تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 51 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 51

51 : تفسير الصفحة رقم 51 من القرآن الكريم

** إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مّنَ اللّهِ شَيْئاً وَأُولَـَئِكَ هُمْ وَقُودُ النّارِ * كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ
يخبر تعالى عن الكفار بأنهم وقود النار {يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار} وليس ما أوتوه في الدنيا من الأموال والأولاد بنافع لهم عند الله, ولا بمنجيهم من عذابه وأليم عقابه, كما قال تعالى: {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بهافي الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون} وقال تعالى: {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد, متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد}, وقال ههنا {إن الذين كفرو} أي بآيات الله, وكذبوا رسله, وخالفوا كتابه, ولم ينتفعوا بوحيه إلى أنبيائه {لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً وأولئك هم وقود النار} أي حطبها الذي تسجر به, وتوقد به, كقوله: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} الاَية. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا ابن أبي مريم, حدثنا ابن لهيعة, أخبرني ابن الهاد عن هند بنت الحارث, عن أم الفضل أم عبد الله بن عباس, قالت: بينما نحن بمكة, قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فنادى «هل بلغت اللهم, هل بلغت» ثلاثاً, فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: نعم, ثم أصبح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليظهرن الإسلام حتى يرد الكفر إلى مواطنه, ولتَخُوضُنّ البحارَ بالإسلام, وليأتين على الناس زمان يتعلمون القرآن ويقرؤونه, ثم يقولون: قد قرأنا وعلمنا, فمن هذا الذي هو خير منا, فهل في أولئك من خير ؟» قالوا: يا رسول الله, فمن أولئك ؟ قال «أولئك منكم, وأولئك هم وقود النار» وكذا رأيته بهذا اللفظ وقد رواه ابن مردويه من حديث يزيد بن عبد الله بن الهاد, عن هند بنت الحارث امرأة عبد الله بن شداد, عن أم الفضل, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة بمكة, فقال «هل بلغت» يقولها ثلاثاً¹ فقام عمر بن الخطاب وكان أواها, فقال: اللهم نعم, وحرصت, وجهدت, ونصحت, فاصبر¹ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ليظهرن الإيمان حتى يرد الكفر إلى مواطنه, وليخوضن رجال البحار بالإسلام,وليأتين على الناس زمان يقرؤون القرآن, فيقرؤونه ويعلمونه, فيقولون: قد قرأنا وقد علمنا فمن هذا الذي هو خير منا ؟ فما في أولئك من خير» قالوا: يا رسول الله, فمن أولئك ؟ قال «أولئك منكم, وأولئك هم وقود النار» ثم رواه من طريق موسى بن عبيد, عن محمد بن إبراهيم عن بنت الهاد عن العباس بن عبد المطلب بنحوه.
وقوله تعالى: {كدأب آل فرعون} قال الضحاك عن ابن عباس: كصنيع آل فرعون, وكذا روي عن عكرمة ومجاهد وأبي مالك والضحاك وغير واحد, ومنهم من يقول: كسنة آل فرعون, وكفعل آل فرعون, وكشبه آل فرعون, والألفاظ متقاربة, والدأب بالتسكين والتحريك كنهر ونهر, هو الصنيع والحال والشأن والأمر والعادة, كما يقال لا يزال هذا دأبي ودأبك, وقال امرؤ القيس:
وقوفاً بها صحبي عليّ مطيهميقولون لا تأسف أسى وتجملكدأبك من أم الحويرث قبلهاوجارتها أم الرباب بمأسل

والمعنى كعادتك في أم الحويرث حين أهلكت نفسك في حبها وبكيت دارها ورسمها, والمعنى في الاَية أن الكافرين لا تغني عنهم الأموال ولا الأولاد, بل يهلكون ويعذبون كما جرى لاَل فرعون ومن قبلهم من المكذبين للرسل فيما جاؤوا به من آيات الله وحججه, {والله شديد العقاب} أي شديد الأخذ أليم العذاب لا يمتنع منه أحد ولا يفوته شيء, بل هوالفعال لما يريد الذي قد غلب كل شيء وذَلّ له كل شي, لا إله غيره ولا رب سواه.


