تفسير الطبري تفسير الصفحة 522 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 522
523
521
 الآية : 30-32
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبّكِ إِنّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ * قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوَاْ إِنّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىَ قَوْمٍ مّجْرِمِينَ }.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل ضيف إبراهيم لزوجته إذ قالت لهم, وقد بشّروها بغلام عليم: أتلد عجوز عقيم قالُوا كَذلِكِ قالَ رَبّكِ يقول: هكذا قال ربك: أي كما أخبرناك وقلنا لك: إنّهُ هُوَ الْحَكِيمُ العَلِيمُ والهاء في قوله: «إنه» من ذكر الربّ, هو الحكيم في تدبيره خلقه, العليم بمصالحهم, وبما كان, وبما هو كائن.
وقوله: قالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أيّها المُرْسَلُونَ يقول: قال إبراهيم لضيفه: فما شأنكم أيها المرسلون قالُوا إنّا أُرْسِلْنا إلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ قد أجرموا لكفرهم بالله.
الآية : 33-35
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن طِينٍ * مّسَوّمَةً عِندَ رَبّكَ لِلْمُسْرِفِينَ * فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }.
لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ يقول: لنمطر عليهم من السماء حجارة من طين مُسَوّمةً يعني: معلّمة. كما:
24928ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: مُسَوّمَةً عِنْدَ رَبّكَ للمُسْرِفِينَ قال: المسوّمة: الحجارة المختومة, يكون الحجر أبيض فيه نقطة سوداء, أو يكون الحجر أسود فيه نقطة بيضاء, فذلك تسويمها عند ربك يا إبراهيم للمسرفين, يعني للمتعدّين حدود الله, الكافرين به من قوم لوط فأَخرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ المُؤْمِنِينَ يقول تعالى ذكره: فأخرجنا من كان في قرية سدوم, قرية قوم لوط من أهل الإيمان بالله وهم لوط وابنتاه, وكنى عن القرية بقوله: مَنْ كانَ فِيها ولم يجر لها ذلك قبل ذلك.
الآية : 36-37
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ الْمُسْلِمِينَ * وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً لّلّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الألِيمَ }.
يقول تعالى ذكره: فما وجدنا في تلك القرية التي أخرجنا منها من كان فيها من المؤمنين غير بيت من المسلمين, وهو بيت لوط.
24929ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَمَا وَجَدْنا فيها غَيرَ بَيْت مِنَ المُسْلِمِينَ قال: لو كان فيها أكثر من ذلك لأنجاهم الله, ليعلموا أن الإيمان عند الله محفوظ لا ضيعة على أهله.
24930ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فَمَا وَجَدْنا فِيها غَيرَ بَيْتٍ مِنَ المُسْلِمِينَ قال: هؤلاء قوم لوط لم يجدوا فيها غير لوط.
24931ـ حدثني ابن عوف, قال: حدثنا المعتمر, قال: حدثنا صفوان, قال: حدثنا أبو المثنى ومسلم أبو الحيل الأشجعيّ قال الله: فَمَا وَجَدْنا فِيها غَيرَ بَيْتٍ مِنَ المُسْلِمِينَ لوطا وابنتيه, قال: فحلّ بهم العذاب, قال الله: وَتَرَكْنا فِيها آيَةً للّذِينَ يَخَافُونَ العَذَابَ الألِيمَ.
وقوله: وَتَرَكْنا فِيها آيَةً للّذِينَ يَخَافُونَ العَذَابَ الألِيمَ يقول: وتركنا في هذه القرية التي أخرجنا من كان فيها من المؤمنين آية, وقال جلّ ثناؤه: وَتَرَكْنا فِيها آيَةً والمعنى: وتركناها آية لأنها التي ائتفكت بأهلها, فهي الاَية, وذلك كقول القائل: ترى في هذا الشيء عبرة وآية ومعناها: هذا الشيء آية وعبرة, كما قال جلّ ثناؤه لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَآخْوَتِهِ آياتٌ للسّائِلِينَ وهم كانوا الاَيات وفعلهم, ويعني بالاَية: العظة والعبرة, للذين يخافون عذاب الله الأليم في الاَخرة.
