تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 508 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 508

508 : تفسير الصفحة رقم 508 من القرآن الكريم

** أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا * ذَلِكَ بِأَنّ اللّهَ مَوْلَى الّذِينَ آمَنُواْ وَأَنّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىَ لَهُمْ * إِنّ اللّهَ يُدْخِلُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَالّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ وَالنّارُ مَثْوًى لّهُمْ * وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدّ قُوّةً مّن قَرْيَتِكَ الّتِيَ أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ
يقول تعالى: {أفلم يسيرو} يعني المشركين بالله المكذبين لرسوله {في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم} أي عاقبهم بتكذيبهم وكفرهم, أي ونجى المؤمنين من بين أظهرهم, ولهذا قال تعالى: {وللكافرين أمثاله}. ثم قال: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} ولهذا لما قال أبو سفيان صخر بن حرب رئيس المشركين يوم أحد, حين سأل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلم يجب وقال: أما هؤلاء فقد هلكوا, وأجابه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: كذبت يا عدو الله بل أبقىالله تعالى لك ما يسوءك, وإن الذين عددت لأحياء, فقال أبو سفيان يوم بيوم بدر, والحرب سجال, أما إنكم ستجدون مثلة لم آمر بها, ولم أنه عنها, ثم ذهب يرتجز ويقول: اعل هبل اعل هبل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تجيبوه ؟» فقالوا: يا رسول الله وما نقول قال صلى الله عليه وسلم قولوا: «الله أعلى وأجل» ثم قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم, فقال صلى الله عليه وسلم: «ألا تجيبوه ؟» قالوا: وما نقول يا رسول الله ؟ قال: قولوا: «الله مولانا ولا مولى لكم».
ثم قال سبحانه وتعالى: {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار} أي يوم القيامة {والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تاكل الأنعام} أي في دنياهم يتمتعون بها ويأكلون منها كأكل الأنعام خضما وقضما, وليس لهم همة إلا في ذلك, ولهذا ثبت في الصحيح «المؤمن يأكل في مِعىً واحد, والكافر يأكل في سبعة أمعاء» ثم قال تعالى: {والنار مثوى لهم} أي يوم جزائهم, وقوله عز وجل: {وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك} يعني مكة {أهلكناهم فلا ناصر لهم} وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لأهل مكة في تكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو سيد الرسل وخاتم الأنبياء, فإذا كان الله عز وجل قد أهلك الأمم الذين كذبوا الرسل قبله بسببهم, وقد كانوا أشد قوة من هؤلاء فماذا ظن هؤلاء أن يفعل الله بهم في الدنيا والأخرى ؟ فإن رفع عن كثير منهم العقوبة في الدنيا لبركة وجود الرسول نبي الرحمة فإن العذاب يوفر على الكافرين به في معادهم {يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون}.
وقوله تعالى: {من قريتك التي أخرجتك} أي الذين أخرجوك من بين أظهرهم. وقال ابن أبي حاتم: ذكر أبي عن محمد بن عبد الأعلى عن المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش, عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما, أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة إلى الغار أتاه قال فالتفت إلى مكة وقال: «أنت أحب بلاد الله إلى الله, وأنت أحب بلاد الله إلي, ولولا أن المشركين أخرجوني لم أخرج منك» فأعدى الأعداء من عدا على الله تعالى في حرمه, أو قتل غير قاتله, أو قتل بدحول الجاهلية, فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم {وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم}.

** أَفَمَن كَانَ عَلَىَ بَيّنَةٍ مّن رّبّهِ كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوَءُ عَمَلِهِ وَاتّبَعُوَاْ أَهْوَاءَهُمْ * مّثَلُ الْجَنّةِ الّتِي وُعِدَ الْمُتّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مّن مّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مّن لّبَنٍ لّمْ يَتَغَيّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مّنْ خَمْرٍ لّذّةٍ لّلشّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مّنْ عَسَلٍ مّصَفّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مّن رّبّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطّعَ أَمْعَآءَهُمْ
يقول تعالى: {أفمن كان على بينة من ربه} أي على بصيرة ويقين من أمر الله ودينه بما أنزل في كتابه من الهدى والعلم, وبما جبله الله عليه من الفطرة المستقيمة, {كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم} أي ليس هذا كهذا, كقوله تعالى: {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ؟} وكقوله تعالى: {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة, أصحاب الجنة هم الفائزون} ثم قال عز وجل {مثل الجنة التي وعد المتقون} قال عكرمة {مثل الجنة} أي نعتها {فيها أنهار من ماء غير آسن} قال ابن عباس رضي الله عنهما والحسن وقتادة: يعني غير متغير. وقال قتادة والضحاك وعطاء الخراساني: غير منتن, والعرب تقول: أسن الماء إذ تغير ريحه, وفي حديث مرفوع أورده ابن أبي حاتم: غير آسن يعني الصافي الذي لا كدر فيه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا وكيع عن الأعمش عن عبد الله بن مرة, عن مسروق قال: قال عبد الله رضي الله عنه: أنهار الجنة تفجر من جبل من مسك {وأنهار من لبن لم يتغير طعمه} أي بل في غاية البياض والحلاوة والدسومة, وفي حديث مرفوع «لم يخرج من ضروع الماشية» {وأنهار من خمر لذة للشاربين} أي ليست كريهة الطعم والرائحة كخمر الدنيا حسنة المنظر والطعم والرائحة والفعل {لا فيها غول ولا هم عنهاينزفون} {لا يصدعون عنها ولا ينزفون} {بيضاء لذة للشاربين} وفي حديث مرفوع «لم يعصرها الرجال بأقدامهم» {وأنهار من عسل مصفى} أي وهو في غاية الصفاء وحسن اللون والطعم والريح. وفي حديث مرفوع «لم يخرج من بطون النحل».
وقال الإمام أحمد: حدثنا زيد بن هارون, أخبرنا الجريري عن حكيم بن معاوية عن أبيه, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «في الجنة بحر اللبن وبحر الماء وبحر العسل وبحر الخمر, ثم تشقق الأنهار منها بعد» ورواه الترمذي في صفة الجنة عن محمد بن بشار عن يزيد بن هارون, عن سعيد بن أبي إياس الجريري وقال: حسن صحيح. وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم, حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان, حدثنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا الحارث بن عبيد أبو قدامة الأيادي, حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه الأنهار تشخب من جنة عدن في جوبة ثم تصدع بعد أنهاراً» وفي الصحيح «إذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة, وأعلى الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة وفوقه عرش الرحمن».
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا مصعب بن حمزة الزبيري وعبد الله بن الصفر السكري قالا: حدثنا إبراهيم بن المنذر الخزامي, حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة, حدثني عبد الرحمن بن عياش عن دلهم بن الأسود قال دلهم, وحدثنيه أيضاً أبي الأسود عن عاصم بن لقيط قال: إن لقيط بن عامر خرج وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله فعلام نطلع من الجنة ؟ قال صلى الله عليه وسلم: «على أنهار عسل مصفى, وأنهار خمر ما بها من صداع ولا ندامة, وأنهار من لبن لم يتغير طعمه, وماء غير آسن, وفاكهة لعمر إلهك ما تعلمون وخير من مثله, وأزواج مطهرة» قلت: يا رسول الله أولنا فيها زوجات مصلحات ؟ قال «الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذونكم, غير أن لا توالد» وقال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا: حدثنا يعقوب بن عبيدة عن يزيد بن هارون, أخبرني الجريري عن معاوية بن قرة عن أبيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لعلكم تظنون أن أنهار الجنة تجري في أُخدود في الأرض والله إنها لتجري سائحة على وجه الأرض, حافاتها قباب اللؤلؤ وطينها المسك الأذفر, وقد رواه أبو بكر بن مردويه من حديث مهدي بن حكيم عن يزيد بن هارون به مرفوعاً.
وقوله تعالى: {ولهم فيها من كل الثمرات} كقوله عز وجل: {يدعون فيها بكل فاكهة آمنين} وقوله تبارك وتعالى: {فيهما من كل فاكهة زوجان} وقوله سبحانه وتعالى: {ومغفرة من ربهم} أي مع ذلك كله. وقوله سبحانه وتعالى: {كمن هو خالد في النار} أي هؤلاء الذين ذكرنا منزلتهم من الجنة كمن هو خالد في النار ؟ ليس هؤلاء كهؤلاء, وليس من هو في الدرجات كمن هو في الدركات {وسقوا ماء حميم} أي حاراً شديد الحر لا يستطاع {فقطع أمعاءهم} أي قطع ما في بطونهم من الأمعاء والأحشاء ـ عياذاً بالله تعالى من ذلك.

