تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 522 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 522

522 : تفسير الصفحة رقم 522 من القرآن الكريم

** قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوَاْ إِنّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىَ قَوْمٍ مّجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن طِينٍ * مّسَوّمَةً عِندَ رَبّكَ لِلْمُسْرِفِينَ * فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ الْمُسْلِمِينَ * وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً لّلّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الألِيمَ
قال الله تعالى مخبراً عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط * إن إبراهيم لحليم أواه منيب * يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم)آتيهم عذاب غير مردود} وقال ههنا: {قال فما خطبكم أيها المرسلون} أي ما شأنكم وفيم جئتم {قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين} يعنون قوم لوط {لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة} أي معلمة {عند ربك للمسرفين} أي مكتتبة عنده بأسمائهم كل حجر عليه اسم صاحبه, فقال في سورة العنكبوت: {قال إن فيها لوطاً, قالوا: نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين} وقال تعالى ههنا: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين} وهم لوط وأهل بيته إلا امرأته {فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين} احتج بهذه من ذهب إلى رأي المعتزلة ممن لا يفرق بين مسمى الإيمان والإسلام, لأنه أطلق عليهم المؤمنين والمسلمين, وهذا الاستدلال ضعيف لأن هؤلاء كانوا قوماً مؤمنين, وعندنا أن كل مؤمن مسلم ولا ينعكس فاتفق الاسمان ههنا لخصوصية الحال, ولا يلزم ذلك في كل حال, وقوله تعالى: {وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم} أي جعلناها عبرة لما أنزلنا بهم من العذاب والنكال وحجارة السجيل, وجعلنا محلتهم بحيرة منتنة خبيثة, ففي ذلك عبرة للمؤمنين {الذين يخافون العذاب الأليم}

** وَفِي مُوسَىَ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىَ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مّبِينٍ * فَتَوَلّىَ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ وَهُوَ مُلِيمٌ * وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاّ جَعَلَتْهُ كَالرّمِيمِ * وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتّعُواْ حَتّىَ حِينٍ * فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ * فَمَا اسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ * وَقَوْمَ نُوحٍ مّن قَبْلُ إِنّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ
يقول تعالى: {وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين} أي بدليل باهر وحجة قاطعة {فتولى بركنه} أي فأعرض فرعون عما جاءه به موسى من الحق المبين استكباراً وعناداً. وقال مجاهد: تعزز بأصحابه, وقال قتادة: غلب عدو الله على قومه, وقال ابن زيد {فتولى بركنه} أي بجموعه التي معه ثم قرأ {لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} والمعنى الأول قوي كقوله تعالى: {ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله} أي معرض عن الحق مستكبر {وقال ساحر أو مجنون} أي لا يخلو أمرك فيما جئتني به من أن تكون ساحراً أو مجنوناً قال الله تعالى: {فأخذناه وجنوده فنبذناهم} أي ألقيناهم {في اليم} وهو البحر {وهو مليم} أي وهو ملوم كافر جاحد فاجر معاند.
ثم قال عز وجل {وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم} أي المفسدة التي لا تنتج شيئاً قاله الضحاك وقتادة وغيرهما ولهذا قال تعالى: {ما تذر من شيء أتت عليه} أي مما تفسده الريح {إلا جعلته كالرميم} أي كالشيء الهالك البالي, وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب, حدثنا عمي عبد الله بن وهب, حدثني عبد الله يعني ابن عياش الغساني, حدثني عبد الله بن سليمان عن دراج عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الريح مسخرة من الثانية ـ يعني من الأرض الثانية ـ, فلما أراد الله تعالى أن يهلك عاداً أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحا تهلك عاداً قال أي رب أرسل عليهم الريح قدر منخر الثور ؟ قال له الجبار تبارك وتعالى لا إذاً تطفأ الأرض ومن عليها ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم فهي التي قال الله عز وجل في كتابه: {ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم} هذا الحديث رفعه منكر والأقرب أن يكون موقوفاً على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما من زاملتيه اللتين أصابهما يوم اليرموك, والله أعلم. قال سعيد بن المسيب وغيره في قوله تعالى: {إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم} قالوا: هي الجنوب. وقد ثبت في الصحيح من رواية شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور» {وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين} قال ابن جرير: يعني إلى وقت فناء آجالكم. والظاهر أن هذه كقوله تعالى: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون} وهكذا قال ههنا: {وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون} وذلك أنهم انتظروا العذاب ثلاثة أيام فجاءهم في صبيحة اليوم الرابع بكرة النهار {فما استطاعوا من قيام} أي من هرب ولا نهوض {وما كانوا منتصرين} أي لا يقدرون على أن ينتصروا مما هم فيه. وقوله عز وجل: {وقوم نوح من قبل} أي وأهلكنا قوم نوح من قبل هؤلاء {إنهم كانوا قوماً فاسقين} وكل هذه القصص قد تقدمت مبسوطة في أماكن كثيرة من سور متعددة, والله أعلم.

** وَالسّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنّا لَمُوسِعُونَ * وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ * وَمِن كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ * فَفِرّوَاْ إِلَى اللّهِ إِنّي لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مّبِينٌ * وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ اللّهِ إِلَـَهاً آخَرَ إِنّي لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مّبِينٌ
يقول تعالى منبهاً على خلق العالم العلوي والسفلي {والسماء بنيناه} أي جعلناها سقفاً محفوظا رفيعاً {بأيد} أي بقوة, قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والثوري وغير واحد {وإنا لموسعون} أي قد وسعنا أرجاءها فرفعناها بغير عمد حتى استقلت كما هي {والأرض فرشناه} أي جعلناها فراشاً للمخلوقات {فنعم الماهدون} أي وجعلناها مهداً لأهلها {ومن كل شيء خلقنا زوجين} أي جميع المخلوقات أزواج سماء وأرض وليل ونهار, وشمس وقمر وبر وبحر وضياء وظلام, وإيمان وكفر وموت وحياة وشقاء وسعادة وجنة ونار, حتى الحيوانات والنباتات, ولهذا قال تعالى: {لعلكم تذكرون} أي لتعلموا أن الخالق واحد لا شريك له {ففروا إلى الله} أي الجأوا إليه واعتمدوا في أموركم عليه {إني لكم منه نذير مبين * ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر} أي لا تشركوا به شيئاً {إني لكم منه نذير مبين}.