الآية : 38-39
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَفِي مُوسَىَ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىَ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مّبِينٍ * فَتَوَلّىَ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ }.
يقول تعالى ذكره وفي موسى بن عمران إذ أرسلناه إلى فرعون بحجة تبين لمن رآها أنها حجة لموسى على حقيقة ما يقول ويدعو إليه. كما:
24932ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ يقول: بعذر مبين.
وقوله: فَتَوَلّى بِرُكْنِهِ يقول: فأدبر فرعون كما أرسلنا إليه موسى بقومه من جنده وأصحابه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظ قائليه فيه. ذكر من قال ذلك:
24933ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: فَتَوَلّى بِرُكُنِهِ يقول لقومه, أو بقومه, أنا أشكّ.
24934ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: فَتَوَلّى بِرُكْنهِ قال: بعضده وأصحابه.
24935ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: فَتَوَلّي بِرُكْنِهِ غلب عدوّ الله على قومه.
24936ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله تبارك وتعالى فَتَوَلّى بِرُكْنِهِ قال: بجموعه التي معه, وقرأ لَوْ أنّ لي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلى رُكنٍ شَدِيدٍ قال: إلى قوة من الناس إلى ركن أجاهدكم به قال: وفرعون وجنوده ومن معه ركنه قال: وما كان مع لوط مؤمن واحد قال: وعرض عليهم أن يُنكحهم بناته رجاء أن يكون له منهم عضد يعينه, أو يدفع عنه, وقرأ هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال: يريد النكاح, فأبوا عليه, وقرأ قول الله تبارك وتعالى: لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقَ وَإنّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ أصل الركن: الجانب والناحية التي يعتمد عليها ويقوَى بها.
وقوله: وَقالَ ساحِرٌ أوْ مَجْنُونٌ يقول: وقال لموسى: هو ساحر يسحر عيون الناس, أو مجنون, به جِنّة. وكان معمر بن المثنى يقول: أو في هذا الموضع بمعنى الواو التي للموالاة, لأنهم قد قالوهما جميعا له, وأنشد في ذلك بيت جرير الخطفي:
أَثَعْلَبَةَ الفَوَارِسَ أوْ رِياحاعَدَلَتْ بِهِمْ طُهَيّةَ والخِشابا
الآية : 40
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ وَهُوَ مُلِيمٌ }.
يقول تعالى ذكره: فأخذنا فرعون وجنوده بالغضب منا والأسف فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمّ يقول فألقيناهم في البحر, فغرّقناهم فيه وَهُوَ مُلِيمٌ يقول: وفرعون مليم, والمليم: هو الذي قد أتى ملايُلام عليه من الفعل. وكان قتادة يقول في ذلك ما:
24937ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَهُوَ مُلِيمٌ: أي مليم في نعمة الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: وَهُوَ مُلِيمٌ قال: مُليم في عباد الله.
وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله «فأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُ».
الآية : 41-42
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاّ جَعَلَتْهُ كَالرّمِيمِ }.
يقول تعالى ذكره: وفِي عادٍ أيضا, وما فعلنا بهم لهم آية وعبرة إذْ أرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرّيحَ العَقِيمَ يعني بالريح العقيم: التي لا تلقح الشجر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24938ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن خَصِيف, عن عكرِمة, عن ابن عباس, قال: الريح العقيم: الريح الشديدة التي لا تُلْقح شيئا.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: الرّيحَ العَقِيمِ قال: لا تلقح الشجر, ولا تثير السحاب.
24939ـ حدثنا محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, هذا الريح العقيم, قال: ليس فيها رحمة ولا نبات, ولا تلقح نباتا.
