تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 101 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 101

 {ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَـٰفِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَـٰفِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }
، وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَـٰفِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً في معنى هذه الآية أوجه للعلماء:
منها : أن المعنى ولن يجعل اللَّه للكافرين على المؤمنين يوم القيامة سبيلاً ، وهذا مروي عن علي بن أبي طالب ، وابن عباس رضي اللَّه عنهم ويشهد له قوله في أول الآية : {فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَـٰفِرِينَ} ، وهو ظاهر . قال ابن عطية : وبه قال جميع أهل التأويل ، كما نقله عنه القرطبي ، وضعفه ابن العربي زاعمًا أن آخر الآية غير مردود إلى أولها .
ومنها : أن المراد بأنه لا يجعل لهم على المؤمنين سبيلاً ، يمحوا به دولة المسلمين ويستأصلهم ويستبيح بيضتهم ، كما ثبت في «صحيح مسلم» وغيره عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ثوبان ، أنه قال : « وإني سألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة بعامة وألا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم ، فيستبيح بيضتهم ، وإن اللَّه قد أعطاني لأمتي ذلك حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا ، ويسبي بعضهم بعضًا » ، ويدلّ لهذا الوجه آيات كثيرة كقوله : {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَ} ، وقوله : {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ} ، وقوله : {وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلاْرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى} ، إلى غير ذلك من الآيات .
ومنها : أن المعنى أنه لا يجعل لهم عليهم سبيلاً إلا أن يتواصوا بالباطل ولا يتناهوا عن المنكر ، ويتقاعدوا عن التوبة فيكون تسليط العدو عليهم من قبلهم ، كما قال تعالىٰ : {وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} .
قال ابن العربي : وهذا نفيس جدًا وهو راجع في المعنى إلى الأول ؛ لأنهم منصورون لو أطاعوا ، والبلية جاءتهم من قبل أنفسهم في الأمرين .
ومنها : أنه لا يجعل لهم عليهم سبيلاً شرعًا ، فإن وجد فهو بخلاف الشرع . ومنها : أن المراد بالسبيل الحجّة ، أي : ولن يجعل لهم عليهم حجة ، ويبيّنه قوله تعالىٰ : {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَـٰكَ بِٱلْحَقّ وَأَحْسَنَ تَفْسِير} ، وأخذ بعض العلماء من هذه الآية الكريمة منع دوام ملك الكافر للعبد المسلم ، والعلم عند اللَّه تعالىٰ .
{إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً * مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً * يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً }
، وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً بيّن في هذه الآية الكريمة صفة صلاة المنافقين بأنهم يقومون إليها في كسل ورياء ، ولا يذكرون اللَّه فيها إلا قليلاً ، ونظيرها في ذمهم على التهاون بالصلاة ، قوله تعالىٰ : {وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ} ، وقوله : {فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـٰتِهِمْ سَاهُونَ} ، ويفهم من مفهوم مخالفة هذه الآيات أن صلاة المؤمنين المخلصين ليست كذلك ، وهذا المفهوم صرح به تعالىٰ في آيات كثيرة بقوله : {قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ} ، وقوله : {وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ} ، وقوله : {يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوّ وَٱلاْصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَـٰرَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ} ، إلى غير ذلك من الآيات .

{إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلاٌّسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً * إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً * مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنْتُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ شَـٰكِراً عَلِيماً * لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً * إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهْ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوۤءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً * إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً * وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }
، إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلاٌّسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ ذكر في هذه الآية الكريمة أن المنافقين في أسفل طبقات النار ، عياذًا باللَّه تعالىٰ .
وذكر في موضع آخر أن آل فرعون يوم القيامة يؤمر بإدخالهم أشدّ العذاب ، وهو قوله : {وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُواْ ءالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ} .
وذكر في موضع آخر أنه يعذب من كفر من أصحاب المائدة عذابًا لا يعذّبه أحدًا من العالمين ، وهو قوله تعالىٰ : {قَالَ ٱللَّهُ إِنّى مُنَزّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنّى أُعَذّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذّبُهُ أَحَداً مّنَ ٱلْعَـٰلَمِينَ} ، فهذه الآيات تبيّن أن أشدّ أهل النار عذابًا المنافقون وآل فرعون ومن كفر من أصحاب المائدة ، كما قاله ابن عمر رضي اللَّه عنهما والدرك بفتح الراء وإسكانها ، لغتان معروفتان وقراءتان سبعيتان .