تفسير الطبري تفسير الصفحة 47 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 47
048
046
 الآية : 275
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{الّذِينَ يَأْكُلُونَ الرّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَالُوَاْ إِنّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرّبَا وَأَحَلّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرّمَ الرّبَا فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مّنْ رّبّهِ فَانْتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
يعني ذلك جل ثناؤه: الذين يربون, والإرباء: الزيادة على الشيء, يقال فيه: أربى فلان على فلان إذا زاد عليه يربي إرباء, والزيادة هي الربا, ورباالشيء: إذا زاد على ما كان عليه فعظم, فهو يربو رَبْوا. وإنما قيل للرابية لزيادتها في العظم والإشراف على مااستوى من الأرض مما حولها من قولهم ربا يربو, ومن ذلك قيل: فلان في ربا قومه يراد أنه في رفعة وشرف منهم, فأصل الربا الإنافة والزيادة, ثم يقال: أَرْبَى فلان: أي أناف صيره زائدا. وإنما قيل للمربي مريب لتضعيفه المال الذي كان له على غريمه حالاً, أو لزيادته عليه فيه, لسبب الأجل الذي يؤخره إليه, فيزيده إلى أجله الذي كان له قبل حلّ دينه عليه, ولذلك قال جلّ ثناؤه: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرّبـا أضْعافـا مُضَاعَفَةً}.
وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل ذكر من قال ذلك:
5013ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال فـي الربـا الذي نهى الله عنه: كانوا فـي الـجاهلـية يكون للرجل علـى الرجل الدين, فـيقول: لك كذا وكذا وتؤخر عنـي, فـيؤخر عنه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
5014ـ حدثنـي بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: أن ربـا الـجاهلـية يبـيع الرجل البـيع إلـى أجل مسمى, فإذا حلّ الأجل ولـم يكن عند صاحبه قضاء زاده وأخّر عنه.
فقال جل ثناؤه للذين يربون الربـا الذي وصفنا صفته فـي الدنـيا, لا يقومون فـي الاَخرة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتـخبطه الشيطان من الـمسّ¹ يعنـي بذلك: يتـخبّله الشيطان فـي الدنـيا, وهو الذي يتـخبطه فـيصرعه من الـمسّ, يعنـي من الـجنون. وبـمثل ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
5015ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله عزّ وجلّ: {الّذِينَ يأكُلُونَ الرّبـا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَـخَبّطَهُ الشّيْطَانُ مِنَ الـمَسّ} يوم القـيامة فـي أكل الربـا فـي الدنـيا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
5016ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا ربـيعة بن كلثوم, قال: ثنـي أبـي, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: {الّذِينَ يَأَكُلُونَ الرّبـا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَـخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الـمَسّ} قال: ذلك حين يبعث من قبره.
5017ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم, قال: حدثنا ربـيعة بن كلثوم, قال: ثنـي أبـي, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: يقال يوم القـيامة لاَكل الربـا: خذ سلاحك للـحرب. وقرأ: {لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَـخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الـمَسّ} قال: ذلك حين يبعث من قبره.
5018ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد بن جبـير: {الّذِينَ يَأكُلُونَ الرّبـا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَـخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الـمَسّ}... الآية. قال: يبعث آكل الربـا يوم القـيامة مـجنونا يخنق.
5019ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: {الّذِينَ يَأكُلُونَ الرّبـا لا يَقُومُونَ} الآية, وتلك علامة أهل الربـا يوم القـيامة, بعثوا بهم خبل من الشيطان.
حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: {لا يَقُومُونَ إِلاّ كما يَقُومُ الّذِي يَتَـخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الـمَسّ} قال: هو التـخبّل الذي يتـخبّله الشيطان من الـجنون.
5020ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: {الّذِينَ يَأكُلُونَ الرّبـا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَـخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الـمَسّ} قال: يبعثون يوم القـيامة وبهم خبل من الشيطان. وهي فـي بعض القراءة: «لا يقومون يوم القـيامة».
5021ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك فـي قوله: {الّذِينَ يَأكُلُونَ الرّبـا لاَ يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَـخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الـمَسّ} قال: من مات وهو يأكل الربـا بعث يوم القـيامة متـخبطا كالذي يتـخبطه الشيطان من الـمسّ.
5022ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: {الّذِينَ يَأَكُلُونَ الرّبـا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَـخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الـمَسّ} يعنـي من الـجنون.
5023ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: {الّذِينَ يَأَكُلُونَ الرّبـا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَـخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الـمَسّ} قال: هذا مثلهم يوم القـيامة لا يقومون يوم القـيامة مع الناس, إلا كما يقوم الذي يخنق مع الناس يوم القـيامة كأنه خنق كأنه مـجنون.
ومعنى قوله: {يَتَـخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الـمَسّ} يتـخبله من مسه إياه, يقال منه: قد مُسّ الرجل وأُلِقَ فهو مـمسوس ومألوق, كل ذلك إذا ألـمّ به اللـمـم فجنّ, ومنه قول الله عزّ وجلّ: {إِنّ الّذِينَ اتّقَوْا إذا مَسّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشّيْطَانِ تَذَكّرُو}. ومنه قول الأعشى:
وَتُصْبِحُ عن غِبّ السّرَى وكأنـماأَلَـمّ بِها من طائفِ الـجنّ أوْلَقُ
فإن قال لنا قائل: أفرأيت من عمل ما نهى الله عنه من الربـا فـي تـجارته ولـم يأكله, أيستـحقّ هذا الوعيد من الله؟ قـيـل: نعم, ولـيس الـمقصود من الربـا فـي هذه الآية الأكل, إلا أن الذين نزلت فـيهم هذه الاَيات يوم نزلت كانت طعمتهم ومأكلهم من الربـا, فذكرهم بصفتهم معظما بذلك علـيهم أمر الربـا, ومقبحا إلـيهم الـحال التـي هم علـيها فـي مطاعمهم, وفـي قوله جل ثناؤه: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بِقَـيَ مِنَ الرّبـا إِنْ كُنْتُـمْ مُوءْمِنِـينَ فَـإِنْ لَـمْ تَفْعَلُوا فَأذْنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ}... الآية ما ينبىء عن صحة ما قلنا فـي ذلك, وأن التـحريـم من الله فـي ذلك كان لكل معانـي الربـا, وأنْ سواء العمل به وأكلُه وأخذه وإعطاؤه, كالذي تظاهرت به الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: «لَعَنَ اللّهُ آكِلَ الرّبـا, وَمُوءْكِلَهُ, وَكاتِبَهُ, وَشَاهِدَيْهِ إِذَا عَلِـمُوا بِهِ».
(القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ذَلِكَ بِـأَنّهُمْ قَالُوا إِنّـمَا البَـيْعُ مِثْلُ الرّب}.
يعنـي بذلك جل ثناؤه: ذلك الذي وصفهم به من قـيامهم يوم القـيامة من قبورهم كقـيام الذي يتـخبطه الشيطان من الـمسّ من الـجنون, فقال تعالـى ذكره هذا الذي ذكرنا أنه يصيبهم يوم القـيامة من قبح حالهم ووحشة قـيامهم من قبورهم وسوء ما حلّ بهم من أجل أنهم كانوا فـي الدنـيا يكذبون ويفترون ويقولون إنـما البـيع الذي أحله الله لعبـاده مثل الربـا, وذلك أن الذين كانوا يأكلون من الربـا من أهل الـجاهلـية, كان إذا حلّ مال أحدهم علـى غريـمه يقول الغريـم لغريـم الـحقّ زدنـي فـي الأجل وأزيدك فـي مالك, فكان يقال لهما إذا فعلا ذلك: هذا ربـا لا يحلّ, فإذا قـيـل لهما ذلك, قالا: سواء علـينا زدنا فـي أوّل البـيع أو عند مـحلّ الـمال فكذّبهم الله فـي قـيـلهم, فقال: {وَأحَلّ اللّهُ البَـيْعَ}.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأحَلّ اللّهُ البَـيْعَ وَحَرّمَ الرّبـا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبّهِ فـانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وأمْرُهُ إِلـى اللّهِ وَمَنْ عادَ فـأُولَئِكَ أصْحَابُ النّارِ هُمْ فِـيها خَالِدُونَ}.
يعنـي جل ثناؤه: وأحلّ الله الأربـاح فـي التـجارة والشراء والبـيع, وحرّم الربـا يعنـي الزيادة التـي يزاد ربّ الـمال بسبب زيادته غريـمه فـي الأجل, وتأخيره دينه علـيه. يقول عزّ وجلّ: ولـيست الزيادتان اللتان إحداهما من وجه البـيع, والأخرى من وجه تأخير الـمال والزيادة فـي الأجل سواء, وذلك أنـي حرمت إحدى الزيادتـين, وهي التـي من وجه تأخير الـمال والزيادة فـي الأجل¹ وأحللت الأخرى منهما, وهي التـي من وجه الزيادة علـى رأس الـمال الذي ابتاع به البـائع سلعته التـي يبـيعها فـيستفضل فضلها, فقال الله عزّ وجلّ لـيست الزيادة من وجه البـيع نظير الزيادة من وجه الربـا, لأنـي أحللت البـيع, وحرّمت الربـا, والأمر أمري والـخـلق خـلقـي, أقضي فـيهم ما أشاء, وأستعبدهم بـما أريد, لـيس لأحد منهم أن يعترض فـي حكمي, ولا أن يخالف فـي أمري, وإنـما علـيهم طاعتـي والتسلـيـم لـحكمي. ثم قال جل ثناؤه: {فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبّهِ فـانْتَهَى} يعنـي بـالـموعظة: التذكير والتـخويف الذي ذكرهم وخوّفهم به فـي آي القرآن, وأوعدهم علـى أكلهم الربـا من العقاب, يقول جل ثناؤه: فمن جاءه ذلك فـانتهى عن أكل الربـا, وارتدع عن العمل به, وانزجر عنه {فَلَهُ ما سلَفَ} يعنـي ما أكل, وأخذ فمضى قبل مـجيء الـموعظة والتـحريـم من ربه فـي ذلك {وأمرهُ إلـى اللّهِ} يعنـي وأمر آكله بعد مـجيئه الـموعظة من ربه والتـحريـم, وبعد انتهاء آكله عن أكله إلـى الله فـي عصمته وتوفـيقه, إن شاء عصمه عن أكله وثبته فـي انتهائه عنه, وإن شاء خذله عن ذلك. {وَمَنْ عادَ} يقول: ومن عاد لأكل الربـا بعد التـحريـم, وقال ما كان يقوله قبل مـجيء الـموعظة من الله بـالتـحريـم من قوله: {إِنّـمَا البَـيْعُ مِثْلُ الرّب} {فأولئكَ أصحابُ النّارِ هُمْ فِـيهَا خَالِدُونَ} يعنـي ففـاعلو ذلك وقائلوه هم أهل النار, يعنـي نار جهنـم فـيها خالدون.)
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
5024ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال¹ حدثنا أسبـاط, عن السدي: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبّهِ فَـانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأمْرُهُ إِلـى اللّهِ} أما الـموعظة فـالقرآن, وأما ما سلف فله ما أكل من الربـا.
الآية : 276
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{يَمْحَقُ اللّهُ الْرّبَا وَيُرْبِي الصّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبّ كُلّ كَفّارٍ أَثِيمٍ }
يعنـي عز وجل بقوله: {يَـمْـحَقُ اللّهُ الرب}: ينقص الله الربـا فـيذهبه. كما:
5025ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: {يَـمْـحَقُ اللّهُ الرّب} قال: ينقص.