24940ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا سليمان أبو داود, قال: أخبرنا شعبة, عن شاس, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الرّيحَ العَقِيم قال: لا تلقح.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا شيخ من أهل خراسان من الأزد, ويكنى أبا ساسان, قال: سألت الضحاك بن مزاحم, عن قوله: الرّيحَ العَقِيمَ قال: الريح التي ليس فيها بركة ولا تلقح الشجر.
24941ـ حدثنا محمد بن عبد الله الهلاليّ, قال: حدثنا أبو عليّ الحنفيّ, قال: حدثنا ابن أبي ذئب, عن الحارث بن عبد الرحمن, عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: الرّيحَ العَقِيمَ الجنوب.
حدثنا أحمد بن الفرج, قال: حدثنا ابن أبي فديك, قال: حدثنا ابن أبي ذئب, عن خاله الحارث بن عبد الرحمن يقول: العقيم: يعني: الجنوب.
24942ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وفِي عادٍ إذْ أرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرّيحَ العَقِيمَ إن من الريح عقيما وعذابا حين ترسل لا تلقح شيئا, ومن الريح رحمة يثير الله تبارك وتعالى بها السحاب, وينزل بها الغيث. وذُكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «نُصِرْتُ بالصبّا وأُهْلِكَتْ عادٌ بالدّبُورِ».
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن ابن عباس, بمثله.
24943ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: الرّيحَ العَقِيمَ قال: الريح التي لا تنبت.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الرّيحَ العَقِيمَ: التي لا تلقح شيئا.
24944ـ حدثني ابن حَميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, قال الرّيحَ العَقِيمَ: التي لا تنبت شيئا.
24945ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وفِي عادٍ إذْ أرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرّيحَ العَقِيمَ قال: إن الله تبارك وتعالى يُرسل الريح بُشرا بين يدي رحمته, فيحيي به الأصل والشجر, وهذه لا تلقح ولا تحيى, هي عقيم ليس فيها من الخير شيء, إنما هي عذاب لا تلقح شيئا, وهذا تلقح, وقرأ وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ. وقوله: ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أتَتْ عَلَيْهِ إلاّ جَعَلَتْهُ كالرّمِيمِ والرميم في كلام العرب: ما يبس من نبات الأرض وديس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك, وإن اختلفت ألفاظهم بالعبارة عنه:
24946ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أتَتْ عَلَيْهِ إلاّ جَعَلَتْهُ كالرّمِيمِ قال: كالشيء الهالك.
24947ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: كالرّمِيمِ قال: كالشيء الهالك.
24948ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة كالرّمِيمِ: رميم الشجر.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: إلاّ جَعَلَتْهُ كالرّمِيمِ قال: كرميم الشجر.
الآية : 43-44
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتّعُواْ حَتّىَ حِينٍ * فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وفي ثمود أيضا لهم عبرة ومتعظ, إذ قال لهم ربهم, يقول: فتكبروا عن أمر ربهم وعلَوْا استكبارا عن طاعة الله. كما:
24949ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: فَعَتَوْا قال: عَلَوْا.
24950ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَعَتَوْا عَنْ أمْرِ رَبّهِمْ قال: العاتي: العاصي التارك لأمر الله.
وقوله: فأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ يقول تعالى ذكره: فأخذتهم صاعقة العذاب فجأة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24951ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: فأَخَذَتْهُمْ الصّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وهم ينتظرون, وذلك أن ثمود وُعِدَتِ العذاب قبل نزوله بهم بثلاثة أيام وجُعِل لنزوله عليهم علامات في تلك الثلاثة, فظهرت العلامات التي جعلت لهم الدالة على نزولها في تلك الأيام, فأصبحوا في اليوم الرابع موقنين بأن العذاب بهم نازل, ينتظرون حلوله بهم. وقرات قراء الأمصار خلا الكسائيّ فأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ بالألف. ورُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ ذلك «فأَخَذَتْهُمُ الصّعْقَةُ» بغير ألف.
