تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 504 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 504

504 : تفسير الصفحة رقم 504 من القرآن الكريم

** وَوَصّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً حَتّىَ إِذَا بَلَغَ أَشُدّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبّ أَوْزِعْنِيَ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ الّتِيَ أَنْعَمْتَ عَلَيّ وَعَلَىَ وَالِدَيّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرّيّتِيَ إِنّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ نَتَقَبّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيّئَاتِهِمْ فِيَ أَصْحَابِ الْجَنّةِ وَعْدَ الصّدْقِ الّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ
لما ذكر تعالى في الاَية الأولى التوحيد له وإِخلاص العبادة والاستقامة إِليه, عطف بالوصية بالوالدين كما هو مقرون في غير ما آية من القرآن كقوله عز وجل: {وقضى ربك ألا تعبدوا إِلا إِياه وبالوالدين إِحسان} وقوله جل جلاله: {أن اشكر لي ولوالديك إِلي المصير} إِلى غير ذلك من الاَيات الكثيرة. وقال عز وجل ههنا {ووصينا الإنسان بوالديه إِحسان} أي أمرناه بالإحسان إِليهما والحنو عليهما وقال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة, أخبرني سماك بن حرب قال: سمعت مصعب بن سعد يحدث عن سعد رضي الله عنه قال: قالت أم سعد لسعد: أليس قد أمر الله بطاعة الوالدين فلا آكل طعاماً ولا أشرب شراباً حتى تكفر بالله تعالى, فامتنعت من الطعام والشراب حتى جعلوا يفتحون فاها بالعصا ونزلت هذه الاَية {ووصينا الإنسان بوالديه إِحسان} الاَية. ورواه مسلم وأهل السنن إِلا ابن ماجه من حديث شعبة بإِسناده نحوه وأطول منه {حملته أمه كره} أي قاست بسببه في حمله مشقة وتعباً من وحام وغثيان وثقل وكرب, إِلى غير ذلك مما تنال الحوامل من التعب والمشقة, {ووضعته كره} أي بمشقة أيضاً من الطلق وشدته {وحمله وفصاله ثلاثون شهر}.
وقد استدل علي رضي الله عنه بهذه الاَية مع التي في لقمان {وفصاله في عامين} وقوله تبارك وتعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وهو استنباط قوي وصحيح, ووافقه عليه عثمان وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم. قال محمد بن إِسحاق بن يسار عن يزيد بن عبيد الله بن قسيط عن معمر بن عبد الله الجهني قال: تزوج رجل منا امرأة من جهينة فولدت له لتمام ستة أشهر, فانطلق زوجها إلى عثمان رضي الله عنه, فذكر ذلك له, فبعث إليها, فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها فقالت: وما يبكيك ؟ فوالله ما التبس بي أحد من خلق الله تعالى غيره قط, فيقضي الله سبحانه وتعالى في ما شاء, فلما أتى بها عثمان رضي الله عنه أمر برجمها فبلغ ذلك علياً رضي الله عنه: فأتاه فقال له ما تصنع, قال: ولدت تماماً لستة أشهر, وهل يكون ذلك, فقال له علي رضي الله عنه: أما تقرأ القرآن: قال: بلى. قال: أما سمعت الله عز وجل يقول {وحمله وفصاله ثلاثون شهر} وقال {حولين كاملين} فلم نجده بقي إلا ستة أشهر قال: فقال عثمان رضي الله عنه والله ما فطنت بهذا, عليّ بالمرأة فوجدوها قد فرغ منها قال: فقال معمر: فوالله ما الغراب بالغراب ولا البيضة بالبيضة بأشبه منه بأبيه, فلما رآه أبوه قال: ابني والله لا أشك فيه. قال: وابتلاه الله تعالى بهذه القرحة بوجهه الاَكلة, فمازالت تأكله حتى مات, رواه ابن أبي حاتم, وقد أوردناه من وجه آخر عند قوله عز وجل: {فأنا أول العابدين}.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي, حدثنا فروة بن أبي المغراء, حدثنا علي بن مسهر عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: إذا وضعت المرأة لتسعة أشهر كفاه من الرضاع أحد وعشرين شهراً, وإذا وضعته لسبعة أشهر كفاه من الرضاع ثلاثة وعشرون شهراً, وإذا وضعته لستة أشهر فحولين كاملين لأن الله تعالى يقول {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده} أي قوي وشب وارتجل. {وبلغ أربعين سنة} أي تناهى عقله وكمل فهمه وحلمه. ويقال إنه لا يتغير غالباً عما يكون عليه ابن الأربعين, قال أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قلت لمسروق: متى يؤخذ الرجل بذنوبه ؟ قال إذا بلغت الأربعين فخذ حذرك.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو عبد الله القواريري, حدثنا عروة بن قيس الأزدي, وكان قد بلغ مائة سنة, حدثنا أبو الحسن السلولي عمر بن أوس قال: قال محمد بن عمرو بن عثمان عن عثمان رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العبد المسلم إذا بلغ أربعين سنة خفف الله تعالى حسابه, وإذا بلغ الستين سنة رزقه الله تعالى الإنابة إليه, وإذا بلغ سبعين سنة أحبه أهل السماء وإذا بلغ ثمانين سنة ثبت الله تعالى حسناته ومحا سيئاته, وإذا بلغ تسعين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, وشفعه الله تعالى في أهل بيته, وكتب في السماء أسير الله في أرضه» وقد روي هذا من غير وجه, وهو في مسند الإمام أحمد, وقد قال الحجاج بن عبد الله الحكمي أحد أمراء بني أمية بدمشق, تركت المعاصي والذنوب أربعين سنة حياء من الناس, ثم تركتها حياءً من الله عز وجل, وما أحسن قول الشاعر:
صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسهفلما علاه قال للباطل: ابعد!