وهذا نظير الـخبر الذي رُوي عن عبد الله بن مسعود, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الرّبـا وَإِنْ كَثُرَ فإلـى قُلّ». وأما قوله: {وَيُرَبى الصّدَقَاتِ} فإنه جل ثناؤه يعنـي: أنه يضاعف أجرها لربها, وينـميها له. وقد بـينا معنى الربـا قبل والإربـاء وما أصله, بـما فـيه الكفـاية من إعادته.
فإن قال لنا قائل: وكيف إربـاء الله الصدقات؟ قـيـل: إضعافه الأجر لربها, كما قال جل ثناؤه: {مَثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ فِـي سَبِـيـلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبّةٍ أنْبَتَتْ سَبْع سَنَابِلَ فِـي كُلّ سُنْبلَةٍ مِائَةُ حَبّةٍ} وكما قال: {مَنْ ذَا الّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضا حَسَنا فَـيُضَاعِفَهُ لَهُ أضْعافـا كَثِـيرَةَ}. وكما:
5026ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, قال: حدثنا عبـاد بن منصور, عن القاسم أنه سمع أبـا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يَقْبَلُ الصّدَقَةَ وَيَأخُذُها بِـيَـمِينِهِ, فَـيُرَبّـيها لأحَدِكُمْ كَما يُرَبّـي أحَدُكُمْ مُهْرَهُ, حتـى إِنّ اللّقْمَةَ لَتَصِيرُ مِثْلَ أُحِدٍ». وتصديق ذلك فـي كتاب الله عزّ وجل: {ألَـمْ يَعْلَـمُوا أنّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبـادِهِ ويأخُذُ الصّدَقَاتِ} و{يـمْـحَقُ اللّهُ الرّبـا ويُرْبَـي الصّدَقَاتِ}.
5027ـ حدثنـي سلـيـمان بن عمر بن خالد الأقطع, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن سفـيان, عن عبـاد بن منصور, عن القاسم بن مـحمد, عن أبـي هريرة, ولا أراه إلا قد رفعه, قال: «إِنّ الله عزّ وجلّ يَقْبَلُ الصّدَقَةَ, ولا يَقْبَلُ إلا الطّيّبَ».
5028ـ حدثنـي مـحمد بن عمر بن علـيّ الـمقدمي, قال: حدثنا ريحان بن سعيد, قال: حدثنا عبـاد, عن القاسم, عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنّ اللّهَ تَبَـارَكَ وَتَعالـى يَقْبَلُ الصّدَقَةَ وَلا يَقْبَلُ مِنْهَا إِلاّ الطّيّبَ, وَيُرَبّـيها لِصَاحِبِها كَمَا يُرَبّـي أحَدُكُمْ مُهْرَهُ أوْ فَصِيـلَهُ, حتـى إِنّ اللّقْمَةَ لَتَصِيرُ مِثْلَ أُحُدٍ». وتصديق ذلك فـي كتاب الله عزّ وجلّ: {يَـمْـحَقُ اللّهُ الرّبـا وَيُرَبِـي الصّدَقَاتِ}.
5029ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الـملك, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: حدثنا معمر, عن أيوب, عن القاسم بن مـحمد, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنّ العَبْدَ إذَا تَصَدّقَ مِنْ طَيّبٍ تَقَبّلَهَا اللّهُ مِنْهُ, وَيَأَخُذُها بِـيَـمِينِهِ وَيُرَبّـيهَا كَمَا يُرَبَـي أحَدُكُمْ مُهْرَهُ أوْ فَصِيـلَهُ. وَإِنّ الرّجُلَ لَـيَتَصَدّقُ بِـاللّقْمَةِ فَتَرْبُو فِـي يَدِ اللّهِ», أو قال: «فـي كف اللّهِ عَزّ وَجَلّ حتـى تَكُونَ مِثْلَ أُحُدٍ¹ فَتَصَدّقُوا».
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, قال: سمعت يونس, عن صاحب له, عن القاسم بن مـحمد, قال: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يَقْبَلُ الصّدَقَةَ بِـيَـمِينِهِ, وَلاَ يَقْبَلُ مِنْهَا إِلاّ مَا كَانَ طَيّبـا, وَاللّهُ يُرَبّـي لأحَدِكُمْ لُقْمَتَهُ كَمَا يُرَبّـي أحَدُكُمْ مُهْرَهُ وَفَصِيـلَهُ, حتـى يُوافَـى بِها يَوْمَ القِـيامَةِ وَهِيَ أعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ».
وأما قوله: {وَاللّهُ لاَ يُحِبّ كُلّ كَفّـارٍ أثِـيـمٍ} فإنه يعنـي به: والله لا يحبّ كل مصرّ علـى كفر بربه, مقـيـم علـيه, مستـحلّ أكل الربـا وإطعامه, أثـيـم متـماد فـي الإثم فـيـما نهاه عنه من أكل الربـا والـحرام وغير ذلك من معاصيه, لا ينزجر عن ذلك, ولا يرعوي عنه, ولا يتعظ بـموعظة ربه التـي وعظه بها فـي تنزيـله وآي كتابه.
الآية : 277
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }
وهذا خبر من الله عزّ وجلّ بأن الذين آمنوا, يعنـي الذين صدقوا بـالله وبرسوله, وبـما جاء به من عند ربهم من تـحريـم الربـا وأكله وغير ذلك من سائر شرائع دينه, وعملوا الصالـحات التـي أمرهم الله عزّ وجلّ بها, والتـي ندبهم إلـيها وأقاموا الصلاة الـمفروضة بحدودها, وأدّوها بسننها, وآتوا الزكاة الـمفروضة علـيهم فـي أموالهم, بعد الذي سلف منهم من أكل الربـا, قبل مـجيء الـموعظة فـيه من عند ربهم, لهم أجرهم, يعنـي ثواب ذلك من أعمالهم وإيـمانهم وصدقتهم عند ربهم يوم حاجتهم إلـيه فـي معادهم, ولا خوف علـيهم يومئذٍ من عقابه علـى ما كان سلف منهم فـي جاهلـيتهم وكفرهم قبل مـجيئهم موعظة من ربهم من أكل ما كانوا أكلوا من الربـا بـما كان من إنابتهم, وتوبتهم إلـى الله عزّ وجلّ من ذلك عند مـجيئهم الـموعظة من ربهم, وتصديقهم بوعد الله ووعيده, ولا هم يحزنون علـى تركهم ما كانوا تركوا فـي الدنـيا من أكل الربـا والعمل به إذا عاينوا جزيـل ثواب الله تبـارك وتعالـى, وهم علـى تركهم ما تركوا من ذلك فـي الدنـيا ابتغاء رضوانه فـي الاَخرة, فوصلوا إلـى ما وعدوا علـى تركه.
