من أنظر معسراً, أو ترك لغارم».
(حديث آخر) عن ابن عباس. قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن يزيد, حدثنا نوح بن جعونة السلمي الخراساني, عن مقاتل بن حيان, عن عطاء, عن ابن عباس, قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وهو يقول بيده: هكذا, وأومأ عبد الرحمن بيده إلى الأرض «من أنظر معسراً أو وضع عنه, وقاه الله من فيح جهنم ألا إن عمل الجنة حزن بربوة ـ ثلاثا ـ ألا إن عمل النار سهل بسهوة, والسعيد من وقي الفتن, وما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد, ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيماناً» تفرد به أحمد.
(طريق آخر) قال الطبراني: حدثنا أحمد بن محمد البوراني قاضي الحديبية من ديار ربيعة, حدثناالحسن بن علي الصدائي, حدثنا الحكم بن الجارود, حدثنا ابن أبي المتئد خال ابن عيينة, عن أبيه, عن عطاء, عن ابن عباس قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أنظر معسراً إلى ميسرته أنظره اللهبذنبه إلى توبته».
ثم قال تعالى يعظ عباده, ويذكرهم زوال الدنيا, وفناء ما فيها من الأموال وغيرها, وإتيان الاَخرة, والرجوع إليه تعالى, ومحاسبته تعالى خلقه على ما عملوا, ومجازاته إياهم بما كسبوا من خير وشر, ويحذرهم عقوبته, فقال: {واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}, وقد روي أن هذه الاَية آخر آية نزلت من القرآن العظيم, فقال ابن لهيعة: حدثني عطاء بن دينار, عن سعيد بن جبير قال: آخر ما نزل من القرآن كله {واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}, وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الاَية تسع ليال, ثم مات يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول, رواه ابن أبي حاتم, وقد رواه ابن مردويه من حديث المسعودي عن حبيب ابن أبي ثابت, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: آخر آية نزلت {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} وقد رواه النسائي من حديث يزيد النحوي, عن عكرمة, عن عبد الله بن عباس, قال: آخر شيء نزل من القرآن {واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}, وكذا رواه الضحاك والعوفي عن ابن عباس, وروى الثوري عن الكلبي, عن أبي صالح, عن ابن عباس, قال: آخر آية نزلت {واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله} فكان بين نزولها وموت النبي صلى الله عليه وسلم واحد وثلاثون يوماً, وقال ابن جريج: يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم عاش بعدها تسع ليال وبدء يوم السبت ومات يوم الإثنين, رواه ابن جرير, ورواه ابن عطية عن أبي سعيد, قال آخر آية نزلت{واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون