تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 507 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 507

507 : تفسير الصفحة رقم 507 من القرآن الكريم

** أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّ اللّهَ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنّ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يُحْيِـيَ الْمَوْتَىَ بَلَىَ إِنّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَيَوْمَ يُعْرَضُ الّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىَ النّارِ أَلَيْسَ هَـَذَا بِالْحَقّ قَالُواْ بَلَىَ وَرَبّنَا قَالَ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لّهُمْ كَأَنّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوَاْ إِلاّ سَاعَةً مّن نّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ
يقول تعالى: أولم ير هؤلاء المنكرون للبعث يوم القيامة المستبعدون لقيام الأجساد يوم المعاد {أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن} أي ولم يكرثه خلقهم بل قال لها كوني فكانت بلا ممانعة ولا مخالفة بل طائعة مجيبة وجلة, أفليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ؟ كما قال عز وجل في الاَية الأخرى: {لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون} ولهذا قال تعالى: {بلى إنه على كل شيء قدير}. ثم قال جل جلاله مهدداً ومتوعداً لمن كفر به {ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق} أي يقال لهم أما هذا حق أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون ؟ {قالوا بلى وربن} أي لا يسعهم إلا الاعتراف {وقال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} ثم قال تبارك وتعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على تكذيب من كذبه من قومه: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل} أي على تكذيب قومهم لهم. وقد اختلفوا في تعداد أولي العزم على أقوال وأشهرها أنهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم, قد نص الله تعالى على أسمائهم من بين الأنبياء في آيتين من سورتي الأحزاب والشورى, وقد يحتمل أن يكون المراد بأولي العزم جميع الرسل فتكون {من} في قوله من الرسل لبيان الجنس, والله أعلم.
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي, حدثنا السري بن حيان, حدثنا عباد بن عباد, حدثنا مجالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق قال: قالت عائشة رضي الله عنها: ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً ثم طواه ثم ظل صائماً ثم طواه ثم ظل صائماً ثم قال: «يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لاَل محمد, يا عائشة إن الله تعالى لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها والصبر على محبوبها, ثم لم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم فقال: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل} وإني والله لأصبرن كما صبروا جهدي ولا قوة إلا بالله {ولا تستعجل لهم} أي لا تستعجل لهم حلول العقوبة بهم كقوله تبارك وتعالى: {فذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليل} وكقوله تعالى: {فمهل الكافرين أمهلهم رويد} {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار} كقوله جل وعلا: {كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاه} وكقوله عز وجل: {ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم} الاَية. وقوله جل وعلا: {بلاغ}. قال ابن جرير يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون تقديره, وذلك لبث بلاغ, والاَخر أن يكون تقديره هذا القرآن بلاغ. وقوله تعالى: {فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} أي لا يهلك على الله إلا هالك, وهذا من عدله عز وجل أنه لا يعذب إلا من يستحق العذاب, والله أعلم.

سورة محمد
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ
** الّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ أَضَلّ أَعْمَالَهُمْ * وَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزّلَ عَلَىَ مُحَمّدٍ وَهُوَ الْحَقّ مِن رّبّهِمْ كَفّرَ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنّ الّذِينَ كَفَرُواْ اتّبَعُواْ الْبَاطِلَ وَأَنّ الّذِينَ آمَنُواْ اتّبَعُواْ الْحَقّ مِن رّبّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ لِلنّاسِ أَمْثَالَهُمْ
يقول تعالى: {الذين كفرو} أي بآيات الله {وصدو} غيرهم {عن سبيل الله أضل أعمالهم} أي أبطلها وأذهبها ولم يجعل لها ثواباً ولا جزاء كقوله تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثور} ثم قال جل وعلا: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي آمنت قلوبهم وسرائرهم وانقادت لشرع الله جوارحهم وبواطنهم وظواهرهم {وآمنوا بما نزل على محمد} عطف خاص على عام وهو دليل على أنه شرط في صحة الإيمان بعد بعثته صلى الله عليه وسلم. وقوله تبارك وتعالى: {وهو الحق من ربهم} جملة معترضة حسنة ولهذا قال جل جلاله: {كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم} قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي أمرهم. وقال مجاهد: شأنهم. وقال قتادة وابن زيد: حالهم والكل متقارب. وقد جاء في حديث تشميت العاطس «يهديكم الله ويصلح بالكم» ثم قال عز وجل: {ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل} أي إنما أبطلنا أعمال الكفار. وتجاوزنا عن سيئات الأبرار, وأصلحنا شؤونهم لأن الذين كفروا اتبعوا الباطل أي اختاروا الباطل على الحق {وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم} أي يبين لهم مآل أعمالهم, وما يصيرون إليه في معادهم, والله سبحانه وتعالى أعلم.