الآية : 278
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرّبَا إِن كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ }
يعنـي جل ثناؤه بذلك: يا أيها الذين آمنوا صدّقوا بـالله وبرسوله, اتقوا الله, يقول: خافوا الله علـى أنفسكم فـاتقوه بطاعته فـيـما أمركم به, والانتهاء عما نهاكم عنه, وذروا, يعنـي ودعوا ما بقـي من الربـا, يقول: اتركوا طلب ما بقـي لكم من فضل علـى رءوس أموالكم التـي كانت لكم قبل أن تربوا علـيها إن كنتـم مؤمنـين, يقول: إن كنتـم مـحققـين إيـمانكم قولاً, وتصديقكم بألسنتكم بأفعالكم. وذكر أن هذه الآية نزلت فـي قوم أسلـموا, ولهم علـى قوم أموال من ربـا كانوا أربوه علـيهم, فكانوا قد قبضوا بعضه منهم, وبقـي بعض, فعفـا الله جل ثناؤه لهم عما كانوا قد قبضوه قبل نزول هذه الآية, وحرّم علـيهم اقتضاء ما بقـي منه.
ذكر من قال ذلك:
5030ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: {يا أيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِـيَ مِنَ الرّب} إلـى: {وَلا تُظْلَـمُونَ} قال: نزلت هذه الآية فـي العبـاس بن عبد الـمطلب ورجل من بنـي الـمغيرة كانا شريكين فـي الـجاهلـية, سلفـا فـي الربـا إلـى أناس من ثقـيف من بنـي عمرو, وهم بنو عمرو بن عمير, فجاء الإسلام ولهما أموال عظيـمة فـي الربـا, فأنزل الله {ذَرُوا ما بَقِـيَ} من فضل كان فـي الـجاهلـية {مِنَ الرّب}.
5031ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج قوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا ما بَقِـيَ مِنَ الرّبـا إِنْ كُنْتُـمْ مُوءْمِنِـينَ} قال: كانت ثقـيف قد صالـحت النبـيّ صلى الله عليه وسلم علـى أن ما لهم من ربـا علـى الناس, وماكان للناس علـيهم من ربـا فهو موضوع. فلـما كان الفتـح, استعمل عتاب بن أسيد علـى مكة, وكانت بنو عمرو بن عمير بن عوف يأخذون الربـا من بنـي الـمغيرة وكانت بنو الـمغيرة يربون لهم فـي الـجاهلـية, فجاء الإسلام ولهم علـيهم مال كثـير. فأتاهم بنو عمرو يطلبون ربـاهم, فأبى بنو الـمغيرة أن يعطوهم فـي الإسلام, ورفعوا ذلك إلـى عتاب بن أسيد, فكتب عتاب إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فنزلت: {يا أيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِـيَ مِنَ الرّبـا إِنْ كُنْتُـمْ مُوءْمِنِـينَ فـانْ لَـمْ تَفْعَلُوا فـأَذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} إلـى: {وَلا تُظْلِـمُونَ}, فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى عتاب وقال: «إِنْ رَضُوا وَإِلاّ فَآذِنْهُمْ بِحَرْبٍ». قال ابن جريج, عن عكرمة قوله: {اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِـيَ مِنْ الرّب}. قال: كانوا يأخذون الربـا علـى بنـي الـمغيرة يزعمون أنهم مسعود وعبد يالـيـل وحبـيب وربـيعة بنو عمرو بن عمير, فهم الذين كان لهم الربـا علـى بنـي الـمغيرة, فأسلـم عبد يالـيـل وحبـيب وربـيعة وهلال ومسعود.
5032ـ حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا جويبر, عن الضحاك فـي قوله: {اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِـيَ مِنَ الرّبـا إِنْ كُنْتُـمْ مُوءْمِنِـينَ} قال: كان ربـا يتبـايعون به فـي الـجاهلـية, فلـما أسلـموا أمروا أن يأخذوا رءوس أموالهم.
الآية : 279
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{فَإِن لّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ }
يعنـي جل ثناؤه بقوله: {فَـإِنْ لَـمْ تَفْعَلُو} فإن لـم تذروا ما بقـي من الربـا.
(واختلف القراء فـي قراءة قوله: {فَـأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة: {فـأْذَنُو} بقصر الألف من فأذنوا وفتـح ذالها, بـمعنًى وكونوا علـى علـم وإذْن. وقرأه آخرون وهي قراءة عامة قراء الكوفـيـين: «فَآذِنُوا» بـمدّ الألف من قوله: «فآذِنوا» وكسر ذالها, بـمعنى: فآذنوا غيركم, أعلـموهم وأخبروهم بأنكم علـى حربهم.