** قُلْ لّلّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىَ جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَىَ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لاُوْلِي الأبْصَارِ
يقول تعالى: قل يا محمد للكافرين {ستغلبون} أي في الدنيا, {وتحشرون} أي يوم القيامة {إلى جهنم وبئس المهاد} وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار عن عاصم بن عمر بن قتادة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصاب من أهل بدر ما أصاب, ورجع إلى المدينة, جمع اليهود في سوق بني قينقاع, وقال «يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بما أصاب قريشاً». فقالوا: يا محمد لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال, إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس, وأنك لم تلق مثلنا, فأنزل الله في ذلك قوله {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ـ إلى قوله ـ لعبرة لأولي الأبصار} وقد رواه محمد بن إسحاق أيضاً, عن محمد بن أبي محمد, عن سعيد أو عكرمة, عن ابن عباس, فذكره, ولهذا قال تعالى: {قد كان لكم آية} أي قد كان لكم أيها اليهود القائلون ما قلتم {آية}, أي دلالة على أن الله معز دينه, وناصر رسوله, ومظهر كلمته, ومعل أمره {في فئتين} أي طائفتين {التقت} أي للقتال {فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة} وهم مشركو قريش يوم بدر, وقوله: { يرونهم مثليهم رأي العين} قال بعض العلماء فيما حكاه ابن جرير: يرى المشركون يوم بدر المسلمين مثليهم في العدد رأي أعينهم, أي جعل الله ذلك فيما رأوه سبباً لنصرة الإسلام عليهم, وهذا لا إشكال عليه إلا من جهة واحدة, وهي أن المشركين بعثوا عمر بن سعد يومئذٍ قبل القتال يَحْزِر لهم المسلمين, فأخبرهم بأنهم ثلثمائة يزيدون قليلاً أو ينقصون, وهكذا كان الأمر. كانوا ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً, ثم لما وقع القتال أمدهم الله بألف من خواص الملائكة وساداتهم.
(والقول الثاني) أن المعنى في قوله تعالى: {يرونهم مثليهم رأي العين} أي ترى الفئة المسلمة الفئة الكافرة مثليهم, أي ضعفيهم في العدد, ومع هذا نصرهم الله عليهم, وهذا لا إشكال فيه على ما رواه العوفي عن ابن عباس: أن المؤمنين كانوا يوم بدر ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً, والمشركين كانوا ستمائة وستة وعشرين رجلاً وكأن هذاالقول مأخوذ من ظاهر هذه الاَية, ولكنه خلاف المشهور عند أهل التواريخ والسير وأيام الناس, وخلاف المعروف عند الجمهور من أن المشركين كانوا ما بين تسعمائة إلى ألف, كما رواه محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان, عن عروة بن الزبير, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, لما سأل ذلك العبد الأسود لبني الحجاج عن عدة قريش قال: كثير, قال «كم ينحرون كل يوم» ؟ قال: يوماً تسعاً ويوماً عشراً, فقال النبي صلى الله عليه وسلم «القوم ما بين التسعمائة إلى الألف». وروى أبو إسحاق السبيعي, عن حارثة, عن علي رضي الله عنه, قال: كانوا ألفاً, وكذا قال ابن مسعود. والمشهور أنهم كانوا ما بين التسعمائة إلى الألف, وعلى كل تقدير كانوا ثلاثة أمثال المسلمين, وعلى هذا فيشكل هذاالقول, والله أعلم, لكن وجه ابن جرير هذا وجعله صحيحاً كما تقول: عندي ألف, وأنا محتاج إلى مثليها, وتكون محتاجاً إلى ثلاثة آلاف, كذا قال, وعلى هذا فلا إشكال, لكن بقي سؤال آخر وهو وارد على القولين, وهو أن يقال: ما الجمع بين هذه الاَية وبين قوله تعالى في قصة بدر {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان مفعول} فالجواب أن هذا كان في حالة والاَخر كان في حالة أخرى, كما قال السدي عن الطيب عن ابن مسعود في قوله تعالى: {قد كان لكم آية في فئتين التقت} الاَية, قال: هذا يوم بدر, قال عبد الله بن مسعود: وقد نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا, ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلاً واحداً, وذلك قوله تعالى: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم} الاَية وقال أبو إسحاق عن أبي عبيدة, عن عبد الله بن مسعود قال: لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جانبي: تراهم سبعين ؟ قال: أراهم مائة, قال: فأسرنا رجلاً منهم, فقلنا, كم كنتم ؟ قال: ألفاً, فعندما عاين كل من الفريقين الاَخر, رأى المسلمون المشركين مثليهم, أي أكثر منهم بالضعف ليتوكلوا ويتوجهوا ويطلبوا الإعانة من ربهم عز وجل, ورأى المشركون المؤمنين كذلك ليحصل لهم الرعب والخوف والجزع والهلع, ثم لما حصل التصاف والتقى الفريقان, قلل الله هؤلاء في أعين هؤلاء, وهؤلاء في أعين هؤلاء, ليقدم كل منهما على الاَخر {ليقضي الله أمراً كان مفعول} أي ليفرق بين الحق والباطل, فيظهر كلمة الإيمان على الكفر والطغيان, ويعز المؤمنين ويذل الكافرين, كما قال تعالى: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة} وقال ههنا {والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار} أي إن في ذلك لمعتبراً لمن له بصيرة وفهم يهتدي به إلى حكمة الله وأفعاله وقدره الجاري بنصر عباده المؤمنين في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.