** فَإِذَا لَقِيتُمُ الّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ الرّقَابِ حَتّىَ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدّواْ الْوَثَاقَ فَإِمّا مَنّا بَعْدُ وَإِمّا فِدَآءً حَتّىَ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـَكِن لّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَلَن يُضِلّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنّةَ عَرّفَهَا لَهُمْ * يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تَنصُرُواْ اللّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لّهُمْ وَأَضَلّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنّهُمْ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ اللّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ
يقول تعالى مرشداً للمؤمنين إلى ما يعتمدونه في حروبهم مع المشركين {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب} أي إذا واجهتموهم فاحصدوهم حصداً بالسيوف {حتى إذا أثخنتموهم} أي أهلكتموهم قتلاً {فشدوا الوثاق} الأسارى الذين تأسرونهم, ثم أنتم بعد انقضاء الحرب وانفصال المعركة مخيرون في أمرهم, إن شئتم مننتم عليهم فأطلقتم أساراهم مجاناً, وإن شئتم فاديتموهم بمال تأخذونه منهم وتشارطونهم عليه, والظاهر أن هذه الاَية نزلت بعد وقعة بدر, فإن الله سبحانه وتعالى عاتب المؤمنين على الاستكثار من الأسارى يومئذ, ليأخذوا منهم الفداء والتقليل من القتل يومئذ فقال: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الاَخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} ثم قد ادعى بعض العلماء أن هذه الاَية المخيرة بين مفاداة الأسير والمن عليه منسوخة بقوله تعالى: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} الاَية, رواه العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقاله قتادة والضحاك والسدي وابن جريج وقال الاَخرون وهم الأكثرون: ليست بمنسوخة, ثم قال بعضهم: إنما الإمام مخير بين المن على الأسير ومفاداته فقط, ولا يجوز له قتله. وقال آخرون منهم: بل له أن يقتله إن شاء لحديث قتل النبي صلى الله عليه وسلم النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط من أسارى بدر. وقال ثمامة بن أثال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال له: «ما عندك يا ثمامة ؟» فقال إن تقتل تقتل ذا دم, وإن تمنن تمنن على شاكر, وإن كنت تريد المال فاسأل تعط منه ما شئت. وزاد الشافعي رحمة الله عليه فقال: الإمام مخير بين قتله أو المن عليه أو مفاداته أو استرقاقه أيضاً, وهذه المسألة محررة في علم الفروع وقد دللنا على ذلك في كتابنا الأحكام ولله سبحانه وتعالى الحمد والمنة.
وقوله عز وجل: {حتى تضع الحرب أوزاره} قال مجاهد: حتى ينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام, وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال». وقال الإمام أحمد: حدثنا الحكم بن نافع, حدثنا إسماعيل بن عياش عن إبراهيم بن سليمان, عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير قال: إن سلمة بن نفيل أخبرهم أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني سيبت الخيل وألقيت السلاح ووضعت الحرب أوزارها وقلت: لا قتال, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «الاَن جاء القتال لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس يزيغ الله تعالى قلوب أقوام, فيقاتلونهم ويرزقهم الله منهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك, ألا إن عقد دار المؤمنين بالشام والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» وهكذا رواه النسائي من طريقين عن جبير بن نفير عن سلمة بن نفيل السكوني به.
وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا داود بن رشيد, حدثنا الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر, عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: لما فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح قالوا يا رسول الله سيبت الخيل ووضعت السلاح ووضعت الحرب أوزارها قالوا لا قتال قال: «كذبوا الاَن جاء القتال, ولا يزال الله تعالى يرفع قلوب قوم يقاتلونهم فيرزقهم منهم حتى يأتي أمر الله, وهم على ذلك وعقر دار المسلمين بالشام». وهكذا رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي عن داود بن رشيد به, والمحفوظ أنه من رواية سلمة بن نفيل كما تقدم, وهذا يقوي القول بعدم النسخ كأنه شرع هذا الحكم في الحرب إلى أن لا يبقى حرب. وقال قتادة {حتى تضع الحرب أوزاره} حتى لا يبقى شرك, وهذا كقوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله}. ثم قال بعضهم: حتى تضع الحرب أوزارها أي أوزار المحاربين وهم المشركون بأن يتوبوا إلى الله عز وجل, وقيل أوزار أهلها بأن يبذلوا الوسع في طاعة الله تعالى. وقوله عز وجل: {ذلك ولو يشاء الله لا نتصر منهم} أي هذا ولو شاء الله لا نتقم من الكافرين بعقوبة ونكال من عنده {ولكن ليبلو بعضكم ببعض} أي ولكن شرع لكم الجهاد وقتال الأعداء ليختبركم, ويبلو أخباركم كما ذكر حكمته في شرعية الجهاد في سورتي آل عمران وبراءة في قوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}.