وأولـى القراءتـين بـالصواب فـي ذلك, قراءة من قرأ: {فأذَنُو} بقصر ألفها وفتـح ذالها, بـمعنى: اعلـموا ذلك واستـيقنوه, وكونوا علـى إذن من الله عزّ وجل لكم بذلك. وإنـما اخترنا ذلك, لأن الله عزّ وجلّ أمر نبـيه صلى الله عليه وسلم أن ينبذ إلـى من أقام علـى شركه الذي لا يقرّ علـى الـمقام علـيه, وأن يقتل الـمرتدّ عن الإسلام منهم بكل حال إلا أن يراجع الإسلام, أذنه الـمشركون بأنهم علـى حربه أولـم يأذنوه, فإذ كان الـمأمور بذلك لا يخـلو من أحد أمرين, إما أن يكون كان مشركا مقـيـما علـى شركه الذي لا يقرّ علـيه, أو يكون كان مسلـما فـارتدّ وأذن بحرب, فأيّ الأمرين كان, فإنـما نبذ إلـيه بحرب, لا أنه أمر بـالإيذان بها إن عزم علـى ذلك, لأن الأمر إن كان إلـيه فأقام علـى أكل الربـا مستـحلاً له, ولـم يؤذن الـمسلـمون بـالـحرب, لـم يـلزمهم حربه, ولـيس ذلك حكمه فـي واحدة من الـحالـين, فقد علـم أنه الـمأذون بـالـحرب لا الاَذن بها. وعلـى هذا التأويـل تأوّله أهل التأويـل.) ذكر من قال ذلك:
5033ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس فـي قوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا ما بَقِـيَ مِنَ الربّ} إلـى قوله: {فـأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} فمن كان مقـيـما علـى الربـا لا ينزع عنه, فحقّ علـى إمام الـمسلـمين أن يستتـيبه, فإن نزع, وإلا ضرب عنقه.
5034ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم, قال: حدثنا ربـيعة بن كلثوم, قال: ثنـي أبـي, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: يقال يوم القـيامة لاَكل الربـا: خذ سلاحك للـحرب.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا ربـيعة بن كلثوم, قال: ثنـي أبـي, عن سعيد بن جبـير عن ابن عبـاس, مثله.
5035ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {وَذَرُوا ما بَقِـيَ مِنَ الرّبـا إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ فإنْ لَـمْ تَفْعَلُوا فـأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} أوعدهم الله بـالقتل كما تسمعون, فجعلهم بهرجا أينـما ثقـفوا.
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن سعيد بن أبـي عروبة, عن قتادة, مثله.
5036ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: {فإنْ لَـمْ تَفْعَلُوا فَـأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} أوعد لاَكل الربـا بـالقتل.
5037ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس قوله: {فَـأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} فـاستـيقنوا بحرب من الله ورسوله.
وهذه الأخبـار كلها تنبىء عن أن قوله: {فَـأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ} إيذان من الله عزّ وجلّ لهم بـالـحرب والقتل, لا أمر لهم بإيذان غيرهم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإنْ تُبْتُـمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوَالِكُمْ}.
يعنـي جل ثناؤه بذلك: إن تبتـم فتركتـم أكل الربـا, وأنبتـم إلـى الله عزّ وجلّ, فلكم رءوس أموالكم من الديون التـي لكم علـى الناس دون الزيادة التـي أحدثتـموها علـى ذلك ربـا منكم. كما:
5038ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {وَإنْ تُبْتُـمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوالِكُمْ} الـمال الذي لهم علـى ظهور الرجال جعل لهم رُءُوسَ أموالهم حين نزلت هذه الآية. فأما الربح والفضل فلـيس لهم, ولا ينبغي لهم أن يأخذوا منه شيئا.
5039ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: حدثنا هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك, قال: وضع الله الربـا, وجعل لهم رءوس أموالهم.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن سعيد بن أبـي عروبة, عن قتادة فـي قوله: {وَإنْ تُبْتُـمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوالِكُمْ} قال: ما كان لهم من دين, فجعل لهم أن يأخذوا رءوس أموالهم, ولا يزدادوا علـيه شيئا.
5040ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: {وَإنْ تُبْتُـمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوَالِكُمْ} الذي أسلفتـم وسقط الربـا.
5041ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: ذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم قال فـي خطبته يوم الفتـح: «ألاّ إنّ رِبـا الـجاهِلِـيّةِ مَوْضُوعٌ كُلّهُ, وَأوّلُ رِبـا أبْتَدِىءُ بِهِ رِبـا العَبّـاسِ بْنِ عَبْدِ الـمُطّلِب».
5042ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فـي خطبته: «إنّ كُلّ رِبـا مَوْضُوعٌ, وأوّلُ رِبـا يُوضَعُ رِبـا العَبّـاس».
القول فـي تأويـل قوله: {لا تَظْلِـمُونَ وَلا تُظْلَـمُونَ}.
يعنـي بقوله: {لا تَظْلِـمُونَ} بأخذكم رءوس أموالكم التـي كانت لكم قبل الإربـاء علـى غرمائكم منهم دون أربـاحها التـي زدتـموها ربـا علـى من أخذتـم ذلك منه من غرمائكم, فتأخذوا منهم ما لـيس لكم أخذه, أو لـم يكن لكم قبل. {وَلا تُظْلَـمُونَ} يقول: ولا الغريـم الذي يعطيكم ذلك دون الربـا الذي كنتـم ألزمتـموه من أجل الزيادة فـي الأجل يبخسكم حقا لكم علـيه فـيـمنعكموه, لأن ما زاد علـى رءوس أموالكم, لـم يكن حقا لكم علـيه, فـيكون بـمنعه إياكم ذلك ظالـما لكم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك كان ابن عبـاس يقول وغيره من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
5043ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: {وَإنْ تُبْتُـمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِـمُونَ} فتربون, {وَلا تُظْلَـمُونَ} فتنقصون.
5044ـ وحدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: {فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوَالِكُمْ لا تَظْلِـمُونَ وَلا تُظْلَـمُونَ} قال: لا تنقصون من أموالكم, ولا تأخذون بـاطلاً لا يحلّ لكم.
الآية : 280
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىَ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدّقُواْ خَيْرٌ لّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
يعنـي جل ثناؤه بذلك: وإن كان مـمن تقبضون منه من غرمائكم رءوس أموالكم ذو عسرة, يعنـي معسرا برءوس أموالكم التـي كانت لكم علـيهم قبل الإربـاء, فأنظِروهم إلـى ميسرتهم. وقوله: {ذُو عُسْرَةٍ} مرفوع بكان, فـالـخبر متروك, وهو ما ذكرنا, وإنـما صلـح ترك خبرها من أجل أن النكرات تضمر لها العرب أخبـارها, ولو وجهت كان فـي هذا الـموضع إلـى أنها بـمعنى الفعل الـمتكفـي بنفسه التامّ, لكان وجها صحيحا, ولـم يكن بها حاجة حينئذ إلـى خبر. فـيكون تأويـل الكلام عند ذلك: وإن وجد ذو عسرة من غرمائكم برءوس أموالكم, فنظرة إلـى ميسرة.