24952ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن السديّ, عن عمرو بن ميمون الأَودِي, أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ «فأَخَذَتْهُمُ الصّعْقَةُ», وكذلك قرأ الكسائي: وبالألف نقرأ الصاعقة لإجماع الحجة من القرّاء عليها.
الآية : 45-46
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَمَا اسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ * وَقَوْمَ نُوحٍ مّن قَبْلُ إِنّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ }.
يقول تعالى ذكره: فما استطاعوا من دفاع لما نزل بهم من عذاب الله, ولا قدروا على نهوض به. كما:
24953ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ يقول: ما استطاع القوم نهوضا لعقوبة الله تبارك وتعالى.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ قال: من نهوض.
وكان بَعْض أهل العربية يقول: معنى قوله: فَما اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ: فما قاموا بها, قال: لو كانت فما استطاعوا من إقامة, لكان صوابا, وطرح الألف منها كقوله: أنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَباتا.
وقوله: وَما كانُوا مُنْتَصِرينَ يقول: وما كانوا قادرين على أن يستقيدوا ممن أحل بهم العقوبة التي حلّت بهم. وكان قتادة يقول في تأويل ذلك ما:
24954ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ قال: ما كانت عندهم من قوّة يمتنعون بها من الله عزّ وجلّ.
وقوله: وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إنّهُمْ كانُوا قَوْما فاسِقِينَ اختلفت القرّاء في قراءة قوله: وَقَوْم نُوح نصبا. ولنصب ذلك وجوه: أحدها: أن يكون القوم عطفا على الهاء والميم في قوله: فأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ إذ كان كلّ عذاب مهلك تسميه العرب صاعقة, فيكون معنى الكلام حينئذٍ: فأخذتهم الصاعقة وأخذت قوم نوح من قبل. والثاني: أن يكون منصوبا بمعنى الكلام, إذ كان فيما مضى من أخبار الأمم قبلُ دلالة على المراد من الكلام, وأن معناه: أهلكنا هذه الأمم, وأهلكنا قوم نوح من قبل. والثالث: أن يضمر له فعلاً ناصبا, فيكون معنى الكلام: واذكر لهم قوم نوح, كما قال: وَإبْرَاهِيمَ إذْ قالَ لِقَوْمِهِ ونحو ذلك, بمعنى أخبرهم واذكر لهم. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة «وَقَوْمِ نُوحٍ» بخفض القوم على معنى: وفي قوم نوح عطفا بالقوم على موسى في قوله: وَفِي مُوسَى إذْ أرْسَلْناهُ إلى فِرْعَوْنَ.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان في قرأة الأمصار, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب, وتأويل ذلك في قراءة من قرأه خفضا وفي قوم نوح لهم أيضا عبرة, إذ أهلكناهم من قبل ثمود لما كذّبوا رسولنا نوحا إنّهُمْ كانُوا قَوْما فاسِقِينَ يقول: إنهم كانوا مخالفين أمر الله, خارجين عن طاعته.
الآية : 47-48
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالسّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنّا لَمُوسِعُونَ * وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ }.
يقول تعالى ذكره: والسماء رفعناها سقفا بقوّة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24955ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: والسّماءَ بَنَيْناها بأَيْدٍ يقول: بقوّة.
24956ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: بأَيْدٍ قال: بقوّة.
24957ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة والسّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ: أي بقوّة.
24958ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور أنه قال في هذه الاَية: والسّماءَ بَنَيْناها بأَيْدٍ قال: بقوّة.
24959ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: والسّماءَ بَنَيْناها بأَيْدٍ قال: بقوّة.
24960ـ حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان والسّماءَ بَنَيْناها بأَيْدٍ قال: بقوّة.