{قال رب أوزعني} أي ألهمني {أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والديّ وأن أعمل صالحاً ترضاه} أي في المستقبل {وأصلح لي في ذريتي} أي نسلي وعقبي {إني تبت إليك وإني من المسلمين} وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة والإنابة إلى الله عز وجل ويعزم عليها, وقد روى أبو داود في سننه عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أن يقولوا في التشهد «اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا, واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات إلى النور وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن, وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا, وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم, واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك قابليها وأتممها علينا» قال الله عز وجل: {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة} أي هؤلاء المتصفون بما ذكرنا, التائبون إلى الله تعالى المنيبون إليه, المستدركون ما فات بالتوبة والاستغفار, هم الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم فيغفر لهم الكثير من الزلل ونتقبل منهم اليسير من العمل.
{في أصحاب الجنة} أي هم في جملة أصحاب الجنة, وهذا حكمهم عند الله كما وعد الله عز وجل من تاب إليه وأناب, ولهذا قال تعالى: {وعد الصدق الذي كانوا يوعدون} قال ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم, حدثنا المعتمر بن سليمان عن الحكم بن أبان عن الغطريف, عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن الروح الأمين عليه الصلاة والسلام قال: «يؤتى بحسنات العبد وسيئاته فيقتص بعضها ببعض, فإن بقيت حسنة وسع الله تعالى له في الجنة» قال: فدخلت على يزداد فحدث بمثل هذا قال: قلت فإن ذهبت الحسنة ؟ قال {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون} وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن محمد بن عبد الأعلى الصنعاني عن المعتمر بن سليمان بإسناده مثله وزاد عن الروح الأمين. قال: قال الرب جل جلاله: يؤتى بحسنات العبد وسيئاته فذكره, وهو حديث غريب وإسناده جيد ولا بأس به.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا سليمان بن معبد, حدثنا عمرو بن عاصم الكلائي, حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية عن ابي وحشية عن يوسف بن سعد, عن محمد بن حاطب قال: ونزل في داري حيث ظهر علي رضي الله عنه على أهل البصرة فقال له يوماً: لقد شهدت أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه, وعنده عمار وصعصعة والأشتر ومحمد بن أبي بكر رضي الله عنهم, فذكروا عثمان رضي الله عنه فنالوا منه, فكان علي رضي الله عنه على السرير ومعه عود في يده, فقال قائل منهم: إن عندكم من يفصل بينكم, فسألوه فقال علي رضي الله عنه: كان عثمان رضي الله عنه من الذين قال الله تعالى: {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون} قال: والله عثمان وأصحاب عثمان رضي الله عنهم, قالها ثلاثاً. قال يوسف فقلت لمحمد بن حاطب: آلله لسمعت هذا عن علي رضي الله عنه ؟ قال: آلله لسمعت هذا عن علي رضي الله عنه.

** وَالّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفّ لّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيَ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغثِيَانِ اللّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ فَيَقُولُ مَا هَـَذَآ إِلاّ أَسَاطِيرُ الأوّلِينَ * أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ حَقّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِيَ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مّنَ الْجِنّ وَالإِنسِ إِنّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ * وَلِكُلّ دَرَجَاتٌ مّمّا عَمِلُواْ وَلِيُوَفّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ * وَيَوْمَ يُعْرَضُ الّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى النّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ
لما ذكر تعالى حال الداعين للوالدين البارين بهما ومالهم عنده من الفوز, والنجاة, عطف بحال الأشقياء العاقين للوالدين فقال: {والذي قال لوالديه أف لكم} وهذا عام في كل من قال هذا, ومن زعم أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما فقوله ضعيف, لأن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أسلم بعد ذلك, وحسن إسلامه وكان من خيار أهل زمانه, وروى العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في ابن لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما وفي صحة هذا نظر, والله تعالى أعلم. وقال ابن جريج عن مجاهد: نزلت في عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما قاله ابن جريج وقال آخرون عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما, وهذا أيضاً قول السدي, وإنما هذا عام في كل من عق والديه وكذب بالحق, فقال لوالديه {أف لكم} عقهما.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا محمد بن العلاء, حدثنا يحيى بن أبي زائدة, عن إسماعيل بن أبي خالد, أخبرني عبد الله بن المديني, قال: إني لفي المسجد حين خطب مروان فقال: إن الله تعالى قد أرى أمير المؤمنين في يزيد رأياً حسناً, وأن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر عمر رضي الله عنهما, فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: أهرقلية ؟ إن أبا بكر رضي الله عنه والله ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته, ولا جعلها معاوية في ولده إلا رحمة وكرامة لولده, فقال مروان: ألست الذي قال لوالديه أف لكما ؟ فقال عبد الرحمن رضي الله عنه: ألست ابن اللعين الذين لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباك ؟ قال وسمعتهما عائشة رضي الله عنها فقالت: يامروان أنت القائل لعبد الرحمن رضي الله عنه كذا وكذا ؟ كذبت ما فيه نزلت ولكن نزلت في فلان ابن فلان, ثم انتحب مروان ثم نزل عن المنبر, حتى أتى باب حجرتها, فجعل يكلمها حتى انصرف, وقد رواه البخاري بإسناد آخر ولفظ آخر فقال: حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك قال: كان مروان على الحجاز, استعمله معاوية بن أبي سفيان, رضي الله عنهما, فخطب وجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما شيئاً, فقال: خذوه, فدخل بيت عائشة رضي الله عنها فلم يقدروا عليه, فقال مروان: إن هذا الذي أنزل فيه {والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي} فقالت عائشة رضي الله عنها من وراء الحجاب: ما أنزل الله عز وجل فينا شيئاً من القرآن إلا أن الله تعالى أنزل عذري.
(طريق أخرى) قال النسائي: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا أمية بن خالد, حدثنا شعبة عن محمد بن زياد قال: لما بايع معاوية رضي الله عنه لابنه, قال مروان: سنة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: سنة هرقل وقيصر. فقال مروان: هذا الذي أنزل الله تعالى فيه {والذي قال لوالديه أف لكم} الاَية. فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فقالت: كذب مروان والله ما هو به, ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته, ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه فمروان فضض من لعنة الله.
وقوله: {أتعدانني أن أخرج} أي أبعث {وقد خلت القرون من قبلي} أي قد مضى الناس فلم يرجع منهم مخبر {وهما يستغيثان الله} أي يسألان الله فيه أن يهديه ويقولان لولدهما {ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين} قال الله تعالى: {أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين} أي دخلوا في زمرة أشباههم وأضرابهم, من الكافرين الخاسرين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة. وقوله: {أولئك} بعد قوله: {والذي قال} دليل على ما ذكرناه من أنه جنس يعم كل من كان كذلك. وقال الحسن وقتادة: هو الكافر الفاجر العاق لوالديه المكذب بالبعث. وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة سهل بن داود من طريق هشام بن عمار, حدثنا حماد بن عبد الرحمن, حدثنا خالد بن الزبرقان الحلبي عن سليم بن حبيب عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربعة لعنهم الله تعالى من فوق عرشه, وأمنت عليهم الملائكة: مضل المساكين» قال خالد الذي يهوي بيده إلى المسكين فيقول: هلم أعطيك, فإذا جاءه قال: ليس معي شيء «والذي يقول للماعون ابن وليس بين يديه شيء, والرجل يسأل عن دار القوم فيدلونه على غيرها, والذي يضرب الوالدين حتى يستغيثا» غريب جداً.
وقوله تبارك وتعالى: {ولكل درجات مما عملو} أي لكل عذاب بحسب عمله {وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون} أي لا يظلمهم مثقال ذرة فما دونها. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم, درجات النار تذهب سفالاً ودرجات الجنة تذهب علواً, وقوله عز وجل: {ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم به} أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً, وقد تورع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن كثير من طيبات المآكل والمشارب. وتنزه عنها ويقول: إني أخاف أن أكون كالذين قال الله لهم وبخهموقرعهم: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم به} وقال أبو مجلز: ليفقدن أقوام حسنات كانت لهم في الدنيا فيقال لهم {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدني} وقوله عز وجل: {فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون} فجوزوا من جنس عملهم فكما متعوا أنفسهم واستكبروا عن اتباع الحق وتعاطوا الفسق والمعاصي, جازاهم الله تبارك وتعالى بعذاب الهون, وهو الإهانة والخزي والاَلام الموجعة والحسرات المتتابعة والمنازل في الدركات المفظعة, أجارنا الله سبحانه وتعالى من ذلك كله.