وقد ذكر أن ذلك فـي قراءة أبـيّ بن كعب: «وَإنْ كانَ ذا عُسْرَةٍ» بـمعنى: وإن كان الغريـم ذا عسرة فنظرة إلـى ميسرة. وذلك وإن كان فـي العربـية جائزا فغير جائزة القراءة به عندنا لـخلافه خطوط مصاحف الـمسلـمين.
وأما قوله: {فَنَظْرَةٌ إلـى مَيْسِرَةٍ} فإنه يعنـي: فعلـيكم أن تنظروه إلـى ميسرة, كما قال: {فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أوْ بِهِ أذًى مِنْ رأسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صيَامٍ} وقد ذكرنا وجه رفع ما كان من نظائرها فـيـما مضى قبل, فأغنى عن تكريره. والـميسرة: الـمفعلة من الـيسر, مثل الـمرحمة والـمشأمة.
ومعنى الكلام: وإن كان من غرمائكم ذو عسرة, فعلـيكم أن تنظروه حتـى يوسر بـما لـيس لكم, فـيصير من أهل الـيسر به.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
5045ـ حدثنـي واصل بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن يزيد بن أبـي زياد, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس فـي قوله: {وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلـى مَيْسِرَةٍ} قال: نزلت فـي الربـا.
5046ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: حدثنا هشام, عن ابن سيرين: أن رجلاً خاصم رجلاً إلـى شريح قال: فقضى علـيه, وأمر بحبسه. قال: فقال رجل عند شريح: إنه معسر, والله يقول فـي كتابه: {وَإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلـى مَيْسِرَةٍ} قال: فقال شريح: إنـما ذلك فـي الربـا, وإن الله قال فـي كتابه: {إنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدّوا الأماناتِ إِلـى أهْلِها وَإذَا حَكَمْتُـمْ بَـيْنَ النّاسِ أنْ تَـحْكُمُوا بـالعَدْلِ} ولا يأمرنا الله بشيء ثم يعذّبنا علـيه.
5047ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا مغيرة, عن إبراهيـم فـي قوله: {وَإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلـى مَيْسِرَةٍ} قال: ذلك فـي الربـا.
5048ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا مغيرة, عن الـحسن: أن الربـيع بن خُثَـيْـم كان له علـى رجل حقّ, فكان يأتـيه ويقوم علـى بـابه ويقول: أي فلان إن كنت موسرا فأدّ, وإن كنت معسرا فإلـى ميسرة.
حدثنا يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن أيوب, عن مـحمد, قال: جاء رجل إلـى شريح, فكلـمه, فجعل يقول: إنه معسر, إنه معسر, قال: فظننت أنه يكلـمه فـي مـحبوس. فقال شريح: إن الربـا كان فـي هذا الـحيّ من الأنصار, فأنزل الله عزّ وجلّ: {وَإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلـى مَيْسِرَةٍ} وقال الله عزّ وجلّ: {إنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدّوا الأماناتِ إلـى أهْلِه} فما كان الله عزّ وجلّ يأمرنا بأمر ثم يعذّبنا علـيه, أدّوا الأمانات إلـى أهلها.
5049ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن سعيد, عن قتادة فـي قوله: {وَإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلـى مَيْسَرَةٍ} قال: فنظرة إلـى ميسرة برأس ماله.
5050ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: {وَإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلـى مَيْسرَةٍ} إنـما أمر فـي الربـا أن ينظر الـمعسر, ولـيست النظرة فـي الأمانة, ولكن يؤدّي الأمانة إلـى أهلها.
5051ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: {وَإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ} برأس الـمال, {إلـى مَيْسَرَةٍ} يقول: إلـى غنى.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: {وَإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلـى مَيْسَرَةٍ} هذا فـي شأن الربـا.
5052ـ حدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: أخبرنا عبـيد بن سلـمان, قال: سمعت الضحاك فـي قوله: {وَإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلـى مَيْسَرَةٍ} هذا فـي شأن الربـا, وكان أهل الـجاهلـية بها يتبـايعون, فلـما أسلـم من أسلـم منهم, أمروا أن يأخذوا رءوس أموالهم.
5053ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: {وَإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلـى مَيْسَرَةٍ} يعنـي الـمطلوب.
5054ـ حدثنـي ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن جابر, عن أبـي جعفر فـي قوله: {وَإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلـى مَيْسَرَةٍ} قال: الـموت.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن جابر, عن مـحمد بن علـيّ, مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا قبـيصة بن عقبة, قال: حدثنا سفـيان, عن الـمغيرة, عن إبراهيـم: {وَإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةً إلـى مَيْسَرَةٍ} قال: هذا فـي الربـا.
5055ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا شريك, عن منصور, عن إبراهيـم فـي الرجل يتزوّج إلـى الـميسرة, قال: إلـى الـموت أو إلـى فرقة.
حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا هشيـم, عن مغيرة, عن إبراهيـم: {فَنَظِرَةٌ إلـى مَيْسَرَةٍ}. قال: ذلك فـي الربـا.
5056ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا مندل, عن لـيث, عن مـجاهد: {فَنَظِرَةٌ إلـى مَيْسرَةٍ}. قال: يؤخره ولا يزد علـيه, وكان إذا حلّ دين أحدهم فلـم يجد ما يعطيه زاد علـيه وأخره.
5057ـ وحدثنا أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا مندل, عن لـيث, عن مـجاهد: {وَإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلـى مَيْسِرَةٍ} قال: يؤخره ولا يزد علـيه.