وقال تبارك وتعالى في سورة براءة: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين * ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم} ثم لما كان من شأن القتال أن يقتل كثير من المؤمنين قال: {والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم} أي لن يذهبها بل يكثرها وينميها ويضاعفها . ومنهم من يجري عليه عمله طول برزخه, كما ورد بذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال: حدثنا زيد بن يحيى الدمشقي, حدثنا ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن كثير بن مرة عن قيس الجذامي ـ رجل كانت له صحبة ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يعطى الشهيد ست خصال: عند أول قطرة من دمه تكفر عنه كل خطيئة, ويرى مقعده من الجنة, ويزوج من الحور العين, ويأمن من الفزع الأكبر, ومن عذاب القبر, ويحلى حلة الإيمان» تفرد به أحمد رحمه الله.
(حديث آخر) قال أحمد أيضاً: حدثنا الحكم بن نافع, حدثني إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معد يكرب الكندي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن للشهيد عند الله ست خصال: أن يغفر له في أول دفقة من دمه, ويرى مقعده من الجنة, ويحلى حلة الإيمان, ويزوج الحور العين ويجار من عذاب القبر, ويأمن من الفزع الأكبر, ويوضع على رأسه تاج الوقار مرصع بالدر والياقوت, الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين, ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه». وقد أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجة. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يغفر للشهيد كل شيء إلا الدّين» وروي من حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم, وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته» ورواه أبو داود والأحاديث في فضل الشهيد كثيرة جداً.
وقوله تبارك وتعالى: {سيهديهم} أي إلى الجنة كقوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم}. وقوله عز وجل {ويصلح بالهم} أي أمرهم وحالهم {ويدخلهم الجنة عرفها لهم} أي عرفهم بها وهداهم إليها. قال مجاهد: يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم, وحيث قسم الله لهم منها لا يخطئون كأنهم ساكنوها منذ خلقوا لا يستدلون عليها أحداً, وروى مالك عن ابن زيد بن أسلم نحو هذا, وقال محمد بن كعب: يعرفون بيوتهم إذا دخلوا الجنة كما تعرفون بيوتكم إذا انصرفتم من الجمعة. وقال مقاتل بن حيان: بلغنا أن الملك الذي كان وكل بحفظ عمله في الدنيا يمشي بين يديه في الجنة ويتبعه ابن آدم حتى يأتي أقصى منزل هو له فيعرفه كل شيء أعطاه الله تعالى في الجنة, فإذا انتهى إلى أقصى منزله في الجنة دخل إلى منزله وأزواجه وانصرف الملك عنه, ذكره ابن أبي حاتم رحمه الله. وقد ورد الحديث الصحيح بذلك أيضاً رواه البخاري من حديث قتادة عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار, يتقاضون مظالم كانت بينهم في الدنيا, حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة, والذي نفسي بيده إن أحدهم بمنزله في الجنة أهدى منه بمنزله الذي كان في الدنيا.
ثم قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} كقوله عز وجل: {ولينصرن الله من ينصره} فإن الجزاء من جنس العمل ولهذا قال تعالى: {ويثبت أقدامكم} كما جاء في الحديث «من بلغ ذا سلطان حاجة من لا يستطيع إبلاغها, ثبت الله تعالى قدميه على الصراط يوم القيامة» ثم قال تبارك وتعالى: {والذين كفروا فتعساً لهم} عكس تثبيت الأقدام للمؤمنين الناصرين لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم, وقد ثبت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تعس عبد الدينار, تعس عبد الدرهم, تعس عبد القطيفة, تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش!» أي فلا شفاه الله عز وجل. وقوله سبحانه وتعالى: {وأضل أعمالهم} أي أحبطها وأبطلها, ولهذا قال: {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله} أي لا يريدونه ولا يحبونه {فأحبط أعمالهم}.