** زُيّنَ لِلنّاسِ حُبّ الشّهَوَاتِ مِنَ النّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذّهَبِ وَالْفِضّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَاللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ بِخَيْرٍ مّن ذَلِكُمْ لِلّذِينَ اتّقَوْا عِندَ رَبّهِمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مّطَهّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ
يخبر تعالى عما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين, فبدأ بالنساء, لأن الفتنة بهن أشد, كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم, قال «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد, فهذا مطلوب مرغوب فيه, مندوب إليه, كما وردت الأحاديث بالترغيب في التزويج والاستكثار منه, «وإن خير هذه الأمة من كان أكثرها نساء», وقوله صلى الله عليه وسلم «الدنيا متاع, وخير متاعها المرأة الصالحة, إن نظر إليها سرته, وإن أمرها أطاعته وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله» وقوله في الحديث الاَخر «حبب إليّ النساء والطيب, وجعلت قرة عيني في الصلاة». وقالت عائشة رضي الله عنها: لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء إلا الخيل, وفي رواية من الخيل إلا النساء, وحب البنين تارة يكون للتفاخر والزينة, فهو داخل في هذا, وتارة يكون لتكثير النسل وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن يعبد الله وحده لا شريك له, فهذا محمود ممدوح كما ثبت في الحديث «تزوجوا الودود الولود, فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» وحب المال كذلك تارة يكون للفخر والخيلاء والتكبر على الضعفاء والتجبر على الفقراء, فهذا مذموم, وتارة يكون للنفقة في القربات وصلة الأرحام والقرابات ووجوه البر والطاعات, فهذا ممدوح محمود شرعاً وقد اختلف المفسرون في مقدار القنطار على أقوال, وحاصلها أنه المال الجزيل كما قاله الضحاك وغيره, وقيل: ألف دينار, وقيل: ألف ومائتا دينار وقيل اثنا عشر ألفاً, وقيل: أربعون ألفاً, وقيل: ستون ألفاً, وقيل سبعون ألفاً, وقيل: ثمانون ألفاً, وقيل غير ذلك, وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد, حدثنا حماد, عن عاصم, عن أبي صالح, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «القنطار اثنا عشر ألف أوقية, كل أوقية خير مما بين السماء والأرض», وقد رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن حماد بن سلمة به, وقد رواه ابن جرير عن بندار, عن ابن مهدي, عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة, عن أبي صالح, عن أبي هريرة موقوفاً وهذا أصح, وهكذا رواه ابن جرير عن معاذ بن جبل وابن عمر, وحكاه ابن أبي حاتم, عن أبي هريرة وأبي الدرداء, أنهم قالوا: القنطار ألف ومائتا أوقية, ثم قال ابن جرير رحمه الله: حدثنا زكريا بن يحيى الضرير, حدثنا شبابة, حدثنا مخلد بن عبد الواحد, عن علي بن زيد, عن عطاء بن أبي ميمونة, عن زر بن حبيش, عن أبي بن كعب, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية». وهذا حديث منكر أيضاً, والأقرب أن يكون موقوفاً على أبي بن كعب كغيره من الصحابة وقد روى ابن مردويه من طريق موسى بن عبيدة الربذي, عن محمد بن إبراهيم, عن يحَنّش أبي موسى, عن أم الدرداء, عن أبي الدرداء, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ مائة آية لم يكتب من الغافلين, ومن قرأ مائة آية إلى ألف, أصبح له قنطار من أجر عند الله, القنطار منه مثل الحبل العظيم» ورواه وكيع عن موسى بن عبيدة بمعناه, وقال الحاكم في مستدركه: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب, حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد اللخمي بتَنّيس, حدثنا عمرو بن أبي سلمة, حدثنا زهير بن محمد, حدثنا حميد الطويل ورجل آخر, عن أنس بن مالك, قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى {والقناطير المقنطرة} ؟ قال «القنطار ألفا أوقية» صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه, هكذا رواه الحاكم, وقد رواه ابن أبي حاتم بلفظ آخر فقال: أنبأنا أحمد بن عبد الرحمن الرقي, أنبأنا عمرو بن أبي سلمة, أنبأنا زهير يعني ابن محمد, أنبأنا حميد الطويل, ورجل آخر قد سماه يعني يزيد الرقاشي, عن أنس, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, في قوله« قنطار يعني ألف دينار» وهكذا رواه ابن مردويه والطبراني عن عبد الله بن محمد بن أبي مريم, عن عمرو بن أبي سلمة, فذكر بإسناده مثله سواء, وروى ابن جرير عن الحسن البصري: عنه مرسلاً وموقوفاً عليه: القنطار ألف ومائتا دينار, وهو رواية العوفي عن ابن عباس, وقال الضحاك: من العرب من يقول: القنطار ألف دينار, ومنهم من يقول: اثنا عشر ألفاً, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عارم عن حماد عن سعيد الجَريري, عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري, قال: القنطار ملء مسك الثور ذهباً, قال أبو محمد: ورواه محمد بن موسى الحرشي عن حماد بن زيد مرفوعاً, والموقوف أصح.
(وحب الخيل على ثلاثة أقسام) تارة يكون ربطها أصحابها معدة لسبيل الله متى احتاجوا إليها غزوا عليها, فهؤلاء يثابون, وتارة تربط فخراً ونواء لأهل الإسلام, فهذه على صاحبها وزر وتارة للتعفف واقتناء نسلها, ولم ينس حق الله في رقابها فهذه لصاحبها ستر كما سيأتي الحديث بذلك إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} الاَية, وأما المسومة, فعن ابن عباس رضي الله عنهما: المسومة الراعية, والمطهمة الحسان, وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن عبد الله بن أبزى والسدي والربيع بن أنس وأبي سنان وغيرهم, وقال مكحول: المسومة الغرة والتحجيل وقيل: غير ذلك وقد قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الحميد بن جعفر, عن يزيد بن أبي حبيب, عن سويد بن قيس, عن معاوية بن حُديج, عن أبي ذر رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس من فرس عربي إلا يؤذن له مع كل فجر يدعو بدعوتين يقول: اللهم إنك خولتني من بني آدم, فاجعلني من أحب ماله وأهله إليه, أو أحب أهله وماله إليه» وقوله تعالى {والأنعام} يعني الإبل والبقر والغنم, {والحرث} يعني الأرض المتخذة للغراس والزراعة, وقال الإمام أحمد: حدثنا روح بن عبادة, حدثنا أبو نعامة العدوي, عن مسلم بن بديل, عن إياس بن زهير, عن سويد بن هبيرة, عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم, قال «خير مال امرىء له مهرة مأمورة أو سكة مأبورة» المأمورة: الكثيرة النسل, والسكة: النخل المصطف, والمأبورة: الملقحة.
ثم قال تعالى: {ذلك متاع الحياة الدني} أي إنما هذا زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية الزائلة {والله عنده حسن المآب} أي حسن المرجع والثواب.
وقد قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا جرير عن عطاء, عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد. قال: قال عمر بن الخطاب لما نزلت {زين للناس حب الشهوات} قلت: الاَن يا رب حين زينتها لنا, فنزلت {قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقو} الاَية, ولهذا قال تعالى: {قل أؤنبئكم بخير من ذلكم} أي قل يا محمد للناس: أؤخبركم بخير مما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من زهرتها ونعيمها الذي هو زائل لا محالة, ثم أخبر عن ذلك فقال: {للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار} أي تنخرق بين جوانبها وأرجائها الأنهار من أنواع الأشربة من العسل واللبن والخمر والماء وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر {خالدين فيه} أي ماكثين فيها أبد الاَباد لا يبغون عنها حولا, {وأزواج مطهرة} أي من الدنس والخبث والأذى والحيض والنفاس وغير ذلك مما يعتري نساء الدنيا {ورضوان من الله} أي يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم بعده أبداً, ولهذا قال تعالى في الاَية الأخرى التي في براءة {ورضوان من الله أكبر} أي أعظم مما أعطاهم من النعيم المقيم, ثم قال تعالى: {والله بصير بالعباد} أي يعطي كلا بحسب ما يستحقه من العطاء.