وقال آخرون: هذه الآية عامة فـي كل من كان له قبل رجل معسر حق من أيّ وجهة كان ذلك الـحق من دين حلال أو ربـا. ذكر من قال ذلك:
5058ـ حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك, قال: من كان ذا عسرة فنظرة إلـى ميسرة, وأن تصدّقوا خير لكم¹ قال: وكذلك كل دين علـى مسلـم, فلا يحلّ لـمسلـم له دين علـى أخيه يعلـم منه عسرة أن يسجنه ولا يطلبه حتـى يـيسره الله علـيه, وإنـما جعل النظرة فـي الـحلال فمن أجل ذلك كانت الديون علـى ذلك.
5059ـ حدثنـي علـيّ بن حرب, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن يزيد بن أبـي زياد, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس: {وَإنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلـى مَيْسَرَةٍ} قال: نزلت فـي الدين.
والصواب من القول فـي قوله: {وَإنْ كانَ دُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلـى مَيْسَرَةٍ} أنه معنـيّ به غرماء الذين كانوا أسلـموا علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولهم علـيهم ديون قد أربوا فـيها فـي الـجاهلـية, فأدركهم الإسلام قبل أن يقبضوها منهم, فأمر الله بوضع ما بقـي من الربـا بعد ما أسلـموا, وبقبض رءوس أموالهم, مـمن كان منهم من غرمائهم موسرا, وإنظار من كان منهم معسرا برءوس أموالهم إلـى ميسرتهم. فذلك حكم كل من أسلـم وله ربـا قد أربى علـى غريـم له, فإن الإسلام يبطل عن غريـمه ما كان له علـيه من قِبَل الربـا, ويـلزمه أداء رأس ماله الذي كان أخذ منه, أو لزمه من قبل الإربـاء إلـيه إن كان موسرا, وإن كان معسرا كان منظرا برأس مال صاحبه إلـى ميسرته, وكان الفضل علـى رأس الـمال مبطلاً عنه. غير أن الآية وإن كانت نزلت فـيـمن ذكرنا وإياهم عنى بها, فإن الـحكم الذي حكم الله به من إنظاره الـمعسر برأس مال الـمربـي بعد بطول الرّبـا عنه حكم واجب لكل من كان علـيه دين لرجل قد حلّ علـيه, وهو بقضائه معسر فـي أنه منظر إلـى ميسرته, لأن دين كل ذي دين فـي مال غريـمه وعلـى غريـمه قضاؤه منه لا فـي رقبته, فإذا عدم ماله, فلا سبـيـل له علـى رقبته بحبس ولا بـيع, وذلك أن مال ربّ الدين لن يخـلو من أحد وجوه ثلاثة: إما أن يكون فـي رقبة غريـمه, أو فـي ذمته يقضيه من ماله, أو فـي مال له بعينه¹ فإن يكن فـي مال له بعينه, فمتـى بطل ذلك الـمال وعدم, فقد بطل دين ربّ الـمال, وذلك ما لا يقوله أحد ويكون فـي رقبته, فإن يكن كذلك فمتـى عدمت نفسه, فقد بطل دين ربّ الدين, وإن خـلف الغريـم وفـاء بحقه وأضعاف ذلك, وذلك أيضا لا يقوله أحد, فقد تبـين إذ كان ذلك كذلك أن دين ربّ الـمال فـي ذمة غريـمه يقضيه من ماله, فإذا عدم ماله فلا سبـيـل له علـى رقبته, لأنه قد عدم ما كان علـيه أن يؤدى منه حقّ صاحبه لو كان موجودا, وإذا لـم يكن علـى رقبته سبـيـل لـم يكن إلـى حبسه بحقه وهو معدوم سبـيـل, لأنه غير مانعه حقا له إلـى قضائه سبـيـل, فـيعاقب بظلـمه إياه بـالـحبس.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وأنْ تَصَدّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ}.
يعنـي جلّ وعزّ بذلك: وأن تتصدّقوا برءوس أموالكم علـى هذا الـمعسر, خير لكم أيها القوم من أن تنظروه إلـى ميسرته لتقبضوا رءوس أموالكم منه إذا أيسر, {إنْ كُنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ} موضع الفضل فـي الصدقة, وما أوجب الله من الثواب لـمن وضع عن غريـمه الـمعسر دينه.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: وأن تصدّقوا برءوس أموالك علـى الغنـيّ والفقـير منهم خير لكم. ذكر من قال ذلك:
5060ـ حدثنـي بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {وَإنْ تُبْتُـمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوَالِكُمْ} والـمال الذي لهم علـى ظهور الرجال جعل لهم رءوس أموالهم حين نزلت هذه الآية¹ فأما الربح والفضل فلـيس لهم, ولا ينبغي لهم أن يأخذوا منه شيئا. {وأنْ تَصَدّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ}. يقول وإن تصدقوا بأصل الـمال, خير لكم.
5061ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن سعيد عن قتادة: {وأنْ تَصَدّقُو} أي برأس الـمال فهو خير لكم.
5062ـ وحدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن مغيرة, عن إبراهيـم: {وأنْ تَصَدّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} قال: من رءوس أموالكم.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيـى, عن سفـيان, عن الـمغيرة, عن إبراهيـم بـمثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا قبـيصة بن عقبة, قال: حدثنا سفـيان, عن مغيرة, عن إبراهيـم: {وأنْ تَصَدّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} قال: أن تصدّقوا برءوس أموالكم.
وقال آخرون: معنى ذلك: وأن تصدقوا به علـى الـمعسر خير لكم¹ نـحو ما قلنا فـي ذلك. ذكر من قال ذلك:
5063ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: {وأنْ تَصَدّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} قال: وأن تصدّقوا برءوس أموالكم علـى الفقـير فهو خير لكم, فتصدّق به العبـاس.
5064ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: {وَإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلـى مَيْسِرَةٍ وأنْ تَصَدّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} يقول: وإن تصدّقت علـيه برأس مالك فهو خير لك.