** وَمِنْهُمْ مّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتّىَ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ وَاتّبَعُوَاْ أَهْوَآءَهُمْ * وَالّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ * فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاّ السّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنّىَ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ * فَاعْلَمْ أَنّهُ لاَ إِلَـَهَ إِلا اللّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ
يقول تعالى مخبراً عن المنافقين في بلادتهم وقلة فهمهم, حيث كانوا يجلسون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستمعون كلامه فلا يفهمون منه شيئاً فإذا خرجوا من عنده {قالوا للذين أوتوا العلم} من الصحابة رضي الله عنهم {ماذا قال آنف} أي الساعة. لا يعقلون ما قال ولا يكترثون له. قال الله تعالى: {أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم} أي فلا فهم صحيح ولا قصد صحيح. ثم قال عز وجل: {والذين اهتدوا زادهم هدى} أي والذين قصدوا الهداية وفقهم الله تعالى لها فهداهم إليها وثبتهم عليها وزادهم منها {وآتاهم تقواهم} أي ألهمهم رشدهم. وقوله تعالى: {فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة} أي وهم غافلون عنها {فقد جاء أشراطه} أي أمارات اقترابها كقوله تبارك وتعالى: {هذا نذير من النذر الأولى أزفت الاَزفة} وكقوله جلت عظمته: {اقتربت الساعة وانشق القمر} وقوله سبحانه وتعالى: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} وقوله جل وعلا: {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون} فبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة, لأنه خاتم الرسل الذي أكمل الله تعالى به الدين وأقام به الحجة على العالمين.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأمارات الساعة وأشراطها وأبان عن ذلك وأوضحه بما لم يؤته نبي قبله, كما هو مبسوط في موضعه. وقال الحسن البصري: بعثة محمد صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة وهو كما قال ولهذا جاء في أسمائه صلى الله عليه وسلم أنه نبي التوبة ونبي الملحمة, والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه, والعاقب الذي ليس بعده نبي.
وقال البخاري: حدثنا أحمد بن المقدام, حدثنا فضيل بن سليمان, حدثنا أبو حازم, حدثنا سهل بن سعد رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بأصبعيه هكذا بالوسطى والتي تليها «بعثت أنا والساعة كهاتين» ثم قال تعالى: {فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم} أي فكيف للكافرين بالتذكر إذا جاءتهم القيامة حيث لا ينفعهم ذلك كقوله تعالى: {يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى}. {وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد}. وقوله عز وجل: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} هذا إخبار بأنه لا إله إلا الله ولا يتأتى كونه آمراً بعلم ذلك, ولهذا عطف عليه قوله عز وجل: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين وللمؤمنات} وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني, اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي». وفي الصحيح أنه كان يقول في آخر الصلاة «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت, وما أنت أعلم به مني أنت إلهي لا إله إلا أنت» وفي الصحيح أنه قال: «ياأَيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة».
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن عاصم الأحول قال: سمعت عبد الله بن سرجس قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلت من طعامه فقلت غفر الله لك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم: «ولك» فقلت أستغفر لك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم ولكم» وقرأ {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} ثم نظرت إلى بعض كتفه الأيمن ـ أو كتفه الأيسر شعبة الذي شك ـ فإذا هو كهيئة الجمع عليه الثآليل, ورواه مسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن عاصم الأحول به, وفي الحديث الاَخر الذي رواه أبو يعلى: حدثنا محمد بن عون, حدثنا عثمان بن مطر, حدثنا عبد الغفور عن أبي نصيرة عن أبي رجاء عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار, فأكثروا منهما فإن إبليس قال: إنما أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار, فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء, فهم يحسبون أنهم مهتدون» وفي الأثر المروي «قال إبليس وعزتك وجلالك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم. فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني» والأحاديث في فضل الاستغفار كثيرة جداً. وقوله تبارك وتعالى: {والله يعلم متقلبكم ومثواكم} أي يعلم تصرفكم في نهاركم ومستقركم في ليلكم كقوله تبارك وتعالى: {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار} وقوله سبحانه وتعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} وهذا القول ذهب إليه ابن جريج وهو اختيار ابن جرير, وعن ابن عباس رضي الله عنهما متقلبكم في الدنيا ومثواكم في الاَخرة, وقال السدي متقلبكم في الدنيا ومثواكم في قبوركم, والأول أولى وأظهر, والله أعلم.