وقوله: وَإنّا لَمُوسِعُونَ يقول: لذو سعة بخلقها وخلق ما شئنا أن نخلقه وقدرة عليه. ومنه قوله: عَلى المُوسعِ قَدَرُهُ وَعن المُقْتِرِ قَدَرُهُ يراد به القويّ. وقال ابن زيد في ذلك ما:
24961ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَإنّا لَمُوسِعُونَ قال: أوسعها جلّ جلاله.
وقوله: والأرْضَ فَرَشْناها يقول تعالى ذكره: والأرض جعلناها فراشا للخلق فَنَعْمَ المَاهِدونَ يقول: فنعم الماهدون لهم نحن.
الآية : 49
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَمِن كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وخلقنا من كلّ شيء خلقنا زوجين, وترك خلقنا الأولى استغناء بدلالة الكلام عليها.
واختلُف في معنى خَلَقْنا زَوْجَيْنِ فقال بعضهم: عنى به: ومن كلّ شيء خلقنا نوعين مختلفين كالشقاء والسعادة والهدى والضلالة, ونحو ذلك. ذكر من قال ذلك:
24962ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, قال: حدثنا ابن جريج, قال: قال مجاهد, في قوله: وَمِنْ كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجِينِ قال: الكفر والإيمان, والشقاوة والسعادة, والهدى والضلالة, والليل والنهار, والسماء والأرض, والإنس والجنّ.
24963ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير, قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاريّ, قال: حدثنا عوف, عن الحسن, في قوله: وَمِنْ كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ قال: الشمس والقمر.
وقال آخرون: عنى بالزوجين: الذكر والأنثى. ذكر من قال ذلك:
24964ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَمِنْ كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ قال: ذكرا وأنثى, ذاك الزوجان, وقرأ وأصْلَحْنا لَهُ زَوْجَة قال: امرأته.
وأولى القولين في ذلك قول مجاهد, وهو أن الله تبارك وتعالى, خلق لكلّ ما خلق من خلقه ثانيا له مخالفا في معناه, فكلّ واحد منهما زوج للاَخر, ولذلك قيل: خلقنا زوجين. وإنما نبه جلّ ثناؤه بذلك من قوله على قُدرته على خلق ما يشاء خلقه من شيء, وأنه ليس كالأشياء التي شأنها فعل نوع واحد دون خلافه, إذ كلّ ما صفته فعل نوع واحد دون ما عداه كالنار التي شأنها التسخين, ولا تصلح للتبريد, وكالثلج الذي شأنه التبريد, ولا يصلح للتسخين, فلا يجوز أن يوصف بالكمال, وإنما كمال المدح للقادر على فعل كلّ ما شاء فعله من الأشياء المختلفة والمتفقة.
وقوله: لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ يقول: لتذكروا وتعتبروا بذلك, فتعلموا أيها المشركون بالله أن ربكم الذي يستوجب عليكم العبادة هو الذي يقدر على خلق الشيء وخلافه, وابتداع زوجين من كلّ شيء لا ما لا يقدر على ذلك.
الآية : 50-51
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَفِرّوَاْ إِلَى اللّهِ إِنّي لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مّبِينٌ * وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ اللّهِ إِلَـَهاً آخَرَ إِنّي لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مّبِينٌ }.
يقول تعالى ذكره: فاهربوا أيها الناس من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به, واتباع أمره, والعمل بطاعته إنّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ يقول: إني لكم من الله نذير أنذركم عقابه, وأخوّفكم عذابه الذي أحله بهؤلاء الأمم الذي قصّ عليكم قصصهم, والذي هو مذيقهم في الاَخرة.
وقوله: مُبِينٌ يقول: يبين لكم نذارته.
وقوله: وَلا تَجْعَلُوا مَعَ الله إلَها آخَرَ يقول جل ثناؤه: ولا تجعلوا أيها الناس مع معبودكم الذي خلقكم معبودا آخر سواه, فإنه لا معبود تصلح له العبادة غيره إنّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ يقول: إني لكم أيها الناس نذير من عقابه على عبادتكم إلها غيره, مبين قد أبان لكم النذارة