5065ـ حدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ, قال أخبرنا عبـيد قال: سمعت الضحاك فـي قوله: {وأنْ تَصَدّقُوا خَيْر لَكم} يعنـي علـى الـمعسر, فأما الـموسر فلا, ولكن يؤخذ منه رأس الـمال, والـمعسر الأخذ منه حلال والصدقة علـيه أفضل.
5066ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك: وأن تصدّقوا برءوس أموالكم خير لكم من نظرة إلـى ميسرة, فـاختار الله عزّ وجلّ الصدقة علـى النّظارة.
5067ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلـى مَيْسرَةٍ, وأنْ تَصَدّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} قال: من النظرة {إنْ كُنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ}.
حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك: {فَنَظِرَةٌ إلـى مَيْسرَةٍ وأنْ تَصَدّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} والنظرة واجبة, وخير الله عزّ وجلّ الصدقة علـى النظرة, والصدقة لكل معسر¹ فأما الـموسر فلا.
وأولـى التأويـلـين بـالصواب, تأويـل من قال معناه: وأن تصدّقوا علـى الـمعسر برءوس أموالكم خير لكم¹ لأنه يـلـي ذكر حكمه فـي الـمعنـيـين, وإلـحاقه بـالذي يـلـيه أحبّ إلـيّ من إلـحاقه بـالذي بعد منه. وقد قـيـل: إن هذه الاَيات فـي أحكام الربـا هن آخر آيات نزلت مِن القرآن. ذكر من قال ذلك:
5068ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن سعيد, وحدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب: أن عمر بن الـخطاب قال: كان آخر ما نزل من القرآن آية الربـا, وإن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم قُبِض قبل أن يفسرها, فدعوا الربـا والريبة.
5069ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا داود, عن عامر: أن عمر رضي الله عنه قام, فحمد الله وأثنى علـيه, ثم قال: أما بعد: فإنه والله ما أدري, لعلنا نأمركم بأمر لا يصلـح لكم, وما أدري لعلنا ننهاكم عن أمر يصلـح لكم¹ وإنه كان من آخر آيات القرآن تنزيلاً آيات الربـا, فتوفـي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبنـيه لنا, فدعوا ما يريبكم إلـى ما لا يريبكم.
5070ـ حدثنـي أبو زيد عمر بن شبة, قال: حدثنا قبـيصة, قال: حدثنا سفـيان الثوري, عن عاصم, عن الأحول, عن الشعبـي, عن ابن عبـاس, قال: آخر ما أنزل علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الربـا, وإنا لنأمر بـالشيء لا ندري لعلّ به بأسا, وننهى عن الشيء لعله لـيس به بأس.
الآية : 281
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَاتّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمّ تُوَفّىَ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }
وقـيـل: هذه الآية أيضا آخر آية نزلت من القرآن. ذكر من قال ذلك:
5071ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا أبو تـميـلة, قال: حدثنا الـحسين بن واقد, عن يزيد النـحوي, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: آخر آية نزلت علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم: {وَاتقُوا يَوْما تُرْجَعُونَ فِـيهِ إلـى اللّهِ}.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: {وَاتّقُوا يَوْما تُرْجَعُونَ فِـيهِ إلـى اللّهِ}... الآية, فهي آخر آية من الكتاب أنزلت.
5072ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة, قال: حدثنا إسماعيـل بن سهل بن عامر, قال: حدثنا مالك بن مغول, عن عطية, قال: آخر آية نزلت: {وَاتّقُوا يَوْما تُرْجَعُونَ فِـيهِ إلـى اللّهِ ثُمّ تُوَفّـى كُلّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَـمُونَ}.
5073ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن السدي, قال: آخر آية نزلت {وَاتّقُوا يَوْما تُرْجَعُونَ فِـيهِ إلـى اللّهِ}.
5074ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو تـميـلة, عن عبـيد بن سلـيـمان, عن الضحاك, عن ابن عبـاس وحجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: آخر آية نزلت من القرآن: {وَاتّقُوا يَوْما تُرْجَعُونَ فِـيهِ إلـى اللّهِ ثُمّ تُوَفّـى كُلّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَـمُونَ}. قال ابن جريج: يقولون, إن النبـيّ صلى الله عليه وسلم مكث بعدها تسع لـيال, وبدا يوم السبت, ومات يوم الاثنـين.
5075ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي يونس, عن ابن شهاب, قال: ثنـي سعيد بن الـمسيب, أنه بلغه أن أحدث القرآن بـالعرش آية الدّين.
يعنـي بذلك جل ثناؤه: (واحذروا أيها الناس يوما ترجعون فـيه إلـى الله فتلقونه فـيه أن تردّوا علـيه بسيئات تهلككم, أو بـمخزيات تـخزيكم, أو بفضيحات تفضحكم, فتهتك أستاركم, أو بـموبقات توبقكم, فتوجب لكم من عقاب الله ما لا قبل لكم به, وإنه يوم مـجازاة الأعمال لا يوم استعتاب, ولا يوم استقالة وتوبة وإنابة, ولكنه يوم جزاء وثواب ومـحاسبة, توفـى فـيه كل نفس أجرها علـى ما قدمت واكتسبت من سيىء وصالـح, لا يغادر فـيه صغيرة ولا كبـيرة من خير وشرّ إلا أحضرت, فتوفـى جزاءها بـالعدل من ربها, وهم لا يظلـمون. وكيف يظلـم من جوزي بـالإساءة مثلها وبـالـحسنة عشر أمثالها, كلا بل عدل علـيك أيها الـمسيء, وتكرّم علـيك فأفضل وأسبغَ أيها الـمـحسن, فـاتقـى امرؤ ربه فأخذ منه حذره وراقبه أن يهجم علـيه يومه, وهو من الأوزار ظهره ثقـيـل, ومن صالـحات الأعمال خفـيف, فإنه عزّ وجلّ حذر فأعذر, ووعظ فأبلغ